عن جماعة الإحوان المسلمين .. والإقطاع … وصلاح حسين

 

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

فى عام 1953 قطع صلاح حسين كل صلة له بجماعة الإخوان المسلمين وأغلق شعبتهم فى كمشيش منهيا بذلك عاما كاملا من المراوغة والمماطلة التى استخدمتها معه الجماعة بشأن مطالبته لها بمساعدة فلاحى قريته ضد مظالم الإقطاع.

الكثيرين من مناضلى اليوم شديد اليقين بأن الممارسة والسلوك العملى هما المرآة التى تعكس بدقة كل ما تعتنقه كل الهيئات والجماعات السياسية من معان وقيم وماتختطه من أفكار وسياسات. .

وبالرغم من تقدمه صفوف كل معارك الفلاحين المسلحة ضد الإقطاع فى قريته ومساندته لهم فى الحصول على الأرض المهربة من قانون الإصلاح الزراعى لمدة تسع سنوات ، وبالرغم من تحذيراته لهم ولرفاقه بضرورة اليقظة وحماية الأرض من الهجمات الرجعية المتوقعة والمحتملة إلا أن كثيرا من رفاقه لم يتنبهوا لذلك، بل إن عددا من أبناء منتفعى الإصلاح الزراعى فى القرية من الذين دخلوا المدارس لأول مرة فى ظل مجانية التعليم وتربوا على ما تغله هذه الأرض من خيرات.. وانتموا إلى جماعة الإخوان كانوا السند المعنوى والإيديولوجى للأسرة الإقطاعية فى محاواتها لاستعادة أراضى الإصلاح الزراعى فى السنوات الأخيرة بينما مثلت الهيئة العامة للإصلاح الزراعى وأجهزة الشرطة السند المادى لتلك المحاولات.

باختصار أكمل أعضاء جماعة الإخوان من أبناء منتفعى الإصلاح الزراعى بكمشيش ـ أكملوا القصيدة التى بدأها كفرا قادة الجماعة بالمنوفية عندما قالوا لصلاح حسين ( لقد خلقنا بعضكم فوق بعض درجات) ليس هذا وفقط بل لعبوا الدور الذى حذر صلاح منه الفلاحين عندما أيقن أن هناك تحركا رجعيا داخليا يستهدف الإنقضاض على مكتسبات الفلاحين وغيرهم .

لقد كان ذلك إبان إقامة العزاء فى وفاة والدة الإقطاعى صلاح الفقى عام 1965 بقرية كمشيش .. فقد لاحظ صلاح حسين وجود عدة مئات من السيارات الخاصة قابعة حول قصور الأسرة الإقطاعية لا تتحرك لمدة أربعة أيام متصلة ، يومها سجل أرقامها وأدرك أنها قادمة من أغلب محافظات مصر ، وأن بقاءها دون حركة لعدة أيام لا يعنى سوى أن هناك اجتماعا رجعيا يجرى عقده تحت غطاء واجب العزاء.

أعلن هذا .. وكتبه وأشاعه وأرسله فى كل اتجاه مؤكدا أن هناك ضربة يجرى الإعداد لها ضد مصر وذلك من متابعته للأوضاع السياسية فى المنطقة ولما استنتجه من عقد ذلك الإجتماع الإقطاعى.

وبعد عام واحد لقى مصرعه حيث تكالبت عليه كل قوى الشر والظلام من كل جانب.

لم يكن ذلك موقف الجماعة فى المنوفية فقط فقد اتخذته أيضا فى بهوت دقهلية من سنوات قليلة إبان الصراع الأخير بين الفلاحين وعائلة البدراوى الإقطاعية وانحازت فى ذلك الصراع إلى جانب ورثة الإقطاع وضد الفلاحين.

ُم تكرر نفس الموقف فى برنامج العاشرة مساء على قناة دريم التيليفزيوية منذ أكثر من عام فى مناقشته لموضوع الإصلاح الزراعى حيث ذكر ممثل الجماعة أن الإخوان كانوا ضد قانون الإصلاح الزراعى 178/1952 لسببين:

أولهما: أن دعاية أمريكية بشأن تحديد الملكية فى مصر قد سرت قبيل إصدار القانون بمعنى أنه إيحاء أو إملاء أمريكى أجنبى صرف وليس نابعا من أفكار ضباط يوليو.

والثانى هو أنهم كانوا يرون ألا يقل الحد الأقصى للملكية عن خمسمائة فدان بدلا من مائتى فدان، بينما تعمّد ممثل الجماعة إخفاء سبب ثالث يتعلق بمن حددهم القانون من الفلاحين للإنتفاع بالأرض المصادرة من الإقطاع.

لقد كان البرنامج التيليفزيونى
برغم مآخذنا عليه
فرصة مهمة لتعَرُّف قطاعات واسعة من الجمهور فى الريف والمدن على رأى صريح لجماعة الإخوان فى مسألة شائكة يتهربون دائما من إعلانه هو موضوع الإصلاح الزراعى على لسان أحد أعضاء مكتب الإرشاد.

وإذا ما عرفنا أن متوسط نصيب الفرد فى مصر(6,5 ) ستة قراريط ونصف إبان صدور القانون عام 1952 باعتبار أن عدد السكان (22) اثنين وعشرين مليون نسمة بينما مساحة الأرض الزراعية حوالى (6) ستة ملايين فدان وأن ما قرره القانون كحد أقصى لملكية الأرض الزراعية آنذاك كان (200 ) مائتى فدان للفرد فقط يرتفع بمقدار النصف إلى (300) ثلاثمائة فدان للأسرة.

لو عرفنا ذلك لأدركنا أن جماعة الإخوان كانت ترى أن الحد الأقصى لملكية الأسرة يصبح (750) سبعمائة وخمسين فدانا .. حيث أنها اقترحت (500) خمسمائة فدان للفرد.

وأذا ما أضفنا لها (100) مائة فدان وهى أقل مساحة تم تهريبها من القانون من جانب أى إقطاعى من الإقطاعيين لأدركنا أن النصيب الفعلى لما يجب أن تملكه الأسرة الإقطاعية حسب رأى جماعة الإخوان يبلغ (850) ثمانمائة وخمسين فدانا فى مجتمع فقير كمصر لا يتعدى نصيب الفرد من الأرض ستة قراريط ونصف وبذلك تكون النسبة بين الحد الأقصى للملكية ومتوسط نصيب الفرد يتجاوز ثلاثة آلاف مِثْل.

أمّا ما حجبه عمدا ممثل الجماعة فى حديثه للبرنامج فقد أتى ذكره فى الجزء الثالث من كتاب

" الإخوان المسلمون .. أحداث صنعت التاريخ" ص 83-91 الصادر عام 1986 لأبرز مؤرخى الجماعة وأول رئيس لجهازها السرى المسلح المرحوم محمود عبد الحليم حيث قال:

( أن الجماعة كانت ترى توزيع أراضى الإصلاح الزراعى على الفلاحين الأثرياء ليتمكنوا من العناية بالأرض والصرف عليها بما يرفع إنتاجها ويحسن أحوال زُرّاعها وحتى لا تتدهور أوضاعهم من سئ إلى أسوأ كما هو الحال الآن.)

وعليه ترفض الجماعة القانون بسبب انخفاض الحد الأقصى للملكية عن خمسمائة فدان وبسبب توزيع الأرض على الفلاحين المعدمين والفقراء.

وإذا ما عرفنا أن الإصلاح الزراعى الذى تم تطبيقه فى أى بلد من بلدان العالم الرأسمالى كفرنسا وانجلترا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها يقوم على دعامتين هما الحد الأقصى للملكية وتوزيع الأرض على المعدمين والفقراء من الفلاحين وبدونهما لايمكن الحديث عن إصلاح زراعى.. لو عرفنا هذا لفهمنا أن جماعة الإخوان كانت ضد الإصلاح الزراعى

وضد مبدأ الإصلاح الزراعى.

ولو عرف الإخوان أن الثورة الفرنسية أهم وأشهر الثورات الرأسمالية فى أوربا التى يتم تدريسها كنموذج للثورة ضد الإقطاع فى كل مدارس ومعاهد وجامعات الدنيا.. قد هب فيها الفلاحون الفرنسيون هبة هائلة قضت على النظام الإقطاعى بضربة واحدة واستولت على الأرض بعد أن ذبحت أعدادا لاتحصى من الإقطاعيين وظلوا فى تلك الأرض حتى هذه اللحظة وأطلق عليها المؤرخون ثورة (الحرية والإخاء والمساواة) .. لو عرفت جماعة الإخوان هذه الثورة وأهدافها لأعلنت عداءها لها ووقفت فى صف الإقطاعيين وضد الفلاحين.

إن الإصلاح الزراعى إجراء رأسمالى بحت وليس إجراء إشتراكيا والغرض منه هو منع تركز الأرض الزراعية ومنع تراكم الثروات لدى عدد محدود جدا من الإقطاعيين ( وهو ما رفضه الفلاحون فى كل أرجاء الدنيا) لأن الأغلبية الساحقة من الإقطاعيين تكتنز تلك الأموال والثروات التى تدرها الأرض ولا تستثمرها فى النمو الاقتصادى وإذا أنفقت منها ففى الأمور الترفيهية والاستهلاكية كاقتناء التحف والقصور والمجوهرات وغيرها مما يصيب المجتمع

بالهزال والخمول ويصيب النشاط الاقتصادى بالكساد وينعكس على وضع الدولة فتضعف وتترهل وتظل أسيرة للدول والقوى الأجنبية بما لذلك من نتائج وخيمة على وقف تطور المجتمع وبالتالى على استقلاله وانتشار الفساد والقهر وعلى أحوال المواطنين فيحرمهم من التعليم والصحة والثقافة والسكن والحرية وينشر الفقر واليأس ويجثم على صدورهم ويمنعهم من أطلاق طاقاتهم ومواهبهم والاستفادة منها ، لو علمنا ذلك لأدركنا أن اتهام الكثيرين لجماعة الإخوان برغبتها فى إعادة المجتمع للوراء إلى القرون الوسطى ليست شائعة مغرضة بل حقيقة صائبة.. ولفهمنا لماذا كانوا ولازالوا ضد مبدأ وقانون الإصلاح الزراعى .. وهو ما فسره ممثلهم فى برنامج العاشرة مساء وأوضحه مؤرخهم فى كتابه المذكور وروجه صغارهم فى قرى مصر ونجوعها.

لقد كان تحالفهم وتعاطفهم مع كل القوى الظلامية التى دمرت التماثيل فى أفغانستان ، ومع الإقطاع الذى أبقى المجتمع المصرى حتى منتصف القرن الماضى فى حالة أقرب لمجتمعات القرون الوسطى، ومع الملك والإحتلال البريطانى وأحزاب الأقلية ضد الشعب وحزب الوفد . لقد كان تحالفهم هذا يستهدف بسط نفوذهم على الشعب والاستيلاء على الحكم لإعلان الخلافة الإسلامية وقطع طريق الاستقلال عن القوى الأجنبية.

لقد أدرك صلاح حسين كل ذلك من واقعة واحدة وأيقن من خلال تجربته وقراءاته أنهم ضد الفقراء ومع أية جهة تيسر لهم الاستيلاء على الحكم ويستخدمون الدين لستر هذه العورات ، لذاك كانت قطيعته مع جماعة الإخوان باتّة ونهائية .. إلا أن تحذيراته من مخاطر الردة المحتملة لم تجد من ينصت إليها ولا من يضعها موضع التنفيذ.

8/9/2007 بشير صقر

* نشرت بجريدة البديل القاهرية فى 11/9/2007 ص10