محاضرة عن .. الفجوة القمحية فى مصر

محاضرة الدكتور عبد السلام جمعة بصالون ابن لقمان الثقافى بالمنصورة .

قام العالم المصرى د. عبد السلام جمعة الرئيس الأسبق لمركز البحوث الزراعية والذى شغل عدة مناصب علمية مرموقة فى مصر والخارج والملقب ب أبو القمح لاستنباطه الكثير من سلالات القمح عالية الإنتاج .. قام بإلقاء المحاضرة التاليةفى الصالون مساء الجمعة 28/12/2007 نعرضها بشكل موجز .. كما سنورد فى الأيام القليلة القادمةرأى اللجنة فيما دار فى المحاضرة فى مقال مستقل:

موجز المحاضرة:

الجزء الأول

الزراعة دعامة أساسية للبنيان الإقتصادي والاجتماعي المصري خصوصا في ارتباطها بعديد من الأنشطة التى يمارسها أكثر من نصف السكان.وتتعاظم أهميتها في الوقت الراهن بسبب الفجوة الغذاية التي لازالت تؤثر في الاقتصاد القومي خصوصا في محاصيل الحبوب الرئيسية (القمح والذرة الصفراء). وتمثل قضية تأمين الغذاء واحدة من أهم الأوليات الموجبة للإهتمام بغرض تضييقها وتحجيمها خصوصا وأن طموحات المجتمع أصبحت لاتقنع إلا بتحقيق الإكتفاء الذاتي من القمح بإعتباره نمط الغذاء الشعبي السائد.ولن يتأتى لك إلا من خلال: ·        تحقيق أقصى انتاجية .·        وأكبر معدل تنمية لموارد الزراعة المتاحة حاليا أو المحتملة من الأرض والمياة.الوضع الراهن للزراعة المصرية تتلخص مشاكل الزراعة في ثلاثة محاور اساسية: أولا: ما يتعلق باستخدام الموارد الزراعية ويتمثل ذلك في: 1-     رقعة زراعية ضيقة لا تتوازن مع النمو السكاني المتزايد.2-     حيازات زراعية صغيرة تزداد تفتتا مما يزيد الفاقد منها ويعوق استخدام التكنولوجيا الزراعية بكفاءة  ويسر.3-     بعثرة محصولية لا تسمح بإنتاج الكفاف وليس لكفاية السوق.4-     زراعة تقليدية تعتمد فقط علي جهد الإنسان والحيوان ولا تسفيد بالقدر الكافي من التكنولوجيا العلمية وتشغل 75% من المساحة المحصولية.5-     شغل مساحة محاصيل العلف (البرسيم أساسا) لحوالي 30% من مساحة  الأرض الزراعية.6-     قصور الانتاجية الزراعية مقارنة بما تنتجه الأساليب العلمية والتكنولوجية.7-     الإسراف في مياة الري وسوء توزيعها وعدم احتساب الماء كعامل من عوامل التكلفة الإقتصادية في الإنتاج. 

ثانيا: مشاكل اقتصادية وزراعية مثل: 1-     غياب الرؤية الحقيقية لدور القرية في الإنتاج، وعلاقات انتاجية متخلفة لا تشعر المواطن بدوره  في التنمية ولا توفر المناخ الملائم للمشاركة فيها.2-     هجرة مستمرة للقوى العاملة المنت
جة والقادرة من الريف للمدينة أو لدول الخليج.
3-     ضعف الكفاية الإنتاجية للعامل الزراعي وضيق حيز العمل المزرعي مقارنا بحجم القوى العاملة في الزراعة.4-     ارتفاع في تكاليف الإنتاج لا يتناسب مع الناتج كما ونوعا.5-     أسعار غير مجزية للمحاصيل مما يفقد المنتج للحافز حيث يتدنى العائد منها مقارنا بالعائد في الأنشطة اقتصادية لأخرى.6-     عدم الأخذ بأسلوب التنمية الريفية الشاملة كحل حتمي للنهوض بالزراعة.7-     تدهور واضح في المرافق العامة بالريف (طرق، مياة شرب، صرف صحي، كهرباء). ثالثا: مشاكل مرتبطة باستراتيجيات التنمية وهي: 1.     قصور السياسة السعرية عن تحقيق عائد مجزي للزراع خاصة لمستأجري الأرض الزراعية.2.     قصور الكفاية التمويلية عن إقراض الزراع  بسعر فائدة مناسب تخلق شروطا مؤهلة للإنتاج والتسويق.3.     قصور نظام التسويق واستشراء المستغلين والوسطاء.4.     قصور الهيكل التشريعي الحاكم لقواعد التنمية عن مسايرة المتغيرات الهائلة اقتصاديا واجتماعيا في القطاع الزراعي.5.     احتياج تخطيط التنمية الزراعية والتركيب المحصولي بالذات لمراجعة من قبل المسئولين عن الزراعة وكبار الزراع.6.     عجز برامج التوسع الأفقي عن توفير فرص للعمالة الزراعية عن ملاحقة الزيادة السكانية.7.     العدوان الدائم على الرقعة الزراعية بالبناء والتجريف وقصور الإجراءات المانعة لهما.8.     العجز الدائم لسياسات التصنيع عن المساهمة الجادة في تطوير وتحديث الزراعة وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي بالقدر والتكلفة المناسبة. وهذا يعني أن تطوير الزراعة المصرية لا يتعلق بعامل واحد كالتركيب المحصولي بل بعوامل اقتصادية واجتماعية ومؤسسية متفاعلة ويصبح أي حل جزئي قاصرا عن مواجهة تحدياتها والمتغيرات المحيطة بها ولا يحقق الأمن الاجتماعي للمجتمع كافة وللفلاحين بشكل خاص. ونوجز ما سبق في أن الثورة الزراعية المطلوبة تكمن في: تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستثمار بالاستغلال الأمثل للموارد الزراعية والطبيعية بأحدث الطرق والأساليب الاقتصادية كما وكيفا، نسبيا وعلى وجه الإطلاق، سلعيا ونقديا، داخليا وخارجيا وبشكل مكثف أي للكيف قبل الكم.  وبتعبيرات أخرى: إنتاج أكبر محصول من أقل مساحة، والحصول على أعلى عائد من وحدة المياة، وأكبر إنتاج حيواني بأقل كمية أغلاف، أى أكبر عائد ممكان بأقل تكلفة ولن يتأتى ذلك إلا بتطبيق المبادئ الساسية الثلاثة:

·        الاستغلال الأعظم  maximum.·        الاستغلال الأنسب optimum.·        الاستغلال المتعدد multiple use.

 وهي تجيبنا عن الأسئلة الثلاثة المقابلة:   · ماذا نزرع؟·  كيف نزرع؟· أين نزرع؟

 والإجابة المفصلة عن الأسئلة الثلاثة تتضح مما يلي:س: ماذا نزرع؟جـ: في نهاية السبعينات كان السائد هو تعظيم الإنتاج الزراعي من خلال التوسع في زراعة محاصيل غالية الثمن لتصديرها واستيراد ما يحتاجه المجتمع  للإستهلاك من عائد تصديرها، لكن مع بداية العولمة ووضع شروط معجزة أمام  التصدير استدعى ذلك إتباع سياسة تنويع الإنتاج مما أدى إلى أن أصبح الزارع حرا يزرع ما يشاء.. مما أفضى إلى ظهور سلبيات شتى منها التوسع في زراعة محاصيل هامشية مثل "لب البطيخ" في مساحات كبيرة (150 ألف فدان) بينما لم تزرع الذرة الصفراء في أية مساحة.. وهى التي  كنا نستورد منها ( 6 – 5 مليون طن ) لتأمين صناعة الدواجن.لذلك يلزم أن يكون التركيب المحصولي (كيف نزرع؟) موازنا بين الموارد الأرضية والموارد المائية والمحافظة على البيئة بما يؤدي إلى زيادة معدل الإعتماد على الذات إلى حد الاكتفاء الذاتي خاصة من القمح.. وفي نفس الوقت يؤمن تصدير بعض المنتجات كالنباتات الطبية والخضروات والفاكهة التي لمصر فيها ميزة نسبية. التنمية الزراعية في مصر مرت بعدة مراحل واعتبارا من الخمسينات حكمها التطبيق الاشتراكي والتخطيط المركزي حيث تدخلت الدولة وحدث تطور واضح في نمط الإنتاج الزراعي مقارنا بما قبله، ومنذ السبعينات واجهت نظما عالمية تقوم على التكتلات الإقتصادية كالسوق الأوروبية الموحدة، والسوق المشتركة لدول أمريكا الشمالية حيث سادت العولمة المرتكزة على الحدود الدولية المفتوحة ومبادئ الحرية الاقتصادية وخضعت المنتجات الزراعية لآليات السوق ونظرية العرض والطلب والمنافسة الحرة.وقد أدت هذه المتغيرات على الصعيد الداخلي والعالمي إلى توجيه نمط وأساليب الإنتاج الزراعي إلى مسار جديد مما جعل الدولة تعد له تخطيطا جديدا وإلا واجهت صعوبات واختناقات تحصرها في واد ضيق لذا استندت التنمية الزرعية منذ ذلك الحين إلى ثلاثة محاور اساسية: 

1-     تطوير التركيب المحصولي بما يحقق أقصى حد من الإكتفاء الذاتي من القمح والمحاصيل التصديرية والتصنيعية.2-     رفع كفاءة الموراد الزراعية (الأرض، المياة) بالتوسع الرأسي.3-     التوسع الأفقي باستصلاح الأراضي البور والصحراوية إلى 3.4 مليون فدان حتى عام 2017. المحور الأول: تطوير التركيب المحصولي:          الذي يرتبط بمسألة التخطيط الإقليمي والقومي وقضية التخطيط التأشيري التي دخلت الزراعة المصرية من أوسع الأبواب.         والمشكلة الرئيسية هى ضيق المساحة الزرعية للوفاء بنوعين من الزراعة ( الغذائية لسد الإحتياجات السكانية ) ( والتصديرية والتصنيعية).         علما بوجود خلل جوهري في حساب الحد الأقصى لإنتاج وحدة من الأرض ألا وهو إغفال حساب عنصر مياه الري في تقييم جدوى عملية الحساب.. حيث أنه في حالة عدم إغفاله ستتغير حدود الميزة النسبية لكثير من المحاصيل التي نزرعها.         بالإضافة إلى ضرورة الوضع في الحسبان مخاطر التسويق الخارجي وظروف العرض والطلب وتذبذب الأسعار العالمية لا سيما أن كثيرا من تكلفة إنتاج عدد من المحاصيل الزراعية أعلى من أسعارها العالمية أي الأسعار التي نستوردها بها كالقمح والذرة والسكر واللحوم والزيوت النباتية.         وهذه الأسباب عموما وعلى وجه الخصوص تذبذب الأسعار العالمية مستلزمات الإنتاج الزراعي  تحول دون وضع تركيب محصولي أمثل وثابت.. وتحول دون التنبؤ بهذا التذبذب.. كما هو الحال في القطن.يضاف إليها أن كون  الكثير من المحاصيل الزراعية متعددة الغرض يعقد حسابات التخطيط في اختيار التركيب المحصولي.. كما أن الأمن الغذائي يُعد واحدا من أهم المبادئ التي تتدخل في ذلك الاختيار. هذا ويعرّف الأمن الغذائي:  بأنه قيام القطاع الزراعي بتوفير التوازن والتكافؤ في ميزان الصادرات الزراعية والواردات الزراعية.. بحيث تغطي قيمة الصادرات الخام والمصنعة قيمة المستورد من الغذاء لأقصى حد ممكن كما كان الحال حتى أوائل السبعينات ..  وبذلك تخرج الزراعة من وصاية وتمويل البترول والسياحة وقناة السويس لتغطية عجزها.

وبهذا تكتمل صورة إعادة تخطيط التركيب المحصولي بالمحاور الأربعة الآتية:  

     

       1- التكثيف.      2- التسويق.         3- التصدير.         4- التصنيع. التي يمكن ترجمتها إلى أن التكثيف هو بلوغ الحد الأقصى التوسع الرأسي، والتوجه لتسويق المحاصيل النقدية التجارية بدلا من محاصيل سد الاحتياجات الغذائية المحلية، وتوجيه هذه المحاصيل للسوق العالمي لتصريفها بأسعار مجزية، وتحويل الخامات الزراعية لمنتجات مصنعة عالية القيمة وتوسيع فرص العمل والحد من تصديرها خاما. وهذا يتطلب: أ- محاصيل للإستهلاك المحلي:بالتوسع في زراعة محاصيل الغذاء خصوصا ما يحتاجها الإستهلاك المحلي وتمثل عجزا في إنتاجها بحيث:·        يزيد المنزرع قمحا مليون فدان لتصل مساحته إلى 4 مليون فدان.. تمكن من سد  80 % من الإحتياجات المحلية التي تتزايد (لأن الزيادة السكانية 1.2 مليون نسمة سنويا تتطلب زيادة سنوية 70 الف فدان).·        وزيادة مساحة الذرة الصفراء: (لعلف الماشية والدواجن) تدريجيا في حدود نصف مليون فدان ثم إلى مليون فدان لتصل جملة المنزرع منها إلى 3 مليون فدان، بالإضافة إلى مليون فدان ذرة بيضاء.·        وزيادة مساحة الحبوب الزيتية في الأرض القديمة والجديدة (بزراعة محصول الشلجم= الكانولا ) كمحصول شتوي والبدء في زراعة عباد الشمس وفول الصويا.. لزيادة نسبة الزيت فيهما علاوة على ملاءمة الأخيرين كمحاصيل صيفية وإمكانية زراعتهما مُحمليْن على محاصيل أخرى كالذرة.. خصوصا وأنها ثنائية الغرض (زيت- كسب) والمستهدف منهما نصف مليون فدان.·        زيادة مساحة بنجر السكر خصوصا لانخفاض احتياجاته من ماء الري مقارنا بقصب السكر الذي تتجة السياسة الزراعية لتجميد المساحة المزروعة منه علاوة على أنه شتوي يمكن نشره في الأراضي الجديدة في حدود 300 ألف فدان تغطي ¾ العجزفي استهلاك السكر الحالي.

·        زيادة المنزرع من العدس والفول بمائة ألف فدان بصفة مستديمة خصوصا والعجز في العدس حوالي 80 % من الإستهلاك.

 

ب- محاصيل تصنيعية وتصديرية:

 هامة للصناعة والتجارة وتزيد القيمة المضافة وتستوعب العمالة الزراعية في مراحل زراعتها وإعدادها وتصنيعها مثل:·        إعادة زراعة محصول القطن بمليون فدان.. ورفع كفاءته الإنتاجية كما ونوعا على حساب المساحة المنزرعة أرزا في المحافظات الشمالية.·        التوسع في زراعة المحاصيل الطبية العطرية ومحاصيل الزهور والخضر والفاكهة بغرض التصدير حيث إنتاج الفدان منها يتجاوز في قيمته التصديرة عشرة أفدنة من المحاصيل الحقلية. المحور الثاني: التوسع الرأسي: برفع الكفاءة الإنتاجية لعوامل الإنتاج ويتمثل ذلك بضرورة التحول التكنولوجي في مجال الزراعة ورفع كفاءة الزراع في استخدامه بما يعود عليهم وعلى الإنتاج الزراعي بمزايا عديدة وينعكس على مجالات النشاط الاقتصادي الأخرى. المحور الثالث: التوسع الأفقي (استصلاح الأراضي): لزيادة المساحة المنزرعة بحوالي 3.4 مليون فدان حتى عام 2017 بشرط أن يتحقق ذلك بالدقة والشمول والإتقان والحرص في محيط من الأمانة والمراجعة والتقييم وذلك بغرض:1-     خلق قاعدة إنتاجية جديدة لمزيد من إنتاج الغذاء.2-     إيجاد فرص عمل جديدة بالذات في الريف.3-     تخفيف الضغط السكاني عن المناطق المأهولة بالسكان.4-     تجنب تفتت الأراضي القديمة بنقل عدد من صغار الحائزين للأراضي الجديدة وتجميع المساحات المتناثرة في وحدات إقتصادية تكفل مستوى مناسبا من الإنتاج والدخل.5-     إعداد الأراضي الجديدة لتصير مصدرا للإنتاج الضخم من الصادرات الزراعية وتستخدم التكنولوجيا الزراعية المتقدمة لإنتاج التقاوي والسلالات الجديدة. الحالة الراهنة لإنتاج الحبوب الرئيسية وهي القمح والأرز والذرة البيضاء والصفراء والرفيعة والشعير وتعتبر ذات أهمية كبيرة في نمط الغذاء السائد وهي تكمل بعضها في سد الفجوة الغذائية.والمنتج منها هو: 

               الإنتاج            المستهلك          السنة               العجز 

               8.0 م طن     
14.م طن        1981             6.5 م طن

                16.0            24.0            1995             8.0

                  

              18.0            28.0            2003            10.0

ويستورد 5 م طن  ذرة صفراء،  6 م طن قمح بينما يفيض من إنتاج الأرز مليون طن.الحالة الراهنة والستقبلية لإنتاج القمح: وتعتمد الوزراة في خطتها لتحقيق الإكتفاء الذاتى منه على المحاور الآتية:التنمية الرأسية – التنمية الأفقية – ترشيد الاستهلاك والحد من الفقد – السياسة السعرية لما يتم إنتاجه. 

                    نهاية الجزء الأول