منح الخديوى الأرض الزراعية والبيوت لأعمال البر والخير للفقراء.. فطردت وزارة الأوقاف الفلاحين من الأرض وهدمت البيوت على رؤوسهم

  

حصل الفلاحون على حكم قضائى  ضد وزارة الأوقاف بإيقاف مزادات بيع الأرض الزراعية للمستثمرين

 فعاملتهم الوزارة بأذن من طين وأخرى من عجين

 

تمهيد:

على ما يبدو أن السادة الجدد حكام مصر فى عصور آخر الزمان لم تعجبهم محاولة عبد الناصر مساعدة الفلاحين على أن يتساووا ببقية فئات الشعب  ويتمتعون بحقوق العمل والحياة شأنهم شان بقية البشر، وهؤلاء السادة الجدد ليسوا من أصول سادة  قدامى ولا من سلالة  أبطال تاريخيين بل ظهروا بالمصادفة البحتة واستمروا فى الحكم استنادا إلى صلات تبعية مشبوهة بسادة العالم( المحافظين الجدد)  المُصرّين على صياغة الدنيا على هواهم أو إحالتها حريقا يدمر كل ما ومن يعترض طريقهم.

لكنه ليس مصادفة أن تشتعل حرائق المحافظين الجدد ( الأمريكان) على حدود مصر الشرقية فى فلسطين ولبنان والعراق .. فى نفس الوقت الذى يشعل السادة الجدد فى مصر حريقا آخر غير مسبوق هو حريق الأسعار والخبز ومواد البناء .

. يلاحقه حريق آخر أعمق أثرا  وأوسع نطاقا  هو تجريد منتجى الغذاء من وسيلة إنتاجهم  ومن مأواهم ( الأرض الزراعية والبيوت) .. وتجريد منتجى السلع من مصانعهم بالمعاش المبكر ببيع الشركات والمصانع لأبنائهم وأقاربهم وحلفائهم وصبيانهم بتراب الفلوس.. لتعود مصر " المحروسة" أكثر بؤسا وفقرا ومهانة وتوارثا وأحط هيبة ومكانة ومنزلة من حالها فى عصر المماليك والأتراك والشماشرجية.

وهكذا يعاقب السادة الجدد شعب مصر وفقراءه على محاولة عبد الناصر التى بدأت عام 1952 وأعادوه إلى الوراء أكثر من مائتى سنة.

  

ماذا حدث بأرض الإصلاح الزراعى التى اقتنصتها  وزارة الأوقاف

 فى المعمورة والمنتزة وعزب العرب الكبرى والصغرى .. وطوسون..  وغيرها؟

  

فبعدما استولت الدولة على 1162 فدانا ( أراضى وقف الخديوى اسماعيل) وعلى أراض أخرى لطوسون باشا .. وغيرهم من الأسرة المالكة بقانون الإصلاح الزراعى الأول (178 / 1952 ) وزعتها على فلاحي المنطقة الواقعة بين شاطئ المعمورة والمنتزة وحتى الرأس السوداء ليستمروا فى زراعتها كما كانوا يزرعونها من قبل .

 

فى البداية أجرتها لهم .. وبعد فترة ملّكت أغلبها .. وأبقت على جزء محدود منها  مؤجرة ، فدفع الفلاحون أقساط تمليك الأولى .. والإيجار السنوى للثانية.

 

وتكاثر الفلاحون على مدى الستين عاما  الماضية  وضاقت بهم مساكنهم التى بناها لهم الملك فاروق .. واضطر الكثيرون منهم لتعلية منازلهم .. أو البناء على جزء محدود من الأرض التى يزرعونها ، وبإجراءات قانونية أدخلوا لها المرافق (كهرباء، مياة ، وصرف صحى) فى نفس الوقت الذى بنت فيه الدولة عددا من المنشآت كالمدارس والمستشفيات والمصالح الحكومية الخدمية.. إلخ..   خدمة لسكان المنطقة.

  

استبدال هيئه الإصلاح الزراعى بوزارة الأوقاف فى عصر السادات:

  وفى عام 1973 صدر قرار جمهورى بنقل أجزاء كبيرة من الأرض إلى وزارة الأوقاف لتديرها بدلا من الهيئة العامة للإصلاح الزراعى.. وعلى الفور قامت الوزارة بإبرام عقود لمستأجرى الأرض الزراعية.

كما قامت فيما بعد ( 1988 ) بحصر المساكن التى بناها الفلاحون وطالبتهم بإيجارات باهظة لها ، فاحتجوا وبسبب احتجاجهم تقرر تأجيرها لهم( أرض المساكن)  بإيجار سنوى قدره خمسة قروش للمتر اعتبارا من 1883 .

 ثم عاودت وزارة الأوقاف الكرّة مرة أخرى فى التسعينات فصدر قرار جمهورى عام 1999 ببيع أراض البناء ( المساكن) بسعر 30 جنيها للمتر لمن يشتغل منهم بالزراعة ، وبـ 40 جنيها لمن لا يزرع ( أبناؤهم ) على أن يدفع المنتفعون بالأرض 10% من الثمن مقدما ويقسطون الباقى على 20 سنة .

لم تتعامل وزارة الأوقاف مع الفلاحين والسكان  كفقراء باعتبارها هيئة معنية برعايتهم وإنما تصرفت معهم كمالك للأرض يسعى لجنى أكبر ربح ممكن منها وفى نفس الوقت عقدت الدولة العزم  على التخلص من فلاحى المنطقة برمتها ومن سكانها من الفلاحين وغيرهم:

 

 

1-     حيث اقترحت  على مجلس الشعب فى عام 2006 إصدار القانون  148 بتعديل أحكام قانون المزايدات والمناقصات ( 98/1989 ) الذى يقضى  ( باستثناء أجهزة الدولة والهيئات العامة من أحكام البيع والشراء بالطريق المباشر" الذى نص عليه قانون المزايدات والمناقصات السابق"  تحقيقا لأغراض إجتماعية واقتصادية وذلك فى الحالات الآتية:

 

·        حيازات الأراضى الزراعية التى لا تزيد عن 3 أفدنة.

·        حيازات الأراضى الصحراوية التى لا تزيد عن 10 أفدنة.)

 

2-     واستكمالا لصدور القانون السابق 148 أصدر رئيس الوزراء القرار رقم 2044 / 2006 الذى ينظم  ويحدد إجراءات تنفيذ القانون المذكور .

·        ونشير فى هذا الصدد للعبارة المطاطة التى تضمنها القانون ( لأغراض اجتماعية واقتصادية) فما نفهمه عن الأغراض الاجتماعية هو مراعاة  أوضاع الفقراء من الفلاحين والسكان المقيمين بمنع طردهم من مورد رزقهم الوحيد ومنع هدم منازلهم ومنع إلقائهم فى عرض الطريق .. وهو ما تم إغماض العين عنه.. لصالح الأغراض الاقتصادية التى هى فى عرف وزارة الأوقاف بيع الأراضى الزراعية لكبار المستثمرين ولأجهزة وزارتى الداخلية والعدل وهو ما يتم تنفيذه الآن على قدم وساق.

 
·        إذ أن ما تم خلال السنتين الأخيرتين يفضح حقيقة ما ترمى إليه الدولة ووزارة الأوقاف ، فمن ناحية باعت مساحة 45 فدانا من الأرض الزراعية فى عزبة الهلالية لعدد من أجهزة وزارة الداخلية، كما باعت مساحات أخرى بعزبتى العرب الكبرى والصغرى لعدد من المستثمرين.

·        ومن ناحية أخرى تقوم بالتعاون مع أجهزة الأمن  بعمليات هدم لعديد من المنازل التى أقامها السكان  حتى لا يمكنهم الاستفادة مما أعلنته وزارة الأوقاف بشأن " تقنين أوضاع واضعى اليد على هذه الأراضى" وهو امتداد لما تم مؤخرا فى منطقة طوسون المجاورة.

 

·        كما تصدر فى بعض الأحوال قرارات إزالة لبعض المنازل بينما يتم استبدالها عند التنفيذ بمنازل أخرى استنادا إلى صلات مهندسى الأوقاف وموظفيها  بسكان المنطقة، حيث يفيد السكان ببقاء المهندسين فى المنطقة لما بعد المواعيد الرسمية  بل وسهرهم فيها حتى ساعات متأخرة من صباح اليوم التالى وذلك فى بعض المنشآت المقامة فى الأراضى المباعة لبعض المستشمرين.  ( أسماؤهم فى حوزتنا لمن يهمه الأمر)

 

·        لهذا لجأ الفلاحون للقضاء الإدارى وحصلوا على حكم  هام ضد وزارة الأوقاف بوقف بيع  هذه الأراضى بالمزاد العلنى ، وبأحقية سكان العزبتين فى شراء الأراضى التى يستأجرونها من وزارة الأوقاف بطريق الاتفاق المباشر معها.

 

·        هذا وقد أفاد فلاحو عزبة العرب الكبرى والصغرى بأن أراضيهم الزراعية والسكنية الواقعة بحوض المثلث ( الحد البحرى خط سكة حديد أبو قير، والغربى شارع الملك، والشرقى/ القبلى شارع مصطفى كامل حتى محطة قطار الإصلاح) وتبلغ مساحتها 286 فدانا تتعرض لكل ما سبق ذكره أعلاه من بيع لعدد من المستثمرين وهدم لمنازل لا تتضمنها قرارات الإزالة، وتجنب هدم منازل أخرى تضمنتها قرارات الإزالة، ويلعب عدد من الموظفين الرسميين  دورا غير مفهوم  فى هذه الإجراءات بعلم رجال الشرطة حيث لا يستطيعون تقديم أية شكاوى للمسئولين لعدم جدواها.

 

·        هذا وقد قام حوالى 56 فلاحا برفع دعوى أمام محكمة الإسكندرية( 1661 / 2007 م.ك ) دائرة 25 تم تأجيلها إلى جلسى 15 أكتوبر 2008 ، وقد أفاد الأستاذ سعيد شفيق المحامى عضو هيئة الدفاع عن سكان عزبتى العرب الكبرى والصغرى بأحقية السكان فى شراء الأرض التى يقيمون عليها منازلهم استنادا للقانون 148 / 2006 خصوصا وأن قرارا جمهوريا قد صدرفى وقت سا
بق (1999 ) يسمح لهم بشراء الأرض المبنية عليها مساكنهم .

 لقد سبق لنا أن أوضحنا أن الساحل الشمالى لمصر قد تم الاستيلاء عليه وتقسيمه بين السادة الجدد كمنتجع يقضون فيه أمسياتهم ، وهم يسعون الآن للإستيلاء على المنطقة المتاخمة له لاستخدامها كظهير زراعى وصناعى وعمرانى يقيمون فيه مشاريعهم واستثماراتهم أو نواديهم أو يبيعونه بمئات أضعاف ما اشترونه به.

 

                                            ولك الله يا مصر.

       الخميس   3/7/2008