حول مباراة مصر والجزائر ( 1 ) .. إلى نجل الرئيس المصرى : نعم .. لابد من وقفة للمحافظة على كرامة مصر والمصريين..لكن داخل مصر.. ومع أنفسنا أولا

 

ملاحظة:
 
حرصت لجنة التضامن على ألا تنشر على الموقع إلا القضايا التى تخص كفاح الفلاحين بالدرجة الأولى وعددا من الموضوعات وثيقة الصلة بها فى مجالات كفاحية أخرى، وقد حافظت على ذلك طيلة عامين ونصف، إلا أن أحداث المحنة التى ألمت مؤخرا بالشعبين المصرى والجزائرىبسبب مباراة كرة والمخاطر الماثلة أمامنا والتى يذكيها نظاما الحكم بالبلدين فرضت نفسها علي الجميع وبات من البلاهة تجاهلها أو إدارة الظهر لها ، ولذلك ساهمنا مع المثقفين والمكافحين الشرفاء بالبلاد العربية فى السعى لإطفاء الحريق والتنقيب عن مقدماته وأسبابه لقطع الطريق على القوى التى أضرمته وعلى المستفيدين من استمراره ولذلك أرسلناه أولا إلى الموقع الإلكترونى العربى " الحوار المتمدن" قبل أن نضعه على موقع اللجنة.
 
تمهيد:
 
بعد أن انقشع غبار معركة أم درمان.. وعاد كل إلى بيته.. وخفت زئير الغوغاء.. وصمت صراخ المطاردين.. وتوارى أنين الجرحى.. وتحددت الفرق المؤهلة لنهائيات بطولة كأس العالم في كرة القدم بجنوب إفريقية في 2010.. واستقبل الرئيسان "أبطالهما" أطراف المعركة.. التي أعادت لأحدهما ذكرى نصر أكتوبر 73 ضد العدو الاسرائيلي وللثاني ذكرى أعياد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي (يوليو1962).
وانفردنا بأنفسنا نستعيد شريط الشهور الأخيرة.. ونستخلص منه الدروس والعبر.. ونطابق بين ما أوصلتنا إليه النتاائج.. وبين ما خططنا له.. ونجحنا فيه، أو ما تمنياه.. وأخفقنا في الحصول عليه ، ساعتها سنتيقن أن الطرفين المصري والجزائري.. لم يربحا شيئا.. وخسرا كل شئ.
فالمبارة المعركة.. كانت في كرة القدم.. بين فريقين عربيين.. وأوصلتنا إلى أزمة ليس فقط بين دولتين.. بل إلى محنة بين شعبين.. ربطت بينهما أشرف العلاقات التي تربط بين الشعوب.. ولأن الرياضة و كرة القدم تقرب بين البشر لذا فإن ما جرى فى أم درمان كان مباراة فى كرة العدم.
ولأن الإعلام المصري الفقير في الوعي والثقافة.. قليل الحيلة ليست له آلية ذاتية.. بل ينتظر التعليمات التي لاتصل عادة في الوقت المناسب.. لازال يجتر أحداث الأسبوع الماضي بتفاصيلها..لا يتقدم خطوة إلى الأمام.. ولايبتدع فكرة جديدة.. ويحافظ على نفس الروح الحربية التي سادت إبان الأزمة.. ولا يدرك ماذا يفعل إزاء أوضاع المصريين العاملين في الجزائر.. أو المشروعات الاقتصادية التي طالها عنف الغوغاء مفلوتي العقال هناك.. ولأن مجتمعنا لا توجد به مؤسسة واحدة تعمل وفق نظام عمل محدد الخطوات معروف الملامح.. فالجميع وعلى رأسهم الإعلام.. ينتظر التعليمات [أو خيوط الماريونيت التي تمسك بها أصابع مؤسسة الرئاسة] ليبدأوا في التنفيذ.
 
الأزمة والمحنة:
 
لم يسقط من جمهور الفريقين قتيل واحد في الأحداث التي واكبت المباراتين.. بل تأكد للعالم سقوط النظامين الحاكمين في مصر والجزائر سقوطا ذريعا.. ولم تقتصر الخسائر على أزمة مستحكمة بينهما بقدر ما ألمت بالشعبين محنة حقيقية يصعب علاجها أو تجاوزها في المستقبل القريب.
وفي خضم الفوضى السياسية والإعلامية الضاربة الآن في البلدين.. واستخدام كل الأساليب لحشد الشعبين في مواجهة بعضهما.. ظهرت بعض نقاط الضوء التي تسعى لتشخيص المحنة وعلاجها على استحياء .. بعضها من عدد محدود من المفكرين والكتاب المصريين وبعضها الآخر من عدد من المثقفين الجزائريين. ولأن هذه التشخيصات تناولت الأمر في حدوده العامة.. وجدنا من الواجب أن نتعرض لتلك المحنة في بعض تفاصيلها لإعطاء تلك التشخيصات ملامحها التي ربما تساهم في توسيع مساحة فهمنا بما حدث.. أو تساعد في خلق المقدمات الضرورية للعلاج.
 
كرة القدم في البلدان النامية:
 
وفي البداية نؤكد أن ملاعب كرة القدم في كثير من البلاد النامية – ومنها مصر والجزائر- هي المكان الوحيد الذي تتواجد فيه مساحة مشتركة للشعب وحكامه.. هذه المساحة التي تبدو اتفاقا ضمنيا بينهما تتيح:
·    للشعب أن ينفس عن كبته وغضبه ويأسه من الحياة التي يعيشها.. والتي يرتع فيها الفساد.. والاستبداد ويعششان في كل ركن فيها.
·    وتقطف فيها الدولة ثمار الالتفاف الجماهيري حول الفرق الفائزة ببطولة قومية أوقارية أو عالمية.. سواء للأندية.. أو للفرق القومية بعيدا عن أي تحسن حقيقي في أوضاع هذه الجماهير.
 فعندما تفوز الفرق يمارس الشعب فرحته.. ويشعر " بأحاسيس انتماء " يفتقدها.. ويعوض نفسه عن حرية محروم منها، ويتخذ ذلك عونا على استئناف حياته التعيسة.. ويلتف حول الفرق الرياضية وإدارتها التي أتاحت له هذه الفرصة.
وهذا من ناحية أخرى يفيد الدولة في تقليص منابع الكراهية الشعبية لها ولو مؤقتا.. ويتيح لها أن توهم الناس بأنها هي التي خططت ومهدت لهذا الفوز.. وتستخدمه في إطالة عمرها على كراسي الحكم التي تتربع عليها.. ويدعمها في ذلك كتيبة من الإعلاميين والصحفيين والمستفيدين من هذه الزفة التي يقوم بها الشعب.. ويتوسطها الفريق الفائز.. وربما أيضا رئيس الاتحاد الرياضي للعبة.
– لقد فطن كثير من حكام البلاد النامية لدور الرياضة – ليس في تهذيب النفوس وبناء الأجسام والتنافس الشريف وغرس القيم النبيلة.. والأخلاق- بل في التنفيس المؤقت عن كبت الشعب.. وعن يأسه من إصلاح أوضاعه المعيشية والسياسية من ناحية، وفي الاستفادة من التفافه حول الفرق الرياضية من ناحية أخرى. لذلك كان همهم الأساسي هو أن يتحول هذا الالتفاف الجماهيري حول الفرق الفائزة لإيحاء بأنه التفاف حول أشخاصهم كحكام.. ولا نبالغ إن قلنا أن ذلك قد تحقق في لحظات متعددة وبدرجات كبيرة سواء فيما يتعلق بفكرة البسطاء عن حكامهم أو عن حكام بلاد أخرى .
من هنا كان استعداد الدولة في كل من مصر والجزائر للمبارة الأخيرة في 14نوفمبر2009.. فشحذت كل منها أجهزة إعلامها المقروء والمرئي والمسموع وبدأت قبل موعد المبارة بشهر ونصف في شحن الشعب في البلدين للوصول إلى جنوب إفريقيا ( يونيو2010 ) حيث نهائيات كأس العالم للكرة.
 وفي هذا الاستعداد تنطلق كل دولة من رصيدها وإمكانياتها ليست الرياضية فقط بل السياسية والإعلامية والجماهيرية أيضا.. ويبدأ التسخين مبكرا.. ويتطور إلى تراشق.. حتى يصل إلى مرحلة العراك.. قبيل بدء المباراة الأولى.
 – ولأن الإعلام كان هو الأداة الرئيسية وهو ميدان التحضير للمعركة.. فقد توقفت الوسائل المستخدمة في كل جانب .. ليس على التوجهات أو التوجيهات السياسية فقط .. ولا على طبيعة الكتل السياسية داخل كل نظام ومدى انسجامها أو صراعها- بل توقفت كذلك على مدى الوعي والثقافة والمصلحة التي يحظي بها الإعلاميون في كلا البلدين.
– ورغم أن للنظام الحاكم في مصر والجزائر سمات مشتركة كالفساد والاستبداد وانتشارالبطالة و البلطجة وجماعات العنف، وانهيارالمرافق والخدمات (التعليمية والصحية والثقافية وغيرها ) وتدهور الأوضاع المعيشية للجمهور.. إلا أن هناك أوجها للإختلاف.. بين طبيعة النظام الحاكم في كل منهما أسهمت في تحديد أفق الصراع في هذه المعركة الكروية.
– فالنظام في مصر – على سبيل المثال- يسيطر على الجيش.. بينما يمثل الجيش كتلة ذات كلمة ووزن كبيرين في النظام الجزائري مقارنا بباقي الكتل الحاكمة، وبينما يوجه رجال الأعمال دفة النظام في مصر ويتداخلون بشدة مع حكامها.. تلعب الاحتكارات الاقتصادية الأوربية وبالذات الفرنسية دورا مباشرا في الجزائر.
– وبينما مصر على صلة مباشرة – سياسية وديبلوماسية- بإسرائيل ولها دور مباشر في التداعيات السياسية والعسكرية في فلسطين.. يقبع النظام الجزائري بعيدا عن مثل هذه الصلة المباشرة.
– وفضلا عن صلة أخرى قوية لمصر بالحروب التي نشبت مؤخرا بالخليج العربي.. لم يكن للنظام الجزائري مثل هذا الدور تقريبا..
– من جانب آخر فإن الوزن الإقليمي والدولي لمصر الذي كان قويا إبان الحقبة الناصرية – والذي ارتبط بدعم حركات التحرر الوطني في المنطقة العربية- قد تأثر بشدة بفعل اتفاقية السلام المعقودة مع إسرائيل.
. وتدهور أكثر بسبب دورها في حروب الخليج وغزو العراق والحرب الأخيرة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل.. إلخ.
– لقد كانت هذه الفروق أحد العناصر الجوهرية التي حددت طبيعة تعامل النظام الحاكم في كل من مصر والجزائر مع الأزمة.. بل وكان ما يخص النظام المصري منها عاملا أساسيا في الطريقة التي تعامل بها مع أزمات أخرى نشبت مع دول عربية وغير عربية في السنوات الأخيرة، وتجلت هذه الطريقة في تجميد المشاكل أو عدم حسمها أو التوصل إلى حلول وسط لها خصوصا إذا ما كانت تتعلق بمواطنيها ورعاياها في دول أخرى..أى لم يكن الأمر تسامحا وتعقلا منها.. بقدر ما كان تدهورا فى مكانتها وبالتالى فى قدرتها على الحسم.
         لقد برزت هذه الفروق بين النظامين.. في اتجاهين:
الأول: هو الكيفية التي تم بها حشد بها الجمهور للفوز بالمعركة الكروية.
والثاني: هو ما ترسخ في أذهان الجمهور من أفكار- في فتراث سابقة- عن الطرف الآخر ظهرت آثاره واضحة إبان الصدام.
ولا يعني هذا أن تلك الفروق هي العامل الوحيد الذي ساهم في الحشد للمعركة.. ثم في الصدام بل تدخلت طبيعة الشعبين أيضا في هذه المعادلة.
 
 لماذا كان الاحتقان؟ ولماذا حدث الصدام؟
 
·    يمكن القطع بأن الشحن المعنوي الذي سبق المبارة الأولى (14/11/2009) طيلة شهر ونصف والذي لعب فيه الدور الأبرز إعلاميون أميون في كلا الجانبين يفتقدون الوعي والأهلية، ولا يشعرون بالمسئولية.. أو يقدرون عواقب أفعالهم.. وقد أطلقهم النظام – في الجانب المصري- قبل المباراة وبعدها ليؤكدوا نبرة التعالي والغطرسة التي يتهم بها المصريون في كل البلاد العربية..، بينما أطلقهم النظام – في الجانب الجزائري- استنادا إلى تباين الكتل السياسية الحاكمة داخله.. وتأجيجا للنعرات القبلية.. وأطلقهم كلا النظامين طلبا لنصر كروي يتم توظيفه سياسيا داخل البلاد في محاولة مستميتة لإطالة عمر النظام وستر فضائحه.. وعوراته.
– ولعلنا نتذكر ما حدث في نهائيات كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم التي أقيمت في مصر عام 2006 عندما أغرقت عبارة السلام 98  ما يزيد عن ألف مصري في مياه البحر الأحمر وكيف أزاح النظام الكارثة جانبا حتى انتهت الدورة الأفريقية وكيف استثمر احتفالات الفوز بالبطولة في التغطية على المصيبة وتوابعها.
·    يضاف إلى ذلك.. معالجات سياسية وإعلامية قبل وبعد المباراة الأولى تفتقر إلى الوعي والحنكة.. سواء من جهاز الرياضة المصري أو اتحاد الكرة أو وزارة الداخلية.. فكثير من الأخباروبعض التقارير السياسية والأمنية كانت تؤكد على حساسية المبارة الأولى.. وتشير إلى عمليات الشحن المتبادل إلى الدرجة التي حدت ببعض الصحفيين لاقتراح "وردة لكل جزائري" خشية صدام مرتقب، ورغم ذلك لم تكلف تلك الجهات الثلاث نفسها عناء التوصية بمرافقة وحراسة أمنية مشددة على بعثة الفريق الجزائري من المطار وحتي مكان الإقامة بل وداخل الفندق وكان كل همها نفي تهمة الاعتداء على لاعبي الفريق الجزائري.. وسواء كان ذلك العدوان حقيقيا أو مختلقا فإن التعامل معه بمسئولية من الجانب المصري لم يتجاوزعملية النفي.. أومحاولات توثيقه قانونيا في النيابة العامة.. رغم وجود مصابين من الفريق الجزئري.. وحضور مسئولين – فورحدوث الواقعة- من الاتحاد الدولي لكرة القدم ( فيفا)، والذي اتخذ قرارا بعد المبارة الثانية مباشرة بمعاقبة الاتحاد المصري للكرة بشأن هذه الواقعة.
·    من جانب آخر وبعد انطلاق شائعة توابيت القتلى الجزائريين في أعقاب المبارة الأولى (14 نوفمبر) ونشرها في الصحافة الجزائرية.. لم تكلف نفسها الجهات السيادية بمصر عناء الإصرارعلى تكذيب الشائعة داخل الجزائر واكتفت بالقيام بذلك في مصر.. وللأسف أكمل هذا تواطؤ بعض الدوائر السياسية والإعلامية في الجزائر على ألا يحدث ذلك التكذيب مبكرا.. لتسرى الشا