السيناريو القادم فى مصر .. لا عزاء للثوار

السيناريو القادم فى مصر .. لا عزاء للثوار


بشير صقر 
الحوار المتمدن – العدد: 3759 – 2012 / 6 / 15 – 07:44 
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية 
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع

من الحماقة – فى العلاقات الاجتماعية- أن تصُدّ منفعلا فى ذروة انفعاله أو تواجه منفلتا فى لحظات غضبه، فالانتظار حتى يهدأ.. أنسب لمواجهته ؛ وتجريده من حججه؛ وإبطال مبرراته ؛ وإشعاره بخطئه ؛ وإعادته إلى حالته الأولى.

ومع الفارق فى المثال.. من الغباء فى السياسة .. أن تهاجم عدوا أو خصما أو منافسا فى لحظات صعوده أو نهوضه واستحواذه على تعاطف وتأييد الآخرين ؛ فتحيّن الفرص لحظة هبوطه أو تدهوره أو ارتباكه لتوجيه الضربات إليه.. هى الكفيلة بالنيْل منه .. وهزيمته وفرض الأمر الواقع عليه.

وهذا ما حدث خلال الستة عشر شهرا المنقضية منذ 25 يناير2011  وحتى الآن من جانب العسكر وهو يبرز مدى نجاحهم فى اتباع ذلك التاكتيك من ناحية  وتحديد المناطق التى استخدموه فيها ببراعة وحنكة أو بسذاجة وفجاجة من ناحية أخرى .

-فقد أعلنوا عن وقوفهم إلى جانب الثورة وأنهم لن يطلقوا الرصاص على الشعب المُطالب بحقوقه وحريته.

ولأن ذلك لم يكن قصدهم ولا حقيقة نواياهم  باعتبارهم جزءا عضويا من نظام حكم مستبد وفاسد ؛ فقد هداهم تفكيرهم إلى الصبر على  طوفان الثورة – التى تتضمن قدرا هائلا من العفوية والاندفاع وقلة الخبرة – لقطف أول وأهم ثمارها من وجهة نظرهم وهى القضاء على عملية التوريث والتيقن من انتهائها تماما ؛ وكذا لاستقراء أبعادها والتعرف على هوية وأهداف مفجريها واكتشاف نواياهم ؛ وكذلك لحصر جملة اللاعبين على أرضها بل والمحيطين بها والمتلمظين عليها .

-من ناحية أخرى تابع العسكرُ بدقة ودأب آراء وممارسات وأسرار مجموعة من الفصائل السياسية الطامعة فى دورسياسى أكبر ومساحة أوسع فى السلطة.. برغم كونها محدودة الخبرة والمواهب؛ متلونة الأوجه والجلد؛ ميكيافيللية السلوك؛ مستعدة لأن تُستأجَرَ وتساوَم ؛ هى فصائل الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

– ولأن خبرة العسكر فى التعامل مع الحشود الجماهيرية محدودة أو منعدمة حيث لا يستندون إلى مؤسسات جماهيرية مدنية ؛ ولأن حفاظهم على إيهام الشعب “بحرصهم على الثورة ” كان أحد تاكتيكاتهم الرئيسية ؛ ولكونهم أدركوا قدرات الثوار ومن ثم فهموا حدود الثورة ؛ ولمعرفتهم العامة المسبقة بأطماع المتلمظين عليها من المتأسلمين فقد بنوا خطتهم  للقضاء على الثورة وإزاحة شبابها إلى الخلف كما اختاروا وسيلتهم فى ذلك؛ لكن هذا لا يعنى أنهم نجحوا فى مسعاهم رغم أنهم نجحوا فى اختيار المتأسلمين للقيام بتلك المهمة واكتفوا هم بدور المخطط والمدبر.

– كان المخطط من ناحية هو الاستجابة لبعض المطالب ولو بفعل الضغط الشعبى لامتصاص الغضب الجماهيرى.. والتظاهر بالاستجابة لبعضها الآخر وتفريغه من محتواه.. والمراوغة بشأن بعض ثالث والامتناع عن الاستجابة له.

– ومن ناحية أخرى :

1- استغلال سهولة رشوة وغباء المتلمظين الذين يستندون إلى منظمات جماهيرية كبيرة قادرة على الحشد والاحتجاج واستعدادهم للقيام بدور المرتزقة .

2- وإلى جيوش البلطجة المنظمة والمستعدة لتلبية الأوامر.

3- فضلا عن الحزب الوطنى الذى يندفع فى مهاجمة الثورة من واقع مصالحه المباشرة وإمكاناته المالية .. كان هؤلاء الثلاثة هم أدوات التنفيذ ووسائله.

وبدأ التنفيذ بالقبض على بعض رموز السلطة وحل الحزب الوطنى والمحليات ومجلسى البرلمان من جانب؛ بينما استمرت المماحكة واستطالت بشأن محاكمة الطاغية على جرائمه المتنوعة شهورا طويلة حتى تم تهريب الأموال أو إخفاؤها وإحراق الوثائق وطمس الأدلة من جانب آخر؛ والامتناع عن تنفيذ الحكم القضائى بالحد الأدنى للأجور وعدم الاستجابة لسيول الاحتجاجات الاقتصادية الخاصة بالأجور والبطالة وجملة المظالم التى أُبلِغ بها النائبُ العام بالإضافة إلى تجاهل بقية أهداف الثورة من جانب ثالث.

-وفى خط مواز شرع العسكر فى إنهاك الثوار واستثمار قلة خبرتهم ومحدودية وعيهم السياسى وأخطائهم بمعارك متتالية كان العنف الوحشى هو الطابع الأبرز لها ؛ فضلا عن نشر الترويع والفوضى بجيوش البلطجة التى عاثت فسادا فى أرجاء المجتمع.

– وبالمقابل كان استدراج الشعب – باستخدام فصائل المتأسلمين- لإقرار إعلان دستورى مؤقت ومفضوح  تم تدبيجه بلجنة يقودها إسلاميون لوضع الأساس الدستورى لفترة انتقالية يتضمن فرض هيمنة العسكر على مقدرات الوطن ويتيح لهم تصفية المرشحين وإجراء كل انتخابات المرحلة الانتقالية ( برلمانية ، ورئاسية ) تحت سيطرتهم من خلال لجان عليا للانتخابات محصنة قراراتُها من المراجعة أو النقض أو التقاضى (بالمادة 28 من الإعلان الدستورى )؛ علاوة على تعيين الوزراء وإقالتهم والإشراف على عملهم ؛ والتصديق على قرارات البرلمان وقوانينه كشرط لسريانها.

وفى هذا المناخ أجريت انتخابات برلمانية تبدو نزيهة ( حيث المنافسة فيها بين قوى متأسلمة منظمة ومنتشرة فى أركان المجتمع .. وبين شعب وثوار منفرطين غير منظمين وأحزاب مدنية هشة وضعيفة)؛ تربع بعدها تيار المتأسلمين على البرلمان وأصبح أمام الشعب والعالم هو الممثل الشرعي الذى أفرزته الثورة .. ومن ثم أصبح الشارع والشعب فى واد والبرلمان والعسكر فى واد آخر.

-وهكذا تعمد العسكر إطالة الفترة الانتقالية لكى تفعل البلطجة وتجاهل الجهاز الإدارى للدولة مطالب الشعب وارتفاع الأسعار واختفاء السلع الضرورية والفوضى فعلها ، وبات من الضرورى – من وجهة نظر كثير من قطاعات الشعب – وقف هذا التدهور الشامل بأى ثمن حتى ولو على حساب أهداف الثورة..

– وقد لعبت فصائل الإسلام السياسى بتحالفها مع مجلس العسكر دورا فاعلا ومكملا لدوره فى إنهاك والإساءة للثورة وشبابها ومحاصرتهما ؛ وهو ما عايشه الشعب لحظة بلحظة وساعده فى اكتشاف حقيقة أطماع تلك الفصائل وأهدافها فى الاستيلاء على الثورة والهيمنة على الدولة ومؤسساتها .. كما دعّمه إصرارها على تلفيق دستور رجعى يكبت الحريات ويصادر الحقوق الأساسية ويتيح قهر الأقليات ويفرض له سطوة مستديمة على المجتمع.

وهنا وجد مجلس العسكر الفرصة مواتية لإجراء انتخابات رئاسية أصبح المناخ السياسى مهيأ لها تماما من وجهة نظره ، ومن خلال اللجنة العليا للانتخابات تم استبعاد كل الرموز التى أراد العسكر استبعادها بواسطة شروط الترشح .. وجرت وقائع الجولة الأولى منها ؛ لتفرز نتيجتها مرشحيْن أحدهما للعسكر والآخر للإسلام السياسى؛ فى ظل وضع مغاير كثيرا للوضع أثناء الانتخابات البرلمانية حيث انخفضت شعبية المتأسلمين بشدة مقارنا ” بشعبيتهم ” فى الانتخابات السابقة، وهكذا أصبح على الشعب المفاضلة بين عودة الأمن فى ظل هيمنة العسكر وبين بقاء الوضع فى حلة الفوضى تحت هيمنة المتأسلمين بعد كل ما أدركه عن مواقفهم المعادية للثورة؛ وما تيقن منه عن أهدافهم وأطماعهم وأساليبهم الرخيصة.

-لكن ولأن  الخطط التى ينفذها العسكر ليس من المؤكد أن تتمخض- فى كل الأحوال – عن ردود الأفعال التى يتوقعونها خصوصا إذا ما كان الرهان بشأنها على نفاذ طاقة الثوار وتوقع انهيار معنوياتهم ؛ وأيضا إذا ما كان التوقيت خاطئا كما حدث عند صدور أحكام القضاء على الطاغية وأولاده ومساعديه فى 2 يونيو 2012  متزامنا مع الغضب الذى اجتاح الشعب من نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة وأديا معا لتفجر الأوضاع فى أقوى احتجاج شعبى شهدته مصر منذ انتفاضة يناير 2011 ؛ فقد زاد الطين بلة قرار وزير العدل فى 13 يونيو 2012 بتخويل المخابرات الحربية والشرطة العسكرية سلطة الضبطية القضائية على المدنيين بعد اثنى عشر يوما من إلغاء العمل بقانون الطوارئ فى اليوم الأخير من مايو مما خلق جوا فائق القتامة وخانقا على الوضع السياسى القائم ورسم مسارا متوقعا للمرحلة المقبلة خصوصا بعد الحكم بعدم دستورية قانون العزل السياسى فى الرابع عشر من يونيو 2012 الذى عوّلت عليه الجماهير فى استبعاد ممثل العسكر من سباق الرئاسة.. والذى أصابها بالإحباط.

– من ناحية أخرى أسفر حكم المحكمة الدستورية – فى نفس اليوم – بحل مجلسى البرلمان عن ضربة موجعة جديدة لتيار الإسلام السياسى أفقدته توازنه وتجلى ذلك فى ردود أفعاله التى أعقبت إعلان الحكم وبات عليه إعادة النظر فى الاستمرار فى سباق الرئاسة الذى سيجرى بعد أقل من يومين أو الانسحاب منه.

– ولعل الهجوم الذى شنه مرشح العسكر- وسبق الأحكام الأخيرة بأيام – باتهام جماعة الإخوان بالمشاركة فى اصطياد المتظاهرين برصاص القناصة إبان ثورة يناير2011 والطريقة التى تحدث بها والثقة التى كانت تملؤه والجو المحموم الذى خلقه دعم أجهزة الدولة والحزب الوطنى له فى المعركة الانتخابية لعل هذه الأحداث كلها وما سبقها توضح كيف تنصل العسكر بخفة ورشاقة من تحالفهم مع فصائل الإسلام السياسى ؛ وكيف ألقوا بتلك الفصائل جانبا على قارعة الطريق ، وكيف بعثوا لها برسالة شديدة الوضوح و اللهجة بمعالم الطريق القادم والذى سيبدأ فور تحديد أو تسمية رئيس الجمهورية القادم فيما لو أسفرت عن إخفاق مرشح الإسلام السياسى فى السباق.

– ليس هذا وحسب بل إن نفس الرسالة  قد تم إرسالها لشباب الثورة وللشعب فيما سبق من أحداث دامية بدءا من العباسية 1 ، ماسبيرو ، وشارع محمد محمود ، ومجلس الوزراء والسفارتين ، وبورسعيد ومؤخرا العباسية 2 ، ويعيدون التأكيد اليوم عليها مرة أخرى .

وهكذا استخدم العسكر تيار الإسلام السياسى فى التصدى للثورة وخذلانها والتنكر لها وحصارها وتشويه سمعتها فى مقابل عظْمة ألقوا  له  بها هى برلمان منزوع الصلاحيات؛ وعندما أكمل مهمته أزاحوه ورفسوه بعيدا .. مذكرينه بالمثل الشعبى ” آخرة خدمة الغُزّ علقة “.

وبتعبير آخر.. لسان حال العسكر يقول : ” نحن العسكر .. أوقفنا التوريث ؛ وأبقينا على النظام الحاكم قائما ؛وكبحنا جماح الثورة وشتتنا شبابها وتصيدناهم بالقنص والسجون ؛ وحددنا مرشحى الرئاسة ؛  وسنضع الدستور الذى نراه ؛ وساعدتنا فصائل الإسلام السياسى فى هذه المهام مقابل عظْمة البرلمان ؛ ولما أتمّت مهمتها .. ألقينا بها فى عرض الطريق ومن يعترض ستكون المخابرات الحربية والشرطة العسكرية له بالمرصاد.

واعتبارا من الآن ستجرى الأمور فى مصر على هذا المنوال.. حيث لا عزاء للثوار.. ونلقاكم فى مناسبات أخرى .

وأخيرا هل سنتعلم من هذا الدرس ونستخلص العظات والعبر .. أم سنعاود الكرّة بنفس المنطق القديم..؟

الخميس 14 يونيو 2012                              بشير صقر