تفسيران مختلفان لتنصيب رئيس جديد على مصر

توجس محلى وقلق خارجى من سلوك العسكر إزاء انتخابات الرئاسة
وكيف استهدفوا خنق الثورة..؟!
تمهيد :
يتعامل كثيرمن المصريين مع الأحداث الجارية – التى يشاركون فيها- بشكل عفوى وفردى.. دون تفكير عميق ؛ فلا يرون منها إلا ما يريدونه فقط ؛ متغاضين عن وجود أطراف أخرى فى المعادلة السياسية الراهنة لها أهدافها وخططها وأساليبها ولا يمكن تجاهلها إذا ما أرادوا فعلا مواصلة السير بالثورة نحو النصر، من تلك الأطراف المجلس العسكرى الحاكم ( وأعوانه من رجال الأعمال وأعضاء الحزب الوطنى المنحل والمجالس الشعبية المحلية والبلطجة وأجهزة الدولة)، ومنها أيضا فصائل الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان (وأعوانها من السلفيين والجماعة الإسلامية وغيرها وآلاف من المؤسسات الخيرية والطبية والأهلية التى تشكل واجهتها الجماهيرية).
ولكون كثيرين ممن نقصدهم محدودى المعارف والخبرات السياسية خصوصا فيما يتعلق بعقلية وحيل العسكروالنظام الحاكم وبتاريخ وألاعيب فصائل الإسلام السياسى؛ ولأنهم غير منخرطين فى مؤسسات سياسية أو نقابية حقيقية ولم يعتادوا على التفكير الجماعى أو العمل المنظم ؛ ولأنهم يشكلون الجزء الأعظم من جماهير الثورة.. فهم يباغتوننا أحيانا بمبادرات أو ردود أفعال غير محسوبة ربما تسفر عن أخطاء يصعب علاجها.
وبسبب هذه الخلفية فقد تولدت حالة من التداخل والاضطراب والفوضى فى نشاطهم الثورى جعلتهم فى غالب الأحوال لا يتخذون موقفا موحدا ومدروسا فى مواجهة بقية أطراف المعادلة السياسية من ذوى الخبرة من العسكر والإسلام السياسى وهو ما كان يبدد جانبا من جهودهم ويقلل المردود الإيجابى لها فى كثير من الحالات.
المجلس العسكرى:
– وبناء على ما سبق عرضه فى مقالات سابقة فإن مجلس العسكر قد حدد هدفا أساسيا لم يحد عنه طيلة الفترة الماضية وهو خنق الثورة وحصارها وتضييق الخناق على نشطائها وعزلهم عن الجماهير وتشتيتهم ومطاردتهم واعتقالهم وتشويه سمعتهم السياسية والشخصية بينما لا يستهدفُ فصائلَ الإسلام السياسى بنفس التركيز والاهتمام إلا إذا حاولت الضغط عليه باستخدام الحشود الجماهيرية أو الاقتراب – لبعض الوقت – من معسكر الثورة.. وذلك لسببين أولهما هو المخاطر الحقيقية الداهمة للثورة ونشطائها مقارنة بفصائل الإسلام السياسى ؛ والثانى هو حداثة معرفته بالثوار مقارنة بفهمه لفصائل الإسلام السياسى.
– وهو بهذا يقوم بحماية النظام الذى هو جزء عضوى منه كما أنه يدافع من ناحية أخرى عن مصالحه كمؤسسة عسكرية متنوعة الأنشطة.
– ولذلك- ولأنه لا يستند إلى مؤسسات جماهيرية – فقد تحالف مع فصائل الإسلام السياسى لعزل الثورة وإنهاك الثوار وتيئيسهم والحط من معنوياتهم وفتح الطريق واسعا أمام الإسلام السياسى للسيطرة على البرلمان ليكون بديلا – أمام الشعب والعالم- عن ثوار الميادين.
– ولأنه يعرف فصائل الإسلام السياسى جيدا وأهمها ( جماعة الإخوان ) – ولا يخشاها كما يخشى الثورة – ويفهم أساليبها ويدرك كيف يوقفها فى الوقت المناسب عند حدها .. وكيف يُسخّرها لأهدافه ويضع حدا لمطامعها فى الحكم؛ فقد استثمر تدهور شعبيتها وعددا من أخطائها وقام بحل البرلمان ليعيدها إلى نقطة البداية ؛ بعد أن توهمت أنها اصبحت على وشك الاستيلاء على مؤسسات الدولة والحكم ، ورغم ما تشكله تلك الفصائل من وزن جماهيرى وانتشار فى الريف وقدرة على الحشد وما يعنيه ذلك من إمكانية خلق عراقيل حقيقية لمجلس العسكر بل ومخاطر أخرى إذا ما انضمت فى بعض الأحداث إلى جماهيرالثورة ؛ رغم ذلك فهى لم تشكل الهدف الرئيسى الذى يسعى مجلس العسكر لتصفيته.. بل إنها – مقارنة بقوى الثورة وبمخاطرها على النظام الحاكم – لا تمثل سوى عنصر ثانوى أدنى قيمة منها بما لايقاس.. وهو ما لا يثمنه الكثيرون حتى فى أوساط النخب السياسية.
– وإذا كان ذلك هو تثمين مجلس العسكر لطرفين فى المعادلة السياسية الراهنة ( الثورة والثوار من ناحية ، وفصائل الإسلام السياسى من ناحية أخرى) وجب علينا أن نحدد أدواته ونقاط قوته التى يستخدمها لتنفيذ خططه وتحقيق أهدافه وكذا مواطن ضعفه التى يتجنب تعريضها للمواهجة.
أول نقاط القوة هى كونه المخول بإدارة البلاد.. وبإقرار قطاعات من الجماهير بتلك الصلاحية؛ والثانية هى قوة التسليح الذى يملكه ويمكنه استخدامه فى أى وقت يحدده دون رقيب ( فهو الحاكم و المشرّع والمتحكم فى الجهاز القضائى بمعنى ما )؛ والثالثة هى امتلاكه لعدد من أجهزة المعلومات والأمن والاستخبارات عالية الكفاءة فائقة السمعة فى المنطقة .. ومن المؤكد استخدامها فى جمع كثير من المعلومات عن الثوار وتحركاتهم وكذا فصائل الإسلام السياسى؛ والرابعة هى امتلاكه لعدد من مراكز البحوث السياسية والاستراتيجية تضم خبراء وبحاثة حقيقيين يعملون فى كثير من المجالات خصوصا مجال ” الإرهاب “.. ورغم كل ذلك فدوره كجزء عضوى من نظام حاكم فاسد ومستبد وموقفه من الثورة هما ضد التاريخ وضد المنطق ويمثلان نقاط ضعفه فى المعادلة فضلا عن عدم إجادته التعامل مع الجماهير .
فصائل الإسلام السياسى :
أما فصائل الإسلام السياسى وبالذات جماعة الإخوان فهى تستهدف الحكم بالأساس وهى استنادا إلى أفكارها السياسية المتشحة بالدين وقوامها وتاريخها معادية للشعب والثورة لذا فهى على استعداد للتحالف مع الشيطان فى سبيل السلطة سواء كان ذلك الشيطان مجلس العسكر أو أىٍ من القوى السياسية المصرية أو القوى الإقليمية أو الدولية أوغيرها وهى تستخدم فى سبيل ذلك سياسة التحالفات اللامبدئية والازدواجية السياسية للوصول إلى أغراضها مما أسهم فى افتضاح أمرها واكتشاف وسائلها الرخيصة .
-وباستعراض سريع لمواقف تلك الفصائل من الثورة منذ 20 يناير 2011 يتأكد ذلك الأسلوب الذى استخدموه مع النظام الحاكم قبل بدء الانتفاضة فى 25 يناير أو أثناءها أو بعد إسقاط الطاغية فى 11 فبراير 2011 ؛ ولهذا السبب بالذات ( الازدواجية والانتهازية السياسية ) كانت أداة سهلة الاستخدام فى يد مجلس العسكر ضد الثورة والثوار سواء فيما يتصل بتمكين العسكر من إقرار عدد من المبادئ ( فى الإعلان الدستورى الأول ) التى أحكمت قبضته على الدولة وجميع مؤسساتها فى الفترة الانتقالية أو فى تجريم الاحتجاج الجماهيرى أو فى تصفية أعداد كبيرة من الثوار واعتقالهم وتشويه سمعتهم؛ ورغم تلك الخدمات ” الجليلة ” التى قدمتها فقد خرجت من رحلتى الشتاء والصيف بخفى حنين ولم تحصل على عنب الشام ولا بلح اليمن.
موجز أطراف المعادلة السياسية:
نخلص مما سبق لأن الشعب المصرى ظل مصرا على هدفه فى تغيير حياته بتغيير النظام الحاكم – الذى استمات العسكر فى الحيلولة دون إسقاطه – لكن أدواته فى ذلك لم تكن بالكفاءة المطلوبة ؛ والتى يصعب الارتقاء بها دون انخراطه فى تنظيمات سياسية ونقابية حقيقية تمكنه من التصدى لأهداف وأدوات كل من طرفى المعادلة السياسية الآخريْن ( العسكر والإسلام السياسى ) .
– بينما تركزت أهداف مجلس العسكر فى تصفية الثورة باستخدام العنف والمراوغة والحصار ونشر الترويع والتشويه مستخدما فى ذلك وضعه المهيمن على مؤسسات الدولة والبلطجة والشرطة العسكرية والمدنية وفصائل الإسلام السياسى.
– أما المتأسلمون فتَمثل هدفهم فى اغتصاب الثورة والاستيلاء على الحكم ؛ وكانت أدواتهم فى ذلك تنظيماتهم المنتشرة فى عمق الريف؛ والادعاء بأنهم جزء من معسكر الثورة ؛ والتحالف الغير مبدئى مع العسكر ضد الثوار؛ واللعب على التناقضات بينهم وبين العسكر؛ والازدواجية السياسية .
تفسيران مختلفان لسلوك العسكر فى الجولة الحاسمة للانتخابات الرئاسية:
– بوغِت مجلس العسكر برد فعل الشعب فى مواجهة نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التى تزامنت مع صدور أحكام القضاء ضد الطاغية ومساعديه وأبنائه فى الثانى من يونيو 2012 ؛ حيث اشتعلت الميادين فى كثير من المدن وعاد شعار ” يسقط حكم العسكر ” يصك مسامع المجلس الحاكم وأعوانه ؛ وهو مالم يكن يتوقعة بهذا الزخم.
– ولأن فصائل الإسلام السياسى هرعت إلى جموع المحتجين فى الميادين إثر قطيعة معهم دامت طويلا؛ وبعد تدهور بالغ وسريع فى شعبيتها ظهرت آثاره واضحة فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية؛ ومحاولة للتظاهر بأنها جزء من معسكر الثورة بينما جولة الحسم فى انتخابات الرئاسة على الأبواب؛ فقد وجدها العسكر فرصة ثمينة وسانحة لتوجيه صفعة لها بحل البرلمان وإغلاق أبوابه واستكملها بإجراء احترازى بتخويل رجاله من المخابرات الحربية والشرطة العسكرية سلطة الضبطية القضائية على المدنيين ثم أتمّها بإعلان دستورى جديد يمنحه سلطة التشريع وقمع الاحتجاجات وتشكيل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور وكل الأدوات التى ترفعه فوق الدولة رغم كونه جزءا من السلطة التنفيذية.
لكن اتخاذ تلك الإجراءات مجتمعة قبل 48 ساعة من جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة لا يمكن أن ينفرد بتفسيره مجرد توجه فصائل الإسلام السياسى للاحتجاج يوم 2 يونيو 2012 فى الميادين بل ربما يكون له أسباب أخرى سنعرضها بعد قليل .
-وحيث تحولت مصر إلى صندوق للشائعات خلال الأيام القليلة التى سبقت جولة الإعادة ، ونظرا لانقسام جماهير الثورة ونخبها بين مُقاطِع للانتخابات ومبطل لصوته ومنحاز ضد أحد المرشحين ( الجنرال أوالشيخ ) فقد اختلفت تقديرات الجماهير فى تفسير الموقف المحتمل للعسكر فى دعمهم للجنرال.
– وما أن انتهت عملية التصويت وأغلقت لجان الانتخابات أبوابها مساء 17 يونية 2012 و بدأت عمليات فرز الأصوات حتى تسربت بعض النتائج الأولية على مدى الساعات العشر الأولى أعلنت فى إثرها جماعة الإخوان فوز مرشحها بمنصب الرئيس قبل ثلاثة أيام كاملة من الموعد الرسمى المحدد لإعلانها.. بينما نفت الخبر حملة الجنرال مؤكدة عدم انتهاء عمليات الفرز.
وضع ملتبس :
وإزاء هذا الوضع الملتبس سواء فى النتائج المحتملة للانتخابات أو فى تفسير موقف العسكر من حزمة الإجراءات المتخذة قبل أيام من بدء جولة الإعادة أو فى موقفهم من كلا المرشحيْن الذى يقطع البعض بأن شيئا ما قد حدث فى كواليس مجلس العسكر أو فى العلاقة بينه وبين بعض القوى الدولية بشأن جولة الإعادة. وهو ما يدعونا لمحاولة مناقشة الاحتمالين التالييْن بشأن تنصيب أحد مرشحىْ الرئاسة فى منصب الرئيس.
أولا : تفسير احتمال نجاح / إنجاح الجنرال:
نظرا لقناعة الثوار وكثير من أفراد النخب السياسية وقطاعات واسعة من الشعب بأن الجنرال هو مرشح المجلس العسكرى ؛ وبسبب انتهاء نتيجة الجولة الأولى للانتخابات بحصوله على المركز الثانى خلف مرشح الإسلام السياسى وتجاوزهما معا جميع المرشحين بمن فيهم مرشحى الثورة الأربعة ؛ فقد أصبح راسخا فى وجدان الشعب أن المجلس العسكرى هو الذى أسهم بفعالية وبأساليب ملتوية فى الوصول إلى هذه النتيجة وبالتالى هو صاحب الخيار المرّ بين اثنين من مرشحى الثورة المضادة ( الجنرال والشيخ )، وبات من المؤكد أن يدعم مجلس العسكرُ الجنرالَ ليفوز بمنصب الرئيس ومن ثم تتوج كل ممارساته العنيفة ضد الثورة بتثبيت أحد رجال النظام الذى ظل ستة عشر شهرا مستميتا فى تثبيت أركانه ضد كل محاولات تقويضه.. هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى إسقاط مرشح فصائل الإسلام السياسى التى اهتزت شعبيتها خلال الشهور الأخيرة ؛ وهو ما يساهم فى المزيد من اهتزاز صورتها؛ ويقلص المتاعب التى تسببها للعسكر ويحاصر مخاوف الشعب وهواجسه من احتمالات هيمنتها على الدولة والمجتمع.
كان هذا هو التفسير السائد فى مصر من التقاء رغبتىْ العسكر والجنرال استنادا إلى تاريخ وطبيعة ودور كل منهما وموقفه من ثورة الشعب؛ خصوصا وأنه لم تكن هناك من المستجدات الظاهرة على الأرض ما يدفع الشعب لاستنتاج يخالف هذا التقدير.
ثانيا : تفسير احتمال نجاح الشيخ :
بناء على ما استقر فى أذهان الشعب وجملة المراقبين- لتطورات عمليتى الترشح ووقائع الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية وما انتهت إليه من نتائج – عن الصلة الوثيقة والرغبة الملحة المشتركة بين العسكر والجنرال فى تنصيبه رئيسا جديدا لمصر؛ واستنادا لما حل بشعبية فصائل الإسلام السياسى من تدهور بالغ فى الشهور الأخيرة؛ وإحساسها الداهم بالخطر بعد حل البرلمان واستعادة مناخ الطوارئ قبل أيام من جولة الإعادة والطريقة التى تمت بها ؛ فقد اتضح من خلال المتابعة المباشرة لوقائع التصويت فى الجولة الأولى أن مخاطر وصول أحد مرشحى الثورة لجولة الإعادة يشكل الهم الأكبر ليس على نظام العسكر ومرشحه فحسب بل وعلى فصائل الإسلام السياسى ومرشحها أيضا؛ هذا وقد تسربت أخبار من داخل صفوفها تؤكد أنه – قبيل نهاية اليوم الثانى للاقتراع – وبعد التأكد من تقدم الشيخ بفارق واسع من الأصوات عمن يليه .. أدلت أعداد ليست قليلة من الإسلاميين بأصواتها لصالح الجنرال لإبعاد مرشح الثورة عن احتلال المركز الثانى ولكى تجرى الجولة القادمة بين الجنرال والشيخ وحتى تبدو معركة الإعادة أمام الشعب وكأنها بين مرشح العسكر و” مرشح الثورة ” كما كانوا يتمنون ويروجون.
-وكان الاحتمال الأرجح استنادا إلى هذه المقدمات هو حصول الجنرال على المنصب.. لكنه كان احتمالا محفوفا بالمخاطر الداهمة منها:
1- رد الفعل الشعبى فى مواجهته والذى من المتوقع أن يشارك فيه الإسلام السياسى بسبب خسارة مرشحهم على الأقل.. وكرد فعل لحل البرلمان من ناحية ثانية ؛ وهو ما يعيد المعادلة إلى حالة جديدة لم يكن العسكر يرغبون فيها خصوصا أمام الرأى العام العالمى الذى يدرك جيدا أن الجنرال تمت تنحيته بمليونية صاخبة باعتباره من أعمدة النظام الحاكم.
2-صعوبة مواجهة العسكر لرد الفعل الشعبى بالوسيلة المعتادة والمعتمدة منذ 11 فبراير 2011 – والمتمثلة فى استخدام فصائل الإسلام السياسى والبلطجية – وضعف قدرتهم فى تلك الحالة فى إيجاد بديل لتلك الفصائل يعفيهم من الصدام المباشر مع الجماهير الثائرة والذى إذا ما تطور – وهو غالبا سيتطور – لايمكن وقف تداعياته أو حصار نتائجه بالذات وأنهم حرصوا على تجنب الصدام المباشر وغير المحسوب مع الجماهير منذ بدء الثورة وكان استخدام البلطجة والمدنيين المزيفين المسلحين هو البديل الأنسب فى مواجهات محدودة وليس فى صدامات كبرى مع الجموع.
3- وعليه فمن الأفضل للعسكر أن يضربوا عصفورين بحجر واحد أولهما هو إخراج الإسلاميين من المعادلة ( أو المواجهة ) بإنجاح مرشحهم ؛ وثانيهما هو تجنب رد الفعل الشعبى أو على الأقل تحجيمه.
وتبقى الصورة النهائية للمشهد كالآتى :
-العسكر اغتصبوا السلطة التشريعية ؛ وحددوا مبادئ اختيار وقوام لجنة كتابة الدستور؛ وقيدوا صلاحيات الرئيس القادم ، وأصبحوا – ليس مجرد سلطة رابعة – بل سلطة فوق المجتمع والدولة بصلاحيات الضبطية القضائية التى تساوى تفعيل قانون الطوارئ.
-إن إنجاح الشيخ سيرضى نسبيا غرور المتأسلمين .. وهو – من ناحية أخرى وفى ظل تقييد صلاحياته ورغبة العسكر – لن يستجيب لمطالب الثورة ؛ وهو ما يضع فصائل الإسلام السياسى فى حالة يخسرون فيها ما لم يخسروه من قبل ويعزلهم أكثر عن الشعب -ويضعفهم بالدرجة التى تجعلهم أكثر استعدادا للخضوع لرغبات وأوامر العسكر ؛ وأقل خطرا عليهم وأدنى تكلفة .. هذا من جهة.
– ومن جهة أخرى .. ولأن مجلس العسكر متيقن تماما من فقده لمصداقيته أمام الشعب بسبب ممارساته منذ سقوط الطاغية؛ فهو يريد التقاط أنفاسه ويهمه إدارة عجلة الدولة المتوقفة منذ شهور طويلة تتجاوز العام؛ وإنقاذ سمعته بسبب انخفاض احتياطى الدولة من العملات الأجنبية وتردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب.
-ومن جهة ثالثة لا يمكن القطع برضى الرأى العام داخل بعض أسلحة الجيش عن محاكمة بعض ضباطه بسبب تعاطفهم مع الثورة ( فى 20 نوفمبر 2011، 8 إبريل ) وهو ما لقى استجابة داعمة له فى صفوف المدنيين وصار وضعا لا يمكن الحديث عن إمكانية علاجه أو وقف تداعياته إلا بالإفراج عنهم.
وعليه فكلا الاحتمالين اللذين عرضناهما ممكن الحدوث؛ سواء قام مجلس العسكر بدعم الجنرال فى الجولة الحاسمة من انتخابات الرئاسة وتحمل تبعات تلك المغامرة ؛ أوأنه آثر السلامة وامتنع عن دعمه وترك النتائج النهائية لتلك الجولة مرهونة فقط بإرادة الناخبين من ناحية وبقدرة أنصارالمرشحيْن على مساندتهما بالطرق السائدة من ناحية أخرى؛ أو حتى بمساندة خفية لمرشح الإسلام السياسى أو تواطؤ على تجاوزاته الانتخابية من ناحية ثالثة .. بناء على جملة الاعتبارات سالفة الذكر والتى ربما تكون نتيجة ضغوط خارجية تطالب برفع يد العسكر عن التدخل فى الانتخابات .
-هذا ومن الممكن أن يكون مجلس العسكر قد غير رأيه فى الأيام الأخيرة قبيل الجولة الحاسمة للانتخابات وأدرك أن إنجاح الجنرال يمكن أن يقلب عليه المائدة .. ويحدث ما لا تُحمد عقباه إذا ما كان رد الفعل الشعبى شديدا ؛ ومن الوارد أن يكون المجلس قد توصل إلى معلومات تفيد احتمال تجاوز الصدام مع الجماهير الحدود المعروفة خصوصا وأن هناك من الأخبار ما يؤكد تسرب أسلحة غير خفيفة وذخائر من الحدود وضبط بعضها .. وهو ما يدفع المجلس العسكرى لمواجهة رد الفعل الشعبى بعنف بالغ ومباشر سعى كثيرا كما ذكرنا لتجنبه .
– وربما يكون توجيه غضب الشعب تجاه هدف آخر غير المجلس العسكرى أحد العوامل التى دفعت المجلس لتفضيل نجاح الشيخ بدلا من إنجاح الجنرال ؛ لأن وجود رئيس متأسلم مقصوص الأجنحة محدود الصلاحيات مفتقد لخبرة إدارة الدولة سيكون هدفا أسهل لسخط الشعب كرد فعل مباشر على عدم تحقيق أهداف الثورة .. ومن ثم تكون الإطاحة به أيسر كثيرا من إنجاح الجنرال المتمتع بكراهية قطاعات واسعة من الشعب ومن الثوار ومحسوب على المجلس ويكون سببا فى انتفاضة جديدة يحظى المتأسلمون بنصيب فيها .
وعموما فإن قراءتنا لتلك الأحداث هى قراءة من الخارج وليس من داخل الكواليس بما يعنى أن من المحتمل وجود بعض العوامل التى نجهلها تكون قد لعبت دورها فى اتخاذ قرارات المجلس العسكرى؛والتى لو تم الإعلان عنها لاختلفت قراءتنا لبعض تلك القرارات

الثلاثاء 19 يونيو 2012 بشيرصقر