نهايتهم تلوح فى الأفق .. فاستعدوا .. لكن لا تتعجلوها

ملاحظة عاجلة :
بلغنا من دقائق قيام مجموعات كبيرة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بمهاجمة المعتصمين حول قصر الاعتمادية بالخرطوش والأسلحة البيضاء وعبوات المولوتوف والعصى فى محاولة لفض اعتصامهم ؛ وتفيد الأنباء بسقوط قتلى من المعتصمين لم يتأكد عددهم ؛ كما أصيبت أعداد كبيرة منهم بإصابات متنوعة بعضها خطير ولا زالت الاشتبكات مستمرة .
يذكر أن الهجوم تم فى وقت احتجبت فيه القنوات الفضائية ومن ثم تعذر وصول تفاصيل دقيقة عن ملابسات الصدام .. ( بدايته وأعداد المهاجمين والمصابين والشهداء ).
وتهمنا الإشارة إلى أن تيار الإسلام السياسى بقيادة جماعة الإخوان بعد أن تأكد من انكشاف مخططه وأساليبه فى الاستيلاء على الحكم والانفراد به وبعد رد الفعل الشعبى الغاضب -على جملة إجراءاته الأخيرة- والتى كان آخرها اندلاع المظاهرات والاعتصامات فى معظم المحافظات وحول القصر الرئاسى يمكن القطع بأن ذلك التيار يحارب الآن معركته الأخيرة ؛ واستنادا إلى تاريخه السابق .. نتوقع أن يبدأ الصدام مع جماهير الثورة بشكل دموى وعلى الأرجح سوف يسبق كل صدام نوع من التهدئة الوهمية والمراوغة ليتمكن من تحقيق انتصار أو انتصارات سريعة حاسمة تفرق صفوف الثوار وتكسر المنحنى المتصاعد لرد الفعل الشعبى ، وتأكيدا لهذا صدرت أمس على عدد من المواقع الإلكترونية أخبار للتمويه بقيام الرئيس مرسى بإلقاء خطاب يتراجع فيه عن الإعلان الدستورى وبدء حوار مع القوى السياسية حول الدستور واللجنة التأسيسية وهو ما لم نصدقه فور قراءته.
لذلك يتحتم على قوى الثورة وشبابها الاستعداد لأسوا الاحتمالات فى كل الفعاليات والتحركات التى يقومون بها والتنبه لأن شعارهم سلمية سلمية لن يكون ذا جدوى أمام تنظيمات فاشية تصر على تقييد الوطن والشعب.. و لم تعرف طوال تاريخها إلا إصدار الأوامر والسمع والطاعة أو الإكراه والإرغام .
بشير صقر
الساعة السابعة والنصف مساء الأربعاء 5 ديسمبر 2012
مقدمة :
عندما أوصل المجلس العسكرى مرشحه الجنرال أحمد شفيق ومرشح تيارالإسلام السياسى الشيخ محمد مرسى إلى الجولة الأخيرة للانتخابات الرئاسية اقترحت مقاطعة هذه الجولة الحاسمة والقيام باعتصام شامل فى الميادين خصوصا ميدان التحرير احتجاجا على ما صنعه العسكر فى توجيه الانتخابات ورفضا لاختيار أحدهما لكرسى الرئاسة .
و فسرت ذلك بأننا يجب ألا نؤيد أيا من المرشحين.. الجنرال والشيخ – اللذين يمثلان جناحى الثورة المضادة – ليحكم مصر فأحدهما امتداد مباشر لنظام حكم مبارك والآخر ممثل لأسوأ القوى الرجعية فى المنطقة العربية التى تسعى لإعادة مصر للقرون الوسطى.
وحيث انقسمت الجماهير المصرية لأقسام ثلاثة: ما بين كاره لأحدهما ومضطر لاختيار الآخر؛ أو رافض لكليهما فيقاطع الانتخابات أو يبطل صوته ؛ كان من المنطقى أن يتحمل من صوّت لأحدهما تبعة اختياره فهو – أى الناخب – مسئول عما يرتكبه الرئيس الذى اختاره من جرائم بعد أن يجلس على كرسى الحكم بل ومسئول ضمنيا عن ماضى ذلك الرئيس ومسلكه السياسى .. بينما من قاطع أو أبطل صوته فلا مسئولية يتحملها إزاء من يأتى منهما رئيسا للدولة.
وفى مقالات نشرت على الحوار المتمدن مابين27 مايو و20 يونيو 2012 .. أوضحتُ فى مقارنة سريعة مواقف القوى السياسية والجماهير من كلا المرشحين إذا ما تمكن من تولى السلطة عرضت فيها الآتى :
1-أن فوز شفيق سيشعر الشعب أن واحدا من رجال مبارك قد حل محله رغم كل ما بذلته الثورة من عناء ودماء؛ وفى نفس الوقت ستتفجر الأوضاع مرة أخرى بينه وبين الرئيس الجديد . ولأن موقع الإخوان من هذه التفجرات سيكون – أرادوا أم أبوا ، وأردنا أم أبينا – ضمن معسكر المعارضة برغم العزلة المقصودة التى لجأوا إليها بعد إسقاط الطاغية فى 11 فبراير فى محاولة للتقرّب والتحالف مع المجلس العسكرى .. وبرغم كل تخاذلهم وامتناعهم عن المشاركة في الثورة فى أيامها الأولى (بين 25 – 28 يناير) ؛ ورغم انحيازهم للعسكر ضدها فيما بعد ؛ ورغم وصفهم للثوار بالبلطجية والعيال والمخربين والغوغائيين ؛ ورغم إصدارهم أول قانون يجرّم التظاهر بعد اندلاع الثورة ويرفض احتجاجات الفقراء المطالبين بتعديل أوضاعهم المعيشية والوظيفية بعد سيطرتهم على البرلمان.
وفى هذه الحالة – نجاح الجنرال وتفجر الأوضاع – ولأن تيار الإسلام السياسى أكثر القوى السياسية تنظيما وأكبرها عددا فسوف ينخرط فى تلك المواجهات بين الشعب والجنرال وهو ما سيضفى عليه مسحة ثورية بوجوده فى صفوف المعارضين وسيساهم نسبيا فى فك طوق العزلة عنه وهو ماسيعود عليه بمعظم ثمارها إن تم إسقاط الجنرال؛ وهو الشئ الأكثر خطرا فى جملة الاحتمالات المطروحة لنتائج الانتخابات وما بعدها.
إن إزاحة الجنرال من الحكم – فى حالة نجاحه- ستكون أسهل من إزاحة الشيخ – لو تولى الرئاسة- لأنه لا يستند إلى حزب سياسى له جماهير فى كثير من المحافظات ولأنه امتداد مباشر ورمز معروف لنظام مبارك
2- أما فى حالة نجاح الشيخ فلن يجد نفس المقاومة التى سيجدها الجنرال على الأقل فى الفترة الأولى لحكمه نظرا لحداثة عهده بالحكم ولكونه شخصية مغمورة ولأنه ينتمى لجماعة نجحت فى تضليل الشعب بتعرضها للتنكيل بها طيلة عشرات السنين بسبب دفاعها عن حقوق الشعب وحرياته المغتصبة. لكن ما أن يتم اكتشاف حقيقته وأهداف جماعته حتى يصبح هدفا مباشرا لجماهير الثورة التى تم خداعها. وعموما سيحتاج الأمر لبعض الوقت – طال أو قصر – لتصل جماهير الثورة لهذا الموقف .. علاوة على أن مقاومة رئيس لا سند له سوى جهاز الدولة – كما فى حالة الجنرال – تختلف عن مقاومة رئيس ينتمى لجماعة سياسية واسعة الانتشار دموية الأساليب فاشية الطراز.
ومع ذلك- ولأن الشيخ وجماعته- لن يستطيعا خداع الجماهير طويلا وليس عندهما ما يقدمانه لها سوى وعود فارغة وأحاديث كاذبة وعبارات معسولة .. فسيحتاج الأمر إلى مقاومة أشد منها فى الحالة الأخرى.
3- ولأن الشعب خاض غمار معركة مع العسكر( أحد أجنحة الثورة المضادة ) ولم يخض مثلها مع تيار الإسلام السياسى ؛ ولأن الجنرال أحد هؤلاء العسكر بينما الشيخ ممثل لجناح الثورة المضادة الثانى ؛ فالأفضل فى تقديرنا هو هذا الاحتمال لأنه سيقضى على أوهام الشعب فى هذا الجناح أو سيمهد لهزيمة ساحقة لهذا النوع من الأحزاب الرجعية التى خادعت الشعب طويلا وصدّقها حتى أوصلها إلى تمثيله فى البرلمان وإلى رئاسة الدولة..
اكتشاف الخديعة .. واستئناف الثورة :
فى الفترة المحصورة بين 12 فبراير 2011 و 30 يونيو 2012 – أى بين رحيل الطاغية وتولى الإسلام السياسى رئاسة الدولة- وفى غمار صراع الإسلام السياسى بقيادة جماعة الإخوان مع العسكر ونظرا لاتخاذ الصراع أشكالا معقدة ؛ وبسبب وقوع قطاعات من الجماهير – خصوصا فى الريف والمدن الإقليمية –أسيرة لأكاذيب الجماعة وديماجوجيتها فقد التمس بعض تلك القطاعات عددا من التبريرات لمسلك الجماعة المزدوج المراوغ إزاء مجلس العسكر من ناحية وجماهير الثورة من ناحية أخرى وظلت – تلك القطاعات – محتفظة بأوهامها بشأن الجماعة ، لكن قطاعات أخرى فى مركز الثورة فى المدن الكبرى كانت قد تخلصت بالتدريج من تلك الأوهام ولم تنطل عليها أكاذيبها ونفاقها .. فشرعت فى اتخاذ مواقف معادية لها اتضحت بجلاء فى حشودالجماهير بميدان التحريرفى بداية يونيو 2012 فور صدور أحكام القضاء ضد الطاغية وأبنائه ومساعديه فى قضية مقتل متظاهري الثورة .
-ولأن المجلس العسكرى شأنه شأن كل قوى وتيارات وأحزاب الثورة المضادة لا يخشى جماعة الإخوان وفصائل الإسلام السياسى قدر ما يرتعب من جماهير الثورة وشبابها فقد تعمّد غض البصر عن تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة بكتابة وصياغة الدستور لتضم كل رجال التيارات الإسلامية واستبعدت العشرات من كبار المفكرين والفقهاء القانونيين والدستوريين والعلماء ورجال السياسة والثقافة والفنون والآداب وأساتذة الجامعات وخبراء الاجتماع والاقتصاد وغيرهم فى تواطؤ واضح المغزى خلاصته ” مبادلة الدستور بتأمين وضع القوات المسلحة ومجلسها العسكرى” وذلك بالإبقاء على امتيازاته وأمان أعضائه بل وعدم محاكمتهم دون المساس بها ” .. فدستور يضعه الإسلاميون مقتسمو السلطة مع العسكر فى ذلك الوقت.. أكثر أمانا ولا تمكن مقارنته بدستور يضعه الثوار ويكون سيفا مسلطا على رقاب كل رجال مبارك ومعاونيه وحلفائه.. بل وكل المعادين للثورة والرافضين لأهدافها.
– فقادة المجلس العسكرى السابق كانوا يديرون قطاعا اقتصاديا متنوع المجالات ( زراعة ، صناعة ، أراضى فضاء ، عقارات ، منشآت استجمام وترفيه ..إلخ ) قدّره الخبراء بنحو 35 % – 40 % من الاقتصاد المصرى ومن المنطقى أن ينعكس ذلك على دخولهم ووضعهم الاجتماعى وامتيازاتهم المتنوعة .
-أما قادة جماعة الإخوان والسلفيين فمعظمهم من كبار التجار ورجال الأعمال وقيامهم بدورهم السياسى ( فى وقت سابق وحاليا ) يؤبّد وضع الشعب المصرى فى دائرة التخلف والتبعية والفقرويحط من وزن مصر الدولى والإقليمى ويلقى ترحيبا شديدا من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأيضا من المملكة السعودية ودولة قطر اللتان تخشيان انتزاع شعب مصر لحكم ديمقراطى تتطاير آثاره إلى شعوبهما ومنطقة الخليج وهو ما دعاهما لفتح خزائن الريالات والدراهم على مصاريعها لتمويل الحركتين ( الإخوان والسلفيين ) ودعمهما فى أنشطتهما الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فى مصر وفى كل الانتخابات التى تجرى فيها ( برلمانية ، رئاسية ، محليات ). هؤلاء القادة ( العسكر ، وتيار الإسلام السياسى ) مستفيدون من وضعهم القيادى داخل مؤسساتهم ومن الدور الذى يلعبونه لصالح الطبقات المالكة من الأغنياء ورجال الأعمال فى مصر ولصالح الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب والدول الرجعية التى تُطْبق على أنفاس شعوبها فى الخليج وأبرزها السعودية وقطرمن جانب آخر.
-هذا وبعد تولى ممثل الإسلام السياسى رئاسة الدولة فى يوليو 2012 تساقطت وبالتدريج كثير من الأقنعة التى ضللت قطاعات واسعة من الجماهير من على وجه الجماعة كان أهمها تنحية أبرز أعضاء المجلس العسكرى الذى ارتكب من الجرائم فى 16 شهرا ما يكفى لتقديمه للمحكمة الجنائية والسياسية باطمئنان..
–وبدلا من ذلك قامت الجماعة بإبرام صفقة تأمن بها ردود فعل الجيش من ناحية ؛ وتُخْلى لها الطريق دون عوائق للانفراد بالحكم من جانب آخر.
– ومنها محاولة إعادة الحياة للبرلمان الإسلامى الذى قوضه حكم القضاء .
– وكذلك محاولة إزاحة النائب العام بنقله سفيرا لدى دولة الفاتيكان بطريقة استنفرت واستعْدَت مؤسسة القضاء بكل هيئاتها.
هذا وقد كشف تراجع الرئيس عن الإجراءين الأخيرين مدى ضحالة فهم الجماعة لقواعد اللعبة وقصورها الشديد فى إدارة شئون الدولة وقبل ذلك فضح ما تستهدفه من إزاحة كل المعوقات القائمة والمحتملة للانفراد بالحكم دون شريك أو رقيب والإطاحة بمطالب الثورة وبالثوار.. ليس هذا فحسب بل وتحويل النائب العام إبن النظام السابق وأحد المشتبه فى عدائهم للثورة إلى بطل يرفض الخضوع لقرار الرئيس .. لقد أدار ذلك المستشار معظم التحقيقات مع رجال الطاغية و انتهت أغلب تلك القضايا ببراءة المتهمين.
-لقد أفصحت الأحداث المأساوية التى جرت خلال سنتي2011 ، 2012 وبشكل خاص فى الشهور الأخيرة عن حقيقة الدور والأهداف التى يسعى تيار الإسلام السياسى لتنفيذها فى المنطقه ومنها مشاركة الولايات المتحدة فى مواجهة إيران التى تمثل خطرا حقيقيا على إسرائيل.
-فموقف الإسلاميين السابق من قضية فلسطين.. وإعادة النظر فى اتفاقية السلام مع إسرائيل ..ومن قروض البنك الدولى وصندوق النقد يكشف تلك الأهداف ويفسر ذلك الدور بسهولة ويُسْر:
1-فتحرير فلسطين تحول بعد رئاستهم للدولة إلى اتفاق مع الولايات المتحدة وإسرائيل على زرع مجسّات تصنت إسرائيلية على الحدود المصرية الإسرائيلية والمصرية الفلسطينية ؛ بل وعلى إمكانية دخول قوات أمريكية لمراقبة تلك الحدود وهو ما لم يجرؤ نظام مبارك على تنفيذه رغم كل خياناته ودعمه لهؤلاء الأعداء بالتطبيع والغاز والحديد والأسمنت وخنق الشعب الفلسطينى فى غزة.
2-كما أفصح هذا الموقف عن تحويل سيناء إلى مرتع لكل عناصر العنف والإرهاب القادمة من أفغانستان وباكستان أو الفارة من اليمن والعراق وغزة ؛ واستشرائها وتغولها فيها واعتدائها على كثير من مؤسسات الدولة وعلى الجيش والشرطة واغتيالها الجنود والضباط المصريين دون موقف حقيقى فعال من ممثل الإسلام السياسى الجالس على رأس الدولة.
3-أما قصة إعادة النظر فى اتفاقية السلام فهى للاستهلاك المحلى والإعلامى مثلما كانت مسرحية استدعاء السفير المصرى فى تل أبيب للتشاور فى أعقاب الهجوم الإسرائيلى الأخيرعلى غزة ؛ لأن المفاضلة بين شبه جزيرة سيناء المنزوعة السلاح أهم لدى الباحثين عن استعادة الخلافة الإسلامية من إدارة صراع مع الصهاينة بشأنها. ففى الحالة الأولى يكون استجلاب أفواج الإرهابيين إليها واستقبال أعضاء الجهاز السرى المسلح وفرق الكشافة بها لإخفائهم عن العيون والقيام بتدريبهم على الأسلحة الخفيفة وغير الخفيفة هو الوضع الأمثل لسيناء، أما إعادة النظر فى اتفاقية السلام فسيضعها – أى سيناء – تحت المنظار ويحول دون استخدامها فى التدريب والإيواء والإخفاء.. وهى نفس النتائج المتحصل عليها فى حالة القيام بتعميرها ورفع كثافتها السكانية بالمنتجين والكادحين وليس بالمستثمرين والسائحين.. وهذا يعنى أن قصة تعمير سيناء فى نظرهم لاتتحقق بملئها بالفلاحين بل باستخدامها فى الاستثمار السياحى الذى يبقيها فارغة لا تمكن حمايتها من أى هجوم إسرائيلى مباغت وهى نفس فكرة نظام مبارك بحذافيرها عن تعمير سيناء.. والتى تستجيب لشروط إسرائيل فى حسن الجوار وتنصاع لاتفاقية السلام معها من ناحية أخرى.
4-أما فوائد القروض من صندوق النقد والبنك الدولى فكانت قبل الثورة فى نظرهم ممارسة للربا الذى حرّمه الإسلام ؛ وتحولت بعد استيلائهم على الحكم إلى إقرار بتلك الفوائد لأنها مجرد “مصروفات إدارية ” أو فى أسوأ الأحوال ” ضرورات تبيح المحظورات “.
-من جانب ثالث كان برنامج الـ 100 يوم الذى طرحه الرئيس وأولوياته ونتائجه فضيحة بكل المقاييس لجماعة ملأت الدنيا صراخا فى زمن سابق عن فقر الشعب واستبداد حكامه وفسادهم ؛ وأن ” إسلامهم هو الحل ” ، وكان فشل البرنامج الذريع برهانا على انصرافهم الكامل عن مطالب الشعب قبل أن يكون بسبب انعدام قدراتهم الادارية وفهمهم المحدود لكيفية إدارة الدولة ، كذلك لم تكن أحداث مجزرة قطار منفلوط بمحافظة أسيوط وطريقة تعامل الحكومة معها إلا دليلا جديدا على استمرار كل السياسات القديمة وتجاهل أهداف الثورة .. وكأن ثورة لم تحدث فى مصر.
-أما الصمم الذى أصاب كلا من رئيس الوزراء والجمهورية بشأن مطالب القطاعات الفقيرة من الشعب رغم ارتفاع وتيرة الاحتجاجات بين العمال والفلاحين والمهنيين (كالأطباء والمعلمين والممرضات وغيرهم) فيؤكد أن الدولة فى عهد الإسلام السياسى هى نسخة مكررة منها فى عهد الطاغية بل وأسوأ .
-ولأن المطالب السابقة يتطلب حلها بعض الاعتمادات المالية فهناك من المطآلب الشعبية ما لا يحتاج لأكثر من قرار ولا يستهلك وقتا؛ فالمعتقلون من شباب الثورة – 8000 حالة – الذين أوقفهم المجلس العسكرى وحاكمهم .. قد أبقاهم رئيس الدولة بين جدران السجون ورفض الإفراج عنهم بينما أطلق سراح أعداد كبيرة من محترفى الإرهاب ممن نشروا الرعب فى صفوف الشعب واغتال بعضهم المفكر الشهيد فرج فودة وصرحوا بأنهم ليسوا نادمين على ذلك ولو عاد بهم الزمن للوراء لقاموا به مرة أخرى ؛ وذلك دليل آخر على أن أهدافهم تتخذ طريقا مغايرا تماما لطريق الثورة و أهدافها.
-وتتابع الوقائع مبرهنة على شروعهم الدائم فى تقسيم المجتمع لطوائف وأشلاء:
-فإنكارهم لمن يخالفونهم فى أفكارهم السياسية وفى تفسيرهم للدين ليس مجرد موقف فكرى وسياسى يمكن بالحوار أن يتغير بل هو طبيعة متأصلة أشبه بالعوامل الوراثية التى تذكيها عوامل اجتماعية متعددة كالنشأة والتربية والثقافة ومن ثم فـ ” سلق الدستور ورفض التوافق بشأن مواده ” رغم اعتراض ممثلى الكنيسة المصرية وكل ممثلى التيارات السياسية الأخرى كالليبراليين واليساريين والناصريين والمستقلين لا يشكل جهلا بمبدأ المواطنة الذى أقرته معظم دساتير المجتمعات الأخرى وتبنته المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان التى وقعت عليها مصر.. بل يمثل رفضا لكل من لا يتطابق مع أهدافهم بل و تاكتيكاتهم ؛ فقد سبقه منع سكان قرى مسيحية بأكملها فى صعيد مصر من التصويت فى الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة ؛ كما يؤكده تكرار رفع أعلام دول أخرى كالسعودية وتيارات فاشية كتنظيم القاعدة مثلما حدث فى جمعة قندهار فى عام 2011 وسبت الشرعية والشريعة ( ديسمبر 2012 ) رغم كل الإدانات والمآخذ التى أثارها و ندد بها الإعلام ، فضلا عما ارتكبته بعض فصائلهم من شماتة وقذف فى حق ( البابا شنودة )أهم رموز الدين المسيحى فور وفاته.
-من جانب آخر كان رفضهم للاستبداد والقهر الذى تعرض له الشعب فى عهود سابقة ليس مردُّه انحيازهم لذلك من حيث المبدأ بل اعتراضهم على ممارسة الاستبداد ضدهم فقط وهم بذلك يقطعون الشك باليقين بأنهم لم يكونوا معارضين حقيقيين- فالمعارض الحقيقى هو من يرفض الاستبداد والفساد ضد كل أفراد الشعب وليس ضده فقط- [ والمثال الأبرز لذلك موقف الأستاذ نبيل الهلالى المحامى اليسارى حينما كان يدافع عن كثير من الإسلاميين فى القضايا السياسية والعمالية ضد استبداد أنظمة الحكم السابقة ] ، وبالتالى تغدو الديمقراطية بالنسبة لهم مقتصرة على صندوق الانتخابات ولمرة واحدة فقط إلى أن يحصلوا بأية طريقة على مقاعد البرلمان أو الرئاسة لتتم بعدها الاستدارة الكاملة للديموقراطية ولصندوق الانتخابات.
ووقائع وقف البث لبعض الفضائيات ( دريم ) ورفض تنفيذ الأحكام القضائية بعودة رؤساء تحرير جرائد قومية تمت تنحيتهم عن مناصبهم بالمخالفة للقانون وللأعراف المتبعة فى مهنة الصحافة .. تؤكد زيف كل ما أعلنوه ويعلنوه عن تعديل أفكارهم ومواقفهم التاريخية بشأن مدنية الدولة والديموقراطية وحقوق التعبير والعمل والمواطنة والمرأة والأقليات وقبول الآخر.
العدوان الأخير على القضاء والانفراد بوضع الدستوروتحديد موعد الاستفتاء عليه :
لم يكن عدوانهم الأخير على القضاء المتمثل فى إصدار الإعلان الدستورى فى 22 نوفمبر 2012 مجرد جهل بإدارة الدولة أو بمبدأ الفصل بين السلطات ، ولا رغبة فى إزاحة واحد أو أكثر من رموز عهد الطاغية فحسب ؛ بل هو تخطيط مدبر وإصرار مسبق على التخلص من إحدى العقبات الهامة من طريقهم وهو مؤسسة القضاء وعلى وجه الخصوص المحكمة الدستورية العليا التى حلف الريئس اليمين أمامها بالحفاظ على الدستور والقانون؛ وأعملت نصوص القانون فى الحكم بعدم شرعية اللجنة التأسيسية الأولى ذات الأغلبية الإسلامية التى كانت مكلفة بكتابة الدستور القادم وحلت البرلمان الإسلامى على نفس الأسس؛ وكان مقررا أن تنظرفى 2 ديسمبر2012 قضيتين أخريين بشأن شرعية مجلس الشورى الإسلامى وتشكيل اللجنة التأسيسية الحالية التى ” فصّلت دستورا معيبا.. “على مقاس” تيار الإسلام السياسى وأهدرت مبدأ التوافق الذى يحكم وضع الدساتير فى بلاد العالم مما أدى لانسحاب غير الإسلامين منها ” لقد كان المخطط هو وقف نظر القضيتين ومنع القضاء من التعرض لمثل تلك لقضايا بقرارات رئاسية محصنة وذلك فى بحر تسعة أيام ” وهو ماتم بالفعل :
أ‌- بالإسراع فى” طبخ ” دستور عنصرى معيب بسبب اقتصار الهيئة التى تعده على تيار واحد .
ب‌- وبتقييد يد القضاء فى الحكم عليه بالقواعد الدستورية والقانونية المعمول بها حاليا ومنعه من نظر القضايا ذات الصلة بهذا الأمر المقرر البت فيها فى 2 ديسمبر 2012 .
ت‌- وبالإسراع فى عرض مشروع الدستور على الرئيس وقيام الأخير بتحديد موعد الاستفتاء عليه وإعلام الشعب به وذلك قبل قيام المحكمة بالبت فى القضيتين المشار إليهما باثنى عشرة ساعة أى مساء 1 ديسمبر 2012 .
ث‌- وأخيرا بمحاصرة مقر المحكمة الدستورية لإرهاب أعضائها ومنعهم من دخوله لممارسة أعمالهم بالذات فى القضيتين المذكورتين.
– لم يكترث تيار الإسلام السياسى بكل فصائله بزئير الشعب فى احتشاده يومى 27 و 30 نوفمبر ولا بحملات التنديد والتفنيد والشجب للإعلان الدستورى الصادر فى 22/ 11/ 2012 برغم انتهاء فترة الشرعية الثورية ( التى تسمح بإصدار مثل هذه الإعلانات الدستورية) فى 30 يونيو 2012 بمجرد تولى محمد مرسى رئاسة الدولة ، ولا بالانتقادات الحادة والمستمرة فى الصحافة والإعلام الغربى ولا بافتضاح أكاذيب قادة الفصائل الإسلامية أمام الرأى العام المحلى والعربى فقد اعتادوا على تكفير الجميع.
وماذا بعد..؟! :
لقد تعرت وجوه كل قادة الإسلام السياسى فى اثنين وعشرين شهرا بعد أن ظلت محتجبة عن الكثير من البسطاء طيلة ما يجاوز الثمانين عاما .. كانوا فيها معادين للحركة الوطنية ولاستقلال الشعب ومنحازين للاستعمارالبريطانى وبعده الأمريكى ومتواطئون مع العدو الصهيونى للبقاء على مقاعد الحكم على حساب القضية الفلسطينية؛ ويمهدون لتحويل سيناء لإمارة إسلامية بفتح الباب على مصراعيه لفلول الإرهابيين القادمين من كل حدب وصوب ويديرون الظهر لدعم الشعب الفلسطينى فى مواصلة كفاحه لاسترداد أرضه بهدف تهجير أهالى غزة إلى سيناء .
واستقووا بالولايات المتحدة فى تمويل حملاتهم الانتخابية عامى 2011 و 2012 ثم فى الحصول على مقعد رئاسة الدولة؛ وقبلها بثمانين عاما تلقوا الأموال من المحتل البريطانى ( من خلال شركة قناة السويس ) لافتتاح مئات المقرات والمكاتب لجماعتهم الفاشىية فى كل محافظات مصر ، واستعانوا بالريالات السعودية والدراهم القطرية وقنواتها الفضائية فى حشد أعضاء تنظيماتهم ومناصريهم ونقلهم إلى ميادين القاهرة فى تظاهرات ومسيرات مدفوعة الأجر.
ولم يكن هذا بغريب فقد سبق لهم الانحياز للملك ( عدو الشعب ) ولرئيس الوزراء إسماعيل صدقى ( جلاد الشعب ) فى الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضى .
فاغتال الإخوان كل من يخالفهم الرأى أيام تأجج الحركة الوطنية قبل ثورة يوليو و بعدها ، وأشاع الجهاديون – فى الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين- الرعب والدمار فى صفوف الشعب واغتالوا العشرات سواء كانوا مسئولين فى الدولة أو مفكرين أو أدباء أو طلاب او سائحين ، ودافع السلفيون عن نظام الطاغية مبارك مرددين ( لاخروج على الحاكم المسلم حتى لو كان ظالما ، فظلم يوم خير من فتنة تدوم ) لأنهم نشأوا وتربوا فى أحضان مباحث أمن الدولة .
ويقف كل هؤلاء الآن ضد الثورة ومطالبها باستماتة ، ولذلك أدركت جماهير الشعب وشباب الثورة كثيرا من أفكارهم وأهدافهم بالتجربة الملموسة فى أقل من سنتين وهتفت ” يسقط حكم المرشد “.
لم يكن أكثر المراقبين تفاؤلا يتصور أن يقوم الشعب – الذى أوصل رموز هذا التيار لمقاعد البرلمان والرئاسة فى نوفمبر 2011 ، يونيو 2012 – برفضهم والدعوة لإسقاطهم وإزاحتهم من طريقه فى نوفمبر 2012.
إن التجربة الحية المباشرة هى التى أنضجت هذا الموقف الشعبى الرافض لأفكار وسلوك وحكم الإسلام السياسى وكشفت أن ” إسلامهم ليس هو الحل ” ، هذا الموقف الذى يتنامى كل يوم ويتسع ويجتذب كثيرا من الفقراء والبسطاء البعيدين عن النشاط السياسى وعن مركز الأحداث فى المدن الكبرى.
فى الانتفاضة الراهنة وضحت الرؤية.. وبقى أن تنقشع الغمة :
ولأن التجربة العملية المباشرة هى ما علمت الجماهير ورفعت وعيها وأنضجت مواقفها وأسقطت أوهامها عن مجلس العسكر وتيار الإسلام السياسى فلم يكن ” الشعب والجيش إيد واحدة ” ولا كان ” الإسلام هو الحل ” باختصار لقد وضحت الرؤية وبقى أن تنقشع الغمة .
-وحتى لا يتكرر ما حدث فى الجولة الأولى من الثورة فى 25 يناير 2011 وجب علينا جميعا نخبا وجماهير أن ندرك :
1- أن الأفكار السياسية لا قوة لها ولا تأثير دون شرطين أولهما هو الارتباط الحى المنظم بإحكام بين النخب والشعب بفئاته وطبقاته ؛ والثانى هو التجربة المباشرة العملية فى مواجهة أعداء الثورة وخصومها والطابور الخامس فى صفوفها ومن ينبئ مساره بتوقفه فى منتصف الطريق.
فالنخب المصرية السياسية – التى يعرف الكثير من عناصرها تاريخ أقدم فصائل الإسلام السياسى وأحدثها ومواقفها ومنابعها الفكرية وأهدافها السياسية وسلوكها العملى قبل أن تندلع ثورة يناير بعشرات السنين- لم تنجز ما أنجزه الشعب المصرى ولا حصّلت خبرته برغم ما تعرض له ذلك الشعب من محو لذاكرته السياسية من حصار وخنق خلال عهود العسكر المتعاقبة حيث بقى حبيس المنازل أمام شاشات الفضائيات أو جليس مدرجات ملاعب الكرة لا تشغله سوى مسلسلات الدراما وأفلام السينما وأهداف نجوم الكرة.
فلا وزن للخطابة فى المؤتمرات ولا قيمة للكتابة فى أوراق الصحف وصفحات المواقع الإلكترونية دون صلة حقيقية عضوية بطبقات الشعب وبالذات بفئاته الفقيرة ودون سعى جاد للتعرف على قضاياه ومشاكله ودون خوض المعارك إلى جانبه ودون التجربة المباشرة مع الأعداء والخصوم.
ولذلك يمكن القطع [ان نجاح تيار الإسلام السياسى فى الوصول لمقاعد البرلمان ورئاسة الدولة كان أول الطريق لاكتشاف الشعب لألاعيبه وأكاذيبه وأهدافه البعيدة.. وأول المنحدر الذى ينزلق عليه الآن ذلك التيار مندفعا نحو نهايته بسرعة لا يمكن تصديقها ].
فكل ما اقترفوه من جرائم وما ارتكبوه من أخطاء فاحشة يتجمع ويصب فى ” حصالة الشعب “.. فى مجرى الثورة ، ويُعجّل من النهاية التى ستكون أكثرقوة وصخبا مما حدث فى ثورة يناير 2011 .
وقبل أن ننهى حديثنا نشير إلى أن طريق الثورة ليس مستقيما ولا مستويا ولا ممهدا بل ملئ بالتضاريس والعراقيل والمنحنيات والعثرات بل والمفاجآت وهو ما ننبه له خصوصا وأن المعركة التى تخوضها الثورة الآن تقاتل فيها جيشا واحدا من جيوش الثورة المضادة ( تيار الإسلام السياسى) وهناك جيوش أخرى تنتظر نهاية المعركة لتقرر بعدها ماذا تفعل ومتى وكيف؟ .. وأحد تلك الجيوش سبقت هزيمته فى الجولة الأولى للثورة لكن هزيمته لم تكن كاملة فلا زالت آماله حية وإمكاناته متوفرة.. أما الآخر فيراقب من بعيد ليحدد متى يتدخل . وهؤلاء جميعا ليسوا مع الثورة بل ضدها .. وإذا ما رجحت كفة الشعب وانتصر وأزاح الكابوس الجاثم على صدره فربما نجد الجيوش الثلاثة فى خندق واحد وهو ما سنتحدث عنه فى وقت لاحق
فما علينا إلا أن نضم صفوفنا وننكر ذواتنا ونُعمِل ذهننا ونستثمر جسارتنا ونتعلم من شعبنا وشبابنا فنهاية الفاشيين تلوح فى الأفق.

الأربعاء 5 ديسمبر 2012 بشير صقر