استئنافا لسياسات أمين أباظة : تصريحات جديدة لوزير الزراعة الحالى وتعقيب عليها

مقدمة :

تولى وزارة الزراعة أكثر من خمسة وزراء منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 كان اثنان منهم من مناصرى تيار الإسلام السياسى ، كما قام هشام قنديل الوثيق الصلة بجماعة الإخوان المسلمين برئاسة الوزارة الأخيرة فى ظل تولى حزب الحرية والعدالة رئاسة الجمهورية اعتبارا من أول يوليو 2012 .
من جانب آخر نشر الموقع الإلكترونى الحوار المتمدن نقلا عن جريدة البديل تقريرا إخباريا يوم الخميس 10 يناير 2013 مفاده قيام وزيرالزراعة الحالى د. صلاح عبد المؤمن بافتتاح “ورشة عمل تمهيدية ” بالقاهرة لمشروع مزمع تنفيذه فى خمس من محافظات الصعيد ( الفيوم – بنى سويف – أسيوط – سوهاج – أسوان ) بتمويل إيطالى قدره 20 مليون جنيه وبمشاركة وتعاون منظمة الأغذية والزراعة ( فاو ) التى يساهم ممثلها فى الشرق الأوسط (مجاهد عاشورى مجاهد) فى افتتاحه بحضور مستشار رئيس الجمهورية للتنمية.. حيث ألقى فيها الوزير بعدد من التصريحات تتعلق بقضايا الزراعة المصرية والفلاحين علاوة على كلمة تتصل بموضوع ورشة العمل المشار إليها .
ولما كانت الوزارة الراهنة هى الوزارة الأولى للنظام الذى تولى الحكم بعد الانتخابات الرئاسية التى جرت فى 16 و 17 يونية 2012 و تنتسب- شئنا أم أبينا – لجماعة الإخوان المسلمين والتى جرى تدبيج الدستوروالاستفتاء عليه فى عهدها وتجاهل بشكل مثير للعجب مطالب الفلاحين وقضايا الزراعة جملة وتفصيلا رغم ما وصله من كثير من المهتمين بهذا المجال من مقترحات محددة لتلك المطالب والقضايا كانت إحداها من ” لجنة التضامن الفلاحى- مصر “.. فقد وجدنا من المفيد أن نتناول تصريحات الوزير المختص الذى أدلى بها فى ورشة العمل المذكورة والتى تتصل بموضوع الورشة وببعض القضايا الفلاحية والزراعية ذات الصلة لنوضح إلى أى مدى يتم تجاهل تلك القضايا والمطالب فى الممارسة العملية بعد أن تم تجاهلها فى وضع الدستور.

تجاهل ” فضل ” الفلاحين فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية :

لم يقدم الحزب الحاكم فى مصر حتى الآن أية بادرة تدل على اهتمامه بالفلاحين الذين حصل بفضل أصواتهم على أغلبية مقاعد البرلمان ومنصب رئاسة الجمهورية، وهو ما يؤكد أن الفقراء ليسوا محط اهتمامه وهو نفس ما كان يحدث فى عهد مبارك؛ كما أنه لا تعنيه أوضاعهم المعيشية أو قدرتهم على الاستمرار فى الإنتاج إلا فى الخطب والتصريحات الإعلامية التى لا تستهدف إلا تخدير الجماهير .
فلم نكد ننته من أضحوكة ( إسقاط ديون الفلاحين الفقراء ) حتىى صدر الدستور الأخير متجاهلا بشكل كامل جملة وتفصيلا قضايا الفلاحين والزراعة أللهم إلا فقرة أو فقرتين يتيمتين تتحدثان عن أن الزراعة جزء من الاقتصاد القومى وعن اهتمام الدولة بها رغم ما وصل كل أعضاء اللجنة التأسيسة فى وقت مناسب من مقترحات وتصورات واضحة بشأنها.

استمرار السياسة القديمة :

واستمراراً لنفس النهج نشرت جريدة البديل عددا من تصريحات د. صلاح عبد المؤمن وزير الزراعة الحالى فى افتتاح ورشة عمل لمشروع تحسين التغذية والأمن الغذائى للأسر المصرية صباح الخميس 10 يناير 2013 بالقاهرة منها أن رئيس الجمهورية أوصاه بتوفير مستلزمات الزراعة كالتقاوى والأسمدة للزراع ؛ وبتطبيق قراره الخاص بإسقاط ديون الفلاحين لمن لا تتجاوز مديونيتهم الزراعية من بنوك القرى 10000 جنيه.
ويجدر بنا الإشارة إلى أن :
1- توفير مستلزمات الزراعة من ( تقاوى وأسمدة ومبيدات وأعلاف وآلات زراعية وأمصال ولقاحات ) تتعرض بشكل مقصود لثلاثة عراقيل هى:
*أرتفاع أثمانها الشديد .. مقارنا بتكلفة إنتاجها فى المصانع .
*واحتكار الدولة والتجار لها ولتوزيعها .
*وقصر توزيعها على ملاك الأرض أو لمستأجريها شرط موافقة الملاك بالمخالفة لقانون الزراعة رقم 30 لسنة 1966 مادة 90 .
2- أن إعفاء المتعثرين من الفلاحين من مديونياتهم لبنوك القرى لا يعالج المشكلة لأنه أبقى على أسباب التعثر دون حل وتتمثل تلك الأسباب فى ارتفاع سعر الفائدة ( 16 % فى السنة ترتفع إلى 19 % بالمصاريف الإدارية) نظرا لتحويل بنوك التسليف إلى بنوك تجارية بعد أن كانت تقرض الفلاحين بفائدة 4 % سنوبا وترعى الإنتاج الزراعى ولا تحصل الثمن إلا من المحصول وليس بالحجز على الأرض ؛وأيضا بسبب استيلاء الدولة وبنوك التسليف على رءوس أموال الجمعيات الزراعية وإضافتها لرؤوس أموال البنوك دون مقابل ؛ بالإضافة إلى منح القروض لأغراض بعيدة عن مجال الزراعة.هذا ولأن المستفيدين من قرار الرئيس بإسقاط ديون المتعثرين هو عدد محدود جدا وليس ثلاثة وسبعين ألف متعثر كما ذكر الوزير ؛ بالإضافة إلى أن حد الإعفاء ( عشرة آلاف جنيه ) لا يتعلق بأصل القرض وإنما بحجم الدين بعد تراكم الفوائد والغرامات وغرامات التأخير وغيرها وهو ما يقلص حد الإعفاء لمستوى ضئيل.
وفى هذين المجالين ( مستلزمات الزراعة ، والقروض ) فإن الوضع الحالى لا يختلف عما كان قائما فى عهد مبارك إن لم يكن أسوأ.
3- كما أن تصريحات الوزير الخاصة بالسعى لزيادة إنتاج السكر من القصب والبنجر لم تذكر شيئا إيجابيا سوى رفع سعر توريده من الفلاحين للدولة ( شركات إنتاج السكر ) من 335 – 360 جنيها للطن وهى زيادة شديدة الهزال- كالتى قام بها سلفه أمين أباظة فى عهد مبارك بشأن تخفيض سعر الأسمدة منذ أربعة أعوام- خصوصا إذا ما عرفنا أن تحديد السعر تتدخل فيه نسبة الحلاوة والتى يمكن التلاعب فيها علاوة على التلاعب فى عملية الوزن وهى من البديهيات المعروفة لدى منتجى القصب وموظفى شركات السكر على السواء.. وهو ما يعنى استرداد الزيادة فى الثمن بطرق ملتوية.
4- أما التصريح الرابع بشأن العمل على زيادة صادرات البطاطس فهو لا يهم سوى الفلاحين الأغنياء أعضاء جمعية منتجى و مصدرى البطاطس المعروفة وهم غالبا من كبار ومتوسطى الزراع ومشاكلهم تختلف نوعيا عن مشاكل أغلبية الفلاحين (الفقراء والصغار) الذين يزرعون المحاصيل التقليدية كالقمح والأرز والقصب والذرة والبرسيم والقطن ، فلم يتعرض الوزير إلى المشاكل والقضايا ذات الشأن كالأرز الذى يعتبر غذاء هاما لزرّاعه وللشعب المصرى علاوة على كونه أحد محاصيل التصدير التى تجلب العملة الصعبة للخزانة العامة ؛ خصوصا وأن الدولة مازالت مستمرة فى منع زراعته فى بعض المحافظات كالفيوم ( خدمة لمستوردى الأرز من كبار التجار وتوفير مياهه لتذهب لمزارع عدد من كبار المسئولين السابقين ) وهى المحافظة الأفقر فى عموم مصر والمدرجة فى مشروع تحسين التغذية الذى يفتتح الوزير ورشة العمل التى تخصه وتزمع تطبيقه مع منظمة الأغذية والزراعة، كذلك لم يتعرض الوزير لمحصول القطن الذى تزرعه ثلاث من المحافظات المدرجة فى نفس المشروع و كان يشكل فيما مضى أهم المحاصيل التصديرية فى الزراعة المصرية علاوة على تفوق الفلاح المصرى فى زراعة أصنافه طويلة التيلة ذات المكانة العالمية نوعا وتسويقا، كما لم يتعرض لتعديل السياسة الزراعية الحالية التى أسهمت بفعالية بالغة فى القضاء على زراعته وتدمير الصناعات الوطنية المرتبطة بزراعته كالغزل والنسيج والصباغة و الملابس الجاهزة .. رغم أن القطن والأرز من أهم المحاصيل التى ترفع معيشة فقراء وصغار الفلاحين.
5- وقد تعرض الوزير فى تعليقه الخامس لمسألة التعديات على الرقعة الزراعية ناسيا أن من يقوم بأغلبها متنفذون وحكام محليون ورأسماليون زراعيون وكبار ملاك ومستثمرون ومسئولون حاليون وسابقون لا لسبب سوى أن قانون الزراعة لا يوقع إلا عقوبات شديدة الهزال لمن يخالفونه ؛ فضلا عن تواطؤ وفساد الكثيرين بالإدارة العامة لحماية الأراضى بوزارة الزراعة وفروعها بالأقاليم ، ومن ثم وجب علينا توجيه نظره فى اتجاه آخر لأن هناك ما يسمى بالهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية التى تجاوزت كل الحدود فى الفساد وفى تبديد الأرض الزراعية الجديدة وفى بيعها لأغراض وأفراد يتاجرون فيها.
6- أما ما يتعلق بموضوع الورشة فقد أشار إلى أنه سيرفع دخول الفقراء لأنه يوفر لهم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر التى لا تحتاج لرأسمال كبير . وهنا نذكره بكثير من المشروعات المماثلة التى كان الصندوق الاجتماعى يشرف عليها ويقرض الفقراء للقيام بها حيث فشل معظمها فشلا ذريعا .. ولم يستطع الفقراء رد قروضهم للصندوق . إن المشروعات الحقيقية التى يمكن أن ترفع مستوى معيشة هؤلاء الفقراء أو تقيهم شر التشرد والتسول هى المشروعات الصناعية التى تستوعبهم كعمال بها نظير أجور مستمرة تؤمن لهم حياتهم بدلا من وقوعهم أسرى مشروعات أثبت الواقع أنها لا تحقق أرباحا فى ظل الأوضاع الاحتكارية التى تشمل إنتاج كثير من احتياجات المعيشة وإن حققت فإنها لا تعول أصحابها بشكل مستمر ولا تضمن لهم معاشا ولا ضمانا اجتماعيا أو تأمينا صحيا.. إلخ
7- كما أهمل الوزير الحديث عن حقوق الفلاحين فى التنظيم النقابى رغم أنه يدرك أنهم الفئة الوحيدة فى مصر المحرومة قانونا منه دون بقية فئات المجتمع ، والذى بدونه سيظل الفلاحون مجرد أفراد مبعثرين لا رابط بينهم يسهل تضليلهم ودفعهم للسير فى الاتجاه المعارض لمصالحهم كما حدث ويحدث فى كل الانتخابات السابقة والحالية التى شاركوا فيها على مدى أكثر من نصف قرن ، وسيظلون لفترات تطول أو تقصر أحد الركائز الأساسية فى دعم تيار الإسلام السياسى دون وعى منهم ودون قصد.
ولذا فلا الوزير ولا أى مسئول حالى سيسعى لإيجاد تشريع نقابى يوفر للفلاحين الشكل الذى يضمهم ويوحد كلمتهم ويحولهم إلى جماعة اجتماعية متماسكة لها وزن ودور؛ ولهذا السبب نرى ضرورة العمل فى أوساط الفلاحين وتنظيمهم فى نقابات وأحزاب سياسية ترفع وعيهم وتجعلهم قادرين على التمييز بين أعدائهم وحلفائهم وفرز أصدقائهم من خصومهم ومنافقيهم لأن مشاركة الفلاحين بوعى فى العمل النقابى والنشاط السياسى سيعدل ميزان القوى فى المجتمع ويحميه من كل الشرور القائمة والبادية فى الأفق .

الخميس 10 يناير 2013 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر