كلمة اللجنة بمؤتمر الفلاحين الدولى السادس بإندونيسيا .. يونيو 2013

تمهيد :
لأننا نعيش عصر عولمة الزراعة بتقليص أعداد الفلاحين الصغار وتجريدهم من أراضيهم لصالح كبار الملاك والزراع والمستثمرين ، ونعيش عصر احتكار الشركات العولمية الكبرى لإنتاج وتجارة مستلزمات الزراعة ( بذور – أسمدة – مبيدات ..إلخ ) والذى يتحكم بدوره فى عملية إنتاج وتسويق الحاصلات الزراعية ( نباتية وحيوانية ) لصالح نمط الزراعة الكثيفة والمزارع الواسعة .
ولأن أزمة الغذاء ليست ناجمة عن انخفاض إنتاجه مقارنا بحجم استهلاكه ؛ بل عن سوء توزيعه على قارات ومجتمعات العالم وداخل كل مجتمع على فئاته وطبقاته.
كان من الطبيعى أن تزداد أعداد الجوعى والعاطلين استنادا إلى تجريد المنتجين الفقراء من الفلاحين من الأرض وانخفاض قوتهم الشرائية والتدنى المستمر لنصيبهم من الغذاء.
ونظرا لأن قوى الليبرالية الجديدة تشن حروبا متنوعة فى مختلف مجالات الإنتاج والاستهلاك على جميع المنتجين والفقراء فى كل مجتمعات العالم وخصوصا على الفلاحين ، ولأن وقف تلك الحروب ومواجهة المصير الذى تفضى إليه أصبح ضرورة لامناص منها .. كان من المنطقى أن يتكاتف هؤلاء المنتجون لكسر هيمنة هذه القوى النيوليبرالية وإفشال مخططاتها خصوصا فى مجال الزراعة والغذاء.
كذلك لا يمكن الحديث عن نضالات الفلاحين ومقاومتهم فى أى مجتمع دون وجود حد أدنى لمناخ الحريات النقابية والسياسية من ناحية ؛ ودون توفر حد أدنى من التضامن الدولى والقارى الفلاحى من ناحية أخرى .

تجربة لجنة التضامن الفلاحى فى مصر:
ومن خلال تجربة لجنتنا فى مصر التى بدأت عام 2005 وعرضت موجزا لها فى عدد من المؤتمرات الدولية فى برشلونة بأوربا ومالى بإفريقيا وفنزويلا بأمريكا اللاتينية وتركيا بآسيا وتونس بالشمال الإفريقى نستطيع القطع بأن برامج هيكلة الزراعة التى خطط لها وبدأ تنفيذها الرئيس السادات منذ عام 1974 كانت بداية تطبيق سياسات العولمة الزراعية فى مصر ، وقد ترعرعت ونضجت فى عهد خلفه مبارك طيلة 30 عاما:
– حيث صدرت تشريعات عديدة تناقض قانون الإصلاح الزراعى؛ وأخرى ترفع الدعم عن مستلزمات الزراعة و تطلق حرية التجارة فيها وترفع أسعارها ، وترفع أسعار إيجارات الأرض الزراعية، وتمهد لبيع مياه الرى للفلاحين فى بلد نهر النيل ،وتضاعف الضرائب على الأرض ، وتحول البنوك الزراعية من بنوك ائتمانية إلى بنك تجارية ترفع أسعار فائدة القروض إلى 500 % من أسعارها السابقة.
– وتنتزع وتسطو على رءوس أموال التعاونيات الزراعية وتنقلها إلى تلك البنوك مما أسهم فى ارتفاع تكلفة الزراعة خصوصا وأن الدولة والقطاع الخاص قد احتكرا معا عملية تسويق الحاصلات الزراعية وخفضت أسعارها مقارنة بتكلفة الزراعة مما أفضى لإفلاس الفلاحين وتعثر الكثيرين منهم فى سداد ديونهم المصرفية .. وهو ما أدى لطرد مئات الألوف منهم خارج أراضيهم واعتزالهم الزراعة وهجرتهم إلى المدن ، كما أدى بصغار الملاك منهم لبيع أراضيهم ليعود تركز الملكية فى أيدى كبار الملاك والزراع بمستوى أقرب إلى الوضع الذى كان قائما قبل تطبيق قانون الإصلاح الزراعى منذ ستين عاما خصوصا وأن الدولة ساعدتهم فى الفوز بنصيب الأسد فى كل الأراضى المستصلحة الجديدة وحرمت منها الفقراء والصغار من الفلاحين.
– كما دعمت الدولة ورثة الإقطاعيين السابقين فى استرداد الأراضى التى صودرت بقانون الإصلاح الزراعى وكذا الأراضى التى تم التحفظ عليها بقانون الحراسة وأراضى الأوقاف ( التى خصصها أصحابها لأعمال الخير) بل وباعت مساحات هائلة منها لكبار المسئولين بعُشْر ثمنها وطردت الفلاحين منها ، وقد لعبت أجهزة الأمن وقوات الشرطة دورا بارزا فى ذلك واستمرت مطاردة المتضامنين مع الفلاحين والنشطاء من النخب السياسية بل وتم اغتيال كل من حاول المقاومة من الفلاحين.
– لقد نشطت لجنة التضامن الفلاحى المصرية فى دعم الفلاحين الفقراء والصغار فى عديد من القرى ( فى 9 محافظات من أصل 18 محافظة زراعية ) لمقاومة طردهم من الأرض ؛ ومساعدتهم فى الحصول على مستلزمات الزراعة ؛ وفى فضح سياسات وممارسات الدولة وتعاونياتها الزراعية الحكومية وبنوكها التى استولت على أموال الفلاحين التى هى رءوس أموال التعاونيات الزراعية ورفعت أسعار القروض وقدمت المتعثرين للمحاكمة فور عجزهم عن السداد وأودعتهم السجون ومن ثم جردتهم من الأرض فاعتزلوا الزراعة بسبب تدهور جدواها الاقتصادية كما سبق القول.
– كما أصرت الدولة على استمرار خنق المقاومة الفلاحية وحرمان الفلاحين قانونيا من تشكيل نقاباتهم بل واستحدثت محاكم استثنائية ( محاكم القيم ) لطرد الفلاحين من الأرض.
– وبسبب تدنى الوعى النقابى والسياسى فى الريف لم يستطع نشطاء الريف ومناضليه ومنظمات المجتمع المدنى من تقديم الدعم للفلاحين بالمستوى الذى يوقف هذا السيل من العدوان عليهم .
لذلك فإن المعركة الدائرة بين الحلف المكون من الشركات العولمية الكبرى والدولة وكبار الزراع والملاك والمستثمرين من جانب وبين فقراء وصغار الفلاحين من جانب آخر معركة غير متكافئة.
ولهذا السبب لم يشارك الفلاحون فى ثورة 25 يناير 2011 وظلوا أمام شاشات التليفزيون يشاهدونها ويدعون لها بالانتصار.
– إن التضامن الدولى بين فلاحى البلاد النامية ( فى الجنوب ) وفلاحى البلاد المتطورة ( فى الشمال ) مفتقد إلى حد بعيد.
وحتى المؤتمرات والمنتديات الفلاحية الدولية لا تسفر عن إجراءات أو توصيات عملية تساهم فى دعم فلاحى الجنوب والشمال معا فى معركتهم ضد العولمة الرأسمالية فى الزراعة التى تستهدف مصلحة الشركات العولمية المشار إليها فى تحالفها مع كبار الزراع والملاك والمستثمرين بالأساس فى تلك المجتمعات .
– لقد سبق لنا أن طالبنا أصدقاءنا فى بعض منظمات صغار الفلاحين فى الشمال ( فيا كامبيسينا ، وكونفيديرالية الفلاحين الفرنسية ) بذلك منذ مؤتمرالفلاحين الدولى الأول فى سيلينجى بدولة مالى بإفريقيا عام 2007 ، على الأقل لبدء حملات دولية إعلامية لفضح سياسات إفقار الفلاحين فى بلاد الجنوب وتعرية التشريعات التى تجردهم من الأرض وتحول بينهم وبين الاستمرار فى حرفة الزراعة بل وتلقى بهم فى السجون وتجبر صغار الملاك على بيع أراضيهم وتحولهم لعاطلين ومشردين. .. ونحن نعيد مناشدتهم الآن بإيلاء هذا الموضوع مساحة أوسع من الحوار.
– إن هذا التضامن وتلك الحملات المقترحة وغيرها من الإجراءات العملية سوف ترفع من معنويات فلاحى الجنوب وتشعل المعركة ضد الشركات العولمية المذكورة وهو ما يدعم بشدة مقاومة فلاحى الشمال لها ويقرب يوم الانتصار على ممثلى الليبرالية الجديدة فى مجال الزراعة. لأنها معركة واحدة لا معركتان.
– نحن نعرف أن العمل فى أوساط الفلاحين تكتنفه صعوبات كثيرة خصوصا فى بلاد الجنوب فى ظل ضعف الوعى النقابى والسياسى وغياب أو ضعف التنظيمات النقابية التى تحتاج لحديث خاص بها خصوصا بعد الثورة ونظرا لهروب كثير من النشطاء من العمل فى الريف والتكلفة العالية للنضال فى الريف.
– لقد عرضنا موجزا عن القضايا العامة والأساسية للوضع الفلاحى فى مصر وأبرزنا أهمية التضامن الفلاحى الدولى حتى لا نضيع وقتكم وليس لأن الشياطين تكمن فى التفاصيل كما قد يقال بل لأن الاتفاق على الأسس العامة هى المدخل لتبادل الخبرة والدعم بين منظمات الفلاحين الدولية.

5مايو 2013 لجنة التضامن الفلاحى – مصر
Basheersakr2012@gmail.com
www.tadamon.katib.org
www.ahewar.org/m.asp?i=1625
www.ahewar.org/m.asp?i=2451