طريقان لا ثالث لهما : التطهير وإعادة البناء.. أو المصالحة والعودة لنقطة الصفر..

التطهير وإعادة البناء.. أو المصالحة والعودة لنقطة الصفر
سبق أن كتبنا : أن ” جملة من الشواهد الراهنة بمصر تشير إلى أننا مقبلون على مرحلة أشبه بالتى أعقبت ثورة 25 يناير 2011 ” ؛ وعلى ما يبدو أننا لم نتجاوز الحقيقة.
فقد طلب وزير الدفاع يوم 24 يوليو فى نداء مباشر للشعب المصرى تفويضا عمليا من الميادين بمواجهة العنف والإرهاب ورد الشعب بالإيجاب بحشود جديدة فى 26 يوليو تجاوزت حشود ثورة 30 يونيو .
*ولأن جماعة الإخوان وحلفاءها أفلسوا تماما من الناحية السياسية وتعروا من الناحية الأخلاقية .. لم يبدوا إزاء حشود التفويض الحاسمة سوى استعداء القوى الخارجية والإعلام الدولى على الثورة ؛ وشرعوا صباح 27 يوليو فى تنفيذ إجراء مماثل لما حدث صباح 8 يوليو- أمام دار الحرس الجمهورى- يستهدف حدوث مذبحة جديدة فى منطقة تبعد كيلومتر ونصف تقريبا عن مكان اعتصامهم الدائم فى رابعة العدوية .
*ولأننا ندرك أن الجماعة الفاشية وحلفاءها لا يعملون منفردين- حيث لا يملكون تلك الجسارة – بل يتشاركون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وإمارة قطر فى كل ما يجرى ، ولأن ملامح المرحلة الانتقالية الراهنة بدأت فى التشكّل ؛ وتنبئ بما هو أسوأ من سابقتها إذا ما ظل الأداء العام على هذه الوتيرة ، ولأن الوضع الداخلى لا يتحمل التراجع ولا التجريب ولا النوايا الحسنة .. كان من الضرورى أن نتحلى بالحسم والعزم والنظر إلى الأمام لتمهيد طريق إعادة البناء الذى يتسم بالوعورة ويتطلب الحكمة والجسارة والتضحية.
*وبدايةً .. فإننا نتحفظ على البوصلة التى قدمها رئيس الجمهورية المؤقت متمثلة فى الإعلان الدستورى الأول الذى يحمل فى أحشائه إمساك العصا من المنتصف ويبدى من الاستعداد لمهادنة الفاشيين ( الذين رفعوا السلاح ضد الشعب ؛ ومارسوا القتل وبتر الأصابع والتمثيل بالجثث وقنص الثوار والمحتجين وحراس الحدود ؛ وإلقاء الشباب من أعلى البنايات ؛ وقتل عدد من مناصريهم ادعاءً بالاعتداء عليهم ) – كما يُظهِر من التراجع أمامهم أكثر مما يُخْفى ؛ علاوة على تعيين رئيس مُسِن للوزراء لا يتسم بالجسارة والعلم وله من الوشائج بالعهود السابقة أكثر مما يربطه بأفكار الثورة وأهدافها وثوارها.
*لقد انتظر الشعب تفعيل التفويض .. لكن الأيام تمر دون جديد سوى استقبالات لممثلة دول الاتحاد الأوروبى بدلا من وزير الخارجية الأمريكية ؛ وتصريحات عن قرب اتخاذ اجراءات قانونية لصرف اعتصامات الفاشيين من الميادين ، وشائعات عن تهديد البرادعى بالاستقالة لو تم فض الاعتصامات بالقوة ، وعن هروب عدد من قادة الجماعة خارج الاعتصام وخارج البلاد؛ علاوة على أخبار يومية متناثرة عن عمليات إرهابية فى سيناء تستهدف جنود الحراسة ونقاط التفتيش العسكرية وأكمنتها وأنابيب نقل الغاز ومطار العريش ومعسكرات الأمن المركزى وأيضا عن عمليات مضادة عن مطاردتهم والقبض على بعضهم .
ويؤطر كل هذا ويفوقه أهمية استمرار التصريحات بشأن المصالحة التى تحمل من طمأنة الجماعة الفاشية ودفعها للتشدد أكثر من طمأنة الشعب ودفعه للتفاؤل .
*هذا وقد خفت صوت قادة الجيش فى الأيام التى أعقبت التفويض وهو ما يضع كثيرا من علامات الاستفهام عن مصير التفويض وعن أسباب هذا الخفوت.
وحيث سبق للشعب أن أبدى رفضه للتهديدات الأمريكية بوقف المساعدات والإمداد بطائرات (f 16) ؛ وبادر بتقديم التبرعات من قروشه القليلة لسد الثغرة التى قد يُخَلّفها وقف تلك المساعدات .. بات على حكام المرحلة الانتقالية إفادة الشعب بما يستجد وبمصير التهديدات المشار إليها وبموقفهم من كل ذلك بما فيه هجمة الزيارات الاستثنائية لممثلة الاتحاد الأوروبى.
*ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة لو قلنا أن هناك من البديهيات ما لا ُيتّبع مع جماعة الإخوان لوقف ما تمارسه من تخريب ؛ مع أن القبض على قادتهم والبحث عمن غادر منهم الاعتصامات أو التقاطهم من داخلها ؛ أو حصارها من جميع الجهات ووقف المؤن إليها كفيل بفرط عقدها وتسريح تلك التجمعات.
وليس إزاء هذا الوضع الرمادى سوى احتمالين :
1- إما إنهاء تلك الاعتصامات بأقل الخسائر الممكنة ؛ والإسراع فى التحقيقات وبدء المحاكمات وتطهير المجتمع من كل من أجرم فى حقه وحق الثورة ، والبدء فى حملات تنوير شاملة تفضح أهداف وتاريخ وأساليب هذه الفصائل الفاشية ؛ وضبط الشارع وإخلائه من البلطجة؛ فضلا عن الاستغناء عن المساعدات الأمريكية ، وبالنسبة لسيناء: فإن تسليح الموثوق فيهم من شبابها يساعد فى تطهيرها ممن يختفون بين سكانها من تنظيمات الإرهاب أو على الأقل شل أيديهم وإضعاف أثرهم ونشاطهم لأنهم يستخدمون مع الجيش أسلوب حرب المدن وحرب الصحراء التى تسهل لهم قنص الجنود من أماكنهم الثابتة ومن نقاط التفتيش والكمائن غير المتحركة ، وهو ما يتطلب أيضا حكومة قوية واستراتيجية مغايرة. باختصار أن يكون شعار الوزارة الجديدة ( التطهير بغرض إعادة البناء ).
*لقد سبق أن اقترحنا ضرورة ( تجفيف منابع التمويل والتسليح لمن مارسوا الفساد والاستبداد ، واستئناف حملات التنوير الشاملة، والكف عن إمساك العصا من المنتصف) لكى نخطو للأمام .. وساعتها سوف يلف النسيان والكهوف ما تبقى من أعضاء هذه التنظيمات الفاشية.
2- وإما الاستمرار فى هذا الوضع الرمادى وانتظار الضغوط الخارجية ، والعمل على تفسير كل تصرف وإجراء من الحكومة ، والنقاش حول آثار وقف المساعدات والطائرات ،وتبرير كل الشائعات ، والخضوع لكل التحفظات التى تبديها كثير من القوى المتربصة بالثورة أو تطرحها النخب التى لم تمارس العمل السياسى فى مناخ الثورة. أيضا تفعيل المصالحة المزعومة مع تنظيمات فاشية بدعوى (ضرورة القبض على قادتها أولا ثم التحقيق معهم ثم محاكمتهم .. حيث لاذنب لقواعدهم المضللة ) رغم أن العام المنصرم أثبت أنهم كانوا يعدون العدة لمثل هذا اليوم ، وهؤلاء القادة لم يكونوا يستطيعون القيام بتظاهرة واحدة دون هذه ” القواعد المضللة ” التى لن تكف عما تعلمته إلا بعد إعادة تربيتها وتثقيفها ؛ ويُفَضل توفيرهما لآخرين من البسطاء لم يتلوثوا بسمومهم ، ودون التمويل المنساب عليهم كالسيل ؛ بل ودون ذلك الدعم الأجنبى السياسى والإعلامى والمالى.
خلاصة القول إما التطهير – حتى لو تم إغلاق أبواب مصر على شعبها لمدة عام – والشروع فى إعادة البناء والتنوير وإعداد الشعب لمواجهة مصيره بنفسه، فتقسيم العمل الراهن يبقيه – أى الشعب – فى وضع متعهد المليونيات .. وعارض المطالب والمنتظر لما تسفر عنه مواقف وإجراءات المترددين وممسكى العصا من المنتصف والراغبين فى المصالحة مع الفاشيين وفلول مبارك والخاضعين لمختلف الضغوط الخارجية المعادية.
إن هذا التقسيم للعمل لن يسفر عن نتائج إيجابية بل سيعيد المجتمع إلى نقطة الصفر .
مرة أخرى إما التطهير وإعادة البناء وإما الحلول الوسط والتراجع والمصالحة التى هى سبيل النجاة الوحيد المتاح أمام الفاشية بكل تلاوينها وفصائلها .
وساعتها لن يثق الشعب فى أحد أيا كان ، لن يعطى تفويضا ولن ينتظر وربما يأتى بعدها الطوفان.

الثلاثاء 30 يوليو 2013 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر