لو افترضنا جدلا .. قيام الجيش بانقلاب عسكرى

تقديم :
على ما يبدو أن اللغط الدائر حول توصيف ما حدث فى الفترة (30 يونيو – 3 يوليو 2013 ) على أنه ثورة أو انقلاب عسكرى قد تسرب بعض آثاره من دوائر النخب إلى دوائر اتخاذ القرار متخذا شكلا مختلفا؛ بدت مؤشراته على استحياء فى رواج عدد من الشائعات منها ما يتعلق بخلافات بين رئيس الجمهورية والدكتور البرادعى ووزير الدفاع ؛ وحالة من الصمت غير مفهومة أعقبت عملية التفويض فى مكافحة الإرهاب؛ وبرود نسبى فى الحالة الثورية بالشارع؛ وصعوبة وارتباك فى متابعة ما يحدث فى سيناء، وتردد بشأن الاتفاق على وسيلة لصرف تجمعات الاعتصامات الجماهيرية لفصائل جماعة الإخوان والإسلاميين فى القاهرة والجيزة ؛ ورحلات مكوكية مكثفة لممثلى السياسة الخارجية الأمريكية والأوربية والإفريقية لا نسمع عنها سوى الاطمئنان على صحة الرئيس المعزول؛ وهمس تعقبه تصريحات مسموعة .. وتسريبات للصحافة تتلوها انتقادات ؛ ولقاءات تليفزيونية لمسئولين لتفسير إجراءات لم تتخذ وتصريحات لم تفهم كما أريد لها عن المصالحة والمحاسبة .. وتفنيد لشائعات تتعلق بتهديد بالاستقالة لم يحدث ..
باختصار هناك توجسات شتى مما هو قادم، وتلميحات أكثر منها تصريحات عن تحفزات من فلول الوطنى أو استعدادات خفية؛ وإحساس تتسع دوائره بأننا مقدمون على نسخة جديدة لمرحلة 25 يناير الانتقالية.
من المسئول عن هذا وكيف نفسره ؟ وبم نعالجه أو نوقفه وننقى الأجواء من شوائبه ؟ هذا هو المطلوب.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
افتراض لسيناريو كان محتملا:
لو افترضنا جدلا.. أن الجيش المصرى قام فى 25 يونيو 2013 بمحاصرة ديوان الرئاسة وقبض على الرئيس وعزله من منصبه؛ واعتقل عدة مئات من قيادات جماعة الإخوان وتحفظ عليهم ؛ وأصدر بيانا يفسر دواعى هذه الإجراءات وآفاقها ويرصد مجموعة من المخاطر الداهمة على الوطن فى مقدمتها جملة من الجرائم والممارسات التى اقترفتها جماعة الإخوان منذ 30 يونيو 2012 منها قتل الجنود فى رفح واختطاف آخرين وتحويل سيناء إلى مستوطنة لجماعات الإرهاب الدولى وتأكيد على وجود وثائق وتسجيلات صوتية لاتفاقات سياسية تضر بأمن الوطن مع جهات أجنبية وأخرى اقتصادية بشأن قناة السويس.. علاوة على ما جرى من انقسام حاد فى المجتمع وسعى حثيث لتدمير بنية الدولة وانهيار لسمعتها وتقطيع لصلاتها وعلاقاتها الدولية والإقليمية بفعل فاعل ، لينتهى البيان بقرار بتعطيل الدستور فورا ووقف التظاهر بعد 24 ساعة من إصدار البيان ، وخطة عاجلة بتشكيل لجنة لوضع دستور جديد لدولة مدنية ديموقراطية تخلو من أحزاب وجمعيات تقوم على أسس دينية و طائفية و عرقية وتمنع وجود أو تأسيس ميليشيات عسكرية أو مسلحة مع إعداد قانون جديد للانتخابات البرلمانية والرئاسية والشروع فيهما فور إقرار الدستور الجديد.
*لو أن ذلك حدث قبل 30 يونيو فماذا كنا نتوقع كرد فعل من جماهير الشعب المصرى ..؟
أعتقد أننا كنا سنشاهد أعدادا هائلة من الجماهير لا تقل عما كانت فى الميادين إبان ثورة 25 يناير 2011 تُمجّد الجيش وتندد بالجماعة والرئيس المعزول وتهتف بسقوط حكم المرشد .
وبناء على هذا الافتراض كيف كانت النخب السياسية ستتعامل مع هذا الوضع الجديد.. بعد أن وجدت نفسها أمام ( إنقلاب عسكرى صريح وتعطيل للدستور وعزل للرئيس وحظر للتجول ومنع للتظاهر والاحتجاج، فضلا عن خطة محددة تتعلق بدستور جديد لدولة مدنية وتجريم لاستخدام الدين والتشكيلات المسلحة فى السياسة، ودبابات ومصفحات وجنود تجوب الشوارع؛ وطائرات تزأر فى السماء، وأغان وطنية فى أجهزة الإعلام ) ..؟
رد فعل النخب السياسية :
*لا نعتقد أن الأغلبية الساحقة من هذه النخب كانت سترفض ذلك التغيير الذى تم بالمصفحات حتى ولو تحفظت صراحة أو ضمنا على الطريقة التى جرى بها ؛ أى أنها ستؤيد نتائجه رغم أنها لم تسْعَ إليه وتتحفظ على طريقته ، بل ولا نعتقد أن هذه الأغلبية كانت ستمتنع عن رفع أكفها نحو السماء شاكرة هذه الهدية التى لم تكن تحلم بها ؛ وستدرك ساعتها أن السماء يمكن أن تمطر ذهبا وفضة ؛ وأن الحدأة قد تقذف – من الهواء – بالكتاكيت إلى الأرض، وأن الأمثلة الشعبية التى تقول بعكس ذلك لم تكن على صواب.. أولم تكن على صواب دائم.
*وإذا ما شرع الجيش فى تنفيذ وعوده التى أعلنها فى بيانه الأول فما هو موقف أفراد النخب السياسية من ليبراليين وناصريين ويساريين وغيرهم من كل ذلك..؟
*وسؤال آخر: هل كان الإخوان وحلفاؤهم يتجاسرون على الخروج من بيوتهم محتجين ؟ ولهذا التساؤل أكثر من بُعْد منها أن رد فعل الجماعة يتوقف على السياق الذى تدور فيه الأحداث ؛ فسياق السماح بالتظاهر والاحتجاج يختلف عن سياق تجريمهما ليس بقانون بل بانقلاب عسكرى ، ورد فعلها فى وجود قادتها فى الشوارع يختلف عنه فى حالة مطاردتهم ويختلف أكثر فى حالة اعتقالهم ، كذلك فرد فعلها فى حالة استمرار دعمها من الخارج يختلف عنه فى حالة التخلى عنها أو تجاهلها.
دور ميزان القوى الاجتماعية والسياسية أو المعادلة المجتمعية فى التعامل مع اللحظة الآنية:
*ولأنه فى ممارسة السياسة ينطلق الناس من المعطيات التى على الأرض أى من الأوضاع القائمة بالفعل فمن المنطقى أن يبدأوا فى العمل على صياغة الدستور والقوانين المكملة و المفسرة له وبناء الدولة المدنية الديموقراطية ، ولا يستغرقون فى تفسير ما حدث أوْ لا يكتفون بمشاهدته .
*وإذا ما توقفنا لحظات – لمعرفة سبب قيام الجيش بما قام به فى مواجهة حكم الجماعة فى الحالة الافتراضية التى نحن بصددها- ثم نستأنف السير؛ لعرفنا أنه يدرك أن موازين القوى لم تكن تسمح للشعب بمواجهة ناجحة مع جماعة مسلحة ومدعومة سياسيا ومعنويا وماليا بقوى أجنبية وبحلفاء محليين أكثر عددا وتخلفا وهمجية ؛ وأن الانتظار لوقت إضافى كان يعنى تحول الصراع إلى اقتتال أهلى لا تُعرَف نتائجُه على وجه اليقين أو حتى بشكل تقريبى.
* ومن وجهة نظر الجيش لمَ كان سينتظر.. إذا ما أفادت بل وقطَعت كل المعلومات المتوفرة لديه بهذا المسار وتلك النتائج؟ ؛ أو لماذا يترك الأمور لتتفاقم حتى تصير السيطرة أمرا صعبا..؟ بينما فى إمكانه أن يضرب ضربة استباقية تعفيه من تلك المهمة الثقيلة ومن مثل هذه التداعيات المؤكدة وليست المحتملة بينما فى الإمكان إعفاء الدولة والشعب من مصير مجهول إذا فضّل الانتظار وأفلت زمام الوضع من يديه ؟
*وهذا يقودنا مرة أخرى للتأكيد على أن ميزان القوى فى المجتمع المصرى يشير إلى عدم قدرة الشعب على تولى زمام الأمور بنفسه فى هذه اللحظة، وأن ما ينقص الشعب من أسلحة – تتمثل فى مستوى أعلى من الوعى والتنظيم – موجود لدى طرف آخر من أطراف المعادلة وهو الجيش.
* إن معادلة المجتمع المصرى أو ميزان القوى الاجتماعية والسياسية يُكَلّفُ – فى اللحظة المحددة – أطرافَ المعادلة بأداورهم بشكل تلقائى ؛ بمعنى أنه فى هذه الحالة يقوم الجيش بانقلابه لأن جملة التقديرات التى توصل إليها فى تلك اللحظة – ومن ثم وزنه فى المعادلة – يدفعه للتصرف بهذه الطريقة.
*وبمعنى آخر فإن تخليه عن تقديره الذى كان يدفعه للتدخل فى اللحظة السابقة- يوم 25 يونيو- وتفضيله الانتظار حتى يوم 30 يونيو قد غيّر وزنه فى المعادلة ومن ثم أدى إلى النتيجة التى تمخضت عنها الأحداث.
*خلاصة القول أن هناك تقديران للموقف لم يتشكلا فى لحظة واحدة وإنما فى لحظتين مختلفتين؛ الأول هو التقدير الذى افترضناه وكان يرى قيام الجيش بالضربة الاستباقية فى 25 يونيو وهو ما يمثل ترجمة لميزان القوى فى تلك اللحظة ، والثانى هو الانتظار حتى 30 يونيو حيث يحتشد الشعب ويعلن موقفه ويفرض الانتخابات المبكرة أو يصر على تخلى الرئيس عن الحكم ليأتى بعدها الجيش ليتصرف بالطريقة التى يراها مناسبة فى الحالتين (حالة الاستجابة وحالة رفض رغبة الشعب) وهو ما يعنى أيضا ترجمة لميزان القوى فى لحظة أخرى.
*وبالعودة لتساؤلنا عن رد فعل النخب إزاء الوضع الجديد الذى افترضناه نرى أن الاستجابة لصياغة دستور جديد يركز على الدولة المدنية الديموقراطية العلمانية بفصل الدين عن السياسة؛ ويجرم تأسيس الأحزاب الدينية والطائفية والعرقية والميليشيات العسكرية؛ ويلبى جملة الحقوق والحريات الأساسية للشعب استنادا للمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان؛ ويُعْلى من قيم العلم والمواطنة وعدم التمييز ويستعيد جملة الأسس التى قامت عليها الحضارة المصرية القديمة؛ ويمنع الانفراد بالرأى وبالحكم؛ ويستعيد حقوق الشهداء والمُضحّين فى سبيل الشعب والوطن والعلم والتسامح ، وإبقاء دور الجيش مقتصرا على مهمته فى الدفاع عن أمن المجتمع والوطن، ثم الشروع فى مناقشة الدستور مع الشعب لإقراره؛ وقبله فى تشكيل اللجنة التأسيسية المكلفة بصياغته.. ذلك هو الأدعى للانخراط فى العملية السياسية ( أى فى الكفاح ) وليس الاستغراق فى اللغط الدائر حول تفسير ما افترضنا حدوثه فى 25 يونيو 2013 أو ما حدث على الأرض فعلا فى الفترة ما بين 30 يونيو و 3 يولية 2013 ؛ لأن تبديد الوقت والجهد و بالتالى نشر الارتباك والإحباط لا يشكل إلا خَصْما من حساب الشعب وإضافة لحساب أعدائه على الصعيد المحلى والإقليمى والدولى.
هل ما حدث فى30 يونيو حصيلة اتفاق بين الجيش ومجموعة تمرد..؟ :
*ولأنه لا يوجد كفاح يقتصر على تفسير الأحداث أياً كان حجمها أو كانت آثارها بل ينبنى ذلك الكفاح فى جانب منه على ذلك التفسير لكنه فى جوانب أخرى يفرض علينا البدء من المعطيات التى فرضتها الأحداث وتلك هى الروح العملية التى تدفعنا – عادة- إلى الأمام لتعويض ما تبدد من وقت وجهد وما بُذِل من عرق ودماء .
*لهذا السبب سنمد الخط على استقامته بشأن ما حدث فى 30 يونيو2013 ونقول : لو اعتبرنا ما حدث قد تم باتفاق بين الجيش ومجموعة تمرد بدءا من فكرة جمع التوقيعات على العرائض وحتى عقد الاجتماع الأول بشأن خارطة المستقبل ، بل لو اعتمدنا التفسير القائل بأن ما حدث فى 30 يونيو انقلابا عسكريا كما أراد له البعض أن يكون.. لكننا فى نفس الوقت وجدنا أنفسنا بين ما لا يقل عن عشرين مليون مواطن احتشدوا فى معظم محافظات مصر رافضين لحكم الجماعة كما ذكرت وسائل الإعلام الدولية .. فما هو الموقف المطلوب منا اتخاذه ..؟
*هل هو الانطلاق من هذا المعطى الذى فرض نفسه على العالم وعلينا ؛ ثم التقدم إلى الأمام ؟ أم الاستغراق فى عملية تفسيره أو تأويله؟ وهل علينا تمهيد الطريق الوعر الذى سنسلكه أم نتركه لآخرين يمسكون العصا من المنتصف أو لا يريدون لنا وُلوجَه من الأساس..؟
*هل نخضع لدعوى المصالحة أم نرفع شعار التطهير..؟ هل نشرح للشعب فى الريف والأقاليم أهمية تجفيف منابع التمويل والتسليح لكل من أفسدوا واستبدّوا ومارسوا البلطجة والإرهاب من الإسلاميين والفلول.. أم نتابع الأحداث على مسلسلات التيليفزيون ؟ وهل نشرع فى استئناف حملات التنوير والتثقيف والتعريف بماضى الحزب الوطنى وجماعات الإرهاب أم نقصر عملنا على التشفى فيهم والتندر بجهلهم وتخلفهم وعنصريتهم ؟ هل نربط بين أفكار قادتهم القدامى عن ممارساتهم وعدائهم للأقليات الدينية والعرقية والمرأة ورفضهم للمواطنة وعدائهم للحركة الوطنية فى مصر.. وارتباطهم – سياسيا وماليا – طوال تاريخهم بالقوى الاستعمارية والحكام الفسدة وكراهيتهم للفقراء عمال وفلاحين.. أم نكتفى بالحديث عمن حاول تجميل أنفه أو تعليم الفتيات مبادئ ” التقوى ” على طريق مصر الإسكندرية الزراعى؟ ، هل نبرز دور الجماعة فى تخريب النضال الفلسطينى بعقد هدنة بين حماس وإسرائيل حماية للأخيرة بناء على طلب الولايات المتحدة و دورها فى تمزيق مصر وإشعال الفتن الطائفية بها والتفريط فى سيناء والسعى لتهجير الفلسطينيين إليهاأ م نقصر حديثنا على الحديث عن مفاخذة الصغبرات ومضاجعة الوداع ؟
وأخيرا هل نكتفى بإزاحتهم من السلطة.. أم نجتهد فى استئصال أفكارهم وسمومهم من عقول البسطاء التى لا تقل خطرا عن وجودهم فى الحكم..؟
وبدون الإجابة على ما طرحناه من استفسارات والاستجابة لتحقيقها لا يمكن استئناف إعادة البناء والتى ستكون عبثا دون تمهيد الطريق وتنظيفه ورصفه ليسهل السير عليه .
تقديرات حول نوايا الجيش :
ونتوغل أكثر فيما يتوقعه البعض: يقال أن وزير الدفاع يمهد لفرض هيمنة الجيش على الحكم ولو من وراء ستار أو يُعدّ نفسه للعب دور سياسى فيما بعد.
وإذا ما افترضنا صحة هذه النوايا تماما وطرحنا السؤال التالى : ما رأيكم فى مسئول قضى عاما فى منصب وزير وأشار للجماهير فى أحد الاحتفالات قائلا : أرجوكم أعطونى تفويضا لمواجهة الإرهاب والعنف ، وبعد أقل من 48 ساعة ردت عليه الجماهير بالإيجاب بحشود تجاوزت حشود 30 يونيو و 25 يناير .. فبم نسمى ذلك..؟
والإجابة لا تخرج عن واحدة من اثنتين:
الأولى : إما أنه ساحر..
والثانية : وإما أن الشعب ضاق ذرعا بحياته وكره حكم الإخوان لدرجة موافقته على إزاحته بأية وسيلة كانت، ولما احتشد فى الميادين بعد جمع التوقيعات تصور أن هدفه على وشك التحقق .. ولأن ذلك لم يحدث.. صار على استعداد للتعاون مع أىٍ من كان لتحقيق هدفه واستئناف بناء حياته .. ولم يجدها فى النخب ومنها جبهة الإنقاذ .. لكنه وجدها فى الجيش .
لكن ماذا سيفعل الجيش مع الشعب..؟ وماذا نحن فاعلون معهما ؟ ذلك هو الديالوج أو الحوار الذى سيجرى عمليا على الأرض فى الأيام القادمة ..
لقد أكد وزير الدفاع رفضه ونفيه لكل الاتهامات التى سيقت ضده وضد نواياه كما رفضت النخب – قبل ثورة 25 يناير وبعدها – حكم العسكر وهو ما يعنى تطابق تصريحاتهما بهذا الشأن و لا يبقى سوى أن تُصدّقَ الأعمالُ الأقوالَ ..

الأحد 4 أغسطس 2013 ب