رفع جديد لأسعار الاستهلاك المنزلى للغاز .. يعرقل مشاركة الشعب فى إعادة البناء، عن بناء الثقة بين جموع الفقراء والرئيس الجديد واستعادتها مع النخب السياسية

مقدمة :
اطلعنا على بعض فواتير الاستهلاك المنزلى للغاز عن شهر يونيو 2014 بمحافظة المنوفية التى أصدرتها إحدى شركات الهيئة العامة للبترول ” بتروتريد ” ؛ وهالنا مضاعفة سعرها تقريبا منسوبا لسعر الشهور الخمسة الماضية ، ولما كانت مثل هذه القرارات تسير فى الاتجاه المعاكس لبناء الثقة بين القطاعات الدنيا من الجمهور وبين الرئيس الجديد ، فقد رأينا أن نلفت النظر لمخاطرها خصوصا وقد تحدثنا سابقا عن ضرورة إلغاء الزيادات التى تقررت على الاستهلاك المنزلى فى الثلاث سنوات الأخيرة ( 2011 / 2013 ) فيما يخص الغاز والكهرباء ومياة الشرب والوقود فى سياق الحديث عن مشاركة الشعب للرئيس الجديد فى عملية البناء التى لا مناص منها إذا ما أردنا استعادة الوطن لمواطنيه .
حديث سابق حول بناء الثقة :
هذا وقد نشرنا على الموقع الإلكترونى [الحوار المتمدن] فى السادس عشر من مارس 2014 – العدد 4395 مقالا بعنوان “رسالة إلى الفقراء فى مصر .. حتى لا تسقط التمنيات فى الأوهام ” ضمناه الأفكار التالية :
-لا يمكن لأى رئيس قادم أيا كانت عدالته وعظمته أن يحل معضلات التركة الثقيلة التى ورثناها دون أن يشاركه الشعب فى حملها والتعاون معه فى تفكيكها ثم حلها.
-وأن استئصال الفساد والاستبداد مرهون باجتثاث أسبابهما المتوطنة فى المجتمع من عشرات السنين والمتمثلة فى الفوارق الرهيبة فى الدخول والخلل فى توزيع الثروة القومية.
– ولا يمكن البدء فى ذلك دون مناخ صحى يشعر الشعب فيه برغبة الرئيس القادم فى استئصال الفساد والاستبداد من جذورهما .. وفى اتخاذه إجراءات عملية تشرك الشعب والفقراء خصوصا .. فى تفكيك الحالة الراهنة ومن ثم الشروع فى حل معضلاتها.
-وذكرنا أن ذلك المناخ لكى يتخلّق وينتشر لا بد من اتخاذ عدة قرارات رئيسية أحدها يخص العمال والآخر يخص الفلاحين والثالث يخص المهنيين والحرفيين وأرباب المعاشات .. ويكملها بثلاثة قرارات أخرى أحدها يتعلق بالتعليم والصحة وأسعار السلع والخدمات الأساسية ؛ والآخر يخص الأجور بحديها الأدنى والأقصى وبالضرائب التصاعدية ؛ والثالث يخص الأمن.
– وأهمية القرارات الستة تتلخص فى كون القرارات الثلاثة الأولى منها تطمئن الفقراء وتشدهم إلى العملية السياسية للمساهمة بدور إجرائى فى دعم القرارات الستة واستثمار المناخ الذى تخلقه للعمل على تنفيذها.
– علاوة على عامل ثالث هو الاستغناء عن أي تمويل دولى مشروط وعن مساومات رجال أعمال الثورة المضادة وألاعيبهم ؛ وضرورة الاعتماد على التمويل الشعبى وإدارة عجلة النشاط الاقتصادى المتوقف تقريبا ؛ وهم ما يوقف تدهور الجنيه المصرى .. ويشجع على البدء فى عملية بناء الفرد والمجتمع.
– وتلك الحالة التى يتم الشروع فى تخليقها ستلقى بآثارها المعنوية أولا والمادية بالتالى على الانصراف العملى لكثير من القطاعات الشعبية عن ممثلى الثورة المضادة خصوصا جناحها ” الدينى ” الذى لن يجد له ملاذا سوى شرنقة العزلة ويخسر العديد من أدواته الفكرية والعملية التى سطا بها على عقول البسطاء وأصواتهم فى أوقات سابقة خصوصا فى الريف.
– كما ذكرنا أيضا ضرورة إلغاء الزيادات التى تقررت على أسعار الغاز والكهرباء والوقود و مياه الشرب فى الثلاث سنوات الأخيرة . وهذا الموضوع يتصل بمسألتين الأولى هى حقيقة هذه الزيادات ؛ وكونها تشكل إنهاكا حقيقيا لوضع الفقراء بينما إلغاؤها يمثل ” عربون ثقة ” بينهم وبين الرئيس القادم.
– أما المسألة الأخرى فتتصل بمسئولية المجموعات السياسية التى تبحث عن مدخل يربطها بهؤلاء الفقراء فى المدن والريف معا.. والتى لا يمكن أن ينحصر نشاطها فى الأحاديث السياسية المجردة وفى الأنشطة الإعلامية عن الثورة والفقراء
ماذا تعنى زيادة جديدة لأسعار استهلاك المنازل للغاز..؟
ونعرض فيما يلى قراءة مبسطة لما قررته إحدى شركات الهيئة العامة للبترول ” بتروتريد ” من واقع عدد من إيصالات وفواتير استهلاك الغاز إضافة لقراءة أخرى لفواتير الكهرباء و مياة الشرب .. بمحافظة المنوفية :

أولا :استهلاك أسرة من الغاز فى شهر وتكلفتها فى الفترة من يناير 2010 إلى يونيو 2014 :
استنادا إلى فواتير الهيئة المصرية العامة للبترول ( بتروتريد ) للحالة محل الدراسة [ قطاع 4، يومية 4 ،منطقة 1، محافظة 10 ] الموقعة من رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب السابق المهندس ممدوح الشال الذى حلت محله المهندسة أمل العليمى اعتبارا من شهر مايو 2014 ، باعتبار سنة 2010 هى سنة الأساس .
حيث أنه بقسمة قيمة الفاتورة على حجم الاستهلاك الشهرى خلال شهور السنة يتضح الآتى:
ارتفاع ثمن المتر المكعب من الغاز بمصاريفه الإدارية من 28 قرشا عام 2010 إلى 32,5 قرشا عامى 2011 و 2012 بنسبة 16 % ؛ ثم إلى 34,5 قرشا عام 2013 بنسبة 23 % ؛ ثم قفز إلى 51,6 قرشا اعتبارا من أول يونيو 2014 بنسبة 84 % .. وهو ما يرفع قيمة الاستهلاك من 22 جنيها عام 2010 إلى 55 جنيها عام 2014 .
ثانيا :استهلاك الكهرباء فى نفس الفترة لنفس الأسرة ( يناير 2010 – يونيو 2014 ):
السنة الشهر قيمة الاستهلاك الشهرى بالجنيه
2011 يناير 29،05
فبراير 60،45
مارس 39،25
أكتوبر 63،60
2012 فبراير 81،00
إبريل 29،80
مايو 30,75
يوليو 43،10
أكتوبر 82،55
2013 فبراير 30،30
إبريل 36،05
مايو 30،35
أغسطس 70،45
أكتوبر 75،05
2014 يناير 29،10
فبراير 35،00
إبريل 31،50
مايو 32،50 وهو آخر الإيصالات الصادرة من الشركة.
استنادا إلى إيصالات السداد الصادرة من شركة توزيع الكهرباء المختصة ( رقم العداد 2389؛ هندسة 21 ؛ منطقة 13 ؛ يومية 2 ؛ حساب رئيسى 350 ) ، وبقراءة أرقام شهرى يناير وديسمبر وأحد شهور وسط العام خلال الفترة 2010 – يونيو 2014 يتبين الآتى :
-أن الزيادات فى أسعار الاستهلاك المنزلى تتضح بشكل جلى من خلال أرقام الاستهلاك الشهرى أكثر منها بارتفاع سعر الوحدة ( كيلووات ) بمعنى أن الزيادة لا تتضح من خلال ارتفاع سعر الكيلووات من الكهرباء بقدر ما تتضح من إجمالى قيمة فواتير الاستهلاك عن عام كامل ، بمعنى أن شريحة الاستهلاك التى يُصنف تحتها مستهلك التيار الكهربى هى الأهم فى زيادة ما يدفعه مقابل استهلاكه السنوى .. ولنضرب لذلك مثلا : بافتراض أن شرائح الاستهلاك المنزلى للكهرباء التى يحاسب المواطن عليها مقسمة إلى خمس شرائح هى : (100 كيلووات & 200 ك.و &300 ك.و & 400 ك.و & أكثر من 400 ك.و) ولكل منها سعر يرتفع بارتفاع الشريحة ؛ فإن ” قراءة العداد ” فى يوم محدد أو فى مدى زمنى محدد (5 أيام متتالية ثابتة من الشهر مثلا ) سوف تضبط القراءة وتحقق العدالة ، أما ترك القراءة للصدف فيتسبب فى خفض أو رفع الاستهلاك تبعا للمدة التى تنقضى بين كل قراءتين والتى قد تزيد عن 30 يوم أو تقل عنها وهو ما يخل بالاستهلاك الفعلى للأسرة ، فلو كان المتوسط العام لاستهلاكها الفعلى يتراوح بين 80 – 100 كيلووات شهريا ؛ فإن القراءة المبكرة قد تجعلها 60 كيلو ( مثلا ) والقراءة المتأخرة قد تجعلها 120 كيلو .. وفى الحالة الثانية ينتقل الاستهلاك إلى شريحة أعلى بتكلفة أعلى .. كما هو واضح فى شهور فبراير وأكتوبر 2011 ، وفبراير وأكتوبر 2012 , أغسطس وأكتوبر 2013.
-كذلك فلو تم ترحيل جزء من استهلاك عدة أشهر وإضافته إلى أحد الشهور التالية فقد يرتفع الاستهلاك إلى شريحة ثالثة أعلى من الثانية وأكثر تكلفة .. وهكذا .
-وعندما يتبرم المستهلك أو يشكو من ارتفاع قيمة الفاتورة يكون المبرر الذى يسمعه من مسئولى مرفق الكهرباء هو ( أن الاستهلاك يختلف باختلاف شهور السنة من فصل إلى آخر .. صيف .. شتاء .. إلخ ) ولذلك فالزيادة فى أسعار الكيلو وات من الكهرباء – والتى حدثت بالفعل – قد لا تكون السبب الأكبر فى زيادة التكلفة ، ولا يعنى ذلك أنها لا تساهم فى الارتفاع المستمر لها .. لكن الزيادة الأهم تنجم عن الطريقة التى يتم بها حساب الاستهلاك الشهرى والسنوى.
ثالثا : استهلاك مياة الشرب وتكلفة الصرف الصحى :
من واقع الفواتير التى تصدرها الشركة القابضة لمياة الشرب عن (الاشتراك رقم 2869 /100 / 348 )عن الفترة (يناير 2010 – يونيو 2014 ) كانت تكلفة الشهر 10،50 ( عشرة جنيهات ونصف ) عام 2010 & 11 جنيه عام 2011 و 2012 & لكنها قفزت عام 2013 إلى 23,25 جنيها .
وباعتبار سنة 2008 هى سنة الأساس حيث بلغت التكلفة الشهرية 8 جنيهات فإن الزيادة فى قيمة استهلاك المياة وتكلفة الصرف الصحى تكون كالآتى:
34 % عام 2010 & 37,5 % عام 2011 ، 2012 & 190 % عام 2013 .
هذا وقد تعرضت أسعار استهلاك مياه الشرب وتكلفة الصرف الصحى لطفرة منذ تحويل مرفقى مياة الشرب والصرف الصحى من الإدارة الحكومية إلى نظام الشركات القابضة .. حيث زادت التعقيدات ووضع الكثير من العراقيل أمام المستهلكين مثل تكلفة مد خطوط المياه والصرف وأسعار العدادات وتركيبها ورسومها إلى الأحياء السكنية الجديدة وإلى المنازل فى الأحياء القديمة ..إلخ.
وطالما يتم إلقاء هذه الأعباء على كاهل المواطنين المنتفعين بالمرفق فالإنفاق على هذه التكلفة يتم التوسع فيه ولا يجرى ضبطه كما كان الأمر فى وقت أسبق عندما كانت التكلفة يتحملها المرفق والدولة.
انعكاس الزيادة فى أسعار هذه الخدمات على أوضاع الفقراء وعملية البناء:
لا يمكن أن يتقبل الجمهور عموما والفقراء بشكل خاص أن تكون نتائج القيام بثورتين فى 3 سنوات متجسدة فى تدهور أوضاعهم المعيشية ؛ فالثورة كانت تعنى رفضهم لاستمرار هذه الأوضاع .. لكن ما أسفرت عنه من نتائج لم يُفهَم منه سوى أنه عقاب على القيام بها أو المشاركة فيها ، وهو ما قد يدفع الجمهور لفقد الثقة نهائيا بأى أمل فى تحسن أوضاعه وتأمين مستقبل أبنائه ، وهو نفس المتوقع عندما يتم رفع الحد الأدنى للأجور ليتكفل ارتفاعُ أسعار السلع والخدمات الأساسية بالتهام الزيادة فى الأجور .. وبالتالى تكون انعكاساته السلبية على المشاركة الشعبية فى إعادة البناء مُحبِطة ولا يمكن التهوين من شأنها أو الاكتفاء بمشاهدتها .
ويأتى هذا المثال الذى عرضناه – فى سياق إصرارنا على ضرورة تحقيق الثورة لشعاراتها التى تطالب بالخبز والحرية – فرصة للحديث عن العزلة التى يعانى منها كثير من القوى السياسية والأفراد المهمومين بإنهاض المجتمع المصرى (على أسس حقيقية من العلم والإنتاج والثقافة والمساواة والمنعة والتقدم ) لأنها فى الحقيقة عزلة اختيارية سببها الاعتياد على نمط محدد من النشاط أثبتت الأحداث والزمن عقمه وطرحت ضرورة البحث عن غيره ؛ وألحّت أحداث الثورتين على أن الشروط الموضوعية للنشاط والفعالية مواتية تماما .
فرص مواتية لاستعادة الثقة لا تفريط فيها:
إن السعى لتحقيق العدالة فى مثل هذه المرافق يمكن أن يخلق تضامنا بين المواطنين فى المطالبة بواحد من حقوقهم المشروعة ؛ ويكون بداية لرقابة شعبية علي تلك المرافق طالما افتقدناها ؛ وإلزام معنوى للمسئولين بها على التعامل مع الجمهور كندٍ لا ككمّ مهمل يمكن صرفه بإشارة أو مراوغته بكذبة أو إلهاؤه بمسلسل تليفزيونى أو مباراة كرة تحقيقا لشعار الثورة ” كرامة إنسانية “، وإدراكُ أهمية مشاركته فى تسيير العمل بمثل تلك المرافق وممارسة الضغوط على كثير من المسئولين الذين يميلون لإقرار مثل تلك السياسات ( الزيادة فى أسعار الخدمات) فى مرافق أخرى بل وتشجيع غيرهم من الذين يحسون بمعاناة الجمهور ، وربط هذه ” الأمور الصغيرة ” بالسياسات والقضايا الكبرى. وما يمكن أن يحدث فى أحد المرافق يمكن نقل عدواه لمرفق آخر أو هيئة أخرى أو مؤسسة مختلفة .. وهكذا .
إن هذا السعى هو فرصة ثمينة ومدخل حقيقى مناسب تماما ومتلائم مع احتياجات وقدرة ووعى قطاعات واسعة من الجمهور فى مختلف أرجاء المجتمع.
هذا مجرد مثال من الأمثلة المتعددة التى فى متناول اليد ولا تحتاج من الكثيرين لجهود مضنية ، ونتائجه مباشِرة وفعالة فى استعادة احساس الجمهور بمن يشاركونهم آلامهم المتعددة التى يجب أن يلمسها منهم بشكل عملى فهى أول الطريق لكسب ثقته وعادة ما يكون أول الغيث قطْرُ.
المطلوب فقط هو عقد العزم وعلو الهمة.

الجمعة 13 يونيو 2014 بشير صقر