عن منظمة الفاو والبنك الدولى ومنتدى الأرض الخامس بتونس .. الحلقة الثالثة

موجز لما سبق نشره :

عرضت لجنة التضامن الفلاحى – مصر فى الحلقتين السابقتين وجهة نظرها بشأن :

• دور منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO)) والبنك الدولى (IMF) فى الموقف من الزراعة والفلاحين فى مصر وعلى الأخص مشاركتهما فى فرض وإقرار وتنفيذ ” سياسة تحرير الزراعة ” فى المؤتمر الذى عقد فى القاهرة فى فبراير 1992 بحضور العديد من المنظمات الدولية وفى مقدمتها منظمة الفاو والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالمية وعدد من الهيئات والمسئولين المصريين .. وأفضى إلى فصم كامل لعلاقة الدولة عن مجمل النشاط الزراعى التنفيذى عدا ” التخطيط ” ورفع الدعم عن مستلزمات الزراعة ( بذور ، أسمدة ..إلخ ) وعن فوائد القروض الزراعية مما رفع تكلفة الزراعة فضلا عن ترك الحاصلات الزراعية أسيرة لقوى السوق وأدى لخفض أسعارها أو ثباتها فى أحسن الأحوال وهو ما أسفر عن هبوط شديد فى دخول الفلاحين وتدهور بالغ فى مستوى معيشتهم.
ونشير فى هذا الصدد لما أعقب ذلك المؤتمر من استصدار القانون 96 / 1992 المعروف بقانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأرض الزراعية وأدى تنفيذه عام 1997 إلى فوضى عارمة فى مجال الزراعة والفلاحين أهمها ارتفاع أسعار الإيجارات الزراعية وطرد مئات الألوف من الفلاحين من الأرض وهجر الكثيرين منهم لحرفة الزراعة وشروع الملاك الصغار فى بيع أراضيهم فضلا عن نتائج أخرى كارثية تتعلق باتساع رقعة الأرض الملوثة بالكيماويات وكذا انتشار أوبئة السرطان والكبد والكلى فى الريف.

• كما تعرضت اللجنة فى الحلقة الثانية لتصريحات الممثل الإقليمى للفاو فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتى أعلن فيها : ” أن الفاو تغيرت وستتغير ” ؛ وطالب منظمات المجتمع المدنى العربية المشاركة فى المنتدى بأن ” يؤدوا دورهم .. وأن صوتهم مسموع ” ، وأفاد بعقد المنظمة لاتفاقات ثنائية لمشاريع زراعية مستقلة مع البنك الدولى ، وحثهم على إبداء آرائهم فى التوجهات الاستراتيجية لعمل الفاو بشأن ( المياه والفلاحين والأمن الغذائى ) وذلك بغرض تنظيم برنامج زمنى بين الفاو ووزارات الزراعة العربية. كما تضمنت الحلقة الثانية تقديرنا بشأن فحوى التغير الذى يراه الممثل الإقليمى للفاو وتساءلنا هل هو فى السياسات أم يقتصر على طرق العمل ..؟!
كما تضمنت ما قاله منسق شبكة الأرض والسكن ( هابيتات ) بمصر عن أن البنك الدولى لا يملك معايير قانونية لأنشطته.
وبالرغم مما أبداه ممثل الفاو من رغبة فى الاستماع إلى آراء المشاركين فى استراتيجية منظمته إلا أنه أحجم عن الحوار أو حتى الرد بشأن الأسس والمعايير التى تحكم علاقة الفاو بمنظمات المجتمع المدنى .. بل حتى مجرد إبداء رأيه الشخصى فى الأمر ، ومن جانب آخر تناولت فحوى الشراكة المقترحة بين هذه الهيئات الدولية والمؤسسات ” العامة والخاصة والشعبية ” فى الإقليم من واقع كونها طرفا محتملا فى العلاقة مع الفاو متسائلة عن النسب التى تحظى بها كل من هذه المؤسسات داخل إطار الشراكة المقترح

• وفى هذه الحلقة ” الثالثة ” تتعرض اللجنة لعدد من الآراء والتقديرات والأفكار التى طرحها المشاركون فى المنتدى منها : دور الحكومات فى تأسيس منظمات مجتمع مدنى تلعب دور الطابور الخامس داخل هذه المنظومة وتساهم فى تشظية ( التحويل إلى شظايا ) وتجزئ القضايا الكبرى والمصيرية التى تشكل هموم المجتمعات النامية والفقيرة ، فضلا عما أثاره بعض المشاركين من أفكار مشابهة لتفعيل منظمات المجتمع المدنى.
وهنا تعرض تصورها للسياسة المزدوجة التى تتبعها منظمة الفاو بشأن ما تعلنه عن أفكارها ومبادئها وتوجيهاتها .. وما تمارسه فى الواقع وأسبابهما ؛ من خلال عرض بعض أفكارها التى تضمنها كتيب ” الخطوط التوجيهية الطوعية بشأن الحوكمة المسئولة لحيازة الأراضى ومصايد الأسماك والغابات فى سياق الأمن الغذائى الوطنى ” ومن خلال عدد من الوقائع الفجة الماثلة فى الريف المصرى.
،،،،،،،،،،،،،،،،،

تمهيد :

فى البداية يهمنا التأكيد على وجود منطقين يحكمان السياسات التى يتم الإعلان عنها فى أى مكان وأى زمان فى هذا العالم استنادا إلى البواعث والدوافع التى تقف خلفها.
ففى المجتمعات الرأسمالية التابعة أو غير المستقلة تعلن الدول عن سياسة محددة بينما فى الممارسة تتحول تلك السياسة – من خلال الإجراءات والقوانين المنفذة لها – إلى مسار مختلف عن مسار تلك السياسة ؛ ويتوقف ذلك المسار – فى اقترابه أو ابتعاده عن مضمون السياسة المعلنة – على قوى المعارضة الحية والمؤثرة فى المجتمع شرعية كانت أو غير شرعية علنية كانت أو تحت الأرض. بمعنى أن الانحراف الشديد فى مسار الممارسة عن السياسة المعلنة يغلب على المجتمعات الرأسمالية التابعة المحرومة من حقوقها وحرياتها الأساسية .. بينما لا يكون الأمر بنفس المستوى فى المجتمعات الرأسمالية ” المستقلة ” التى تتمتع مجتمعاتها بمعارضة قوية مؤثرة.

*هذا ويختلف الأمر فى الهيئات السياسية التى تتمتع بدرجة عالية من التماسك وتعبر عن طموحات قطاعات شعبية واسعة ( أغلبها فقيرة ) حيث يكون المسار العملى والإجرائى لها قريبا أو متوازيا مع السياسة المعلنة. وهذان المنطقان ( سياسة فى اتجاه وممارسة فى اتجاه مغاير ) و ( سياسة وممارسة فى اتجاه واحد متقارب أو متوازٍ ) هما اللذان يحكمان السياسة المعلنة وتطبيقها العملى فى مجتمعات العالم جميعا.
*وعلى ضوء ما عايشناه وعرفناه عن سياسات كثير من الدول والهيئات السياسية ذات الوزن فى مجتمعات شتى .. يمكن الاستنتاج بأن منظمة الفاو والبنك الدولى وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية وكثير من المؤسسات المالية والاقتصادية النيولبرالية المعبرة عن توجهات كثير من الدول فى أوربا وأمريكا واليابان تستخدم المنطق الأول ويتبعها فى هذا المسار عشرات الدول الحليفة والتابعة أو الدائرة فى فلكها ( سياسة فى اتجاه وممارسة فى اتجاه مغاير )، علما بأن تطبيق تلك السياسة يختلف جزئيا من دولة صناعية متطورة إلى دولة متخلفة تابعة ، ويختلف الأمر كذلك داخل الدول الصناعية المتطورة فى تطبيق تلك السياسة فى الخارج وبين تطبيقها داخل الحدود.

المجتمع المدنى والقضايا الكبرى :

ولأن نشأة المجتمع المدنى بدأت فى الغرب أساسا بغرض تنظيم الشعب فى مواجهة الحكومات إلا أن مساره تحول – فيما بعد – بعيدا عن أهدافه الأساسية ليتم استخدامه كأداة للتعمية عن القضايا الكبرى للمجتمعات و لتشظيتها وتجزيئها إلى قطع ( قضايا ) صغيرة .. تُغرِق المتأمل لها فى تفاصيلها الدقيقة وتحرمه من رؤية القضايا الكلية فى مساراتها وتطورها ونتائجها ، و التى بدونها يتوهم المتابع أن ما يحل بالمجتمع من كوارث ليس وليد تلك المسارات ولا من فعل فاعل بل هبط على المجتمع قضاء وقدرا. وبدلا من إدراك فحوى القضايا الكلية ينكفئ المتأمل على التفاصيل باحثا عن الأسباب التى هى فى الحقيقة خارج دائرة بحثه وتأمله .. مختفية فى القضايا الكلية . وهو ما يشمل الأغلبية الساحقة من الناشطين فى المجتمع المدنى خصوصا فى مجتمعاتنا المتخلفة بكل أسف.

1-ولأن النشاط العملى فى القضايا الكبرى والمصيرية يتطلب رؤية شاملة و تاكتيكات وخططا محكمة لتنفيذها .. يربط بين منطلقاتها و بواعثها وبين المسار الذى يتخذه النشاط العملى وبين المآل الذى تنتهى إليه ؛ فإن تجزئ وتشظية تلك القضايا يفقد القائمين على العمل والجماهير بالتالى تلك الرؤية ومن ثم لا يجمعها نفس المسار فلا تصل إلى المآل والهدف الذى حددته الرؤية الشاملة.

2- فقضية مثل قضية الزراعة المصرية تتحول بفعل التشظية إلى قضية المطرودين من الأرض وقضية الغذاء وقضية الإسكان الريفى وقضية الثروة الحيوانية وقضية التعليم الزراعى والتدريب وقضية المياه وقضية مستلزمات الزراعة وقضية التعاونيات الزراعية وقضية الائتمان الزراعى وفى كل منها تعمل منظمة مستقلة من منظمات المجتمع المدنى وتتجسد تلك التشظية فى المجتمعات المدنية الأوربية والآسيوية والأمريكية بشكل أوضح منه فى مجتمعاتنا و بنفس المنوال يمكن تشظية أية قضايا كبرى سواء فى مجال العمال أو القضايا القومية الأخرى ، فضلا عما يمكن أن يسقط من تلك القضايا الصغيرة فى مجرى النشاط ولا يجرى التطرق إليه بالمرة استنادا إلى ميول وخبرات ومهارات القائمين على العمل بالمجتمع المدنى.

3- ولأن القضايا الكبرى تتطلب مشاركة جموع الشعب فإن تحديد الهدف والمسار واختيار أدوات وأشكال الكفاح يكون شرطا حاسما لصواب النتائج المنشودة حيث أن كثيرا من القضايا الجزئية أو الصغيرة الناتجة عن عملية التشظية والتجزئ لن تمتلك تقديرا موحدا للهدف والمسار ولا اختيارا واحدا للأدوات وأشكال العمل ومن ثم تصل إلى مآلات ونهايات مختلفة وربما متعارضة – هذا إن وصلت – فتتبدد الجهود ومعها النتائج المرجوة والآمال المعقودة.

4-ولقد تنبه كثير من الدول والحكومات فى الغرب لتلك الفكرة مبكرا وآثر الكثيرُ منها دفعَ منظمات المجتمع المدنى لهذا التوجه وبذل الجهد وأنفَق الأموال لتحويل ذلك ” الشئ الحسن إلى شئ سئ ” وتحول الكفاح الشامل فى القضايا الكبرى إلى نشاط مبعثر فى أمور صغرى لا يمكن أن يكون حاصلُ جمعها مساويا فى الممارسة لآثار ونتائج الكفاح الشامل فى القضايا الكبرى وبمنطق يختلف عما يحدث فى أنشطة المجتمع المدنى ” المتنوعة ” والمتناثرة .

5-ومن خلال التشاور وتبادل الخبرة بين الحكومات فى كثير من دول العالم المتطورة صناعيا والمتخلفة تأسست هيئات شتى للعمل والهيمنة على هذا المجال ومنظماته فى الشمال والجنوب.

6-يأتى بعد ذلك دور التمويل- الذى يدفع بعض منظمات المجتمع المدنى للأمام ويرفس بعضها للخلف- ليلعب دوره فى ظل فقر شديد وبطالة متوحشة فى المجتمعات المتخلفة وتمسّك بارتباطات التعاقد مُحوّلا تلك المنظمات من هيئات ناشطة فى العمل العام إلى مؤسسات تقليدية ووظائف ورتب وانحيازات ومصالح ليخلق أرضا ومناخا جديدا مواتيا لتدجين العديد منها واختراقها من قبل الحكومات وتوجيهها للمسار الذى تراه .. بل واستخدامها.

7- ومع التسليم بحسن النية الكامل لا يعنى ذلك أن فكرة تنظيم المدنيين – فى المجتمع المدنى – خاطئة أو أن معظم العاملين فى هذا المجال مرتزقة أو أن كل المؤسسات التى أنشأتها ونقلتها لبلادنا مشبوهة وتحيطها الغيوم.

مقترح بشأن استخدام جامعة الدول العربية لتفعيل منظمات المجتمع المدنى :

اقترح التونسى عبد الله الغربى – فى المنتدى- إمكانية الاستعانة بالجامعة العربية لتفعيل دور المجتمع المدنى فى الأقطار العربية . وفى الحقيقة لم نتبين على وجه الدقة مقصده .. هل يعنى بمقترحه هذا حرصا على المجتمع المدنى فى دوره المنشود أم ” العشم ” فى جامعة الدول العربية..؟

*ولأن هذه الهيئة الإقليمية ” الجامعة ” لا تعدو أن تكون تجميعا لإرادات الحكومات العربية ( وزراء الخارجية ) ؛ ورغم ما يثيره ذلك من مواجع ومن استرجاع للممارسات والسياسات المعادية للجماهير فى دولها ؛ فجامعة الدول لم تتفق يوما على إجراء إيجابى واحد يخدم شعوبها حتى فى توحيد يوم عيد الفطر باستثناء ما جرى إبان حرب 1973 بين مصر وإسرائيل. ولأنها من زاوية أخرى تشبه – مع الفارق – فى بنيانها منظمة الفاو التى يشكل وزراءُ الزراعة الجانبَ الأعظم من أعضائها الرسميين ؛ وتمثل سياستها محصلة سياسة الدول الأعضاء .. فإن توَهّم البعض إمكانية أن تساهم بشكل إيجابى فى تفعيل منظمات المجتمع المدنى لا يتجاوز إمكانية قدرتها على فصم العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

*فالحكومات والأنظمة العربية مستمرة فى الحكم بفضل مصادرتها الحريات والحقوق الأساسية للشعوب ، ولذا فالأمل فى قيامها بتحريك منظمات شعبية مستقلة عنها تتضمن أهدافُها انتزاعَ تلك الحقوق والحريات ضربٌ من الوهم .. إلا إن كان السعى المقصود يستهدف تحويل تلك المنظمات إلى أدوات تعمل لصالح سياسة جامعة الدول العربية.

منظمة الفاو والمجتمع المدنى بين السياسة المعلنة والممارسة المغايرة :

ظلت الفاو – وهى إحدى منظمات الأمم المتحدة الكبرى – طيلة عمرها المديد تلعب دورها بالتعاون الكامل مع حكومات البلدان الأعضاء ضد شعوبها ، وأيا كان ما تعلنه من سياسات ضد الجوع .. وحث على إنتاج الغذاء ونصح بتضييق فجوته على المستوى الوطنى برفع شعار الأمن الغذائى (Food Security) ؛ وأيا كان ما تصدره من منشورات لتطوير مهنة الزراعة ومفرداتها المتعددة واستحداث لقضايا جديدة بشأن الحيازة الآمنة وحوكمة الحيازة وغيرها ؛ بات من الضرورى مواجهة جملة ما تتحدث عنه من سياسات ونصائح وتوجيهات بما تقوم به وتمارسه عمليا من ناحية وبما ينفذه أعضاؤها الرسميون – وزراء الزراعة – فى الواقع العيانى داخل مجتمعاتهم من ناحية أخرى ؛ ومقارنة تلك السياسات بما هو معلوم وشائع فى ريف المجتمعات الفقيرة من ممارسات وإجراءات مناقضة للمنطق قبل أن تتناقض مع العديد من سياسات الفاو المعلنة.

فما سمعناه فى المنتدى عما تقوم به بعض المؤسسات الغربية وحكومات البلدان المتخلفة من تأسيس وتوظيف لبعض منظمات المجتمع المدنى يجرى ما هو أسوأ منه فى مجال الزراعة والغذاء والتنظيمات الفلاحية النقابية.

• ففى مجال الزراعة : تجرى تصفية السلالات والأصناف النباتية المحلية لصالح البذور المهندسة وراثيا كما حدث ويحدث فى عدد من الولايات الهندية ؛ بل وهناك من شهود العيان ما يقطع بأن قوات الغزو الأمريكية فى العراق فى الفترة ( 2003 – 2006 ) كانت – وهى تفتش عن المقاتلين العراقيين – تبحث عن بذور الأقماح العراقية لتقوم بإعدامها على الملأ لدفع الفلاحين لزراعة القمح الأمريكى مكانها. كذلك يجرى اجتثاث الغابات والمساحات الخضراء فى ريف أمريكا اللاتينية لصالح إنتاج الوقود الحيوى وزراعة فول الصويا وهو ما يفضى لاختلالات خطيرة فى التنوع البيولوجى والتوازن البيئى.

• وفى مجال الغذاء : ” يزخر العالم بغذاء يكفى 12 مليار نسمة بينما يموت مئات الآلاف سنويا من الجوع فى عالم يضم مالا يزيد عن 6،3 مليار نسمة ” على حد ما صرح به جون زيجلر رئيس برنامج الغذاء بهيئة الأمم المتحدة عام 2005 فى الوقت الذى يتم إلقاء فوائض القمح الأمريكى فى مياه المحيط حفاظا على أرباح الشركات المنتجة له. ويتحول تصريح زيجلر ” وراء كل إنسان يموت جوعا .. مجرم تجب محاكمته ” إلى قرار اتهام لأهم مؤسسة للغذاء فى العالم ( الفاو).

• وفى مجال تنظيم الفلاحين : تنفرد طبقة الفلاحين فى مصر بحرمانها من حق التنظيم النقابى دون طبقات المجتمع ؛ بينما تزين صور الفلاح المصرى- كأول فلاح عرف الزراعة فى العالم – جدران المنظمة فى روما.

*وفى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 قام أحد وزراء الزراعة – دون أن يظهر فى الصورة – بتأسيس نقابة للفلاحين المصريين – ليس حبا لهم – بل لتكون داعما لسياسات الوزارة المعادية للفلاحين ؛ والأهم أنه كان عضوا بها ومسئولا عن لجنة العلاقات الخارجية هو ومساعده وسكرتيرته لكى لا يتحدث أحد باسم الفلاحين المصريين مع الهيئات الدولية سواه .

*ومن جانب آخر تقوم وزارة الزراعة المصرية منذ 2006 باعتبار أعضاء التعاونيات الزراعية – ممن يملكون أقل من ثلاثة أفدنة – ليسوا فلاحين وتجبرهم على تسجيل أسمائهم كعمال زراعيين حتى تحرمهم- فيما بعد – من مستلزمات الزراعة و خدمات التعاونيات ؛ علما بأن متوسط نصيب المواطن فى مصر من الأرض الزراعية أقل من عُشر فدان ومتوسط نصيب الفلاح لا يتجاوز 2/5 فدان.

*ليس هذا فحسب بل وتخرق قانون الزراعة ( 53 / 1966 ) فى المادة 90 التى تنص على ( تسجيل حيازة الأرض فى التعاونيات باسم زارعها ) ؛ بينما تؤكد كل القرارات الوزارية والتعليمات الشفهية منذ عام 1997على منع تسجيل حيازة الأرض بالتعاونيات إلا لمالكها حتى لو لم يكن فلاحا .. وبذلك تحرم الأرض ومستأجرها من مستلزمات الزراعة ( تقاوى ، أسمدة .. إلخ).

*إن جملة المآخذ التى سجلناها أعلاه على منظمة الفاو فى الريف المصرى تعتبر من المعلومات العامة المتداولة ؛ ولا يمكن لمنظمة دولية مترامية الأطراف تهتم بأوضاع الزراعة والغذاء فى العالم ويقيم ممثلها الإقليمى فى مدينة القاهرة منذ عشر سنوات ويتحدث اللغة العربية ؛ لا يمكن أن تتجاهل مثل هذه المعلومات الهامة أو تتعامى عنها. ولذلك فكل ما تعلنه الفاو من سياسات يبقى حبيس الأوراق فى وجود مثل هذه التجاوزات الفجة من أعضائها.

قراءة سريعة لوثيقة الفاو ” حوكمة الحيازة ” وتعليقات مختصرة عليها :

تتكون الوثيقة من 7 أبواب نتعرض فيها للخمسة أبواب الأولى باختصار شديد وهى:

1- الأحكام الأولية. 2- المسائل العامة. 3- الاعتراف القانونى بحقوق وواجبات الحيازة
4- نقل حقوق وواجبات الحيازة . 5- إدارة الحيازة .

وقبل أن نتطرق للتفاصيل يهمنا الإشارة إلى أن النصوص التى اخترناها تقتصر فقط على حيازة الأرض دون مصايد الأسماك والغابات ؛ هذا و سنعرض الأبواب الخمسة التى اخترناها من الوثيقة وتعليقنا عليها بالطريقة التالية :

1- أولا نقدم تعريفا لتعبير الحوكمة ليكون القارئ على بينة منها.
2- يعقبه فكرة الوثيقة وملابسات إصدارها .
3- ثم تعليقنا على فكرة الوثيقة.
4- ثم موجزا للباب الأول بعناصره بين قوسين [ ] ؛ يليه تعليقنا على النص إضافة إلى استشهادات لما هو موجود أو غائب منها فى مصر وتأخذ بقية الأبواب أرقام من 5- 8

1-تعريف الحوكمة :

هى الإدارة بمجموعة من النظم والقوانين والقرارات تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز فى الأداء عن طريق انتقاء الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق الأهداف المرجوة.. باختصار الحوكمة هى الإدارة وآلياتها.

2-فكرة الوثيقة:

تنص الوثيقة الصادرة فى مايو 2012 / روما على غلافها الخلفى بأنها [ أول صك عالمى شامل خاص بالحيازات وإدارتها .. يُعد من خلال مفاوضات حكومية دولية ، وتضع مبادئ ومعايير مقبولة دوليا للممارسات المسئولة لاستخدام الأراضى ومصايد الأسماك والغابات وللتحكم بها .
وتدرجُ هذه الخطوطُ التوجيهية إدارة َ الحيازة ضمن السياق الوطنى للأمن الغذائى.. وهى تسعى للمساهمة فى الإعمال المطرد للحق فى غذاء كاف والقضاء على الفقر.]

3- التعليق على فكرة الوثيقة :

*الوثيقة معدة بواسطة الحكومات الأعضاء فى الفاو .
* ما أسمته الوثيقة بـ ” السياق الوطنى للأمن الغذائى (Food Security ) الذى أُدرِجت إدارة الحيازة فى سياقه للمساهمة فى إعمال الحق ( توفير ) فى الغذاء بشكل مطرد ” .. لا يمكن تحقيقه ضمن كل مجتمع على حدة أى ضمن السياق الوطنى للأمن الغذائى فى ظل الظروف الدولية الراهنة ؛ لأن هناك مجتمعات لا تنتج الحبوب ( الغذاء ) أو تنتجه بشكل محدود لا يكفى الاحتياجات المحلية ، بينما هناك مجتمعات أخرى تنتج ما يزيد عن حاجتها ؛ ومن ثم تلقى بفوائضه فى المحيط لاعتبارات ربحية بحته ليس من بينها بالطبع إنقاذ ملايين البشر من الموت جوعا ؛ وعليه فهناك شبه استحالة عملية لتحقيق ذلك الاكتفاء فى كل مجتمع على حدة وبمعزل عن الآخرين ( أى على المستوى الوطنى ) فرغم أن الغذاء الموجود فى العالم يكفى ضعف سكانه إلا أن المشكلة الحقيقية العملية تكمن فى طريقة توزيعه على قارات العالم وداخل كل قارة على دولها ، وفى كل دولة على فئاتها وطبقاتها الاجتماعية.

4- مختصر الباب الأول : الأحكام الأولية
ينقسم لعنصرين :الأهداف ، طبيعة القضية ونطاقها

الأهداف :

[ هى تحسين حوكمة الحيازة ( للأراضى ، ومصايد الأسماك ، والغابات ) لصالح الأمن الغذائى ( Food Security) – القضاء على الفقر – تحقيق أمن المسكن – التنمية المستدامة اقتصاديا ، واجتماعيا ، وريفيا ، وبيئيا.]
طبيعة القضية ونطاقها :
[يتم تفسير القضية وتطبيقها وفقا للنظم القانونية الوطنية ، وتستخدم من جانب الدول والحكومات والقضاء ومنظمات المزارعين ، وهى عالمية فى نطاقها مع مراعاة السياق الوطنى.]

التعليق :

• الأهداف : لا تعليق عليها إلا بأن الوصول إلى الأهداف يواجه عقبة تتمثل فى مفهوم الأمن الغذائى الوطنى ( Food Security) الذى يحصر إشكالية نقص الغذاء وأسبابها فى الإطار الوطنى بينما لا يمكن حل المشكلة حلا جذريا إلا ضمن حدود أوسع عالمية أو إقليمية ، كذلك يواجه حل مشكلة الفقر عقبات مشابهة.
• طبيعة القضية ونطاقها : نوافق على أنها عالمية فى نطاقها بسبب تقسيم العمل الدولى الذى صنف العالم إلى دول قائدة فى مجال الإنتاج والتوزيع والاستهلاك .. ودول تابعة تسير فى فلكها . أما عن استخدام هذه الخطوط التوجيهية من جانب الدولة والحكومة والقضاء ومنظمات المزارعين فيجب أن ينص فيه على ألا تنفرد الدولة ( الحكومة ) بتفسيرها الخاص فى عملية التطبيق.

5-مختصر الباب الثانى : المسائل العامة :

ينقسم لـ 3 عناصر : المبادئ العامة ، المبادئ التنفيذية ، الحقوق المتعلقة بالحيازة.

المبادئ العامة :

[ الاعتراف بحقوق الحيازة وأصحابها ، وعدم التعدى عليها ، والوفاء بالواجبات المصاحبة لحقوق الحيازة ، وصونها من الانتهاك ، وحمايتها من الإجراءات التعسفية والإخلاء القسرى ، وتعزيز التمتع بها ، وتوفير الوصول للعدالة لعلاج التعدى ، والوقاية من المنازعات والفساد.]

المبادئ التنفيذية :

[ الإقرار بالكرامة لأصحاب الحيازة ، منع التمييز بموجب السياسات والقوانين والممارسات ، العمل المشترك مع أصحاب الحيازة قبل اتخاذ إجراءات بشأنها ، نشر السياسات والقوانين باللغة المستخدمة على نطاق واسع ، قيام الحكومة بتحسين المراقبة وتحليلها.]
الحقوق المتعلقة بالحيازة :
[الاعتراف بأنه لا توجد حقوق حيازة مطلقة بما فى ذلك الملكية الخاصة ،الاعتراف القانونى بالحيازة غير المتمتعة بحماية القانون ، ألا يكون هناك تمييز ، ضمان عدم الإخلاء القسرى وعدم التهديد.]

التعليق :

• المبادئ العامة : لا خلاف عليها لكن تعتريها إشكالية تتمثل فى أدوات التطبيق .
وفى الحالة المصرية نفتقر تماما لهذه المبادئ العامة ؛ لدرجة أننا لا نجد بندا واحدا مطبقا تطبيقا عادلا وشاملا ، فمصر تزخر بعشرات بل بمئات التعديات على أراضى فلاحى الإصلاح الزراعى والأوقاف و(القطاع الخاص) والبدو وحواف الوادى والأرض المستصلحة بل وأراضى الدولة، وتمثل الدولة وشرطتها القاسم المشترك فى تلك التعديات أو فى دعم المعتدين.

• المبادئ التنفيذية : هى مبادئ إيجابية جدا بدءا من الإقرار بالكرامة (لأصحاب الحيازة ) إلى منع التمييز سواء فى السياسات أو القوانين والإجراءات إلى الإقرار بمبدأ المشاركة مع أصحاب الحيازات فى حل المشكلة قبل اتخاذ أية إجراءات بشأنها .. إلخ.
إلا أنه فى الحالة المصرية لا يتحقق أى من هذه المبادئ، فإهدار الكرامة هو السائد ومنها ما يحدث فى بعض قرى شبراخيت / بحيرة وطلخا ونبروه / دقهلية حاليا ومنذ سنوات ؛ علاوة على أن مبدأ المشاركة مع أصحاب الحيازات ( الفلاحين ) فى حل مشاكلها قبل اتخاذ أية إجراءات بشأنها يحدث عكسه تماما كما جرى فى ميت شهالة / منوفية 2004 و دكرنس / دقهلية 2006 و عزبة محرم وعزبة البارودى / بحيرة 2008 . أما عن مبدأ عدم التمييز فلا وجود له لأن التمييز بين أصحاب الحيازة والمعتدين هو السائد علاوة على الفساد اللذان يمثلان السمات الرئيسية لانتهاك الحيازة .

• الحقوق المتعلقة بالحيازة : هى شئ إيجابى حقا وأهمها هو الاعتراف بأنه لا توجد حقوق حيازة مطلقة حتى فى الملكية الخاصة ، وهو ما يعنى أن للأرض وظيفة اجتماعية بالأساس يجب تحقيقها أولا وهى إنتاج الغذاء لإطعام الشعب ؛ و يجب النص عليها بهذه الصيغة فى الوثيقة.. وعلى كل أشكال الملكية الاستجابة لهذه الوظيفة ، أما الاعتراف القانونى بالحيازة التى لا تتمتع بحماية القانون فما يجرى فى الحالة المصرية عكسه تماما ، فالدولة لا تعترف بملكية منتفعى الإصلاح الزراعى لأراضيهم التى وزعتها الدولة عليهم فى عصر سابق ودفعوا كامل ثمنها ، وهى تنتزع منهم منذ 18 عام وحتى الآن، لأن مخالفة القانون والتمييز ركنان أساسيان فى العدوان على الحيازات القانونية كما يحدث حاليا بقرى المعمورة / الإسكندرية ونبروه وطلخا / دقهلية.

6-مختصرالباب الثالث: الاعتراف القانونى بحقوق وواجبات الحيازة:
وتمثل الضمانات أهم بنود هذا الباب :
[عندما تعترف الدولة بحقوق الحيازة يجب عليها أن :
تقوم بتخصيصها ، ووضع الضمانات ضد انتهاكها حتى للتى لا تحظى بحماية القانون ، تحديد الحقوق وأصحابها (مسجلين أو غيرهم) وإخطارهم بذلك ، وفى حالة تعذر الاعتراف القانونى تمنع الدولة الإخلاء القسرى، وفى حالة الحيازة غير الرسمية تقر الدولة بوجودها وتدعم المتضررين ، منع الاستيلاء والإخلاء القسرى. ]

التعليق :

الضمانات : تمثل الضمانات شيئا إيجابيا جدا ، لكنها وبكل أسف لا تجد أى صدى داخل وزارة الزراعة المصرية وهيئة الإصلاح الزراعى التابعة لها .. حيث تمت الاستدارة من سنوات لقانون الإصلاح الزراعى ولا زال ذلك قائما .

7- مختصرالباب الرابع : نقل حقوق وواجبات الحيازة :

يمثل عنصر الاستثمارات أهم عناصره ويتضمن :
[ لأن المنتجين أصحاب الحيازات الصغيرة يمثلون حصة كبيرة من الاستثمارات الزراعية فى البلدان النامية بما يساهم فى الأمن الغذائى والتغذية والقضاء على الفقر ينبغى:
دعمهم ، وألا تصاب حيازاتهم بأى أذى ضد الانتهاك والعدوان ، ضرورة احترام حقوق الإنسان ، وتوفير الحماية لهذه الحيازات من الاستثمارات الخاصة ، إعادة الحقوق للمتضررين من فقدها أو لورثتهم أوالتعويض الفورى العادل عينا أو نقدا بما ينصفهم ، وضع قوانين واضحة وشفافة لذلك ، لا يتعين على الدول القيام بالمصادرة إلا حين تكون الحقوق مطلوبة للمنفعة العامة وفق قوانين واضحة ومفهومة .]

التعليق :

الاستثمارات :
ما ذكر عن أصحاب الحيازات الصغيرة كاف وتؤكده جملة التوصيات اللاحقة التى توجب تدعيمهم ، وحماية حيازاتهم ووقايتها من العدوان عليها بالذات من الاستثمارات الخاصة ..إلخ؛ كذلك فالتأكيد على مبدأ إعادة الحقوق للمتضررين أو تعويضهم عينا أو نقدا وفورا ، والنصح بعدم إجراء المصادرة إلا للمنفعة العامة .. كلها مبادئ جيدة لكن الأهم هو تفعيلها.
والجدير بالذكر أن ما يحدث فى مصر عكس ذلك تماما فالدعم تم إلغاؤه سواء لمستلزمات الإنتاج أو للقروض الزراعية ، والعدوان على الأراضى يجرى على قدم وساق فى كل أنواع الأراضى خصوصا أراضى الإصلاح الزراعى والأوقاف ، والحماية تتم للمعتدين وليس للمجنى عليهم من فقراء وصغار الفلاحين والدولة تدعم ذلك بل إن هناك حالات تعتدى فيها أجهزة الأمن على الأراضى لاغتصابها لصالح قيادات كبيرة أبرزها عام 2010 فى قرية العمرية / بحيرة.. وعام 2008 بقرية عزبة محرم / بحيرة .. وهكذا.

8- مختصر الباب الخامس : إدارة الحيازة :
ويتكون من عدة عناصر أهمها .. حل المنازعات حول حقوق الحيازة ويتضمن :
[ أن حل نزاعات حقوق الحيازة من خلال هيئات قضائية وإدارية حيادية ومختصة توفر سبل الحصول على وسائل حسنة ومناسبة التوقيت وميسورة وفعالة ، كذلك توفير سبل إنصاف فعالة ، وإتاحة الحق فى الاستئناف مع السعى لحل النزاعات فى مراحلها الأولى وتيسير ذلك.]

التعليق :

إدارة حقوق الحيازة :العنصر الأخير فيها ( حل النزاعات ) يشوبه فى مصر تجاوزات هائلة منها أن بعضا من الهيئات القضائية المكلفة بنظر حل هذه النزاعات هى فى حقيقة الأمر محاكم استثنائية وتسمى محاكم القيم وفيها يتم تعيين نصف قضاتها من خارج الجهاز القضائى ويتم انتقاؤهم قصديا من المعادين للفلاحين وللإصلاح الزراعى وهذه المحاكم تصدر نصف أحكام طرد الفلاحين المصريين من أراضيهم .
أما بشأن العمل على حل المنازعات فى مراحلها الأولى فهناك مثال صارخ فى مصر يدلل على عكس ذلك تماما فى عزبة الهلالية بالمعمورة شرق الإسكندرية ؛ وفيه تم اغتيال أحد قادة الفلاحين الذين شاركوا فى المفاوضات مع أجهزة الأمن التى انتزع بعضُها حيازاتِ الفلاحين فى منطقته عن طريق التهديد والمطاردة وهدم المنازل.

الملاحظة الأهم :

تبقى لنا كلمة أخيرة تتعلق بالإطار الذى تطرح فيه منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ( FAO) جملة إجراءاتها وأفكارها وتوجيهاتها وهو الحديث الدائم عن تحسين الحياة والسعى للقضاء على الفقر وتحقيق الأمن الغذائى فى السياق أو فى الإطار الوطنى ..إلخ ، ومع أننا وصّفنا العديد من الأفكار والإجراءات التى تضمنها كتيب (حوكمة الحيازة ) بأنه إيجابى .. لأنه فى حد ذاته إيجابى فعلا ؛ إلا أننا نشير إلى أن الإطار الذى يضم أفكار الفاو وإجراءاتها يُديم ويؤبد هذه الحالة بعيدا عن التخلص التام منها بمعنى أن تحسين حياة الفلاحين وتحقيق الأمن الغذائى والسعى للقضاء على الفقر هى نمط حياة لن يسفر – فى أفضل الأحوال – إلا عن تحسنات محدودة تؤكدها ديمومة هذه الحالة – تحت إشراف الفاو- لعشرات السنين وبل – والحق يقال – تدهورت أحوال الفلاحين عما كانت عليه قبل عشر أو عشرين سنة والسبب يرجع إلى أن شعار تحسين الحياة الذى ترفعه الفاو ليس إلا هدفا فى حد ذاته وليس وسيلة لتحسين شروط المقاومة وانتزاع الحقوق .. باختصار هذا هو الفارق .

خاتمة :

وبينما نرى منظمة الفاو تعلن عن سياسة محددة وتمارس شيئا مختلفا ويتضح ذلك جليا من خلال التناقض الصارخ بين ما أعلنته فى مايو 2012 فى كتيبها عن حوكمة الحيازة وبين ما يجرى على الأرض فى مجتمعات كثيرة ( فى جنوب العالم ) وهى على علم به أو على أقل تقدير على علم بالأحداث الكبرى والسياسات الأساسية التى تطبق أو يتم تنفيذها .. من واقع ما تضمنته تعليقاتنا على الأبواب الخمسة لحوكمة الحيازة [ ذلك الصك العالمى الذى تم إعداده خلال عامين من العمل المتواصل ] .
إلا أن هناك من الآراء ما يرى أن دعوة الفاو لمنظمات المجتمع المدنى فى المنطقة والعالم وما تصرح به “بأنها تغيرت بل وتتغير ” لا يمكن أن يكون إلا انعكاسا لتغيرات دولية أو لتحديات حقيقية جدت على الساحة العالمية وعلى الأخص ما نشر بشأن قيام كل من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا بتأسيس بنك جديد (بريكس BRICS) تحت إسم بنك التنمية Development Bank) ) برأسمال مبدئى قدره 50 مليار دولار كبديل لصندوق النقد الدولى ؛ وذلك للتغلب على مشكلات السيولة المرتبطة بتدفقات التمويل الدولى فضلا عن صندوق احتياطى الطوارئ (Emergency Reserve Fund) برأسمال قدره مائة مليار دولار وذلك لمواجهة التطورات السلبية فى النظام المالى العالمى ؛ خصوصا وأن الاجتماع الأخير له (BRICS) عقد فى مدينة فورتاليزا البرازيلية فى 19 يوليو 2014 . هذا ونص البيان الصادر عنه على عدد من الإجراءات العملية بشأن تشكيل هيئاته المختلفة ، وعلى أن المشاورات بين دول البنك الخمسة التى جرت طيلة السنوات الأخيرة كانت بسبب تنامى استيائها من الهيكل الإدارى لكل من البنك الدولى وصندوق النقد ومن رفض تعديل هيكل البنك الدولى استنادا إلى طلب كل من روسيا والصين.
عموما أيا كان السبب وراء ما أثاره ممثلو الفاو فى منتدى الأرض الدولى الخامس بتونس فى الفترة من 5-7 ديسمبر 2014 عن تغيرات داخل المنظمة وعن رغبة فى العمل المشترك مع منظمات المجتمع المدنى العربية لا يمكن التكهن به استنادا إلى التصريحات الإعلامية قدر ما تظهره الممارسة ويؤكده التشابه – وليس التطابق – بين ما تعلنه الفاو وما تطبقه على الأرض.

الجمعة 26 ديسمبر 2014 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر