الأرض اللقيطة – تقرير عن فلاحى الإصلاح الزراعى بالبحيرة ( 3-3)

بشير صقر
الحوار المتمدن-العدد: 5288 – 2016 / 9 / 18 – 00:54
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية

بقية مركز دمنهور

تنويه وتقديم :

تناولنا فى الجزء الأول أوضاع فلاحى الإصلاح الزراعى فى بعض قرى الرحمانية (عزبة الأشراك ، أبو خراش ، الخمسين ، الأشراك البلد )، وفى الجزء الثانى أوضاع فلاحى مجموعة أخرى من قرى مركز دمنهور تتبع الجمعية الزراعية بالبرنوجى.

وفى هذا الجزء- الثالث- نتناول مجموعة قرى أخرى بمركز دمنهور هى العمرية وعزبة سلامة والأرض المحيطة بسوق ماشية دمنهورالتابعة لجمعية قرطسا وطاموس الزراعية .

ويهمنا التأكيد على أن ما يجمع الأجزاء الثلاثة هو عمليات تهريب أرض الإصلاح الزراعى المتنوعة فور إصدار قانون الإصلاح فى خمسينات القرن الماضى عام 1952 ، أو فى بداية تقلقل أوضاعهم فى عهد السادات بعد صدور قانون رفع الحراسة ( 69 لسنة 1974) عن بعض أراضى الإقطاعيين ، أو بعد اضطراب هذه الأوضاع تماما فى عهد مبارك إثر انعقاد المؤتمر الدولى لهيكلة الزراعة المصرية فى فبراير 1992 والذى رافقه صدور قانون الإيجارات الزراعية الجديد رقم 96 لسنة 1992، أو فى فترة حمى تجريدهم من أراضيهم التى بدأت منذ السنوات الأولى للألفية الثالثة وما تلاها وظلت مستمرة حتى اشتعلت فى السنوات الثلاث الأخيرة ( 2013 – 2016).

وبقدر استطاعتنا فى تتبع الكيفية التى جرت بها – وتجرى –عمليات السطو على تلك الأراضى والأهداف التى تتجه نحوها؛ بقدر ما نسعى لتحديد العوامل والوسائل التى تساعد على كشفها ووقفها بغرض إنهاض الفلاحين والزراعة.

هذا وننبه إلى أن أبرز المخاطر المباشرة لتجريد الفلاحين من أراضيهم وإعادة تركيزها فى أيدى قلة من كبار ملاك الأرض وكبار الزراع والمستثمرين هو تفاقم أزمة الغذاء وبطالة الفلاحين وإضعاف عملية الإنتاج التى تساهم فى تدهور قيمة العملة المصرية خصوصا مع تعطل 4 آلاف مصنع وشركة صناعية عن الإنتاج بسبب الخصخصة؛ ومن ثم فى ارتفاع أسعار سلع وخدمات المعيشة الضرورية.. فضلا عن الآثار السلبية المعروفة لتركز الملكية على تقدم المجتمع.

ولما كان فقراء وصغار الفلاحين هم الفئة المنتجة للغذاء فى مصر إلى جانب جزء من متوسطى الفلاحين .. أولا لسد احتياجاتهم الغذائية وثانيا لتلبية الطلب على الاستهلاك المحلى ؛ فإن تجريدهم من الأرض يوقع الاقتصاد والشعب المصرى فى مصيدة المستوردين للغذاء وتجار الحبوب وهو هم ُّ لو تعلمون عظيم.. بينما كبار الزراع والملاك لا يمكن المغامرة بترك مهمة تغذية الشعب فى أيديهم ؛ فنشاطهم فى الزراعة متوقف على معدل الأرباح التى يجنونها منها .. فإن قلت أو صادفتها عقبات تحولوا إلى نشاط آخر وتركوا الزراعة وهو ما لا يحدث فى حالة تولى فقراء وصغار الفلاحين مهمة إنتاج الغذاء.

هذا ولأن تجريد الفلاحين عموما -ومنتفعى الإصلاح الزراعى خصوصا – من الأرض هوعملية لا تجرى من طرف واحد متمثل فى ( الدولة وورثة الإقطاعيين السابقين وعصابات السطو المنظمة على الأراضى) بل هى صراع بين هذا الطرف وبين الفلاحين .. وجبت الإشارة ولو بشكل موجز إلى عناصر الضعف والثغرات التى تكتنف مقاومة الفلاحين فى هذا الصراع الدامى وهى افتقاد الوعى والتنظيم.. وبالتبعية افتقاد الروح المقدامة فى الدفاع عن مورد رزقهم ومصدر حياتهم .

الأرض اللقيطة :

ثمرة الزاوج المباشر بين تهريب الأرض وفساد البعض من موظفى الإصلاح الزراعى وضباط الشرطة

فى ظهر السابع من يونيو 2010 التقيت لأول مرة فى القاهرة باثنين من فلاحى عزبة العمرية مركز دمنهور كانا هاربين من القرية بسبب مطاردة أحد ضباط الشرطة الكبار لهما ضمن رجال عائلة شهاب.

كان الضابط يدعى شراءه 6 أفدنة من ورثة عائلة نوار الإقطاعية من عدة شهور بعقد بيع ابتدائى.. بينما المطارَدون من آل شهاب يزرعون الأرض من منتصف القرن الماضى .. ولما شرع الضابط فى استدعائهم لمكتبه لإجبارهم على ترك الأرض.. غادروا القرية.

كان الضابط ( طارق هيكل ) رئيس فرع مباحث أمن الدولة فى البحيرة قد عرف– بحكم منصبه – قصة هذه الأرض وعقد العزم على اصطيادها من زارعيها الفقراء .

سألنى الفلاحان عن إمكانية اللجوء لحبيب العادلى وزير الداخلية آنذاك لشكاية ضابط أمن الدولة وطالبانى بمساعدتهما .
وفوجئا بردى الذى صدمهما : وهل سنشكوا اللص لشيخ المنصر..؟

فى الثالثة فجر اليوم التالى داهمت تجريدة ضخمة من مباحث البحيرة منازل عائلة شهاب حيث تلقى نساؤها وأطفالها علقة ساخنة مصحوبة بوابل من البذاءات والشتائم إزاء رفضهم الإفصاح عن أماكن اختفاء رجال العائلة.

وفى نفس التوقيت من صباح اليوم الثالث هاجمت قوة من الجنود مدججة بالسلاح والجرارات والبولدوزرات الأرض وأتلفت ما بها من مزروعات وأزالت الحدود بين حقولها وغيرت معالم الحوض بأكمله .. فعاودت النساء التصدى لها بشراسة .. حيث تم القبض على عدد منهن مع تلفيق بعض التهم التى منها الاعتداء على الشرطة.

وعلى الفور انتقل وفد من (أطباء مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب) إلى القرية وقام بمسح شامل لنساء العائلة وإصاباتهن وكتب تقريره الذى تم نشره بعدها بأيام.

وبتصاعد الأحداث والتحقيقات واكتشاف النيابة العامة لأبعاد وتفاصيل هذه الاعتداءات وكذا التلفيقات التى اكتنفتها تصاعدت حملة لجنة التضامن الفلاحى على ضابط أمن الدولة وبعض من ساعدوه فى هذه الحملة.. لقى فيها الفلاحون تعاطفا واضحا من كثير من سكان الريف والمهتمين بأمرهم.

ولأسباب شتى منها افتضاح أمر الضابط ؛ والانهاك الذى نال من الفلاحين خلال شهور المطاردة ؛ وصعوبة الحياة لأسر تعيش يوما بيوم من كد رجالها الغائبين ؛ وتحول القرية إلى ما يشبه الثكنة الشرطية حيث يتسكع المخبرون فيها ليل نهار يلتقطون الأخبار من أى شخص وأى مكان ويمارسون الابتزاز على الأهالى .

إزاء هذا كله تم التوصل إلى حل وسط بين ضابط أمن الدولة وآل شهاب باقتسام الأرض.. وكان ذلك الحل أشبه بنصف انتصار للفلاحين ونصف هزيمة للضابط وأجهزة أمن البحيرة.. التى دعمته.

وفى الرابع عشر من فبراير2011 قامت مجموعة مسلحة ببنادق الكلاشنكوف من أعوان الضابط بمهاجمة القرية فى سيارتين.. مطلقة وابلا من الرصاص على الأهالى وهى فى حالة غريبة من الهياج والعصبية ولسان حالها يقول: ” نحن هنا .. موجودون وأقوياء .. رغم أحداث ثورة 25 يناير “. تصور المعتدون أن هجومهم سيخلق حالة من الترويع والهلع فى صفوف الفلاحين ويدفعهم للاختباء؛ غير مدركين أن جماهير الريف تجمعها أصوات الرصاص.. وليس العكس ، وفى دقائق تحولت العزبة الصغيرة إلى حشود من آلاف الفلاحين هرعت من العزب المجاورة لتحاصر المعتدين .. الذين لم يجدوا مفرا سوى اللجوء إلى قصر الضابط المقام وسط الأرض المغتصبة وسوى إطلاق المزيد من الرصاص الذى أصاب أحد الفلاحين. وضاق الحصار عليهم مما اضطرهم لإشعال النار فى محتويات القصر ليتخذوا من دخانه ساترا للهرب من المنطقة.
ولأن هروبُهم استفز الفلاحين .. كان رد الفعل هو نزولهم إلى الأرض المغتصبة واستعادتها بكاملها.

يُذكر أن محاولة استيلاء ضابط أمن الدولة على أرض عائلة شهاب لم يكن الواقعة الوحيدة فى سجله فى العمرية.. بل سبقه من حوالى 5 -7 سنوات استيلاء آخر على ( 7 أفدنة ) من أرض عائلة ( عبد الله ) واستيلاء ثالث (4 أفدنة ) من أرض عائلة (الخويلدى).. والأهم أن مسئولى الزراعة والجمعية الزراعية تواطأوا مع الضابط وحيزوا الأرض – باسم والدته زينب مصطفى علام – فى سجلات الجمعية الزراعية.. وهو ما يعنى طردهم منها.

كذلك فقد قام ضابط آخر هو العميدعبد الرحمن العكازى – وكان مأمورا لمركز إيتاى البارود – بالاستيلاء بنفس الطريقة على 17 فدانا كان يزرعها فلاحون من عائلات المصرى والخويلدى وعبد الله فى نفس الزمام .. بعقد شراء مضروب .. إلا أنه لم يتمكن من استلام الأرض أو من تحييزها فى الجمعية الزراعية ، وكان ذلك هو الاختلاف بين حالته وحالة طارق هيكل .. نظراً لفارق الرتبة والمنصب والنفوذ .

تلك هى قصة فلاحى العمرية مع اثنين من كبار ضباط أمن البحيرة بإيجاز شديد أما عن القصة الحقيقية وعن مفاصلها فكانت كالآتى:

يدعى طارق هيكل أنه اشترى أرض عائلة شهاب ( 6 أفدنة ) من كل من نازك عبد الجواد نوار وإبراهيم أحمد نوار ولذا لجأت هيئة الدفاع عن الفلاحين بالبحث والتنقيب فى جذور ملكية نازك ، وإبراهيم اللذين يدعيان ملكية الأرض محل النزاع و” باعا ” الأرض المشار إليها لوالدة ضابط أمن الدولة ( زينب مصطفى علام ) وهو نفس ما فعله العميد عبد الرحمن العكازى ( الذى” اشترى” الأرض باسم زوجته ) وقد توصلت الهيئة للآتى:

أولا : العقود الرسمية فى زمامات العمرية والبرنوجى وحفص ونديبة مركز دمنهور محافظة البحيرة :
تم استخراج صور رسمية لأربعة عقود مسجلة تثبت بما لايدع مجالا للشك خلو الزمامات الأربعة من أية ملكية للمذكوريْن ( نازك وإبراهيم نوار) وهى:

•العقد رقم 361 المؤرخ 19 يناير 1926 .
•العقد رقم 967 المؤرخ 7 فبراير 1928 .
•العقد رقم 1928 المؤرخ 21 لإبريل 1931 .
•العقد رقم 381 المؤرخ 19 يناير 1932 .

ثانيا : شهادات القيود والشهادات السلبية وشهادات المطابقة فى زمام العمرية مركز دمنهور بحيرة.

* بتاريخ 9 نوفمبر 2009 تم استخراج شهادة بالقيود الواردة بالسجل العينى بدمنهور بصحيفة الوحدة العقارية [ ( أى القطعة ) رقم 770 / من 133 بحوض مزيد قسم ثان خيرى] تضمنت عددا من المالكين ليس منهم اسم أى من المذكوريْن ( نازك وإبراهيم ) .
(توضيح : شهادات القيود تتضمن ملكية الأشخاص المُستفسَر عنهم ومساحاتها ومواقعها تفصيلا).

* بتاريخ 29 سبتمبر 2010 تم استخراج شهادتين سلبيتين بأرقام 2970 ، 2971 لسنة 2010 تتعلقان بالمذكوريْن ( نازك وإبراهيم ) وتثبتان أن كلا منهما ليست له ملكية بزمام قرية العمرية مركز دمنهور وهو الزمام الذى يضم الأرض محل الصراع بين فلاحى العمرية (وتحديدا عائلات عبد اللاه والخويلدى وشهاب ) وبين بعض ضباط الشرطة ومنهم طارق هيكل وعبد الرحمن العكازى.
(توضيح : الشهادات السلبية هى التى تنص على عدم وجود ملكية للأشخاص المُستفسَر عنهم ).

* وتأيدت شهادة القيود السالفة بشهادة مطابقة من ذات السجل العينى بدمنهورعن ذات الوحدة العقارية [ ( القطعة ) 770 / من 133 بحوض مزيد قسم ثان خيرى ] بنفس الزمام وقيدت برقم 20605 بتاريخ 20 أكتوبر 2009؛ وهو ما يؤكد خلو زمام قرية العمرية / دمنهور / البحيرة من أية أملاك زراعية للمذكوريْن نازك وإبراهيم نوار اللذين يدعيان أنهما باعا المساحات محل النزاع إلى زينب مصطفى علام والدة طارق هيكل الرئيس السابق لفرع أمن الدولة بمحافظة البحيرة وزوجة اللواء متقاعد محمد رشدى هيكل بالقوات البحرية المصرية.
(توضيح : شهادات المطابقة تتضمن نصوصا تتطابق مع شهادات القيودعن ملكية الأشخاص المُستفسَر عنهم ) .

ثالثا حصر بأرقام القضايا والمحاضر وشكاوى للنائب العام:

*وبخلاف القضايا المنظورة حاليا أمام القضاء بأرقام 51 ، 70 ، 71 لسنة 2011 مدنى كلى دمنهور ، فإن الفلاحين قد حصلوا على حكم قضائى فى 28 مارس 2010 ضد أحد أفراد عائلة نوار ( عباس عبد الجواد نوار) فى الدعوى 107 / 2010 م.ك / مركز دمنهور.

*وهناك المحضر المجمع رقم 873 / 2011 نيابة مركز دمنهور الذى يضم كل التحقيقات فى البلاغات التى قدمها الفلاحون ضد طارق هيكل ووالدته بشأن الأرض محل النزاع وكذا العدوان المتكرر عليهم والبلاغات الكيدية التى استهدفت مطاردتهم وإجبارهم على التخلى عن أراضيهم.

*كذلك فقد تقدم الفلاحون للنائب العام بالشكوى رقم 2997 فى 23 /2 /2011 وللنيابة الإدارية بأرقام 910 ، 911 فى 14 /3 / 2011 .

* علاوة على المحضرين رقمى 4350 ، 4885 لسنة 2010 إدارى مركز شرطة دمنهور .

ويتضح من البندين أولا وثانيا أن من باعا الأرض ( نازك نوار وإبراهيم نوار) لوالدة ضابط أمن الدولة (زينب مصطفى علام ) لا يملكان سندا لملكيتها فكيف إذن تم بيعها؟ وإذا كان البائع لايملك سندا للملكية فهل يملك الشارى سندا بنقل مليتكها ؟ وبالتالى كيف تم تحييزها فى الجمعية الزراعية المختصة؟

إذن أين الحقيقة فى هذه القصة ..؟ :

*الأرض التى استولى عليها ضابط أمن الدولة ومأمور شرطة إيتاى البارود على مدى السنوات الـ 12 السابقة كانت فى حيازة أبناء عائلة نوار بلا سند ملكية وهو ما يعنى أن الحصول عليها تم بطرق غير مشروعة كالاغتصاب .

*وقد تضمن قانون الإصلاح الزراعى الأول مادة تتيح للإقطاعيين التصرف -خلال 5 سنوات بالبيع- فيما زاد عن الحد الأقصى للملكية لغير الأقارب ، تم مدها عامان آخران ، إلا أن آل نوار استهانوا بالقانون نظرا لأن القائمين بتطبيقه فى جهاز الدولة وقتها كانوا من رجالهم وصبيانهم- وهو ما تكرر فى معظم المحافظات التى طبق فيها قانون الإصلاح الزراعى- فماذا فعلوا..؟

* قرروا تهريب الأرض خصوصا التى ليست لها سندات ملكية ، واهتدوا إلى فكرة خبيثة هى (تأجيرها فى صمت وبشكل ودى) إلى عدد من الفلاحين المعدمين هم آباء وأجداد من يزرعونها حاليا. ولأن جبروت آل نوار كان شديدا ولأن الفلاحين مقهورون وضعفاء ومفتقدون للوعى ومحتاجون للأرض بينما أعدادهم تفوق كثيرا المساحات المعدة للتوزيع بموجب قانون الإصلاح وليس من المؤكد أن يحصلوا على أرض من الدولة.. لذلك وافقوا على استئجار الأرض بشكل ودى ( دون عقد إيجار مكتوب ) وتعهدوا بعدم الحديث عن ذلك خصوصا أمام سلطات الدولة والادعاء بأنهم حصلوا عليها بالميراث من آبائهم. وهكذا ظلوا يزرعونها بينما لا يعلم الحقيقة سواهم مع آل نوار ومن ساعدوا فى تهريبها من الموظفين فى الإصلاح الزراعى وفى مؤسسات الدولة الأخرى ذات الصلة بالأرض.

وظل الأمر طىّ الكتمان حتى تولى السادات مقاليد الحكم ولم يعد هناك خطر إن تسربت تلك الأخبار، وبعد صدور قانون رفع الحراسة 69 / لسنة 1974 كشف الإقطاعيون عن وجوههم وتصرفوا ليس باعتبارهم مهربين للأرض مخالفين للقانون بل باعتبارهم أصحاب حق مسلوب.. و” بعين جامدة “.

الشركاء الجدد لورثة الإقطاعيين:

بعد تولى مبارك الحكم وصدور قانون المالك والمستأجر ( 96 / لسنة 1992 ) وتطبيقه كانت أولى الأراضى التى ُطرد منها الفلاحون هى أراضى الإصلاح الزراعى بنوعيها ( الحراسة والاستيلاء) . وهنا تصور ورثة الإقطاعيين أنهم سيستردون كثيرا من أراضيهم إلا أن من ساعدوهم على تهريبها فى وقت سابق كان لهم رأى آخر يتمثل فى مقاسمتهم ثمن أو قيمة هذه الأرض المستردة من الفلاحين.
وحيث رضى كبارُ موظفى الإصلاح الزراعى وصغارُهم بمقابل نقدى لم يقنَع ضباط الشرطة بهذه القسمة وتعددت طرق القسمة وأشكالها .

أما ما حدث فى الأرض المهربة بالعمرية فله وضع مختلف:
فلأنها مهربة من قانون الإصلاح الزراعى فلا أثر لها فى سجلات هيئة الإصلاح الزراعى.
ولأن آل نوار لا يملكون لها سند ملكية ولم يضعوها فى إقراراتهم المقدمة للدولة فهى ليست أرضهم بل وأصبح وضعهم ضعيفا أمام الفلاحين المستأجرين لها وأمام الدولة وهيئة الإصلاح
ولأن الفلاحين لم يبلّغوا الدولة عنها ولم يحصلوا عليها من هيئة الإصلاح فهى ليست مدونة باسمهم لديها وليس لهم بخصوصها استمارات بحث اجتماعى تضعهم ضمن منتفعي الإصلاح.

باختصار هذه الأرض لقيطة ليس لها إسم أوعنوان .. ليست مسجلة باسم الإصلاح الزراعى ، ولا باسم آل نوار ، ولا مدونة باسم الفلاحين باعتبارهم منتفعى إصلاح زراعى.. وبالبحث عنها فى سجلات الشهر العقارى لن تجد لها أثرا.

وهنا أطبق عليها ضابط الشرطة الكبير( طارق هيكل ) – الذى عرف السر وظل صامتا ومنتظرا اللحظة المناسبة.. فماذا فعل..؟ :

عرف من خلال منصبه مَن الذى يزرع هذه المساحات من الفلاحين .. ومن الذى يؤجرها لهم من آل نوار بشكل ودى ويتلقى الإيجار. ولذلك:
* استدعى من يدّعون ملكيتها من آل نوار وكشف لهم حقيقة الأرض وأنهم لا يملكونها وقال لهم : بلاغ صغير لهيئة الإصلاح الزراعى أحيل حياتكم إلى جحيم .. ولذلك ما عليكم سوى بيعها لى. وهكذا دفع لهم ثمنا تافها وكتب فى عقد البيع أضعاف قيمته .. واشترى الفدان بثمن قيراط .

*بعدها استدعى من يزرعونها من الفلاحين وأطلعهم على عقد شرائها وطلب منهم مغادرتها بالحسنى وإلا بعثرهم فى أركان مصر..

*ثم أرسل للجمعية الزراعية لتسجيلها كحيازة له أى لوالدته.

*بل وقام ببناء قصر فخم عليها ومخزن لأنابيب البوتاجاز.

* وقدم طلبا لأجهزة المحافظة للحصول على ترخيص بإقامة ثلاجة خضر فى 1 يونيو 2010 قبل أسبوع من الهجوم على الفلاحات بعد منتصف الليل وقبل أن يشرع فى تغيير معالم الأرض بجرارات نائب الدائرة فى مجلس الشورى.

ويهمنا أن نوضح كيف ان الفلاحين – رغم مشاركتهم فى الصمت على جريمة تهريب الأرض – هم أقوى أطراف الصراع الثلاثة ( آل نوار ، ضابط أمن الدولة ، الفلاحون) ؛ فمن ناحية هم يزرعون الأرض ويضعون يدهم عليها طيلة نصف قرن، علاوة على أنهم الطرف الوحيد الذى يمتهن مهنة الزراعة ؛ وأن صمتهم كان صمت المرغم على مواصلة الحياة لأنه لاحياة لفلاح بلا أرض.

أما الطرف الثانى ( ضابط أمن الدولة ) فلقد هز كيانه ما نشر عن موضوع استيلائه على أرض مهربة من قانون الإصلاح الزراعى خصوصا وأن له سجلا فاضحا حافلا بالمخالفات المماثلة فى أوقات سابقة وفى أماكن متعددة، بالإضافة إلى أنه موظف عام وأقحم نفسه فى ارض تكتنفها نزاعات قضائية مخالفا بذلك نصوص القانون.. ولا يمتهن الزراعة، علاوة على أنه لايملك سنداً لملكية الأرض ، وقام بالبناء عليها بالمخالفة لقانون الزراعة وقانون البناء على الأرض الزراعية .

لكن الطرف الثالث فى الصراع ( آل نوار ) فكان أضعف الأطراف لأسباب كثيرة منها : أنهم لا يملكون سند ملكية للأرض ، ولو أصروا على أنها ملكيتهم وطالبوا بها فسيتم اعتبارهم مخالفين لقانون الإصلاح الزراعى وعقوبتهم بموجبه هى مصادرة الأرض – وهو ما هددهم به ضابط أمن الدولة – ولذلك نفذوا ماطلبه منهم ووقعوا على عقد بيعها فى صمت، علاوة على أنهم لا يمتهنون الزراعة ولايضعون يدهم على الأرض.

تدخل الجيش.. وتوصية من رئيس أركان القوات البحرية:

-فى أعقاب المعركة التى دارت يوم 14 فبراير 2011 بين المجموعة المسلحة التى أرسلها ضابط أمن الدولة وبين فلاحى العمرية والعزب المحيطة وانتهت بهروب المعتدين واسترداد الفلاحين لأراضيهم توجهت فى اليوم التالى 15 فبراير 2011 مجموعة من الشرطة العسكرية للقرية لاستطلاع الأمر استقبلها الفلاحون بحفاوة وتعاونوا معها وأطلعوها على ما حدث فى اليوم السابق وشرحوا لها الأبعاد الحقيقية والتاريخية لمشكلة الأرض والأساليب الوحشية التى استخدمها معهم رئيس المباحث السابق حتى طردهم من الأرض، كما ذكروا لها أن القضاء المدنى ينظر عدة قضايا مرفوعة أمامه بخصوصها .. وهو ما تم ذكره أعلاه فى البند ثالثا.

– وفى صباح الثلاثاء 22 مارس 2011 داهمت مجموعة مسلحة أخرى من أنصار طارق هيكل تضم والده وعددا من أقاربه وأنصاره ومعها مجموعة من الأفراد الذين يرتدون زيّا عسكريا ؛ وما أن دخلت القرية حتى أطلقت وابلا من الرصاص فى كل اتجاه .. وعلى الفور أدرك الفلاحون أن المعتدين عاودوا الهجوم عليهم لانتزاع الأرض مرة أخرى، لم يتصوروا بالمرة أن من يلبسون الزى العسكرى هم من أفراد القوات المسلحة.

لقد كان وجود والد طارق هيكل وأقاربه وأنصاره – الذين يعرف الفلاحون بعضهم – مع القوة العسكرية ودخولهم القرية وهم يطلقون الرصاص هو ما صور للفلاحين أن هؤلاء جميعا من أنصاره وأن الملابس العسكرية مجرد تمويه فوقفوا أمامهم محاولين منعهم من التقدم، وهو غير ما حدث يوم الزيارة الأولى للقوات المسلحة التى ذهبت لقرية العمرية فى 15 فبراير 2011 لاستطلاع الأحداث التى وقعت فى اليوم السابق.

– وفى بحر 15 دقيقة تم القبض العشوائى على خمسة من الفلاحين تصادف وجودهم فى أرضهم وهم
1- محمد عبد الله عبد الحليم. 2- شعبان عبد الله عبد الحليم. 3- حمادة ناصر عبد الحميد.
4- حلمى عبد الله عبد الحليم. 5- عبد الله عبد الحليم عبد اللاه.
ونقلوهم إلى مقر قيادة المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية .. ثم إلى سجن الحضرة وهناك تمت المحاكمة يوم 24 مارس 2011 ووجهت لهم التهم التالية:

التعدى على موظفين عموميين. 2- إتلاف قصر والدة طارق هيكل.3- اغتصاب أرض والدة طارق هيكل. 4- سرقة محتويات القصر.

وفى بحر 48 ساعة من القبض عليهم حكمت على الأربعة الأول بالسجن خمس سنوات وعلى الخامس بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ.

وقد أبدت هيئة الدفاع عن الفلاحين على المحاكمة العسكرية الملاحظات التالية:

أ- أنه لم يتم تمكينها من حضور المحاكمة رغم وجودها أمام أبواب السجن.
ب- كما أنها لم تتمكن من الحصول على فرصة لقراءة ملف القضية.
ت- وأن المتهمين الثلاثة الأول لم يكونوا فى موقع الأحداث التى جرت يوم 14 فبراير 2011 ولا يوجد شهود على وجودهم ؛ علاوة على أن حشود الفلاحين التى توافدت على القرية من القرى المجاورة بسبب طلقات الرصاص التى ملأت أسماعهم كانت بالآلاف فكيف يحاكمون بسبب تلك الأحداث التى لا يوجد شاهد إثبات واحد عليها.

• فالمتهم الأول محمد عبد الله عبد الحليم كان خارج مصر( فى ليبيا ) منذ 5 مارس 2008 وحتى 22 فبراير 2011 ؛ بينما الأحداث وقعت فى 14 فبراير 2011 كما هو مدون بجواز سفره رقم 1154259 الصادر من مكتب جوازات ( ج . م . ع 36 ) فى الصفحتين 29 ، 47 .
• والثانى شعبان عبد الله عبد الحليم كان فى نوبة عمل كخفير نظامى تابع للدولة.
• والثالث حمادة ناصر عبد الحميد كان فى نوبة عمل فى مخبز عبد الحميد عرفات بشارع 23 يولية بمدينة دمنهور على بعد عشرة كيلومترات من قرية العمرية.
ث- أن النزاع حول الأرض منظور أمام القضاء المدنى منذ فترة وقبل أن يتدخل القضاء العسكرى فيه ؛ والقانون المصرى لا يجيز للقضاء العسكرى التدخل طالما الأمر منظور أمام أى نوع آخر من القضاء.
ج- والمفاجأة الأهم أن القوات المسلحة تدخلت فى المشكلة بالصورة التى تمت يوم 22 مارس 2011 بعد أن وصلتها توصية من رئيس أركان القوات البحرية (الأدميرال أسامة الجندى) لصالح والدة طارق هيكل لأن والده كان ضابطا سابقا بالقوات البحرية، والأهم أن هذه التوصية مرفقة بملف القضية وهى مليئة بالمعلومات المغلوطة التى قدمها ضابط البحرية السابق لرئيس أركان القوات البحرية برقم 306 /2301 ومؤرخة بتاريخ 7 مارس 2011.

المفاجأة الكبرى فى استئناف المحاكمة العسكرية لفلاحى العمرية :

بعد أن نظرت المحكمة العسكرية العليا استئناف (التماس) الفلاحين المحبوسين ضد الحكم الصادر ضدهم من محكمة أول درجة العسكرية .. قضت ببراءتهم من كل التهم المتعلقة بالأرض والقصر والسرقة ؛ ولأنهم قضوا فى السجن سنة كاملة ( مارس 2011- مارس 2012) دون ذنب ويحق لهم فى حالة البراءة المطالبة بتعويض عن حبسهم فقد قررت معاقبتهم بتهمة التعدى على موظفين عموميين ..وتم الإفراج عنهم فى أعقاب صدور الحكم.

ملاحظة :
*وفى نفس اليوم 22 مارس تكرر فى إحدى عزب المعمورة (عزبة حوض 13 ) نفس ما جرى فى العمرية تماما وتم التحقيق فى النيابة العسكرية بالإسكندرية مع فلاحى العزبة وحكم عليهم فى نفس الجلسة بنفس الأحكام.

*وفى يومى 15، 21 ، 23 مايو ، 6 يونيو 2011 قامت قوة من القوات المسلحة والشرطة والمسطحات المائية بالفيوم ( مصفحة وشاحنتى جنود) بتجريف أربعة أفدنة مزروعة بالأرز فى قريتى منشية ربيع وقلهانة تخص الفلاح عاطف محمد فيصل الذى تم القبض عليه مرتين بدعوى مخالفته ( لقرار منع زراعة الأرز بالفيوم ) وقد أفرجت عنه النيابة مرة بلا ضمان ومرة بكفالة ، ولم يشفع له حصول فلاحى المحافظة عام 2009 على حكم قضائى بوقف القرار بعد صدوره فى عام 2008 .

حالة أخرى لتهريب الأرض بطلها رجل قضاء سابق:

بتاريخ الإثنين 20 يونيو 2011 نشرت صفحة الفلاحين بجريدة الأهرام المسائى خبرا ملخصه :

-فى زمام عزبة سلامة مركز دمنهور التابعة للجمعية الزراعية لقرية نديبة – معقل عائلة نوار الإقطاعية –صادرت الدولة 300 فدان من أرض العائلة تم تسجيلها باسم هيئة الإصلاح الزراعى فى الشهر العقارى برقم 5371 بتاريخ 3 ديسمبر 1962 .

-من هذه المساحة كانت زهرة محمد إمام الابيارى – زوجة محمد على عيسى نوار – تمتلك قبل المصادرة ( 13 فدان ، 9 قراريط ، 18 سهما بحوض المشاق رقم 1 ورقم 2 بالقطعتين 19 ، 67 ).

-ورغم أن الـ 300 فدان ليست أرض حراسة بل تصنف كأرض استيلاء وتم نقل ملكيتها للدولة فقد تمكنت العائلة الإقطاعية بمساعدة موظفى الإصلاح الزراعى بالبحيرة من استخراج قرار إفراج لها. وبذلك تحول الفلاحون الزارعون لها – والذين يدفعون أقساط تملكها لهيئة الإصلاح – تحولوا من ملاك إلى مستأجرين.

-فى عام 1997وبعد صدور قانون الإيجارات الجديد ( 96 سنة 1992) أعاد أفراد الأسرة الإقطاعية بمساعدة الجمعية الزراعية تأجيرها للفلاحين من جديد ومع عقود الإيجار الجديدة حصلوا على إيصالات أمانة بمبالغ باهظة لشل يد الفلاحين عن المقاومة مستقبلا .

-وفى عام 2008 قام ورثة زهرة الابيارى ببيع سبعة أفدنة ونصف من الـ 13 فدان إلى المستشار محمد سمير إبراهيم نوار الذى حاول طرد الفلاحين منها . ففى 13 إبريل 2011 استصدر قرار تمكين من النيابة العامة برقم 7 لتنفيذ عملية الطرد مدعيا اغتصاب الفلاحين لأرضه وإتلافهم لمحاصيله المنزرعة بها مع أن قدَمَه لم تطأ الأرض منذ قيامه بـ “شرائها “؛ وفى نفس الوقت قام ورثة زهرة الابيارى بشكاية الفلاحين بإيصالات الأمانة .. بل وشاركت النيابة العسكرية فى التحقيقات رغم مخالفة ذلك للقانون حيث أن القضاء المدنى ينظر عددا من الدعاوى القضائية المتبادلة بين الفلاحين وورثة زهرة الابيارى والمستشار محمد سمير نوار بشأن الأرض.

والأسئلة التى يطرحها هذا الموضوع هى :

كيف تم الإفراج عن الأرض المسجلة باسم هيئة الإصلاح الزراعى..؟
وكيف قام المستشار رجل القضاء بشراء أرض من غير مالكها ويعرف مقدما وأكثر من غيره أنها مسجلة لمالك آخر ؟ وكيف يخالف القانون ويدخل فى أمر تكتنفه نزاعات قضائية متعددة ومعلنة..؟
وكيف أصدر المحامى العام بدمنهور قرارا بتمكين المستشار ” المشترى” بينما العقار محل “الشراء ” مملوك لغير من باعه حيث تقدم الفلاحون بشهادة عقارية تتضمن ملكية الإصلاح الزراعى للأرض؟

ضباط الشرطة بين دورهم الوظيفى وأطماعهم الشخصية :

وإضافة لما ذكر فى هذا التقرير من وقائع سابقة شارك فيها جهاز الشرطة مشاركة عملية وفعالة تتسم بالوحشية نضيف الوقائع التالية:

-فى 4 يونيو 2008 بعزبة البارودى مركز الرحمانية تدخلت شرطة البحيرة لصالح شيخ بلدة محلة ثابت الذى حصل على حكم مزيف لصالحه بعد أن اصطنع أختاما مزورة بأسماء 17 فلاحا من خلف ظهرهم ولفق لهم عقود إيجار لا يعلمون عنها شيئا باعتباره مالكا لأرضهم بينما هى أرض الإصلاح الزراعى.. وطردهم منها بعد مجزرة أصيبت فيها النساء من السحل فى الشوارع أكثر من الرجال وألقى القبض على 13 فلاحا ولفقت لهم تهم مقاومة السلطات واغتصاب ملكية الغير.

-وفى 17 يونيو 2008 وبعد أن فشل بدر أبو خيار فى إقناع فلاحي عزبة محرم -المجاورة لعزبة البارودى- بشرائه أرض الإصلاح الزراعى التى يزرعونها.. استدرجت الشرطة عن طريق العمدة ثلاثة فلاحين منهم إلى مديرية أمن البحيرة بدعوى التفاوض حول الموضوع ، وهناك تم إجبارهم على توقيع عقود إيجار باعتبار بدر أبو خيار مالكا لأراضيهم؛ وبعدها قامت الشرطة بتجريدة ضخمة على القرية واغتصبت أرض حوالى40 فلاحا – وليس أرض الثلاثة الذين جرى استدراجهم – بعد معركة دامية، كما تم القبض على صحفى جريدة الفجر( كمال مراد ) الذي حضر لتغطية الأحداث والاعتداء عليه وحبسه يومين وتقديمه للنيابة بتهمة مقاومة السلطات والاعتداء على الشرطة مع عدد آخر من الفلاحين. ( الرابط :tadamon.katib.org/2008/06 ).

موقف جهاز الشرطة مقارنا بموقف اللواء ضياء الدين:

خلال عملها طيلة عاما 12.. لم تصادف لجنة التضامن الفلاحى .. لضباط الشرطة موقفا منصفا للفلاحين أولقانون الإصلاح الزراعى سوى فى حالة واحدة هى حالة اللواء أحمد ضياء الدين مدير الشئون القانونية بوزارة الداخلية عام 2007 . فقد رفض تنفيذ حكم قضائى يعلم أنه مشوب بالبطلان لصالح بعض ورثة عائلة الفقى بالمنوفية أما بقية الحالات- وما أكثرها- فهى فى مواجهة الفلاحين وقانون الإصلاح. والجديد فى الأمر أن ضباط الشرطة لم يكتفوا بدورهم كجهاز أمنى فى مناصرة ورثة الإقطاعيين وعصابات السطو المنظمة على الأراضى كفئة طفيلية دموية التاريخ كريهة الرائحة فى المجتمع تأخذ منه ولا تضيف له ؛ بل تشكلت لديهم كأفراد ذوى نفوذ.. مطامع ومصالح شخصية متوحشة ساهمت فى مزيد من تلطيخ سمعة جهازهم وتمريغها فى الوحل أكثر مما هى عليه. والمثال الأبرز فى هذا المجال هو طارق هيكل ضابط أمن الدولة بالبحيرة وعبد الرحمن العكازى المأمور السابق لمركز إيتاى البارود بعزبة العمرية وأبناء بدر أبوخيارالضابطين بمديرية أمن البحيرة (بعزبة محرم 2008 ) وآخرين سيرد ذكرهم.

المطامع الخاصة وتجارة الأراضى:

ولم يكن لتلك المطامع المتوحشة أن تظهر وتتألق إلا فى ظل ثقافة معادية للفقراء ومناخ قائم على التمييز بين المواطنين استنادا لحجم الثروة والمستوى الاجتماعى ، وإلا إذا تدربت لسنوات فى جهاز الشرطة على العدوان على الفقراء ومنهم فلاحى الإصلاح و طردهم من أراضيهم وهدم منازلهم على رءوسهم كما حدث فى منطقة طوسون و عزب المعمورة بالإسكندرية ، وعزب محرم والبارودى وسراندو وكوم المناصير بالبحيرة ، ودكرنس وسرسو بالدقهلية .. ليس هذا فحسب بل تطور الأمر إلى حد المتاجرة فى الأراضى التى يتم التكويش عليها كما حدث من جمعية البناء والإسكان لضباط أمن الدولة بالإسكندرية عندما سطت على أرض فلاحى الإصلاح الزراعى بالمعمورة بعُشْر ثمنها ثم باعتها بعد شهور معدودة للجمعية التعاونية للبترول بثلاثة أضعاف ثمن” شرائها ” من هيئة الأوقاف التى لا تملكها.

وتجارة الأراضى هى النتيجة المباشرة للعلاقة بين فساد الكبار وخصوصا ضباط الشرطة المكلفين بضبط الانحراف.. وخرق قانون الزراعة وتبوير الأراضى .. وتواطؤ إدارات حماية الأراضى.. وفساد الجمعيات الزراعية.

ولا يمكن لأى مراقب منصف وهو يتابع تاريخ جهاز الشرطة فى صلته بالفلاحين وأراضى الإصلاح الزراعى إلا أن يتيقن أنه جهاز معادى لهم وللفقراء عموما حتى قبل أن تتفاقم جرائم أمناء الشرطة و تشمل المستشفيات والأسواق ومواقف السيارات وأقسام الشرطة وغيرها.

وسطاء فى تجارة الأراضى أم سواتر للكبار..؟

شاع فى القرى التابعة للعمرية والبرنوجى ودنيبة منذ قرابة العام أن طارق هيكل قد باع أرض العمرية – التى ادعى شراءها من نازك وإبراهيم نوار وفشل فى طرد عائلة شهاب منها – إلى كل من العميد أشرف عبد الله مسعود مأمور قسم المنشية بالإسكندرية وعلاء الشرقاوى أحد سماسرة الأراضى المعروفين فى المنطقة.. ومنذ ذلك التوقيت يذهب الوسطاء والمراسيل ويجيئون لمساومة الفلاحين على شراء الأرض اللقيطة التى ليس لها مستندات ملكية فى مصر كلها . وقد وقع فى هذا الشرك بعضهم وأبرموا عقود ” شراء ابتدائية ” اتقاء لشرهم وتجنبا لمطاردتهم لهم ، لكن البعض الآخر لم يتخذ قرارا بعد.

هذا ويفيد صبرى شهاب أن شقيق الضابط أشرف عبدلله مسعود قد التقى به عدة مرات وعرض عليه شراء مساحة 8 قراريط من الأرض الزراعية موضوع النزاع بسعر مائة ألف جنيه للقيراط بينما السعرالسارى فى المنطقة هو( 10-12) ألف جنيه للقيراط مما دفع صبرى لرفض العرض .

من جانب آخر أفاد بعض فلاحي العمرية أن علاء الشرقاوى ذكر مؤخرا لبعضهم خلال مساومة تتصل بالأرض ” أنه سيبيعها لشخص لن يجرؤ أحد على الاقتراب منه ” ، وهو ما يعنى أن الفلاحين لن يستطيعوا حتى مساومة المالك القادم للأرض . ومهما يكن قصد الشرقاوى من هذا التهديد المقنّع .. سواء بأن هناك مالكا آخر للأرض يختفى وراء الشرقاوى سيظهر فى الوقت المناسب أو أنه يضغط على محدثه للإسراع بشراء الأرض بالسعر الذى يطلبه الشرقاوى؛ فالمؤكد أن الشرقاوى لا يلعب دور السمسار فقط وأن هناك فعلا آخرون يقفون خلفه ربما لا نعرفعهم وربما نعرفهم منذ بدأت المعركة على الأرض .. وربما طارق هيكل.. الذى يريد الخروج من الصفقة.. ” الورطة ” بأقل الخسائر.

عن سوق ماشية دمنهور وأرض قرطسا وطاموس:

كان للثالوث أشرف عبدالله مأمور شرطة المنشية والمستشار أحمد الطنيخى ضابط الشرطة السابق وعلاء الشرقاوى.. صلة وثيقة بأرض محمد حافظ ثابت (التابعة لجمعية قرطسا وطاموس) التى كان يستأجرها الفلاحون ويرفضون التخلى عنها( استئجارا أو شراء ) والتى تسبب الخلاف حولها فى تعطيل العمل بسوق المواشى بدمنهورعدة مرات مما دفع الشرطة للتدخل فى المفاوضات الدائرة حول الأرض بقرية الحبشى. وحيث يستأجر الشرقاوى وشقيقه من المحافظة سوق الماشية القريب من أرض محمد حافظ ويملكون قطعة أرض زراعية ( 6 أفدنة ) تحيط به لذا اكتسبت أرض محمد حافظ ( 32 فدان ) أهمية بالغة يالنسبة لهذا الثالوث.. فهى من وجهة النظر التجارية مساحة مناسبة لمدينة سكنية قريبة من عاصمة المحافظة ولا يفصلها عن طريق القاهرة الإسكندرية سوى كيلومترات ومجرد الإعلان عن بنائها كفيل بتهافت الكثيرين على شراء وحداتها السكنية و الخدمية ومن هنا كانت استماتة الشرقاوى وشريكيه على أرض قرطسا وطاموس.

كما يرجَح أن الشرقاوى ضالع فى معظم العمليات الخاصة بالتجارة فى أراضى الفلاحين فى هذه المنطقة القريبة من دمنهور والتى تكتنفها مشكلات قانونية أو يكون المتلمظون عليها شخصيات ذات حيثية ويشكل ظهورها المباشر مخاطر أو حرجا لهم أو للدولة ؛ ولذا يحتاجون إلى برفان أو ساتر لحجبهم عن الأنظار حتى يتم إنجاز تلك العمليات. وهذا بالتحديد هو الدور الذى تحتاجه على الدوام عصابات السطو المنظمة على الأراضى ( إدارة العمليات القذرة وإخفاء أصحاب المصالح عن الجمهور والرأى العام ).. ولا نستبعد أن يكون ذلك هو ما أدى لظهوره وأشرف عبد الله فى أرض العمرية خلال العام الأخير.

نماذج حية من الاستيلاء على أراضى الإصلاح الزراعى من” حماة القانون “:

( الرابط : ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=419116 )
لقد شاركت 6 جمعيات إسكان لهيئات شرطية وقضائية فى اقتناص أراضى فلاحى الإصلاح الزراعى بعزب المعمورة منها 4 شرطية حصلت على 31 فدانا وهى :

جمعية الأمل لضباط شرطة الإسكندرية مشهرة برقم 267 / 2007 ، الجمعية التعاونية للبناء والإسكان لمباحث أمن الدولة بالإسكندرية مشهرة برقم 238/ 1997، الجمعية التعاونية للبناء والإسكان لضباط الشرطة وعائلاتهم بكفر الشيخ، جمعية الحسام التعاونية للبناء والإسكان للقضاء الشرطى العسكرى.

واثنتان قضائيتان حصلت على 30 فدانا وهما:
الجمعية الاجتماعية لقضاة محكمة النقض مشهرة برقم 6946 / 2007 ، و صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية بوزارة العدل.

وبخلاف ما اكتنف عملية انتزاع الأرض من الفلاحين من مخالفات قانونية صارخة واعتداءات وهدم منازل واغتيال.. فجميع هذه الجمعيات خرقت القانون فى موضعين : الأول هو شراء عقارات خاضعة لنزاع قضائى ، والثانى : تبوير أرض زراعية والبناء عليها.

من جانب آخر أفاد أحد أهالى منطقة طوسون المجاورة لمنطقة المعمورة بشرق الإسكندرية والتى هَدم منازلها عادل لبيب محافظ الإسكندرية ( ضابط أمن الدولة السابق) فوق رءوس سكانها فى مايو 2008 فى مساحة تبلغ 38 فدانا ؛ أفاد [ أنه بعد إجراء عملية الهدم بفترة قصيرة شاهدت بنفسى سيارة شيروكى ينزل منها اللواء عمر سليمان برفقة بهاء عطا سليم أمين الفلاحين بالحزب الوطنى وهشام طلعت مصطفى المقاول المعروف وأخذوا يتفقدون منطقة الهدم وما حولها .. بعدها غادروا المكان ] .
ومن الطبيعى أنهم لم يحضروا للاطمئنان على سلامة سكان المنطقة وإلا لنفذت الدولة حكم القضاء الصادر (بوقف هدم مساكن طوسون وإزالة ماترتب عليه من آثار) سنتين كاملتين ..حتى قام الأهالى بتنفيذه بأنفسهم فى ظهر يوم 28 يناير 2011.

خاتمة :

يشكل ضيق الرقعة الزراعة معضلة حقيقية أمام إنتاج الغذاء والتوسع العمرانى ، وبينما يشكل إنتاج الغذاء الأولوية عند من يعملون لرفعة هذا الوطن.. يرى آخرون أن التوسع العمرانى هو الأدعى بالاهتمام لأنه يخدم مصالحهم الضيقة.

ورغم أن الدستور المصرى ينص على حماية الرقعة الزراعية من التآكل والهدر إلا أن واقع الحال يختلف عن ذلك على الأقل فى الأرياف استنادا لما عرضناه فى هذا التقرير من تكالب على الأرض الزراعية واستماتة فى تجريدها من منتجى الغذاء ( الفلاحين).. فضلا عن تركيزها فى أيدى عدد محدود من الملاك والمستثمرين.. وهو ما يمكن إيجازه فى أن السياسة العامة لها اليد الطولى والدور الأساسى فى تسيير دفة المجتمع وليس الدستور والقوانين المترجمة له.

هذا وقد تعرضنا فى هذا الجزء لنشاط محموم آخذٍ فى التزايد يتعلق بالتجارة فى الأراضى الزراعية والتخطيط لتحويلها إلى أراض للبناء . وفى تقديرنا أنه حيث تتراجع قطاعات الإنتاج فى مصر تتزايد وتنشط قطاعات التوزيع والوساطة ومنها تجارة الأراضى الزراعية وتحديدا أراضى الإصلاح الزراعى التى يمثل فلاحوها ” الحيطة الواطية” فى السلم الاجتماعى فى الريف.

فالوساطة ( السمسرة ) والتجارة – رغم أهميتهما النسبية – مهن غير منتجة ، وفى المجتمعات القوية اقتصاديا تنخفض أعدادالعاملين فيها منسوبة إلى أعداد العاملين فى قطاعات الإنتاج المختلفة ، والعكس صحيح فى المجتمعات المتخلفة.

هذا ونشير إلى أن تقسيم العمل الدولى الراهن يعمل على تأبيد هذا الوضع لصالح المجتمعات المتطورة صناعيا باعتبار أنها تنتج لسوقها ولأسواق البلدان المتخلفة ومن ثم يقتصر دورنا على الترويج للمنتجات الأجنبية وتوزيعها.. ومعها نصرف النظر عن الاهتمام بإنتاجنا لذا تتزايد كل يوم أعداد ” البياعين ” فى بلادنا ؛ فهم على أرصفة الشوارع وفى برامج التليفزيون و شاشات الكمبيوتر من ناحية ، ومن ناحية أخرى – ونظرا لضعف الإنتاج- تتدهور العملة المحلية وبالتالى ترتفع أسعارسلع وخدمات المعيشة الضرورية.

الحل المقترح لمواجهة تهريب أراضى الإصلاح الزراعى:

هذا ونرى حلا لهذا الصراع الدائر بشأن أراضى الإصلاح الزراعى ما يلى:
تشكيل لجنة للتوصل إلى الحقيقة بشأن المساحات التى تحت يد العائلات الإقطاعية ، وفى حالتنا هذه ..عائلة نوار( تتكون من 41 أسرة ) التى خضعت لتطبيق قانون الإصلاح الزراعى فى الستينات وفرضت الحراسة على أراضى الاحتفاظ التى تخصها ؛ مع اتخاذ الخطوات التالية :

1-أن تتشكل اللجنة من أشخاص لايعملون ولم يسبق لهم العمل بالإصلاح الزراعى بالبحيرة.. أسوة بما حدث فى عام 1961 فى قرية كمشيش منوفية التى ظل الإقطاع فيها متهربا من تطبيق قانون الإصلاح الزراعى لمدة تسع سنوات ولم يتم كشفه إلا بلجنة محايدة برئاسة سعيد كمال بعيدا عن موظفى الإصلاح الزراعى بالمنوفية.

2-فحص قرارات الاستيلاء( المصادرة ) الأصلية والموجودة بمقرالهيئة بالقاهرة وكذلك قرارات الإفراج عن كل أراضى الحراسة وعدم الاعتماد على أية صور بديلة لها بمديرية الإصلاح بالبحيرة أو بمنطقة الإصلاح بالأبعادية.

3-مطابقة المساحات المصادرة ( الاستيلاء ) بقوانين الإصلاح بأسماء ومساحات المنتفعين الذين وزعت عليهم الأرض بنظام التمليك استنادا إلى استمارات البحث الاجتماعى وكشوفها بالهيئة وكذا مطابقة المساحات التى وضعت تحت الحراسة بأسماء المنتفعين الذين وزعت عليهم بنظام الإيجار فى أعقاب فرض الحراسة.

4- المعاينة على الطبيعة لمطابقة ماهو مدون بسجلات الهيئة بالقاهرة بما هو موجود فى الواقع، ويا حبذا لو قورن بسجلات الإصلاح بالبحيرة .

5- مقارنة المساحات المدونة بقرارات الإفراج الأصلية بالمساحات التى استردتها عائلة نوار على الطبيعة.

6-تحرير عقود التمليك فورا لمن يثبت وفاؤه بكامل ثمن الأرض ، أو استكمال ثمنها مقومة بأسعار اليوم ثم تحرير عقد التمليك ، واستعادة ما اغتصب من المنتفعين من أراض وتطبيق نفس القاعدة عليها لحين تحرير عقود التمليك.

7- وفى حالات الأرض المهربة والموجودة تحت يد الفلاحين مثل بعض أراضى العمرية ؛ يجرى تمليكها لهم بدفع أقساط ثمنها مقومة بأسعار اليوم على أن تحرر لهم عقود تمليكها فور الانتهاء من دفع كامل الثمن.

الجمعة 16 سبتمبر 2016 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر