سياسة – tadamon http://tadamon.katib.org موقع آخر في مدونات كاتب Tue, 15 Jan 2019 17:54:30 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=5.0.3 قراءة جديدة لوقائع قديمة في ألمانيا الغربية ( 3-3) http://tadamon.katib.org/2019/01/15/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%84%d9%88%d9%82%d8%a7%d8%a6%d8%b9-%d9%82%d8%af%d9%8a%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84/ http://tadamon.katib.org/2019/01/15/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%84%d9%88%d9%82%d8%a7%d8%a6%d8%b9-%d9%82%d8%af%d9%8a%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84/#respond Tue, 15 Jan 2019 17:54:30 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1278 تمهيد لا بد منه :

تضمن الجزآن الأول والثاني من ( رحلتي لألمانيا الغربية عام 1964 ) العبارتين التاليتين:

•[ شتان الفارق في الكتابة بين شاب صغير وشيخ مسن حتي لو كانا نفس الشخص.]
•[إن الصياغة هي الشئ الوحيد في عملية الكتابة الذي لا يمكن السيطرة عليها بإحكام مطلق؛ مهما كانت كفاءة صاحبها حتى لو كانت تتعلق بموضوع تمت كتابته مرتين يفصل بينهما شهر واحد لأنها لصيقة بعمر الإنسان وحالته المزاجية.]

وهو ما أود تذكير القارئ به ليتفهم لمَ عرضتُ التجربة كما جرت وقائعها وأحداثها في البداية ؛ ولماذا استكملتها بهذا الجزء الأخير الذى يبرز الفارق في الظروف والتناول بين مرحلتين في عمر الإنسان..؟ فالوقائع ثابتة لكن المتغير هنا هو ما أضافه لي الزمن .

كذلك فقد سعينا في تلك القراءة لتناول قضايا عامة تتصل بطبيعة الأفراد والمجتمعات التي يشملها أطراف الرحلة التدريبية، وللأفكار والسياسات التي تحكمها سواء بشكل مباشر أو موازي، وكذلك للمنطق الذي حكمَنا في تناول تلك القضايا والمجتمعات محل المناقشة. وقد يبدو للقارئ أننا جنحنا بعيدا عن الرحلة لكن الحقيقة أننا استعنّا ببعض الأمثلة من مجتمعات أخري ولقضايا نوعية لتبيان ما نقصده بدقة.

عن هلع الألمان فور سماعهم اسم الفوهرر(Führer ) .. واستغراب المصريين :

عندما كان يلتقي بعض المصريين في رحلتنا عام 1964 مع عدد من الألمان في تجمع عابر أو بالمصادفة ويأتي اسم الزعيم أدولف هتلر (Adolf Hitler )؛ أو يخطر ببال أحدنا الاستفسار عن دلالة الصليب المعقوف (Creutz Gebeuget ).. ولو بشكل عارض .. ينفضُّ ذلك التجمع في التو واللحظة بشكل يشابه تسامى كرة من النفتالين في تحولها من جسم صلب إلي غاز دون المرور علي الحالة السائلة.

كان الاسم مثار هلع شديد للألمان بما يعنيه ذلك من استحضار لتاريخ بائس قريب ؛ قوامه الحرب وتدمير ألمانيا ونصف أوربا ؛ علاوة علي خشية المتجمعين من المسئولية باعتبار ذلك نوعا من الحنين لزعيم مس أفئدة غالبية الألمان – في لحظات استثنائية – بالرغم مما أفضت له سياساته من تسوية كل التقدم الصناعي والزراعي والعسكرى والهيبة السياسية لألمانيا بالأرض ..وهو ما استلزم إعادة البناء من جديد ؛ ناهيك عن تضميد جراح وأحزان اليتامي والثكالي والأرامل والمشردين.
باختصار كان الجمع ينفضّ فورا وبلا مقدمات أو شروح.. وهو ما أثار لدي المتدربين المصريين أسئلة لا تجد جوابا واضحا.

ولكي ندرك ذلك بشئ من التفصيل لابد من البحث في التاريخ والإجابة بالتدريج عن الأسئلة التالية لمعرفة ما الذي كان يحكم الألمان والمصريين- من اعتبارات- خلال الفترة التي قضينا فيها 7 شهور تبدأ من مارس 1964.

س1 :
لماذا يختلف تقييم الوقائع في زمن عنه في زمن تال ( آخر) وإبان الشباب عنه في مرحلة الشيخوخة..؟

ج1 :
من البديهي أن أية وقائع تجري في مكان محدد ( ألمانيا الغربية ) في فترة زمنية محددة ( 1964) هي بنت ذلك الزمن بشخوصه التي كانت أطرافا فيها ؛ وبالقوى الاجتماعية الموجودة ؛ وبالتيارات السياسية السائدة وبالأحزاب الممثلة لها؛ وبالظروف والأوضاع العامة للمجتمع بل وبالظروف المحيطة بالدائرة الأوسع كالدول المجاورة والمؤثرة وبالاتفاقيات التي تم إبرامها بين الدولة المعنية ( ألمانيا ) وتلك الدول . وشتان الوضع آنذاك ( 1964) أي بعد الحرب العالمية الثانية وبين الوضع الراهن ( 2019).

فالحزب النازي الحاكم لقي هزيمة عسكرية منكرة – بعد أن غزا نصف أوربا واحتلها – أدت لانهيار اقتصادي وهزيمة سياسية لم تحدث من قبل؛ فانتحر زعيمه ؛ واختفي بعض قادته من ألمانيا وتشتت أعضاؤه ما بين مستسلم ومستنكر ونادم ومتشبث بسياسة الحزب بينما لقي معظم هؤلاء وغيرهم الموت. فضلا عن حملة استمرت أعواما لمطاردة فلوله داخل ألمانيا وخارجها.. وقد صاحبها حملة إعلامية مهووسة نكلت بهم معنويا في وسائل الدعاية الأوربية والأمريكية . إلا أن هؤلاء جميعا لم يشكلوا سوى نسبة محدودة من الشعب الألماني ؛ بما يعني أن أغلبية الشعب من المواطنين هم من عانوا من آثار الحرب دون أن يكون لهم دخل في إشعالها .. بل- علي العكس- كانوا وقودها في الجيش والمصانع. ففقدوا أعمالهم بسبب تدمير كثير من مقومات الاقتصاد كما فقدوا منازلهم ومدارسهم ودخولهم وباتوا في وضع المشردين.

وبعد ذلك لم يكن طريقهم لترميم وطنهم وإعادة بنائه وتعميره مفروشا بالورود ؛ بل كانت اتفاقيات الصلح – والإذعان- التي أُبرِمت بين ألمانيا وأعدائها مهينة وخانقة مصحوبة بحالة من الثأر والتشفي خصوصا فيما أتاحته – في ظل احتلالها من أربعة دول – من اغتصاب للنساء وتشغيل للأطفال بشكل أقرب للسخرة.
فمثلا – وفي ظل احتلال ثقيل الوطأة من 4 دول- تم تحديد أعداد الجيش الألماني وصاحبه تدمير آلاف المصانع( 1500 مصنع ) للأسلحة والصناعة الثقيلة؛ علاوة علي انفصال الجزء الشرقي منها مكونا جمهورية ألمانيا الاشتراكية؛ وضم مقاطعة الإلزاس/ اللورين لفرنسا ؛ ومقاطعة ( سوديت ) لتشيكوسلوفاكيا ؛ بينما خضع إقليم ( سارا) للإشراف الفرنسي وحُرِم سكانُه الألمان الذين فروا منه ( حوالي 10 مليون ) من العودة له. هذا إضافة إلى فصل النمسا – التي كانت جزءا من ألمانيا قبيل الحرب- عنها وتقسيمها لأربعة أجزاء محتلة من التحالف الأمريكي الفرنسي البريطاني ..وهكذا.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وُقّعت جزاءات ثأرية بديون – تدفعها ألمانيا – المدمَّرة – لفرنسا والاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة الأمريكية – تبلغ بأسعار اليوم ما يتجاوز مائة وخمسة وعشرين مليار دولار.

لقد كان لممارسات الشهور الأخيرة في الحرب – عندما مالت الكفة ضد الألمان – آثارٌ نفسية ومعنوية هائلة تبعها – بعد الحرب – غرور و( تعالي) تمارسه الدول المنتصرة انعكس علي الشعب الألماني في ردود أفعال متحفظة إزاء الأجانب عموما امتد علي استقامته- فيما بعد – ليغدو تعاليا ألمانيا شديدا علي أبناء البلدان النامية ؛ وهو ما لم يعرفه المتدربون المصريون عن تلك المأساة لأسباب شتى- تعليمية وثقافية وعُمْرية – في ظل إشراف مصري غائب.

لقد كانت معاناة الألمان أقرب لمعاناة مَنْ كان وحشا – اقتصاديا وسياسيا وعسكريا- يخشاه الجميع ونالت منه الهزيمة ولم يجد منفذا للتنفيس عن تلك المعاناة سوي أجانب من العالم النامي لا تشكل دولهم إلا وزنا هامشيا في ميزان القوي العالمي في ذلك الوقت .

خلاصة القول أن ذلك الوضع المأساوي للشعب الألماني في أعقاب الحرب لم تكن تفاصيله معروفة لنا نحن المتدربون المصريون حيث برامج التعليم المصرية لا تتناولها إلا باختزال مُخِلّ لا يعطي فكرة حقيقية عن حجم الدمار الذي خلّفته الحرب وفظاعة النتائج المترتبة عليها.

س2 :
ما الذي استجد علي الوضع في أوربا..؟

ج2 :
منذ الألفية الثالثة – أي مما يقارب العشرين عاما- أو قبلها بقليل .. تغير الوضع نسبيا في ألمانيا التي استعادت قسطا كبيرا من وزنها الاقتصادي في صدارة القارة الأوربية ؛ واستثمرت عزلتها الدولية الإجبارية في إعادة البناء – بعد أن كانت قد قبلت وعلي مضض – القواعد العسكرية الأمريكية علي أراضيها بل وانضواءها تحت لواء حلف الناتو – مستردة مراتب متقدمة في مضمار الاقتصاد والثقافة والرياضة والفنون والتقدم العلمي و جزءا من السياسة أعادها إلي وضع قريب مما كان لها قبيل الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 ) باستثناء وضعها العسكري الذي تراقبه الدول الغربية بحذر– خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية- والمتمثل في الصناعات العسكرية.

ومن جانب آخر أسفر ذلك النهوض عن :

1-أصوات ألمانية تتعالي داخل ألمانيا والاتحاد الأوروبي تنادي بإنشاء جيش أوروبي مستقل عن حلف الناتو الغربي الذي يضم عديدا من القوات المسلحة الغربية تحت الهيمنة الأمريكية.

2-تراجع دور ووزن الأصوات الشعبية التي تطالب برفع مستوي معيشة الشعب الألماني وعدم الانجرار في السباق الدائر المحموم للدول الغربية الأخري التي تتخذ نفس المسار السابق الذي أفضي للحربين العالميتين.

3-ظهور ثم بروز عدد من القوي والأحزاب القومية في الداخل الألماني ذات الطابع المنغلق والتي ترغب في استعادة الروح الألمانية النازية التي صنعت من ألمانيا ” بعبع ” أوربا والعالم قبل ثمانين عاما قبيل الحرب الثانية مباشرة. وقد تمكنت هذه القوي وأحزابها من استقطاب جزء من الشعب الألماني وشاركت في الانتخابات البرلمانية بل ودخلت البرلمان (Bundestag ) وترجمت ذلك في تظاهرات جماهيرية تبتعد عن سياسة الدولة من ناحية وترفض قدوم المهاجرين من ناحية أخري. هذا وقد وصل الأمر إلي حد تسلل الحزب القومي- النازي الطابع – إلي بعض فصائل الجيش الألماني وضبط أعضائه بوثائق تبرز نواياهم .. حيث خضعوا للتحقيق.

4-باختصار تغير الوضع الآن عام (2019 ) عما كان عليه عام 1964 أي في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ولذا كانت رؤيتنا لما عاصرناه من تقييم لرحلة المتدربين المصريين طلاب المعاهد العليا الزراعية عام 1964 لألمانيا مختلفة نسبيا عما نراها به اليوم .

س3 :
ما هي الخلفية الفكرية التي تحكم سياسات الدول الغربية ومنها ألمانيا..؟

ج3 :
إن كثيرا من الساسة علي مستوي العالم وخاصة في الغرب يؤججون النعرات القومية ؛ ليس لحفز شعوبها علي العمل والإنتاج والتطور لتعميق استقرار مجتمعاتهم وتوسيع دائرة الحياة الكريمة لهم ؛ ونبذ التمييز والعدوان والغزو؛ والكيل بمكيالين ؛ والتعالي علي الشعوب الأخري ، بقدر استخدامهم تلك النعرات للاستئثار بالأسواق الدولية ونهب الثروات للطبيعية للبلدان النامية واستغلال الأيدي العاملة الرخيصة بها ؛ وتحويلها إلي مواطن للصناعات القذرة والملوثة للبيئة وإلي مخازن للنفايات النووية .. وهكذا.

وهذا هو لب الصراع الذى كان ناشبا بين الدول الغربية أطراف الحربين العالميتين.. في القرن الماضي .

لقد عُرِفَ عن الشعب الألماني منذ أن كان جزءا من الشعب البروسي ( دولة بروسيا كانت تضم ألمانيا والنمسا) أنه معتد بنفسه ومعتز بقوميته لكنه ومنذ ظهور النازية علي يد الفوهرر(Führer ) أدولف هتلر عام 1933 تخلقت لديه نزعة التعالي الملازمة للروح القومية العدوانية . وشتان بين الاعتداد بالنفس – الذي يظل مقتصرا علي الذات ولا يضير أحدا – وبين التعالي- الذي تلازمه الروح العدوانية- و يمس الآخرين ويسبب الأذي لهم ..إلخ.

•رؤي منطقية تخلقها بديهيات تربوية وتعليمية:

كنا ونحن علي مقاعد الدراسة الإعدادية ..نصادف أساتذة أجلاء متمكنين من مادتهم العلمية ؛ وأتذكر أن بعض معلمي اللغة العربية – وإزاء شكاوى الطلاب – ومنهم المتميزين – من صعوبة مادة النحو والإعراب- كانوا يعلموننا قاعدة ذهبية للتغلب علي الصعوبات التي نشكو منها في تلك المادة تتمثل في الآتي:

لكي تقوم بإعراب كلمة في جملة في سياق ما.. يتطلب الأمر:

•قراءة الجملة قراءة متأنية.. وفهم مقصدها فهما صحيحا وتحديد معني الكلمة فيها.

•إعادة ترتيب كلمات الجملة عدة ترتيبات مغايرة لترتيبها الأصلي .. ثم إعادة قراءتها وفهم معانيها الجديدة مقارنة بما تم فهمه من المعني الأصلي.

•ولأن الإعراب لا يكون صحيحا دون فهم الجملة فهما صحيحا فإن الهدف من إعادة ترتيبها هو تبين معني الكلمة المراد إعرابها فهما صحيحا بمقارنة معانيها في الجمل الجديدة بمعناها الأصلي.

•وبناء علي ذلك فإن التوصل لمعني الكلمة ودورها في الجملة يمكننا من عملية الإعراب بسهولة ويسر.

ونفس الشئ يتم في حالة قراءتنا لأي وضع أو أية أحداث تمر بنا . إذ لابد من البحث عن الدافع وراء كل حدث منها ؛ والبحث عن دوافع أطرافها التي تصرفت بالشكل الذي حدث.. أي تفكيك الحدث إلي مفرداته وعناصره .. والبحث في جذورها لكي نتوصل إلي معرفة دقيقة لما جرى بالكيفية التي جري بها.

ويمكن القطع بيقين بأن فهم الشئ المركب – أو المعقد – يصبح بالغ السهولة إذا ما حولناه إلي عناصره ثم التعامل معها واحدة بعد أخري بشكل مترابط لفهمها؛ وهو ما ينطبق علي محاولة تفهم الأحداث والمشكلات .. بل وأعقد الأشياء ؛ أي أنه قانون عام يسري علي اللغة والأحداث الاجتماعية والسياسية وغيرها.

س4 :
ما الأخطاء الشائعة .. التي قد تفضي لقراءة ضارة لاحتياجات المجتمع وقضاياه .. ونتائج مفجعة..؟

ج4 :
كثيرة هي الأخطاء الشائعة في قاموس البسطاء من الناس؛ لكن المدهش أن تنتشر تلك الأخطاء بين كثير من المتعلمين.. فترى بعضَ الأطباء يطلب من مرضاه ” إشاعة على الصدر – بكسر الألف – ” أو ” أشاعة على الساق – بفتح الألف- ” ؛ ويرد عليه المريض قائلا : تلك هي الأُشاعة (بضم الألف).. بينما الأشعة تختلف عن الإشاعة.. من حيث المعني والنطق.

ولا تقتصر تلك الأخطاء على العامة من الناس بل إنها وصات إلى قمة الهرم الاجتماعي حيث يتداولها كثير من المتعلمين.

وبمثل ما تكثر الأخطاء اللغوية الشائعة في قاموس عامة الناس تكثر بنفس الطريقة في الأفكار ؛ ليس لعيب في الحصيلة العلمية لأصحابها .. بل لانحراف في توجهاتهم السياسية والاقتصادية .

وعلي سبيل المثال فإن أفكار العدوان والغزو والتمييز التي صاحبت سياسات الدول الغربية كان من ضمن منابعها الموجِّهة كتابات العالم البريطاني روبرت مالتوس في القرن التاسع عشر؛ والتي تتلخص في أن الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية هي السبيل لموازنة الزيادة المضطردة للسكان بالزيادة المحدودة في مصادر الغذاء.. باعتبار أن معدل الأولى يفوق معدل الثانية.

واستنادا إلى تلك الأفكار فإن السياسات التي نبعت منها -واتبعتها الدول الاستعمارية قديما وتتبعها الشركات متعددة الجنسية حاليا – تسعى لبلوغ غايتها بأية وسيلة ولا تفرّق بين الموارد ومستخدميها بل وتعْلى من أهمية الموارد على حساب من يستخدمونها وينتجون منها . وهى المسئولة عن تجريد الفقراء في البلدان النامية من ثرواتهم الطبيعية وأسواقهم وحصار إنتاجهم المحلي بدعوي أنهم يتكاثرون بمعدلات أعلى من معدل إنتاجهم.. ومن ثم وجب التخلص منهم؛ وتفضى في نهاية المطاف إلى تدمير البشرية بالحروب والأمراض الفتاكة وبالعدوى المقصودة كإنفلوانزا الطيور والخنازير وبالكيماويات الخطرة التي تقضى على جماعات بشرية كاملة.

ولأن أفكار مالتوس واكبت النهضة الصناعية الأوربية فقد صارت جزءا عضويا من قوانين النظام الاقتصادي العالمي الذي لازَم تلك النهضة وعُرِفَ باسم النظام الرأسمالي.

ومن جانب آخر تكفّل الفكر الإيطالي- الذي كان أسبق من مالتوس – بتطوير عدوانية ذلك النظام علي يد المفكر الإيطالي ميكيافيللي بمقولته الشهيرة [ الغاية تبرر الوسيلة ] والتي تألقت وأعطت أفكار مالتوس بعدا جديدا في عصر التكتلات والاحتكارات الاقتصادية الكبري والتحالفات السياسية المعبرة عنها منذ بداية القرن العشرين.

وهنا نعود لرحلتنا إلي بلاد الجرمان لنتبين ماذا فعلت هذه الخلفيات الفكرية التي تحققت- بأشكال متنوعة – في القارة الأوربية- وانعكست علي شعوبه علاوة علي تسرّبها لكثير من البشر في البلدان النامية لتفعل فعلها وتفضي إلي النتائج التي واكبناها في مجالات شتي ومنها ما صادفناه من مشكلات في رحلتنا عام 1964.

س5 :
ماهي العيوب الجوهرية للمتعلمين المصريين..؟

ج5 :
ضعف الإعداد للمستقبل والأمية السياسية ومن ثم البحث عن الحلول الفردية والانكفاء علي الذات:

أو ما الذي يدفع خريجا جامعيا لعدم التمييز بين مجتمع مستهلك للحضارة وآخر ينتجها ويصدّرها..؟

منذ فُتح بابُ مصر علي مصراعيه للهجرة لدول النفط وملايين المصريين عرفت طريقها نحو الحل الفردي متوهمين أنه يعصمهم مذلة السؤال ويمنحهم الحياة الكريمة.
ورغم أن الكثير منهم حققوا أهدافهم إلا أنهم عادوا من تلك الدول بعاهتين مستديمتين علي الأقل تجُبّان كل ما حصدوه من فوائد. الأولي : هي نسيان معظم ما تعلموه في معاهدهم التعليمية ورجعوا معتمدين علي مدخراتهم أكثر من اعتمادهم علي قيمتهم العلمية وصار معظمهم أقرب للعاطلين .

والثانية :هي تبنيهم لكثير من مفاهيم وتقاليد الإسلام الوهابي الذى لا يحمل من الإسلام سوي طقوسه ومظهره الخارجي ؛ ومن ثم انعكس ذلك علي أبنائهم من الأجيال الجديدة التي هي قوام النهضة المفترضة. وقد تجلت هاتان العاهتان في عدم التمييز بين منتجي الحضارة وبين مستهلكيها. واقرب الأمثلة لذلك هو حديثهم عن أن بلدان الخليج العربي المنتجة للنفط صارت أكثر تطورا من مصر.

وبعيدا عن أية مشاعر شوفينية تتعصب لمصر نوضح الآتي :

•أن نهضة الأمم تقاس بالمعايير الآتية :

1-بما تنتجه من مفردات الحضارة .. في العلوم والآداب والفنون والثقافة والرياضة وتطبيقاتها ؛ ولا تقاس بعدد السيارات الحديثة المستوردة ولا بكمية البنايات الفارهة.
2-كما تقاس الحضارة بكمية الثروات الطبيعية التي يتم استخراجها وتصنيعها محليا وتصديرها للخارج.
3- وبأعداد الكوادر العلمية المتخصصة في جامعاتها ومعاهدها التعليمية والتي تبني مجتمعها وتقدم له الخدمات في مجالات التعليم والصحة والثقافة وتشييد المرافق والعمل في مجال البحث العلمي وتصدير النجباء منهم للخارج.

ولو طبقنا المعايير الثلاثة علي تلك الدول لاكتشفنا مفاجأتين:

الأولي : أن تلك الدول لم تنتج مفردة واحدة من مفردات الحضارة وإنما تستوردها من الآخرين وتستهلكها.

•فلم تنتج تلك البلاد نوابغ في الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء ،ولا مفكرين ومنظرين في مختلف مجالات النشاط الفكري والثقافي، ولا أدباء معروفين ( شعراء وكتاب رواية ) ، ولا فنانين (صناع سينما و وكتاب ومخرجي مسرح وممثلين ورسامين ونحاتين ومطربين وموسيقيين ولاعبي باليه) ، ولا حتي لاعبي كرة بارزين أو أبطال رياضات أخري سوى أبطال سباقات الهجن والصقور والحمام الزاجل.
•كذلك فما تفجرت الأرض به من نفط يتم تصديره ( خام ) بثمن بخس مقارنا بعوائده الهائلة لو تم تصنيعه ؛ رغم أن إيراد يوم واحد منه يؤسس جامعة للبترول وإيراد يوم آخر يشيد عددا من المصانع للتكرير وإنتاج مختلف منتوجاته.. لكن الإحجام عن ذلك يرتبط بعاملين :

1-بمصلحة ضيقة لمصَدّريه تربطهم مع جهات بعينها تساهم وتحمي استمرار تدفقه.
2-وخشية من خلق طبقة عاملة متطورة تمثل قوة اجتماعية متنفذة لها مطالب متنوعة وتملك نقابات تتصاعد قوتها بزيادة أعداد العاملين في مختلف مصانع التكرير والإنتاج. وجدير بالذكر أن ذلك النفط بالنسبة لهم كالنيل بالنسبة لنا .. هبة من الطبيعة .

•ناهيك عن افتقار تلك الدول لمن يقومون بتعليم شعوبهم في المدارس والجامعات ولولا أبناء مصر والعراق وسوريا ما كنت تجد معلما واحدا طيلة اكثر من نصف قرن من أهلها. أما عن تخريج الكوادر العلمية المتخصصة التي تبني مجتمعها وتشيد مرافقه وتدير معاهده الجامعية وتعمل في مجال البحث العلمي وتمد صلاتها للتعاون و العمل بالمعاهد العلمية الخارجية.. فحدث ولا حرج.

والثانية: أن هذه الدول لا تسعي لتطوير نفسها بالتطور لدول صناعية لا تكتفي بتصدير ثرواتها ( خام) بل تصنعها وتعيد تصدير ما صنّعته بأسعار أعلي وهو ما يعود عليها وعلي شعوبها بارتفاع مستوي المعيشة من جانب وتطوير القوي العاملة ورفع مستواها المهني من جانب آخر ، ويستتبع هذا اكتساب الشعب للحريات والثقافة وتذوق الآداب والفنون وارتفاع مستواه الحضاري بما يخلق إحساسا بقيمته ووزنه ودوره بين شعوب المنطقة والعالم . ليس هذا فقط بل إن ارتقاء قيم الشعب وارتفاع مستوي معيشته يسهم في مواجهة وحصار كثير من الأمراض الاجتماعية والسياسية والظواهر السلبية كالبطالة والفساد والاستبداد و التمييز والعدوان والتعالي علي الشعوب الأخري ..إلخ

خلاصة القول أن تلك الدول ليسوا منتجي مفردات الحضارة بل مستهلكين لها.. لم ينتجوا توتوك بل استوردوا سيارة رولز رويس أو لامبورجيه ليركبوها. ولم يشيدوا مؤسسة معمارية بل استأجروا من الخارج من يصممها ومن يشرف علي بنائها بل ومن يبنيها .

فهل يمكن اعتبار من لا يميزون بين مستهلكي الحضارة ومنتجيها قادرون علي تربية أبنائهم .. أو علي اتخاذ أي قرار مصيرى حتي علي مستوي أسرهم ؟ ؛ وهل يمكن اعتبار من يعتمدون علي مدخراتهم أكثر مما يُعوّلون علي تأهيلهم العلمي المتخصص منتمين لوطننا ويعتد بقدرتهم علي إدارة مؤسسة إنتاجية أو خدمية في بلدنا..؟

وعليه فإذا ما أرسِل هؤلاء أبناءهم في بعثة دراسية أو تدريبية لدولة أخرى هل سيكون هؤلاء المبعوثون قادرين علي التعامل مع الشعب الذي يعيشون بين صفوفه بسهولة ويتمكنون من تفهم ما يعترضهم من عراقيل ومشكلات بالبحث عن أسبابها بُغية حلها.. وهل سيتوصلون لتفهم الأسباب التي تدفع الشعوب التي تستضيفهم للتعامل معهم بهذه الكيفية ..؟ ومن ثم لا يتخذون إزاءهم موقفا عدائيا وثأريا بقدر ما يسعون لاستخدام العقل والمرونة وسعة الصدر في تعديل سلوك تلك الشعوب إزاءهم ؟! بل ولفت نظر الدولة لرداءة الإشراف والمعاملة التي يتلقونها من مشرفيهم الموجودين في تلك البلدان المستضيفة لكنهم غائبون لا يحسنون و لا يقومون بأدوارهم..؟

س6 :
هل نضبت مصر من المتميزين .. ليتولوا شئون المبعوثين ؟ ..

ج6 :
مثال موازي:

نجيب عن هذا السؤال بالتعرض لمشكلة واحدة يعرفها كل المصريين وهي أزمة مياه النيل.. التي تشكل خطرا داهما علي أبنائه وعلي استمرارهم في الحياة.
فالمثل الشعبي العالمي يتحدث عن الماء حديثه عن الهواء فهما متلازمان في كل الأوطان وكل الأزمان ولكل كائن حي ؛ ويجري تشبيه التعليم والصحة بهما – باعتبارهما من أهم ضرورات العصر- فيقال أنهما – أي التعليم والصحة – ” كالماء والهواء “.

ولأن مياه النيل تدخل في منعطف بالغ الحرج في قادم الأيام؛ كان من الضروري ذكْر بديهية مائية عالمية تنتشر في المجتمعات التي لا تعتمد علي الأمطار في استهلاك المياه. تفيد البديهية بأن (أولويات استهلاكها توجه للشرب والري الزراعي وبعدها لأي استخدامات أخري) . وعليه توجهت أنظار الدولة في مصر نحو ما يُعدّ هدرا له ؛ ساعية لوقف ذلك . ولذا شرَعَت – في مجال الزراعة – في توفير ما يُهدَر منه في زراعات الأرز تحديدا بإجراء واحد لا سواه هو الحد من مساحة الأراضي المزروعة به نظرا لكونه أكثر المحاصيل احتياجا واستخداما له.

واستنادا لمعلومة علمية أخري تقول أن ( الأرز ليس محصولا محبا للغمر بالمياه بل محصول مقاوم للغمر) نوضح :

أن مهمة توفير مياه ري الأرز لا يمكن إنجازها بتقليص مساحته دون إجراءين آخرين :

أحدهما :استنباط سلالات مقاومة للجفاف ومن ثم لا تحتاج إلا لكميات محدودة من الماء مقارنة بالأصناف التقليدية التي يتداول الفلاحون زراعتها.

والآخر : هو استنباط طرق جديدة في الزراعة توفر المياه.

هذا فمن ناحية.. توصَّل أحد البحّاثة في إحدي الجامعات الإقليمية منذ 5 سنوات لأربعة سلالات ( عرابي 1، 2،3،4 ) تصلح اثنتان منهما للزراعة في الأراضي الرملية وتمت تجربتهما في سيناء وحققا نجاحا باهرا.. علاوة علي تفوقهما في الإنتاج عن كل الأصناف التقليدية فضلا عن صفات أخرى إيجابية.

ومن ناحية أخرى توصلت فلاحة فيّومية عام 2004 لطريقة في الزراعة تسمي ( الزراعة علي مساطب ) توفر 60 % من مياه الري ( حيث استهلك الفدان3500 متر مكعب بينما في طريقة الري بالغمر يستهلك الفدان 9000 متر مكعب ) وطبقتها في أرضها تحت إشراف معهد البحوث المائية الذي وثق التجربة واعتمد الطريقة الجديدة في الزراعة. هذا وقامت الفلاحة المستنيرة بنشرها في قريتها والدعاية لها من خلال المحاضرات في كل مراكز المحافظة ؛ بل وأخطرت بها وزير الزراعة آنذاك.

فكيف كانت استجابة المسئولين في وزارتي الزراعة والري..؟ الصمت والتجاهل التام للباحث وللفلاحة.

وعليه وكما يقول المثل الشعبي ” ما فيش فقر .. دا فيه قلة رأي ” .

هذا وقد تم عرض كل ما سبق وبشكل مسهب في العديد من المقالات بالصحافة الإلكترونية ..لكن تبين أن هناك أسبابا أخرى تختفي وراء تقليص مساحة زراعة الأرز تتعارض تماما مع توفير مياه الري التي أعلن عنها كسبب لتقليص مساحته.

لذا نتساءل : لماذا إذن كنا نُقْصِر اللوم علي غياب الإشراف المصري علي المتدربين في ألمانيا.. أليس ” جميعهم في الهمّ شرق “..؟

صحيح أن هناك فارقا بين مهمة رسمية بالغة الأهمية لا يتم إنجازها بسبب الإهمال كالإشراف علي البعثات التعليمية والتدريبية في الخارج كما هو الحال في رحلتنا التدريبية.. وبين مهمة رسمية أخرى شديدة الحيوية يتم الإعلان عنها والتأكيد عليها في أجهزة الإعلام بينما في الواقع يتم تنفيذ عكسها تماما. لكن المشترك بينما أننا خسرنا فوائد كان يمكن حصدها وأموالا تم تبديدها في الحاتين.

خاتمة :

ونوجز استخلاصنا لتلك القراءة في الآتي :

•أن الخلفية الفكرية التي تجلت – بأشكال متنوعة في المجتمعات الأوربية ؛ ووجهت دولها وجهة مدمرة ؛ وأثرت في شعوبها وكبدتها خسائر وآلاما ومعاناة هائلة- قد انعكست من ناحية أخري علي كثير من مجتمعات بلداننا النامية وأصابتهم بعدواها لتفعل فعلها وتفضي للنتائج التي شهدناها في مجالات شتي في رحلتنا لألمانيا الغربية عام 1964. ولا شك أن الأفكار التي كانت تحكم ألمانيا آنذاك – وكانت تحكمأيضا معظم أطراف الحرب العالمية- هي ما كانت تتحكم في سياستها.. وفي علاقاتها بدول وشعوب العالم المتقدمة صناعيا وأيضا ببلداننا النامية. قد تختلف تلك السياسة من حاكم إلي حاكم ومن حزب إلي حزب عند التطبيق لكنها في التحليل الأخير تتوخي نفس الأسس الفكرية التي تضبط المجتمع ككل.. وتوجّه دفته.

فالمسئولون الألمان بوزارة مساعدات الدول النامية وموظفي الغرف الزراعية سيمتثلون لتلك السياسة علي الدوام. والمزارعون الألمان لن يفلتوا من براثنها لكونها تنتشر كالهواء في أركان المجتمع.

بينما المسئولون المصريون – المتعاملون مع الجهات الألمانية ويتولون الإشراف علي المتدربين- لن ينجوا من آثارها خصوصا وأنهم لا يتمتعون بأي ثقافة مستقلة ومستوى تعليمهم لا يمكنهم من الإفلات منها حتي وإن أرادوا ذلك؛ علاوة علي أن أمثالهم لا تحكمهم سوي المصلحة الخاصة الضيقة الأفق والأنانية .. ويوفَدون لأوروبا بالوساطة ودون اختيارات أو اختبارات شفافة تدقق في كفاءتهم ودون تأهيل حقيقي للمهمة التي تنتظرهم .. لذا تبتلعهم أضواء المجتمع الغربي ويهيمون في طرقاته دون أمل في الإفاقة.

وعليه فماذا يفعل الشباب اليافع من المتدربين الذين ألقي بهم في هذا اليم الذي يتجاوز خبراتهم وتجاربهم وثقافتهم وأعمارهم .. سوي أن يتصرفوا حسبما تقضي الظروف .

من هنا كان الاختلاف في قراءة تجربة رحلتنا التدريبية لألمانيا الغربية عام 1964 عن قراءتها اليوم. فقد سعينا أن ننقلها لكم في الجزأين السابقين بأقصي قدر من الدقة والأمانة وأكملناها بتلك القراءة التي أضاف لها ما استجد علي عمرنا وثقافتنا خلال السنوات المنصرمة.. آملين أن نكون قد وفقنا في الحالتين.

الأحد 12 يناير 2019 بشير صقر

]]>
http://tadamon.katib.org/2019/01/15/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%84%d9%88%d9%82%d8%a7%d8%a6%d8%b9-%d9%82%d8%af%d9%8a%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84/feed/ 0
اغتيال الصحفي السعودي خاشقجي.. بين وعي ومتابعة الجماهير.. وفضح أساليب الحكم والهيمنة http://tadamon.katib.org/2018/10/22/%d8%a7%d8%ba%d8%aa%d9%8a%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a-%d8%ae%d8%a7%d8%b4%d9%82%d8%ac%d9%8a-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%b9%d9%8a-%d9%88/ http://tadamon.katib.org/2018/10/22/%d8%a7%d8%ba%d8%aa%d9%8a%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a-%d8%ae%d8%a7%d8%b4%d9%82%d8%ac%d9%8a-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%b9%d9%8a-%d9%88/#respond Mon, 22 Oct 2018 14:23:54 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1262 اغتيال الصحفي السعودي خاشقجي بين وعي ومتابعة الجماهير وفضح أساليب الحكم والهيمنة

بشير صقر
الحوار المتمدن-العدد: 6028 – 2018 / 10 / 19 – 08:33
المحور: حقوق الانسان

مقدمة :

أثار اهتمامي بمتابعة ” أزمة اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي ” في القنصلية السعودية باسطنبول انزعاج عدد من الأصدقاء باعتبار أن أطراف الأزمة الرئيسيين هم دول معادية لشعوبها ولقضايا التحرر والتقدم خصوصا في المنطقة العربية فضلا عن أن الضحية هي صحفي مؤيد للنظام السعودي ولمعظم سياساته ومبايعٌ لحكامه. وكان مستشارا لرئيس جهاز المخابرات السعودية وصديقا لأسامه بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل. علاوة على كونه معترضا على موقف بلاده من جماعة الإخوان المسلمين ومن الإسلام السياسي ؛ ويؤكد أن السعودية تأسست استنادا إلى أفكار الإسلام السياسي فكيف لها إذن أن تعاديه ..؟!. باختصار يقول الأصدقاء هي” عركة ” بين قوى ودول ليس لنا بينها صديق أو مصلحة .. فما دخلنا بها ..؟

ولأنني لا أبذل جهدي لتثقيف المثقفين بل أوجهه بالأساس للبسطاء من شعوبنا التي لا ترى المملكة السعودية كما نراها نحن المثقفون ؛ فريف مصر وأقاليمه لا تعرف عن الحريات وحقوق الإنسان إلا النذر اليسير وبشكل محدود ومشوه.

لذا فإن مثل هذا الحدث وكثيرا مثله- والذى أعتقد أن أعدادا هائلة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وقراء الجرائد اليومية وغيرهم يتابعونه – يمثل فرصة ثمينة فى ظل أوضاعنا الراهنة – التي أحجم فيها كثير من المثقفين عن العمل في أوساط هؤلاء البسطاء- لكى يدركوا حقيقة النظام السعودي وكيف يدار والقيم التي تحكمه بعيدا عن كون أرض السعودية قبلة ومحط أنظار ملايين البشر من المسلمين؛ فضلا عن كونها أحد منابع أوهام الحلول الفردية والثراء المحتمل لملايين آخرين من الفقراء من شعوب المنطقة وغيرها. خصوصا وأن بعض ممثلي النظام السعودي يعيثون فسادا في مصر فيسعون للتغلغل فى أوساطه خصوصا أوساط الشباب وتحديدا جماهير ونوادي ومؤسسات كرة القدم. واهتمامي بتلك الأوساط هو سعى لمواجهة الوعى الزائف الذى يخيم على الأغلبية الساحقة في وطننا خلال النصف قرن الأخير ؛ ويدعمه من ناحية أخري ما يبثه الإعلام المصري والعربي الرسمي من تحبيذ وتحالف مع ذلك النظام وقيمه كما تدعمه أيضا الدولة بأساليب وأدوات شتي لا يبصرها أوْ لا يتجاهلها إلا معدومي البصيرة والضمائر. فالجماهير الفقيرة المطحونة والمغيبة لا تتعلم سوى من اثنين: تجاربها الخاصة المباشرة ومثل هذه التجارب العملية كالتي نحن بصددها ( اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشوقجي ).

وما علينا إلا أن نتذكر كيف كانت السنة التي تولت فيها جماعة الإخوان حكم مصر- وقبلها ثورة 25 يناير 2011 – تجربة عملية مباشرة دفعت الملايين لرفض حكمها والاستدارة لها.

روايتان:

روايتان متعارضتان تتناولان مصير الصحفي جمال خاشوقجى منذ تفجرت أزمة اختفائه إثر دخوله قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية.

تتلخص الأولى فى اختفائه داخل القنصلية وعدم خروجه منها .. وتتبناها تركيا.

وتفيد الثانية بخروجه من القنصلية بما لا يجاوز الساعة .. وتسوّقها المملكة السعودية.

وطيلة سبعة عشر يوما تمسّك الأتراك بروايتهم ؛ بينما اهتزت رواية الطرف السعودي وتحولت لرواية أخرى إثر نشر شبكة ( CNN) الأمريكية خبرا بعد تسعة أيام يفيد ” باقتراب اعتراف المملكة السعودية بوفاة خاشوقجي إثر تحقيق خاطئ ” .

أي ترى الرواية التركية : أن الوفاة جاءت نتيجة قتل مع سبق الإصرار والترصد ؛ بينما ترى الرواية السعودية الجديدة : أن الوفاة نتيجة قتل خطأ.

الرواية التركية تعنى وجود تدبير مسبق يضم محرضين اتخذوا قرار القتل ، ومنفذين قاموا بالاستدراج وإزهاق الروح ومن ثم من الضروري والمنطقي أن يمثلوا أمام القضاء لمحاكمتهم.

والرواية السعودية المعدلة فتحصر ” القتل الخطأ ” على المنفذين الذين سوف تحددهم وبذلك تبت الصلة مع المحرضين ( بعض قادة الدولة السعودية ) وتنقذهم من العقوبات المنتظرة في مثل هذه الأحوال>

ولأن الروايتين متعارضتان في بواعثهما ومساريهما ونتائجهما ظل الصراع بينهما مستمرا وحتي النهاية.

صحيح أن الصراع الدائر عموما بين الدول الثلاث ( تركيا والسعودية والولايات المتحدة ) ليس صراعا على المبادئ بل تبطّنه المصالح بالأساس. فالدول الثلاث تصنفُ كبلدان معادية لشعوبها بدرجات متفاوتة حتى وإن رفعت في بعض الأحوال لافتات مغايرة لذلك كما هو الحال في تركيا والولايات المتحدة ؛ بينما تجسدُ السعودية المثالَ الأنصع لدولة القرون الوسطى في العصر الحديث. لكن في هذا الموضوع تحديدا يتخذ موقف تركيا حتى الآن جانب الحق والصواب.

ورغم ما يكتنف علاقة الدول الثلاث ببعضها من تعقيدات وأزمات متنوعة بل وقنابل موقوتة يمكن أن تتفجر في أية لحظة ، إلا أن المثير في أزمة اختفاء خاشوقجى قد كشف للمواطن البسيط كيف تتعامل السعودية والولايات المتحدة مع شعبيهما وكيف تدوسان علي المبادئ في أية لحظة انحيازا لمصالحها الضيقة وأنانيتها المفرطة.

والمدهش في قصة الاغتيال هو السذاجة والخفة والعنجهية التي طبعت سلوك المملكة السعودية وحكمت خطتها وتفاصيلها في اغتيال الصحفي؛ والذي انقلب رأسا على عقب في الأيام الستة الأخيرة – وخصوصا بعد تفتيش منزل القنصل- ليصبح حالة من الهلع والهوان للدرجة التي دفعتها لإرسال وزير خارجيتها عادل الجبير للسفر سرا إلى قطر- عدوها اللدود- بحثا عن حليف للأتراك قد يمكنها من العثور على حل وسط يحفظ ماء وجهها في جريمة الاغتيال. وكذلك إرسالها مائة مليون دولار إلى الإدارة الأمريكية فور تكليف بومبيو وزير الخارجية بلقاء قادة المملكة للتعرف على تقديرهم للأزمة وتقديم النصائح لهم والتنبيه للمحاذير المفترض عدم تجاهلها. وقد جرى ذلك من جانب المملكة دون الحرص علي تجنب تفسير ذلك – إرسال الـ100 م دولار- من جانب المتربصين لترامب وحكومته في الكونجرس بأنه رشوة مباشرة تتعلق بأزمة خاشوقجي حتى وإن تم عنونة المبلغ المرسل بعناوين كودية.. هذا على المستوى الخارجي .

بينما على المستوى الداخلي :

فقد تم استدعاء الإدارة السعودية للقنصل محمد العتيبي من اسطنبول قبيل ساعتين من موعد تفتيش محل إقامته بواسطة وفد التحقيق المشترك (التركي السعودي) ليسافر إلى الرياض .. في إجراء لا يحمل إلا معنى واحدا هو خوفهم من القبض عليه أو احتمال لجوئه إلى السلطات التركية تحت تأثير الضغوط والهلع.

وكذلك ” تعميم بلاغ “من الديوان الملكي على العديد من المسئولين وأفراد العائلة الملكية بعدم السفر للخارج دون التنسيق مع الديوان الملكي .. تجنبا للمساءلات القانونية ” ، فضلا عن منح موظفي الديوان الملكي إجازة مفتوحة.

ذروة التخبط والإحباط :

ووصل التخبط الملكى أقصاه عندما نشرت صحيفة إيلاف السعودية واسعة الانتشار تصريحا لمصدر أمنى إسرائيلى نصه [ لا نثق بتحقيقات الإدارة التركية وإنما بالتحقيقات السعودية .] وفى نفس الآونة تداولت الصحافة العالمية تصريحات منسوبة لمصادر إسرائيلية مفادها أن ( إسرائيل سارعت بالاتصال بواشنطون سعيا لحماية ولى العهد السعودي من آثار اغتيال خاشوقجى).

هذا ولا يخفي على كثير من المطلعين والمراقبين مغزى ما نشرته الـ ( CNN) بشأن ” قرب إصدار الإدارة السعودية بيانا يفيد بوفاة جمال خاشوقجي بالقنصلية السعودية .. لكن نتيجة تحقيق خاطئ” في أعقاب تصريح لترامب ( أبلغني الملك سالمان بعدم علمه بقصة خاشوقجي ) وأضاف ( وعليه فإن قتلة مارقين.. هم الذين قاموا بها).

جرى ذلك في ظل الحملة الإعلامية الدولية التي واكبت قصة اختفاء خاشوقجي والتي تزعمتها صحيفتا الواشنطون بوست والنيويورك تايمز في الولايات المتحدة والجاريان والتايمز والإيكونوميست و الفاينانشيال تايمز البريطانية ورفعت شعار ( ابن سالمان قاتل ولا يمكن التعامل معه ) وأن ما تسعي له المملكة السعودية هو البحث عن كباش فداء تجنّب ابن سالمان المصير المحتوم. علاوة على إدانات كثير من الدول الأوربية لاختفاء الصحفي السعودي والتي رافقها عقد اجتماعات بين الـ 7 دول الكبري بأمريكا و أوربا للبحث عن بديل لولى العهد السعودي مثل الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود.

فضلا عن الإعلان عن تصريحات متعددة لوزراء ومسئولين ورؤساء شركات أوروبيين وأمريكيين باعتذارهم عن حضور المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في أواخر شهر أكتوبر 2018 ( دافوس الصحراء ) بشأن مشروع ولي العهد السعودي ورؤيته عام 2030 .. بسبب أزمة خاشوقجي.

كيف عالجت تركيا أزمة خاشوقجي ..؟

كان الملفت للنظر هو الحرفية العالية التي تعاملت وأخرجت بها السلطات التركية أزمة الصحفي السعودي. ونظرا للعلاقات المركبة التي تحكم علاقة تركيا بعدد من دول العالم المتنفذة ومنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والسعودية والتي كما قلنا لا تخلو من قنابل موقوتة ، ولأنها شعرت من قراءتها لواقعة خاشوقجي أن السعودية تتعامل معها باعتبارها دولة صغيرة فقد اعتمدت الخطة التالية:

•التحوط من صدام مباشر مع السعودية – باعتبار أن الأخيرة ستبحث عنه ( أي الصدام ) حتما لتتخذه ساترا تعرقل به مسعى تركيا للبحث عن حقيقة مصير الصحفي وتمنعها من إجراء تحقيق شفاف وسريع . تحوطت تركيا لذلك.. بالامتناع عن إطلاق تصريحات رسمية تتعلق بقصة اختفاء الصحفي باستثناء تصريحين لأردوغان في بداية الأزمة أولهما: ( الكاميرات رصدت خاشوقجى وهو يدخل القنصلية في اسطنبول ولم ترصده إبان خروجه ، وعليكم إثبات أنه خرج) . والثاني : في أعقاب رد القنصلية بأن ” الكاميرات معطلة ؛ ثم عدلته إلي.. أن الكاميرات تصور ولا تسجل ” وكان نصه التصريح التركي: ( السعودية تملك أحدث أنواع الكاميرات ..والتي تلتقط أي طائر أو حتى بعوضة ).. هذا من ناحية .ومن ناحية أخري فقد فضلت إبلاغ الإعلام الدولي بكثير من المعلومات ليقوم هو بمواجهة النظام السعودي وهذا ما دفعها لتسريب عدد من الأخبار والمعلومات التي تظهر صدقها وكذب الادعاءات السعودية. وهو ما برهن على إفلاس السعودية وافتقارها لسيناريوهات متعددة وردود تبدو مقنعة عن أسئلة متوقعة – من الدوائر السياسية والإعلامية الدولية- إذا ما تم الإبلاغ عن غياب الصحفي وعدم خروجه من القنصلية. وهو ما يؤكد من جانب آخر منطق السذاجة والخفة و العنجهية التي نفذت بها السعودية العملية.

•وأتاحت تلك الخطة للسلطات التركية وللدوائر الشرطية والقضائية إمكانية سد الثغرات التي تظهر لها من ردود الفعل السعودية إزاء التسريبات؛ مثل الحديث عن مجموعة الاغتيال المكونة من 15 فردا( أسماؤهم ، وظائفهم ، مواقعهم ، وصلتهم بالديوان الملكي السعودي ).
فعلى الرغم من تسمية الـ 15 فردا أعضاء المجموعة، فقد اتضح أن أسماء بعضهم ليست صحيحة ولو تحولت التسريبات إلي تصريحات رسمية لما تمكنت الدوائر التركية من التراجع أو من تحديد المتهمين المؤكدة أسماؤهم واستبعاد من لم تتمكن من تحديد أسمائهم.

ولمَا تمكنت من إضافة أحد أهم العناصر لقائمة المتهمين وهو ما نعَتهُ الإعلام بـ “منسق الجريمة ” والذى قام بتأجير الطائرتين باسمه ( ماهر عبد العزيز مطرب).. وقام بـ19 اتصالا تليفونيا في ذات اليوم منها 4 اتصالات بمكتب ولى العهد.

كذلك سدّت السلطات التركية ثغرة هامة لم تظهر إلا في أعقاب ما نشرته شبكة الـ ( CNN) عن أن السعودية تستعد للاعتراف بأن ( وفاة خاشوقجى حدثت من تحقيق خاطئ ) بمعني أن الغرض لم يكن قتله بل اختطافه. ولو كانت التصريحات التركية الرسمية قد نطقت بما أعلنته التسريبات من أن (خاشوقجى قد حُقق معه من ولى العهد السعودى وتم تعذيبه ثم قتله) .. لو حدث هذا لما تمكنت من تكذيب ما قيل من رواية السعودية المعدلة والتي تدعى أنه أثناء التحقيق معه قد توفى ” وفاة خاشوقجي إثر تحقيق خاطئ “.ولذلك أفادت التسريبات التركية التالية بأن ( خاشوقجى لم يُحقق معه بل قتل فى بحر سبع دقائق من دخوله حجرة القنصل).

عيوب انتابت المعالجة التركية لمعرفة مصير خاشوقجي :

•طالبت كثير من الدوائر السياسية العالمية السلطات التركية بالتسجيلات والفيديوهات التي حصلت عليها إبان وجود الصحفي السعودي داخل القنصلية والتي توضح ما جرى خلال اغتياله. إلا أن تركيا حتى الآن لم تستجب ، وتقديرنا أن ساعة ( I WATCH ) الخاصة بالضحية والتي أفادت السلطات التركية بأنها كانت وسيلتها في الحصول التسريبات ربما لم تتمكن من نقل كل ما دار بالداخل ، وربما كان لتركيا داخل القنصلية عيون من العاملين الأتراك ، أو تكون قد زرعت داخلها بعض الكاميرات التي مكنتها من معرفة كثير مما حدث بالقنصلية .. وهو ما يمكن أن يمنعها من الكشف عنها.

•التركيز والتعويل على منزل القنصل السعودي باعتباره مدفن جثة الصحفي المغدور ، والذى ثبت خطؤه بعد التفتيش الذى رغم كشفه عن قرائن ودلائل هامة – حسب تصريحات المدعى العام التركي- حيث أن السلطات التركية لم تتحرك في الساعة الأولى للاختفاء حيث لم يكن قد بلغها النبأ .. وإلّا لكانت قد تابعت السيارة التي تحركت من منزل القنصل وتوجهت إلى المنطقة الآسيوية من اسطنبول واختفت عن الأنظار لعدة ساعات ثم ظهرت لتعود أدراجها إلى منطقة (القنصلية / منزل القنصل ) وهو ما أتاح للسعوديين نقل الجثة وإخفاءها . حيث من المحتمل أن يكون دفن الجثة قد تم في احدى الغابات أو في أرضية منزل مستأجر حديثا لهذا الغرض.

أو نقلت من سيارة القنصلية – التي حملته بعيدا إلي الجزء الآسيوي من المدينة بعد أن اطمأنت أنها خالية من الرقابة – إلى سيارة خاصة لأحد السعوديين المقيمين باسطنبول ، أو إلى إحدى قنصليات الدول الحليفة . بالذات وقد تحولت الجثة إلى مجموعة أكياس يسهل التحرك بها..
أو ربما تكون قد ألقيت في البحر باستئجار لنش للنزهة.

وربما تكون الجثة قد نُقلت إلي سيارة خاصة وضعت خصيصا بجانب السفارة وظلت بها حتى تحركت السيارات الديبلوماسية الست وبعد ساعة مثلا تحركت السيارة الخاصة إلى مكان الإخفاء في اتجاه آخر معاكس.. ومن ثم ظلت حتى حلول الظلام لتقوم بالمهمة.

خاتمة :

يعتبر اكتشاف جثة الضحية في مثل هذه القضايا بمثابة الفوز بالضربة القاضية في مباريات الملاكمة أو لمس الأكتاف في مباريات المصارعة ، ولا يخفى علينا أن تركيا في ” تلك المباراة ” تريد الفوز بالقاضية أو لمس الأكتاف ولا يقنعها الفوز بالنقاط رغم أنه بكل المعايير وفى كل الأحوال فوز مؤزرٌ معترفٌ به.

وحيث كشفت السلطات التركية الجريمة وأوضحت للعالم أنها ليست هفية وكسبت احترام وإعجاب كل من تابع المشهد ، ولأن الصحفي السعودي المغدور لا يشكل لها أهمية كبيرة ، وحيث أنها تعانى من عديد من المشكلات الداخلية والاقتصادية ومشاكل أخرى على الحدود . واستنادا إلى مواقف الرئيس أردوغان التي عاصرناها خلال السنوات الأخيرة ومعرفتنا بعلاقته بالولايات المتحدة وبإسرائيل وبجماعات وتنظيمات الإسلام السياسي المتنوعة في المنطقة ومواقفه المتعنتة المعروفة إزاء الأكراد عموما وأكراد تركيا بشكل خاص ومواقفه من الأزمة السورية وتنظيمات الدولة الإسلامية وشبيهاتها وكون تركيا ظلت على مدى السنوات الست الأخيرة معبرا لمسلحي تلك التنظيمات باتجاه سوريا والعراق .. ولأنه يتمنى رضي الولايات المتحدة الأمريكية ويسعى له بكل الطرق لا نتوقع أن يظل علي موقفه الراهن في قضية جمال خاشوقجى وسيسعى شأنه شأن الكثير من الحكام لتوظيف فوزه بالنقاط على ” الخصم” السعودي للحصول على حصته المادية من هذا الفوز بعد أن انتزع حصته الأدبية والمعنوية من فوزه على خصم جاهل ومغرور وغبى.

االجمعة 19 أكتوبر 2018

]]>
http://tadamon.katib.org/2018/10/22/%d8%a7%d8%ba%d8%aa%d9%8a%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a-%d8%ae%d8%a7%d8%b4%d9%82%d8%ac%d9%8a-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%b9%d9%8a-%d9%88/feed/ 0
مداخلة فيسبوكية عن صدار قوانين جديدة بمنع زراعة الأرز والقصب والموز فى بعض المحافظات http://tadamon.katib.org/2018/04/28/%d9%85%d8%af%d8%a7%d8%ae%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a%d8%b3%d8%a8%d9%88%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%b5%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d9%82%d9%88%d8%a7%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d8%a8/ http://tadamon.katib.org/2018/04/28/%d9%85%d8%af%d8%a7%d8%ae%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a%d8%b3%d8%a8%d9%88%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%b5%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d9%82%d9%88%d8%a7%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d8%a8/#respond Sat, 28 Apr 2018 10:51:29 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1253 “القصة كلها لا علاقة لها بالمياه ولا بالنور .. ولا حتى بسبب آخر اختلقته الدولة ويخص توفير المياه للأراضى الموجودة فى نهايات الترع والبحور وتعانى من العطش.
فالسبب الحقيقى يكمن فى الحرص على تقليص المعروض من هذه المحاصيل فى السوق المحلية وسد الفجوة بين الطالب العالى عليها وبين العرض المنخفض منها فى السوق المصرى بواسطة الاستيراد، ومن يقوم بالاستيراد هم عدد من عليق القوم وأقاربهم.

باختصار الغرض هو التحكم فى العرض والطلب على هذه السلع من أجل عيون المستوردين.

وإلدليل هو قيام نائب رئيس وزراء سابق بالمتاجرة فى السكر ، وقيام واحد من أشهر رؤساء الأندية الرياضية المصرية بالمتاجرة فى الأسمدة فى وقت سابق.

ولو كان الأمر متعلقاً بنقص مياه الرى لاستجابت الدولة لوجهة نظر فلاحة الفيوم القديرة السيدة نوال خميس ( الحاصلة علة جائزة الإنتاج الزراعى فى الحافظة منذ عام 1967 وحتى عام 2009 )، التى قامت بتجربة شهيرة فى أرضها عام 2004 لمدة 6 شهور تخص زراعة الأرز وفرت 60 % من الاحتياجات المائية لمحصول الأرز المزروع بالطريقة التقليدية ( الغمر ) ورفعت الإنتاج 5% للفدان، وكانت التجربة تحت إشراف معهد البحوث المائية بالقناطر الخيرية (أكبر وأهم مؤسسة بحثية للمياه بالشرق الأوسط).

وقد تم توثيق التجربة تحت اسم ( الزراعة بطريقة الشرائح أو المساطب)، هذا وقد أخطرت بها وزير الزراعة ومحافظ الفيوم (وكان مهندسا زراعيا) وعديد من كبار المسئولين بوزارة الزراعة – الذين يعرفونها جيدا – لكنهم لم يعيروها انتباها. هذا وقد تبنى فلاحو قريتها (بياهمو) زراعة المحصول بهذه الطريقة وتاكدوا من نجاحها، وقامت السيدة نوال بنشر فكرة التجربة عن طريق الندوات والمحاضرات إلى جميع مراكز الفيوم لكن الدولة منعت زراعة الأرز فى المحافظة بأكملها وفى محافظات أخرى منها (الشرقية والقليوبية).
ومن ناحية أخرى توصل د. سعيد سليمان – أستاذ الوراثة بزراعة الزقازيق – إلى استنباط 4 سلالات من الأرز توفر مياه الرى بل و تجود زراعة بعضها فى الأراضى الرملية تحت اسم عرابى 1، 2، 3 ، 4 ).. وقد قام بزراعتها فى عدة محافظات منها محافظة شمال سيناء وأعطت إنتاجا أفضل وأسماها أرز الجفاف ولديه منها رصيد من التقاوى الصالحة للزراعة..
وعرض كل ذلك على المسئولين ولكن دعوته لاقت مصير دعوة السيدة نوال خميس (الرفض القاطع) بل وتعرض الدكتور سعيد لعراقيل شتى وصلت لحد تهديده الجدى والقضاء على مستقبله وربما حياته.

وكل ذلك يعنى حقيقتين: الأولى: أن المسئولين عن الرى والزراعة لا يعبأون بتوفير مياه الرى بالمرة،
والثانية: انهم لايهتمون باحتياجات المصريين من محصولى الأرز والسكر.

بل إنهم لا يعيرون للقضية أدنى اعتبار.. اللهم إلا نشر الهلع بين الفلاحين بخصوص قلة مياه الرى تمهيداً لبيع المياه لهم فى المستقبل القريب.

]]>
http://tadamon.katib.org/2018/04/28/%d9%85%d8%af%d8%a7%d8%ae%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a%d8%b3%d8%a8%d9%88%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%b5%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d9%82%d9%88%d8%a7%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d8%a8/feed/ 0
القصة الأخيرة فى الزراعة http://tadamon.katib.org/2018/02/18/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9/ http://tadamon.katib.org/2018/02/18/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9/#respond Sun, 18 Feb 2018 17:29:07 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1244 القصة الأخيرة فى الزراعة

بشير صقر
الحوار المتمدن-العدد: 5779 – 2018 / 2 / 6 – 23:54
المحور: الصناعة والزراعة

هناك بديهية لا يحب كثير من الحكام ورجال الأعمال الرأسماليين أن يتذكروها تتلخص فى أنه ” لا زراعة فى أى مكان فى العالم دون فلاحين ” والحديث عن أحدهما متلازم مع الحديث عن الآخر شئنا أم أبينا .

فالفلاح شئ .. ومالك الأرض شئ آخر. فمالكها يمكن أن يؤجرها لغيره ؛ أو يستخدمها استخدامات أخرى لا صلة لها بالزراعة ، أو يستأجر عمالا لزراعتها ويشرف عليهم وهو فى الحالات الثلاث ليس فلاحا ، أما إن زرعها بنفسه أى بيديه.. ساعتها يصير فلاحا .
فإذا ما وجد أن عائدها فى الحالات الأربعة السابقة أقل من عائد ثمنها لو استثمره فى مجال آخر أو فى البنوك باعها وغيّر نشاطه أو حول ثمنها لوديعة مصرفية تدر عائدا.

إذن فالفلاح هو من يفلح الأرض أى يجعلها صالحة للزراعة و يمهدها وينتج منها الخيرات :

فيقتلع منها النباتات والحشائش البرية ويحدد قنوات الرى ( إليها وداخلها ) ، ويصنع مسارب أخرى لصرف الماء الزائد عنها ( فى حالة رى الحياض .. أو زراعة الأرز )، ويشقها ويقلبها بمحراثه ويعرضها للشمس والهواء ، وربما يحفر بالقرب منها مصارف صغيرة لخفض منسوب الماء الأرضى ، ويسوى سطحها ويتحكم فى مستوى انحدارها ، ويخططها لتسهيل ريها وزراعتها ، وينثر البذور ويرويها ، ويقوم بعملية الخف ( تقليل أعداد النبتات البازغة ) ليتناسب عددها مع المساحة المحيطة بها من الأرض من حيث الإمداد بالغذاء أو لإتاحة الفرصة لمرور الهواء بينها عندما تكبر تيسيراً لبعض العمليات الحيوية الداخلية ولانتقال حبوب اللقاح منها وإليها .

ويقوم بعزقها لتمهيد التربة وتنعيمها حول سيقان النباتات لمزيد من تثبيتها بالأرض تحوطا لتيارات الهواء الشديدة وحرصا على احتفاظها بنسبة من رذاذ المياه والهواء تساهم فى تحملها درجات الحرارة المرتفعة .
و ” يخف ” أحيانا أوراقها – أى يقلل عددها – قبيل عملية الإزهار وعقد الثمار لتحويل الغذاء من الأوراق إليها ولتعريضها لمزيد من أشعة الشمس لإسراع إنضاجها .

ناهيك عما يقوم به من علاج للتربة بإضافة بعض المواد الطبيعية كـ ( تراب الأفران ) أو الجبس أو السماد العضوى وغيرها … وعشرات العمليات الصغيرة والهامة التى تتطلب يقظة تامة ومراعاة مستمرة وعيونا لماحة مثل ريّها بما يتناسب مع احتياجاتها المائية ( محدودة أو غزيرة ) أو تسميدها ( بنوع من السماد أو آخر ) فى لحظات بعينها استنادا إلى حالة الطقس واحتمالات سقوط المطر وعمر النبات أوظهور أعراض محددة تتطلب إمدادا خاصا و نجدة عاجلة بنوع معين من السماد.

صحيح أنه قد لا يدرك الأسس العلمية لكثير من هذه العمليات الصغيرة لكن حاسته وخبرته ودقة ملاحظته تمكنه فى غالب الأحيان من معرفة الكثير منها وتسهل له إدراك نتائجها والربط بينها وبين الأسباب حتى ولو لم يعرف أسسها .. إلا أن الخبرة العملية تظل هى المحدد لما يتخذه من قرارات وما يقوم به من ممارسات فى أرضه ومع نباتاته وحيواناته وهى كثيرة وثمينة فى كل الأحوال.

وعموما فحرفة الزراعة كتاب لا تنتهى صفحاته على الإطلاق لسبب بسيط هو أن مدخلاتها لا تقتصر على مستلزمات الزراعة المعروفة بل إن ظروف المناخ وتقلباته ( كضوء الشمس والهواء والضغط والمطر والرياح ونسبة الرطوبة ودرجة الحرارة ) ضالعة فيها كعوامل لا يمكن حسابها بدقة أو التحكم المطلق فيها مهما كانت براعة توقعها فضلا عن طبيعة الأرض وقوامها ودرجة تماسكها ( خفيفة أو ثقيلة ) وكيماويتها ( حامضية أو محايدة أو قلوية ) ونوع وسلالة المحصول المنزرع إضافة إلى نوعية بعض مستلزمات الإنتاج المستخدمة وعلى الأخص المبيدات والأسمدة المختلفة وجودتها وتأثيراتها .. وهذه كلها تأخذ مكانها كعناصر لا تتجزأ من مدخلات الزراعة .. ولذلك تختلف الزراعة عن الصناعة فى هذا الجانب اختلافا جوهريا خصوصا من زاوية الخبرة.

وحينما يحين وقت الحصاد يجمع الفلاح حصيلة جهده .. التى قد لا تتناسب مع توقعاته فى بعض الأحيان لكنه فى كل الأحوال يشعر بأنه كدّ وتعب ويحصل الآن على ثمار هذا الجهد. لذا فما يتعلق بأرضه ونباتاته وما يجرى بينه وبين حيواناته علاقة لا يمكن فصمها بسهولة إلا إذا جُرّدَ من أرضه وفقد حيواناته. وساعتها يشعر ألا قيمة له بدونها .. فالأرض أساسا والحيوان هما من حققا وجوده – كيانه وشخصيته – وباختفائهما يختفى هذا الكائن ولا يستمر فى القرية.

ورغم عشقه البالغ لحرفته وشعوره ألا حرفة سواها بل ولا أهم منها .. لا يدرك أنه هو مَنْ أسسَ لحياة الآخرين بل وأبقاهم على قيدها .. هذا على مستوى الوطن ، أما على مستوى أوسع .. فقد علّم كثيرا من الشعوب حرفة الزراعة و كان له فضل نشرها فى كثير من أرجاء المعمورة بل وكان له فضل إطعام شعوب العالم القديم عندما ساءت أحوالهم فى الوقت الذى تراكم إنتاجه من الحبوب وصار موردا ومخزنا لذلك العالم المحيط.

لا يدرك فلاحنا ذلك لكن يدركه آخرون توفرت لهم فرص المعرفة والاطلاع والتأمل والتنقل من المفكرين والمؤرخين والمثقفين وبعض المهنيين.

من جانب آخر فليس كل من يملك أرضا يفعل ذلك إلا إذا كان فلاحا وتعمقت صلته بالفلاحة وامتلك كل هذه المهارات ؛ وعليه فالفلاح هو من يفلح الأرض بيديه وليس من يملكها لأن ملكية الأرض يمكن أن تتحقق بعشرات الوسائل لكنها لا توفر لمن يحصل عليها ما توفره للفلاح الذى نتحدث عنه من مهارات وقيم ووجدان وتكوين لا يستقيم ولا يتسق إلا (مع حرفة قوامها عناصر حية كالبذور والنباتات والحيوانات والطيور ووظيفة إنسانية جوهرها خلق مقومات الحياة للبشر). فالأرض كائن مهمته العطاء الدائم وقد عكست ذلك بقوة على أقرب أقاربها .. الفلاح.

لذلك وجب التفريق بينه وبين مالك للأرض لا يفلحها؛ وبمعنى آخر بين من يعمل فيها بيديه وبين من يقتصر دوره على تنظيم العمل الزراعى ، والتفريق بين من ينتج ويعول نفسه والمحيطين به وبين من ينتج للسوق والربح بل وبين من يُسَخر الآخرين فى الأرض ليسطو فى نهاية المطاف على كدهم لأنه لا وظيفة له سوى امتلاكها وهو طفيل يتغذى ويحيا على عرق من يقومون بإنتاج الخيرات وسد جوع الآخرين وحفظ حياتهم.

فالفلاح رغم أنه يزرع ويرعى – أرضه ومزروعاته وحيواناته – ويحصد نتاجها إلا أن ما يعود عليه منها يحتاج إلى قراءة متأنية ومراجعة.. للتيقن من انعكاس ذلك على حياته بما يناسب مهمته الجليلة التى يقوم بها وجهده الذى يبذله .. أم أن هناك فى الأمر أقوال أخرى..؟!
خلاصة القول :
أن القصة الأخيرة فى الزراعة كالقصة الأولى.. ليس أن تزرع وترعى وتحصد ؛ بقدْر ما هى .. بمن ستزرع وترعى..؟ ولمن ستحصد .. ؟!.

]]>
http://tadamon.katib.org/2018/02/18/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9/feed/ 0
القصة الأولى فى الزراعة .. ورقة مقدمة لمؤتمر” 7 سنوات على ثورة 25 يناير 2011″ http://tadamon.katib.org/2018/02/18/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d9%88%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d9%84%d9%85/ http://tadamon.katib.org/2018/02/18/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d9%88%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d9%84%d9%85/#respond Sun, 18 Feb 2018 17:19:38 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1242 القصة الأولى فى الزراعة
ورقة مقدمة لمؤتمر” 7 سنوات على ثورة 25 يناير 2011″
بتاريخ 27 يناير 2018
ينظمه حزب التحالف ا لشعبى الاشتراكى بالقاهرة
،،،،،
مقدمة:
القصة الأولى فى الزراعة .. ليست أن تزرع وترعى وتحصد.. قدْرَ ما هى .. بمن ستزرع وترعى .. ولمن ستحصد …؟
كذلك فالمسألة الزراعية شئ .. والمسألة الفلاحية شئ آخر.. فالأولى قضية جزئية ومعظمها فنى وتقنى بينما الثانية قضية سياسية تشمل الأرض والزراعة والفلاحين والصلة التى تربطها معا.
ولأن المساحة المأهولة بالسكان فى مصربما فيها الأرض الزراعية – الدلتا والوادى – لا تتجاوز 1/40 من مساحتها الكلية.. كان من الضرورى الحرص عليها حرصنا على حدقات عيوننا . فتربة مصر الزراعية التى تزرع وتثمر ثلاث مرات فى العام هى الشريان الذى يربطنا بالحياة ؛ والجور عليها لا يعنى سوى حرماننا من الاستمرار على سطح الأرض.
فأرض مصر لها وظيفة اجتماعية وتلك بديهية مصرية – سياسية واقتصادية واجتماعية بل وبيولوجية – لا مجال لتجاهلها أو التهرّب منها أو التعمية عليها.
فالفلاح ليس مجرد عنصر من عناصر وسائل الإنتاج الزراعى فحسب (مساوى ) للحيوان أو الآلة كما يروّج المالتسيون والرأسماليون بل هو هدف من أهداف الإنتاج الزراعى لأنه أولا : يبذل الجهد فى العمل (فى إعداد الأرض وزراعتها ورعاية المحصول وخدمته ثم فى حصاده). وثانيا : هو مواطن يجب أن يحصل على حقه فى ناتج الثروة القومية ومنها الزراعة.
ناهيك عن تاريخه فى ابتداع بديهية الاستقرار البشرى حول الأنهار؛ ودوره فى نشر حرفة الزراعة فى أرجاء المعمورة ؛ وتأثيره الحدى فى حماية العرق المصرى من تقلبات الطبيعة ومن العسف والغزو والانتهاك والتجويع والانقراض.وقبل ذلك وبعده هو من أعطى مصر اسمها كسلة لغلال العالم القديم ومنارة له.. حتى الحضارة المصرية التى يفد البشر من أركان العالم للتمتع بها .. هو أبرز بنائيها .
هل تنهض الزراعة بمفردها ..؟ :
من بديهيات الاقتصاد المعاصر تقلُص أعداد العاملين فى الزراعة لصالح الصناعة ، وبسبب التقدم التكنولوجى بالغ السرعة تقلصَ وقتُ الإنتاج اليدوى وقل الجهد البشرى لحساب الإنتاج الآلى. ففى بداية القرن العشرين كانت نسبة العاملين فى الزراعة فى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية 65% من مجموع القوى العاملة؛ تقلصت إلى 40 % فى نهاية الحرب العالمية الثانية ثم وصلت إلى 3% فى نهاية القرن العشرين.. ورغم صواب هذا المبدأ فإن المجتمعات الفقيرة كمصر- رغم خضوعها له – لا تخضع لمعدلاته. ولكى تتم الاستفادة من القوى العاملة المتوفرة من مجال الزراعة لابد من ابتداع مجالات عمل أخرى لاستيعابها ؛ وهو ما يفترض أن تتولاه الصناعة سواء باستقدام هؤلاء إلى مشاريعها فى المدن أو فى الصناعات الغذائية المقامة فى الريف والمعنية بتصنيع ناتج الأرض والحيوان.
والتفكير فى اتخاذ أى طريق غير الصناعة- مثل المشروعات الصغيرة أو المتناهية الصغر- مجرد وهْم يدفع الفلاحين الذين لفظتهم وتلفظهم الزراعة إلى الهجرة إلى المدن لا كعمال منتجين بل إلى مشردين وهو ما تبدو مؤشراته ظاهرة للعيان . لذا فالصناعة – فى عصرنا هذا وما يتلوه من عصور قادمة – هى قاطرة الزراعة بل والاقتصاد فى عموم المجتمع.. بمعنى أنه بدون تطوير الصناعة ونشر التعليم والتدريب وبدون استيعابها لهؤلاء الفلاحين السابقين وللفائض من العمالة الزراعية لن تقوم لفلاحينا أو لزراعتنا قائمة .
مع ملاحظة أن هناك فارقا :
• بين ألا تحتاج الزراعة لبعض أبنائها الممتهنين لها من واقع زيادة سكان الريف ومن واقع التقدم التكنولوجى الذى يقلص أعداد الفلاحين العاملين- وقتا وجهدا- فى رقعة زراعية لا تتسع بل تتجه للانكماش..
• وبين أن ندفع بإجراءات ” سلمية ” وعنيفة أعدادا متزايدة من الفلاحين خارج الأرض لأسباب أخرى يتعلق أغلبها بالأنانية وامتلاك السلطة والنفوذ والهيمنة.. ناهيك عما يتم الاستحواذ عليه فى هذا السياق من أراضى الدولة والأراضى المستصلحة بنفس تلك الذرائع.
أبرز القضايا ( أو الإشكاليات ) الفلاحية فى مصر:
أولا : التبعية للخارج:
لعبت إجراءات الردة عن السياسة الزراعية الناصرية التى قام بها السادات منذ بداية سبعينات القرن الماضى الدور الأبرز فى تخريب الزراعة المصرية . هذا وقد تمثلت فى رفع الدعم عن مستلزمات الزراعة ( بذور ، أسمدة ، مبيدات ، آلات ، أعلاف ، أمصال ولقاحات ) ؛ والقروض ( بتحويل بنك التسليف التعاونى لبنك تجارى باسم بنك التنمية والائتمان الزراعى .. ورفع أسعار الفائدة إلى ثلاثة أضعافها .. والسطو على أموال الجمعيات الزراعية لصالح بنك التنمية ) ؛ ورفع ضريبة الأطيان التى رفعت تلقائيا إيجارات الأراضى الزراعية؛ فضلا عن العبث بقانون الإصلاح الزراعى الذى تمثل فى سلخ الأراضى الصحراوية من تطبيق الحد الأقصى للملكية التى نص عليها قانون الإصلاح ، ورفع الحراسة عن بعض أراضى الإقطاعيين ( بالقانون 69 لسنة 1974) ، واستعادة هيئة الأوقاف – بالقانون 42 / 1973- لأراضى الأوقاف الزراعية التى اشترتها هيئة الإصلاح منها فى وقت سابق ( عامى 1957، 1962 )..إلخ . هذا وقد استكملها مبارك بإلإجراءين التاليين :
• الأول: هو إصدار قانون الإيجارات الزراعية ( 96 لسنة 1992 ) الذى أنهى كل عقود الإيجارغير محددة المدة نهائيا ورفع إيجارات الأراضى الزراعية إلى عنان السماء وشرد مئات الآلاف من المستأجرين.. وشكل ضربة قاصمة للزراعة والفلاحين الفقراء والصغار.
• والآخر: هو هيكلة الزراعة المصرية تحت إشراف البنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية وهيئة المعونة الأمريكية وذلك فى المؤتمر الدولى المنعقد فى وزارة الزراعة المصرية فى فبراير 1992 وأوقف أى دور للدولة فى الزراعة المصرية سواء فى التخطيط أو التنفيذ وحوّل وزارة الزراعة إلى ديكور، كما أطلق يد الشركات متعددة الجنسية التى تعمل فى مجال إنتاج وتجارة مستلزمات الزراعة ( بذور ، أسمدة ، مبيدات ، أعلاف ..إلخ ) فى السوق المحلية ؛علاوة على القطاع الخاص والاستثمارى الذى لعب دورا بارزا فى تجارة تلك المستلزمات وفى تجارة المحاصيل التى ينتجها الفلاحون.. ومنح هؤلاء جميعا غطاء قانونيا.
-هذا وقد لعبت هيكلة الزراعة – مع ما اتخذ من سياسات سابقة فى عهدى السادات ومبارك- الدور الرئيسى فى رفع تكلفة الزراعة وتقليص نصيب الفلاحين من بيع محاصيلهم ومن ثم إضعاف الجدوى الاقتصادية لحرفة الزراعة مما دفع الفلاحين للهجرة من الريف وكذا تخلُص عدد من الفلاحين والملاك الصغارمن أراضيهم بالبيع ..إلخ هذا من ناحية.
-ومن ناحية أخرى أسهم قانون رفع الحراسة ( 69 لسنة 1974) عن بعض أراضى الإقطاعيين السابقين وقانون الإيجارات (96 لسنة 1992) فى طرد أعداد هائلة من الفلاحين من أراضى الإصلاح الزراعى والأراضى المستأجرة الأخرى.. وفتح الطريق دون قيود أمام كبار الزراع والملاك والمستثمرين وعدد من رجالات الدولة والمسئولين السابقين والمتنفذين وحكام الأقاليم وتجار القطاع الخاص للاستيلاء على تلك الأراضى والتوسع فى الزراعة الواسعة الكثيفة مستفيدين من هيمنة الشركات متعددة الجنسيات على قطاعات شاسعة من سوق مستلزمات الزراعة فى الريف.وقد خنقت تلك السياسات والإجراءات نمط الإنتاج الفلاحى الصغير الخاص بكل الفلاحين الفقراء والصغار فى مصر.. ودمر مقوماته ؛ونشرعصابات السطو المنظمة على الأراضى؛ وأشاع مناخا من الفوضى فى جنبات الريف؛ وأنهى على زراعة القطن بفعل فاعل وقضى على كثير من الصناعات المرتبطة به ، كما بعث الحياة فى قطاع كبار المستوردين المرتبطين مباشرة بقمة السلطة لدرجة منع زراعة محصول الأرز فى عدد من المحافظات لتقليص المعروض منه فى السوق المحلى بغية رفع أسعاره على المستهلكين وسد النقص بالاستيراد ؛ وأهدر كثيرا من الأراضى الزراعية الخصبة فى أعمال وإنشاءات غير زراعية.

ثانيا: السياسات العامة والسياسة الزراعية بين التعليمات الشفهية والنصوص القانونية:
تُشكل السياسات العامة والسياسة الزراعية حجر الزاوية فيما آلت إليه أوضاع الزراعة المصرية وأوضاع الفلاحين منذ عهد السادات وحتى الآن.
• فمنذ حكم السادات كان النظام الحاكم يغير القوانين ليستخدم مضمونها فى الارتداد عما كان ساريا من سياسات فى العهد الناصرى وتثبيت الوضع الناشئ عنها.. وكان يطبق ذلك بالتواء شديد وبشكل متدرج حتى لا يثير كثيرا من اللغط بشأنها .
• وفى عهد مبارك كان تغيير القوانين تكئة ومبرراً لصد أى هجوم مضاد أو رد فعل أو نقد قانونى بينما كان للسياسات العامة والزراعية تحديدا الدور الأبرز فى تحديد الوجهة التى يتخذها النظام بشأن تسيير أمور الزراعة ؛ خصوصا وأنه كان يخرق كثيرا من القوانين القديمة.. لكنه كان يسعى ألا يكون الخرق ملفتا للنظر لضمان إضعاف ردود الفعل لأدنى درجة.
• أما الآن فهو يخرق الدستور وبالتالى القانون .. ويستحدث من القوانين ما يدعم السياسة العامة – ومنها الزراعية – التى أصبحت سلطانا وحيدا فى الميدان بينما الدستور والقوانين المتسقة معه باتت فى إجازة.
ولا يمكن الفصل فصلا تاما بين العهود الثلاثة فى هذا الشأن إلا أن السفور والفجاجة فى هيمنة السياسة العامة على الحكم وخرق القوانين والدستور كانت تتم بشكل متدرج حتى أزاح الحكم عن وجهه – خلال السنوات الأخيرة – أى قدر من التلوّن والالتفاف والتخفى.
– ففى عهد السادات – وعلى سبيل المثال- تم إرساء كثير من التوجهات والسياسات العامة الجديدة من خلال قوانين محددة مثل رفع الدعم عن مستلزمات الإنتاج الزراعى ، تصدير القطن ببذوره ( وهو ما كان محرّما منذ نهاية القرن التاسع عشر ) ، وإلغاء قانون الدورة الزراعية، تغيير قانون التعاون الزراعى ، تحويل بنك التسليف لبنك تجارى ( التنمية ) ، سلخ الأراض الصحراوية من الحد الأقصى للملكية الخاص بقانون الإصلاح الزراعى، رفع ضريبة الأطيان ومن ثم رفع أسعار الإيجارات الزراعية تلقائيا ، حل الاتحاد التعاونى ومصادرة ممتلكاته..إلخ ، إصدار قانون رفع الحراسة ،إلا أنه لم يجرؤ على المساس بقوانين بعينها خشية رد الفعل وفى نفس الوقت أبطل مفعولها بعدم رصد ميزانية للنشاطات التى ينظمها القانون مثل الإرشاد الزراعى.
– وكانت الخطوة الثانية فى عهد مبارك.. الذى أصدر قانون الإيجارات عام 1992 ومن ثم تم طرد كل المستأجرين من الأراضى المستأجرة – عام 1997- حتى من أراضى الإصلاح الزراعى التى كانت واقعة تحت الحراسة.
ومنذ ذلك التاريخ لم يطبق أى وزير زر اعة المادة 90 من قانون الزراعة (التى تنص على حق مستأجر الأرض فى تسجيل الحيازة باسمه فى الجمعية الزراعية ) وتواطأوا جميعا – بتعليمات شفهية أو موثقه – على تسجيلها باسم مالك الأرض وليس زارعها ، بعدها عممت وزارة الزراعة على فروعها بالمحافظات قرارا إداريا يخترع تعريفا جديدا للفلاح ( مالك ما لا يقل عن 3 أفدنة ) رغم أن القانون المستهدف بالخرق ظل ساريا ( الفلاح هو حائز ما لا يزيد عن10 أفدنة ملكا أو إيجارا ويزرعها ويقيم بالقرية والزراعة عمله ومصدر رزقه ) وذلك تمهيدا لطرد كل الفلاحين الذين لا يملكون أقل من 3 أفدنة من الجمعيات الزراعية وحرمانهم من صرف مستلزمات الإنتاج.. وتضم تلك الفئة المنبوذة فلاحى الإصلاح الزراعى والأوقاف ومعظم فلاحى ( الائتمان والبدو وحواف الوادى).علاوة على تحصيل مديونيات الفلاحين المتعثرين بالحجز على الأرض الزراعية وليس على المحصول كان كان متبعا قبل ذلك أو محاكمتهم ومعاقبتهم بالسجن إن استحالت عملية الحجز المذكورة.
كذلك فتح الباب واسعا أمام الشركات الأجنبية العاملة فى مجال تجارة مسلزمات الزراعة وهو ما قضى على الأصناف المحلية من البذور ، وحاصر عمليات تصنيع الأسمدة البلدية وأسهم فى بيع مصانع الأسمدة الكيماوية أو خصخصتها ليسيطر التجار على سوقها.
كما صدرت تعليمات لهيئة الإصلاح الزراعى – بالمخالفة للقانون- بعدم تحرير عقود تمليك الأرض لفلاحى الإصلاح الزراعى الذين دفعوا كامل ثمنها .. وما زالت التعليمات سارية.
-أما مؤخرا فقد تم رفع أسعار الأسمدة الكيماوية عدة مرات ، وتعرض الفلاحون للمحاكمات العسكرية وقضوا فى السجن عاما حتى ثبتت براءتهم .
وفى ديسمبر 2014 – وبالمخالفة لكل قوانين التعاون التى صدرت خلال 60 عاما – صدر القانون رقم 204 لسنة 2014 الذى يعدل المادة 8 من قانون التعاون السارى وينص التعديل على حق المستثمرين فى مشاركة الجمعيات التعاونية الزراعية فى رءوس أموال الشركات التى تملكها – وهو ما كان محرما قبل ذلك- مما يساهم فى ابتلاع المستثمرين للجمعيات التعاونية كما حدث مع القطاع العام الصناعى.
ولايعنى ذلك أن جملة التوجهات والقوانين والإجراءات السابقة قد توقفت أو كفت عن السريان أوالتأثير على أوضاع الزراعة المصرية .. فالعكس هو الصحيح ..ويكفى أن نسترجع معدلات ارتفاع أسعار الغذاء فى السنوات الأربع الأخيرة خصوصا ما يتعلق منها بما يتم إنتاجه محليا كالخضرواللحوم والطيور ومحاصيل الحبوب والفاكهة والزيوت وغيرها لنتيقن من حجم المحنة التى تعيشها الزراعة ويعانيها الفلاحون ويتعرض لها مستهلكو الغذاء خصوصا من ذوى الدخول المحدودة.
ثالثا: هموم الفلاحين الفقراء والصغار من وجهة نظرهم :
تتركز تلك الهموم فى:
1- ضآلة المساحات التى يزرعونها مقارنة بمساحة الرقعة الزراعية من ناحية؛ ومنسوبة إلى حجم قوة العمل المتوفرة داخل أسرهم؛ وإلى ضيق فرص العمل الزراعى الأخرى المتاحة لتوظيف الطاقة المعطلة؛ وإلى احتياجاتهم المعيشية؛ و يقينهم باستحالة الحصول على مساحات إضافية أو بديلة فى الأرض الجديدة المستصلحة.
2- ضعف القدرة المالية بشأن تكاليف الزراعة فى عمليات الإعداد والخدمة والحصاد ؛ فضلا عن ارتفاع إيجارات الأراضى – للمستأجرين منهم – وكذا تكلفة مستلزمات الإنتاج الباهظة والقروض والضرائب.
3- ضعف – إن لم يكن صعوبة – القدرة على التسويق المحلى والخارجى لمحاصيلهم ومنتجاتهم بأسعار مجزية منسوبة إلى تكاليف الزراعة وارتفاع تكلفة المعيشة ؛ واستحالة تسويق بعضها كالقطن إلا فى حالة رغبة الدولة فى ذلك أو اضطرارها له.
4- يقين الفلاحين من تكالب الدولة والمتنفذين المحليين والتعاونيات وبنوك القرى وتجار مستلزمات الزراعة وتجار المحاصيل عليهم وتضييق الخناق على حقهم فى العمل والإنتاج ؛ وسعيهم للتخلص منهم ؛ وإحساسهم بالضعف البالغ نظرا لتدنى الدعم المعنوى والسياسى المفترض حصولهم عليه من قبل النشطاء فى صفوفهم ، فضلا عن اختفاء أو غموض أية مؤشرات توحى بالأمل خصوصا بعد ثورتى 25 يناير2011 ، 30 يونيو 2013 .
وهذا يعنى من وجهة نظرهم أن المخرج من الأزمة الراهنة فيما يتعلق بوقف تدهور نمط الزراعة السائد فى الريف ” نمط الإنتاج الفلاحى الصغير ” شبه مسدود ولا يوجد تصور أو قدرة على إيجاد ذلك المخرج فى هذا القطاع والذى تبلغ نسبة العاملين فيه حوالى 75 % من فلاحى مصر.

رابعا : الرقعة الزراعية وحدود إنتاجيتها القصوى وشروطها :
1- من المعروف أن للأرض وظيفة اجتماعية يتحتم الوفاء بها (هى توفير غذاء الشعب وكل ما يمكن أن تنتجه من احتياجاته الأساسية كالكساء والدواء ) وهى لهذا السبب تجُبُّ كلَّ أشكال ملكيتها القانونية.. بمعنى أن الأهداف الاجتماعية للأرض تحتل المرتبة الأولي قبل ميول ورغبات ملاكها الأفراد.وهذه الوظيفة الاجتماعية أشبه بالمبدأ الأعلى أو بالمبدأ فوق الدستورى – باللغة القانونية – التى تخضع لها جميع الحقوق والمطالب الأساسية فى المجتمع كحق الملكية وغيرها.
2- و يُقصَد بالرقعة الزراعية.. الأرض المنتجة؛ ولا يمكن الحديث عن الأرض دون ماء الرى ( المطرى ، والجوفى ، والنهرى ).، وفى تقديرات أخرى ودون الصرف.
وهى تشكل فى مصر أحد أهم معضلات الزراعة المصرية الدائمة نظرا لضيقها من ناحية ؛ وتناقصها المستمر ( بالبناء والتجريف ) من ناحية أخرى؛ ولزيادة السكان بمعدل يفوق معدل زيادتها بالاستصلاح بل ويفوق معدل زيادة إنتاجها.
3- ولأن الرؤية الرسمية الحاكمة لقضايا الزراعة فى مصر رؤية قاصرة ضيقة الأفق بالغة الأنانية.. ومرتبطة سياسيا وفكريا بسياسات خارجية مالتوسية النزعة فقد بات من الضرورى استبدالها بسياسة وطنية مستقلة تهتم بمستقبلها ومستقبل العاملين بها بشكل خاص لأنهما – الزراعة والفلاحين- عنصران حاسمان فى الاستقرار الاجتماعى والاستقلال السياسى والاقتصادى وهما أحد الشروط اللازمة للتقدم العلمى الذى هو قاطرة المجتمع الفكرية والثقافية.. والتكنولوجية.
– وبالنسبة للرقعة الزراعية يتحتم البحث عن المناطق القابلة للزراعة فى الساحل الشمالى وبعض مناطق الصحراء الغربية وحواف الوادى وسيناء والتعامل مع الأرض كعملة نادرة؛ ليس هذا فحسب بل ويتطلب الأمر العمل فى اتجاهين سينا والسودان لتعمير الأولى زراعيا وتوثيق الصلات بشعب السودان بالمستوى الذى يعود على الشعبين بالفائدة نظرا لامتلاكه مساحات شاسعة مهيأة للزراعة من ناحية وفيض من الماء المهدر فى المستنقعات والمبدد بالبخر من ناحية أخرى.
4- أما بالنسة للفلاحين فالمطلوب التعامل معهم باعتبارهم – ليسوا مجرد عنصر من عناصر الإنتاج الزراعى- بل باعتبارهم أهم أهدافه فضلا عن أنهم أهم أدواته.
5- ونظراً لضعف عمليات الاستصلاح .. سواء لأسباب سياسية مثل رغبة إسرائيل فى منع تعميرسيناء زراعيا أو لأسباب اقتصادية مثل هزال البرامج المتبعة فى الاستصلاح التى تراعى احتياجات ومصالح الشركات الاستثمارية الكبيرة وتتجاهل احتياجات الفلاحين؛ أو بسبب ” تكويش ” رجالات الدولة وكبار المستثمرين على ما يتم استصلاحه منها أولا بأول.. أصبح من الضرورى النظر إلى التوسع الأفقى بمنطق مختلف ؛ فلا استصلاح دون مياه.. ولامياه دون النيل الذى تكتنف مياهَه مشاكلُ جمة مع دول حوض النهر علاوة على ما يتم فقده منها فى المستنقعات الاستوائية الإفريقية وبالبخر ولذا فإن توجيهَ جهد نوعى سياسى واقتصادى وعلمى تجاه تلك الدول يعتبرقضية جديرة بالاهتمام لأنها المنبع الحقيقى لتوسيع الرقعة الزراعية أفقيا .
5- ويشكل تعديل السياسة الزراعية الرسمية أحد الشروط الهامة لتوفير مياه الرى وزيادة المساحة المنزرعة بمساحات إضافية وإنهاض الزراعة ؛ فضلا عن إمكانيات التوسع الرأسى التى يدعمه توفير مياه الرى واستنباط سلالات جديدة ذات احتياجات مائية قليلة من المحاصيل ذات الاحتياجات المائية العالية كالأرز وهو ماتحقق الكثير منه بالفعل- فى قسم الوراثة بكلية الزراعة بالزقازيق- بسلالات تتساوى فى احتياجاتها المائية مع الذرة ؛ وسلالات أخرى تجود زراعتها فى الأرض الرملية ؛ ومنها استحداث طرق زراعة حديثة توفر المياه مثل زراعة الأرز على مساطب ( كما حدث عام 2004 فى تجربة علمية بقرية بياهمو بالفيوم نفذتها السيدة نوال خميس تحت إشراف معهد البحوث المائية )؛ ومعالجة مياة الصرف الزراعى والصحى وإصلاح منظومة الرى لمنع التسرب والهدر.. ومنظومة الصرف لمنع ارتفاع منسوب الماء الأرضى وتدهور التربة الزراعية ؛ ليس هذا فحسب بل واستنباط سلالات نباتية وحيوانية عالية الإنتاج ومقاومة للظروف البيئية الصعبة وللأمراض ؛ علاوة على إجراءات أخرى منها حظر استخدام المياه فى المنتجعات والمناطق السياحية وملاعب الجولف وحمامات السباحة بالمعدلات والشروط الحالية ووضع ضوابط لها .

الفلاحون بين التفجرات الاحتجاجية والتحول إلى حركة اجتماعية :
يجرى الحديث عن الاحتجاجات الفلاحية تارة باعتبارها حركة اجتماعية وتارة أخرى باعتبارها مجرد تفجرات وقتية ما تلبث أن تخبو عقب فورانها.
ويمكن القطع بأن الفلاحين هم أكثر المصريين تضررا ومعاناة من السياسة العامة الرسمية التى تترجم استبداد وفساد أنظمة الحكم التى تعاقبت عليهم طوال تاريخهم وبالذات خلال ما يقارب النصف قرن الأخير:
• فقبل يوليو 1952 انفرد كبار الملاك الإقطاعيين بقطاع واسع منهم للعمل بالأرض بنظام السخرة إلى أن صدر قانون الإصلاح الزراعى ( 178 /1952 ) بإعادة توزيع ما زاد عن ( 300 فدان للأسرة ، 200 فدان للفرد) على صغار وفقراء الفلاحين ، ولأن نظام الحكم الجديد تشكلت أعمدته الرئيسية من عدد من ضباط الجيش وكانت له تحفظاته على الأحزاب السياسية القائمة فقد استعان بجهاز الدولة القديم المعادى فى تنفيذ قانون الإصلاح الزراعى الوليد ناهيك عن أن ما صادره من أراض فور صدور القانون كان يقتصر على العائلة المالكة. بينما ظلت بقية الطبقة بمنأى عن ذلك لمدة 5 سنوات امتدت لسبعة استنادا لنص المادة 4 من القانون التى أجازت التصرف فيما زاد عن الحد الأقصى المسموح به من الأرض لصغار الفلاحين. وقد لعبت تلك المادة دورا حاسما فى تمكين معظم أفراد الطبقة الإقطاعية من تهريب مساحات شاسعة من أراضيها خصوصا وأن خبر العزم على إصدار القانون قد تسرب لها من عناصر داخل مجلس قيادة النظام الجديد أو من الدائرة الضيقة المحيطة به. ورغم كثير من المآخذ على القانون وتطبيقه إلا مثل للفلاحين طوق نجاة من السخرة والوضع المتردى الذى عاشوه فى ظل نظام الإقطاع.
وبوفاة عبد الناصر تحالف ضدهم نظام الحكم فى عهدى السادات ومبارك مع الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات العاملة فى مجال إنتاج وتسويق مستلزمات الزراعة ( بذور ، أسمدة ..إلخ )؛ حيث أدار مكاتب تلك الشركات فى مصر كثير من أبناء رجال الأعمال والمتنفذين وشخصيات وثيقة الصلة بكبار المسئولين فى الدولة، وكان تفكيك نمط الإنتاج الفلاحى الصغير هو هدف تلك الشركات للسيطرة المطلقة على السوق المحلي.
• وشارك فى ذلك التحالف كبار الزراع الذين سقطت وتسقط فى أيديهم كثير من الأراضى التى تغتصب من الفلاحين أو يتركها مستأجروها أو يبيعها ملاكها الصغار لانخفاض جدواها الاقتصادية ؛ حيث الهدف هو تأسيس المزارع الواسعة المستخدمة للبذور المهندسة وراثيا والهرمونات فيما يعرف بنمط الزراعة الكثيفة.
• فضلا عن كبار المستثمرين فى مجال التصنيع الزراعى .
وقد استخدمت الدولة مع الفلاحين كل الأساليب العنيفة ؛ وغير العنيفة لتحاصرهم وتشعرهم بانعدام الجدوى الاقتصادية لحرفة الزراعة.. لتجريدهم من الأرض ، بل ولم تخجل من مخالفة القوانين السارية لإزاحة 75 % من الفلاحين ( ملاك أقل من 3 أفدنة ) بعيدا عن الجمعيات التعاونية الزراعية إلى نقابة عمال الزراعة بتغيير صفتهم القانونية من فلاحين إلى عمال زراعيين مستهدفة حرمانهم من الخدمات التى تقدمها التعاونيات إمعانا فى إبعادهم عن الأرض والزراعة [ القانون المصرى يعرّف الفلاح بأنه : من يعمل بيديه فى حرفة الزراعة ولا يزيد ما يملكه هو وأسرته عن عشرة أفدنة ].
لم تكن تلك المعاناة قاصرة على فلاحى أراضى الإصلاح الزراعى بل شملت كذلك فلاحى أراضى الأوقاف؛ والأراضى المستصلحة القديمة والحديثة ؛ وأراضى الائتمان ( العادية ) ؛ وأراضى وضع اليد ؛ وأراضى البدو وحواف الوادى.. وكان وعى الفلاحين المتدنى وافتقارهم لتنظيمات نقابية تدافع عنهم ( فالقانون آنذاك يجرّم تأسيسها ) هو العقبة التى منعتهم من المشاركة فى ثورة 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 بل وأثرت – فيما سبق – على قدرتهم على صد الهجمات التى يتعرضون لها يوميا لتجريدهم من الأرض وحرمانهم من الزراعة.
الفلاحون والثورة :
لم يختلف سياق الأوضاع الفلاحية قبل وبعد الثورة كثيرا لأن ما تغير هو مدى سطوة الشرطة فى أعقاب ثورة 25 يناير وكان لما نالها من هزيمة أثره الأكبر معنويا فالإحساس بالمهانة والانكسار كان هو العنصر الطاغى على وضعها ومسلكها اللاحق .. بعد أن كانت الطاووسية والعنجهية والبلطجة سماتها الغالبة فى وضعها السابق؛ ولعل الكثيرين يتذكرون حالة الاستنكاف عن العمل الميدانى التى اعترتها فيما يتصل بشكاوى الجمهور فى أعقاب الثورة ، ومن ناحية أخرى كانت تلك المهانة والانكسار السبب الرئيسى فى حالة التوحش الثأرية التى انتابت أجهزة الشرطة مع عدد من قطاعات الشعب بعد استردت بعض عافيتها فيما بعد.
ولأن ما يحرك الإنسان هو الوعى أو الوعى بالظلم فإن أحداث الثورة لم تدفع من الفلاحين للاحتجاج- على أوضاعهم – سوى من فقدوا أرضهم ومصدر رزقهم وأصبح ظهرهم للحائط .. وهؤلاء هم من تحركوا لرد الظلم واسترداد الأرض. أما عشرات الأسباب الأخرى التى تشكل أنواعا وألوانا من الظلم لا تحصى ولا تعد وتستدعى الاحتجاج فلم ( يرقى ) لها وعى الأغلبية الساحقة من الفلاحين ولم تشكل دافعا للحركة ضد النظام أو حتى ضد مديريات الزراعة والرى أو الجمعيات الزراعية العامة فى المدن بل ولم تدفعهم مشاهدتهم لاحتجاجات الشباب فى الشوارع على شاشات الفضائيات إلى المشاركة وتلك هى النقطة الجوهرية فى العلاقة بين الفلاحين وثورتى 25 يناير و 30 يونيو. ففى مجتمع واحد هناك قطاعات حركها وعيها للاحتجاج والمشاركة فى الثورة بل والفداء بينما فى نفس المجتمع توجد قطاعات لم تحرك ساكنا .. ولا يمكن التشكيك فى شرف أى منهما لكن الفارق الفعلى كان فى الوعى.
وبالمناسبة فالثورة أرست مقولات جديدة فى الحياة السياسية منها:
• كسرجدار الخوف الذى بناه نصف قرن من العزلة والانقطاع عن الحياة السياسية ومصادرة الحريات وتوحش أجهزة الأمن.
• ومنها إمكانية الإطاحة برأس الدولة إن انحرف أو فسد.. فلا مقدس فى السياسة والحكم.
• ومنها أن الاعتراض الفردى شئ والاحتجاج الجماعى شئ آخر.
• ومنها أن اللصوصية لا تقتصر على النشل فى الأوتوبيسات العامة والأسواق والموالد بل تشمل الكثيرين من أصحاب الياقات البيضاء وذوى النفوذ بل وكثير من الحكام مركزيين و محليين.
لكن مثل هذه المقولات عندما تضاف لمعلومات بعض البشر تدفعم للتمرد أو للاحتجاج وقد تدفع آخرين لليأس والقنوط والاعتكاف أو لاعتزال الحياة ، ونفس تلك المعلومات تدفع البعض لإدراك أن الظلم ليس من مقتضيات القضاء والقدر بل من فعل البشروبالتالى فإزاحته والتخلص منه لا يتم إلا بأيدى البشر .. بينما تدفع البعض الآخر لتصور أن ذلك من فعل القضاء والقدر ولذا فإزاحته ليست من وظيفة البشروما علينا إلا الانتظار حتى يجرى التخلص منه أو يرحل طواعية.. فهو كما جاء.. سوف يذهب ..إلخ.
ولعل البعض منا يذكر أن عددا من فلاح الإصلاح الزراعى عندما طردهم ورثة الإقطاعيين من الأرض التى حصلوا عليها من هيئة الإصلاح الزراعى لم تثر ثائرتهم ولم يكافحوا كى يستردوها وكان تعليقهم : لقد أعطانا الله هذه الأرض عندما كنا معدمين واستردها منا بعد أن تحسن حالنا .. إنها إرادة الله . وعلق فلاح آخر بشكل مختصر لكن بنفس المنطق والعقلية قائلا : ألله جاب .. ألله خد .. ألله عليه العوض.
من هنا نرى أنه بعد إسقاط رأس النظام السابق فى 11 فبراير 2011 حدث لبعض الفلاحين شئ مغاير:
– حيث شرع بعضهم فى استرداد ما اغتصب منه من أراض .
– وثار آخرون واحتجوا على تعنت الدولة معهم بشأن نقص المياه ومستلزمات الزراعة.. والمغالاة فى إيجارات الأرض الزراعية وأرض الكتلة السكنية.
– بينما قام بعض ثالث بالتظاهر ضد هيئات رسمية بعينها أو أشخاص ومسئولين اغتصبوا أراضيهم أوهدموا منازلهم.
• هذا وقد فجر بعض الأهالى ( بمنطقة طوسون ) بحى المنتزة / شرق الإسكندرية أولى هذه الأعمال صباح الجمعة 28 يناير 2011 وبعدها تتالت حركات الفلاحين واحدة إثر أخرى:
– هذا وكانت الدولة فى مايو 2008 قد قامت بهدم المنازل – التى بناها وسكنها منذ عشر سنوات أهالى منطقة طوسون- فوق رؤوسهم وإزالتها حتى سطح الأرض؛ كانت مساحة الأرض 160 ألف متر مربع يملكها الأهالى بعقود شراء قانونية ، وبرغم حصولهم على حكم قضائى يدين الدولة ويطالبها بإزالة الآثار الناجمة عن هدم البيوت و تشريد سكانها ؛ بل وتعويضهم.. إلا أنهم – ورغم قيامهم بثلاثة وخمسين احتجاجا – لم يتمكنوا من تنفيذ الحكم بسبب مماطلة محافظ الإسكندرية ووزير الزراعة السابقين.
وفى صباح 28 يناير 2011 توجه عدد منهم للمنطقة التى كانوا يسكنونها وأنذروا الحراس بمغادرتها فورا فانصاعوا لهم ، وفى اليوم التالى شرعوا فى تخطيط المنطقة وإعادة بناء منازلهم واقترضوا من بعضهم البعض وسهل لهم تجار مواد البناء شراء ما يلزمهم منها بالأجل.. حيث أتم بعضهم البناء فى 3 أسابيع واستقر فى مسكنه الجديد .. بينما يستكمل الآخرون البناء واستعادة الأمل الذى بدا فى لحظات سابقة بعيد المنال.
• وفى منطقة طلخا بالدقهلية وفى 31 يناير 2011 قام عدد من فلاحى قرى ( سرسو ، وميت الغرقا ، وميت الكرما ، وكفر الجنينة ، ومنشاة البدوى، وجوجر، وكفر الخوازم ) باستعادة أراضيهم التى طردوا منها فى وقت سابق( 1997) رغم حصولهم على حكمين قضائيين نهائيين(3238/ 25 ق.إ عام 2007 و 2143 / 29ق.إ عام 1986) باسترداد الأرض وظلوا بها حتى فبراير 2015 حيث أعيد طردهم منها بقوات الشرطة وتواطؤ المحامى العام لنيابات جنوب المنصورة.
• أما فى غرب دلتا النيل وفى قرية العمرية بمحافظة البحيرة فقد تصدى الفلاحون مساء 14 فبراير 2011 لهجوم مسلح ببنادق الكلاشنكوف لمجموعة تابعة لرئيس مباحث أمن الدولة بالمحافظة كان قد اغتصب منهم 21 فدانا على ثلاث مرات خلال 5 سنوات؛ وبينما أصابت طلقات الرصاص بعضا من فلاحى القرية فقد استدعت – فى نفس اللحظة – آلاف الفلاحين من القرى المجاورة هبّوا لنجدة جيرانهم.. وتفرق المعتدون كالفئران المذعورة- بعد أن أشعلوا النار فى قصر بناه ضابط الشرطة السياسية على الأرض المغتصبة- ليتمكنوا من الهرب خلف ساتر دخانه ، وعلى التو شرع الفلاحون فى استرداد الأرض التى اغتصبها الضابط الكبير وقاموا بزراعتها.
• بعدها مباشرة وعلى بعد 5 كيلومترات من العمرية قام فلاحو قرية البرنوجى باسترداد خمسين فدانا كانت قد اغتصبتها منهم أسرة نوار الإقطاعية فى أواسط ثمانينات القرن الماضى ، وهو نفس ماحدث فى قرية عزبة عاكف على مسافة كيلومتر واحد من العمرية.
لقد كانت هذه الأيام فى تلك القرى أشبه بأيام الأعراس الحقيقية التى لم يشهدها الريف منذ سنوات طويلة .. وكنت تقابل الفلاحين فى الشوارع مبتسمين والفرحة تعلو وجوههم.
• أما فى منطقة المعمورة بشرق الإسكندرية فقد قام الفلاحون باسترداد سبعة وثلاثين فدانا كانت هيئة الأوقاف ( إحدى مؤسسات الدولة ) قد باعتها – رغم أنها لا تملكها – لجمعيات إسكان ضباط أمن الدولة ؛ وشرطة الإسكندرية وشرطة كفر الشيخ ، وقضاة وزارة العدل ومحكمة النقض وهيئات أخرى.
وكان أحد قادة الفلاحين ( حسن شندى ) قد تعرض للإغتيال فى وقت سابق ( سبتمبر 2009 بسبب مقاومته لاغتصاب الأرض ورفضه التنازل عنها وفضحه لبطلان عمليات بيع هيئة الأوقاف للأرض مستندا على وثائق رسمية قدمها للقضاء.
• كما قام بعض فلاحى قرية البقلية بمحافظة الدقهلية- شرق دلتا النيل – فى 18 فبراير 2011 باسترداد أجزاء (40فدانا ) من الأرض التى اغتصبت منهم فى 2003 وقاموا بزراعتها.
• وفى نفس المنطقة قام فلاحو سبعة قرى (البقلية ، منية سندوب ، الزمار ، شاوة ، تلبانة ، ويش ، ميت الأكراد ) بمظاهرتين حاشدتين فى24 ، 28 فبراير 2011 بمدينة المنصورة عاصمة الدقهلية ضد هيئة الأوقاف التى ترفع إيجار الأرض- التى يستأجرونها ويزرعونها منذ عقود – بشكل متواصل وبمستوى يتجاوز قدراتهم المالية ؛ كما أنها تتعسف فى بيع أرض الكتلة السكنية لهم بأثمان مبالغ فيها مخالفة بذلك القوانين والقرارات الرسمية الصادرة فى هذا الشأن.. رغم أن مساكنهم بنيت عليها منذ عشرات السنين.
هذا وقد تراوحت أعداد المشاركين فى المظاهرات بين 3- 5 آلاف فلاح حاصروا مبنى الأوقاف بالمدينة الذى هرب موظفوه.. بعدها تحول الحصار إلى ديوان المحافظة ، وقد احتك بهم الجيش لكن سرعان ما انتهى ذلك بعد دقائق قليلة.
• وفى محافظتى الشرقية والاسماعيلية تكرر نفس الاحتجاج مرتين (21 و 27 فبراير2011 ) فى كل منهما نظرا لمطالبة الأوقاف لفلاحى الإصلاح الزراعى بإيجار لأرض الكتلة السكنية التى سبق لهم شراءها ضمن الأرض الزراعية كما نصت عقود تملكهم للأرض ، وقد تجاوزت أعداد المشاركين الثلاثة آلاف متظاهر.
• كما نظم فلاحو أراضى الأوقاف فى 13 فبراير 2011 مظاهرة أخرى بالقاهرة أمام مبنى مجلس الوزراء ضمت مشاركين من محافظات الدقهلية والغربية والإسكندرية حيث أخطروا رئيس الوزراء وممثل القوات المسلحة بمطالبهم كاملة.
عموما كان أداء الفلاحين فى معظم هذه الاحتجاجات أداء قويا وينم عن بأس شديد وعزيمة وحكمة واضحة.
– لقد بدأ معظم الفلاحين فى التحرك بعد 11 فبراير 2011 وبطريقتهم الخاصة فمن كانت لهم أرض مغتصبة استردوها أو استعادوا المتاح منها؛ ومن هوجموا بالسلاح فى أراضيهم ردوا بعنف ، ومن عوملوا بخشونة أثناء احتجاجهم أوقفوا الخشونة بندية واضحة ؛ ومن أرادوا إخطار الجميع بعدالة قضيتهم كان زئيرهم مرعبا يخلع القلوب؛ وفى كل الحالات أعلنوا مطالبهم بجسارة .

الجيش يقطع المنحنى الصاعد لرد الفعل الفلاحى :
– لقد ظل منحنى الاحتجاجات صاعدا وقويا حتى أوقفه المجلس العسكرى ووزارة شرف بقرار يُجرّم الاحتجاجات الفئوية.. وللأسف ففيما بعد وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة – وبعد أن أعيد ترميم قوات الشرطة- تم طرد كثير من الفلاحين الذبن استردوا أراضيهم أثناء وفى أعقاب الثورة كما جرت مساومة البعض الآخر منهم على اقتسام الأرض .. واشتعلت جرائم حصار البعض الآخر بتقليع مزروعاتهم وحرقها وتسميمها وسرقة مواشيهم بل وتهديدهم بالقتل وكذا بتلفيق القضايا لهم ( بالنصب والاحتيال ، والبلطجة ، واغتصاب الحيازة ،والسرقة وغيرها )، ومن ناحية أخرى تدخلت بعض قوات الشرطة العسكرية فى تلك الصراعات .. التى دفعت ببعض الفلاحين للوقوف أمام المحاكم العسكرية ومعاقبتهم بالسجن خمس سنوات .. وقد عانوا بشدة حتى تمت تبرئتهم بعد عام .. كما يتضح في الآتى :
– داهم الجيش قريتين فى 22 مارس 2011 واحدة فى محافظة البحيرة ( العمرية ) والأخرى فى شرق الإسكندرية ( حوض 13 بالمعمورة ) وقبض بشكل عشوائى على 9 مواطنين وقدمهم لمحاكمات عسكرية عاجلة انتهت بمعاقبة ثمانية منهم بالسجن 5 سنوات وتذمر الفلاحون لأنهم المعتدَى عليهم أصلا بل و دائما ، ولم يتح لمحامييهم مهمة الدفاع أو حتى دخول قاعة المحاكمة التى كانت تعقد فى سجن الحضرة بالإسكندرية ؛ باختصار لم يخضعوا لمحاكمة طبيعية عادلة يقدمون فيها دفوعهم ؛ بينما كان بعضهم قادما لتوه من عمله ولم يشارك فى أية مواجهات أو احتجاجات ، وكان البعض خارج مصر كلها فى توقيت الواقعة ، والثالث فى دوام عمل ، والرابع يعمل خفيرا نظاميا ولا يخضع قانونا لمثل هذا النوع من المحاكمات، وقد حوسب الجميع على مخالفات لم يرتكبوها ووقائع لم يكونوا موجودين فيها بل ولا يوجد شاهد واحد يمكنه التأكيد على وجودهم خصوصا وأن الآلاف من الفلاحين هرعوا من كل القرى المجاورة إلى مكان الواقعة لنجدتهم وقت مغيب الشمس.
– خلاصة القول أن هذه المداهمات تركت شعورا مغايرا لدى الفلاحين عن القوات المسلحة غير ما تراكم لديهم عنها طيلة أيام الثورة وأصبحوا فى حيرة من أمرهم .. كيف يستردون حقوقهم من ناحية ؟ وكيف يتجنبون أو يردون العدوان عن أبنائهم من ناحية أخرى؟!
تنظيمات الفلاحين بعد الثورة :
وهنا نأتى لعدد من المحاولات التى جرت فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 التى شرعت فى فى بناء تلك التنظيمات.. وموجزها كالآتى :
1-أولها وأكبرها وأشهرها كانت النقابة العامة للفلاحين التى لعبت وزارة الزراعة الدور الأبرز فى تأسيسها وإن اختفت وراء ستار حيث كان وزير الزراعة ( أيمن أبو حديد ) عضوا فيها ورئيسا للجنة الشئون الخارجية بها (ضمت سكرتيرته وأحد مساعديه ) ، ولكى تحشد الفلاحين لها قامت بتسهيل حصول النقابة على مساحة من الأرض فى محافظة البحيرة من خلال إحدى الشركات الخاصة بتجارة الأراضى المستصلحة .. ولا نعرف كيف تم دفع مقدم ثمنها للشركة وكيف سمحت بذلك الهيئة العامة للمشروعات والتنمية الزراعية (وهى الإسم الجديد لهيئة استصلاح الأراضى التابعة لوزارة الزراعة ) أو كيف أغمضت العين عن ذلك بينما إعلانات النقابة تملأ الصحف عن بيع الأرض بثمن مغرى للفلاحين وتحصل منهم مقدم الثمن شرط الانضمام للنقابة.
وفجأة توفى رئيسها محمد عبد القادر فى حادث سير وضاعت أوراقه وما كان معه من أموال. وتداعت الأمور داخل النقابة وتتابعت الشكاوى من بعض قادتها ومن الفلاحين المخدوعين وحققت النيابة واشتعل صراع الخلافة على الرئاسة وانتهى الأمر بانشقاق بعض أعضائها وتكوين نقابة أخرى فى سبتمبر 2013 تحت اسم نقابة الفلاحين والمنتجين الزراعيين.. وخلّف ذلك عددا من الصراعات النقابية والقضائية تتعلق بمخالفات مالية بشأن أموال الفلاحين التى دُفِعت كمقدم للأرض الموعودة .. وبمناصب النقابة.
هذا وكانت النقابة العامة للفلاحين تجمع فى عضويتها بين فقراء وصغار الفلاحين وبين تجار مستلزمات الزراعة ومقرضى الفلاحين والرأسماليين الزراعيين.
لقد أسفر ذلك الوضع – علاوة على الصراعات على خلافة الرئيس الراحل وتحقيقات النيابة بشأن أموال الفلاحين – عن انسحابات هائلة لأعضائها وفضيحة لوزير الزراعة ( عضو النقابة ومؤسسها الفعلى ) وانشقاق لبعض قادتها وأعضائها.
2-اتحاد الفلاحين المصريين : وهو من حيث تشكيله القيادى يعد امتدادا لاتحاد الفلاحين السابق ذى الصلات العضوية بحزب التجمع .. الذى تأسس فى ثمانينات القرن الماضى وكان يضم كثيرا من القيادات الفلاحية المعروفة على النطاق القومى وتواجد فى كثير من المحافظات الزراعية إلا أنه وبكل أسف انهار فى أكتوبر 1997 إبان تطبيق القانون 96 / 1992 حيث احتشد بمقره وحوله آلاف الفلاحين الراغبين فى الخروج من أزمة تطبيق قانون الإيجارات إلا أن فشل التوصل لحل كان القشة التى قصمت ظهر البعير خصوصا وأن الفترة بين صدور القانون المذكور وتطبيقه- 5 سنوات – قد تم إهدارها وكانت كفيلة بخلق معارضة فلاحية حقيقية للقانون. هذا وقد تعرض الاتحاد الجديد لانشقاق طولى فى إبريل 2014 أسفر عن اتحاد آخر تحت مسمى ” إتحاد الفلاحين والبدو ” يعمل تقريبا فى نفس النطاق الجغرافى.. ويتبنى معظم سياسات الاتحاد الأم.
3-إتحاد صغار المزارعين : ومركزنشاطه محافظة البحيرة ومقره بإحدى قرى مركز وادى النطرون وله تواجد فى عدد من المحافظات . وقد أسهم فى دعم ظهوره مركز الأرض لحقوق الإنسان واتخذ له مقرا مؤقتا بالمركز.
4-نقابة الفلاحين والمنتجين الزراعيين : وهى انشقاق عن النقابة العامة للفلاحين وتفيد بتواجدها فى عشر محافظات وتكتنف معاييرعضويتها مشكلات عميقة ( حيث تجمع بين فقراء وصغار الفلاحين وبين الرأسماليين الزراعيين الذبن وصفتهم بالمستثمرين المنتجين) وعلى ما يبدو أنها سمة خِلْقية تسربت لها من النقابة العامة للفلاحين .
5-اتحاد الفلاحين والبدو: وهو انشقاق عن اتحاد الفلاحين المصريين ، وعلى مايبدو أن هناك عددا من الأسباب وراء انشقاقهم أحدها هو الصراع على خلافة رئيس الاتحاد السابق.علما بأنه الوحيد من النقابات الفلاحية الخمسة الذى لم يتم إشهاره.
هذا ومن خلال لقاءاتنا بعدد من ممثلى النقابات الخمسة تبينا الآتى :
•تباين التقدير حول عدد من القضايا المحورية داخل كل تنظيم وبين التنظيمات الخمسة منها ما يتعلق بمعايير العضوية؛ وأهمية الوعى السياسى والنقابى؛ وطريقة بناء النقابة ؛ والتحالفات السياسية.. إلخ.
ففى شروط العضوية يبرز خلاف داخل اتحاد الفلاحين المصريين بشان حيازة العضو (بين 5 أفدنة على الأكثر وبين أن الحيازة مفتوحة )، أما النقابة العامة للفلاحين فتجمع فى عضويتها بين فقراء الفلاحين وبين تجار الأسمدة ومقرضى الفلاحين والرأسمالية الزراعية ، وعلى نفس المسار تجمع نقابة الفلاحين والمنتجين الزراعيين فى عضويتها بين فقراء وصغار الفلاحين والمهنيين من المهندسين الزراعيين والرأسمالية الزراعية وتسميهم بالمستثمرين المنتجين.
•أما فى بناء النقابة فقد أكدت 4 منها أنه يتم من أعلى لأسفل بينما الخامس يقول بالبناء من أسفل . وهو ما يعنى أن أغلبية تلك النقابات ترتكب نفس الأخطاء التى عانت منها كثير من النقابات المستقلة التى ظهرت بعد الثورة وكذلك نفس الخطأ الذى ارتكبه إتحاد الفلاحين القديم .
•علاوة على أنها جميعا لا تملك برامج نقابية للعمل بل ولا حتى نقاطا برنامجية تمثل مؤشرا على توجهاتها الحقيقية.
•وبالاستفسار من أفرد النقابات الخمسة عن أطراف عملية التغيير المطلوب فى المجتمع ومع من يكون التعاون أو التحالف من بين الأطراف الأربعة التالية: ( الفلاحين ، المناصرين لهم ، النخب ، الدولة ) أفادت أغلبيتهم بأن الأطراف هم ( الجميع ) ومن ضمنهم الدولة وهو ما يعنى جوهر الملاحظات التالية:
1–ضعف الوعى السياسى والنقابى والاستجابة للمشكلات العاجلة للأغلبية الساحقة من أفرادها ، وعدم إدراك البعض للتفريق بين الوعى السياسى والعمل السياسى ؛أو الحدود الفاصلة بين النقابى والسياسى، أو تصور القوة النقابية فى عدد العضوية فقط دون اتساق نسيجها ووحدة أفكارها وقدرتها على المبادرة واقتحام المشكلات والعقبات التى تقابلها، وهزال الاستجابة لاستغاثات الفلاحين المواجهين بالطرد من أراضيهم.
2-عدم وضوح مهمات كل نقابة لدى ممثليها بل وتضاربها فى بعض الأحيان..
3-ضعف الأفكار والخبرة التنظيمية لدى أفرادها ، وضبابية شروط عضوية النقابة التى وصلت إلى حد الخلط بين النقابة والجمعية الخيرية فى بعض الأحيان، وبين نقابة لصغار وفقراء الفلاحين ونقابة للعاملين فى المجال الزراعى بكل ما يكتنف ذلك الخلط من مخاطر داهمة فى أحيان أخرى .
4-عدم التطرق لأية قضايا ذات طبيعة عملية – على الأقل – من زاوية التناول وليس التطبيق ، علاوة على ضعف الإلمام بإشكاليات الزراعة الرئيسية وقوانينها وذلك مرتبط عموما بثقافتهم العامة وبالتالى بوعيهم .
5-ونرى أن وعيهم السياسى وحداثة عهد الأغلبية منهم بالعمل النقابى وتواضع المستوى الثقافى يفسران تلك المآخذ دون مبالغة أو تهوين.
ولذا نسأل هل بعد هذا الحوار مع قيادات النقابات الفلاحية الخمس يمكن أن نستغرب لماذا لم يشارك الفلاحون فى الثورة..؟
ما العمل؟!
– الفلاحون يترقبون بريبة وحذر.. فالآمال عريضة والمطالب شتى والشكوك التى تمور فى الصدور متعددة.. ورغم أن يقينا غيبيا يساورهم بأن الغلبة فى النهاية ستكون للحق ..أى لهم ؛ ويسعى البعض المحدود منهم لأن يصير هذا اليقين الغيبى شيئا ملموسا ومرئيا تجرى صناعته بأيديهم.
لقد وقعت المشاهد السابقة اعتبارا من 28 يناير 2011 وحتى شهر مارس 2011 رغم أن معظم هؤلاء لم يشاركوا فى أحداث ثورة 25 يناير 2011 وشاهدها أغلبهم على شاشات الفضائيات؛ وهو ما تكرر فى ثورة 30 يونيو 2013 وإن كان من شارك فيها من القرى هم الشباب والمهنيون بينما ظل الفلاحون بعيدين عنها حتى النهاية.

تقديم الدعم الممكن للفلاحين وتجاوز المعوقات الراهنة :
عادة لا يقدم مثل هذا الدعم إلا العناصر والمجموعات التى تهتم بمستقبل الزراعة والفلاحين من عدد من المفكرين وقلة من السياسيين وبعض من العلماء والبحاثة الذين تتجاوز مواقفهم العملية ورؤاهم الفكرية والسياسية حدود المصالح الضيقة للأفراد والفئات المالكة والأطر الأكاديمية المتكلسة.
أ‌-على المستوى السياسى والفكرى:
•كشف أكذوبة هيكلة الزراعة وادعاء أنها ” تحقق مصالح الزراعة المصرية ” حيث الوقائع ونتائج تطبيق تلك السياسة على مدى ثلاثة عقود ونصف تقطع بأنها لم تستهدف سوى إلقاء مصر فى أحضان التبعية لدول الليبرالية الجديدة المحافظة وتخريب الزراعة.
•ولا تعمل إلا لصالح رجالات الدولة وكبار رجال الأعمال والمستثمرين وكبار الزراع وملاك الأرض سواء فيما يتعلق بالسيطرة على الأرض الجديدة وعلى الهيئة القائمة بإدارة عمليات الاستصلاح والتوزيع [ الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية ] ، واغتصاب أراضى الإصلاح الزراعى وأراضى الأوقاف وأراضى البدو وأراضى حواف الوادى وأراضى الدولة ووضع اليد .. وإبدال سياسة الاكتفاء الذاتى من الغذاء بسياسة ” إعادة التصدير مع استيراد الغذاء” .
•فضلاعن القضاء على زراعة أهم المحاصيل النقدية الكبرى وهو القطن وانهيار ما يرتبط به من صناعات ، وحصار زراع محصول الأرز بمنع زراعته فى بعض المحافظات لخفض المعروض منه فى السوق المحلى عن المطلوب.. لفتح الباب أمام المستوردين للتربح على حساب زراعه ومستهلكيه.
•حقيقة دور الفلاحين العاملين بأيديهم فى الأرض ( عمال، فقراء وصغار فلاحين ) فى استقرار المجتمع منذ بدء التاريخ وفى إعطاء مصر اسمها وحمايتها من الغزو الخارجى .
وكيف أن الفلاح هو أهم عناصر النشاط الإنسانى فى مجمل التاريخ المصرى لأنه أداة هذا النشاط وموضوعه.. فهو منتج الغذاء وكثير من الخيرات والحاجات الأساسية للحياة ؛ وغيابه أو تدهوره يعصف بجملة الإنتاج الزراعى ؛ ولأنه إنسان وفرد فى المجتمع فهو فى نفس الوقت أحد أهداف ذلك الإنتاج .
•وأن كافة الدعاوى التى تسعى للقضاء على نمط الإنتاج الفلاحى الصغير بصفته النمط الغالب فى الريف المصرى هى دعاوى عنصرية وطبقية وفاشية مستقاة من آراء مفكرين مثل مالتوس ونيتشه وسياسيين مثل هتلر وموسولينى وامتداداتهم المتنوعة المعاصرة.
•وأن العالم- على العكس من تلك الدعاوى والادعاءات المغلوطة- يزخر بغذاء يكفى ضعف سكانه – كما أكد جون زيجلر رئيس برنامج الغذاء العالمى فى الأمم المتحدة عام 2005 – ولكن توزيعَه – على قارات العالم ودوله .. وعلى الفئات الاجتماعية داخل كل دولة – توزيعٌ غير عادل وهو منبع دائم لكل الأزمات المرتبطة به وللمجاعات التى تجتاح كثيرا من المناطق فى العالم.
•أن الليبرالية الجديدة المحافظة تمثل القيادة الفكرية والتنفيذية لهذه السياسات على النطاق العالمى ؛ ويقوم بتنفيذها فى المجال المالى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى للإنشاء والتعمير والمنظمة العالمية للتجارة ؛ وينفذها على المستوى الاقتصادى فى مجال الزراعة نوعان من الشركات العولمية الكبرى الأول يختص بإنتاج وتسويق الحاصلات الزراعية والثانى يختص بإنتاج وتسويق مستلزمات الزراعة .
•وإبراز الأهمية الفائقة لدور الإشراف والإرشاد والتعاون الزراعى فى تثقيف الفلاحين وتوعيتهم ورفع كفاءتهم المهنية لأنه بدونها يستحيل على الفلاحين فهم التطورات المتلاحقة فى الميدان المهنى والتكنولوجى للزراعة ناهيك عن إمكانية اللحاق بها.
ب‌-على المستوى الفنى والعملى :
من المتعارف عليه أن عملية تقديم الدعم الفنى والعملى فى مجال الزراعة لا يقتصرعلى الأمور المادية مثل أساليب وطرق الزراعة والرى ومقاومة الآفات ونشرالسلالات الجديدة وتصنيع الأسمدة العضوية والأعلاف بل يتطرق الدعم أيضا إلى وضع عمليات التثقيف الفنى والقانونى والنقابى موضع التنفيذ .. لذا يتطلب الأمر :
•ابتكار أوالبحث عن أساليب وطرق تساهم فى إنعاش وتنشيط نمط الإنتاج الفلاحى الصغير بتخفيض تكلفة الزراعة ورفع مداخيل الفلاحين وتوفير تكنولوجيا بسيطة ملائمة للبيئة ؛ والعمل على تعميم طرق زراعة جديدة وسلالات نباتية وحيوانية عالية الإنتاج مقاومة للظروف البيئية السيئة وللأمراض وذات احتياجات مائية محدودة؛ والعودة لنظام التجميع الزراعى لتلافى سلبيات الحيازات الصغيرة وتفتت الملكية.
•ابتكار أفكاروأساليب وطرق جديدة لإنتاج الأسمدة العضوية والأعلاف وتعميم نشرها والاستفادة من مخلفات المزارع والمذابح والمضارب والمطاعم ومصايد الأسماك فى تصنيعها على نطاق واسع.
•التنقيب عن رءوس أموال الجمعيات التعاونية التى استولى عليها بنك التسليف ثم بنوك القرى فى وقت سابق والبحث عن سبل عملية لاستعادتها مع قصر توظيفها على الزراعة، وإعادة النظر فى فوائد القروض الزراعية على ضوء تكلفة الزراعة وأسعار حاصلات ومنتجات الزراعة وصافى دخول الفلاحين منها .
•التدقيق فى بحث الأسس والكيفية التى يتم بها تحديد أسعار إيجارات الأراضى و الحد الأدنى لمدة عقد الإيجار بما يحقق التوازن بين أطراف عملية التأجير ( الفلاح ، صالح الزراعة المصرية ، مالك الأرض ).. والتأكيد على المقولة السابق الإشارة إليها ( الأرض الزراعية ذات وظيفة اجتماعية بصرف عن الشكل القانونى لملكيتها على نطاق المجتمع )
•الشروع فى تثقيف الفلاحين فنيا وقانونيا ونقابيا ونشر فلسفة التعاون والإرشاد والائتمان الزراعى ؛ والبحث عن صيغ جديدة تحل محل الطبعة الحكومية منها وعلى سبيل المثال أن ( فكرة التعاونيات تأسست أصلا لمن يزرع الأرض وليس لمن يملكها ) ومثال آخر( أن مصادرة الأرض الزراعية لاستيفاء ديون الفلاحين المتأخرة هو إجراء يعادى فكرة التعاون ويجب أن يستبدل باستيفائها من المحصول) ، مع إبراز أهمية ذلك فى استفادة وسيطرة الفلاحين- وليس الموظفين – على التعاونيات بكل أنواعها وعلى نشاطها بما يعيد مئات الألوف منهم إليها خصوصا من أبعدوا- بالمخالفة للقانون- إلى نقابات عمال الزراعة وهو ما يساعدهم فى الحصول على مستلزمات الإنتاج الزراعى منها ويحاصر الفساد داخلها.
ج- على المستوى التنظيمى:
• تأسيس 3 أنواع من الأشكال التنظيمية :
أولها : ابتداع شكل تنظيمى يعنَى بنشر الأفكار الخاصة بدور الفلاحين فى استقرار المجتمع المصرى ..
والثانى : نقابى يخص الفلاحين الفقراء والصغار مع مراعاة أهم شروط بناء التنظيم الفلاحى المتمثلة فى :
1-حد أدنى من الوعى النقابى.
2-وتحديد عدد من المهام العملية قيد التنفيذ .
3-وبدء البناء من القاعدة فى اتجاه القمة ومن الجزء نحو الكل.
وذلك لتجنب القفز على المعطيات الفعلية لوعى الفلاحين وخبرتهم.
والثالث: يخص داعميهم من النشطاء والسياسيين والمفكرين والأكاديميين المهمومين بالمسألة الفلاحية.. مع إيجاد صلة مباشرة بين الأشكال الثلاثة للتنسيق وتبادل الخبرة والمعرفة.
وفى هذا الصدد ننوه لملاحظة بالغة الأهمية حيث يعانى الفلاحون من ضعف دعم النشطاء والمناصرين لهم نظرا لقلة أعدادهم وخصوصا بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو وهو ما يثير الدهشة حيث من المفترض أن يكون العكس هو الصحيح .
•ربط التضامن الفلاحى الدولى والإقليمى بالنضال المحلى:
باعتباره رافدا هاما لمواجهة هجوم الليبرالية الجديدة على الفلاحين فى كل دول العالم ومنسقا لنضالاتهم كما يُعَد أحد تجليات التماسك التنظيمى للفلاحين المنخرطين فى هذه الأشكال.
خاتمة:
لن يتأتى ذلك دون كبح جماح انفراد السياسات العامة بتوجيه المجتمع وكذا السياسات الزراعية السارية وتنقية المنظومة القانونية من كل ما يدعم تلك السياسات والإصرار والعمل على تفعيل الدستور، والسعى الحثيث لمواجهة التبعية للخارج ووقف نشاط الشركات متعددة الجنسية العاملة فى مجال إنتاج وتجارة مستلزمات الزراعة سعيا للاستقلال عنها.
مع الوضع فى الاعتبارضرورة استعادة تشغيل التى توقفت أو تمت خصخصتها – وتحولت إلى خرائب – بأية وسيلة فالصناعة قاطرة الاقتصاد وتصنيع الريف ضرورة حتمية لتضييق الفارق بين المدينة والقرية وهو السبيل لامتصاص البطالة السافرة والمقنعة فى الريف والوسيلة لتجاوز محنة ما يسمى بالإسكان الريفى التى تفاقمت وتنذر بتفجرات وشيكة .
الثلاثاء 19 ديسمبر 2017 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر

]]>
http://tadamon.katib.org/2018/02/18/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d9%88%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d9%84%d9%85/feed/ 0
فضائح هيئة الأوقاف المصرية .. فى تهريب أرض الإصلاح الزراعى بمحافظة البحيرة http://tadamon.katib.org/2018/01/20/%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d8%ad-%d9%87%d9%8a%d8%a6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%82%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%aa%d9%87%d8%b1%d9%8a%d8%a8-%d8%a3/ http://tadamon.katib.org/2018/01/20/%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d8%ad-%d9%87%d9%8a%d8%a6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%82%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%aa%d9%87%d8%b1%d9%8a%d8%a8-%d8%a3/#respond Sat, 20 Jan 2018 21:22:32 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1238 وزارة الأوقاف تبيع الأرض لهيئة الإصلاح الزراعى عام 1962
وهيئة الإصلاح توزعها على الفلاحين وتتسلم معظم ثمنها
فتعيد هيئة الأوقاف بيعها -على الورق – لأحد موظفيها عام 1975..
وبمساحة تتجاوز الحد الأقصى للملكية
وتحاول إعادة شرائها من هيئة الإصلاح عام 2011
وورثة موظف الأوقاف يرفعون دعاوى طرد للفلاحين ويطالبونهم بريعها

،،،،،،،،،،،،،،

تتلخص قصة تهريب أرض عزبة الأشراك وأبوخراش والخمسين والأشراك البلد وغيرها- التابعة لمركزى الرحمانية وشبراخيت – فى الآتى:

* ماهتاب قادن إحدى السيدات المتمصّرات ( من أصول أجنبية ) كانت تقيم فى العزبة التى حصلت عليها من خديوى مصر فى بدايات القرن الماضى وبلغت مساحتها 1162 فدان ، 7 قيراط ، 18 سهم .( شهادة عقارية من صفحتين ( مسلسل 679043 ، 679044 ) مستخرجة بتاريخ 23/11/2013 وهى صورة من مأمورية الضرالئب العقارية – رقم سجل 39 بشبراخيت فى 7/5/1974 .

* قسّمت ماهتاب قادن الأرض إلى 4 أقسام :
• الأول به قصرها وملحقاته وحدائقه .
• والثانى: قامت بزراعته بنفسها واستعانت فى ذلك بعدد من العمال والفلاحين .
• والثالث : أجرته لبعض الفلاحين والموظفين والخفراء والخدم .
• والرابع :أوقفته لأعمال البر والخير وأدارته وزارة الأوقاف .

فور قيام ثورة 23 يوليو 1952 وصدور قانون الإصلاح الزراعى الأول 178 /1952 صار وجودها ( ماهتاب) فى المنطقة بلا فائدة بل ومحفوفا بالمخاطر نظرا لكبر سنها وفى ظل حالة التلمظ على أملاكها من كثير من الطامعين فيها من المحيطين بها.. من الموظفين والخفراء والمستأجرين وغيرهم .

* ولأن عددا من هؤلاء- المحيطين بها – أدركوا ذلك .. فقد قاموا إبان تطبيق قانون الإصلاح الزراعى بالاتصال بالقائمين على تنفيذ القانون من جهاز الدولة القديم ( مكتب الشهر العقارى،هيئة المساحة .. علاوة على وزارة الإصلاح الزراعى التى تأسست خصيصا للإشراف على الأرض الخاضعة لقانون الإصلاح الزراعى حيث نقل لها عدد من موظفى الوزارات الأخرى كالزراعة وغيرها ) .. ومن خلال هذه الاتصالات تمكن الكثيرون منهم من اخفاء الأرض التى كانوا يزرعونها ؛ أو يستأجرونها من ماهتاب قادن وذلك بتواطؤ الموظفين القائمين على قياس الأرض وتدوينها فى السجلات وتضمينها فى الإقرارات .. ولأنهم كانوا قد أعدوا عدتهم وحسموا أمرهم .. اتخذوا من ساعات الليل ستارا لتغيير معالم الأرض – بحرثها وتزحيفها وتخطيطها؛ وتقسيمها لحقول وزراعتها بل وريها – بعد ان ينام أهل القرية وحتى قبيل شروق الشمس.. وفى تلك الأيام .. كنت ترى الأرض فى النهار غيرها فى صباح اليوم التالى .. وهكذا.

* ويذكر بعض أهالى هذه القرى أن منهم أحمد دميس الكبير وابنه محمد ( والد عمدة عزبة الأشراك الحالى أحمد دميس ) اللذين تمكنا من الحصول على حوالى 200 فدان متناثرة فى أحواض البواشقية – والهيشة – وفراخة الغفارة ، كما حصل كل من خليل دميس ، وعسران دميس والشرنوبى دميس على 45 – 50 فدانا بحوض البواشقية بجوار مقابر محلة ثابت ، أما إبراهيم سالم فقد حصل على ما يقرب من 50 فدانا بحوض الهيشة وحوض فراخة الغفارة قسم ثانى المصرى ، بينما حصل بشير غالى على 100 فدان بنفس الحوضين باع منها 50 فدانا .

* فى عهد السادات وقبيل حرب 1973 قامت الدولة بإنشاء مطار عسكرى فى المنطقة على مساحة 50 فدانا كان يزرعها الفلاحون بموجب قانون الإصلاح الزراعى ؛ وبعد انتهاء الحرب وعدم احتياج الدولة للمطار كان من المفترض أن يعود الفلاحون لأراضيهم التى تخلوا عنها جبرا قبل الحرب .. إلا أن ( ترْك أبو زهرة – المقاول) أحد المتنفذين فى المنطقة استولى عليها بالقوة وبحماية بعض أجهزة الدولة وذهبت صرخات وشكاوى زراعها من الفلاحين أدراج الرياح.

* وبخصوص أرض عزبة الأشراك فقد تم توزيع حوالى 509 فدان منها على الفلاحين بموجب استمارات البحث الاجتماعى وقانون الإصلاح الزراعى حيث شرعوا فى زراعتها أولا كمستأجرين ثم قامت الدولة فيما بعد بإلغاء عقود الإيجار وملّكتها لهم بالقرار رقم 40 ( جلسة هيئة الإصلاح الزراعى رقم 35 – فى 2 ديسمبر 1964 ) وبدأوا فى دفع أقساط تملكها بإيصالات رسمية .. وظلت تحت يدهم حتى اليوم.

* ويُذكر أن من بين هذه المساحة توجد 221 فدانا قامت وزارة الأوقاف باستبدالها ( أى بيعها ) مع هيئة الإصلاح الزراعى التى خضعت كبقية الـ ( 509 فدان ) للتوزيع .. وهى المساحة التى يدعى حسن فهيم خطاب أنه اشتراها من الأوقاف عام 1973 بعقد قسمة رقم ( مسلسل 223- مادة 59 – صحيقة 62 – جزء 21 سجل مبايعات 1890 عام 1973).

إلا أن السؤال الذى يكشف أكاذيب موظف الأوقاف المرحوم حسن فهيم خطاب وورثته ويفضح تواطؤ وفساد هيئة الأوقاف وتدليسها هو : بما أن الدولة قررت نقل ( استبدال )أراضى الأوقاف إلى هيئة الإصلاح الزراعى عام 1957 بالقانون رقم 152 ، وعام 1962 بالقانون رقم 44 على الترتيب وقامت هيئة الإصلاح بدفع ثمن الأرض المنقولة ( المستبدلة ) للأوقاف على الفور فكيف تبيع الأوقاف أرض ماهتاب قادن لعائلة خطاب عام 1973 فى الوقت الذى باعتها فيه لهيئة الإصلاح الزراعى عام 1962..؟!.

والسؤال الثانى الأهم : لما كان الحد الأقصى لملكية الفرد من الأرض الذى حددته قوانين الإصلاح الزراعى الثلاثة هى ( 200 فدان عام 1952 ، 100 فدان عام 1961 ، 50 فدان عام 1969 ) ولا يمكن لأى مالك تجاوزه وإلا اعتبر متهربا من تطبيق القانون ويعاقب بمصادرة أرضه كلها .. فكيف تبيع وزارة (هيئة )الأوقاف عام 1973 لحسن فهيم خطاب مساحة تزيد عن الحد الأقصى للملكية التى حددتها قوانين الإصلاح الزراعى الثلاثة..؟ وكيف تقوم الأوقاف وهى إحدى مؤسسات الدولة بمخالفة القانون وهى تعلم أن اكتشاف التزوير سيلقى بكل من شارك فيه خلف قضبان السجن علاوة على فصله من عمله لخيانته وإخلاله بمقتضيات وظيفته مهما طال الزمن ..؟

أما المفاجأة الكبري التى حدثت فى عام 2011 فتتمثل فى اجتماع تم عقده بمقر هيئة الأوقاف يوم الإثنين الموافق 19 ديسمبر عام 2011 بين لجنتين تمثل إحداهما هيئة الإصلاح الزراعى و الأخرى تمثل هيئة الأوقاف لمناقشة المشاكل المعلقة بينهما .. التى كان من بينها مساحة الـ 221 فدانا بمحافظة البحيرة (الخاصة بماهتاب قادن وآل خطاب). ينص محضر الاجتماع فى الصفحة الثانية بند 3 على [ بناء على طلب لجنة الإصلاح الزراعى بخصوص استلامهم لمساحة 221 فدان بناحية الأشراك مركز الرحمانية بحيرة والصادر بشأنها حكم لجنة القسمة من هيئة الأوقاف بضرورة العرض على السلطة المختصة بهيئة الأوقاف بغرض شراء هذه المساحة لصالح الوقف الخيرى ]. وأهم ما فى النص هو : أن هيئة الإصلاح تملك مساحة الـ 221 فدان من الأرض وأن هيئة الأوقاف تسعى لشرائها من هيئة الإصلاح الزراعى.. فإذا كانت الأوقاف قد باعتها لحسن خطاب فكيف تشتريها من هيئة الإصلاح..؟ .

وتعليقنا على الموضوع: كيف تسترد الأوقاف أرضا باعتها ( أى استبدلتها ) لهيئة الإصلاح الزراعى وتسلمت ثمنهامنها.بينما قامت هيئة الإصلاح الزراعى بتوزيعها على الفلاحين بالقرار رقم 40 فى 2 ديسمبر 1964 بنظام التمليك التقسيطى بل وتلقت جزءا كبيرا من ثمنها بإيصالات رسمية..؟ علما بأن القانون الذى استصدره السادات رقم 42 عام 1973 يمنع الأوقاف من استرداد الأراضى التى تم توزيعها على الفلاحين.
لقد حضر ذلك الاجتماع أربعة مسئولين من مديرية أوقاف البحيرة هم( خميس سالم ، حمدى محمد عبد القادر ، سعد محمد سعد ، رفيق عدلى سلامة ) ، وثلاثة مسئولين من مديرية الإصلاح الزراعى بالبحيرة هم ( فكرى محمد سعد رضوان ، إبراهيم عبد الحفيظ محمد ، صبرى عباس بدوى) ووقعوا على محضره. وهو ما يعنى أنهم على علم بقصة الـ221 فدان وعقد القسمة الخاص بالمرحوم حسن فهيم خطاب من الألف إلى الياء ؛ وبالتالى على معرفة بالنزاعات القضائية و بالصراعات العنيفة والمسلحة التى جرت وتجرى بشأنها بين الفلاحين وجيوش بلطجية آل خطاب منذ عامى 2004 ، 2007 وحتى الآن ، وعلى دراية بحملات الشرطة التى انتقلت إلى موقع الارض لتسليم أجزاء منها وطرد الفلاحين منها .. حتى لو عاد بعضها دون تنفيذ .. كما يعرفون تكلفة كل ذلك وخسائره.

مؤشرات الفساد:

*اكتشف فلاحو قرية عزبة الأشراك مساحة 70 فدانا فى حوضى ( الهيشة وفراخة الغفارة ) محيزة منذ عام 1975 باسم محمد عبد العاطى سلومة وياسين ياسين فرج الحمزاوى وهى ضمن مساحة 221 فدانا التى ادعى المرحوم حسن خطاب شراءها من وزارة الأوقاف. وبالبحث فى الجمعية الزراعية عن كيفية تحييز الأرض بالإسمين ( سلومة والحمزاوى) ثبت عدم وجود أية مستندات لملكية الأرض باسمهما ؛ وأفاد مسئولو الجمعية أنها محيزة منذ عام 1975 بناء على خطاب صادر للجمعية من إدارة الرحمانية الزراعية التى اتضح أنها منبع الفساد فى عملية تهريب والاستيلاءعلى أرض الإصلاح.

*كما اكتشفوا أن هناك 35 فدانا أخرى فى حوض البقر بنفس الزمام مهربة من هيئة الإصلاح الزراعى فى حيازة ورثة آل خطاب ويؤجرونها للفلاحين ويحاول الورثة الآن بيعها بتراب الفلوس لمستأجريها قبل اكتشاف السلطات لها وبذلك يبلغ جملة ما سطا عليه آل خطاب 256 فدانا فى زمام القرية.. وما يعنينا فى هذه القصة هى كيف حيزت الجمعية الزراعية هذه المساحة أيضا باسم آل خطاب.

* من ناحية ثالثة فأحمد دميس عمدة أبو خراش يسابق الزمن فى بيع مساحة أخرى- ( 5 أفدنة بحوض البُوَاشقية محيزة باسم اخته السيدة /عنايات) – للفلاحين قبل قيام هيئة الإصلاح الزراعى بمعاينة الزمام على الطبيعة فى عملية حصر لأراضى الإصلاح الزراعى التى تم توزيعها على الفلاحين و كذلك التى تم تهريبها من قانون الإصلاح الزراعى.

إذن كيف تم تحييز الأرض دون مستندات ملكية..؟ وكيف جرت مخالفة المادة 90 من قانون الزراعة ( 30/ 1966 ) منذ عام 1975 بتحييز الأرض بأسماء غائبين عن القرية مثل ( محمد عبد العاطى سلومة وياسين ياسين الحمزاوى )…؟

*كما اكتشفوااستيلاء إبراهيم سالم على حوالى 4,5 فدان أملاك دولة بجوار حوض البقر حيث أقام على أجزاء منها منازل له ولأولاده.

المشهد ملخصا :

وعليه يمكن تلخيص المشهد كالتالى : مجموعة من الفقراء يفلحون أرض سيدة من أصول غير مصرية لعشرات السنين بمقابل ( أجر ) محدود يحفظ لهم حياتهم بالكاد ، قررت الدولة بعد تطبيق قانون الإصلاح الزراعى عام 1952 أن يتملك كل منهم فدانين أو ثلاثة ليستمروا فى زراعتها لتوفير الغذاء لأبنائهم – ولمن لا يمتهن الزراعة من أفراد الشعب – على يسددوا ثمنها على 40 قسط سنوى.. فنفذ الفلاحون كل التعليمات وشرعوا فى دفع ثمن الأرض بكل أمانة وإخلاص.

لم يعجب هذا الرئيس السادات ووزارة ( وهيئة ) الأوقاف..فقرر السادات إعادة بعض الأراضى لهيئة الأوقاف التى لجأت للغش والتدليس وبدأت فى بيع أجزاء من هذه الأرض بتراب الفلوس ( 154 جنيها للفدان) لعدد من موظفيها وعمالها ومنهم حسن فهيم خطاب الذى حصل على 196 فدان بعقد قسمة ورفعها بطريقته إلى 221 فدان.. رغم أنها باعتها فى وقت سابق لهيئة الإصلاح الزراعى وقبضت ثمنها ورغم مخالفة ذلك للقانون المدنى ولقانون الإصلاح الزراعى.

كما لم يعجب كثيرا من الأفراد والأسر التى كانت تعمل – لدى السيدة المتمصرة ماهتاب قادن التى كانت تحوز الأرض – كموظفين أو خفراء أو خدم أو مساعدين ومنهم عائلة دميس وآخرون… فماذا قرروا..؟

قرروا تهريب أجزاء منها فى ظلام الليل بالاتفاق مع من نفذوا قانون الإصلاح الزراعى .هذا وقد ساعدتهم الأرض التى استولواعليها فى تحولهم من مجرد فلاحين صغار إلى أكبر أثرياء القرية وما يحيطها وأصحاب نفوذ ؛ وسيطروا- مع من صاهروهم أو تصاهروا معهم – على كثير من الوظائف الحساسة فى أجهزة الدولة بالمحافظة ( أحمد محمد دميس وكيل وزارة الإصلاح الزراعى بالبحيرة ثم عمدة قرية أبوخراش- محمود أحمد دميس رئبس مصلحة الأملاك الأميرية بالبحيرة –رفعت إسماعيل دميس رئيس مجلس مدينة الرحمانية – بدر محمد بدر مدير الإدارة الزراعية بالرحمانية – زكريا عفيفى مدير عام بالإصلاح الزراعى بالبحيرة – على مجاهد رئيس شركة مياه الشرب بالرحمانية، علاوة على تقلد عدد من أبنائهم وأقاربهم وظائف فى النيابة والقضاء) ، كما مكنهم من تكوين شبكة علاقات واسعة فى بقية المصالح الحكومية والمؤسسات الهامة وأجهزة الأمن . ولأنهم لم يكتفوا بذلك فقد فرضت مصالحهم أن تتشكل شراكة بينهم وبين آل خطاب .. وقرروا معاً أن يطردوا الفلاحين من الأرض .. لذلك تفننوا فى ابتداع الوسائل والأساليب التى تحيل حياة الفلاحين إلى جحيم وهمٍّ مقيم ..

هذا ويقول محمد المكاوى أحد فلاحى عزبة الأشراك عندما توجه لهيئة الأوقاف بالقاهرة بالشكوى أن المسئولين فى الهيئة أبلغوه منذ عدة أسابيع أنهم سيقومون باسترداد الأرض التى تحت يدهم خلال الشهر القادم والتى كانت ماهتاب قادن قد سلمتها للأواقاف فى وقت سابق. فمن يمكن أن نصدقه ..؟

هل نصدق هيئة الإصلاح الزراعى التى اشترت الأرض وسجلتها باسمها فى الشهر العقارى ..منذ عام 1962؟ ؛ أم مسئولى هيئة الأوقاف الذين يهددون الفلاحين بسلب الأرض منهم ، أم اللجنة المشتركة بين الأوقاف والإصلاح الزراعى التى اجتمعت فى ديسمبر 2011 وطلبت فيها الأوقاف شراء الأرض من هيئة الإصلاح ؛ أم ورثة حسن خطاب الذين يدعون أنهم اشتروا الأرض من الأوقاف عام 1973. أم الفلاحين الذين يزرعون الأرض منذ حوالى 70 عاما.. ولم يغادروها ودفعوا أغلب ثمنها..؟
أم نترك الفلاحين فريسة لهيئة الأوقاف ولصوص الأراضى وقوات الشرطة وصمت هيئة الإصلاح الزراعى المريب وفساد أجهزة الدولة وبلطجة أجهزة الإدارة المحلية ولقضايا الطرد والريع .. دون أن نحرك ساكنا..؟

الأحد 24ديسمبر 2017 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر

]]>
http://tadamon.katib.org/2018/01/20/%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d8%ad-%d9%87%d9%8a%d8%a6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%82%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%aa%d9%87%d8%b1%d9%8a%d8%a8-%d8%a3/feed/ 0
حول الراحلة شاهندة وكمشيش حوار .. صحيفة الجنــــــوبى مع بشير صقر http://tadamon.katib.org/2016/06/15/%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d8%b4%d8%a7%d9%87%d9%86%d8%af%d8%a9-%d9%88%d9%83%d9%85%d8%b4%d9%8a%d8%b4-%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d9%81%d8%a9/ http://tadamon.katib.org/2016/06/15/%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d8%b4%d8%a7%d9%87%d9%86%d8%af%d8%a9-%d9%88%d9%83%d9%85%d8%b4%d9%8a%d8%b4-%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d9%81%d8%a9/#respond Wed, 15 Jun 2016 21:20:37 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1123 س1- هل حضرت واقعة كمشيش – ويومياتها والمحاكمة وحدود معرفتك بشاهندة ؟

ج1- واقعة الاغتيال لم أحضرها .. ولا تحقيقات المباحث الجنائية العسكرية .
تعرفت على الكمامشة فى نوفمبر 1967 ؛ وعرفت صلاح حسين من خلال مئات القصص عنه من فلاحى القرية .
حضرت المحاكمة كاملة وقد أعيد التحقيق فى قضية الاغتيال من خلال القاضى (مستشار / الصادق المهدى) .
أعرف شاهندة جيدا جدا وأعرف تفاصيلها وكيف تفكر .وأعرف أسرتها فردا فردا رجالا وسيدات منذ عام 1967 ، وكان أخوها ( كامل ) فى نفس الصف الدراسى معى وإن لم يكن فى نفس الشعبة ( كان فى الشعبة الأدبية ) وكنت فى العلمية . وكنا نقطن فى فترة.. فى منزل مقابل لمنزل صلاح ، وفى فترة أخرى فى منزل مقابل لمنزل شاهندة فى مدينة شبين الكوم .
لم أكن أعرف صلاح آنذاك ، لكنى كنت أعرف شقيقه الأصغر حامد ( الطيار ) معرفة إبن الحتة .. لأنه كان أكبر منى سنا.

س2-ماهو جوهر معركة كمشيش ؟ وهل كان أهالي القرية طرفا في المعركة ؟ ولماذا تصاعدت.. ؟

ج2- ما كان فى كمشيش لم يكن مجرد معركة ، كان صراعا بين الأسرة الإقطاعية وبين الفلاحين لسنين ممتدة ، لكنه تفجر بعد 23 يوليو 52 ، ولعب الدور الأساسى فيه صلاح حسين وساعده عدد من أقرانه من طلاب القرية ، لأن صلاح لم يكن من القرية ولكن أمه .. وخاله ( عبد الحميد شوقى مقلد ) والد شاهندة كانا من كمشيش ، ونظرا لحبه لخاله- ( الذى كان وفديا وشخصا نظيفا ومستقيما )– وإعجابه بأفكاره جعله قريبا منه ، ولآن صلاح كان يقطن مدينة شبين الكوم فكان يتردد على كمشيش ( 12 كم من شبين ) وقد تشكلت له مع القرية وشائج متعددة وقوّى ذلك ارتباطه بها .
وتعرفه على طبيعة العلاقة بين الفلاحين والإقطاع مكنه من التدخل حيث انتهز فرصة حضوره عزاء فى القرية وأمسك بالميكروفون محدثا الحاضرين والفلاحين بأن هناك ثورة تفجرت فى مصر وهناك قانون للإصلاح الزراعى ، وما على الفلاحين إلا رفض السخرة التى تحكم علاقة الأسرة الإقطاعية بالقرية .. وهو ما كان أشبه بالزلزال وأثار إعجاب الفلاحين به إلى جانب إثارة خوف البعض من الذين لا يتجاسرون على الجهر برفض السخرة .

من جانب آخر تعرف ببعض الفلاحين النابهين الذين توسم فيهم القدرة على المواجهة وأوضح لهم كيف أن عائلة الفقى بكاملها لا تستطيع أن تزرع بمفردها أكثر من 150 فدانا دون الاستعانة بالفلاحين ( بالسخرة أو الاستئجار) ، ولذا فامتناع الفلاحين عن الانصياع للسخرة لن يمكنها ( أى الأسرة ) من زراعة الأرض التى لديها وستبور ، وبذلك يبدأ الفلاحون أولى عمليات المقاومة .

تطورت الفكرة السابقة ( الامتناع عن السخرة ) إلى الدفاع عن مصادر مياه الرى التى تعمدت الأسرة حرمان الفلاحين منها .. وكان لابد من الصدام والعنف .. فاندلعت 3 معارك مسلحة ( السد – الملّال – العربان ) بين عامى1953 – 1957 قتل واستشهد فيها البعض من الطرفين وفى إحداها سقط 17 جريحا. وقد استهدفت الأسرة الإقطاعية بعض قيادات الفلاحين واغتالتهم وفى المقابل استهدف الفلاحون مخزن سلاح وذخيرة الأسرة الإقطاعية وتم الاستيلاء على بعض ما فيه ..إلخ .

باختصار كأن الفلاحون طرفا أصيلا وكان منهم قادة لثلاثة أجيال متعاقبة مثل عبد الحميد عنتر وإيراهيم عبد المقصود ومحمد عزام ورمضان أبو ضلمة.. والبسيونى عبد الخالق وعبد الله شريف وعبد الحق أبو لبن وأحمد خليفة وغيرهم .
وبعدها أحمد رجب وعبد الحميد عطية وعيد حمودة وعبد الرازق عبد الصمد .
وتلا هؤلاء الشربينى تعلب وعلى عزام وفتحى تعلب وعبد المجيد الخولى وعاشور شريف وعبد الستار عبد الخالق.

أماالطلاب الذين شكلوا القيادة الفكرية والسياسية للصراع مع صلاح فكانوا [ حسن سلامة ،وعبد الله عمارة ، وعبد الستار تلة ، وعلى أمان ، ومحمد رجب، ، ومحيى بحيرى ] والتحق بهم من الأجيال التالية (موسى أبو لبن ، وكمال عطية ، وربيع عيسى ، وشوقى شريف ، وبدراوى أمان ، والسيد مقلد، و محمود النجار ، والدمرداشى النجار ، ورجب حرحش ، ونوال أبو شافعى ) .

هذا وقد ساهمت العوامل الآتية فى استمرار الصراع وتصاعده :

•تهرب الأسرة الإقطاعية من تطبيق قانون الإصلاح الزراعى الأول طيلة الفترة من 1952- 1960 رغم تكرار الإبلاغ عنها.
•شراسة الأسرة وإصرارها على مواصلة سطوتها القديمة ( حرق المنازل، حرق وتقليع المزروعات ، تسميم المواشى ،الشهادة الزور، اغتصاب واستبدال الأراضى بالإكراه، حجب مصادر مياه الرى، تلفيق القضايا للفلاحين، إيواء الخارجين على القانون.
•الاستعانة برجال الإدارة والمتنفذين فى عدد من الأجهزة ذات الصلة ( الشرطة ، الإصلاح الزراعى ، الشهر العقارى ، هيئة المساحة ) فى تدبير وممارسة التجاوزات السابقة وتهديد الفلاحين والحيلولة دون تفعيل شكاواهم.
•تنامى شعور الفلاحين بقوتهم وإصرارهم على الحصول على حقوقهم بتطبيق قوانين الإصلاح الزراعى، ومصادرة قصورهم وتحويلها إلى مرافق خدمية ( مدرسة ،مستشفى ، بيت تقافة ، مركز إعلامى ..إلخ) .

س3- من هو صلاح حسين ؟وماصحة انه إخواني او ماركسي؟ وهل دخوله الاتحاد الاشتراكي يعني كونه جزء من السلطة؟

ج3- كان صلاح إبن مفتش تموين شريف ، ولد عام 1929 ، وكان طالبا بكلية الآداب بالإسكندرية لكنه أرجأ الدراسة لانشغاله بالعمل السياسى، ذهب إلى غزة عام 1948 من خلف ظهر أسرته للتطوع فى الحرب ضد الصهاينة فى فلسطين لكنه كان أصغر من سن التطوع فعاد أدراجه ، وانخرط عام 1951 فى المقاومة المسلحة للاحتلال البريطانى فى منطقة السويس مع وسيم خالد أحد العناصر المدنية ذات الصلة القوية بتنظيم الضباط الأحرار.
وقد اصطدم صلاح مبكرا بجماعة الإخوان المسلمين التى ماطلته بشأن دعم فلاحى القرية ضد الأسرة الإقطاعية ، فحرمها من افتتاح مقر لها بالقرية وقطع صلته بها نهائيا. وكان زوج أخته عضوا بالجماعة . التقى بالفكر الاشتراكى إثر إقامته بالإسكندرية مع المهندس محمد طه عام 1953 ( الرئيس اللاحق لمجلس إدارة شركة أسمنت طرة ).

كان فى الممارسة اشتراكيا حقيقيا ، ولم تكن أجهزة الأمن السياسى قادرة على اصطياده رغم خطورة نشاطه العملى إلا بالتهمة الجاهزة فى تلك الأيام ( 1954 وما بعدها) وهى الانتماء لجماعة الإخوان ، ولأنها لم تكن كافية لتقييد حركته فقد تم تحديد إقامته بشكل متقطع فى الإسكندرية (حيث محل دراسته وإقامته ) وفى شبين الكوم (حيث تقيم أسرته ) وعزله سياسيا أى حرمانه من حقوقه السياسية وهو ما يعنى أنه لم يكن عضوا فى تنظيم الاتحاد الاشتراكى أو التنظيم الطليعى.. وقد غطت إجراءات القبض عليه وتوقيفه وحبسه فى السجن الحربى ، وتحديد إقامته ، وعزله سياسيا مجمل عمره السياسى تـقريبا ( أى منذ عام 1952 وحتى اغتياله فى 1966 ) .

وعموما أعتقد أنه من أفضل المناضلين الذين تمكنوا من التعامل مع سلطة يوليو وأعظم من قادوا الفلاحين فى مصر ، وكانت عقليته النقدية وقدرته العالية على التحصيل وعلى قراءة الواقع مذهلة .. حيث أنه تنبأ بما سيحدث للنظام الحاكم فى مصر وبأنه سيتعرض لمواجهات شرسة وشيكة من الاستعمار وذلك فى مذكرته التى قدمها لعبد الحميد غازى أمين الفلاحين بالاتحاد الاشتراكى يوم اغتياله 30 إبريل 1966 .

وأعتقد – باعتبارى واحدا من المشاركين فى النشاط السياسى فى كمشيش اعتبارا من أول عام 1968- أن صلاح حسين حما فلاحى كمشيش ومقاومتهم المستميتة للعائلة الإقطاعية من المفرمة المزدوجة لـ ( الإقطاع / السادات) بإعلانه أن ثورة كمشيش بنت ثورة يوليو وبتشكيل مجموعة من أهالى كمشيش للمشاركة فى الدفاع عن بورسعيد إبان العدوان الثلاثى على مصر عام 1956وإبلاغه المتكرر عن تهرب الإقطاع من قانون الإصلاح ؛ خصوصا وأن شراسة الإقطاع فى كمشيش ودعم أجهزة الدولة لها لم تكن مسبوقة والتى دعمها السادات بانحيازه السافر لها الذى تمثل فى تسريب عزم سلطة يوليو على إصدار قانون الإصلاح الزراعى مما مكنها من اتخاذ الاحتياطات التى يسرت لها التهرب من تطبيقه ؛ فضلا عن إلقائه – أى السادات- بعشرين فلاحا فى معتقل قنا لمدة 20 شهرا دون محاكمة.. إثر رفضهم توصيته بمصالحة الأسرة الإقطاعية.كذلك كانت علاقته بوسيم خالد السابق الإشارة إليها أحد العوامل التى ساعدت فى تلك الحماية.
وكانت العوامل السابقة مجتمعة قد ساهمت لدى عديد من المثقفين فى تصنيفه ناصريا ، ولو كان كذلك لأفصح عنه دون مواربة ولما حرمه النظام الناصرى من حقوقه السياسية أو حدد إقامته أو ألقى به فى السجن الحربى .

س4- ما صحة ان معركة كمشيش كانت معركة سلطة قادها شقيق عبد الناصر وشمس بدران..؟

ج4- تقديرى لاغتيال صلاح حسين هو أن الأسرة الإقطاعية أخذت بثأرها ممن قض مضاجعها أينما كانت وحلّت .. ولولا صلاح لتهربت الأسرة من كل قوانين الإصلاح الزراعى وليس القانون الأول فقط ، .. رغم أن جملة الإجراءات والقوانين التى استهدفت كبار ملاك الأرض آنذاك تولت إسقاطهم سياسيا وأخلاقيا وتكفلت قوانين الإصلاح الزراعى بمحاصرتهم اقتصاديا .. ومن هنا كان ثأرهم من النظام متمثلا فى اغتيالهم لصلاح باعتباره من أحيا تطبيق القوانين والإجراءات التى تفادوها بتهريبهم للأرض.. وتهربهم من تطبيق قوانين الإصلاح الزراعى.
لكن المستفيد الرئيسى من اغتياله كان النظام الحاكم وليس الإقطاع ؛ لماذا ؟ لأن الأمر كان قد استتب للنظام نهائيا ولم يعد كبار الملاك العدو الذى يُخشى جانبُه ، فالأرض صودرت وتم توزيعها على الفلاحين وصارت للنظام أرضية وأنصار فى الريف . لكن ما ظل صلاح يفعله مع الفلاحين كان ينذر – على المدى الأبعد – بمخاطر محتملة .. خصوصا وأنه كان بالغ النشاط متقد الذهن شديد المراس موحيا بصعوبة مواجهته سياسيا .. فهو صلد العريكة لا يسهل شراؤه أو تطويعه ، وهو من يحول أفكاره فى التو واللحظة إلى كائن حى يمشى على أرجل وله قاعدة شعبية مساندة .. هكذا كان النظام ينظر إليه.

لقد تحايل صلاح على عزله سياسيا باستخدام التنظيم السياسى الوحيد بمصر فى توعية فلاحى القرية ، حيث كان كثير من مناصريه أعضاء فيه ، وهو ما سمح له بأن يدفعهم لتشكيل لجنة اسمها لجنة الدعوة والفكر الاشتراكى استخدمها فى مناقشة كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والفلاحية مثل قضايا الديمقراطية ، والاصلاح الزراعى وفائض القيمة إضافة إلى قضية المزارع التعاونية التى لم تلق مناقشتُها رغبة ممثلى النظام الحاكم ولا أجهزته الأمنية واستغلوها فى افتعال الضجيج وإثارة الغبار حول صلاح وزملائه .. واعتبرها بعض اليساريين وربما بعض الأصدقاء قفزا على الواقع أو تجاوزا له .. وأكد بعض آخر أنها عجلت بالتخلص منه .

وعموما فقد اقتصرت تحقيقات النيابة العامة التى جرت فى أعقاب الاغتيال على الجانب الجنائى بينما الحقيقة ساطعة كالشمس وتفصح عن دوافع سياسية خالصة. وهو ما دفع شاهندة للاستعانة بحسين عبد الناصر- ” زميل دفعة ” شقيقه حامد حسين فى كلية الطيران لإطلاق القضية من قفصها الذهبى ( جناية قتل )- الذى لجأ بدوره لوالد زوجته ( المشير عامر )؛ وفورا تمت إحالتها للمباحث الجنائية العسكرية التى كلفت ستة من رجالها بتحقيق القضية وتنحية أجهزة الشرطة المدنية المناوئة.. وإحالتها إلى النيابة العامة بأبعادها الجديدة. وفى نفس الوقت- واستنادا إلى ما غاب عن النيابة العامة – تكشفت فضائح شتى يتجاوز عمر بعضها الخمسين عاما وتتعلق بالجرائم التى ارتكبتها العائلة الإقطاعية فى حق الفلاحين وأفصح بعضها عن ضبط عقود بيع الأرض المهربة وتزوير عقودها ( 10 عقود ) وضبط أختام ( الموقعين عليها بعد وفاتهم ) ومن حرروها ومن شاركوا فى دسها دسا ضمن أوراق الشهر العقارى وخرائط هيئة المساحة من الموظفين .. مع اعترافات تفصيلية لمعظمهم بما ارتكبوه وما تلقوه مقابل التزوير والتلفيق والدس من رشاوى بل والأماكن والتواريخ والأشخاص الذين تسلموها منهم . بخلاف أمور أخرى متنوعة لا تقل خطورة عن تهريب الأرض.
باختصار كان هذا التدخل من رجال المباحث العسكرية الستة بمثابة اقتحام الأوكار التى اختفت فيها مستندات وبراهين تلك الجرائم .. حيث تمت فى وقت واحد مما حال دون تهريبها أوإعدامها .

لكن كل هذه الدراما – التى ساهمت فى إظهار النظام الحاكم كمدافع عن الفلاحين وأضافت لرصيده الكثير – تم توظيفها فى القضاء على ظاهرة مقاومة الفلاحين التى دشنها اغتيال قائدهم ؛ وتواصلت بعد ذلك بالقبض على قادة القرية بعد عشرة أشهر فقط من حادث الاغتيال وإيداعهم سجن القلعة لشهور لحرمانهم من الاحتفال بالذكرى الأولى لاستشهاد صلاح حسين.. واستمرت بسفور أشد بعد أربع سنوات أخرى بإبعاد واحد وعشرين منهم إلى محافظات الصعيد. وهنا نأتى لما قيل عن تواجد حسين عبد الناصر وشمس بدران فى التحقيقات التى برهنت المضبوطات أن وجودهما مثل عدمه .. فحجم المضبوطات مذهل ؛ وتفاصيلها والوقائع التى تضمنتها يملأ كتبا للتاريخ لو أراد النظام؛ ودلالاتها تجعل وزن جريمة اغتيال صلاح حسين محدودا مقارنا بها . لقد مثلت المضبوطات والتحقيقات بشأنها سجلا جنائيا وسياسيا وأخلاقيا مخزيا فى مجتمع قام بثورة ضد أصحاب ذلك السجل وأعاد توزيع جزء من الثروة على فقرائه ومعدميه فى الريف.
إن الحقيقة التى لا يمكن التشكيك فيها هى أن الرجال الستة الذين قاموا بالتوجه لكمشيش لإعادة التحقيق فى القضية – والقبض على رءوس العائلة الإقطاعية ثم فض خزائن المحفوظات والمستندات فى أوكار الأسرة بالقرية والإسكندرية والقاهرة وغيرها فى لحظة واحدة – هم أصحاب الفضل الأول فى كشف كل ما نشر عن دور الأسرة الإقطاعية فى القتل وتلفيق التهم وتزوير العقود وتهريب الأرض وتقديم الرشاوى ودس المستندات المزيفة فى أضابير السجلات الحكومية وشراء ذمم الموظفين ورجال الإدارة والتنكيل بالفلاحين وتسخيرهم فى زراعة الأرض واغتصاب أراضيهم وتقليع زراعاتهم وحرق منازلهم ومحاصيلهم التى على وشك الحصاد وتأجيرالأرض بعقود إيجار على بياض ، فضلا عن تشكيل العصابات وإخفاء المجرمين المسجلين وإيواء الخارجين على القانون.. تحت سمع وبصر عدد من ضباط المباحث الذين تولى أحدهم فيما بعد وزارة الداخلية.
إن مقارنة ما أشيع عن المعاملة العنيفة لأفراد العائلة الإقطاعية – وعملائها من قِبل رجال المباحث العسكرية الستة على مدى أربعة أو خمسة أسابيع – بذلك السجل المخزى على مدى قرن من الزمان لايمثل سوى نقطة فى بحر .. رغم أننا لا نناصر ذلك العنف ولا نوافق عليه .. فقط نحاول التفسير والاستنباط والمقارنة.
أما ما أثيرعن تواجد شمس بدران تحديدا فى التحقيقات فهدفه إلحاق صفحته – التى لا وزن لها – فى هذه القضية بصفحات كتابه الذى يعرفه الكثيرون منا.. ولايروق لهم .. وبالتالى يربح المثيرون بنطا فى قضيتهم الخاسرة.

س5- ما هورأيك في شهادات مواطنين بوقوع تعذيب، كالفلاح كامل حجاج (ضربوني حتى خرجت أظافري من قدمي )- وهل صحيح ان شاهندة حضرت التحقيقات والتعذيب ..؟

ج5- أولا : معظم هؤلاء.. هم رجال وصبيان الأسرة الإقطاعية وخدمها ومشاركون فى كثير من الجرائم المرتكبة ضد الفلاحين .. وجملة الادعاءات بالتعذيب صدرت من هؤلاء .. ومعظمها فى عهد السادات الذى كان منحازا بشدة للأسرة الإقطاعية.. وله وقائع مباشرة مع الفلاحين غير ما سبق ذكره أقص لك بعضها :
•ففى أعقاب شحنه لعشرين فلاحا إلى معتقل قنا فى بداية خمسينات القرن الماضى.. كان متوجها بزى مدنى إلى قريته ( ميت أبو الكوم ) وأمام قرية كمشيش ترجّل من سيارته .. ونادى فلاحا كان يعمل فى حقله وطالبه ( بقلة مياه) ليروى ظمأه .. فأحضرها له .. وسأله السادات : إنته منين ..؟ فرد الفلاح : من كمشيش . فاستفسر السادات منه عن أحواله وأحوال القرية . فأفاده الفلاح : أحوالى ماشية زى بقية الناس .. فاستطرد السادات : طيب وأحوال الناس والبلد إيه ..؟ . أجاب الفلاح: والله من يوم السادات ماجه هنا و رحّل الفلاحين للمعتقل من غير ذنب والحالة مش كويسة .. وأضاف : الله يجازيه .. مش عارف هوه ما بيحبش كمشيش ليه..؟ . وهمّ السادات بالتحرك نحو سيارته .. فدعاه الفلاح :إتفضل معانا الغدا. فشكره السادات على الماء.. واستأنف سيره نحو قريته.
ولأن أحد المارة كان قد تعرف على السادات أثناء مروره .. عاد ليسأل الفلاح : هو أنور السادات كان بيقولك إيه ..؟ فرد الفلاح : هوه دا السادات..؟ فأجابه الرجل : أيوه هوه . قال الفلاح : بيسألنى إنته منين و عامل إيه وبس. بعدها وفى المساء عرفت القرية كلها بالواقعة .. وظل الفلاح منتظرا .. أن يلحق بزملائه إلى قنا ..

•وواقعة أخرى : فى إحدى زياراته لكمشيش .. بغرض إبرام صلح بين الأسرة الإقطاعية والفلاحين فى نفس الفترة تواجد السادات فى أحد منازل القرية .. عند أحمد خليفة .. ونظرا لغضب الفلاحين منه استغلوا وجوده وتجمهروا حول المنزل وألقوا بعدة هتافات منددة استفزت السادات فنزل من المنزل .. وطلب منهم الانصراف فرفضوا .. فتوجه لمجموعة منهم مطالبا بصرفهم .. فانبرى أحدهم قائلا : (يلا يا رجالة اتوكلوا على الله .. كل واحد على بيته) .. فانفض التجمهر ؛ وإذا بالسادات يطلب من بعض مصاحبيه من رجال المباحث القبض على هذا الرجل وقال له : مادام انته مشيتهم تبقى إنته إللى جبتهم .

وبخصوص حضور شاهندة التحقيقات فهو مجرد شائعات تسعى لإلصاق تهمة تحريض رجال المباحث العسكرية على المتهمين بها .. أما الحقيقة فتتمثل فى الآتى :لأن رجال المباحث لم تكن لديهم معرفة مسبقة بالتضاريس السياسية للقرية على عكس رجال الشرطة المدنية كان من الضرورى الاستعانة بمن يعرفها ولذلك استعانوا بعدد من قادة الفلاحين وهو ما أسهم فى إنجاز التحقيقات بسرعة ، علاوة على أن شاهندة لم تحضر التحقيقات ولم تحاول التصرف بشكل ثأرى وهو ما يحسب لها وأصرت على التعامل فى الموضوع برمته بشكل سياسى يركزعلى المتهمين الأساسيين مدركة أنه بالنسبة لبعض المتعاطفين مع الأسرة الإقطاعية من أهالى القرية – سواء لدواعى القرابة أو المصلحة أو التاريخ – فقد كانت متأكدة من أن التوصل للمتهمين الأساسيين – سواء بالتحريض أو القتل– سيعيدهم ( أى المتعاطفين ) إلى صوابهم ويدفعهم إلى السير بجانب الحائط تجنبا لمصير لا يرغبونه .. ومن هنا تم تقليص عدد مَن وُجهت لهم الاتهامات . أما فيما يتعلق بعدد من تم التحقيق معهم فلم يقتصر ذلك على جريمتى القتل والتحريض بل كانت هناك جرائم أخرى –أشرنا إليها – تمت مساءلتهم بشأنها .

س5- محمد السيد حلاوة (اطلقوا على الكلاب المتوحشة) -مصطفى كامل (شاهدت صلاح الفقي يرتدي الطرحة) – تقرير المحكمة (ودربت الكلاب على مواطئة الرجال).

ج5- أماعن أقوال المتهمين والشهود :

أ‌-محمد السيد حلاوة مدير عام الإصلاح الزراعى بالمنوفية : أولا :هو أحد المتهمين وساعد العائلة على التهرب من تطبيق قانون الإصلاح . وثانيا : كان وهو مستمر فى الخدمة يعمل فى أرض العائلة الإقطاعية ، وكم من الشكاوى المباشرة أو التى حولت إليه من الهيئة العامة للإصلاح الزراعى طيلة المدة من صدور قانون الإصلاح وحتى عام 1960 تؤكد ملكية العائلة لآلاف الأفدنة فى كمشيش وخارجها وفى محافظات أخرى – وهو باعتباره مديرا للإصلاح ومهندسا بأرض العائلة ويتواجد بها عدة أيام أسبوعيا يعلم الحقيقة جيدا ورغم هذا كان يصف الشكاوى بالكيدية حتى تم تشكيل لجنة من داخل هيئة الإصلاح بالقاهرة برئاسة سعيد رحمى؛ فحصت الأرض على الطبيعة على مدى عدة شهور وسجلت فى تقريرها التهرب من تطبيق القانون ومساحته وأفضى تقريرها إلى مصادرة كافة أراضى العائلة بما فيها ما كانت تحتفظ به كحد أقصى لملكية الأرض؛ كما تم إبعاد أفرادها جميعا عن القرية . ولذلك من الطبيعى أن يسير فى زفة ” الضحايا ” ويردد ما يقولونه على الأقل ليبرر تورطه فيما ارتكبه من جرائم.

ب‌- أما مصطفى كامل عزب عضو مجلس الأمة ( البرلمان ) فلم أسمعه فى المحكمة يدلى بتلك الأقوال.

ج‌-وبالنسبة لتقرير المحكمة فلم أقرأه .. وأعقد – حسبما جرت وقائع المحاكمة – أنها انحصرت فى تحقيق جناية القتل ولم تلتفت لباقى الجرائم ، ولم تحقق فيها .. ومن هنا فإن ما تم الإدلاء به من أقوال من المتهمين كان غرضه الأول هو التملص من التهم ونفيها وإظهار أن أقوالهم المدونة فى تحقيقات المباحث العسكرية قد تم الحصول عليها بالإكراه .. فهو مبررها الوحيد.

س6- لماذا لم نسمع حتى اليوم شهادات اخرى في قضية كمشيش غير شاهندة من جهة وآل الفقي من جهة اخرى..؟

ج6- أحداث 1966 فى كمشيش ملأت الصحافة أيامها لشهور ، وبعدها إبان المحاكمة التى عقدت فى صيف 1968 أى بعد النكسة .. حيث ظهرت الميول الرجعية ليس فى مصر وحدها بل فى المنطقة كلها وارتفعت أصوات كل المختبئين فى الشقوق ، وفى عهد السادات ظهرت بعض الأصوات فى الصحافة أغلبها معادى للفلاحين . وعموما الموضوع يحتاج لمجموعة من الكتبة ومجموعة من جامعى المعلومات والوثائق .. وهو فوق طاقة شاهندة ، أما آل الفقى فليس لديهم ما يقولونه أكثر من قصة التعذيب الذى “عانوا” منه إبان الأيام الأولى لتحقيق القضية .. وقصة ( شيوعية عبد الناصر ) الذى صادر أرض الأسرة “الكريمة” .. أما عندما يتم التطرق للتفاصيل التى تناولنا بعضها فلا يكون أمامهم سوى اتهام الناس بالسب والقذف.

خلاصة القول أن من تحدثوا عن الموضوع لصالح الإقطاع لم تكن وظيفتهم مناقشته بقدر ما كانت الهجوم على سياسات وعهد عبد الناصر.
وعموما أنت تدرك قصة الإعلام إبان عهدى السادات ومبارك ‘ علاوة على هوجة الهجرة لبلاد النفط التى أسهمت ليس فى ضآلة الحديث فى هذا الموضوع بل فى أمور كثيرة أخرى وانكفاء المواطنين على لقمة عيشهم ، أما فى السنوات الأخيرة من تسعينات القرن الماضى وبعد تنفيذ قانون الإيجارات الجديد ( 96 / 1992 )- الذى أطاح بمئات الألوف من المستأجرين خارج أراضيهم ورفع أسعار إيجارات الأراضى حوالى أربعة أمثال ما كانت عليه – فقد شهدت بعض الكتابات فى جرائد حزب التجمع .. ناهيك عن أن اتحاد الفلاحين الذى من المفترض أن يكون أكثر الجهات تناولا لهذا الموضوع لم يقم كما يجب بالمهمة بل وتبعثر بعد صدور قانون الإيجارات. من ناحية أخرى فمثل هذا الموضوع لن يكتب فيه سوى اليسار الذى ظلت أوضاعه تتدهور بدءا من عهد السادات وحتى الآن.

الإثنين 13 يونيو 2016

]]>
http://tadamon.katib.org/2016/06/15/%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d8%b4%d8%a7%d9%87%d9%86%d8%af%d8%a9-%d9%88%d9%83%d9%85%d8%b4%d9%8a%d8%b4-%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d9%81%d8%a9/feed/ 0
لقائى الوحيد مع أشجع رجل فى مصر .. الشهيد فرج فودة http://tadamon.katib.org/2016/06/12/%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d9%8a%d8%af-%d9%85%d8%b9-%d8%a3%d8%b4%d8%ac%d8%b9-%d8%b1%d8%ac%d9%84-%d9%81%d9%89-%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%87%d9%8a%d8%af/ http://tadamon.katib.org/2016/06/12/%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d9%8a%d8%af-%d9%85%d8%b9-%d8%a3%d8%b4%d8%ac%d8%b9-%d8%b1%d8%ac%d9%84-%d9%81%d9%89-%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%87%d9%8a%d8%af/#respond Sun, 12 Jun 2016 10:39:42 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1119 كنت وصديقى الشاعر محمود الطويل على موعد مع شخص ثالث لقضاء مهمة تخصنى فى أواخر شهر يناير 1992. خرجنا معا من منزله فى حى المطرية بمدينة القاهرة صباح ذلك اليوم المشمس؛ وفى الطريق استدرك قائلا : آه .. نسيت موعدا لابد من الانتهاء منه فى مكان قريب. فسألته أليس ممكنا إرجاؤه لما بعد إنجاز مهمتنا..؟ . فرد: الموعد فى مكتب قريب ولن يستهلك أكثر من دقائق .. والرجل لن ينتظرنى طويلا .

المهم توجهنا إليه فى منطقة مصر الجديدة بشارع أسماء فهمى أمام كلية البنات جامعة عين شمس ؛ وباقترابنا منه طلبت من محمود أن يدخل للرجل بمفرده على أن أنتظره فى الخارج .. على الأقل لكى يتعلل بوجودى للإسراع فى قضاء مهمته .
قال محمود : لن نتأخر أكثر من ربع ساعة ، ولى رغبة فى تعريفكما ببعضكما. فسألته : من هو..؟ فأجاب: فرج فودة.
رضخت لرغبته .. واشترطت عليه ألا نتأخر عن ربع ساعة . فأومأ موافقا.

التقينا.. وتعارفنا .. وتبادلنا أطراف الحديث لدقائق. ولما أحس بصمتى بادرنى قائلا : هل اطلعت على ما أكتبه..؟ فأجبته: معظمه.. وهو شى جيد والجمهور فى حاجة إليه. فسأل: ما هو أفضل ما قرأته لى..؟ ؛ فنظرت لمحمود نظرة .. فهمها على الفور .. والتقط مغزاها الدكتور فرج فودة.انتظرت لحظات مراوحا بين الإجابة المقتضبة وبين طلب إرجاء الحوار لوقت آخر .. ثم قلت: أفضل ما قرأته لك لم يأت فى كتبك – رغم جودتها – وإنما فى مجلة المصور عن لاعب كرة السلة المصرى مدحت وردة بشأن مبارة مصر وإفريقيا الوسطى. فرفع حاجبيه مبتسما وربما مستغربا من صراحتى وقال : لماذا ..؟ .

اعتدلت فى جلستى وعدت للخلف قليلا – مسلّما بأن موعدى الآخر بات مشكوكا في إتمامه – وقلت : لعدة أسباب.. منها أن ما قلته أشبه بالتصريح الصحفى .. ولذا بدت تلقائيته وبساطته .. صكا بمصداقيته ومسّت أوتارَ القارئ فى آن واحد.. وأن شخصيا شعرت بذلك.

وهنا وضع د.فرج رأسه بين كفيه مرتكزا بمرفقيه على مكتبه وعاجلنى : وبقية الأسباب ..؟ . فاستطردت : أنه كان يتناول واقعة لا يمكن القطع بنتائجها ( وهى رمية كرة على السلة ) .. وفى لعبة شعبية .. ومسابقة رياضية هامة ( تصفيات بطولة إفريقية) ، علاوة على أنها مزجت بذكاء وسلاسة بين قضية دينية وتصويبة كرة كان يمكن أن تخيب. فرد متسائلا : ألا توجد أسباب أخرى..؟ ، فقلت أما السبب الأخير .. فخارج عن لب الموضوع .. فالمجلة التى تتضمن التصريح منتشرة أكثر من الكتب وعادة ما تجدها فى صالونات الحلاقة وعيادات الأطباء ولدى مصممى ومصممات الأزياء والخياطين وصانعات الملابس ومكاتب العديد من المهنيين ( مهندسين، محاسبين ، محامين ..إلخ ).. والكثير من الأماكن العامة التى يتردد عليها الجمهور ويقضى فيها وقتا للانتظار.

كانت الواقعة التى تحدث عنها د.فرج فودة تتعلق بالدقيقة الأخيرة فى مباراة نهائية لكرة السلة بين الفريق المصرى وفريق جمهورية إفريقيا الوسطى ، وكانت المباراة سجالا بين الفريقين طيلة أشواطها فلم يتقدم أحد الفريقين خلالها على الآخربأكثر من رمية أو رميتين، وفى الدقيقة الأخيرة كان الفريق الضيف متقدما( بهدف مفرد أى بنقطة واحدة) أما الكرة فكانت فى حوزة الفريق المصرى..ولم تكن هناك فرصة ليفوزالفريق المصرى بالمبارة سوى الوصول لمرمى الضيف وتسجيل رمية ( بهدف مزدوج أى بنقطتين) .
المهم .. تناقل لاعبو الفريق المصرى الكرة – وسط تشجيع عاصف من الجمهور أشبه بالزئير- واقتربوا من سلة الضيف ومرر أحد اللاعبين أعتقد أنه (عمرو أبو الخير) الكرة لمدحت وردة الذى أودعها السلة محرزا هدفا مزدوجا ( بنقطتين ) وبانطلاق صفارة حكم المباراة معلنة عن نهايتها ..انقلبت صالة المباراة ( بالإسكندرية ) إلى حالة من الهيستيريا لا يمكن تصديقها.

كان عام 1991 الذى جرت فيه المباراة أحد أهم الأعوام التى شهدت نشاطا مسلحا واسعا ومدمرا شنته جماعات الإسلام السياسى .. كما شهد أيضا – بخلاف حجاب ونقاب السيدات – تقليدا جديدا لبعض لاعبى رياضات كرة القدم والسلة واليد والطائرة بارتداء ( سروال ) شورت يغطى الركبة وربما يصل إلى الثلث العلوى لسيقان اللاعبين .. وهو انعكاس لنشاط الإسلام الوهابى السياسى فى مصرآنذاك. وكان أبرز لاعبى منتخب كرة السلة المصرى ( ونادى الاتحاد السكندرى) مدحت وردة يرتدى ذلك الشورت الطويل ( الشرعى ) ، وما أن أحرز الرمية الأخيرة وهاجت صالة المباراة إلا ووجدناه مرفوعا على أكتاف زملائه اللاعبين ويحمل مصحفا فى يده اليمنى وعلم مصر فى يده اليسرى فى إشارة إلى أن السبب فى تحقيق النصر فى المباراة يرجع إلى التمسك بالدين.

وكان تصريح فرج فودة فى مجلة المصور على ما أذكرهو رسالة من عدة أسطر موجهة للاعب مدحت وردة مفادها العبارات التالية :[ مرحبا بك لاعبا .. لا واعظا – ما أفضى لتحقيق النصر هو تماسك الفريق وتدريبه وتوفيق اللاعبين- إن تمسكك بتعاليم الدين لاتتمثل فى الشورت الذى ترتديه.. ولا حتى فى المصحف الذى رفعته بعد المباراة ، لو أن الفريق الضيف كان هو المتأخر بهدف وفى الرمية الأخيرة أحرز الفوز.. وقام لاعبوه برفع الإنجيل فى يد وعلم بلادهم فى اليد الأخرى .. هل كنا سنقول أن التمسك بتعاليم الدين المسيحى هى التى أحرزت النصر ..؟ وعدم التمسك بتعاليم الإسلام هى التى تسببت فى الهزيمة..؟- المباراة فى لعبة رياضية لها قواعدها ولوائحها ولا دخل للدين فيها ..]

هذا وقد أنصت فرج فودة ومحمود الطويل للحديث وأثار انتباههما ما كررته على مسامعهما من نصوص صرح بها الدكتور فرج فى مجلة المصور وتفسيرى لها وأسباب إعجابى بالصياغات المستخدمة.

بعدها استدعى أحد مساعديه وطالبه بإحضار 5 نسخ من كل ما أصدره من كتب وقدمها لى هدية ، وسجل اسمى ورقم هاتفى وأوصى المساعد بتخفيض 50 % من ثمن ما أطلبه فيما بعد من إصدارات حالية أو تالية.. أيا كان عددها.

تشعب الحديث فى مختلف القضايا التى أثارها فى كتبه ورغم ميله الدائم فى الحوار إلى تبيان مجافاة ما تقوله فصائل الإسلام السياسى وتدّعيه عن صحيح الإسلام إلا أنى كنت ميالا أكثر لكيفية انتشار أفكاره وأدواته فى ذلك المضمار ، وقد طلبت منه أن يحاول استحداث وسائل أخرى بخلاف نشر الكتب التى لا يقرأها إلا من يجيدون أو يحبون القراءة وهم قلة فى المجتمع مثل المحاضرات والندوات خصوصا فى الأقاليم والقرى .. فهناك مربط الفرس فى انتشار خزعبلات وأفكارتيار الإسلام السياسى وأبديت استعدادى لتوفير ذلك له إذا ما راقته الفكرة .. فأبدى استعداده لتنفيذ مقترَحى .

كما تطرق إلى زيارته لتونس لمحاورة بعض ممثلى ذلك التيار هناك ( النهضة )..وفاجأنا بقوله : بعد موافقة محاوره التونسى على تلبية دعوة الحوارمعه والإعلان عن اسمه وتوقيت بثه فى التليفزيون انسحب المحاور.. ولم يعتذر ولم يبد أسبابا لانسحابه حتى فيما بعد.

من جانب آخر..أفاد الشهيد فودة بأنه يعد دراسة عن زواج المتعة فى المذهب الشيعى .. وأنه عازم على نشرها فور الانتهاء منها .. فتحفظتُ على ذلك خصوصا وأنه كان مشتبكا فى معركة أخرى مع عدد من ممثلى الإسلام السياسى تتابع النيابة العامة تحقيقاتها، فضلا عن المناظرة التى جرت بينه وبين ممثلى جماعة الإخوان المسلمين من أيام معدودة فى معرض الكتاب الدولى بمدينة نصر حول .. (مصر بين الدولة الدينية والدولة العلمانية ) وما زالت أصداؤها ساخنة وشررها متطايرا فى أرجاء البلاد .. ناهيك عن بعض ما أدلى به فى التحقيقات المشار إليها وذكره فى لقائنا ويكرره ويتندر به بين أصدقائه ومحبيه وهو بالقطع يوغر صدر أنصار الدولة الدينية منه مثل الاستفسار المتداول فى بعض كتب التراث القديمة ويُعاد طرحه فى أيامنا هذه عن (بافتراض وجود رجل له قضيب برأسين.. أتى زوجته بأحدهما فى فرجها وبالثانى فى دبرها .. فماهو حكم الدين فى ذلك؟) ..وإمعانا منه فى التندر بانشغال أنصارالإسلام السياسى بهذه الترهات وإهمالهم لقضاياالمجتمع الحية .. قال : وما أن ذكرت ذلك للمحقق لم يتمالك نفسه من الضحك لدقائق.

لقد ذكرت له أنه يقوم بدوره بأسلوب فعال وناجح .. ومن الضرورى أن يستمر ذلك .. وأعتقد أن النتائج التى أحرزها حتى الآن يعود الفضل فيها فى تقديرى لأسباب عدة منها أنه لم يدخل معركتين فى وقت واحد ، وبالتالى أرى إرجاء إصدار كتابه عن زواج المتعة حتى ينتهى مما هو منخرط فيه من معارك.

لم ندرك أن الوقت سرقنا وامتدت دقائق صديقنا محمود الطويل إلى ثلاثة ساعات ونصف وأرجأنا موعدنا الآخر رغما عنا ..وغادرنا مكتبه.

سبقناه فى الخروج وتركناه.. واستأذنتُ محمود فى إلقاء نظرة على البناية -التى يقبع مكتبه فى دورها الأرضى – من الخارج ، فسألنى محمود مستغربا.. ماذا ..؟ فصمت للحظات ثم قلت : هذا الرجل سيقتل من هذا الشباك المطل على الشارع الخلفى.
لم تمر خمسة شهورعلى لقائنا الوحيد حتى اغتالوه أما البناية وليس من الشباك.. أطلق عليه النار شخص أمى لايعرف القراءة والكتابة .. ولم يقرأ كتبه .

و أتذكر الآن.. أنى ومنذ غادرت مكتبه فى أواخر يناير 1992 ترن فى أذنى مقولة للصديق جلال الجميعى .. أطلقها عليه قبل سنتين من ذلك التاريخ : هذا أشجع رجل فى مصر.

8 يونيو 2016 بشير صقر

]]>
http://tadamon.katib.org/2016/06/12/%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d9%8a%d8%af-%d9%85%d8%b9-%d8%a3%d8%b4%d8%ac%d8%b9-%d8%b1%d8%ac%d9%84-%d9%81%d9%89-%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%87%d9%8a%d8%af/feed/ 0
عن تخفيض إيجار بعض الأراضى الزراعية : تنبيه وتحذير لفلاحى الإصلاح الزراعى والأوقاف فى مصر http://tadamon.katib.org/2016/06/12/%d8%b9%d9%86-%d8%aa%d8%ae%d9%81%d9%8a%d8%b6-%d8%a5%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d8%b1-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%a7%d8%b6%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9/ http://tadamon.katib.org/2016/06/12/%d8%b9%d9%86-%d8%aa%d8%ae%d9%81%d9%8a%d8%b6-%d8%a5%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d8%b1-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%a7%d8%b6%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9/#respond Sun, 12 Jun 2016 10:31:39 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1115 نشر الموقع الإلكترونى لصحيفة الأرض (http://elaard.com/t~18676) التى تصدرها وزارة الزراعة المصرية خبرا كتبه شعبان بلال (منذ: 4 شهور, 18 ساعات, 24 دقائق, 37 ثانية ) تحت عنوان [هدية لفلاحي الإصلاح الزراعي: تخفيض إيجار الفدان إلى 1250 جنيها ] .. يقول :

[ قرر مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، الخميس الماضي، تخفيض إيجارات الأراضي الزراعية لواضعي اليد والمنتفعين، بحد أقصى 1250 جنيها للفدان، بدلا من 4000 جنيه في السنة، وتخفيض إيجار المتر العقاري إلى ما يتراوح بين 5 و10 جنيهات في السنة، حسب المنقطة. ويأتي هذا القرار في الوقت الذي أقر فيه مجلس إدارة هيئة الأوقاف رفع القيمة الإيجارية للأراضي الزراعية إلى 3150 جنيها، بلدا من 2500 جنيه التي كان قد حددها الرئيس عبد الفتاح السيسي لمدة عام، انتهت في 30/10/2015. ]

وتعقيبنا على الخبر :

•أن هذا القرار بادرة معنوية طيبة.

•و لكن لكى يتحول القرار إلى شئ مادى قابل للتطبيق لا بد وأن تكف الوزارة عن خرق قانون الزراعة 30 لسنة 1966 مادة 90 .. بل عليها تحييز الأرض فى الجمعيات الزراعية باسم من يزرعها (مالك أومستأجر) وأن يتوقف سريان التعليمات الوزارية المعممة- منذ عام 1997-على مديريات الزراعة – بعدم تحييز الأرض بالجمعيات الزراعية إلا لمالكها. وذلك ليتمكن المستأجرون من الحصول على مستلزمات الزراعة ( أسمدة ، مبيدات .. إلخ ) فلا يلجأون للسوق السوداء للحصول عليها وحتى لا يتم تبديد ما وفروه ( من خفض الإيجار ) فى شراء الأسمدة والمبيدات وغيرها من المستلزمات. وكحل عملى لعملية التحييز ..يتولى المشرفون الزراعيون معاينة الأرض على الطبيعة لتحديد المستأجرين الذن يزرعونها فى وجودهم والإعلان عن ذلك فى وقت سابق على المعاينة.

•أما الشق الآخر فى الموضوع فهو أن تلتزم الدولة بشراء المحاصيل النقدية التى تطلب من الفلاحين زراعتها كالقطن والأرز ( والقمح ) وبسعر يقترب من السعر العالمى ليكون الفرق بين تكلفة الزراعة وبين ثمن بيع المحاصيل كافيا لمعيشة كريمة ولاستمرار الزراعة فى العام التالى ،وهو ما يعنى ألا يجد الفلاح أنه لا يستطيع بيع محاصيله ويضطر لتخزينها بالعشرين شهرا فى منزله – كما كان يحدث فى محصولى القطن والذرة.. وجزئيا الأرزفى وقت سابق – أو أن ترفض الدولة استلامها منه كما حدث من أسبوعين فى محصول القمح.

أما ما نريد التنبيه له والتحذير منه فهو:

أن قرارتخفيض الإيجار ينطبق فقط على الأرض التى تؤجرها الدولة ( ممثلة فى هيئة الأوقاف وهيئة الإصلاح الزراعى) للفلاحين ولا ينسحب على الأرض المملكة:
بمعنى استثناء الأراضى التالية من القرار المشار إليه:

1-أراضى الأوقاف المملكة التى سبق توزيعها على الفلاحين وخضعت للقانونين 152 / 1957 و 44 / 1962 ( أى تم استبدالها بين هيئة الإصلاح الزراعى والأوقاف) حيث دفعت هيئة الإصلاح ثمنها (استبدالها) للأوقاف وتم تسجيلها باسم الإصلاح الزراعى فى الشهر العقارى ووزعت على الفلاحين بنظام التمليك المقسط على 40 قسطا سنويا.

2-وأغلبية (90 %) أراضى الإصلاح الزراعى المملكة للفلاحين.. وسبق للهيئة توزيعها عليهم بموجب استمارات البحث الاجتماعى وكشوف التوزيع.
ونكرر: هذا القرار لاينسحب سوى على الأرض المؤجرة من الدولة للفلاحين وهى جزء من أرض الأوقاف وجزء من أرض الإصلاح الزراعى( 10 %) ، أما بقية الأرض العادية ( أرض الائتمان ) والتى تمثل أكثر من 80 % من الأرض الزراعية فى مصرفلا ينسحب عليها هذا القرار .

أن صياغة الخبر قد تفضى إلى لبس كبير ، فالخبر موجه لفلاحى الإصلاح الزراعى مع أن أرض الأصلاح نوعان .. مملكة ومؤجرة.

وما نخشاه فى الخبر هو أن يتم تعميم القرار على كل أراضى الإصلاح الزراعى بنوعيها المملكة والمؤجرة وبالتالى يقع فلاحو الأرض المملكة فى المصيدة وذلك بأن يتحولوا دون إدراك منهم إلى مستأجرين بدلا من مالكين.. ويمكن فيما بعد طردهم منها .. بالذات وأن هيئة الإصلاح تمتنع عن تحرير عقود تمليك الأرض للفلاحين الذين دفعوا كامل ثمنها، خصوصا وأن ما كان يدفعه فلاح الأرض المملكة سنويا كقسط لتملك الأرض.. يتقارب فى قيمته مع الإيجار السنوى الذى يدفعه فلاح الأرض المستأجرة.

وعليه نعيد التنبيه إلى أن القرار يخص الأرض المؤجرة وليس المملكة.. سواء فى أراضى الإصلاح الزراعى أو أراضى الأوقاف.

الخميس 26 مايو 2016 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر

]]>
http://tadamon.katib.org/2016/06/12/%d8%b9%d9%86-%d8%aa%d8%ae%d9%81%d9%8a%d8%b6-%d8%a5%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d8%b1-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%a7%d8%b6%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9/feed/ 0
عن الجديد فى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية (2 – 2 ) .. هل تستبدل السعودية الزواج الأمريكي .. بالغرام الإسرائيلى ..؟ http://tadamon.katib.org/2016/05/22/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%81%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84-2/ http://tadamon.katib.org/2016/05/22/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%81%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84-2/#respond Sun, 22 May 2016 15:37:49 +0000 http://tadamon.katib.org/?p=1109 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=517675

مقدمة :
لا يخفى على المتابعين لتطورات الأوضاع فى الشرق الأوسط ما أسفرت عنه ثورات الربيع العربى من محن ألمت بشعوب المنطقة ومكاسب هائلة سقطت مباشرة فى ” حصالة ” الدولة العبرية.
كما تفجرت فى نفس الفترة أزمة تخصيب اليورانيوم فى إيران والتى اعتبرتها وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية تشكل خطرا داهما فى حالة التوصل لإنتاج أسلحة نووية فتخلق توازنا نوويا حاسما فى المنطقة ؛ وما يستتبعه من هيمنة إيرانية محتملة على دول الخليج العربى البترولية وتهديد مباشر للمملكة السعودية .

هذا وتفيد الأخبار أو التسريبات المقصودة – منذ التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية- عن شروع عملى و سافر لتحالف وشيك بين السعودية وإسرائيل.. مردّه ابتعاد الولايات المتحدة المباشر عن المنطقة من جانب واحتياج السعودية لبديل يتولى القيام بالدور الأمريكى القديم من جانب آخر.

توقيت ومبررات التقدير الأمريكى الجديد بشأن الشرق الأوسط ووزن المخاطر الإيرانية :

لقد تصور الكثيرون أن اعتراض السعودية على الاتفاق الأمريكى الإيرانى بشأن النشاط النووى هو بادرة الخلاف بينهما.. لكن الحقيقة أن الخلاف نشأ قبل ذلك لرغبة الولايات المتحدة فى التخفف من أعبائها بالمنطقة للحاق بما فاتها فى مناطق أخرى من العالم صارت أكثر أهمية منها . وهو ما حاولنا توضيحه فى الجزء الأول من هذا المقال المعنون (درء المخاطر الماثلة للنشاط الصينى والروسى ودول الـبريكس) .

هذا ومن وجهة النظر الأمريكية فإن مخاوف السعودية وهلعها من ” الغياب ” الأمريكى – من انفراد إيران بالمنطقة – لا تشكل سوى هواجس من اعتاد على حياة لا يرغب فى تغييرها وليس على استعداد لتفهم ما تفرضه مصالح الشركاء وضرورات الزمن من تغيرات يتحتم التكيف معها ..بالذات وأن هذه التغيرات لن تنتقص شيئا من الاحتياجات المطلوبة لمواصلة التوجهات السعودية أو لاستمرار الحياة. ولذلك لم تلتفت إدارة الرئيس أوباما لما تبديه المملكة من تذمر أو لما تعلنه أحيانا من احتجاج أو تهديد ، وتدرك أنها نوع من ” العشم العائلى” المتولد من امتداد المعاشرة سنوات طويلة.. والاعتياد .. الذى يشبه ما يحدث بين الأزواج .

ولأن كرامة المملكة “نقحت عليها ” ولأن إحساسها بالغبن والخطر معا مبالغ فيهما فقد اتجهت أنظارها لفتى الولايات المتحدة المدلل فى المنطقة ” إسرائيل” ليكون ملجأ لها وحضنا دافئا بديلا فهو وحده القادر على القيام بدورالزوج الغائب الذى تخلى عنها بعد كل ما قدمت له من رعاية وعناية وأشياء كثيرة يصعب الحديث عنها على الملأ . ولم تتصورالمملكة أن هذا أيضا هو رأى الولايات المتحدة بشأن الدور القادم للفتى المدلل .. وأن ما تدعيه – المملكة – بشأن إيران وخطرها تم نزع فتيله ( بالاتفاق النووى) أما مشاكلها ( أى إيران ) فى المنطقة فسيتم حلها بتنازلات متبادلة وتوافقات مشتركة بين أطرافها ، وما يتبقى منه سيتكفل الفتى المدلل بصده عنها فهو – موضوعيا – شرطى المنطقة.

هذا ويمكن تلخيص ذلك الوضع فى أن المملكة السعودية أشبه بزوجة شرع زوجها فى تركها بعد حياة مديدة .. ليستدرك ما فاته من مصالح بعيدا عن منزله .. فلم يتخذ قرارا بالقطيعة لكنه اتخذ موقفا بالابتعاد .. ودبر لزوجته صيغة جديدة لاستئناف الحياة ” بدونه “.. لكن ليست بعيدة عن رعايته وإشرافه.

تلك الحياة أو المرحلة الجديدة – من وجهة النظرالأمريكية – ستطمئن المملكة على مواجهة الخطر الإيرانى برعاية وكفالة إسرائيلية ؛ وستشكل نوعا من التوازن فى المنطقة بينها وبين إيران بعد إبرام الاتفاق النووى الذى أرجأ اندلاع الخطر الإيرانى إلى حد بعيد.. ولو إلى حين.

المواعدة والغرام الإسرائيلى .. بديلا عن الزواج الأمريكى .. التاريخ والوقائع:

إن ما أدلى به عدد من المسئولين السعوديين فى وقت سابق – إثرإبرام الاتفاق النووى مع إيران- يؤكد حالة الهلع تلك .. ويشير فى نفس الوقت إلى البديل المتوقع .. بل ويرحب بحالة الغرام ” المفاجئة ” التى هبطت على المملكة ممثلة فى تصريحات مسئوليها : ” إيران .. وليست إسرائيل .. هى عدونا ” ، ” إسرائيل يمكن أن تدافع عن دول المنطقة فى مواجهة التهديدات الإيرانية ” .. فضلا عما قاله الوليد بن طلال ونقلته صحيفتا الجيروزاليم بوست الإسرائيلية وعكاظ السعودية : ” فخور بكونى سفير فخرى سعودى .. لدى إسرائيل “.

لقد كان الغرام الذى اجتاح الزوجة ” الوحيدة المغبونة ” نوعا من ” رفقة مستورة ” أو “إعجابا من طرف واحد” بذلك الفتى فى زمن سابق ؛ بل ورقصا – عن بعد – على نغم مشترك معه .. دللت عليه وقائع تاريخية شتى:

• منذ حصلت المملكة على مباركة الفتى المدلل فى تشكيل تحالفها العسكرى لمواجهة الحوثيين الموالين لإيران فى اليمن عام 2015 بهدف كسر شوكتهم وإبقاء باب المندب – المدخل الجنوبى للبحر الأحمر- تحت سيطرة النظام اليمنى المتعايش قسرا مع المملكة.. وإبعاد إيران عنه.

• وربما منذ تبنت فى مجلس التعاون الخليجى وجامعة الدول العربية إصدار قرار باعتبار حزب الله حزبا إرهابيا ..لمحاربته إسرائيل فى زمن يشهد مصالحة جيرانها لها .. أو مداعبتها ومد الوشائج معها من تحت المنضدة.

• وربما منذ التقى الجنرال السعودى المتقاعد أنورعشقي – مدير مركز الشرق الاوسط للدراسات الاستراتيجية في جدة – مع دوري غولد – أمين سر رئيس الحكومة الاسرائيلية وأحد كبار مستشاري ناتنياهو – منذ عقدين من الزمان حيث تقابل الطرفان خمسة مرات أخرى من قبل في واشنطن ، استمراراً للقاءات سابقة شهدتها الهند وجمهورية التشيك وإيطاليا ، وتناول فيها الطرفان سبل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.. وأفصحت عنه صحيفتا (بلومبرغ) الأميركية و(اسرائيل اليوم) فى حينه.

• وربما منذ تطوعت بتمويل الجدار الفاصل الذى أقامه الفتى المدلل- بين الجمهورية الصحراوية والمغرب- لحماية الأخيرة من هجمات جبهة البوليزاريو المسلحة منذ أكثر من عشرين عاما .

• أو ربما منذ مولت وفتحت مجالها الجوى للطائرات الإسرائيلية لحمل المؤن والعتاد والمرتزقة وإسقاطهم على حدود اليمن للتسلل مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين لقتال الجيش المصرى هناك عام 1963.

آفاق العلاقات المنشودة بين السعودية وإسرائيل :

لقد سعت المملكة لجر مصر للتدخل فى الحرب الدائرة فى اليمن منذ عام 2015 ونجحت فى ذلك متوقعة أن تشارك مصر بقواتها البرية.. وهو ما لم يلق الاستجابة .. وأسفر عن توترالعلاقات معها .. ولم تنفرج أسارير المملكة إلا باتفاقات أخرى فى الخفاء تفرط فى جزيرتين – بمدخل خليج العقبة لم تجدا حماية طيلة قرون إلا بدم المصريين- مؤكدة بذلك تحول خليج العقبة إلى بحيرة إسرائيلية سعودية أردنية .

الزوجة المغبونة والفتى المدلل .. دلائل الهوى والرغبة المكبوتة:

وبمثل ما كان ذلك التفريط المباغت غير المبرر.. بمثابة رأس” الخرّاج ” الذى بخدْشِه سال كل ما يحويه من صديد .. تكشفت جملة من الإجراءات والاتفاقات والتآمرات.. تفسر أبعاد المخطط الذى يُحاك فى المنطقة ومنها :

• الإعلان عن أو تسريب.. عينة من أشكال التعاون السعودى الإسرائيلى بشأن دورات تدريبية لعسكريين سعوديين فى إسرائيل على “مهام فى البحر الأحمر” فضحها حزب ميريتز الإسرائيلى معلنا عن : [ مذكرة تفاهم سعودية إسرائيلية- تشمل إدارة مضيق باب المندب وخليج عدن وقناة السويس والأراضى المشاطئة للبحر الأحمر.. من خلال فريق مشترك فى قاعدة بولونيوم بحيفا -وقعها عام 2015 كل من أحمد بن صالح الزهرانى ( سعودى ) وديفيد سلامى ( إسرائيلى ). يتم بموجبها تدريب 37 سعوديا منهم 10 ضباط ].

• الإعلان عن عقد اجتماع يوم 11 إبريل 2016 بين محمد بن سالمان ولى ولى العهد السعودى وبنيامين ناتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى بمدينة العقبة الأردنية بشأن العلاقات المصرية السعودية انتهى بـ ” التطابق التام للأهداف التى تسعى الرياض وتل أبيب لتحقيقها “.

• الشروع فى وضع حجر الأساس لعدد من المشروعات السعودية العملاقة لربط بحر العرب بالخليج العربى ، والتمهيد لإقامة جسر برى يصل السعودية بمصر بعد التنازل عن الجزيرتين للسعودية.

• وضعْ ناتنياهو لحجر الأساس لمشروع إقامة ميناء أشدود الإسرائيلى على شاطئ البحر الأبيض المتوسط والذى بوَصْلِه بميناء إيلات على خليج العقبة تنشأ قناة ملاحية إسرائيلية تقوم بوظيفة قناة السويس.

• الاعتراف بحقيقة الاتفاق السعودى المصرى بشأن التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير بتصريح موشيه يعلون وزير الدفاع الإسرئيلى بأن [ مصر تنازلت عن تيران وصنافير مقابل 16 مليار دولار ].

إذن فما جرى بين السعودية وإسرائيل فى الأسابيع الأخيرة هو نتاج عمليات تمهيد طويلة باركتها الولايات المتحدة الأمريكية وأشرفت عليها، كما أن لفت نظر السعودية – لإمكانية استغلال الضائقة المالية والتدهور الاقتصادى فى مصرومعاناتها من إرهاب فصائل الإسلام السياسى فى سيناء تشكل فرصة نادرة لمقايضتها على الجزيرتين- كان مبادرة إسرائيلية بالأساس؛ وهو ما يعنى من زاوية أخرى فى نفس الوقت أن حماية الجزيرتين ستضطلع بها إسرائيل.

جذور الغرام البدوى بأبناء العم فى تاريخ شبه الجزيرة العربية :

ولأن للهوى والعشق أحكامه من قديم الزمن خصوصا فى المجتمعات الصحراوية فقد أعفتنا ” صحيفة الحرس السعودية المعارضة ” عناء البحث عن جذر الهوى السعودى بأبناء العم العبرانيين حيث نشرت فى 24 يوليو 1994 نص الوثيقة التاريخية التى تعد التصريح الموثق الأول لذلك الغرام القديم والذى لم يكلف صاحبه التنازل عما يملكه لمحبوبه بل التبرع له بما يملكه غيره.. ويبصم عليه.
تقول الوثيقة – المكتوبة بخط اليد والمبصومة بخاتم كاتبها- بالحرف : [ أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن السعود .. أقر وأعترف ألف مرة للسير ” بيرسى كوكس ” مندوب بريطانيا العظمى .. لا مانع عندى من أن أعطى فلسطين للمساكين اليهود.. أو غيرهم .. وكما تراه بريطانيا التى لا أخرج عن رأيها حتى تصبح الساعة .] وفى الحقيقة لا نرى تفسيرا لذلك سوى التعبير المصرى القديم :” القلب وما يعشق “.

حيود السياسة الأمريكية الجديدة عن الشرق الأوسط .. إختراع أوبامى .. أم ميول طبقة..؟ :

تضمن تقرير المنتدى السياسى لمعهد واشنطون عن” عقيدة أوباما وسياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط ” المنشور فى 25 إبريل 2016 على موقع ” السورية نت ” الأفكار التالية :

[ ليست لمنطقة الشرق الأوسط الآن أهمية استراتيجية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ، وأنّ أمْن إسرائيل لا يشكل مصدر قلق بالغ الأهمية لواشنطون. كما أن اتفاق إيران ( النووى ) هو من أجل تحقيق الاستقرار فى المنطقة وتقليل التزامات الولايات المتحدة فيها. ]

[ خلال الفترة من 1989 وحتى 2014 أى ما بعد الحرب الباردة .. كانت أوربا وشرق آسيا تشهدان فترة سلام لحد كبير.. الأمر الذى سمح لنا بتخصيص المزيد من الموارد والاهتمام بالشرق الأوسط .. أما الآن فالوضع مغاير.. فالتحديات الاستراتيجية الجديدة تتطلب إيلاء الاهتمام بشرق آسيا وأوربا وأجزاء أخرى من العالم .. مما يتطلب إعادة توزيع الموارد.]

[ داعش هى (التهديد) الرئيسى لنا فى منطقة الشرق الأوسط ؛ لكن إيران هى (الخطر) الرئيسى الذى يهدد مصالحنا .. فإيران .. انتقامية – تسعى للهيمنة الإقليمية – وتبقى مصدر قلق متعلق بالأسلحة النووية .. لذا يجب احتواؤها ويجب أن تكون الهدف الرئيسى لنا فى المنطقة.]

خاتمة :

تدرك الإدارات المتعاقبة للولايات المتحدة الأمريكية جيدا أن المملكة السعودية هى عائلة تتحكم فى دولة فلامسئول فيها من خارج العائلة المالكة ، وهو ما يعنى أنها دولة استبدادية ( لا حريات ولا أحزاب ولا نقابات) معادية للمرأة وللمخالفين لها فى العقيدة .. شأنها شأن كل الدول الاستبدادية فى العالم، وهى غنية بالنفط الذى مكنها من تركيم الثروات التى تفوز بها العائلة المالكة وحدها بينما بقية الشعب تحصل على الفتات . كما أنها لا تعادى إسرائيل وتنسج علاقات مستترة معها ، ولا تستثمر من مدخراتها داخل الدولة إلا أقل القليل وتحتفظ بالجزء الأعظم منها لدى البنوك الغربية (الأمريكية )، وأن كثيرا من قادة التنظيمات الفاشية والإرهابية فى العالم من مواطنيها.. ولا يستبعد البعض دورها فى أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية.

يقول “بين رودس” نائب مساعد الرئيس الأمريكى لشئون الأمن القومى عشية زيارة أوباما الأخيرة للمملكة: [ تنظيم القاعدة تأسس بأموال سعودية ، ومن بين مصادر التمويل موظفون فى الحكومة السعودية ] ويستطرد رودس مؤكدا : [ الأموال الأولى التى أنفقت على مشروع تأسيس القاعدة جاءت من السعودية ] ، وصدور ذلك التصريح من مسئول كهذا فى ذلك التوقيت يعنى إصرار الإدارة الأمريكية على وضع النقاط على الحروف بالنسبة لرأيها فى إدارة المملكة.

هذا ونظرا لما يكتنف السياسة الأمريكية من تغيرات لم يعد فيها الشرق الأوسط مركز اهتمامها الأول ، ونظرا لما سببه هجوم 11 سبتمبر2001 الإرهابى – على برجى التجارة والبنتاجون فى نيويورك وواشنطون- من هلع للأمريكيين مواطنين وحكاما.. لم تزل مواجعه وتبعاته حية فى الذاكرة ، ولأن التحقيقات قد أشارت إلى وجود 13 متهما من 19من منفذى الهجوم من مواطنى المملكة السعودية ، واستنادا للضغوط التى يمارسها الشعب الأمريكى وأهالى ضحايا ذلك الهجوم والناجون منه على الإدارة الأمريكية.. لسن قانون يسمح لهم بمقاضاة مرتكبى الهجوم ودولهم . وحيث طالبت بعض الصحف الأمريكية بذلك على مدار السنوات التى انقضت. فقد جن جنون الإدارة السعودية ولوّحت مؤخرا بأنه فى حالة السماح بصدور مثل ذلك القانون ستسحب أرصدتها فى البنوك الأمريكية بما يعنيه ذلك من أزمات مرجحة تصيب الاقتصاد الأمريكى خصوصا واأن الأرصدة السعودية تبلغ 116,8 مليار دولار وذلك بخلاف الاستثمارات الأخرى.. ويأتى هذا الرقم ثالثا بعد رصيدى الصين واليابان فى البنوك الأمريكية.

ورغم التلويح السعودى بسحب الأرصدة أفادت وسائل الإعلام الدولية مؤخرا بموافقة مجلس الشيوخ الأمريكى على القانون المعنى والمستند إلى مبدأ ” العدالة ضد رعاة الإرهاب” ؛ ولا يبقى لإنفاذه سوى توقيع الرئيس أوباما عليه.

ومع ذلك فإن كثيرا من المراقبين والقريبين من الإدارة الأمريكية قد استبعدوا أن يقوم أوباما بالتوقيع . إن موافقة مجلس الشيوخ على القانون بعد مرور خمسة عشرعاما على الهجوم.. وفى هذه الفترة تحديدا التى تتغير فيها مراكز الثقل والاهتمام فى السياسة الأمريكية بعيدا عن الشرق الأوسط لا يعنى إلا شيئا واحدا هو احتمال صدوره لدى أية بادرة لاتروق الإدارة الأمريكية من المملكة ، بل ويعنى أيضا استخدام القانون القابع فى أدراج مجلس الشيوخ سيفا مسلطا وأداة تهديد يمكن إنفاذها فى دقائق إن لم تنضبط المملكة لجملة المحاذير التى تضعها الإدارة الأمريكية أمامها .
أما عن دورى مصر وإيران فى التطورات الراهنة فى المنطقة .. فله قصة تالية.. نعود إليها لاحقا.

الخميس 19 مايو 2016 بشير صقر

]]>
http://tadamon.katib.org/2016/05/22/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%81%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84-2/feed/ 0