التنظيمات الفلاحية فى زمن الثورة .. بين تجاوزات التأسيس.. وأوهام الحصاد

الشئ لا يكتسب اسمه من شكله بل من محتواه أى من الوظيفة التى يؤديها-
فالإناء مثلا00 يسمى بهذا الاسم لأنه شكل له وظيفة- ووظيفته أن يحمل أو يحتوى مادة
ما- ولذلك يسمى حاوية أو وعاء أو إناء0

* وإن لم يستخدم فى تلك المهمة فلن ينطبق عليه اسمه الذى أطلقناه عليه-
فالإناء المصنوع من الصفيح – صفيحة- يحتفظ باسمه طالما ظل مستخدما فى احتواء
المواد ( ماء؛ زيت ؛ رمل؛ فحم إلخ ) لكنه إن دق طفل عليه وهو فارغ بعصا صلبة فإنه
يتحول إلى طبلة وذلك لأنه فقد وظيفته الأساسية وهى احتواء المواد0

* كذلك فالنقابة هى شكل لضم واحتواء عدد من البشر معا.. من حرفة أو
مهنة أو خدمة واحدة بغرض توحيد كلمتهم والدفاع عن مصالحهم وانتزاع حقوقهم ولا
تكتسب اسم نقابة إلا اذا قامت بذلك فعلا أوقطعت شوطا فى هذا الطريق – وبتعبير
آخر.. النقابة شكل له محتوى: الشكل هو تجمع عدد من أفراد مهنة واحدة ؛ والمحتوى
:هو قيام ذلك التجمع بوظيفة توحيد الكلمة والدفاع عن مصالح أفراده ككل0

*وعليه فتأسيس هذا
الشكل دون القيام بمحتواه أو بوظيفته يُفقِده عمليا وموضوعيا بل وقانونيا اسمه
الذى أُطلق عليه .. أى نقابة 0

* ولأن المجتمعات
تتفاوت فى مستوى تمتعها بالحرية وفى درجة إلمامها بالعلم والثقافة والمعرفة
والتكنولوجيا وينعكس ذلك على الطبقات والشرائح الاجتماعية داخلها.. فإن إمكانية
تأسيس النقابات تختلف تبعا للأوضاع السياسية والقانونية داخل كل مجتمع؛ بل وتختلف
كذلك بين الطبقات وأيضا داخل الطبقة الواحدة0

*هذا وقد ظهرت
النقابات  فى المجتمعات المتطورة صناعيا
التى تتمتع بقدر من الحرية قبل ظهورها فى المجتعات النامية والمتخلفة المفتقدة
للحرية- أيضا تتأسس النقابات داخل  مهن الرأى
كالصحافة والمحاماة قبل نشوئها فى أوساط بقية فئات المجتمع؛ وتتواجد فى أوساط
العمال وبالذات عمال الصناعة قبل تواجدها فى أوساط الفلاحين وهكذا0

* ومن ناحية ثالثة
يلعب الحراك الاجتماعى والصراع الطبقى والنشاط السياسى دورا حاسما فى التعجيل
بظهور النقابات فى البلاد التى تتسم بدرجة أعلى من ذلك النشاط قبل ظهورها فى
البلاد التى يخفُت فيها أو لا تتسم به ؛ بل وبين الطبقات التى يضطرم بينها
الصراع  أكثر منه  بين التى يكون الركود طابعها الأساسى حتى ولو
كان التفاوت الطبقى بينها كبيرا0

* والبنيان النقابى
يتكون من عدة مستويات .. قاعدي ووسطى وقمى . ويتشكل المستوى القاعدى وسط جموع
أفراد المهنة أو الحرفة أو الخدمة الواحدة من عدد من النقابات القاعدية ( الوحدات
النقابية ) فى المنشآت والمؤسسات والمصانع والقرى والنجوع وغيرها، بينما يتشكل
المستوى الوسطى من ممثلين للوحدات النقابية القاعدية؛ وبنفس الطريقة  يتشكل المستوى القمى من ممثلين للمستوى الوسطى
وهكذا .

* ولكى يكون البناء
متماسكا لا يمكن عمليا وموضوعيا البدء فى بناء مستوى إلا بعد الانتهاء من  بناء المستوى الأدنى؛ وعملية البناء تعنى إقامة
الشكل والمحتوى معا وقطع شوط  فى النجاح فيهما
استنادا إلى التجربة والنتائج معا0

* ولأن إقامة الشكل
تتمثل فى تجميع الأفراد – المطالبين والموافقين عن قناعة على تأسيس النقابة – فان
تحقيق المحتوى يعنى توفرَ المقومات التالية:

أولا : حد أدنى من
الوعى بأهمية النقابة وبدورها.

ثانيا : حد أدنى من
الوعى والإلمام بمشاكل المهنة أو الحرفة أو الخدمة 0

ثالثا : درجة مناسبة
من القدرة والجسارة على طرح أهميتها فى صفوف الجمهور والشروع فى الدعوة لها بروح
مقدامة0

* وبالقطع لا يمكن
تحديد ذلك الحد الأدنى بشكل دقيق.. لأنه نسبى داخل المجتمعات المختلفة وداخل كل
طبقة فى المجتمع الواحد00بل وداخل  كل مهنة
أو حرفة او خدمة استناداً لمستوى الصراع الطبقى والنشاط السياسى ( وقت السلم أو
وقت التأجُّج والثورة ) 0

وهذا يأخذنا إلى ما
يمكن اعتباره معايير لبناء النقابة أو الاتحاد النقابى لمقارنتها بما يجرى
حولنا  من نشاط .. مع ملاحظة أن الأمر
يختلف عند بنائها فى صفوف عمال الصناعة عنه فى صفوف الفلاحين الصغار والفقراء
خصوصا وأن هناك أكثر من اتحاد للفلاحين قد تم تدبيجها فى الشهور الأخيرة على عجل..
وكأن هناك مكافأة لمن يكون الأسبق.

* فلا يمكن مثلا
الإعلان عن تأسيس اتحاد نقابى مركزى للفلاحين دون بناء نقابة قاعدية متماسكة لأن
ذلك يعتبر قفزا على واقع الحركة الاجتماعية الجارية – عفوية أو منظمة- ويشير إلى
أن أصحاب الإعلان يُسقِطون آمالهم ومستواهم السياسي والفكري على مجمل الحركة؛ وهو
ما يسبب أشد الضرر للبناء المزمع تأسيسه – الاتحاد النقابى المركزى- ويوحى
بأنهم  ينطلقون من تصور أنفسهم قادة لذلك
البنيان المقرر إقامته دون مسوغات ومؤهلات موضوعية.

* كذلك لا يمكن  بناء اتحاد نقابى بعناصر سلطوية أو نقابية
صفراء ؛ أو بنفس القيادات والعناصر التى سبق وشاركت فى قيادة نقابات أواتحادات
مماثلة سبق انهيارها.. ولم تكلف نفسها عناء القيام بدراسة أسباب الانهيار .. إلا
إذا كانت فى صفوف المعارضة داخل الشكل المنهار وكان لها تقديراتها التى حذرت من
مغبة السياسات او الإجراءات التى كانت تقوده0

* إن بناء اتحاد
نقابى على النطاق القومى ليس مجرد لحظة تتلخص فى الإعلان عنه- بل هو عملية شاقة
طويلة ومتشعبة وحافلة بكل صنوف الصراع والمعاناة وتتطلب حنكة و بعد نظر وطول نفس
وصبر حتى لا تفسدها العجلة والتسرع والفبركة- وكلما قطع البناء شوطا فى الطريق
الصحيح زادت خبرته ومعارفه وارتقى وعيه واشتد عوده ككيان نقابى؛ وكلما خاض معارك
متنوعة تتناسب مع درجة احتماله كلما زادت ثقة أعضائه به وبأنفسهم مما يدفعه  خطوات إلى الأمام00وهكذا

تجاوزات بناء
النقابات فى زمن الثورة .. وأوهام الحصا
د:

والتجاوزات التى
تلازم عملية البناء والتأسيس تنعكس على عملية الحصاد والنتائج ؛ فعندما يتم القفز من
عدم القدرة
على بناء نقابة قاعدية فى قرية أو نجع إلى الإعلان عن
تأسيس اتحاد نقابى على المستوى القومى

تتخلق الأوهام ليس فقط بين من يتبنون ذلك المفهوم  بل وبين الكثيرين من أعضائه الأقل تجربة
ومعرفة.

* فمجرد تسجيل هذا
الاتحاد واكتساب شرعية قانونية له .. لا يعنى بالتبعية تَحقُقَ جوهره النقابى
المتمثل فى التعبير عمن يتحدث باسمهم وتحقيق مصالحهم أو انتزاع بعض منها أو حتى
مجرد السير فى هذا الطريق0

* وحقيقة الأمر أن
العجز عن بناء نقابة صغيرة حقيقية فى قرية أو نجع.. يعنى  تلقائيا أن هناك مشكلة حقيقية يعانى منها أصحاب
ذلك الفهم وهم كثيرون ؛ و ينعكس ذلك- بالطبيعة – على قدرتهم على بناء اتحاد نقابى
مركزى يضم فلاحى مصر أو يستهدف ضمهم، فمن يفشل فى
القاعدة يسقط فى/ من القمة نظرا لغياب المحتوى ؛ وبالمنطق البسيط من لا
يستطيع كتابة كلمة لن يتمكن بالتالى من كتابة جملة وهكذا0

* إن وجود الشكل
النقابى أو اكتسابه الشرعية القانونية لا يفضى حتما ولا يخلق ذلك المحتوى من العدم
؛ بل على العكس يتعرض للانفراط السريع لأنه يفتقد المادة اللاحمة بين أفراده وهى –
مهام محددة يتبناها ووظيفة محددة لتنفيذ المهام- وهو من ناحية أخرى يكرر أخطاء
الماضى التى قوّضت أبنية نقابية سابقة- ومن ناحية ثالثة ينشر الأوهام  بين أعضائه من الفلاحين تلك الأوهام التى توحى
أن حلول زمن الثورة كفيل ببث الحياة فى بناء تم تشييده بأفكار زمن مضى ودون توفير
مقوماته بل وبلا أدنى عناء.. سواء كانت تلك الأفكار من جانب معارضة رسمية سابقة أو
من جانب القوى الرسمية بعد الثورة التى تتزاحم.. لاقتسام الكعكة الجديدة.

فهل نصر على مجرد
كتابة اسم نقاباتنا على الرمل فى زمن العواصف .. أم نحفرها بأظافرنا  على سيقان أشجارالحور العتيقة ؟!.

19 نوفمبر 2011