ورقة للمناقشة : عن ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير 2011
ملاحظة هامة:
كتب هذا المقال فى 7 فبراير 2011، وتم تداول الرأى بشأن محتواه بين عدد من المساندين لثورة الشعب طيلة يوم 9 فبراير وحتى منتصف يوم 10فبراير، ونشر على موقع الحوار المتمدن مساء نفس اليوم ، ونعيد نشره الآن على موقعنا بعد انتصار ثورة الشعب بسبع ساعات لعدة أسباب:
- أننا نرى أن الثورة لم تكتمل بعد وأن ما أنجز منها هو الخطوة الأولى ؛ ولأن الكثيرين يتصورون أنه ” فات الكثير ولا يبقى إلا القليل ” بينما نرى نحن أن ماهو قادم هو الأصعب رغم أهمية ما أنجزته الخطوة الأولى من كسر جدار الخوف والتردد ، واستعادة الثقة بالنفس .
- ولأن ماهو قادم سيكون بمثابة وضع النقاط على الحروف وسيفضى إلى: إما قطف ثمار الخطوة الأولى والبناء عليها ؛ وإما أن يقتصر ما أنجزته الثورة على أن يكون تغييرا شكليا .
- ولأن الفترة القادمة تحتاج إلى عمل شاق من نوع آخر يختلف عما كان يجرى فى الثمانية عشر يوما التى انتهت بالإطاحة برأس النظام المصرى فى 11 فبراير 2011 .
بشير صقر
عضو لجنة التضامن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لاشك أن قرار بدء انتفاضة الشعب المصرى فى ذلك التوقيت .. كان السبب السحرى والمباشر فى تأججها بهذا الاتساع والعمق والتأثير على امتداد المجتمع.
فقد كانت رياح الثورة التونسية ما زالت تهب ساخنة على أرض مصر ولم تبرد بعد ؛ بينما بقية أسباب الاحتجاج الموضوعية تتراكم وتتصاعد بسرعة وتخنق الجماهير.
ومن هنا باغتت الجميع : النظامَ الحاكم ، والجماهيرَ نفسها .. فأربكت الأول بشدة وأفقدته توازنه ؛ وأذهلت الناس فى مصر وخارجها وأرعبت إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية.
* وحيث رفعت الانتفاضة المصرية شعارات محددة تسعى لتحقيقها فى مقدمتها:
- إسقاط النظام الحاكم وتنحى رئيس الجمهورية.
- حل البرلمان بمجلسيه.
- تغيير الدستور بدستور جديد .
- إلغاء حالة الطوارئ.
- إجراء انتخابات نظيفة ونزيهة تحت إشراف قضائى ودولى.
- إلغاء قانون الطوارىء وإطلاق الحريات الديمقراطية ومنها حرية الاحتجاج السلمى وتكوين الأحزاب السياسية… إلخ
- محاكمة المفسدين وتنفيذ الحكم القضائى بحد أدنى للأجور قدره 1200 جنيه.
بل وعملت على إضافة شعارات جديدة استنادا إلى تطور الانتفاضة مثل محاكمة رئيس الجمهورية ؛ وتقدير المئات من شهداء الانتفاضة.
* ولأن الرئيس هرع مستنجدا بالجيش الذى شكل حلقة عسكرية مدرعة حول ميدان التحرير بالقاهرة – أبرز مواقع الانتفاضة ورمزها الأشهر- بجانب حلقات أخرى حول أهم مؤسسات وأجهزة النظام الحاكم فى كثير من المحافظات المنتفضة.
* وأعلن عن ” أنه لم يكن ينتوى الترشح لفترة رئاسة قادمة ، و شروعه فى نقل سلس للسلطة؛ بعد تعديل لبعض مواد الدستور؛ وتنفيذ لما صدر من أحكام قضائية متعلقة بعضويات فى مجلس الشعب؛ ومحاصرة للفساد” ، وحيث تم تعيين نائب لرئيس الجمهورية .. ووزارة جديدة برئاسة قائد سلاح الطيران الأسبق فقد دعا لحوار مع عناصر شبابية من المنتفضين والمحتجين ومع بعض رموز للمعارضة الرسمية من الأحزاب والقوى السياسية ومنها جماعة الإخوان المسلمين .. بل وبدأه وحدد له سقفا زمنيا.
* ولأن الشعار الأبرز للإنتفاضة الآن هو تنحى الرئيس كان من الضرورى تناول وضع الانتفاضة فى صلته بما ترفعه من شعارات بإيجاز وبما يدور على الأرض من تفاعلات .. وبما يجرى فى الكواليس من نقاشات متعددة الأطراف.
- فالواضح أن النظام الحاكم يعمل على حصار الانتفاضة وتشويهها وتقليص تأثيرها .. وتأليب الرأى العام عليها بإطلاق الشائعات المغرضة عنها والإيحاء بأنها تعطل قضاء مصالح الناس ؛ وجرها لكواليس المناقشات العقيمة .. فضلا عن مراهنته على إنهاك القوام الأساسى لها من شباب المنتفضين ومطاردة نشطائهم واعتقالهم ، وترهيب الدول الغربية .. بل وقطاع واسع من المجتمع بفزاعة إمكانية استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة.
- وفى المقابل يرفع المحتجون شعار تنحى رئيس الجمهورية كشرط مبدئى وعملى للتفاوض حول بقية الشعارات وأدوات وسبل تحقيقها ؛ والانفضاض عن ميدان التحرير.
ويهمنا أن نوضح الآتى:
– أنه لا يمكن – فى ظل هذه الانتفاضة – أن يدور حوار مع ممثلى النظام حول إمكانية رحيله أو رحيل أبرز رموزه ” رئيس الجمهورية ” ؛ لأنه طالما كان الرحيل مطروحا .. فليكن ذلك عمليا بقوة ضغط الجماهير كما حدث فى تونس وليس بحوار.
– والتفاوض لا يجب أن يجرى مع النظام طالما لم يقدم الأخير ” عربونا ” على حسن النية وعلى جديته فيما يعد به .. وليس كسبا للوقت .. مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتعيين حكومة انتقالية وإلغاء حالة الطوارئ مثلا.. لأن من له رصيد على الأرض لا يجب أن يتقدم من تلقاء نفسه لمفاوضة الطرف الآخر- الذى اهتز وجوده – دون مقابل.. كما فعل البعض.. خصوصا وأن كل المآخذ والانتقادات الدولية موجهة للنظام وليس لشباب الانتفاضة.
– وإذا ما توفرات دلائل الجدية التى ذكرناها .. فالأدعى بين طرفين متعارضين بهذا الشكل ( الشعب والنظام ) أن يجرى التفاوض بينهما على أمور عملية محددة .. توصل إلى هذه النتيجة؛ أى يكون تنحى الرئيس ثمرتها وليس مقدمتها .. على أن يظل شعار إسقاط النظام شعارا جامعا ومظلة لكل الشعارات الأخرى.
– إن الخشية من أن ينتهى الاعتصام دون تحقيق أية نتائج علاوة على مبررات أخرى قد دفعت البعض لمفاوضة النظام بعد أن امتنعوا عنه قبل أيام نزولا على رغبة المنتفضين.
– أن يبدأ التفاوض – وليس الحوار- بإصرار على حل البرلمان بمجلسيه ،وتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستورجديد والقوانين المكملة له.. تجرى بعدها انتخابات عامة تحت إشراف قضائى وشعبى ودولى ،..إلخ وهو ما يفتح الطريق واسعا لحصار النظام وإجباره على تنحية الرئيس.. وهكذا..
– ولأن المنتفضين فى التحرير لا يمكن أن يظلوا معتصمين إلى مالا نهاية خصوصا وأن النظام يسعى الآن لإدارة عجلة الحياة اليومية من حولهم؛ وإظهارهم بمظهر الأقلية فى المجتمع على غير واقع الأمر؛ والتلميح باحتمال استخدام الجيش فى إخلاء ميدان التحرير، فإن على قطاعات الشعب أن تدعم الثورة الراهنة بالأساليب الآتية:
# التظاهر السلمى فى عواصم المحافظات والمدن الصغيرة، مع تناوب جماهير المحافظات فى الحفاظ على أعداد المنتفضين بميدان التحرير ثابتة لا تتناقص .
# قيام العناصر الشريفة- فى الأحزاب الشرعية- المشاركة عمليا فى دعم الانتفاضة والمتعاطفة معها فى قطع الطريق على قياداتها- التى تشارك فى الحوار مع النظام – لوقف إبرام أية اتفاقات جديدة تضر بالإنتفاضة.
# تشكيل لجان لتسيير الحياة اليومية وحماية السكان وحفظ الأمن وذلك فى كل جوانب النشاط الاجتماعى الممكنة، وهو ما يدرب الجمهور على إدارة حياته .. ويمكنه من التعامل بندية مع قوات الشرطة التى بدأت تظهر بالتدريج فى الشوارع .
# شروع الجمهور والأعضاء فى نقابات الرأى و النقابات العمالية والمهنية فى تشكيل لجان دعم الانتفاضة بنفس المنطق السابق المشارإليه أعلاه؛ والتى يمكن أن تكون مقدمة لرقابة شعبية على المؤسسات والأجهزة التنفيذية خصوصا المتحكمة منها بشكل مباشر فى مصالح الجمهور كالجمعيات الاستهلاكية والزراعية والأسواق والمرافق ( الكهرباء والمياة والصرف الصحى والغاز والنظافة ) وغيرها.
# السعى لشرح أبعاد الانتفاضة وتوضيح دورها فى تنوير الشعب بدوره وواجباته وفى انتزاع الحقوق والحريات التى حرم منها طويلا و حمايتها؛ وفى أن الثورة ربما تحتاج لانتفاضة أخرى أو أكثر لاستكمال أهدافها وإبراز أن ما تم إفساده فى سنين طويلة قد لا يمكن إصلاحه فى شهور؛ وأن ذلك لن يتم دون أن يشكل الشعب أحزابا حقيقية واتحاداته ونقابات مستقلة وروابط تغطى معظم أرجائه.. باختصار لن يتم ذلك بينما الشعب مبعثر ومشتت أو وهو يترك مصيره لآخرين يتحدثون نيابة عنه.
# رفع شعار تطهير المؤسسات و الأجهزة التنفيذية من ممثلى النظام ذوى السمة والتاريخ الأبرز فى معاداة الشعب وعدم الاكتفاء بما جرى تقديمهم ككباش فداء للنظام أو ببعض الاستقالات من الحزب الحاكم أو من بعض لجانه.
من جانب آخر فإن تنحية الرئيس تختلف كثيرا عن إسقاط نظام الحكم.
إن إسقاط نظام الحكم يعنى إسقاط:
1- مؤسساته: الرئاسة ، البرلمان ، المجالس المحلية الشعبية ، مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للصحافة..إلخ
2- وأجهزته: خصوصا أجهزة القمع .
3- والدستور: وهو العقد السياسى المجتمعى بين كافة فئات المجتمع الذى تسير على هديه جملة التشريعات والقوانين.
4- وقوانينه : وفى مقدمتها المقيدة للحريات السياسية والنقابية كقانون الطوارئ ؛ والاشتباه؛ وممارسة العمل السياسى وتشكيل المحاكم الاستثنائية المتعددة كمحاكم القيم والمحاكم العسكرية و القوانين التى تسمح بالتفريط فى الأرض والثروة الوطنية
5- ورجالات النظام ورموز تسلطه فى السياسة والاقتصاد والإدارة المحلية والأمن والإعلام..إلخ
6- علاوة على رمز النظام ” رئيس الدولة ” الذى أجمع على رفضه ما قدّر بثمانية ملايين مصرى فى أعظم إستفتاء سياسى شهدته مصر وشهده العالم على الهواء دون تلاعبات انتخابية.
ومن هنا يتبين ان إسقاط النظام بهذا المعنى هو المحصلة النهائية للنشاط الثورى الذى يمارسه الشعب والشباب فى المقدمة .. ويعنى كذلك أن إسقاط الرئيس لا يعنى إسقاط النظام وإنما يكون مقدمة له.
إن البدء باستثمار نقاط ضعف النظام هى السبيل لإحراز الشعب انتصاراً وراء آخر؛ وتمثل تنحية رئيس الجمهورية أو دفعه للرحيل إحدى حلقاته ويكون إسقاط النظام خاتمته.. ليبدأ الشعب فى بسط إرادته بشكل حقيقى.
هذا ويهمنا التأكيد على الآتى:
- أن الانتصار فى أى مجال دائما ما يظهر له ألف أب؛ أما الانكسار فيبدو عادة يتيم الأبوين وعليه فلا بد من التنبه لأن بعض رموز المعارضة الرسمية الذين سبقوا ورفضوا المشاركة فى الانتفاضة أو كانوا يراقبونها حتى تأججت فى كل أركان المجتمع.. يسعون الآن لتبنيها من حيث النتائج؛ ومعظم تلك الرموز قد أبرمت فيما سبق مع النظام الحاكم صفقات عديدة على مختلف الأصعدة خصوصا فى انتخابات المجالس النيابية والمحليات .. ولذلك يجب النظر إلى ما يدور بينهم وبين رموز النظام من حوارات بعين مفتوحة وأذن مرهفة وعقل يقظ.
- أن الولايات المتحدة التى سبق وتخلت عن أهم حلفائها فى المنطقة فى وقت سابق (شاه إيران ) يعز عليها أن تفرط فى أهم حلفائها فى الوقت الراهن( حسنى مبارك ) وها هى اليوم تؤكد أن مصالحها ومصالح الدولة الصهيونية فى المقدمة و أهم لديها من أى حليف وأى شخص.
- أن الجيش المصرى هو الذى يدير الدولة الآن ويحمى جميع مؤسساتها ويفرض النظام .. ولا بد أن يدرك أن مصلحة مصر تكمن فى تجنيبها حالة الفوضى التى يمكن أن تحول المجتمع إلى جماعات متناحرة وفى تمكين الشعب من التحرر من جملة القيود التى تكبل حريته وتمنعه من تحقيق آماله وحكم نفسه بنفسه والتخطيط بإرادة كاملة لمستقبله.
لذا نطرح هذه الورقة لتكون موضوعا للنقاش نقترب فيه من تحسس مواطن أقدامنا فى هذه الأوقات العصيبة.
مصريون مساندون لانتفاضة الشعب 8 فبراير 2011