عن شهداء رفح … واتفاقية الصلح مع إسرائيل

بشير صقر
الحوار المتمدن – العدد: 3469 – 2011 / 8 / 27
المحور: الحركة العمالية والنقابية
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع     

 

والد أحد الشهداء :
” لو مش عارفين تحموا ولادنا.. لا ترسلوهم إلى الحدود ”

تمهيد:

أثار اغتيال الجنود المصريين الثلاثة على حدود مصر وغزة ردود فعل شعبية هائلة ضد الكيان الصهيونى . كان ذلك الاغتيال هو الأول بعد ثورة يناير 2011 رغم أنه تكررمن قبل عدة مرات منذ إبرام اتفاقية الصلح بين مصر وإسرائيل عام 1979 فى عهدى السادات ومبارك.
وقد غطت مظاهرات الغضب عددامن المدن المصرية خصوصا فى القاهرة والجيزة حيث تقبع سفارة الكيان الصهيونى.. ورغم الحشود العسكرية التى هرعت لحمايتها والحيلولة دون وصول الغضب إليها إلا أن الجماهير تمكنت من أن تطول علمها وتنزله من على ساريته وترفع محله العلم الفلسطينى؛ وهو ما شكل أبلغ الردود على اغتيال رجال الشرطة المصرية الثلاثة على الحدود فى رفح.
بعدها توالت ردود الفعل فى الصحافة والإعلام مطالبة بإعادة النظر فى اتفاقية السلام المزعوم وخلو سينا من السلاح وضرورة التصدى لمثل هذه الاستفزازات بالطريقة والحجم وفى التوقيت المناسب على الأقل حفاظا على السيادة والكرامة الوطنية ؛ علاوة على التعرض للأسباب الحقيقية الكامنة وراء عملية الاغتيال على الجانبين المصرى والصهيونى.. إلخ
* لم تستهدف الاغتيالات الإسرائيلية للجنود المصريين على الحدود قبل 25 ينلير 2011 إبراز النظام الحاكم فى مصر بمظهر الضعف والعجز عن الرد إلا فى السنوات القليلة التى تلت توقيع اتفاقية الصلح.. وذلك لاختبار مصداقية النظام المصرى فى استسلامه من الناحية العملية؛ وفى غض البصر عن تلك التجاوزات الإسرائيلية باعتباره امتدادا لغض بصر مماثل أثناء تدبيج كثير من نصوص اتفاقية الصلح وملاحقها..
لكن وبعد أن شاركت مصر فى حربين ضد العراق وانحازت ضد النضال الوطنى الفلسطينى وضدالأشقاء اللبنانيين مؤخرا فى حربهم ضد الكيان الصهيونى اطمأنت لتحالف النظام معها ومع الولايات المتحدة الأمريكية.. أصبحت- الاغتيالات- تستهدف شعب مصر والقوى المعارضة للنظام الحاكم؛ أما بعد 25 يناير 2011 فهى موجهة لثورة الشعب وللنظام الحاكم معا.
*وبينما تذهب بعض التقديرات- فى تفسير أسباب ما حدث- لأنه بالونة لاختبار رد فعل المجلس العسكرى الحاكم ولثورة الشعب معا؛ فإن تقديرات أخرى ترجعه إلى محاولة التغلب على المشكلات الاقتصادية والسياسية الداخلية فى المجتمع الإسرائيلى التى يكتنف حلها صعوبات جمة خصوصا بعد ارتفاع حرارتها إثراندلاع الانتفاضات الشعبية فى تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين؛ وبعد تصاعد معنويات الفلسطينيين وشروعهم فى التحضير لعرض قضية إعلان دولتهم على هيئة الأمم المتحدة.. وباتت الدولة الصهيونية فى حاجة ماسة لحدث قومى يحشد المجتمع الإسرائيلى حولها ويعفيها من حلول حقيقية لتلك المشكلات الداخلية المتفاقمة ويدفع بها إلى الخلف بعيدا عن المشهد العام خصوصا بعد العزلة الدولية التى ألمت بها فى أعقاب عدوانها على سفينة الحرية التركية وقافلة دعم وإغاثة الشعب الفلسطينى فى العام الماضى.
* بينما ترى تقديرات ثالثة أن الأمر مختلف تماما عما تطرحه الآراء السابقة؛ فإسرائيل بعد غياب حليفها الأهم فى المنطقة – حسنى مبارك- تمهد للاستعاضة عنه باحتلال جزء من سيناء اعتمادا على انشغال المجلس العسكرى الحاكم فى مصر بالشئون الداخلية .. وإمعانا فى إظهار مصر بمظهر غير القادر على نشر الأمن أو فرضه خصوصا فى شمال سيناء وعلى حماية حدودها الشمالية الشرقية بعد حادث التسلل لمنطقة النقب وقتل عدد من الإسرائيليين هناك؛ فضلا عن تفجير أنبوب تصدير الغاز الطبيعى لإسرائيل والأردن عدة مرات فى الشهور الأخيرة .. وإرجاع ذلك إلى نشاط عدد من الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة فى شمال سيناء .. وهو مايشير من طرف خفى إلى محاولة كسب تأييد شعوب وحكام الدول الغربية .

الانتفاضة الفلسطينية الثانية ( سبتمبر 2000 ) والدعم الشعبى المصرى:

إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية فى أواخر سبتمبر 2000 بعد أحداث اقتحام شارون للمسجد الأقصى .. تفجرت فى مصر غضبة شعبية هائلة لم تحدث منذ انتفاضة الخبز فى يناير 1977 شملت قطاعات واسعة وأفضت إلى تأسيس اللجنة الشعبية المصرية لدعم الانتفاضة الفلسطينية وغطت حوالى 15 محافظة أشعلت حماس الشعب وضمت أعدادا واسعة من المصريين بالذات الشباب وأمدت الشعب الفلسطينى بكميات كبيرة من الأغذية الجافة والمستلزمات الطبية علاوة على دعم سياسى وشعبى غير مسبوق تمثل فى عديد من المؤتمرات السياسية الضخمة وألوان من الاحتجاجات والمعارض والتأييد الإعلامى للانتفاضة.

* كانت قوافل الدعم المادى تبدأ من القاهرة – أو من محافظات الوجه البحرى بعد عقد مؤتمرات سياسية حاشدة – متوجهة إلى مدينة العريش لتسليمها إلى الفلسطينيين المقيمين هناك الذين يقومون بدورهم بتخزينها ثم نقلها إلى قطاع غزة ، ثم تطور الأمر إلى توجه القوافل مباشرة إلى مدينة رفح لإدخالها عبر المنفذ البرى إلى الأرض الفلسطينية.
المهم كان الإسرائيليون يتفننون فى وضع العراقيل أمام القوافل لمنعها من الدخول لكن القائمين على اللجنة كانوا مصرين على إبطال محاولاتهم وفلها بالاستعداد لكل الاحتمالات المتوقعة فضلا عن التحلى بطول النفس والصبر وهو ما مكنهم من المساهمة فى إدخال 26 قافلة حتى عام 2004.
* وفى صباح 26 نوفمبر 2000 كانت أولى القوافل تعبر قناة السويس إلى سيناء حيث احتجزتها قوان الأمن على مشارف العريش عدة ساعات كانت كفيلة بحشد الآلاف من أهالى العريش فى استقبال جماهيرى كبير؛ وما أن وصلت أخبار القافلة إلى مدينة غزة عبر أجهزة التيليفونات المحمولة حتى انفجر رد فعل شعبى متجاوزا كل التوقعات.. وفى دقائق كانت المظاهرات تعم أرجاء غزة؛ وكان ذلك الفرح العارم أهم الأسباب التى كان الإسرائيليون مصرين على التصدى لها وكبتها لوقف تيار التضامن الشعبى المصرى الفلسطينى ، وفى حالة فشلهم فى ذلك كان رد الفعل يتمثل فى عمليات الاغتيال عبر الحدود لجنود الحراسة المصريين فى منطقة رفح.
* ففى إحدى القوافل الضخمة ( 29 يونيو 2001 ) التى ضمت 48 شاحنة تحمل 650 طنا من الأغذية الجافة وكميات ضخمة من الأدوية والمستلزمات الطبية ويصحبها وفد شعبى من 815 ناشط سياسى ؛ جرى عقد مؤتمر سياسى بقصر ثقافة العريش أحدث دويا هائلا بالمدينة ؛ كان شكل القافلة وحجمها – الذى بلغ طولها 1600 مترا وشكل عبئا على حركة المرور على الطريق – يوحى بالفخر والثقة والأمل وتولد ذلك الإحساس فى قلوب أهالى العريش وانتقلت آثاره لكل الدوائر الرسمية التى بدت مستسلمة للأمر الواقع ومسلمة بما يحدث .
ولم يكن أمام العدو الصهيونى إزاء هذه الحالة وذلك الدعم والتضامن المادى والسياسى سوى اغتيال أحد جنود الحراسة المصريين فى رفح على بعد 45 كيلو متر من مدينة العريش التى كانت تستقبل قافلة الدعم.
* وقبلها فى 20 نوفمبر عام 2000 اندلعت المظاهرات فى مدينة العريش تضامنا مع الانتفاضة الفلسطينية وتقدت إحداها على طريق العريش / رفح الرئيسى لمسافة 17 كيلومترا لتلحق بها قوات الشرطة وتفضها بالقوة وتحول دون وصولها إلى رفح ، وتقبض على قادتها من النشطاء السياسيين وتقدمهم للنيابة العامة بالتهم التالية :
قطع الطريق الدولى بين القاهرة ورفح – التجمهر – تكدير الأمن العام- الإساءة إلى علاقات مصر بدولة مجاورة ( إسرائيل)- توزيع منشورات تحض على كراهية النظام الحاكم- الاعتداء على قوات الأمن….إلخ.
هذا وقد تبين المحامون الذين حضروا التحقيقات مع المتهمين أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قد تقدمت باحتجاج شديد اللهجة للخارجية المصرية يفيد بأن تظاهرة العريش تعد خرقا لا تفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بقطعها لهذا الطريق الدولى؛ وقد أحيل الاحتجاج إلى وزارة الداخلية التى أخطرت به مديرية أمن شمال سيناء وأصدرت أوامرها بالتصدى للتظاهرة والقبض على قادتها وتقديمهم لجهات التحقيق بالتهم السالفة. وبسبب ثورة المتظاهرين أفرجت النيابة- التى بدا تعاطف أعضائها واضحا – عن المتهمين فور انتهاء التحقيق بضمان محال إقامتهم.

* هذا وقد تكررت عمليات إطلاق الرصاص على الجنود المصريين الذين يحرسون الحدود بين رفح وقطاع غزة مما أدى إلى مصرع العديد منهم دون أن تحرك السلطات المصرية ساكنا ولو بالاحتجاج التقليدى أو بعرض الأمر على هيئة الأمم المتحدة لاتخاذ موقف فى مواجهة عمليات الانتهاك الإسرائيلية المتكررة والمتصاعدة لاتفاقية السلام التى أبرمتها مع الكيان الصهيونى.

* لقد نصت اتفاقية الصلح بين مصر وإسرائيل عام 1979 على تقسيم سيناء إلى 3 قطاعات هى : القطاع ( أ ) المتاخم لقناة السويس ، والقطاع ( ب ) وسط سيناء ، والقطاع ( ج ) المتاخم للأراضى الفلسطينية بحيث يتناقص تسليحها كما ونوعا وأفرادا كلما اتجهنا شرقا وشمالا لينتهى عند الحدود المصرية / الفلسطينية-الإسرائيلية بقوات شرطة محدودة العدد خفيفة التسليح وهو ما يسهل مهمة خرق اتفاقيىة الصلح من جانب إسرائيل – إذا ما أرادت ذلك – والوصول إلى قناة السويس بشكل أسرع من قدرة القوات المصرية على الوصول إلى حدودها مع إسرائيل.

* علاوة على أن الاتفاقية المذكورة تتم مراقبتها من جانب طرف ثالث هو الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول حلف الناتو ( الأطلنطى ) وتسمى القوات الدولية للتفتيش ومراقبة تنفيذ اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وهى ليست قوات تابعة للأمم المتحدة كما يروج البعض عنها خلافا للحقيقة ، وتحتفظ هذه القوات بعدد من محطات الإنذار المبكر الإلكترونية فى منطقة الممرات على بعد 40 كيلومترا شرق قناة السويس، وأخرى قرب مدينة رفح ووظيفتها مراقبة وتسجيل أية خروقات للاتفاقية من جانب الطرفين.

وعليه فتجريدالجزء الأعظم من سيناء من جنود القوات المسلحة ومن الأسلحة الثقيلة والمدفعية والطائرات والأجهزة الإلكترونية يساهم مع محطات الأنذار المبكر الأمريكية فى تقييد يد مصر عن حماية أراضيها وحدودها اعتبارا من نهاية المنطقة ( أ ) المتاحمة لقناة السويس وحتى مدينة رفح ؛ وكل عمليات الاغتيال التى جرت على الحدود المصرية / الفلسطينية – الإسرائيلية تمت بواسطة قناصة من الجانب الإسرائيلى أو بقصف مدفعى أو بالطائرات التى تعبر الحدود إلى الأجواء المصرية.

هــــل..
ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ؟
أم أن حرب أكتوبر 1973 هى آخر الحروب مع إسرائيل؟
وهل خيارنا الاستراتيجى مع إسرائيل ما زال هو السلام ؟

المقولات الثلاث السابقة صدرت عن ثلاثة رؤساء مصريين (عبد الناصر و السادات ومبارك ) أداروا الصراع مع العدو الإسرائيلى خلال الستين عاما التى مثلت حكم العسكر لمصروهى تعكس توجه النظام الحاكم فى مرحلة صعوده ولحظات هبوطه فيما يتصل بالصلة مع الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيونى؛ وسوف نطرح فيما يلى عددا من الأسئلة كانت اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية تطرحها فى معظم المؤتمرات السياسية التى تتصل بقوافل دعم للانتفاضة لإبراز المسار المطلوب لامتلاك الإرادة ومواجهة الأعداء التاريخيين للشعب المصرى والشعوب العربية :

– لماذا تتم مراقبة اتفاقية الصلح بين مصر وإسرائيل من طرف ثالث منحاز لإسرئيل؟

– بافتراض قيام القوات المسلحة المصرية بالتحرك من غرب قناة السويس باتجاه الحدود (رفح) وقيام القوات الإسرائيلية بالتحرك فى نفس التوقيت من رفح فى اتجاه قناة السويس .. فمن يصل إلى حدود الآخر أولا؟
وإذا التقيا فى وسط سيناء فمن منهما يأسر جزءا من شعب الآخر وثرواته؟

– هل ظلت القوات المسلحة المصرية على الأقل بنفس كفاءتها وتعدادها اللذين كانت عليهما إبان حرب 1973؟
– ماهى الحروب الحقيقية التى اشتركت فيها كل من القوات المسلحة المصرية والإسرائيلية ضد أطراف أخرى منذ آخر حرب كانت بينهما؟
أو هل شارك الجيشان فى حروب ترفع من الكفاءة القتالية لهما مقارنة بكفاءتهما فى حرب 73 ؟

– لو نشبت الحرب بين مصر وإسرائيل .. هل الأفضل أن يشارك فيها أهالى سيناء ؟ أم الأفضل أن ينتظروا عملية أسرهم المحتملة على أيدى قوات العدو الصهيونى .. أسوة بجملة الفنادق والمنتجعات والمرافق والمنشآت المصرية فى سيناء ؟

– هل المشاركة فى الحرب تتطلب أن تظل سيناء بهذا العدد المحدود من السكان ؟ أم بزيادة سكانها وتعميرها وتصنيعها واستزراع أراضيها وبتدريب سكانها على القتال والمقاومة وبتسليحهم ليكونوا حائط الصد الأول ضد أى هجوم معادى؟

– بعد إبرام اتفاقية الصلح مع إسرائيل .. هل أزال الصهاينة خريطة ” إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل “المعلقة على جدران الكنيسيت؟ أم أن أحلامهم فى التوسع مازالت حية وقائمة؟

– هل استجاب الصهاينة لقرار واحد من قرارات الأمم المتحدة- التى صدرت فيما سبق- لصالح استرداد الشعب الفلسطينى لحقوقه المشروعة ؟
– هل تنص اتفاقية الصلح مع الكيان الصهيونى على ” عدم تدخل مصر فى أى حرب تنشب فى المنطقة بين إسرائيل وأية دولة أخرى”.. ولم؟ ، وهل تنص كذلك على ” إلزام مصر بمد إسرائيل بكميات ضخمة من البترول والغاز الطبيعى بأسعار تقل كثيرا عن الأسعار العالمية ” آنذاك ؟

-هل يمارس الشعب الفلسطينى العنف ضد الصهاينة أم أنه يقاوم محتلا لأرضه وغاصبا لحقوقه؟
– هل تبيح القوانين الدولية له هذه المقاومة بل وتقننها له .. ولكل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أم لا تبيحه ؟

-هل دفاع الشعب الفلسطينى عن حقوقه وأراضيه تقتصر فائدته عليه فقط؟ أم تشمل أيضا كثيرا من الشعوب العربية خصوصا المحيطة به مباشرة؟

– لو تم كسر مقاومة الشعب الفلسطينى .. ما هو المصير المتوقع لهضبة الجولان السورية المحتلة ولسيناء الخالية من السلاح؟ وهل سيكون فى الإمكان آنذاك استعادة الجولان واسترداد السيادة الكاملة على سيناء؟ أم أن الخطوة الثانية للعدو الصهيونى فى هذه الحالة ستكون التقدم خطوة جديدة نحو إسرائيل الكبرى؟

– بعد أن أبرم الفلسطينيون اتفاقية أوسلو مع العدو الصهيونى فى عام 1992 وتأسست دويلة فلسطينية معدومة السيادة فى غزة ورام الله ( على مساحة 13 % من الأراض الفلسطينية ) من هو المسيطر على المنفذ الوحيد لهذه الدويلة مع الجار العربى الوحيد ( مصر ) ؟

– هل تحكم السلطة الفلسطينية المجتمع الفلسطينى فى الدويلة الجديدة أرضا وبشرا؟ أم أن حكمها يقتصر على البشر دون الأرض؟ ومن الذى يحكم أو يتحكم إذن فى الأرض الفلسطينية برا وبحرا وجوا ؟ هل السلطة الفلسطينية أم العدو الإسرائيلى؟ ومن يسيطر على جميع المنافذ المحيطة والتى تشكل صلة الدويلة الفلسطينية بالعالم الخارجى؟

– لو تم سد المنفذ الوحيد لهذه الدويلة على العالم الخارجى .. كيف نفرق بين هذه الدويلة وبين زنازين التأديب فى السجون؟

– هل ما زالت عبارة السادات الشهيرة ” حرب أكتوبر 1973 هى آخر الحروب مع إسرائيل ” تعبر عن واقع الحال أم تعبر عن قصر نظر سياسى أم عن تواطؤ مع العدو أم عنهما معا ؟

– هل ما زال” السلام ” بوضعه الحالى هو خيارنا الاستراتيجى مع إسرائيل كما ردد مبارك ؟ أم أن للشعب المصرى رأيا آخر فى مثل هذه الصيغة من السلام ؟

قنص الجنود المصريين من على الحدود هل مازال سياسة معتمدة
لدى الدولة الصهيونية أم أنه يخضع للتقديرات السياسية فى كل لحظة
?

لم يكن اغتيال الجنود المصريين مؤخرا على الحدود فى رفح مجرد حادث عابر بل كان امتدادا لما اقترفه الكيان الصهيونى طيلة الفترة التى انقضت منذ إبرام اتفاقية كامب ديفيد فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى وهو تكريس لاتفاقية لا تترجم ولا تعبر عن ميزان القوى مع العدو الصهيونى وقت توقيع المعاهدة التى تعد تفريطا واضحا فى الحقوق المصرية حيث اعتاد العدو بعدها على استخدام البلطجة وإرهاب الجمهور الأعزل سواء على الحدود المصرية أو داخل الأراضى الفلسطينية وسط حالة من العجز أو التواطؤ أو كليهما معا.
وبعد تفجر الثورة المصرية فى يناير 2011 صار هناك وضع مختلف داخل مصر ومزاج مغاير ومناخ معاكس لما كان قائما فى عهد السادات ومبارك.. فجدار الخوف قد تصدع وبدأ فى الانهيار ؛ والإحساس بالكرامة قد استعيد‘ والشعور بالثقة والقدرة على فرض الإرادة الشعبية و الأمل فى المستقبل قد ولدا من جديد.. وهو ما يضع علاقة الشعب المصرى بالكيان الصهيونى وبالمعاهدات المعقودة معه فى وضع جديد؛ بدءا من اتفاقية الصلح ومرورا بتصدير البترول والغاز الطبيعى واتفاقية الكويز وانتهاء بعمليات التطبيع المتنوعة ؛ وتبقى إعادة النظر فى تلك المعاهدات هى الحل الوحيد لإعادة التوازن استنادا إلى ميزان القوة الآخذ فى التغير.
باختصار ليس المطلوب إلغاء المعاهدة فى المدى المباشر أو شن حرب فورية لتعديلها أو التصرف إزاء هذه الاستفزازات بعصبية؛ بل المطلوب هو الاستعداد والتحضير لإدارة صراع طويل المدى ليس لاستعادة سيناء قوية كاملة السيادة فحسب .. بل والمشاركة فى دعم المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها ليسترد الفلسطينيون وحدتهم وإرادتهم وأرضهم وحقوقهم التاريخية المشروعة.
ليس المطلوب إذن هو التلويح بالحرب بل بإعداد الأرض لمعركة طويلة هى معركة بناء المستقبل واستعادة الكرامة و القيم الوطنية والإنسانية النبيلة فى مسار واحد ؛ تلك المعركة التى لن تتوفر مقوماتها دون تماسك الشعب المصرى وتوحده على قيم معادية للتمييز والقهر والاحتلال والاستبداد وعلى سياسات وإجراءات عملية تترجمها والشروع فى خلق نهضة علمية زراعية وصناعية على أسس ديمقراطية.

الفلاحون ودورهم المرتقب فى سيناء:

وفيما يتعلق بسيناء لا بد من تحويلها من مجرد صحراء جرداء عزلاء مرصعة بعدد من المنتجعات والفنادق والمحميات الطبيعية المهيأة للوقوع فى الأسر لدى أول مواجهة حقيقية مع العدو إلى مجتمع ديمقراطى يموج بالحيوية ويكتظ بالعمال والزراع والسكان من كل المهن والحرف والأشغال وبكثافة سكانية تستعصى على الهزيمة .. تعيد كل الألسنة المتلمظة عليها إلى حلوقها؛ وتشحذ نصل سكانها بالعلم والثقافة والتدريب على السلاح لتشكل قوة رادعة وحائط صد منيع وواقيا من أية مباغتات يقوم بها تتار العصر الحديث.
ولن يتم ذلك دون توزيع الأرض القابلة للزراعة فى سيناء على فلاحى مصر الفقراء وفى مقدمتهم فلاحى سيناء ودعمهم بكل العون والمساندة.
إن الوصول إلى هذا المستوى من القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية هو بمثابة قطع نصف الطريق الذى ننشده ؛ وهو كفيل بإحداث تصدعات هائلة فى بنيان المجتمع الإسرائيلى المصطنع تمكن من تقليص ما تبقى من هذا الطريق لاسترداد الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة.
وبرغم أن العدو الصهيونى – كما يقول بعض المفكرين- ينتقل خلال المائة عام الماضية من إنجاز إلى إنجاز .. فإن أزماته تتصاعد بشكل ملفت للنظر وهو ما يؤكد أن كل ما حققه من انجازات سابقة لم يكن بسبب تماسك بنيانه الداخلى بقدر ما كان بسبب الطريقة والمنطق اللذين كان يستخدمهما معه كل من تولوا مهمة مواجهته فضلا عما كان يلقاه من دعم قوى ومتنوع ومتواصل من المعسكر
الغربى.

26 أغسطس 1201                                           بشير صقر
                                      عضو لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح الزراعى – مصر