الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية فى مصر.. لا تسمع .. لا ترى .. لا تتكلم ، وتشرع فى طرد فلاحين اشتروا من الدولة أرضا مستصلحة وسددوا ثمنها بالدلنجات بحيرة
“منطقة البستان وفرهاش” تحرر محاضر طرد الفلاحين من الأرض عام 1985 فى الخفاء ودون إخطارهم
وفى غيبتهم ودون استدعائهم.. لجنة التحقيق تحقق معهم عام 1990 وتحصل على اعترافاتهم وتفسخ عقودهم
وتقرر استرداد الأرض .. بينما تستمر فى تحصيل باقى ثمنها حتى 1997 وتزويدهم بمستلزمات الزراعة
رفع سعر فدان الأرض المستصلحة من 450 إلى 5000 جنيه وتجارة الأراضى يقفان وراء فساد الهيئة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تمهيد :
الفساد والاستبداد من أمراض مصر المتوطنة
صورة جديدة قديمة من صور الفساد والاستبداد فى آن واحد لما يجرى علنا وفى وضح النهار فى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية فى إحدى قرى مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة؛ بدأت فصولها عام 1985 فى ” منطقة البستان وفرهاش” التابعة للمراقبة العامة للتعاونيات بشمال البحيرة .. وما زالت تداعياتها مستمرة حتى بعد قيام ثورة يناير فى دهاليز هيئة التعمير بالقاهرة رغم تنصيب 4 وزراء على كرسى وزارة الزراعة منذ تفجر الثورة وحتى الآن.
ذكّرتنا تلك الصورة بعبارة كان يرددها ثلاثى أضواء المسرح ( شالو ألدو .. جابو شاهين .. شاهين قال.. مانتوش لاعبين ) والتى تعنى ثبات الحال رغم تغيير الأشخاص والحكام.
هذا وقد سبق للجنة التضامن الفلاحى ( عام 2009 ) أن تعرضت لممارسات الهيئة المذكورة مع مجموعة من الأسر المتوسطة فى منطقة الرويسات مركز الحمام بمحافظة مطروح عندما انتزعت منها الهيئة أرضا مساحتها 170 فدانا رغم أنها مشتراة بعقود رسمية من إحدى جمعيات ضباط الشرطة ( واسمها رابطة المستقبل ) واستخرجت تصاريح لبناء حظائر ومسكن ومسجد وحصلت على بطاقات زراعية تمكنها من الاستفادة من خدمات الجمعية الزراعية ( تقاوى ، أسمدة ، مبيدات .. ) بل وزرعتها .
الجدير بالذكر أن انتزاعها من ملاكها تم بواسطة ممثلى هيئة التعمير والتنمية الزراعية وبقرار من وزير الزراعة برقم ( 1063 / فى عام 2007 ).
وبالرغم من حصول عدد من الزراع على حكم قضائى يلغى قرار الطرد ويلزم الهيئة التابعة لوزارة الزراعة برد الأرض لأصحابها وإزالة ما ترتب عليه من آثار ؛ إلا أن شرطة مطروح لم تتمكن أو لم تحاول تنفيذ الحكم وقالت للزراع : ما فائدة أن نسلمكم الأرض اليوم .. ويتم انتزاعها منكم غدا .. ألا تخشون على حياتكم..؟ وهكذا دفعت الأسر تحويشة العمر فى أرض تبخرت من بين أيديهم فى لمح البصر.
كما نشرت جريدة المصرى اليوم على حلقات بدءا من عددها الصادر 12 نوفمبر 2010 تقريرا للجهاز المركزى للمحاسبات يفضح تصرفات الهيئة المذكورة على مستوى الجمهورية ويُعريها ويفضح ممارسات عدد من المسئولين الكبار فيها وعلى رأسهم محمد جمعة ومحمد عبد الحليم ، ونشرت لجنة التضامن الفلاحى شرحا وتعقيبا مطولا للتقرير على موقعها الإلكترونى tadamon.katib.org وعلى موقع الحوار المتمدنahewar.org/m.asp?i=1625 فى نفس التوقيت.
والواضح لكل من طالته نار هيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية فى عهد مبارك أن تلك النار لا زالت مشتعلة فى عهد مرسى ولم تنطفئ بعد ؛ وعلى ما يبدو أنها لن تنطفئ .. فما دام الفساد والاستبداد هما المسيطران عليها وظل المتنفذون فى قيادتها وقطاعاتها ومراقباتها ومناطقها مستمرين فى مراكزهم فلن يحصل الفلاحون والمزارعون وكل أصحاب الحقوق الضائعة على حقوقهم المغتصبة.
فما عاناه ويعانيه زراع الـ 170 فدانا المغتصبة – حتى اليوم – فى قرية الرويسات بمنطقة الحمام بمطروح ؛ يعانيه الآن فلاحو (منطقة البستان وفرهاش ) وبالذات فى قرية مؤسسة البستان مركز الدلنجات بحيرة .. وإليكم القصة من بدايتها:
• بموجب البحث الاجتماعى الذى أجرته الدولة حصل عدد من فلاحى المنطقة المعدمين على مساحات من الأرض التى استصلحها قطاع استصلاح الأراضى بوزارة الزراعة ومنهم الفلاح عبد الكريم مهدى ضو عام 1976 ؛ والذى كان يعول خمسة أبناء وتسع بنات.
• كانت المساحة التى خصصتها له الهيئة 8 أفدنة و 13 قيراط وسهمين برقم 36868 فى 29 مايو 1976 ؛ واتفقت معه ومع بقية المنتفعين على 450ج ( أربعمائة وخمسين جنيها ( ثمنا للفدان تُدفع على أقساط خلال 30 سنة.. و كدّ عبد الكريم وأبناؤه وبناته فى فلاحتها حتى حولوها لأرض خصبة منتجة ؛ وكما واظبوا على زراعتها والعناية بها؛ والتزم عبد الكريم بدفع أقساطها فى مواعيدها.
• توفى عبد الكريم فى بداية التسعينات؛ وفى عام 1997 قام ورثته فى 19 مايو بدفع مبلغ 2502 ( ألفين وخمسمائة واثنين جنيها) ( لمنطقة البستان وفرهاش ) بالإيصال رقم 6702 وهو( بقية ثمن الأرض ) كما نص الإيصال حرفيا ولأنه لم يبق لهم سوى الحصول على عقد شرائها من الهيئة فقد طالبهم المختص فى نفس اللحظة بدفع 75 جنيها قيمة رسوم تحرير عقد التمليك حيث استجابوا لطلبه فورا.
• انتظروا تحرير العقد وترددوا على إدارة المنطقة ومراقبة شمال البحيرة التى ترأسها وعلى الإدارة المركزية فى القاهرة سنة بعد أخرى فلم يسمعوا من كل من قابلوهم إلا التسويف الذى تصوروه – كالمعتاد – إحدى السمات المتوطنة للموظفين فى دواوين الحكومة المصرية.
• فى أكتوبر 2011 أى بعد الثورة علم الورثة بالمصادفة بصدور قرار بطرد والدهم من الأرض فى وقت سابق ؛ وبالبحث عرفوا أن مُصدر القرار هو لجنة تحقيق برئاسة المستشار محمود إبراهيم عطا الله بمجلس الدولة وعضوية 5 من كبار موظفى الهيئة بتاريخ 28 مارس 1990 .. وأن قرار الطرد المشار إليه ضم 13 منتفعا من نفس الجمعية الزراعية ( جمعية البستان ) ومنهم عبد الكريم ، وأن السبب الذى برروا به الطرد هو” تنازلهم عن جزء من الأراضى المخصصة لهم لصالح آخرين وتمكينهم من وضع يدهم عليها”. وبمزيد من البحث عرفوا أن هناك محاضر تحررت ضدهم بالمخالفة المنسوبة إليهم سُجّلت فى خطابين مؤرخين 18 فبراير ، 2 مارس 1985 أرسلهما مراقب التنمية إلى لجنة التحقيق.
• ذكر قرار الطرد أن وقائع الاتهام والتحقيق تتمثل فى:
1- تنازل الـ13 منتفعا عن أجزاء مما خصص لهم من مساحات وتمكين الغير من وضع يده عليها.
2- حضور المخالفين الـ 13 أمام لجنة التحقيق والإدلاء بأقوالهم.
3- وأنهم أقروا بالمخالفة المنسوبة إليهم .
– هذا وانتهى قرار لجنة التحقيق بالنتيجة الآتية :
” ثبت للجنة صحة ما نسب للمخالفين؛ مما ترتب عليه فسخ العقد وإنهاء العلاقة معهم ، واسترداد الأرض.
وصدر القرار بالصيغة الآتية ( موجزا ) :
$ إنهاء العلاقة بالمذكورين الـ 13 ؛ واسترداد الأرض منهم.
$ إخطار المخالفين بقرار اللجنة بالطريق الإدارى .
$ تصديق الوزير على القرار خلال الـ 30 يوما من إخطار المخالفين به.
$ اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيل مستحقات الإدارة من المخالفين (أى الإدارة المركزية للخدمات الاجتماعية والبيئية التى انبثقت منها لجنة التحقيق) .
$اتخاذ الإجراءات القانونية المحددة باللائحة التنفيذية للقانون 100 لسنة 1964 لاسترداد الأرض من المذكورين ، وإعادة توزيعها على آخرين.
أصيب الورثة بالذهول .. ولجأوا لطريق الشكاية لمسئولى هيئة التعمير بالقاهرة فهم من بيدهم الحل والعقد وبسبب إحدى الشكاوى التى قدمها الورثة تم التحقيق مع أحدهم وهو إسماعيل عبد الكريم مهدى حيث ذكر أن والده لم يتنازل له أو لغيره عن شبر من الأرض ؛ وأنه مجرد واحد من الورثة الشرعيين لا أكثر.
– لم يحصل الورثة على نتائج حاسمة فقرروا رفع دعوى أما القضاء الإدارى بدمنهور يتم نظرها الشهر القادم .
– وإزاء هذه الكارثة التى حلّت بهم لجأ الورثة للجنة التضامن الفلاحى :
– بمناقشتهم والاطلاع على المستندات والأوراق الموجودة معهم رأت اللجنة عددا من الملاحظات والمآخذ التالية:
• أن أبناء عبد الكريم مهدى وبناته كانوا يعملون مع أبيهم فى زراعة المساحة المخصصة له وأن والدهم كان منتظما فى دفع الأقساط المقررة على الأرض باعتبار ثمن الفدان 450ج ( أربعمائة وخمسين جنيها ) فى حياته و بعد وفاته استمر ورثته فى ذلك، وكانوا يحصلون على مستلزمات الزراعة من جمعية البستان الزراعية بموجب البطاقة الزراعية رقم387 والتى تم تعديل اسم صاحبها بعد وفاته إلى ورثة عبد الكريم مهدى ووُضع أمام اسمهم عبارة المُمَلّك وشُطِب على كلمة المستأجر.
• أن ابنه إسماعيل عبد الكريم كان قد حصل على مساحة أخرى قدرها أربعة أفدنة وأربعة عشر قيراطا وسبعة أسهم فى نفس التاريخ الذى حصل فيه والده على مساحته وبنفس السعر ( 450 ج / للفدان) ، وكان يعمل فيها ويواليها وينتظم فى دفع أقساطها وحصل على عقد تمليكها برقم 154 فى 10 أغسطس 2010 الصادر من الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية.؛ ومن ثم فلا حاجة له لزراعة جزء من أرض أبيه بالمرة على غير ما شاع مؤخرا فى أعقاب اكتشاف إخوته لقرار فسخ عقد والدهم وتبريراً لفسخ عقده مع الهيئة.
• أن قرار لجنة التحقيق المشار إليه الصادر فى 28 مارس 1990 بشأن حضور عبد الكريم مهدى جلسة التحقيق وإدلائه بأقواله أمامها ليس صحيحا ؛ ومن ثم فالادعاء باعترافه بالمخالفة المنسوبة إليه لم يحدث لسبب بسيط هو أنه لم يُسْتَدع للمثول أمام تلك اللجنة ولم يسمع به.
• أن الهيئة لم تُخطر الفلاح عبد الكريم مهدى فى حياته أو ورثته بعد وفاته طيلة المدة من صدور قرار الطرد فى 1990 وحتى الآن بما يفيد بمخالفتهم أو بطردهم من الأرض.
• والدليل على ذلك هو استمرار الهيئة فى الحصول على أقساط التمليك بعد تاريخ 28 مارس 1990 حيث كان المذكور مازال حيا ؛ وحصولها على القسط الأخير وقدره 2502 جنيه فى 19 مايو 1997 ، بل وعلى رسوم تحرير عقد التمليك وهو دليل مادى على عدم المخالفة وعلى عدم فسخ العقد وعلى عدم الإخطار بذلك.
• أن قرار لجنة التحقيق تضمّن نصا ( باتخاذ الإجراءات القانونية المحددة فى لائحة القانون 100 / 1964 التنفيذية لاسترداد الأرض وإعادة توزيعها على آخرين.).. وهو ما لم يحدث منذ تاريخ صدور القرار عام 1990 وحتى الآن.. فلا الهيئة استردّت الأرض ولا قامت بتوزيعها على آخرين وهو ما يعنى أن القصة من بدايتها ” مفبركة ” وتم تلفيقها لغرض آخر، فلا الفلاح عبد الكريم خالف العقد ؛ ولا تم استدعاؤه للتحقيق؛ ولا حضر التحقيق المزعوم ؛ ولا أدلى بأقواله أمام اللجنة ؛ ولا اعترف بالتنازل عن جزء من أرضه لغيره .. ناهيك عن أن الأرض ظلت تحت يده بعد تاريخ صدور القرار حتى وفاته؛ وهى الآن تحت يد ورثته، وسبق ذلك وواكبه تلقّى الهيئة لأقساط تملك الأرض بالثمن القديم ( 450 ج / للفدان )، وكذلك قيمة رسوم تحرير عقد التمليك فى 19 مايو 1997 ، بل إن البطاقة الزراعية الصادرة من منطقة البستان وفرهاش ( المختصة بمد الفلاحين بمستلزمات الزراعة ، وتحصيل أقساط ثمن الأرض، وإصدار بطاقات الحيازة الزراعية) قد وضعت إسم ورثة عبد الكريم مهدى ضو على البطاقة الزراعية الموجودة طرفهم والتى يحصل بموجبها الورثة حتى الآن على الأسمدة والتقاوى وكتبت أمام الإسم عبارة الممُلّك ؛ وأمدتهم بالأسمدة والمبيدات والتقاوى وغيرها كما هو مدون بالبطاقة.
• ويقفز أمامنا سؤال هام هو: لماذا لم تقم المنطقة بسحب الأرض وتوزيعها على منتفعين جُدد كما نص قرار لجنة التحقيق ؟
هل لأنهم عادوا لرشدهم وأدركوا أن ما قاموا به ينافى القانون والعُرْف والأخلاق؟! أم لأن المنتفعين الجدد قد راجعوا أنفسهم وعدلوا عن المشاركة فى مؤامرة دنيئة لطرد فلاحين شرفاء لم يقترفوا ذنبا لكى يتم طردهم من الأرض التى أفنوا فيها عمرهم ليحلّوا محلهم ؟ أم لأن ورثة المرحوم عبد الكريم عزوة ضخمة ومن أهل المنطقة بينما هؤلاء الجدد غرباء عن المنطقة ويخشون على حياتهم إذا ما استمروا بينهم يزرعون الأرض ؟ أم لأن الشروط التى عرضها عليهم موظفو المنطقة ومن يختفون وراءهم لم تعجبهم ولم يكن فى مقدورهم تنفيذها ولذلك قرروا التراجع ؛ وبالتالى لم يجد موظفو المنطقة مفرا من ترك الأرض مع ورثة عبد الكريم مهدى وتحصيل ما تبقى من أقساطها؟!
فهل يمكن أن نسمع جوابا على هذا السؤال؟ أم سيظل من دبروا المؤامرة صامتين صمت القبور؟!
• خلاصة الأمر.. هو أن (موظفى منطقة البستان وفرهاش) قد استكثروا مساحة الأرض على الفلاح عبد الكريم وعلى جيرانه ” وفبركوا ” قصة مخالفته شروط العقد خصوصا وأن ابنه إسماعيل كان هو الآخر منتفعا بمساحة أربعة أفدنة وأربعة عشر قيراط وسبعة أسهم فى نفس المنطقة ويتبع نفس الجمعية الزراعية. وقد تم ذلك استنادا إلى جو الفساد السائد فى الكثير من مناطق وقطاعات ومراقبات هيئة التعمير بل وإداراتها المركزية ، وأن ادعاءهم بمخالفة عبد الكريم لشروط العقد سوف يرفع ثمن الفدان من 450 جنيه إلى الثمن الجديد 5000 خمسة آلاف جنيه وهو ما سيضعه فى مأزق يدفعه للتسليم بترك الأرض وبالتالى تقوم (منطقة البستان وفرهاش ) بإعادة توزيعها على آخرين تراهم أكثر قدرة على الدفع وأكثر استعدادا للإنصات لرغبات موظفيها فى زمن توقفت فيه الدولة عن القيام بواجبها فى استصلاح الأراضى هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى لأن المرحوم عبد الكريم كان رافضا للتعاملات غير المستقيمة وغير مستجيب للعبارات غير الواضحة التى تلتقطها أذنه فى المنطقة.. وأكثر شجاعة من كثيرين سلّموا برغبات موظفى هيئة التعمير ومنطقتها فى البستان وفرهاش وخضعوا لمطالبتهم برفع ثمن الأرض التى تحت أيديهم 11 ضعفا للاحتفاظ بها، وليست أحداث قرية الرويسات بمنطقة الحمام بمطروح ببعيدة.. فهى تعطى الدليل القاطع على صحة ملاحظاتنا ومآخذنا على هيئة زراعية هى النموذج الأوضح للفساد والاستبداد فى مصر.
الاثنين 12 نوفمبر 2012 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر