طالع الشجرة ..عضو لجنة سياسات مبارك .. يٌكلف بتحقيق مطالب الثورة المصرية رغم صدور حكم قضائى بحرمانه من بعض حقوقه الدستورية
تمهيد :
يا طالع الشجرة // هات لى معاك بقرة
تحلب وتسقينى // بالملعقة الصينى
ومنين حليبها يفيض // لما تبات صايمة ..؟
والجلد كاسى العضم // والعين تبكّينى ..؟
سيبنى و خللينى // أردم على سنينى
من يوم ما جانى الحيض // رحتم .. وجِهْ شينى
واسأَل على السكة // أعتر .. ف ميت نُقْرة
ما تقوللى إيه غرضك ..؟ // يا طالع الشجرة …؟
لا أعرف لماذا تذكرت هذه المقطوعة – من تراثنا الشعبى التى كان ينشدها الأطفال فى زماننا البعيد – عندما تكرر تكليف إبراهيم محلب برئاسة مجلس الوزراء فى أعقاب تنصيب الرئيس الجديد ولم أتذكرها فى المرة الأولى لتكليفه .. ؟
وظل السؤال يلح علىّ حتى اهتديت إلى الصورة التالية فربما تكون تفسيرا .. :
لا تدرّ البقرة حليبها قبل تهيئتها لذلك .. بملامسة ضرعها برقة وحنان ؛ بل ولا تقف فى مكانها هادئة مسترخية دون أن تأنس لمن يحلبها وتطمئن له وتشعر من أنامله – مهما كانت خشنة – بذلك الإحساس ؛ وساعتها تجود بحليبها ، أما لو عصته فإنها تتململ وربما ترفسه – إن أصر – وتعلن عن رفضها له.
ولأن إدرار اللبن غريزة أنثوية تعقب الولادة لإرضاع الصغار ؛ فقد أصبحت – فيما بعد – صيغة تربط إناث الحيوانات المجترة بالبشر عند ما استأنس الإنسانُ الحيوانَ فى المراحل الأولى لاستقراره على ضفاف الأنهار حيث الماء والزراعة.
تلك الصيغة هى القبول بحلب الإنسان لها مقابل معاملة حانية رقيقة ودافئة قبيل عملية الحلب.
وإذا كانت تلك طبائع الحيوانات .. فمن المنطقى أن تكون خصال البشر أرقى وأكثر حساسية وتعقلا إزاء من يسوسونهم ويتحكمون فى مصائرهم .. سواء كانت ردود أفعالهم بالاستجابة أو بالرفض أو بالرفس.
تكليف محلب برئاسة الوزارة وإجراءات أخرى مقلقة :
لقد أثار انتباهَ الكثيرين مؤخرا إجراءان غريبان أحدهما مباشر يمس جيوب ملايين المصريين لأنه يتعلق بسلعة مستخدمة بشكل يومى وأشبه بالترمومتر وهى الغاز التى رُفعت أسعارُها بما يقارب الضعف ، والآخر سياسى يدركه المصريون جميعا لأنه يتعلق بثانى شخصية سياسية فى الدولة ( رئيس الوزراء ) ، وكلا الإجراءان حدثا بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية يعقد عليه ملايين المصريين الأمل فى إنقاذهم من المحن التى داهمتهم فى أعقاب قيامهم بثورتين عظيمتين.
-وللحقيقة لم نجد لأى منهما تفسيرا منطقيا خصوصا مع مطالبة رئيس الجمهورية الجديد للشعب بضرورة مشاركته فى تحمل المسئولية وحمل التركة الثقيلة التى تركتها لنا عهود الفساد والنهب والاستبداد السابقة.
-فالمنطقى – والحال كذلك – أن تكون أولى قرارات الرئيس مؤشرا على الطريق الذى سيسلكه لرفع المعاناة أو تخفيفها عن كاهل الفقراء ، واجتثاث جذور الفساد والاستبداد ؛ لكن الإجراءين أشارا إلى طريق مغاير .. فرفع أسعار الغاز زيادة لأعباء الفقراء ، وإعادة تعيين رئيس الوزراء السابق الذى لا يتمتع بكامل حقوقه السياسية – مثلما يتمتع بها أى مواطن فى أى مدينة أو قرية مصرية – دون الإعلان عن سياسة جديدة يُكلّفُ بها .. هو استئناف للسياسة القديمة فضلا عن كونه مُحبِط لآمال الكثير من المواطنين .
-والجدير بالملاحظة أن كثيرا من المطلعين توقعوا من رئيس الوزراء الجديد القديم ( السيد / محلب) أن يقدم استقالته من منصبه يوم الأربعاء 7 مايو 2014 بسبب إدانته فى حكم قضائى نهائى أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة فى اليوم السابق ضمن إدانة أكثر من سبعمائة عضو بالحزب ” الوطنى الديموقراطى ” المنحل .. فهكذا جرى العرف فى أى بلد متحضر وبين أى أشخاص نالوا قسطا من التعليم يميزهم عن عامة الناس.
-لكن ما جرى فى المحكمة لم يكن له صدى عند من رفعوا لواء شموخ القضاء واستقلاليته .. وطالبوا الدنيا بحمايته من هجمات بدو القرون الوسطى الهمجية فى جمعة الشرعية وسبت الشريعة أواخر عام 2012 .. وحاصروا وقتها مقر المحكمة الدستورية العليا بالمعادى.
-وعلى ما يبدو أن ” قفشة ” أحد الظرفاء فى أعقاب الحكم المشار إليه [ بأن القضاء حر فى إصدار أحكامه ، ونحن أحرار فى سرقة مسودات هذه الأحكام ] قد أكملت شعار احترام أحكام القضاء .
-لقد نقلت المواقع الإلكترونية موجزا عن الحكم المذكور ؛ وتفصيلا بأسماء المدانين فيه ومنهم رئيس الوزراء محلب , ورئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة الحالى؛ فضلا عن مئات من قيادات الحزب ورؤساء لجانه فى البرلمان وأمناء المحافظات وهيئة مكتبه ..إلخ
-وقد تمثلت الحيثيات فى: [ للابتعاد عن أى خطر يُحدق بالبلاد ] ، كما تمثلت الأسباب فى :
1- لعب دور سياسى فى اختيار الحكومات الفاسدة .
2-تمرير القوانين المتناقضة مع الدستور.
3-تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية.
وسبب واحد من الأسباب التى ذكرتها حيثيات الحكم كفيل بتنحية أى مدير عام فى أية وزارة عن منصبه ، فما بالنا إذا ما كان وزيرا أو رئيسا للوزراء ، علما بأن عقوبة تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية هى الحبس والعزل من المنصب .
والأهم من كل ذلك أن أحد بواعث إصدار الحكم هو تحصين المجتمع من الأخطار ونصه يقول : [ للابتعاد عن أى خطر يحدق بالبلاد ] ؛ ونعتقد أن ورود عبارة كهذه فى صميم الحكم كفيل بدفع من صدرت فى حقه بمغادرة منصبه فورا حتى لو كانت الأسباب الثلاثة الأخرى واهية.
-عموما لا يتصور أى منصف أن يتولى منصب الرجل الثانى فى الدولة – وهو منصب سياسى بالأساس – شخصية لا تحظى بكامل حقوقها السياسية جراء عقوبة أصدرها القضاء فى حقها.
-إن الإصرار على تولية السيد محلب منصب رئيس الوزراء – بعد انتخاب الرئيس الجديد – وخصوصا بعد أن فشل فى آخر وزارات الفترة الانتقالية الثانية وبعد صدور حكم قضائى فى حقه.. يعنى عدم احترام القضاء وأحكامه .. بل ورفض الانصياع لروحها ومضمونها ، كما يعنى الإصرار على إشراك رجال ورموز مرحلة رفضها الشعب وثورتا 25 يناير و 30 يونيو ، ويعنى قبل هذا وذاك مؤشرا على ما ينتظرنا فى قادم الأيام .. وتناقضا مع مقولة [ مشاركة الشعب فى حمل التركة الثقيلة .. وفى مسئولية إعادة البناء ]
فليست هذه المرحلة حقلا للتجارب .. فالشعب يريد الحسم ويرغب فى الشروع فى إعادة البناء ، فإما أن تكون النية معقودة على مغادرة العهود القديمة بأحداثها وسياساتها ورجالاتها وقيمها ؛ وإما أن يتم التصريح بالحقيقة.
خاتمة :
وعودة إلى التمهيد .. يبدو أن السيد محلب لم يسمع عن عملية الحلب اليدوى.. ولا عن عملية الإعداد التى تسبقها وكل فكرته تقتصر على الحلب بالآلات الحديثة.
18 يونيو 2014 بشير صقر