إقالة الزند .. بين الانزلاق لصالح النظام الحاكم و التجاوز فى معتقدات المسلمين

بشير صقر
الحوار المتمدن-العدد: 5103 – 2016 / 3 / 14 – 07:21
المحور: المجتمع المدني

انزلق الزند – وزير العدل المصرى- كعادته وتجاوز الخطوط الحمراء فلم يستطع نظام الحكم الدفاع عنه وضحى به فى توقيت ( 13 مارس 2016 ) لم يكن محسوبا ولا متوقعا. فهو من علا سعره إبان حكم الإخوان باعتباره من المناوئين لهم .. ليس لكونه بعيدا عن طريقهم وعقليتهم ..بقدر خشيته من المحاكمة لكونه واحدا من رموز نظام مبارك وأحد المتهمين بالكسب غير المشروع فى واقعتى أرض بورسعيد ومطروح .

والمتتبع لممارساته وتصريحاته منذ توليه وزارة العدل يتأكد أنه من أشد المتشبثين باستعادة كل مفردات وملامح عهد الطاغية مبارك وعدائه المفرط لثورة 25 يناير فضلا عن استعلائه الطبقى والاجتماعى على الكثير من الفقراء – وهو ما أسهم فى مزيد من الغضب منه – رغم أنه ابن رجل بسيط بمحافظة الغربية.

وتجدر الإشارة إلى أن ما أضفى على الإقالة هذه الإثارة هو توقيتها ؛ فما كان باديا للعيان هو اتساق قرارات الزند مع مسار النظام وإجراءاته فبينما ترفع الدولة أسعار الكهرباء والغاز ومياه الشرب والوقود وسلع المعيشة الضرورية تغدق فى نفس اللحظة على أفراد القوات المسلحة والشرطة والقضاة , وفى الوقت الذى تناشد فيه الدولة جموع الشعب التبرع بجنيه .. يتمادى الزند فى محاباة رجال السلك القضائى بما لا يقل عن عشرين ألف جنيه فى العام كمكافأة ثابتة لكل فرد.. وفجأة – وإزاء إحدى انزلاقاته المعهودة- نجده مقالا.

وللحقيقة فإن حالة الاحتقان المتزايدة لا تتحمل انزلاقات الزند مثلما لم تتحمل قبلها حماقات عكاشة ولن تتحمل خراقات الكثيرين من أنصار النظام من هذه النوعية الأشبه – فى خدمتهم له – بصبيان المقاهى.

لقد لمس الزند أحد الأوتار الحساسة لدى المسلمين المصريين – فى محاولة منه- لتوعد بعض المعارضين له وللنظام – وكان يمكن أن ينتقى ألفاظه بشأنها ليتفادى حفرة صنعها بنفسه.. بنزقه المعروف؛ لكن غطرسته كانت أقوى من كوابح لسانه فوقع فى المحظور.

وعموما إذا ما تتبعنا شخصيات كالزند وعكاشة ومرتضى منصور وربما أحمد موسى فى ممارساتهم نلحظ قاسما مشتركا يربطهم جميعا ألا وهو الانفلات والانفعال المغالى فيه فى مواجهة من يختلفون معه علاوة على استسهال مفرط فى توجيه أبشع الاتهامات وأعلاها سقفا إزاء أية معارضة مهما كانت بسيطة أو تافهة.. وهى صفة لا يتصف بها سوى المأجورين فضلا عن صبيان المقاهى . وإذا كانت تلك حالهم فى لحظة مناصرتهم للنظام الحاكم فإن وضعهم يصبح مثيرا للرثاء حالما يتخلى النظام عنهم أو حينما تبدو إرهاصات التخلى فى الأفق.

إن هذا المؤشر الذى ظهرت ملامحه على النظام الحاكم فى حالتين لا يفصل بينهما سوى أسبوعين إزاء اثنين من أشد أنصاره صخبا وضجيجا وإثارة للمشكلات مع الرأى العام .. تفصح عن حالة بالغة الحساسية لم يبلغها فى أى عهد من عهوده منذ ولاية السادات وحتى الآن.. وستتفاقم إزاء حالات أخرى قادمة فى الطريق.
وهو ما يتطلب منا مزيدا من الفهم لاستشراف ما سيسفر عنه هذا الوضع البائس.

وإذا ما صرفنا النظر – مؤقتا- عن انزلاقة الزند فى برنامج حمدى رزق التليفزيونى ، فإن أداءه الإدارى طيلة توليه منصب وزير العدل قد اقتصر على المناصرة الجامحة لرجال السلك القضائى من الموالين ، وأداءه المهنى كان متسقا مع محاصرة الحريات السياسية وخصوصا التشدد فى تطبيق قانون التظاهر؛ والتربص بكل المعارضين بلا استثناء للدرجة التى طالب فيها بقتل عدة آلاف مقابل مقابل فرد واحد يغتال من رجال الشرطة وهو ما يخرق بديهية أو قاعدة قانونية معروفة مفادها أن ( العقوبة شخصية ) ، بل ومحرضا على الانتقاص من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لجموع الفقراء وأبرز قراراته فى هذا الشأن تلخَّص فى منح حق الضبطية القضائية لعديد من موظفى الجهاز الإدارى للدولة فى كثير من الأنشطة مثل الكهرباء ومياه الشرب والتموين وغيرها.. التى تمس مباشرة جيوب الفقراء؛ وهو ما أثار حفيظة كل من عرف بذلك.. أو عانى منه.

ننتقل بعدها لما أشيع عن جمع توقيعات من أعضاء نادى القضاة احتجاجا على عزل الزند وما نشر عن إعلان 250 مستشارا بوزارة العدل إلغاء انتدابهم لنفس الغرض وهو ما يثير لدى الكثير من المراقبين والجمهور نوعا من الدهشة؛ حيث يمكن القطع بأن حالات المناصرين الأربعة التى سبق ذكرها تحظى بكراهية بالغة من أغلب قطاعات الشعب وبالتالى فكيف يحتج بعض من أعضاء نادى القضاة والمنتدبون لوزارة العدل من المستشارين على تنحية الزند..؟

• وفى الواقع فهناك من الحقائق ما لا يثمنه البعض.. فما أصبح شائعا فى أوساط كثير من المهنيين -وأطاح بوزير سابق للعدل- من اقتصار تعيين المهنيين لأبنائهم فى المؤسسات والوزارات التى يعملون بها .. وإذا ما صارت تلك ” السُنّة ” قاعدة مطبقة منذ عهد الطاغية مبارك فليس غريبا أن يتغير قوام سلك القضاء بفرعيه على مدى أكثر من ثلاثين عاما ويتم استبعاد الخريجين الحاصلين على تقديرات دراسية متميزة لصالح أبناء ولاة أمور المهنة حتى ولو كانت تقديراتهم أدنى ؛ وعندما يتغير قوام المهنة تتغير مبادؤها . وهو ما يعلى من قدر التعصب والانحياز الأعمى لأبناء المهنة ولقادتها ووزرائها والحط من قدر المبادئ التى تحكم المهنة وتعطيها اسمها وقيمتها فى المجتمع وهى فى حالتنا هذه .. مبدأ العدل.

• كما أن هناك ما لا يلاحظه الكثيرون.. فمنذ أقدم الرئيس المؤمن (السادات) فى منتصف السبعينات من القرن الماضى على فتح أبواب القضاء لضباط الشرطة .. انضوت أعداد كبيرة منهم فى سلك القضاء وهو ما أسهم فى مزيد من تغيير قوام القضاة الذى أشرنا إليه منذ قليل لأن الفارق بين مبتدئ يصعد سلك القضاء من درجاته الأولى يفترق- فى أمور شتى – عن آخر يتربى فى وزارة الداخلية عشر أو اثنتا عشر سنة وينتقل بعدها لسلك القضاء ومن ثم يساهم الأخير فى تغيير القوام .. وبالتالى القيم والمبادئ السارية فى هذا المجال.. وهناك أمثلة صارخة لذلك نعرفها فى عدد من محاكم الأقاليم.. هذا من ناحية.

• ومن ناحية أخرى فما حدث فى سلك القضاء تم تطبيقه- وأيضا على يد السادات – فى سلك التعليم الجامعى حيث الأمثلة تترى فى عدد من الجامعات الإقليمية والتى بلغت نسبة الأساتذة القادمين من وزارة الداخلية إلى كليات الحقوق حوالى 60 % من هيئة التدريس بها وهو ما يساهم مرة ثالثة فى تخريج دفعات من الخريجين تختلف فى المستوى العلمى وفى القيم والمبادئ التى يتعلمونها عما كان الوضع فى الستينات والسبعينات وحتى منتصف الثمانينات من القرن الماضى.. ومن الطبيعى أن يلتحق بعضهم فى سلك القضاء بفرعيه ويساهم فى التغيير الذى نتحدث عنه.

يضاف إلى كل هذا ما خلقته السياسة العامة على مدى أربعين عاما من أوضاع مادية وتعليمية وثقافية وقيمية.. نعيش تجلياتها اليوم ونقطف ثمارها المرة ونكتوى بنارها منذ دشن السادات سياسة الانفتاح ورعاها خليفته مبارك حتى أينعت وأثمرت؛ ووسعت الفوارق بين الطبقات ودفعت حوالى 40 % تحت خط الفقر ,فتفشت الأوبئة وانتشرت الأمراض الاجتماعية وفقد العمال وظائفهم بالمعاش المبكر والفلاحين أراضيهم و”طفش” الحرفيون والمهنيون إلى بلاد الخليج وانهار التعليم وندرت فرص العمل فانتشرت البلطجة وتراكم الفقر وأصبح بيئة مناسبة لانتشار جماعات الإسلام السياسى وجيوش الإرهاب.. وهو ما كلف المجتمع مواجهة دموية مع تلك الجماعات أنهكت خزانة الدولة وجيوب الفقراء إلى جانب غلاء الأسعار.

لقد كان هذا المناخ هو البيئة الحاضنة لكثير من المهنيين فى مصر ولا يمكن أن يفلت منه العاملون فى سلك القضاء فهم جزء من نسيج المجتمع .. ومن المنطقى أن يتأثروا بكثير من الأوضاع والأحداث التى تجرى به.

لذا فاحتجاج بعض القضاة فى ناديهم وبعض مستشارى وزارة العدل على تنحية وزير العدل أحمد الزند لا يعد شيئا مستغربا فى ظل الوضع الراهن لمصر.