حقوق السيادة على الجزر المصرية .. والمخاطر المحدقة.. تعقيب على مقال عادل حمودة ” الملف السرى لجنسية جزيرتى تيران وصنافير “

فى البداية نوضح أن الملف الذى عرضه الأستاذ عادل حمودة فى صحيفة الفجر بتاريخ الجمعة 15 إبريل 2016 :

• يتناول الفترة من عام 1950 وحتى الآن .. متجنبا فترة عبد الناصر ولا يقترب من الفترة السابقة علي عام 1950؛ أى أنه يركز على فترات حكم ( السادات ومبارك والفترة الأولى لحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة والسيسى )

• أنه لم يستخدم أية خرائط على الإطلاق سواء خرائط الحكم العثمانى لمصر أو الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.. وعلى وجه التحديد خرائط مكتبة برلين وخرائط الجامعة البريطانية ” ستانفورد “.

• ويركز بالأساس على عدد من الخطابات المتبادلة بين عدد من المسئولين المصريين والسعوديين وبعض التصريحات لممثلى الخارجية المصرية لمجلس الأمن الدولى.

• أنه لم يتطرق داخل مصر لدور البرلمان ورأى الشعب من زاوية الإقرار بما يتداوله الساسة المصريون بشأن الموضوع أو بمعرفتهما بما يدور بشأنه.

ويهمنا أن نبرز القضايا التالية فى تعرضنا الموجز للموضوع :

1- قضية السيادة على الأرض :

لأنه من البديهى أن نقر بأن مسألة السيادة ترتكز جزئيا على قضية الملكية إلا أنها لا تمثل الركن الوحيد لها خصوصا فيما يتعلق بالشعوب وليس بالأفراد ، مع ملاحظة أن الشعب ليس هو فقط مجموع أفراده الأحياء بل يتجاوزه نحو اعتبارات شتى تتصل بالتاريخ والأمن والاستقرار التى لا يمكن إسقاطها من جملة الجهود التى تجلت طيلة مئات السنين فى الحفاظ على الصلة المباشرة بالأرض والحفاظ عليها وحمايتها . ولنضرب لذلك مثلا بسيطا- لا يتوفر لنا الآن سواه- يتعلق بالأرض الزراعية التى تنص كثير من دساتير العالم – وليس كلها – على وظيفتها الاجتماعية حتى فى ظل الإقرار والتسليم بمبدأ الملكية الخاصة لها . حيث أن جميع أشكال الملكية يجب أن تخضع لمبدأ وظيفة الأرض الاجتماعية ؛ والتى تعنى أن مهمة الأرض الزراعية هى إطعام المواطنين مما تنتجه من الغذاء .. فذلك دورها الأساسى فى أى مجتمع ( إنتاج الغذاء ) وتلك وظيفتها الأساسية ( إطعام الشعب ).. وهو ما يزيح أى استخدام آخر لها للمرتبة الثانية بعد هذه المهمة/ الوظيفة ( إنتاج الغذاء وإطعام الشعب ).

إذن فسيادة الشعب على أرضه تعبُر أو تتجاوز مسألة الملكية إلى حقه فى الاستمرار فى الحياة استنادا إلى أمور كثيرة إحداها هيمنته على الأرض واعتبارها عاملا حاسما فى تمتعه بالاستقرار والأمن . خصوصا إذا ما كانت اوضاع المنطقة التى يعيش فيها تتعرض للأنواء والعواصف والأمواج العاتية ويكتنفها التغيير خلال فترات زمنية متقاربة كمنطقة الشرق الأوسط.

2- علاقة السيادة بنقل الملكية ، وعلاقتهما بإرادة الشعب :

ونظرا لأن السيادة على الأرض تكون باطلة إذا ما تأسست على الإكراه والغزو والاحتلال وفرض الإرادة أو بالتحايل و التلاعب . ولأن سيادة الشعب على أرضه لا تتأكد فقط بوجوده عليها بل وبصلته الدائمة بها وبدور هذه الأرض فى توفير الاستقرار والأمن له؛ خصوصا إذا ما كانت تلك الأرض لا تصلح للزراعة وتقع فى الحيز البحرى المباشر لبقية أراضى الدولة وتتصل مباشرة بطرق المواصلات الدولية .. علاوة على توفر قدرته على حمايتها لأن ذلك يمكنه ويتيح له وضع الخطط الكفيلة باستمرار حياته واستقرارها واستمرارها .. ولأن تغييرها كفيل بهدم مستقبله .

وحيث أن انتقال الملكية أو السيادة – الذى يمكن أن يتم بالتنازل أو بالمنح أو بالبيع أو بالإكراه والضغط أو بالاحتلال الممتد المتواصل أو بالاحتيال والتلاعب – لا يمكن إقراره أو الاعتراف بمشروعيته – دون إقرار الشعب بملء إرادته بذلك فى معظم تلك الحالات .. لذا لا يعتبر انتقال ملكية الأرض أو السيادة عليها من شعب لآخر إجراء مشروعا فى الحالات الثلاث الأخيرة ( الإكراه والضغط ؛ أو الاحتلال الممتد المتواصل؛ أو بالاحتيال والتلاعب) .

ومن هنا فأى إجراء يُرْتكب يجرى فيه تغييب الشعب أو تضليل إرادته أو إخفاء ما يجرى عنه فى هذا الشأن يُعد إبطالا لنقل الملكية أو السيادة .. ومن ثم يعتبر كأن لم يكن أيا كان ما سبقه من اتفاقات مبرمة أو صفقات معقودة أو مواثيق محررة أو مستندات متداولة.
وعليه لا يقتصر حق السيادة على جانبها القانونى؛ بل يتعداه لجوانب أخرى تتعلق بحياة الشعب ووجوده وأمنه واستقراره واستمراره.
3- توازنات منطقة الشرق الأوسط منذ عقدى الخمسينات وحتى نكسة 1967 :
ولأن حق السيادة يستوى فى كل بقاع العالم من حيث المبدأ و المعايير التى يتأسس عليها .. إلا أن طريقة تطبيق تلك المبادئ والمعايير تختلف من مكان لآخر ومن زمن لآخر تبعا لما يكتنف المكان والزمان من استقرار أو اضطراب .
ومما لا شك فيه أن سيادة مصر على جزيرتى تيران وصنافير كانت قائمة فيما بين تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932 وحتى قيام دولة الكيان الصهيونى فى فلسطين المحتلة عام 1948 أى ستة عشر عاما.

مع ملاحظة أن ( المملكة السعودية الحالية هى الدولة السعودية الرابعة التى حلت محل الدول الثلاث التى سبقتها بنفس الإسم واتسعت مساحتها- من خلال الحروب وليس الوحدة – لتشمل كامل شبه الجزيرة العربية عام 1932 بعد أن كانت قاصرة فى الدولة الأولى على شرق وجنوب شبه الجزيرة بما يعنى عدم متاخمتها للشاطئ الشرقى لخليج العقبة) .

وعليه فهل كان لأى من الدول السعودية الأربعة صلة بهاتين الجزيرتين سواء كانت لأى منها حدود على الشاطئ الشرقى لخليج العقبة أو لم تكن..؟ وهل طالبت بهما أو بأى منهما فيما بين عامى 1932 – 1948 ..؟

لقد ظهرت فيما بعد الحرب العالمية الثانية التى انتهت رسميا عام 1945 معطيات جديدة (جغرافية وعسكرية وسياسية ) تمثلت فى كثافة معدل الهجرة اليهودية لفلسطين ثم نشوب الحرب وإعلان دولة الكيان الصهيونى .. واستيلائها على قرية أم الرشراش المصرية وتحويلها إلى ميناء بحرى( إيلات ) مجاور لميناء العقبة الأردنى.. وبات من الضرورى أن تتخذ الملاحة الإسرائيلية طريقها من إيلات- شمال خليج العقبة – إلى باب المندب بوابة البحر الأحمر الجنوبية. ولم تكن هذه التغيرات كما هو معروف ببعيدة عن إرادة المنتصرين فى الحرب العالمية الثانية.

ولنا أن نتساءل ماذا لو كانت الجزيرتان تحت سيادة المملكة السعودية منذ انتهاء الحرب العالمية ، وكيف كنا نتصور مصير خليج العقبة فى ظل السيادة المفترضة للمملكة السعودية علي الجزيرتين، ومن ثم ما الذى كان يتوقع من مصير للشعب المصرى إزاء هيمنة سعودية إسرائيلية أردنية على خليج العقبة ..؟

لقد كانت الظروف السياسية آنذاك تحول دون المجاهرة بتعاون إسرائيلى سعودى أو بسلام بينهما .. ولذا كان منطقيا أن تتحول حيازة السعودية للجزيرتين التى لم تكن تستطيع الدفاع عنهما- فيما لو حدث ذلك- إلى تهديد إسرائيلي كامل على مياه الخليج.

ولقد ظهرت بوادر ذلك التهديد جلية فى أعقاب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956الذى انتهى بموافقة مصرية على تولى قوات الأمم المتحدة حراسة مدخل خليج العقبة ؛ بل والمرابطة على الجزيرتين تحديدا، وقد تأكد التهديد بعدها إزاء الحماقة العسكرية التى أشعلت حرب 1967حينما احتلت القوات الإسرائيلية ما هو أكثر من الجزيرتين.

ويمكن القطع بأن موازين القوى فى المنطقة لم تكن حتى عام 1956قد اختلت الاختلال الذى لا يمكن تعديله وإنما انتابها نوع من التهديد الفعلى كان أشبه بالأجسام المضادة التى تسرى فى الدم .. لتدق ناقوس الخطر بوجود عدو ماثل على الحدود على بعد كيلومترات قليلة من الشواطئ المصرية. أما بعد عام 1967فقد تجلى الاختلال فى احتلال أرض سيناء وجزر الخليج شدوان وتيران وصنافير وارتفاع نبرة أصوات القوى الرجعية فى المنطقة ومصر وكان بمثابة العنصر الحدى أو القوة فوق الاقتصادية التى استثمِرَت آثارُها ليبدأ بعدها التراجع والتحول فى مجمل السياسات المصرية والذى عجّلت وفاةُ عبد الناصر بمعدلاته.

فهل يمكن استنتاج لماذا صمتت المملكة السعودية عن المطالبة بالجزيرتين منذ الحرب العالمية الثانية 1945 وحتى الإعلان عن تأسيس الكيان الصهيونى 1948..؟ ولماذا بدأت المطالبة به منذ عام 1950 على استحياء..؟ ولماذا عاودها الصمت فى حقبة عبد الناصر ..؟ ولماذا علا الصوت نسبيا بعد ذلك فى أيام مبارك..؟ ولماذا اكتسى وجهها بالعبوس المتنمر فى عهد السيسى..؟ وهل لكل ذلك صلة بميزان القوى آنذاك فى منطقة الشرق الأوسط .

4- المملكة السعودية وإيران.. دولة العائلة ودولة الملالى .. والصياغات الجديدة للشرق الأوسط :

رغم الصلة غير العضوية بين هذا العنوان وبين موضوعنا إلا أن الإشارة له فى هذا السياق ضرورة واجبة .. لأنه يدخل فى قضية التوازنات فى المنطقة وبحالة العبوس المتنمر للمملكة التى انتابتها منذ توقيع الاتفاق النووى بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.. وبخطوة الانقضاض على الجزيرتين.

• نبذة عن تاريخ المملكة أفضى بها للانقضاض على الجزر المصرية:

أ‌- فعندما اشتعلت حرب أفغانستان لم يكن للمملكة السعودية من دور سوى ( استجلاب المواطنين العرب من بلادهم وتحويلهم إلى أفغان عرب) من خلال عدد من الوسطاء والسماسرة الذين أسس بعضهم تنظيم القاعدة. حيث كانت عقود العمل بالمملكة يجرى تحريرها من خلال شركات أولئك الوسطاء بعدها يتم أرسالهم للسودان بمساعدة الإسلاميين من حكامه وإلى اليمن حيث الدولة ترزح تحت نير القبلية والفوضى ؛ونظام حكم وثيق الصلة بأجهزة الأمن الأمريكية ؛ وجبال وعرة متداخلة مع المنازل والخيام والقات ؛ وصحارى مترامية الأطراف تقبل بكل متوحش على شا كلتها .

هذا وبعد تدريبهم بالسودان واليمن ينخرطون فى حرب مستعرة فى أفغانستان لم تغير من المجتمع المحلى شيئا بل أبقت على الفقر وانحطاط التعليم وزراعة وتصدير الأفيون وتجارة الأطفال وانعدام الأمل كملامح أزلية ثابتة تمثل نموذجا لما كان هؤلاء يجاهدون من أجله وينشدونه كمجتمع إسلامى يضرب المثل على انعدام كل القيم النبيلة والإنسانية فيه . والأهم- بعد خفوت أصوات المدافع ورحيل السوفييت – أن من تم إرسالهم من المواطنين العرب إلى هناك توزعوا على بلادهم الأصلية وأذاقوها بعض ما تعلموه من سفك دماء الأبرياء ولم ينسوا أن يردوا الجميل لمن أشرف على رحلتهم من الألف إلى الياء بتفجير برجى التجارة العالمى فى 11 سبتمبر 2001 .. وها هم – بأنفسهم وبأبنائهم – قد وصلوا ببنادقهم – إلى المتواطئين على رحلاتهم – فى باريس وبروكسل وغيرها .

بعدها تجمعت فلولهم بفعل سيل الدعوم النقدية والعينية لتشكيل جيش جديد لإقامة الحضارة ( الخلافة ) الإسلامية فى الشام والعراق ، وأَخطروا كل شعوب العالم بنوعية المستقبل الذى ينتظرهم على أيديهم وداخل حدود دولتهم المنشودة.

ب‌- لقد سبق لدولة العائلة أن مولت وشاركت فى تهريب يهود الفلاشا من إثيوبيا لإسرائيل ، ومولت سدا ترابيا – أقامته إسرائيل بارتفاع تسعة أمتار- يفصل بين المغرب وجمهورية الصحراء لوقف هجمات جبهة البوليزاريو المسلحة ضد المغرب ، ومولت وساعدت فى استئجار المرتزقة وفتحت مجالها الجوى للطائرات الإسرائيلية لنقلهم إلى حدود اليمن لقتال الجيش المصرى هناك عام 1963. كما سبق لها أن استولت بالقوة على أجزاء من ارض اليمن ( منطقة جيزان ونجران وعسير واجزاء من صحراء الربع الخالى) بل وأقامت حاجزا يفصلها عن اليمن طوله 2000 كم.

وإذا كان ذلك هو ما تتبناه وتنفذه عائلة تدير دولة ( مملكة ) لا تولى وزيرا أو مسئولا ذا شأن إلا من أبنائها ؛ فهل نتوقع أن تمانع فى استغلال أزمات جيرانها ممن تسميهم ” الدول الشقيقة “..؟
• نيو لوك أمريكية فى الشرق الأوسط :
وحيث رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن أسعار البترول تتعرض لتذبذب مستمر يميل للانخفاض بينما لديها منه فى أراضيها مخزون يمكنها من الاستغناء التدريجى عن بترول الشرق الأوسط ؛ ولأن سياستها السابقة فى المنطقة قد أفضت إلى كراهية شديدة لها بين شعوب المنطقة ولأن سنوات الربيع العربى أسفرت عن تمزق دولها وتضاؤل التهديد الذى كانت تمثله على إسرائيل، فقد شرعت فى تقليص صلاتها بالمنطقة متجهة نحو أواسط آسيا حيث الأوضاع هناك أقل احتداما.

ولذا قررت أن تتخفف من حملها فى الشرق الأوسط وتوكله لهيمنة أربع دول ( إسرائيل ، وتركيا، وإيران والسعودية ) وتكتفى معها بصلات مختلفة المستوى عما كانت عليه؛ فأبرمت مع إيران اتفاقا نوويا يحد محاولاتها لإنتاج سلاح نووى يغير من خريطة المنطقة وهو ما أثار حفيظة المملكة السعودية وزاد تقطيب جبينها بل ودفعها للتهديد بسحب أرصدتها من العملة الصعبة من البنوك الأمريكية.

ولأن الولايات المتحدة تدرك جيدا الفوارق بين دولة العائلة ودولة الملالى كما تدرك القسمات المشتركة بينهما وأبرزها معاداة الديمقراطية خصوصا فى مواجهة شعبيهما وترى أن اختلافهما الدائم وتنافسهما يساعدها على توظيفه لصالح سياستها فى المنطقة ويصب فى نهاية المطاف فى ” حصالة ” إسرائيل .
ولأنها توقن أن حالة العبوس التى تنتاب العائلة السعودية بالنسبة لها هى حالة مؤقتة ولا يمكن على الأرجح – استمرارها طويلا – لأن مقوماتها المادية آخذة فى التراجع بمضى الوقت؛ فقد شجعها ذلك على إطلاق تصريحات تقصد بعضها وتعنيه مثل [ كون العائلة معادية للديمقراطية , وانها ترعى داعش وأن مفجرى برجى التجارة العالمى أغلبهم سعوديون ( 9 من أصل 13 )..إلخ ] تبرر به موقفها ” الجديد ” إزاء العائلة.

وهذه التطورات تشكل جانبا هاما فى السياسة الأمريكية ” الجديدة ” فى الشرق الأوسط ، ونعتقد أن العائلة السعودية كانت تتعشم فى استمرار السياسة الأمريكية القديمة على الأقل فيما يتعلق بإيران وأن تحافظ على الصلات الخاصة بينهما وبالاتفاقات البترولية ومن بينها التحكم فى سياسة المنظمة العالمية للبترول ( أوبك ).. لكن الرياح ليس من المحتم أن تأتى- فى كل الأوقات – بما تشتهى السفن .

ومن هنا يمكن أن نرجح أن توقيت تنفيذ ترسيم الحدود المصرية السعودية ذو صلة وثيقة بالسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط خصوصا فيما يتصل بإسرائيل التى ستتوثق علاقاتها فى الفترة القادمة بالعائلة السعودية فى إطار الهيمنة المتصاعدة على البحر الأحمر ليس فى مدخله الجنوبى ( باب المندب ) فحسب بل وأيضا فى جزئه الشمالى ( خليج العقبة ).

ونفس الشئ يتعلق باستثمار العائلة السعودية لمحنة النظام المصرى وتوقيته فى الانقضاض على الجزيرتين. صحيح أن هناك اعتبارات تخص نظام الحكم المصرى فى قبوله التفريط فى الجزر وتوقيته .. لكن جملة هذه الاعتبارات تقاطعت معا وانطلقت من الأوضاع الجديدة فى منطقة الشرق الأوسط – الخاصة بآثار سنوات الربيع العربى- وتصب فى نفس المرمى.

خلاصة القول :

• لا يمكن تناول قضية يكون طرفاها دولة عمرها أقل من مائة عام ودولة أخرى تحمل أرشيفا ماديا لتاريخ العالم زاخر بالوثائق والخرائط و المستندات والآثار ويجرى بشأنها تجاهل التاريخ والخرائط وحصر القضية فى عدة عشرات من السنين .

• كذلك لا يمكن قصر معايير السيادة على جانبها القانونى بمفرده فهناك جوانب أخرى تتعلق بالتاريخ والحماية ومداها الزمنى، والجهود المبذولة والأرواح التى ضحت لفرض واستمرار السيادة.

• لا يجب استنادا لذلك إهمال أسباب عدم مطالبة المملكة السعودية بالجزيرتين- فى فترتى ما قبل عام 1950 وما بعد عام 1952 وحتى عام 1970 – لأن صاحب الحق من المنطقى أن يسعى لذلك بشكل مستمر لإثبات جديته والتذكير بحقه.. علاوة على عدم مطالبتها بالجزيرتين أمام منظمات الأمم المتحدة فى أعقاب احتلالهما أكثر من مرة.

• كما لا يجب التغاضى عن تصور مصير الجزيرتين المتوقع فيما لو آلتا إلى السعودية فى غير الفترات التى طالبت بها ، ولا التعامى عن مصيرهما فى الفترة القادمة فى ظل الموازين الحالية فى المنطقة وبالتالى فى المخاطر المحدقة بمصر، ولا إهمال السلوك السابق للسعودية في العدوان على جيرانها واقتطاع أراضيهم عنوة وبالإكراه.

• ولا يجب التقليل من مخاطر حفر قناة موازية لقناة السويس تصل البحرين الأحمر والأبيض عبر الأراضى الفلسطينية المحتلة.

• مع ضرورة التنبه لأن إقرار مبدأ التنازل عن أرض الوطن يبدأ بخطوة .. لا تتوقف بعدها الخطوات لحظة الشروع فى اتخاذ الخطوة الأولى.

• أيضا .. لا يمكن التسوية بين حاجة الوطن للتمويل فى لحظة بعينها .. وبين التفريط فى جزء منه .

• وقبل ذلك كله.. لا ينبغى تجاهل الأسباب التى تدفع القائمين على حكم مصر بتغييب الشعب عن تقرير مصير جزء من وطنه ، أو إخفاء إجراءات التنازل عنه.

• وعليه نؤكد : لا خرق للدستور (مادة 151 ) والقانون؛ ولا استفتاء على حقوق السيادة.

أن الميول السياسية للمسئولين المصريين والسياسات العامة السارية والصلات بالمعسكر الغربى هى ما حكم أفكار وممارسات هؤلاء المسئولين ممن شاركوا فى تحديد مصير الجزيرتين واستشهد بهم ملف جريدة الفجر- منذ عام 1950 وحتى الآن- تلك السياسات والأفكار أفضت نتائجها بمصر إلى هذا المستوى من تدمير الاقتصاد؛ والحط من وزن الدولة وهيبة الوطن؛ ومصادرة الحريات وسيادة الاستبداد وتفشى الإرهاب ، وانتشار الفساد، وانهيار الخدمات والمرافق، وسقوط قطاعات متزايدة من الشعب تحت خط الفقر، وانعدام الأمل؛ واليأس من المستقبل والرغبة العارمة فى هجرة البلاد.. تلك السياسات وهؤلاء السياسيون هم من أوصلوا الوطن إلى هذه المحنة التى نعيشها ولا يمكن الارتكان إلى أفكارهم وسياساتهم أو الاعتراف بأهليتهم لعبور الوطن لأزماته والحفاظ على ترابه.

الإثنين 18 ىمارس 2016 بشير صقر