قطار العقارات والتجارة.. يمر على عشش الترجمان ، ماسبيرو .. ويقترب من درب سعادة ، الرويعى ، الغورية .. ولا نعرف أين يتوقف.
إحدى مشاكل مجتمعنا والنظام الحاكم إنه أصبح مجتمعا غير منتج وخصوصا للسلع الصناعية ، بمعنى إن ما ينتجه لا يكفى احتياجات السكان ولذلك استعاض عن زيادة الإنتاج بالاستيراد.
وهذا الأمريتصاعد على الدوام استنادا لعاملين: الأول زيادة السكان . والثانى : غياب الصناعة التقيلة والتدهور البالغ للصناعات الخفيفة. ومما يلفت النظر أن العامل الثانى يتم بفعل فاعل ونختصره فى خصخصة هذه الصناعات أى بيعها للقطاع الخاص الذى قام بإغلاق حوالى 4000 مصنع انتظارا لبيع أرضها كأراضى بناء.
وقد لعبت الرأسمالية الغربية ( الليبرالية الجديدة) دورا هاما فى هذا الشأن لأن إضعاف الإنتاج المصرى ( زراعى وصناعى ) يحول المجتمع المصرى إلى مستهلك للمنتجات الغربية . واستمرار ذلك الوضع لسنوات طويلة أدى لأن يتحول كثير من العمال الذين تركوا شركاتهم ومصانعهم بالمعاش المبكر وكذلك فائض العمالة فى الريف إلى موزعين للمنتجات القادمة من الغرب .
باختصار.. تحولت قطاعات واسعة من المجتمع إلى ( بياعين ) سواء على أرصفة الشوارع أو على قنوات التليفزيون أوعلى شاشات الكمبيوتر .. المهم أن ( كله بيبيع ) ، وقد وسع ذلك مساحة التوزيع ( التجارة ) على حساب مساحة الإنتاج .. كما أنتج فئة تتسع بشكل سرطانى هى المستوردين لكل أنواع وأصناف السلع والمنتجات ( أرز ، قمح ، بقوليات ، زيوت ، سكر ، علاوة على السلع الصناعية ) وهى فئة تلعب دور الوسيط بين المنتجين فى الخارج والمستهلكين فى الداخل وترتبط مصالحها مع الرأسمالية الغربية.
من جانب آخر أسهم هذا الوضع ( تدهور الإنتاج المحلى فى الصناعة والزراعة وتوسع التجارة فى احتياجات السكان المستوردة ) فى تدهور قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية مما أفضى لارتفاع الأسعار ولمزيد من تدهور الإنتاج . كما أسفر عن ضعف الدولة والنظام الحاكم للدرجة التى سهلت بشدة إمكانية الضغط عليه من القوى الرأسمالية الغربية بل والإقليمية خصوصا فى دول البترول.
ولأن استثمارات دول البترول تتركز فى التجارة والعقارات .. ولأن لبعضها أطماعا سياسية واقتصادية كانت رغبتها فى التواجد فى السوق المصرى شديدة .. خصوصا وأن عوائدها من البترول آخذة فى التراجع سواء من زاوية حجم المخزون منه فى باطن الأرض أو من زاوية تدهور أسعاره الشديد أو من زاوية اضطرارها للاستدانة لسد العجز فى التزاماتها المتعددة .
ونظرا لاستماتة النظام المصرى فى الحصول على رءوس أموال ( كما ظهر فى مؤتمر شرم الشيخ عام 2015، ومؤخرا فى التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير) بأى شكل وبأية شروط لوقف التدهور البالغ فى أوضاع الاقتصاد وسد الثغرات التى تتسع على الدوام فى الاحتياجات المعيشية للسكان وجدت بعض هذه الدول البترولية الفرصة مواتية للنشاط فى مصر فى المجالات التى اعتادت علي الاستثمار فيها ( التجارة والعقارات ).
ولأن التجارة على وجه التحديد تحتاج المناطق المأهولة بالسكان فى سرة المدن الكبيرة على عكس الشركات الصناعية التى تلجأ غالبا لأطراف المدن؛ كان الإصرار على تفريغ وسط القاهرة وإخلائها للاستثمار العقارى والتجارى كما حدث فى منطقة (عشش الترجمان ) بالقللى و ( ماسبيرو) ببولاق أبو العلا و( أولاد علام ) بالدقى، ، وسوف يحدث فى ( درب سعادة ) و ( الرويعى ) بالعتبة وفى مناطق أخرى بالحسين والسيدة والدراسة والقلعة ..إلخ . ولذلك فإن ما تداولته بعض وسائل الإعلام من أقوال عدد من المضارين فى الحرائق الأخيرة- فى هذه المناطق بالقاهرة الكبرى- برغبة عدد من المسئولين فى أجهزة الإدارة المحلية لا يخلو من ظلال تتقاطع مع محاولات الاستثمار التجارى والعقارى المحلى من ناحية ومع تطلعات بعض المستثمرين العرب من ناحية أخرى.