القصة الأولى فى الزراعة .. ورقة مقدمة لمؤتمر” 7 سنوات على ثورة 25 يناير 2011″
القصة الأولى فى الزراعة
ورقة مقدمة لمؤتمر” 7 سنوات على ثورة 25 يناير 2011″
بتاريخ 27 يناير 2018
ينظمه حزب التحالف ا لشعبى الاشتراكى بالقاهرة
،،،،،
مقدمة:
القصة الأولى فى الزراعة .. ليست أن تزرع وترعى وتحصد.. قدْرَ ما هى .. بمن ستزرع وترعى .. ولمن ستحصد …؟
كذلك فالمسألة الزراعية شئ .. والمسألة الفلاحية شئ آخر.. فالأولى قضية جزئية ومعظمها فنى وتقنى بينما الثانية قضية سياسية تشمل الأرض والزراعة والفلاحين والصلة التى تربطها معا.
ولأن المساحة المأهولة بالسكان فى مصربما فيها الأرض الزراعية – الدلتا والوادى – لا تتجاوز 1/40 من مساحتها الكلية.. كان من الضرورى الحرص عليها حرصنا على حدقات عيوننا . فتربة مصر الزراعية التى تزرع وتثمر ثلاث مرات فى العام هى الشريان الذى يربطنا بالحياة ؛ والجور عليها لا يعنى سوى حرماننا من الاستمرار على سطح الأرض.
فأرض مصر لها وظيفة اجتماعية وتلك بديهية مصرية – سياسية واقتصادية واجتماعية بل وبيولوجية – لا مجال لتجاهلها أو التهرّب منها أو التعمية عليها.
فالفلاح ليس مجرد عنصر من عناصر وسائل الإنتاج الزراعى فحسب (مساوى ) للحيوان أو الآلة كما يروّج المالتسيون والرأسماليون بل هو هدف من أهداف الإنتاج الزراعى لأنه أولا : يبذل الجهد فى العمل (فى إعداد الأرض وزراعتها ورعاية المحصول وخدمته ثم فى حصاده). وثانيا : هو مواطن يجب أن يحصل على حقه فى ناتج الثروة القومية ومنها الزراعة.
ناهيك عن تاريخه فى ابتداع بديهية الاستقرار البشرى حول الأنهار؛ ودوره فى نشر حرفة الزراعة فى أرجاء المعمورة ؛ وتأثيره الحدى فى حماية العرق المصرى من تقلبات الطبيعة ومن العسف والغزو والانتهاك والتجويع والانقراض.وقبل ذلك وبعده هو من أعطى مصر اسمها كسلة لغلال العالم القديم ومنارة له.. حتى الحضارة المصرية التى يفد البشر من أركان العالم للتمتع بها .. هو أبرز بنائيها .
هل تنهض الزراعة بمفردها ..؟ :
من بديهيات الاقتصاد المعاصر تقلُص أعداد العاملين فى الزراعة لصالح الصناعة ، وبسبب التقدم التكنولوجى بالغ السرعة تقلصَ وقتُ الإنتاج اليدوى وقل الجهد البشرى لحساب الإنتاج الآلى. ففى بداية القرن العشرين كانت نسبة العاملين فى الزراعة فى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية 65% من مجموع القوى العاملة؛ تقلصت إلى 40 % فى نهاية الحرب العالمية الثانية ثم وصلت إلى 3% فى نهاية القرن العشرين.. ورغم صواب هذا المبدأ فإن المجتمعات الفقيرة كمصر- رغم خضوعها له – لا تخضع لمعدلاته. ولكى تتم الاستفادة من القوى العاملة المتوفرة من مجال الزراعة لابد من ابتداع مجالات عمل أخرى لاستيعابها ؛ وهو ما يفترض أن تتولاه الصناعة سواء باستقدام هؤلاء إلى مشاريعها فى المدن أو فى الصناعات الغذائية المقامة فى الريف والمعنية بتصنيع ناتج الأرض والحيوان.
والتفكير فى اتخاذ أى طريق غير الصناعة- مثل المشروعات الصغيرة أو المتناهية الصغر- مجرد وهْم يدفع الفلاحين الذين لفظتهم وتلفظهم الزراعة إلى الهجرة إلى المدن لا كعمال منتجين بل إلى مشردين وهو ما تبدو مؤشراته ظاهرة للعيان . لذا فالصناعة – فى عصرنا هذا وما يتلوه من عصور قادمة – هى قاطرة الزراعة بل والاقتصاد فى عموم المجتمع.. بمعنى أنه بدون تطوير الصناعة ونشر التعليم والتدريب وبدون استيعابها لهؤلاء الفلاحين السابقين وللفائض من العمالة الزراعية لن تقوم لفلاحينا أو لزراعتنا قائمة .
مع ملاحظة أن هناك فارقا :
• بين ألا تحتاج الزراعة لبعض أبنائها الممتهنين لها من واقع زيادة سكان الريف ومن واقع التقدم التكنولوجى الذى يقلص أعداد الفلاحين العاملين- وقتا وجهدا- فى رقعة زراعية لا تتسع بل تتجه للانكماش..
• وبين أن ندفع بإجراءات ” سلمية ” وعنيفة أعدادا متزايدة من الفلاحين خارج الأرض لأسباب أخرى يتعلق أغلبها بالأنانية وامتلاك السلطة والنفوذ والهيمنة.. ناهيك عما يتم الاستحواذ عليه فى هذا السياق من أراضى الدولة والأراضى المستصلحة بنفس تلك الذرائع.
أبرز القضايا ( أو الإشكاليات ) الفلاحية فى مصر:
أولا : التبعية للخارج:
لعبت إجراءات الردة عن السياسة الزراعية الناصرية التى قام بها السادات منذ بداية سبعينات القرن الماضى الدور الأبرز فى تخريب الزراعة المصرية . هذا وقد تمثلت فى رفع الدعم عن مستلزمات الزراعة ( بذور ، أسمدة ، مبيدات ، آلات ، أعلاف ، أمصال ولقاحات ) ؛ والقروض ( بتحويل بنك التسليف التعاونى لبنك تجارى باسم بنك التنمية والائتمان الزراعى .. ورفع أسعار الفائدة إلى ثلاثة أضعافها .. والسطو على أموال الجمعيات الزراعية لصالح بنك التنمية ) ؛ ورفع ضريبة الأطيان التى رفعت تلقائيا إيجارات الأراضى الزراعية؛ فضلا عن العبث بقانون الإصلاح الزراعى الذى تمثل فى سلخ الأراضى الصحراوية من تطبيق الحد الأقصى للملكية التى نص عليها قانون الإصلاح ، ورفع الحراسة عن بعض أراضى الإقطاعيين ( بالقانون 69 لسنة 1974) ، واستعادة هيئة الأوقاف – بالقانون 42 / 1973- لأراضى الأوقاف الزراعية التى اشترتها هيئة الإصلاح منها فى وقت سابق ( عامى 1957، 1962 )..إلخ . هذا وقد استكملها مبارك بإلإجراءين التاليين :
• الأول: هو إصدار قانون الإيجارات الزراعية ( 96 لسنة 1992 ) الذى أنهى كل عقود الإيجارغير محددة المدة نهائيا ورفع إيجارات الأراضى الزراعية إلى عنان السماء وشرد مئات الآلاف من المستأجرين.. وشكل ضربة قاصمة للزراعة والفلاحين الفقراء والصغار.
• والآخر: هو هيكلة الزراعة المصرية تحت إشراف البنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية وهيئة المعونة الأمريكية وذلك فى المؤتمر الدولى المنعقد فى وزارة الزراعة المصرية فى فبراير 1992 وأوقف أى دور للدولة فى الزراعة المصرية سواء فى التخطيط أو التنفيذ وحوّل وزارة الزراعة إلى ديكور، كما أطلق يد الشركات متعددة الجنسية التى تعمل فى مجال إنتاج وتجارة مستلزمات الزراعة ( بذور ، أسمدة ، مبيدات ، أعلاف ..إلخ ) فى السوق المحلية ؛علاوة على القطاع الخاص والاستثمارى الذى لعب دورا بارزا فى تجارة تلك المستلزمات وفى تجارة المحاصيل التى ينتجها الفلاحون.. ومنح هؤلاء جميعا غطاء قانونيا.
-هذا وقد لعبت هيكلة الزراعة – مع ما اتخذ من سياسات سابقة فى عهدى السادات ومبارك- الدور الرئيسى فى رفع تكلفة الزراعة وتقليص نصيب الفلاحين من بيع محاصيلهم ومن ثم إضعاف الجدوى الاقتصادية لحرفة الزراعة مما دفع الفلاحين للهجرة من الريف وكذا تخلُص عدد من الفلاحين والملاك الصغارمن أراضيهم بالبيع ..إلخ هذا من ناحية.
-ومن ناحية أخرى أسهم قانون رفع الحراسة ( 69 لسنة 1974) عن بعض أراضى الإقطاعيين السابقين وقانون الإيجارات (96 لسنة 1992) فى طرد أعداد هائلة من الفلاحين من أراضى الإصلاح الزراعى والأراضى المستأجرة الأخرى.. وفتح الطريق دون قيود أمام كبار الزراع والملاك والمستثمرين وعدد من رجالات الدولة والمسئولين السابقين والمتنفذين وحكام الأقاليم وتجار القطاع الخاص للاستيلاء على تلك الأراضى والتوسع فى الزراعة الواسعة الكثيفة مستفيدين من هيمنة الشركات متعددة الجنسيات على قطاعات شاسعة من سوق مستلزمات الزراعة فى الريف.وقد خنقت تلك السياسات والإجراءات نمط الإنتاج الفلاحى الصغير الخاص بكل الفلاحين الفقراء والصغار فى مصر.. ودمر مقوماته ؛ونشرعصابات السطو المنظمة على الأراضى؛ وأشاع مناخا من الفوضى فى جنبات الريف؛ وأنهى على زراعة القطن بفعل فاعل وقضى على كثير من الصناعات المرتبطة به ، كما بعث الحياة فى قطاع كبار المستوردين المرتبطين مباشرة بقمة السلطة لدرجة منع زراعة محصول الأرز فى عدد من المحافظات لتقليص المعروض منه فى السوق المحلى بغية رفع أسعاره على المستهلكين وسد النقص بالاستيراد ؛ وأهدر كثيرا من الأراضى الزراعية الخصبة فى أعمال وإنشاءات غير زراعية.
ثانيا: السياسات العامة والسياسة الزراعية بين التعليمات الشفهية والنصوص القانونية:
تُشكل السياسات العامة والسياسة الزراعية حجر الزاوية فيما آلت إليه أوضاع الزراعة المصرية وأوضاع الفلاحين منذ عهد السادات وحتى الآن.
• فمنذ حكم السادات كان النظام الحاكم يغير القوانين ليستخدم مضمونها فى الارتداد عما كان ساريا من سياسات فى العهد الناصرى وتثبيت الوضع الناشئ عنها.. وكان يطبق ذلك بالتواء شديد وبشكل متدرج حتى لا يثير كثيرا من اللغط بشأنها .
• وفى عهد مبارك كان تغيير القوانين تكئة ومبرراً لصد أى هجوم مضاد أو رد فعل أو نقد قانونى بينما كان للسياسات العامة والزراعية تحديدا الدور الأبرز فى تحديد الوجهة التى يتخذها النظام بشأن تسيير أمور الزراعة ؛ خصوصا وأنه كان يخرق كثيرا من القوانين القديمة.. لكنه كان يسعى ألا يكون الخرق ملفتا للنظر لضمان إضعاف ردود الفعل لأدنى درجة.
• أما الآن فهو يخرق الدستور وبالتالى القانون .. ويستحدث من القوانين ما يدعم السياسة العامة – ومنها الزراعية – التى أصبحت سلطانا وحيدا فى الميدان بينما الدستور والقوانين المتسقة معه باتت فى إجازة.
ولا يمكن الفصل فصلا تاما بين العهود الثلاثة فى هذا الشأن إلا أن السفور والفجاجة فى هيمنة السياسة العامة على الحكم وخرق القوانين والدستور كانت تتم بشكل متدرج حتى أزاح الحكم عن وجهه – خلال السنوات الأخيرة – أى قدر من التلوّن والالتفاف والتخفى.
– ففى عهد السادات – وعلى سبيل المثال- تم إرساء كثير من التوجهات والسياسات العامة الجديدة من خلال قوانين محددة مثل رفع الدعم عن مستلزمات الإنتاج الزراعى ، تصدير القطن ببذوره ( وهو ما كان محرّما منذ نهاية القرن التاسع عشر ) ، وإلغاء قانون الدورة الزراعية، تغيير قانون التعاون الزراعى ، تحويل بنك التسليف لبنك تجارى ( التنمية ) ، سلخ الأراض الصحراوية من الحد الأقصى للملكية الخاص بقانون الإصلاح الزراعى، رفع ضريبة الأطيان ومن ثم رفع أسعار الإيجارات الزراعية تلقائيا ، حل الاتحاد التعاونى ومصادرة ممتلكاته..إلخ ، إصدار قانون رفع الحراسة ،إلا أنه لم يجرؤ على المساس بقوانين بعينها خشية رد الفعل وفى نفس الوقت أبطل مفعولها بعدم رصد ميزانية للنشاطات التى ينظمها القانون مثل الإرشاد الزراعى.
– وكانت الخطوة الثانية فى عهد مبارك.. الذى أصدر قانون الإيجارات عام 1992 ومن ثم تم طرد كل المستأجرين من الأراضى المستأجرة – عام 1997- حتى من أراضى الإصلاح الزراعى التى كانت واقعة تحت الحراسة.
ومنذ ذلك التاريخ لم يطبق أى وزير زر اعة المادة 90 من قانون الزراعة (التى تنص على حق مستأجر الأرض فى تسجيل الحيازة باسمه فى الجمعية الزراعية ) وتواطأوا جميعا – بتعليمات شفهية أو موثقه – على تسجيلها باسم مالك الأرض وليس زارعها ، بعدها عممت وزارة الزراعة على فروعها بالمحافظات قرارا إداريا يخترع تعريفا جديدا للفلاح ( مالك ما لا يقل عن 3 أفدنة ) رغم أن القانون المستهدف بالخرق ظل ساريا ( الفلاح هو حائز ما لا يزيد عن10 أفدنة ملكا أو إيجارا ويزرعها ويقيم بالقرية والزراعة عمله ومصدر رزقه ) وذلك تمهيدا لطرد كل الفلاحين الذين لا يملكون أقل من 3 أفدنة من الجمعيات الزراعية وحرمانهم من صرف مستلزمات الإنتاج.. وتضم تلك الفئة المنبوذة فلاحى الإصلاح الزراعى والأوقاف ومعظم فلاحى ( الائتمان والبدو وحواف الوادى).علاوة على تحصيل مديونيات الفلاحين المتعثرين بالحجز على الأرض الزراعية وليس على المحصول كان كان متبعا قبل ذلك أو محاكمتهم ومعاقبتهم بالسجن إن استحالت عملية الحجز المذكورة.
كذلك فتح الباب واسعا أمام الشركات الأجنبية العاملة فى مجال تجارة مسلزمات الزراعة وهو ما قضى على الأصناف المحلية من البذور ، وحاصر عمليات تصنيع الأسمدة البلدية وأسهم فى بيع مصانع الأسمدة الكيماوية أو خصخصتها ليسيطر التجار على سوقها.
كما صدرت تعليمات لهيئة الإصلاح الزراعى – بالمخالفة للقانون- بعدم تحرير عقود تمليك الأرض لفلاحى الإصلاح الزراعى الذين دفعوا كامل ثمنها .. وما زالت التعليمات سارية.
-أما مؤخرا فقد تم رفع أسعار الأسمدة الكيماوية عدة مرات ، وتعرض الفلاحون للمحاكمات العسكرية وقضوا فى السجن عاما حتى ثبتت براءتهم .
وفى ديسمبر 2014 – وبالمخالفة لكل قوانين التعاون التى صدرت خلال 60 عاما – صدر القانون رقم 204 لسنة 2014 الذى يعدل المادة 8 من قانون التعاون السارى وينص التعديل على حق المستثمرين فى مشاركة الجمعيات التعاونية الزراعية فى رءوس أموال الشركات التى تملكها – وهو ما كان محرما قبل ذلك- مما يساهم فى ابتلاع المستثمرين للجمعيات التعاونية كما حدث مع القطاع العام الصناعى.
ولايعنى ذلك أن جملة التوجهات والقوانين والإجراءات السابقة قد توقفت أو كفت عن السريان أوالتأثير على أوضاع الزراعة المصرية .. فالعكس هو الصحيح ..ويكفى أن نسترجع معدلات ارتفاع أسعار الغذاء فى السنوات الأربع الأخيرة خصوصا ما يتعلق منها بما يتم إنتاجه محليا كالخضرواللحوم والطيور ومحاصيل الحبوب والفاكهة والزيوت وغيرها لنتيقن من حجم المحنة التى تعيشها الزراعة ويعانيها الفلاحون ويتعرض لها مستهلكو الغذاء خصوصا من ذوى الدخول المحدودة.
ثالثا: هموم الفلاحين الفقراء والصغار من وجهة نظرهم :
تتركز تلك الهموم فى:
1- ضآلة المساحات التى يزرعونها مقارنة بمساحة الرقعة الزراعية من ناحية؛ ومنسوبة إلى حجم قوة العمل المتوفرة داخل أسرهم؛ وإلى ضيق فرص العمل الزراعى الأخرى المتاحة لتوظيف الطاقة المعطلة؛ وإلى احتياجاتهم المعيشية؛ و يقينهم باستحالة الحصول على مساحات إضافية أو بديلة فى الأرض الجديدة المستصلحة.
2- ضعف القدرة المالية بشأن تكاليف الزراعة فى عمليات الإعداد والخدمة والحصاد ؛ فضلا عن ارتفاع إيجارات الأراضى – للمستأجرين منهم – وكذا تكلفة مستلزمات الإنتاج الباهظة والقروض والضرائب.
3- ضعف – إن لم يكن صعوبة – القدرة على التسويق المحلى والخارجى لمحاصيلهم ومنتجاتهم بأسعار مجزية منسوبة إلى تكاليف الزراعة وارتفاع تكلفة المعيشة ؛ واستحالة تسويق بعضها كالقطن إلا فى حالة رغبة الدولة فى ذلك أو اضطرارها له.
4- يقين الفلاحين من تكالب الدولة والمتنفذين المحليين والتعاونيات وبنوك القرى وتجار مستلزمات الزراعة وتجار المحاصيل عليهم وتضييق الخناق على حقهم فى العمل والإنتاج ؛ وسعيهم للتخلص منهم ؛ وإحساسهم بالضعف البالغ نظرا لتدنى الدعم المعنوى والسياسى المفترض حصولهم عليه من قبل النشطاء فى صفوفهم ، فضلا عن اختفاء أو غموض أية مؤشرات توحى بالأمل خصوصا بعد ثورتى 25 يناير2011 ، 30 يونيو 2013 .
وهذا يعنى من وجهة نظرهم أن المخرج من الأزمة الراهنة فيما يتعلق بوقف تدهور نمط الزراعة السائد فى الريف ” نمط الإنتاج الفلاحى الصغير ” شبه مسدود ولا يوجد تصور أو قدرة على إيجاد ذلك المخرج فى هذا القطاع والذى تبلغ نسبة العاملين فيه حوالى 75 % من فلاحى مصر.
رابعا : الرقعة الزراعية وحدود إنتاجيتها القصوى وشروطها :
1- من المعروف أن للأرض وظيفة اجتماعية يتحتم الوفاء بها (هى توفير غذاء الشعب وكل ما يمكن أن تنتجه من احتياجاته الأساسية كالكساء والدواء ) وهى لهذا السبب تجُبُّ كلَّ أشكال ملكيتها القانونية.. بمعنى أن الأهداف الاجتماعية للأرض تحتل المرتبة الأولي قبل ميول ورغبات ملاكها الأفراد.وهذه الوظيفة الاجتماعية أشبه بالمبدأ الأعلى أو بالمبدأ فوق الدستورى – باللغة القانونية – التى تخضع لها جميع الحقوق والمطالب الأساسية فى المجتمع كحق الملكية وغيرها.
2- و يُقصَد بالرقعة الزراعية.. الأرض المنتجة؛ ولا يمكن الحديث عن الأرض دون ماء الرى ( المطرى ، والجوفى ، والنهرى ).، وفى تقديرات أخرى ودون الصرف.
وهى تشكل فى مصر أحد أهم معضلات الزراعة المصرية الدائمة نظرا لضيقها من ناحية ؛ وتناقصها المستمر ( بالبناء والتجريف ) من ناحية أخرى؛ ولزيادة السكان بمعدل يفوق معدل زيادتها بالاستصلاح بل ويفوق معدل زيادة إنتاجها.
3- ولأن الرؤية الرسمية الحاكمة لقضايا الزراعة فى مصر رؤية قاصرة ضيقة الأفق بالغة الأنانية.. ومرتبطة سياسيا وفكريا بسياسات خارجية مالتوسية النزعة فقد بات من الضرورى استبدالها بسياسة وطنية مستقلة تهتم بمستقبلها ومستقبل العاملين بها بشكل خاص لأنهما – الزراعة والفلاحين- عنصران حاسمان فى الاستقرار الاجتماعى والاستقلال السياسى والاقتصادى وهما أحد الشروط اللازمة للتقدم العلمى الذى هو قاطرة المجتمع الفكرية والثقافية.. والتكنولوجية.
– وبالنسبة للرقعة الزراعية يتحتم البحث عن المناطق القابلة للزراعة فى الساحل الشمالى وبعض مناطق الصحراء الغربية وحواف الوادى وسيناء والتعامل مع الأرض كعملة نادرة؛ ليس هذا فحسب بل ويتطلب الأمر العمل فى اتجاهين سينا والسودان لتعمير الأولى زراعيا وتوثيق الصلات بشعب السودان بالمستوى الذى يعود على الشعبين بالفائدة نظرا لامتلاكه مساحات شاسعة مهيأة للزراعة من ناحية وفيض من الماء المهدر فى المستنقعات والمبدد بالبخر من ناحية أخرى.
4- أما بالنسة للفلاحين فالمطلوب التعامل معهم باعتبارهم – ليسوا مجرد عنصر من عناصر الإنتاج الزراعى- بل باعتبارهم أهم أهدافه فضلا عن أنهم أهم أدواته.
5- ونظراً لضعف عمليات الاستصلاح .. سواء لأسباب سياسية مثل رغبة إسرائيل فى منع تعميرسيناء زراعيا أو لأسباب اقتصادية مثل هزال البرامج المتبعة فى الاستصلاح التى تراعى احتياجات ومصالح الشركات الاستثمارية الكبيرة وتتجاهل احتياجات الفلاحين؛ أو بسبب ” تكويش ” رجالات الدولة وكبار المستثمرين على ما يتم استصلاحه منها أولا بأول.. أصبح من الضرورى النظر إلى التوسع الأفقى بمنطق مختلف ؛ فلا استصلاح دون مياه.. ولامياه دون النيل الذى تكتنف مياهَه مشاكلُ جمة مع دول حوض النهر علاوة على ما يتم فقده منها فى المستنقعات الاستوائية الإفريقية وبالبخر ولذا فإن توجيهَ جهد نوعى سياسى واقتصادى وعلمى تجاه تلك الدول يعتبرقضية جديرة بالاهتمام لأنها المنبع الحقيقى لتوسيع الرقعة الزراعية أفقيا .
5- ويشكل تعديل السياسة الزراعية الرسمية أحد الشروط الهامة لتوفير مياه الرى وزيادة المساحة المنزرعة بمساحات إضافية وإنهاض الزراعة ؛ فضلا عن إمكانيات التوسع الرأسى التى يدعمه توفير مياه الرى واستنباط سلالات جديدة ذات احتياجات مائية قليلة من المحاصيل ذات الاحتياجات المائية العالية كالأرز وهو ماتحقق الكثير منه بالفعل- فى قسم الوراثة بكلية الزراعة بالزقازيق- بسلالات تتساوى فى احتياجاتها المائية مع الذرة ؛ وسلالات أخرى تجود زراعتها فى الأرض الرملية ؛ ومنها استحداث طرق زراعة حديثة توفر المياه مثل زراعة الأرز على مساطب ( كما حدث عام 2004 فى تجربة علمية بقرية بياهمو بالفيوم نفذتها السيدة نوال خميس تحت إشراف معهد البحوث المائية )؛ ومعالجة مياة الصرف الزراعى والصحى وإصلاح منظومة الرى لمنع التسرب والهدر.. ومنظومة الصرف لمنع ارتفاع منسوب الماء الأرضى وتدهور التربة الزراعية ؛ ليس هذا فحسب بل واستنباط سلالات نباتية وحيوانية عالية الإنتاج ومقاومة للظروف البيئية الصعبة وللأمراض ؛ علاوة على إجراءات أخرى منها حظر استخدام المياه فى المنتجعات والمناطق السياحية وملاعب الجولف وحمامات السباحة بالمعدلات والشروط الحالية ووضع ضوابط لها .
الفلاحون بين التفجرات الاحتجاجية والتحول إلى حركة اجتماعية :
يجرى الحديث عن الاحتجاجات الفلاحية تارة باعتبارها حركة اجتماعية وتارة أخرى باعتبارها مجرد تفجرات وقتية ما تلبث أن تخبو عقب فورانها.
ويمكن القطع بأن الفلاحين هم أكثر المصريين تضررا ومعاناة من السياسة العامة الرسمية التى تترجم استبداد وفساد أنظمة الحكم التى تعاقبت عليهم طوال تاريخهم وبالذات خلال ما يقارب النصف قرن الأخير:
• فقبل يوليو 1952 انفرد كبار الملاك الإقطاعيين بقطاع واسع منهم للعمل بالأرض بنظام السخرة إلى أن صدر قانون الإصلاح الزراعى ( 178 /1952 ) بإعادة توزيع ما زاد عن ( 300 فدان للأسرة ، 200 فدان للفرد) على صغار وفقراء الفلاحين ، ولأن نظام الحكم الجديد تشكلت أعمدته الرئيسية من عدد من ضباط الجيش وكانت له تحفظاته على الأحزاب السياسية القائمة فقد استعان بجهاز الدولة القديم المعادى فى تنفيذ قانون الإصلاح الزراعى الوليد ناهيك عن أن ما صادره من أراض فور صدور القانون كان يقتصر على العائلة المالكة. بينما ظلت بقية الطبقة بمنأى عن ذلك لمدة 5 سنوات امتدت لسبعة استنادا لنص المادة 4 من القانون التى أجازت التصرف فيما زاد عن الحد الأقصى المسموح به من الأرض لصغار الفلاحين. وقد لعبت تلك المادة دورا حاسما فى تمكين معظم أفراد الطبقة الإقطاعية من تهريب مساحات شاسعة من أراضيها خصوصا وأن خبر العزم على إصدار القانون قد تسرب لها من عناصر داخل مجلس قيادة النظام الجديد أو من الدائرة الضيقة المحيطة به. ورغم كثير من المآخذ على القانون وتطبيقه إلا مثل للفلاحين طوق نجاة من السخرة والوضع المتردى الذى عاشوه فى ظل نظام الإقطاع.
وبوفاة عبد الناصر تحالف ضدهم نظام الحكم فى عهدى السادات ومبارك مع الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات العاملة فى مجال إنتاج وتسويق مستلزمات الزراعة ( بذور ، أسمدة ..إلخ )؛ حيث أدار مكاتب تلك الشركات فى مصر كثير من أبناء رجال الأعمال والمتنفذين وشخصيات وثيقة الصلة بكبار المسئولين فى الدولة، وكان تفكيك نمط الإنتاج الفلاحى الصغير هو هدف تلك الشركات للسيطرة المطلقة على السوق المحلي.
• وشارك فى ذلك التحالف كبار الزراع الذين سقطت وتسقط فى أيديهم كثير من الأراضى التى تغتصب من الفلاحين أو يتركها مستأجروها أو يبيعها ملاكها الصغار لانخفاض جدواها الاقتصادية ؛ حيث الهدف هو تأسيس المزارع الواسعة المستخدمة للبذور المهندسة وراثيا والهرمونات فيما يعرف بنمط الزراعة الكثيفة.
• فضلا عن كبار المستثمرين فى مجال التصنيع الزراعى .
وقد استخدمت الدولة مع الفلاحين كل الأساليب العنيفة ؛ وغير العنيفة لتحاصرهم وتشعرهم بانعدام الجدوى الاقتصادية لحرفة الزراعة.. لتجريدهم من الأرض ، بل ولم تخجل من مخالفة القوانين السارية لإزاحة 75 % من الفلاحين ( ملاك أقل من 3 أفدنة ) بعيدا عن الجمعيات التعاونية الزراعية إلى نقابة عمال الزراعة بتغيير صفتهم القانونية من فلاحين إلى عمال زراعيين مستهدفة حرمانهم من الخدمات التى تقدمها التعاونيات إمعانا فى إبعادهم عن الأرض والزراعة [ القانون المصرى يعرّف الفلاح بأنه : من يعمل بيديه فى حرفة الزراعة ولا يزيد ما يملكه هو وأسرته عن عشرة أفدنة ].
لم تكن تلك المعاناة قاصرة على فلاحى أراضى الإصلاح الزراعى بل شملت كذلك فلاحى أراضى الأوقاف؛ والأراضى المستصلحة القديمة والحديثة ؛ وأراضى الائتمان ( العادية ) ؛ وأراضى وضع اليد ؛ وأراضى البدو وحواف الوادى.. وكان وعى الفلاحين المتدنى وافتقارهم لتنظيمات نقابية تدافع عنهم ( فالقانون آنذاك يجرّم تأسيسها ) هو العقبة التى منعتهم من المشاركة فى ثورة 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 بل وأثرت – فيما سبق – على قدرتهم على صد الهجمات التى يتعرضون لها يوميا لتجريدهم من الأرض وحرمانهم من الزراعة.
الفلاحون والثورة :
لم يختلف سياق الأوضاع الفلاحية قبل وبعد الثورة كثيرا لأن ما تغير هو مدى سطوة الشرطة فى أعقاب ثورة 25 يناير وكان لما نالها من هزيمة أثره الأكبر معنويا فالإحساس بالمهانة والانكسار كان هو العنصر الطاغى على وضعها ومسلكها اللاحق .. بعد أن كانت الطاووسية والعنجهية والبلطجة سماتها الغالبة فى وضعها السابق؛ ولعل الكثيرين يتذكرون حالة الاستنكاف عن العمل الميدانى التى اعترتها فيما يتصل بشكاوى الجمهور فى أعقاب الثورة ، ومن ناحية أخرى كانت تلك المهانة والانكسار السبب الرئيسى فى حالة التوحش الثأرية التى انتابت أجهزة الشرطة مع عدد من قطاعات الشعب بعد استردت بعض عافيتها فيما بعد.
ولأن ما يحرك الإنسان هو الوعى أو الوعى بالظلم فإن أحداث الثورة لم تدفع من الفلاحين للاحتجاج- على أوضاعهم – سوى من فقدوا أرضهم ومصدر رزقهم وأصبح ظهرهم للحائط .. وهؤلاء هم من تحركوا لرد الظلم واسترداد الأرض. أما عشرات الأسباب الأخرى التى تشكل أنواعا وألوانا من الظلم لا تحصى ولا تعد وتستدعى الاحتجاج فلم ( يرقى ) لها وعى الأغلبية الساحقة من الفلاحين ولم تشكل دافعا للحركة ضد النظام أو حتى ضد مديريات الزراعة والرى أو الجمعيات الزراعية العامة فى المدن بل ولم تدفعهم مشاهدتهم لاحتجاجات الشباب فى الشوارع على شاشات الفضائيات إلى المشاركة وتلك هى النقطة الجوهرية فى العلاقة بين الفلاحين وثورتى 25 يناير و 30 يونيو. ففى مجتمع واحد هناك قطاعات حركها وعيها للاحتجاج والمشاركة فى الثورة بل والفداء بينما فى نفس المجتمع توجد قطاعات لم تحرك ساكنا .. ولا يمكن التشكيك فى شرف أى منهما لكن الفارق الفعلى كان فى الوعى.
وبالمناسبة فالثورة أرست مقولات جديدة فى الحياة السياسية منها:
• كسرجدار الخوف الذى بناه نصف قرن من العزلة والانقطاع عن الحياة السياسية ومصادرة الحريات وتوحش أجهزة الأمن.
• ومنها إمكانية الإطاحة برأس الدولة إن انحرف أو فسد.. فلا مقدس فى السياسة والحكم.
• ومنها أن الاعتراض الفردى شئ والاحتجاج الجماعى شئ آخر.
• ومنها أن اللصوصية لا تقتصر على النشل فى الأوتوبيسات العامة والأسواق والموالد بل تشمل الكثيرين من أصحاب الياقات البيضاء وذوى النفوذ بل وكثير من الحكام مركزيين و محليين.
لكن مثل هذه المقولات عندما تضاف لمعلومات بعض البشر تدفعم للتمرد أو للاحتجاج وقد تدفع آخرين لليأس والقنوط والاعتكاف أو لاعتزال الحياة ، ونفس تلك المعلومات تدفع البعض لإدراك أن الظلم ليس من مقتضيات القضاء والقدر بل من فعل البشروبالتالى فإزاحته والتخلص منه لا يتم إلا بأيدى البشر .. بينما تدفع البعض الآخر لتصور أن ذلك من فعل القضاء والقدر ولذا فإزاحته ليست من وظيفة البشروما علينا إلا الانتظار حتى يجرى التخلص منه أو يرحل طواعية.. فهو كما جاء.. سوف يذهب ..إلخ.
ولعل البعض منا يذكر أن عددا من فلاح الإصلاح الزراعى عندما طردهم ورثة الإقطاعيين من الأرض التى حصلوا عليها من هيئة الإصلاح الزراعى لم تثر ثائرتهم ولم يكافحوا كى يستردوها وكان تعليقهم : لقد أعطانا الله هذه الأرض عندما كنا معدمين واستردها منا بعد أن تحسن حالنا .. إنها إرادة الله . وعلق فلاح آخر بشكل مختصر لكن بنفس المنطق والعقلية قائلا : ألله جاب .. ألله خد .. ألله عليه العوض.
من هنا نرى أنه بعد إسقاط رأس النظام السابق فى 11 فبراير 2011 حدث لبعض الفلاحين شئ مغاير:
– حيث شرع بعضهم فى استرداد ما اغتصب منه من أراض .
– وثار آخرون واحتجوا على تعنت الدولة معهم بشأن نقص المياه ومستلزمات الزراعة.. والمغالاة فى إيجارات الأرض الزراعية وأرض الكتلة السكنية.
– بينما قام بعض ثالث بالتظاهر ضد هيئات رسمية بعينها أو أشخاص ومسئولين اغتصبوا أراضيهم أوهدموا منازلهم.
• هذا وقد فجر بعض الأهالى ( بمنطقة طوسون ) بحى المنتزة / شرق الإسكندرية أولى هذه الأعمال صباح الجمعة 28 يناير 2011 وبعدها تتالت حركات الفلاحين واحدة إثر أخرى:
– هذا وكانت الدولة فى مايو 2008 قد قامت بهدم المنازل – التى بناها وسكنها منذ عشر سنوات أهالى منطقة طوسون- فوق رؤوسهم وإزالتها حتى سطح الأرض؛ كانت مساحة الأرض 160 ألف متر مربع يملكها الأهالى بعقود شراء قانونية ، وبرغم حصولهم على حكم قضائى يدين الدولة ويطالبها بإزالة الآثار الناجمة عن هدم البيوت و تشريد سكانها ؛ بل وتعويضهم.. إلا أنهم – ورغم قيامهم بثلاثة وخمسين احتجاجا – لم يتمكنوا من تنفيذ الحكم بسبب مماطلة محافظ الإسكندرية ووزير الزراعة السابقين.
وفى صباح 28 يناير 2011 توجه عدد منهم للمنطقة التى كانوا يسكنونها وأنذروا الحراس بمغادرتها فورا فانصاعوا لهم ، وفى اليوم التالى شرعوا فى تخطيط المنطقة وإعادة بناء منازلهم واقترضوا من بعضهم البعض وسهل لهم تجار مواد البناء شراء ما يلزمهم منها بالأجل.. حيث أتم بعضهم البناء فى 3 أسابيع واستقر فى مسكنه الجديد .. بينما يستكمل الآخرون البناء واستعادة الأمل الذى بدا فى لحظات سابقة بعيد المنال.
• وفى منطقة طلخا بالدقهلية وفى 31 يناير 2011 قام عدد من فلاحى قرى ( سرسو ، وميت الغرقا ، وميت الكرما ، وكفر الجنينة ، ومنشاة البدوى، وجوجر، وكفر الخوازم ) باستعادة أراضيهم التى طردوا منها فى وقت سابق( 1997) رغم حصولهم على حكمين قضائيين نهائيين(3238/ 25 ق.إ عام 2007 و 2143 / 29ق.إ عام 1986) باسترداد الأرض وظلوا بها حتى فبراير 2015 حيث أعيد طردهم منها بقوات الشرطة وتواطؤ المحامى العام لنيابات جنوب المنصورة.
• أما فى غرب دلتا النيل وفى قرية العمرية بمحافظة البحيرة فقد تصدى الفلاحون مساء 14 فبراير 2011 لهجوم مسلح ببنادق الكلاشنكوف لمجموعة تابعة لرئيس مباحث أمن الدولة بالمحافظة كان قد اغتصب منهم 21 فدانا على ثلاث مرات خلال 5 سنوات؛ وبينما أصابت طلقات الرصاص بعضا من فلاحى القرية فقد استدعت – فى نفس اللحظة – آلاف الفلاحين من القرى المجاورة هبّوا لنجدة جيرانهم.. وتفرق المعتدون كالفئران المذعورة- بعد أن أشعلوا النار فى قصر بناه ضابط الشرطة السياسية على الأرض المغتصبة- ليتمكنوا من الهرب خلف ساتر دخانه ، وعلى التو شرع الفلاحون فى استرداد الأرض التى اغتصبها الضابط الكبير وقاموا بزراعتها.
• بعدها مباشرة وعلى بعد 5 كيلومترات من العمرية قام فلاحو قرية البرنوجى باسترداد خمسين فدانا كانت قد اغتصبتها منهم أسرة نوار الإقطاعية فى أواسط ثمانينات القرن الماضى ، وهو نفس ماحدث فى قرية عزبة عاكف على مسافة كيلومتر واحد من العمرية.
لقد كانت هذه الأيام فى تلك القرى أشبه بأيام الأعراس الحقيقية التى لم يشهدها الريف منذ سنوات طويلة .. وكنت تقابل الفلاحين فى الشوارع مبتسمين والفرحة تعلو وجوههم.
• أما فى منطقة المعمورة بشرق الإسكندرية فقد قام الفلاحون باسترداد سبعة وثلاثين فدانا كانت هيئة الأوقاف ( إحدى مؤسسات الدولة ) قد باعتها – رغم أنها لا تملكها – لجمعيات إسكان ضباط أمن الدولة ؛ وشرطة الإسكندرية وشرطة كفر الشيخ ، وقضاة وزارة العدل ومحكمة النقض وهيئات أخرى.
وكان أحد قادة الفلاحين ( حسن شندى ) قد تعرض للإغتيال فى وقت سابق ( سبتمبر 2009 بسبب مقاومته لاغتصاب الأرض ورفضه التنازل عنها وفضحه لبطلان عمليات بيع هيئة الأوقاف للأرض مستندا على وثائق رسمية قدمها للقضاء.
• كما قام بعض فلاحى قرية البقلية بمحافظة الدقهلية- شرق دلتا النيل – فى 18 فبراير 2011 باسترداد أجزاء (40فدانا ) من الأرض التى اغتصبت منهم فى 2003 وقاموا بزراعتها.
• وفى نفس المنطقة قام فلاحو سبعة قرى (البقلية ، منية سندوب ، الزمار ، شاوة ، تلبانة ، ويش ، ميت الأكراد ) بمظاهرتين حاشدتين فى24 ، 28 فبراير 2011 بمدينة المنصورة عاصمة الدقهلية ضد هيئة الأوقاف التى ترفع إيجار الأرض- التى يستأجرونها ويزرعونها منذ عقود – بشكل متواصل وبمستوى يتجاوز قدراتهم المالية ؛ كما أنها تتعسف فى بيع أرض الكتلة السكنية لهم بأثمان مبالغ فيها مخالفة بذلك القوانين والقرارات الرسمية الصادرة فى هذا الشأن.. رغم أن مساكنهم بنيت عليها منذ عشرات السنين.
هذا وقد تراوحت أعداد المشاركين فى المظاهرات بين 3- 5 آلاف فلاح حاصروا مبنى الأوقاف بالمدينة الذى هرب موظفوه.. بعدها تحول الحصار إلى ديوان المحافظة ، وقد احتك بهم الجيش لكن سرعان ما انتهى ذلك بعد دقائق قليلة.
• وفى محافظتى الشرقية والاسماعيلية تكرر نفس الاحتجاج مرتين (21 و 27 فبراير2011 ) فى كل منهما نظرا لمطالبة الأوقاف لفلاحى الإصلاح الزراعى بإيجار لأرض الكتلة السكنية التى سبق لهم شراءها ضمن الأرض الزراعية كما نصت عقود تملكهم للأرض ، وقد تجاوزت أعداد المشاركين الثلاثة آلاف متظاهر.
• كما نظم فلاحو أراضى الأوقاف فى 13 فبراير 2011 مظاهرة أخرى بالقاهرة أمام مبنى مجلس الوزراء ضمت مشاركين من محافظات الدقهلية والغربية والإسكندرية حيث أخطروا رئيس الوزراء وممثل القوات المسلحة بمطالبهم كاملة.
عموما كان أداء الفلاحين فى معظم هذه الاحتجاجات أداء قويا وينم عن بأس شديد وعزيمة وحكمة واضحة.
– لقد بدأ معظم الفلاحين فى التحرك بعد 11 فبراير 2011 وبطريقتهم الخاصة فمن كانت لهم أرض مغتصبة استردوها أو استعادوا المتاح منها؛ ومن هوجموا بالسلاح فى أراضيهم ردوا بعنف ، ومن عوملوا بخشونة أثناء احتجاجهم أوقفوا الخشونة بندية واضحة ؛ ومن أرادوا إخطار الجميع بعدالة قضيتهم كان زئيرهم مرعبا يخلع القلوب؛ وفى كل الحالات أعلنوا مطالبهم بجسارة .
الجيش يقطع المنحنى الصاعد لرد الفعل الفلاحى :
– لقد ظل منحنى الاحتجاجات صاعدا وقويا حتى أوقفه المجلس العسكرى ووزارة شرف بقرار يُجرّم الاحتجاجات الفئوية.. وللأسف ففيما بعد وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة – وبعد أن أعيد ترميم قوات الشرطة- تم طرد كثير من الفلاحين الذبن استردوا أراضيهم أثناء وفى أعقاب الثورة كما جرت مساومة البعض الآخر منهم على اقتسام الأرض .. واشتعلت جرائم حصار البعض الآخر بتقليع مزروعاتهم وحرقها وتسميمها وسرقة مواشيهم بل وتهديدهم بالقتل وكذا بتلفيق القضايا لهم ( بالنصب والاحتيال ، والبلطجة ، واغتصاب الحيازة ،والسرقة وغيرها )، ومن ناحية أخرى تدخلت بعض قوات الشرطة العسكرية فى تلك الصراعات .. التى دفعت ببعض الفلاحين للوقوف أمام المحاكم العسكرية ومعاقبتهم بالسجن خمس سنوات .. وقد عانوا بشدة حتى تمت تبرئتهم بعد عام .. كما يتضح في الآتى :
– داهم الجيش قريتين فى 22 مارس 2011 واحدة فى محافظة البحيرة ( العمرية ) والأخرى فى شرق الإسكندرية ( حوض 13 بالمعمورة ) وقبض بشكل عشوائى على 9 مواطنين وقدمهم لمحاكمات عسكرية عاجلة انتهت بمعاقبة ثمانية منهم بالسجن 5 سنوات وتذمر الفلاحون لأنهم المعتدَى عليهم أصلا بل و دائما ، ولم يتح لمحامييهم مهمة الدفاع أو حتى دخول قاعة المحاكمة التى كانت تعقد فى سجن الحضرة بالإسكندرية ؛ باختصار لم يخضعوا لمحاكمة طبيعية عادلة يقدمون فيها دفوعهم ؛ بينما كان بعضهم قادما لتوه من عمله ولم يشارك فى أية مواجهات أو احتجاجات ، وكان البعض خارج مصر كلها فى توقيت الواقعة ، والثالث فى دوام عمل ، والرابع يعمل خفيرا نظاميا ولا يخضع قانونا لمثل هذا النوع من المحاكمات، وقد حوسب الجميع على مخالفات لم يرتكبوها ووقائع لم يكونوا موجودين فيها بل ولا يوجد شاهد واحد يمكنه التأكيد على وجودهم خصوصا وأن الآلاف من الفلاحين هرعوا من كل القرى المجاورة إلى مكان الواقعة لنجدتهم وقت مغيب الشمس.
– خلاصة القول أن هذه المداهمات تركت شعورا مغايرا لدى الفلاحين عن القوات المسلحة غير ما تراكم لديهم عنها طيلة أيام الثورة وأصبحوا فى حيرة من أمرهم .. كيف يستردون حقوقهم من ناحية ؟ وكيف يتجنبون أو يردون العدوان عن أبنائهم من ناحية أخرى؟!
تنظيمات الفلاحين بعد الثورة :
وهنا نأتى لعدد من المحاولات التى جرت فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 التى شرعت فى فى بناء تلك التنظيمات.. وموجزها كالآتى :
1-أولها وأكبرها وأشهرها كانت النقابة العامة للفلاحين التى لعبت وزارة الزراعة الدور الأبرز فى تأسيسها وإن اختفت وراء ستار حيث كان وزير الزراعة ( أيمن أبو حديد ) عضوا فيها ورئيسا للجنة الشئون الخارجية بها (ضمت سكرتيرته وأحد مساعديه ) ، ولكى تحشد الفلاحين لها قامت بتسهيل حصول النقابة على مساحة من الأرض فى محافظة البحيرة من خلال إحدى الشركات الخاصة بتجارة الأراضى المستصلحة .. ولا نعرف كيف تم دفع مقدم ثمنها للشركة وكيف سمحت بذلك الهيئة العامة للمشروعات والتنمية الزراعية (وهى الإسم الجديد لهيئة استصلاح الأراضى التابعة لوزارة الزراعة ) أو كيف أغمضت العين عن ذلك بينما إعلانات النقابة تملأ الصحف عن بيع الأرض بثمن مغرى للفلاحين وتحصل منهم مقدم الثمن شرط الانضمام للنقابة.
وفجأة توفى رئيسها محمد عبد القادر فى حادث سير وضاعت أوراقه وما كان معه من أموال. وتداعت الأمور داخل النقابة وتتابعت الشكاوى من بعض قادتها ومن الفلاحين المخدوعين وحققت النيابة واشتعل صراع الخلافة على الرئاسة وانتهى الأمر بانشقاق بعض أعضائها وتكوين نقابة أخرى فى سبتمبر 2013 تحت اسم نقابة الفلاحين والمنتجين الزراعيين.. وخلّف ذلك عددا من الصراعات النقابية والقضائية تتعلق بمخالفات مالية بشأن أموال الفلاحين التى دُفِعت كمقدم للأرض الموعودة .. وبمناصب النقابة.
هذا وكانت النقابة العامة للفلاحين تجمع فى عضويتها بين فقراء وصغار الفلاحين وبين تجار مستلزمات الزراعة ومقرضى الفلاحين والرأسماليين الزراعيين.
لقد أسفر ذلك الوضع – علاوة على الصراعات على خلافة الرئيس الراحل وتحقيقات النيابة بشأن أموال الفلاحين – عن انسحابات هائلة لأعضائها وفضيحة لوزير الزراعة ( عضو النقابة ومؤسسها الفعلى ) وانشقاق لبعض قادتها وأعضائها.
2-اتحاد الفلاحين المصريين : وهو من حيث تشكيله القيادى يعد امتدادا لاتحاد الفلاحين السابق ذى الصلات العضوية بحزب التجمع .. الذى تأسس فى ثمانينات القرن الماضى وكان يضم كثيرا من القيادات الفلاحية المعروفة على النطاق القومى وتواجد فى كثير من المحافظات الزراعية إلا أنه وبكل أسف انهار فى أكتوبر 1997 إبان تطبيق القانون 96 / 1992 حيث احتشد بمقره وحوله آلاف الفلاحين الراغبين فى الخروج من أزمة تطبيق قانون الإيجارات إلا أن فشل التوصل لحل كان القشة التى قصمت ظهر البعير خصوصا وأن الفترة بين صدور القانون المذكور وتطبيقه- 5 سنوات – قد تم إهدارها وكانت كفيلة بخلق معارضة فلاحية حقيقية للقانون. هذا وقد تعرض الاتحاد الجديد لانشقاق طولى فى إبريل 2014 أسفر عن اتحاد آخر تحت مسمى ” إتحاد الفلاحين والبدو ” يعمل تقريبا فى نفس النطاق الجغرافى.. ويتبنى معظم سياسات الاتحاد الأم.
3-إتحاد صغار المزارعين : ومركزنشاطه محافظة البحيرة ومقره بإحدى قرى مركز وادى النطرون وله تواجد فى عدد من المحافظات . وقد أسهم فى دعم ظهوره مركز الأرض لحقوق الإنسان واتخذ له مقرا مؤقتا بالمركز.
4-نقابة الفلاحين والمنتجين الزراعيين : وهى انشقاق عن النقابة العامة للفلاحين وتفيد بتواجدها فى عشر محافظات وتكتنف معاييرعضويتها مشكلات عميقة ( حيث تجمع بين فقراء وصغار الفلاحين وبين الرأسماليين الزراعيين الذبن وصفتهم بالمستثمرين المنتجين) وعلى ما يبدو أنها سمة خِلْقية تسربت لها من النقابة العامة للفلاحين .
5-اتحاد الفلاحين والبدو: وهو انشقاق عن اتحاد الفلاحين المصريين ، وعلى مايبدو أن هناك عددا من الأسباب وراء انشقاقهم أحدها هو الصراع على خلافة رئيس الاتحاد السابق.علما بأنه الوحيد من النقابات الفلاحية الخمسة الذى لم يتم إشهاره.
هذا ومن خلال لقاءاتنا بعدد من ممثلى النقابات الخمسة تبينا الآتى :
•تباين التقدير حول عدد من القضايا المحورية داخل كل تنظيم وبين التنظيمات الخمسة منها ما يتعلق بمعايير العضوية؛ وأهمية الوعى السياسى والنقابى؛ وطريقة بناء النقابة ؛ والتحالفات السياسية.. إلخ.
ففى شروط العضوية يبرز خلاف داخل اتحاد الفلاحين المصريين بشان حيازة العضو (بين 5 أفدنة على الأكثر وبين أن الحيازة مفتوحة )، أما النقابة العامة للفلاحين فتجمع فى عضويتها بين فقراء الفلاحين وبين تجار الأسمدة ومقرضى الفلاحين والرأسمالية الزراعية ، وعلى نفس المسار تجمع نقابة الفلاحين والمنتجين الزراعيين فى عضويتها بين فقراء وصغار الفلاحين والمهنيين من المهندسين الزراعيين والرأسمالية الزراعية وتسميهم بالمستثمرين المنتجين.
•أما فى بناء النقابة فقد أكدت 4 منها أنه يتم من أعلى لأسفل بينما الخامس يقول بالبناء من أسفل . وهو ما يعنى أن أغلبية تلك النقابات ترتكب نفس الأخطاء التى عانت منها كثير من النقابات المستقلة التى ظهرت بعد الثورة وكذلك نفس الخطأ الذى ارتكبه إتحاد الفلاحين القديم .
•علاوة على أنها جميعا لا تملك برامج نقابية للعمل بل ولا حتى نقاطا برنامجية تمثل مؤشرا على توجهاتها الحقيقية.
•وبالاستفسار من أفرد النقابات الخمسة عن أطراف عملية التغيير المطلوب فى المجتمع ومع من يكون التعاون أو التحالف من بين الأطراف الأربعة التالية: ( الفلاحين ، المناصرين لهم ، النخب ، الدولة ) أفادت أغلبيتهم بأن الأطراف هم ( الجميع ) ومن ضمنهم الدولة وهو ما يعنى جوهر الملاحظات التالية:
1–ضعف الوعى السياسى والنقابى والاستجابة للمشكلات العاجلة للأغلبية الساحقة من أفرادها ، وعدم إدراك البعض للتفريق بين الوعى السياسى والعمل السياسى ؛أو الحدود الفاصلة بين النقابى والسياسى، أو تصور القوة النقابية فى عدد العضوية فقط دون اتساق نسيجها ووحدة أفكارها وقدرتها على المبادرة واقتحام المشكلات والعقبات التى تقابلها، وهزال الاستجابة لاستغاثات الفلاحين المواجهين بالطرد من أراضيهم.
2-عدم وضوح مهمات كل نقابة لدى ممثليها بل وتضاربها فى بعض الأحيان..
3-ضعف الأفكار والخبرة التنظيمية لدى أفرادها ، وضبابية شروط عضوية النقابة التى وصلت إلى حد الخلط بين النقابة والجمعية الخيرية فى بعض الأحيان، وبين نقابة لصغار وفقراء الفلاحين ونقابة للعاملين فى المجال الزراعى بكل ما يكتنف ذلك الخلط من مخاطر داهمة فى أحيان أخرى .
4-عدم التطرق لأية قضايا ذات طبيعة عملية – على الأقل – من زاوية التناول وليس التطبيق ، علاوة على ضعف الإلمام بإشكاليات الزراعة الرئيسية وقوانينها وذلك مرتبط عموما بثقافتهم العامة وبالتالى بوعيهم .
5-ونرى أن وعيهم السياسى وحداثة عهد الأغلبية منهم بالعمل النقابى وتواضع المستوى الثقافى يفسران تلك المآخذ دون مبالغة أو تهوين.
ولذا نسأل هل بعد هذا الحوار مع قيادات النقابات الفلاحية الخمس يمكن أن نستغرب لماذا لم يشارك الفلاحون فى الثورة..؟
ما العمل؟!
– الفلاحون يترقبون بريبة وحذر.. فالآمال عريضة والمطالب شتى والشكوك التى تمور فى الصدور متعددة.. ورغم أن يقينا غيبيا يساورهم بأن الغلبة فى النهاية ستكون للحق ..أى لهم ؛ ويسعى البعض المحدود منهم لأن يصير هذا اليقين الغيبى شيئا ملموسا ومرئيا تجرى صناعته بأيديهم.
لقد وقعت المشاهد السابقة اعتبارا من 28 يناير 2011 وحتى شهر مارس 2011 رغم أن معظم هؤلاء لم يشاركوا فى أحداث ثورة 25 يناير 2011 وشاهدها أغلبهم على شاشات الفضائيات؛ وهو ما تكرر فى ثورة 30 يونيو 2013 وإن كان من شارك فيها من القرى هم الشباب والمهنيون بينما ظل الفلاحون بعيدين عنها حتى النهاية.
تقديم الدعم الممكن للفلاحين وتجاوز المعوقات الراهنة :
عادة لا يقدم مثل هذا الدعم إلا العناصر والمجموعات التى تهتم بمستقبل الزراعة والفلاحين من عدد من المفكرين وقلة من السياسيين وبعض من العلماء والبحاثة الذين تتجاوز مواقفهم العملية ورؤاهم الفكرية والسياسية حدود المصالح الضيقة للأفراد والفئات المالكة والأطر الأكاديمية المتكلسة.
أ-على المستوى السياسى والفكرى:
•كشف أكذوبة هيكلة الزراعة وادعاء أنها ” تحقق مصالح الزراعة المصرية ” حيث الوقائع ونتائج تطبيق تلك السياسة على مدى ثلاثة عقود ونصف تقطع بأنها لم تستهدف سوى إلقاء مصر فى أحضان التبعية لدول الليبرالية الجديدة المحافظة وتخريب الزراعة.
•ولا تعمل إلا لصالح رجالات الدولة وكبار رجال الأعمال والمستثمرين وكبار الزراع وملاك الأرض سواء فيما يتعلق بالسيطرة على الأرض الجديدة وعلى الهيئة القائمة بإدارة عمليات الاستصلاح والتوزيع [ الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية ] ، واغتصاب أراضى الإصلاح الزراعى وأراضى الأوقاف وأراضى البدو وأراضى حواف الوادى وأراضى الدولة ووضع اليد .. وإبدال سياسة الاكتفاء الذاتى من الغذاء بسياسة ” إعادة التصدير مع استيراد الغذاء” .
•فضلاعن القضاء على زراعة أهم المحاصيل النقدية الكبرى وهو القطن وانهيار ما يرتبط به من صناعات ، وحصار زراع محصول الأرز بمنع زراعته فى بعض المحافظات لخفض المعروض منه فى السوق المحلى عن المطلوب.. لفتح الباب أمام المستوردين للتربح على حساب زراعه ومستهلكيه.
•حقيقة دور الفلاحين العاملين بأيديهم فى الأرض ( عمال، فقراء وصغار فلاحين ) فى استقرار المجتمع منذ بدء التاريخ وفى إعطاء مصر اسمها وحمايتها من الغزو الخارجى .
وكيف أن الفلاح هو أهم عناصر النشاط الإنسانى فى مجمل التاريخ المصرى لأنه أداة هذا النشاط وموضوعه.. فهو منتج الغذاء وكثير من الخيرات والحاجات الأساسية للحياة ؛ وغيابه أو تدهوره يعصف بجملة الإنتاج الزراعى ؛ ولأنه إنسان وفرد فى المجتمع فهو فى نفس الوقت أحد أهداف ذلك الإنتاج .
•وأن كافة الدعاوى التى تسعى للقضاء على نمط الإنتاج الفلاحى الصغير بصفته النمط الغالب فى الريف المصرى هى دعاوى عنصرية وطبقية وفاشية مستقاة من آراء مفكرين مثل مالتوس ونيتشه وسياسيين مثل هتلر وموسولينى وامتداداتهم المتنوعة المعاصرة.
•وأن العالم- على العكس من تلك الدعاوى والادعاءات المغلوطة- يزخر بغذاء يكفى ضعف سكانه – كما أكد جون زيجلر رئيس برنامج الغذاء العالمى فى الأمم المتحدة عام 2005 – ولكن توزيعَه – على قارات العالم ودوله .. وعلى الفئات الاجتماعية داخل كل دولة – توزيعٌ غير عادل وهو منبع دائم لكل الأزمات المرتبطة به وللمجاعات التى تجتاح كثيرا من المناطق فى العالم.
•أن الليبرالية الجديدة المحافظة تمثل القيادة الفكرية والتنفيذية لهذه السياسات على النطاق العالمى ؛ ويقوم بتنفيذها فى المجال المالى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى للإنشاء والتعمير والمنظمة العالمية للتجارة ؛ وينفذها على المستوى الاقتصادى فى مجال الزراعة نوعان من الشركات العولمية الكبرى الأول يختص بإنتاج وتسويق الحاصلات الزراعية والثانى يختص بإنتاج وتسويق مستلزمات الزراعة .
•وإبراز الأهمية الفائقة لدور الإشراف والإرشاد والتعاون الزراعى فى تثقيف الفلاحين وتوعيتهم ورفع كفاءتهم المهنية لأنه بدونها يستحيل على الفلاحين فهم التطورات المتلاحقة فى الميدان المهنى والتكنولوجى للزراعة ناهيك عن إمكانية اللحاق بها.
ب-على المستوى الفنى والعملى :
من المتعارف عليه أن عملية تقديم الدعم الفنى والعملى فى مجال الزراعة لا يقتصرعلى الأمور المادية مثل أساليب وطرق الزراعة والرى ومقاومة الآفات ونشرالسلالات الجديدة وتصنيع الأسمدة العضوية والأعلاف بل يتطرق الدعم أيضا إلى وضع عمليات التثقيف الفنى والقانونى والنقابى موضع التنفيذ .. لذا يتطلب الأمر :
•ابتكار أوالبحث عن أساليب وطرق تساهم فى إنعاش وتنشيط نمط الإنتاج الفلاحى الصغير بتخفيض تكلفة الزراعة ورفع مداخيل الفلاحين وتوفير تكنولوجيا بسيطة ملائمة للبيئة ؛ والعمل على تعميم طرق زراعة جديدة وسلالات نباتية وحيوانية عالية الإنتاج مقاومة للظروف البيئية السيئة وللأمراض وذات احتياجات مائية محدودة؛ والعودة لنظام التجميع الزراعى لتلافى سلبيات الحيازات الصغيرة وتفتت الملكية.
•ابتكار أفكاروأساليب وطرق جديدة لإنتاج الأسمدة العضوية والأعلاف وتعميم نشرها والاستفادة من مخلفات المزارع والمذابح والمضارب والمطاعم ومصايد الأسماك فى تصنيعها على نطاق واسع.
•التنقيب عن رءوس أموال الجمعيات التعاونية التى استولى عليها بنك التسليف ثم بنوك القرى فى وقت سابق والبحث عن سبل عملية لاستعادتها مع قصر توظيفها على الزراعة، وإعادة النظر فى فوائد القروض الزراعية على ضوء تكلفة الزراعة وأسعار حاصلات ومنتجات الزراعة وصافى دخول الفلاحين منها .
•التدقيق فى بحث الأسس والكيفية التى يتم بها تحديد أسعار إيجارات الأراضى و الحد الأدنى لمدة عقد الإيجار بما يحقق التوازن بين أطراف عملية التأجير ( الفلاح ، صالح الزراعة المصرية ، مالك الأرض ).. والتأكيد على المقولة السابق الإشارة إليها ( الأرض الزراعية ذات وظيفة اجتماعية بصرف عن الشكل القانونى لملكيتها على نطاق المجتمع )
•الشروع فى تثقيف الفلاحين فنيا وقانونيا ونقابيا ونشر فلسفة التعاون والإرشاد والائتمان الزراعى ؛ والبحث عن صيغ جديدة تحل محل الطبعة الحكومية منها وعلى سبيل المثال أن ( فكرة التعاونيات تأسست أصلا لمن يزرع الأرض وليس لمن يملكها ) ومثال آخر( أن مصادرة الأرض الزراعية لاستيفاء ديون الفلاحين المتأخرة هو إجراء يعادى فكرة التعاون ويجب أن يستبدل باستيفائها من المحصول) ، مع إبراز أهمية ذلك فى استفادة وسيطرة الفلاحين- وليس الموظفين – على التعاونيات بكل أنواعها وعلى نشاطها بما يعيد مئات الألوف منهم إليها خصوصا من أبعدوا- بالمخالفة للقانون- إلى نقابات عمال الزراعة وهو ما يساعدهم فى الحصول على مستلزمات الإنتاج الزراعى منها ويحاصر الفساد داخلها.
ج- على المستوى التنظيمى:
• تأسيس 3 أنواع من الأشكال التنظيمية :
أولها : ابتداع شكل تنظيمى يعنَى بنشر الأفكار الخاصة بدور الفلاحين فى استقرار المجتمع المصرى ..
والثانى : نقابى يخص الفلاحين الفقراء والصغار مع مراعاة أهم شروط بناء التنظيم الفلاحى المتمثلة فى :
1-حد أدنى من الوعى النقابى.
2-وتحديد عدد من المهام العملية قيد التنفيذ .
3-وبدء البناء من القاعدة فى اتجاه القمة ومن الجزء نحو الكل.
وذلك لتجنب القفز على المعطيات الفعلية لوعى الفلاحين وخبرتهم.
والثالث: يخص داعميهم من النشطاء والسياسيين والمفكرين والأكاديميين المهمومين بالمسألة الفلاحية.. مع إيجاد صلة مباشرة بين الأشكال الثلاثة للتنسيق وتبادل الخبرة والمعرفة.
وفى هذا الصدد ننوه لملاحظة بالغة الأهمية حيث يعانى الفلاحون من ضعف دعم النشطاء والمناصرين لهم نظرا لقلة أعدادهم وخصوصا بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو وهو ما يثير الدهشة حيث من المفترض أن يكون العكس هو الصحيح .
•ربط التضامن الفلاحى الدولى والإقليمى بالنضال المحلى:
باعتباره رافدا هاما لمواجهة هجوم الليبرالية الجديدة على الفلاحين فى كل دول العالم ومنسقا لنضالاتهم كما يُعَد أحد تجليات التماسك التنظيمى للفلاحين المنخرطين فى هذه الأشكال.
خاتمة:
لن يتأتى ذلك دون كبح جماح انفراد السياسات العامة بتوجيه المجتمع وكذا السياسات الزراعية السارية وتنقية المنظومة القانونية من كل ما يدعم تلك السياسات والإصرار والعمل على تفعيل الدستور، والسعى الحثيث لمواجهة التبعية للخارج ووقف نشاط الشركات متعددة الجنسية العاملة فى مجال إنتاج وتجارة مستلزمات الزراعة سعيا للاستقلال عنها.
مع الوضع فى الاعتبارضرورة استعادة تشغيل التى توقفت أو تمت خصخصتها – وتحولت إلى خرائب – بأية وسيلة فالصناعة قاطرة الاقتصاد وتصنيع الريف ضرورة حتمية لتضييق الفارق بين المدينة والقرية وهو السبيل لامتصاص البطالة السافرة والمقنعة فى الريف والوسيلة لتجاوز محنة ما يسمى بالإسكان الريفى التى تفاقمت وتنذر بتفجرات وشيكة .
الثلاثاء 19 ديسمبر 2017 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر