عن التفجرات الاحتجاجية فى مصر: النخب السياسية المعارضة.. والعمل المشترك.. وخلط الأوراق
تدور فى السنوات الأخيرة بين أفراد النخب السياسية المصرية المعارضة أحاديث شتى- خافتة وعالية الصوت- حول ما أصاب الحركة السياسية المعارضة من تشرذم وتبعثر، وازدادت تلك الأحاديث حدة واتساعا بعد اندلاع سلسلة التفجرات الاحتجاجية المتتالية فى صفوف الفقراء عمالا وفلاحين ومهنيين وفئات أخرى .. والتى تمنى الكثيرون فى تلك النخب أن تكون الاحتجاجات رافعة حقيقية واداة فعالة لربطهم بها بغرض بعث نهضة سياسية واجتماعية جديدة.
ولأن ذلك لم يتحقق فقد بدا معظم تلك الأحاديث مكرورا عديم الجدوى، بل وقارب- فى كثير من أبعاده – من الوصول إلى حد العقدة النفسية مستعصية الحل، وأفضى إلى إشاعة حالة من الإحباط والقنوط المكتوم حتى وإن اعترضها بين الحين والآخر حدث جلل.. ( كارثة أو عدوان أو محرقة) ورد فعل شعبى.
ويزيد الطين بلة .. والعقدة استعصاء على الحل والأحاديث علوا وجلبة.. ذلك المستوى المحدود لردود الأفعال الجماهيرية إزاء أحداث كبرى كالتى تحدث فى فلسطين- منذ نهايات ديسمبر 2008 وحتى الآن- مقارنا بما اندلع من حركة احتجاجية عالمية ضد ذلك العدوان البربرى وبردود أفعال لبعض أنظمة الحكم فى أمريكا اللاتينية بطرد سفراء إسرائيل وقطع العلاقات الديبلوماسية معها.
ولنضرب مثلا لتوضيح القضية أكثر :
· يبدأ السياسيون المصريون المعارضون – أحزاب ومجموعات ومنظمات مجتمع مدنى وأفراد- تضامنهم مع التفجرات الشعبية الاحتجاجية بإصدار بيان يدين السلطة الحاكمة فى قمعها لها سواء كانت تتعلق بأوضاع اجتماعية محلية أو بقضايا قومية أو سياسية أخرى ( أو بتشكيل هيئة أو لجنة تتسمى باسم ذلك الاحتجاج ) ويبدو الأمر لكثير من المراقبين – للوهلة الأولى- موقفا سياسيا موحدا.
· ولأن الأمر لا يجب أن يتوقف عند حد إصدار البيان ( أو تشكيل الهيئة أو اللجنة) ويتطلب متابعة عملية ممن اتخذوا ذلك الموقف المشترك بهدف دفعه للأمام وتحويله من مجرد تسجيل موقف ( واحتجاج على القمع السلطوى وتأييد للاحتجاج الشعبى) إلى مسار عملى ضد الاستبداد أو ضد التفريط فى الثوابت الوطنية أو ضد تواطؤ على إبادة شعب شقيق أوضد تبرئة لمتنفذ فاسد إلخ .. بما يعنى حفر مجرى لذلك المسار يتسع ويتعمّق ليستوعب العديد من الاحتجاجات التالية ويحولها لقوة متصاعدة التأثير تزيح أمامها الكثير من السياسات القمعية أو تضعف مفعولها بالتالى.
· كما يتطلب أن يسعى هؤلاء السياسيون بدأب للحم الجهود التى يبذلونها لتبلغ مستوى يصنع من هذا المسار أداة جاذبة لمزيد من المحتجين .. تقوّيهم وتحميهم من ناحية.. وتكتسب فى نفس الوقت منهم عناصر الحيوية والاستمرار والتطورمن ناحية أخرى .
هذا ما يبدو للوهلة الأولى فور إصدار البيان – أو تشكيل الهيئة أو اللجنة- وما يتم توقعه من متابعة لتحقيق تأثيره المرجو وأيضا لاستمرار ذلك التأثير.
لكن ما يبدو ويُتَوقع شىء .. وواقع الحال اللاحق شئ آخر.. كيف؟!
من المعروف أن قوى المعارضة السياسية فى أى مجتمع تتوزع على أكثر من اتجاه وتيار سواء من حيث التوجه السياسى أو المنابع الفكرية أو الممارسة العملية، وفى حالتنا هذه فإن السياسيين المعارضين مصدرى البيان ( أو مؤسسى الهيئة أو اللجنة) لا يتمسكون حتى النهاية – كما هو مفترض- بتطوير موقفهم المشترك الذى اتخذوه والذى تمثل فى إدانة القمع وتأييد الاحتجاج الشعبى بل عادة ما تقوم الأغلبية الساحقة منهم بالآتى:
1- العودة الفورية لمنطلقاتهم السياسية والفكرية وتفسير الموقف المشترك الذى تم اتخاذه تفسيرات ضيقة تبتعد به عن وجهته أو عن مساره الذى قطعته أولى خطواتهم نحوه علاوة على رغبتهم فى فرض توجهاتهم وأساليب عملهم عليه.
2- واستنادا إلى مواقفهم السياسية والفكرية المسبقة يغلّبون الصلة التى تشدهم إلى هيئاتهم- الحزبية أو السياسية أو الفكرية- على الهدف الذى أنشأه ذلك الموقف المشترك وعلى الصلات العملية أو الكفاحية الجديدة التى تنتظر تطويرها وعلى التوافق المفترض بين المشاركين لتسييردولاب العمل اليومى فيه .
3- كما لا يبحثون إلا عن ذواتهم وأدوارهم فى قيادة ذلك الموقف المشترك أكثر من بحثهم عن الوجه