تقرير إخباري عن التحركات الفلاحية في مصر خلال السنوات الأخيرة

 

 
اجتاحت المجتمع المصري في السبع سنوات المنصرمة موجة من الاحتجاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مثلت مؤشرات جديدة على ما يعتمل داخل الكثير من الفئات والطبقات والاجتماعية من تغيرات في المزاج الشعبي واعتراض على السياسات الرسمية بشكل عام والمتعلقة منها بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بشكل خاص.
كانت باكورة تلك الاحتجاجات سياسية ارتبطت بعدد من الأحداث المحلية والخارجية منها:
1-   التعاطف الشعبي العارم مع الشعب الفلسطيني في انتفاضته الثانية في سبتمبر عام 2000… الذي تطور فيما بعد إلى اعتراض على موقف الدولة المعرقل لعمليات الدعم الشعبي السياسي والاقتصادي للإنتفاضة وفي هذا الشأن شكلت اللجنة الشعبية المصرية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ( تشكلت فى18 محافظة) وغيرها من اللجان الخاصة بمقاطعة العدو الصهيوني والأمريكي والتضامن مع الشعبين العراقي واللبناني- شكلت اللجنة الشعبية بؤرة النشاط الداعم للإنتفاضة.
وفيما بعد عام 2004 شكل الكثير من الناشطين فيها مركز الاحتجاج على السياسات الحكومية المناوئة لأي تحرك شعبي مستقل أو معارض للسياسات الرسمية.
2-   ردود الأفعال الشعبية لأحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة والتي ارتبطت ضمنا بالاعتراض على مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي نشرته وعممته الولايات المتحدة على دول المنطقة.
3-   ردود الأفعال الشعبية لغزو العراق (2003) والدور المتخاذل للنظام المصري الحاكم إزاءها والتي لمسته الجماهير بشكل مباشر.
4-   ردود أفعال النخب السياسية والمثقفين ضد مراوغة النظام الحاكم فى عملية الإصلاح السياسي وإزاء التعديلات الدستورية ونظم الإنتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية بالرغم من هرولته فى نفس الوقت نحو عمليات الإصلاح الاقتصادي التي بدت حمقاء وغير محسوبة (بيع شركات ومصانع القطاع العام الصناعي، وعمليات المعاش المبكر لعماله وموظفيه.. إلخ).
5-   ردود الأفعال الجماهيرية إزاء موقف النظام الحاكم إبان الإنتخابات التشريعية (2005) والتي أكدت للجميع (جماهير- نخب- مراقبين) إصرار النظام على سد طريق الإصلاح السياسي، فضلا عن ردود الأفعال الشعبية والنخبوية لعملية توريث الحكم باستخدام كل أدوات الفساد والقهر في إحكام قبضة رجال الأعمال والوريث المتوقع.. على مقاليد السلطة والثروة.
هذا وقد تطورت تلك الاحتجاجات السياسية إلى احتجاجات اقتصادية واجتماعية في الريف والحضر منها:
1– ردود الأفعال الجماهيرية بسبب مرض انفلوانزا الطيور وصعوبة الحصول على رغيف الخبزوإزاء موقف النظام الحاكم من أموال المعاشات للعمال والموظفين التي تم تسليمها لوزارة المالية والزج بها فى مكامن الخطر والتبديد.. مما أدى لتشكيل " لجنة الدفاع عن أموال التأمينات والمعاشات" ، فضلا عن ردود الأفعال إزاء شروع الدولة فى خصخصة التأمين الصحى لتحويل مواد وأدوية العلاج وأدواته وأجهزته ومستشفياته إلى القطاع الخاص رغم أحكام القضاء التى أبطلت وأدانت ذلك الشروع ، وكان ل "الجنة الشعبية للحق فى الصحة" قصب السبق فى النشاط الدعائى والعملى والقانونى ضد مشروع الخصخصة .
2- ردود الأفعال الجماهيرية فى أوساط الطبقة العاملة ( المحلة، شبين الكوم، كفر الدوار، المنصورة …إلج) ضد موقف الدولة من تسريح العمال والتضييق الشديد عليهم فيما يتصل بالأجور الهزيلة والأجر المتغير والوجبة الغذائية والحوافزونظم الإجازات والجزاءات فضلا عن الحق فى تأسيس تشكيل نقابى مستقل .
3- ردود الأفعال الجماهيرية فى أوساط جماهير المدن إزاء قيام الدولة ببيع أو تخصيص بعض الشركات الوطنية لهيئات أجنبية تعمل فى م
جال الكيماويات التى تشكل خطرا على صحة الإنسان والنبات والحيوان ( شركة أجريوم بدمياط ) وتشكيل لجنة محلية للدفاع عن مواطنى المدينة ضد الآثار القائمة والمتوقعة لنشاط هذه الشركات.
4- ردود الأفعال الجماهيرية إزاء أساليب العنف المستخدمة من الدولة ضد المواطنين فى الشوارع والمناطق العشوائية وأقسام الشرطة خصوصا ما يتعلق منها بالاحتجاجات على ارتفاع أسعار السلع الضرورية ومواد البناء وانهيار المساكن.
 5- ردود الأفعال الجماهيرية في الريف ضد موقف النظام الحاكم في طرد الفلاحين من الأرض (إصلاح زراعي – أوقاف- الأراضي المستصلحة القديمة والحديثة- أراضي وضع اليد) خصوصا الهيئة العامة للإصلاح الزراعى ووزارة الزراعة وقوات وأجهزة الشرطة وإطلاقه يد عصابات السطو المنظمة على الأراضي وورثة كبار الملاك السابقين (الإقطاعيين) في الاستيلاءعلى أو/ واسترداد الأرض، فضلا عن ردود الأفعال الخاصة برفع فائدة القروض الزراعية في بنوك القرى واختفاء بعض مستلزمات الانتاج الزراعي كالأسمدة ورفع الدعم عنها جميعا، وإصدار قانون الإيجارات الزراعية الجديد الذي أفضى لرفع إيجارات الأراضي ما بين 4- 6 اضعاف الإيجارات السابقة على صدوره وطرد المستأجرين غير القادرين على الوفاء بالقيمة الإيجارية، وسد الطريق على حق الفلاحين في تشكيل نقاباتهم المستقلة فضلا عن تدهور أسعار المنتجات الزراعية وارتفاع تكلفة الزراعة، وفوضى الانتاج الزراعي والقضاء على زراعة القطن.. وإصابة عدد من مدخلات الزراعة بضربات عنيفة كالصرف الزراعي ومياه الري.. إلخ.
باختصار تطورت الاحتجاجات السياسية إلى احتجاجات اقتصادية واجتماعية وتغير قوامها ليصبح أغلبه من جماهير البسطاء بدلا من النخب والمثقفين.
وبعد أن كانت الأحداث القومية والدولية هى محرك تلك الاحتجاجات صار الاعتراض على السياسات الاقتصادية والاجتماعية كارتفاع الأسعار واختفاء سلع الاستهلاك والإنتاج والمخاطر المحيطة بأموال التأمينات الاجتماعية والمعاشات وبمصيرالتأمين الصحى وتوجهات التعليم وتدهور مستواه وأساليب القهر البوليسى للمواطنين هو المحرك الرئيسى لأغلبها .. وهذا لا يعنى اختفاء الاحتجاجات ذات الطبيعة السياسية بقدر ما يعنى بروز نوع آخر من الاحتجاجات طابعه سياسى لكنه ذا طبيعة اقتصادية واجتماعية.
 
الاحتجاجات الفلاحية:
مقدمة:
في منتصف عام 2004 تحركت مجموعة مسلحة تابعة لأسرة المرحوم عزيز الفقي أحد ملاك الأراضي الإقطاعيين السابقين في المنوفية للإستيلاء بالقوة على مقر سابق لجمعية زراعية مبني على أرض تابعة للإصلاح الزراعي في قرية ميت شهالة مركز الشهداء.
تصدى لها الفلاحون وأعادوها من حيث أتت وقبضوا على بعض أفرادها (مسجل خطر هارب من حكم قضائي في قضية قتل بالجيزة) وعلى الأسلحة المستخدمة والذخيرة الحية والفارغة وسلموها للشرطة.
 تواطأت نيابة الاستئناف مع المعتدين وحولت الفلاحين الستة الشهود إلى متهمين.. والمعتدين من آل الفقي إلى مجني عليهم وقدمت الفلاحين للمحاكمة دون إخطارهم رسميا حيث حكم عليهم (غيابيا) بالحبس سنة والغرامة .
– وفي مارس 2005 تكررت واقعة مشابهة في عزبة سراندو مركز دمنهور بمحافظة البحيرة من جانب أسرة نوار الإقطاعية.. لكنها هذه المرة كانت بأعداد أكبر من المسلحين والعتاد والذخيرة.
جرت الأحداث بالاتفاق مع أجهزة أمن دمنهور التى قامت قواتها بتجريدة مباغتة في الثالثة من صباح الجمعة 4 مارس للقبض على قيادات القرية.. وفي السابعة صباحا عاجلتهم قوات نوار المدعومة بجيش من مطاريد أسيوط بهجوم مفاجئ حيث قامت بحرث حقول الفلاحين المزروعة بالقمح والبرسيم لتغيير معالمها والادعاء بقيام الفلاحين بذلك، وتحرير محضر شرطة بأنهم الحائزون عليها وليس الفلاحون.
 لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن جيش نوار.. فهب الفلاحون المتبقين في عزبة سراندو والعزب المجاورة.. وحولوا الجيش المعتدي إلى فلول مذعورة حيث قتل قائد المرتزقة وهرب بعضهم وقبض على البعض الآخر، وهنا اجتاحت – للمرة الثانية- قوات أمن دمنهور عزبة سراندو وحولتها إلى أطلال خالية من البشر والحيوانات والطيور ولم يتبق فيها سوى الكلاب والقطط، وهام من لم يقبض عل