ملا حظات أخيرة على مباراتى مصر والجزائر ( 3 – 3 ) : لو أنى أعرف خاتمتى .. ما كنت بدأت..!

نقلا عن الحوار المتمدن

بشير صقر
sakrbash@yahoo.com
الحوار المتمدن – العدد: 2849 – 2009 / 12 / 5
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع      
 
 
لماذا شاركنا فى الكتابة؟
 
منذ بدأ التراشق الإعلامى بين الجانبين المصرى والجزائرى.. كان الصوت الأعلى فى الجانبين للمهيجين والجهلة والمستفيدين والداعين لتصعيد الحملة وهواة الصيد فى الماء العكر، وبعد تفجر الأحداث ساهم عدد من المثقفين والعقلاء فى التحذير من مخاطر تصعيد الحملات المتبادلة.. إلا أن صوت المهيجين وعددهم كان أعلى بما لا يقاس.. والتقى مع مصالح ورغبات المحرضين الكبار.. فضلا عن أن اللغة التى استخدمها العقلاء والمثقفون لم تكن فى معظم الأحوال لغة العامة والسواد الأعظم من الشعبين، ناهيك عن أنها لم تتعامل مع الوقائع والأحداث المتفجرة بإعادة قراءتها بالطريقة التى يفهمها جمهور الكرة وبسطاء الناس.
 وقد دعانا هذا إلى المساهمة فى الكتابة بمناقشة الأحداث المتفجرة وبلفت النظرلأبعاد المأساة التى تلوح فى الأفق، كما سعيْنا لأن تكون مبسطة المعنى والكلمات حتى لا يعزف عنها قراء صفحات الرياضة والحوادث وأخبارالمجتمع ، كذلك أكدنا على كل ما حذر منه كثير من الكتاب العقلاء والمثقفين فى الجانبين.
من ناحية أخرى كان تركيزنا – فى المناقشة عموما – على الجانب المصرى أكثر من الجانب الجزائرى لسببين:
·   أنه كان الأجدر والأقدر على لجم المهيجين ودعاة التصعيد فى مصر، وعلى اتخاذ الاحتياطات التى تكبح أية إجراءات تصعيدية من الجانب الجزائرى بدلا من ترك الأمور فى أيدى مجموعة من الموظفين والفاسدين والجهلة وكذابى الزفة و أهمها اختيار مكان المباراة الفاصلة.
·        علاوة على أن المعلومات المتوافرة لدينا أغلبها مصرى.
ولعل فى التوضيحين [ لماذا شاركنا فى الكتابة ، والتركيز على الجانب المصرى ] .. إجابة على التساؤلات التى ساقها البعض عقب قراءتهم للمقالين السابقين.
 
تمهيد وإضافة:
 
بالعودة إلى الأحداث من بدايتها وتتبعنا لواقعة الاعتداء على سيارة البعثة الجزائرية يوم    12نوفمبر فور وصولها القاهرة.. ومغادرتها المطار.. نضيف الملاحظات التالية.. لما سبق أن رصدناه بشأنها:
·   أن سيارة تقل مندوبا من الفيفا ومصورين لقناة فضائية فرنسية كانت تسير خلف سيارة البعثة الجزائرية أو تتعقبها بمعنى أدق.
·        أن عملية الاعتداء ثم تصويرها.. ومشاهدتها لحظة بلحظة.. وقد أسفرت عن إصابة 3 لاعبين إصابات سطحية.
·   أن انفعال وزير الشباب الجزائري –رئيس البعثة وهو أحد ركاب سيارة اللاعبين- على السائق المصري كان بسبب تباطئه في السير رغم إلحاح اللاعبين عليه بالإسراع لتفادى قذف الحجارة عليهم.. مما أشعر الجميع بتواطئه مع الاعتداء عليهم ..على غير ما أفاد السائق في حديثة لبرنامج الفضائيات الثلاث (دريم- الحياة- مودرن سبورت) بعد وقوع الحادث.
·   أن استدعاء الجانب الجزائري لبقية أعضاء الفيفا –المتواجدين مصر آنذاك لمتابعة التحضير للمبارة- تم على وجه السرعة.. والاستجابة لذلك كانت أسرع.
·   أن نفي الجانب المصري لعملية الاعتداء على سيارة اللاعبين الجزائريين.. وتكذيبه للجانب الجزائري.. كان تكذيبا- فى الوقت نفسه- لمندوب الفيفا الذي كان شاهد عيان على الواقعة، كما كان تكذيبا للقناة الفضائية الفرنسية التي تملك الدليل القاطع الموثق.
·   أن عملية التحقيق التي أجرتها النيابة العامة للإعتداء قد اندرجت في خانة النفي  المصري لها.. بل ولقيت نفس المصير وهو ما كان يجب عدم توريط النيابة فيه.. حرصا على سمعتها.
·   أن إبلاغ رئيس إتحاد الكرة الجزائري لقناة الجزيرة الفضائية بالواقعة.. ونشر صور الاعتداء في كثير من الفضائيات الأجنبية قد أساء لسمعة اتحاد الكرة والمجلس القومى للرياضة في مصر ولمصداقيتهما ولسمعة مصر، وكان بمثابة هدية مهدت الأرض لتصديق العالم للجانب الجزائري في جملة الأحداث التي وقعت بعد ذلك أو على الأقل لترجيح وجهة نظره.. على عكس ما استقبل العالم به استغاثات الجانب المصرى في أعقاب إنتهاء المبارة الفاصلة، وهذا ما عرّض عددا من لاعبي مصر المحترفين في الخارج للوم والإدانة وعدم تصديق مايروونه عن أحداث أم درمان.
·   أن ضيق أفق المسئولين المصريين ذوي الصلة بالموضوع قد منعهم من الاعتراف بصحة العدوان على لاعبي الجزائر يوم 12 نوفمبر وتطييب خاطهم والاعتذار لهم.. إنتظارا لما سيسفر عنه قرار الفيفا- ونسوا أن مندوب الفيفا شاهد الواقعة، ومما زاد الطين بلة هو ما تم نشره بعد المبارة الثانية  كاعتراف ضمني بصحة الاعتداء.. ثم كاعتراف صريح ..لكن بعد قرار الفيفا بإدانة اتحاد الكرة المصري.
·   كتب فهمى هويدي (في جريدة الشروق المصرية 17/11) أن مصطفى الفقي عضو مجلس الشعب ذكر في اجتماع لجان الشباب والشئون العربية والأمن القومي بالمجلس ( أن من المحتمل أن يكون الذي ألقى الطوبة على سيارة لاعبي الجزائر.. شخص جزائري).
المغيبون:
 
·   وإذا كان العالم كله- ومن ضمنه المسئولون المصريون– متأكد من صدق القصة الجزائرية بشأن الاعتداء على لاعبي الجزائر عقب مغادرتهم مطار القاهرة متوجهين إلى  فندق إقامتهم.. وشاهدها على الفضائيات، فإن الجهة الوحيدة التي لم تعرف ذلك ولا تصدق الرواية الجزائرية بل وترى أنها افتراء– استنادا إلى ما روجته الفضائيات المصرية وإتحاد الكرة- هي الجماهير المصرية، فهي التي بلعت الطعم وصدقت الكذب واستجابت للشحن والتحريض واندفعت في الاحتجاج وطالبت بعد أحداث أم درمان برد الاعتبار، إنها الطرف الوحيد المضحوك عليه والذي ظُلم في هذا الأمر.. وليس الذنب ذنبه.
لقد تأكد لنا الآن أن ما كتبناه في مقال سابق بتاريخ 22/11 (ونشره موقع الحوار المتمدن يوم 25/11 )عن "السيناريو الأقرب إلى التصديق" .. هوالحقيقة التي أنكرها الإعلام المصري كله واتحاد الكرة والمجلس القومى للرياضة.. وأن هذه السقطة الفاضحة قد لعبت دور المفجر لأعصاب الجانب الجزائري وكانت سببا قانونيا و معنويا في تصديق العالم للروايات الجزائرية وتكذيب الروايات المصرية.. إلى أن تأتي واقعة أخرى تثبت العكس.
·   والحقيقة الثابتة في هذا الموضوع هي أن فضيلة الاعتراف بالحق غائبة عن المسئولين المصريين وعن الإعلام المصري، وأن استمراء الكذب عموما و على الشعب خصوصا بات خصلة متأصلة في سلوكهم اليومي المعتاد، وقد انعكس هذه المرة على سمعة مصر التي لوثها المسئولون
عن الإعلام والرياضة وكرة القدم، وهو ما مرغ كرامة مصر في الوحل بأكثر كثيرا مما حدث للجماهير المصرية  في السودان
.
 
فصــــول الأزمــــــة
 
الفصل الأول:
    ذكر لى ابنى (15 سنة) أنه سمع بأذنه أثناء مبارة القاهرة هتاف الجماهير الجزائرية للاعبيها " ون- تو- ثري/ فيفا الجيري" وردت الجماهير المصرية عليها بنفس الهتاف بعد تحويره إلى شتائم بذيئة " ون- تو- ثري / ؟؟؟؟ الجيري"..  ولم تكن شائعة الجثث الجزائرية في القاهرة قد انطلقت بعد، لكن الجماهير المصرية وفور انتهاء المبارة.. قامت بالاعتداء على سيارة اللاعبين مرة أخرى، وتعرضت سيارة جزائرية ديبلوماسية لاعتداء آخر أصاب جزائرييْن أحدهما ملحقهم العسكري فى مصر.. كما تعرض جزائريون آخرون مقيمون بالقاهرة لتحرشات من المصريين. لكن الأهم.. والأكثر غرابة هو ما حدث أمام مقهى وادي النيل بميدان التحرير بعد ساعات من انتهاء المبارة حيث قام الجمهور المصري بحرق العلم الجزائري.. بل وذكر بعضهم أنهم سيتوجهون للسفارة الجزائرية بحي الزمالك.
     كل ذلك حدث في القاهرة في أعقاب فوز الفريق المصري وقبل سريان شائعة التوابيت التي تضم جثثا لجزائريين.. واستنادا إلى شحن الفضائيات والصحافة المصرية وتكذيب واقعة الاعتداء على أوتوبيس البعثة الجزائرية قبل المباراة.
 
الفصل الثاني:
 
    وقد بدأ رد الفعل الجزائري-  للهزيمة والاعتداء على اللاعبين قبل المبارة وبعدها والاعتداء على الملحق العسكري الجزائري.. والتحرش بالجزائريين المقيمين بمصر وحرق العلم الجزائري في ميدان التحرير- بقصة التوابيت والجثث الجزائرية.. وتكهرب الجو.. وتتابعت الأحداث.. ولم يكن في مقدور الجانب الجزائري إلا الانتظار لموقعة أم درمان الفاصلة.. فخططوا لها جيدا وأداروها بحرفية شديدة استثمارا لحالة الفوضي التي يتوقعونها من الجانب المصري الذي بدأ في التحضير لمراسم الاحتفالات بالتأهل للمونديال منذ مساء 14 نوفمبر.
     أما الجماهير الجزائرية.. فلم تُطق الانتظار، ولأن الشحن الإعلامي لها قائم على قدم وساق لم تجد أمامها سوى المؤسسات المصرية والمصريين المقيمين هناك فدمروا المؤسسات وتحرشوا بالمصريين.. واعتدوا عليهم مما دفع كثيرا من المصريين لملازمة منازلهم.. بينما فضل بعضهم مغادرة الجزائر خلسة.
    إذن فما حدث في القاهرة قبل وأثناء وبعد المباراة، وما حدث في الجزائر بعد ذلك.. وشائعة الجثث الجزائرية التي انتشرت رغم تكذيبها المتأخر.. كانت هي النتائج المباشرة لشحن إعلامي منظم أو غير مسئول من الجانبين كما كانت افتقادا لانتماء حقيقي للوطن ومعاناة من قسوةالحياة.. وحرمانا من الثقة في المستقبل من جانب جماهيرالبلدين.. فضلا عن غياب تام لمعرفة وقائع  التاريخ المشترك للشعبين وإدراك معناه.
     والأهم من كل ذلك هو الرغبة المحمومة في استثمار مباراة للكرة في خلق التفاف جماهيري حول حكام مكروهين من الشعب في البلدين.
 لم يحدث ما حدث في القاهرة والجزائر والسودان من فراغ.. ولا عفو الخاطر ولا دون تخطيط.. لكن " الرياضة.. ومنها كرة القدم ".. لابد فيها من غالب ومغلوب.. فهناك من يخطط وينجح.. ومن يخطط ويفشل.
    هذا وقد صرح بعض من ذهبوا لأم درمان لقطف ثمار الشحن الجماهيري والظهور في الصورة بعد عودتهم قائلين " كان المفترض أن نرسل للجزائريين جماهير الدرجة الثالثة.. فهم أقدر منا على التعامل معهم" وكانت هذه "الدرة" "مسك" الختام للفصل الثاني من الأزمة.
    حيث أنهم لم يقصدوا أنهم أقدر على التشجيع ممن ذهبوا لأم درمان.. بل يقصدون أنهم أقدر على الصدام، إذن فالإستعانة بجمهور الدرجة الثالثة يكون للصدام والحماية والحراسة وليس للتشجيع.. إنها نبرة التعالي الملازمة لهم تجاه الشعب.
         والمسألة عندهم هي الثأر طالما لم نفز بالمباراة، هي مزيد من إشعار النار وتأجيجها.. وليس البحث عن أطفائها.
         وطالما فرض الصدام نفسه.. فالأدعى بالتضحية هم جمهور الدرجة الثالثة.
 
الفصل الثالث:
 
          وسيكون موضوعه " أسرى " الجانبين فى كل من الجزائر والقاهرة من الرعايا والمؤسسات الاقتصادية وغيرها.. وهو ما يستدعي عدم التسرع.. والانتظار حتى تتكشف نتائج الإتصالات الجارية وبالونات الاختبار التي يطلقها كل جانب في اتجاه الآخر.
 
إدارة الأزمــــــــــــــــــة
 
1-      بعد المبارة الأولى (14/11/2009):
 
وضح لكل المراقبين أن أزمة مصرية جزائرية قد تشكلت ملامحها.. وفي الطريق للتصاعد بعنف.. حيث تتوالى أحداثها وتتوالد من القاهرة والجزائر ساعة بعد الأخرى.
فسرت شائعة "القتلى الجزائريين" بسرعة البرق..، وتبعها الاعتداء على المؤسسات المصرية والعاملين المصريين في الجزائر.
وهكذا تلبدت السماء بالغيوم التي كانت تزداد اسودادا كلما مر الوقت، ورغم أن عمليات التدمير والنهب التي اجتاحت تلك المؤسسات المصرية كانت جزءا من المشكلة الرئيسية.. إلا أن كل المؤشرات تؤكد أنها ستصبح في الأيام التالية مشكلة مستقلة ثقيلة العبء والوزن.. قد تتجاوز في تداعياتها المشكلة الأصلية.
 
كيف تعاملت السلطات المصرية مع الأزمة المتصاعدة من الناحية السياسية والأمنية والجماهيرية؟!
 
1-   اكتفت السلطات المصرية بنفي شائعة القتلى الجزائريين بنفس الطريقة التي تم بها نفي واقعة الاعتداء على سيارة لاعبي الجزائر قبل المبارة الأولى واكتفت بإبلاغ السفير الجزائري في القاهرة بذلك.
2-   كما اكتفت بالصمت عما تواتر من أخبار رسمية ومن المصريين المقيميين في السودان عن أعداد كبيرة من الجزائريين تصل السودان تباعا طوال الفترة ما بين المباراتين.. وعن نوعيتهم وممارساتهم في شوارع أم درمان واستعراضهم لأعدادهم وقوتهم واستطلاع بعضهم للطرق الموصلة إلى ومن الإستاد والمطار فضلا عن شراء الأسلحة البيضاء ورفع الأعلام.. والطريقة التي ينفقون بها ما معهم من نقود.. إلخ.
3-   باستثناء بعض الأخبار النادرة في أجهزة الإعلام تم إبلاغ الشرطة السودانية عن اعتداء الجمهور الجزائري على سيارة الفريق المصري أثناء عودته من تدريب الجمعة 17/11.
هذا وقد ذكرت مصادر سودانية لبعض الإعلاميين المصريين وغيرهم ما ينتويه الجمهور الجزائري.. و حذروهم من حضور المباراة.
4-      الحشد للمبارة الفاصلة:
لم يتم من خلال جهة واحدة مسئولة تجمع خيوط العملية في يدها وتتحمل عبء عملية الإعاشة والحراسة والمواصلات وغيرها، بل تم ذلك من عدة جهات بالطريقة التي تراها كل منها.. كما لو أنها تعد لرحلة ترفيهية. وهو ما يعني أن هناك تجاهلا أو إهمالا لجملة ما ورد من أنباء وتحذيرات من السودان ومن السفارة المصرية والمصريين المقيمين هناك.
    ورغم الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء مع وزراء الخارجية والداخلية والطيران المدني قبل المباراة بساعات قليلة.. لم نجد ما يشير لاتخاذ إجراءات أمنية محددة أو إجراءات احترازية أو تحذيرات أو إرشادات بعينها للجمهور المصري.
    ولتوضيح كيف تم الحشد.. نجد أن تجمع الجمهور تحدد له ميدان التحرير الساعة الثالثة من فجر الأربعاء 18/11 ولم يبدأ التحرك إلا في السابعة صباحا إلى مطار القاهرة، إلى أن تمت مغادرة الأجواء المصرية في الثانية عشرظهرا والوصول للخرطوم في الثالثة عصرا، وملعب المبارة في الخامسة مساء.
وبإفتراض أن هؤلاء جميعا تحركوا من منازلهم في الثانية صباحا.. فيعني ذلك أنهم ظلوا بلا نوم حتى بدأت المبارة في السابعة والنصف (أي 17.5 ساعة).. فهل يمكن لهؤلاء أن يرفعوا هتافا واحدا لتشجيع فريقهم.. ناهيك عن نوعيتهم وإختلافهم عن جمهور الكرة الحقيقي.
    لقد فوجئت هذه الجماهير وهي في الطريق لملعب المباراة بتحرشات الجزائريين، ورغم ذلك لم ينتبه مسئول مصري واحد لما يمكن أن تتطور إليه الأمور بعد المبارة خصوصا وأن بعضهم لم يدخل الملعب.
    لقد تأكد لنا أن التقييم الرسمي لما يمكن أن يحدث في أم درمان استنادا إلى احتمالات نتيجة المباراة بالفوز أو بالخسارة يختلف تماما عما حدث.. وهو ما يعني فشلا سياسيا وأمنيا ذريعا لا تتحمل تبعته تلك النوعية من الجماهير التي تصورت أنها ذاهبة لنزهة.
    ولا يعفي القائمين على أمر هذه الجماهير من المسئولية تصورهم بأن هزيمة الفريق المصري كفيلة بوقف أية تحرشات لاحقة.
5-      في ملعب المبارة:
توارد الجمهور الجزائري على ملعب المبارة منذ الصباح بينما كان توافد الجماهير المصرية المرهقة بدءا من الساعة الثالثة عصرا وقد تخلفت أعداد منه عن مشاهدة المباراة رغم حصولها على التذاكرِ.. وتسببَ تدافع الجماهير الجزائرية بكثافة وقوة في إنهيار أحد أبواب مما دفع الكثير من الجزائريين للدخول واحتلال مساحات أكبر مما كان مخصصا لها في المدرجات، علاوة على أنها كانت مستريحة نظرا لتواجدها في أم درمان قبل موعد المباراة بفترة كافية ..وقد وضح ذلك جليا قبل بدء المبارة بساعة على الأقل.. لقد كانت الجماهير الجزائرية –شكلا وموضوعا وتعدادا- داعمة لفريقها بشكل قوي.
ومن ناحية أخرى تعمدت استفزاز الجمهور المصري بالإشارة والسباب.. وهو ما ظهر في بعض اللقطات التليفيزيونية عن المباراة، كما فعلت ذلك مع اللاعبيين المصريين قبيل وأثناء المباراة كلما اقترب أحدهم من جنبات الملعب.
ولا أعتقد أن ما أشيع.. ونقلته الفضائيات المصرية.. عن عزل اللاعبين المصريين طيلة وجودهم في أم درمان عما يحدث خارج مقر إقامتهم كان صحيحا.. حيث أن صورهم أثناء عزف السلام الوطني في الملعب كانت تشي بغير ذلك.
وانتهت المباراة بفوز الفريق الجزائري بهدف للاشئ أحرزه في نهاية الشوط الأول للمبارة . ورغم أن كل المقومات الفنية والمعنوية كانت مهيأة لفوز الفريق المصري في المبارةالفاصلة.. إلا أن الإدارة السياسية والأمنية وعملية الحشد الجماهيري قد بددت هذه المقومات وأفشلتها.. فقد كان الفريق المصري في حالة معنوية أفضل بكل المعايير من الفريق الجزائري بسبب انتصاره في مبارة القاهرة علاوة على اختفاء الفارق بينهما في النقاط والأهداف.. لكنه للأسف.. لم يجد التشجيع الكافي.. وحاصرته الحالة الحربية التي أحاطت بالمبارة ونالت من معنوياته وحميته.
ولا يعني هذا أن نتائج المباريات تحسب بالورقة والقلم.. وإنما يعني فشل الإدارة السياسية والأمنية.. الذي يقع على عاتق المسئولين المعنيين –وفشل عملية الحشد الجماهيري الذي يتحمل وزره اتحاد الكرة والمجلس القومى للرياضة معا.
وعلى العكس من ذلك تماما بالنسبة للفريق الجزائري حيث أسهمت الإدارة السياسية والأمنية وعملية الحشد الجماهيري في استنهاض الفريق من كبوته ورفع معنوياته إلى عنان السماء عندما أحاطته جماهيره الغفيرة في أم درمان منذ وصوله.. بل وشعر أثناء المبارة وكأنه يلعب في مدينة بليدة أو الجزائر.
6-      عودة الجماهير المصرية:
مثلما كانت خطة الجزائريين في دعم فريقها في التدريبات وأثناء المباراة متفوقة في كل شئ على تلقائية الجانب المصري.. وعملت على الحط من الروح المعنوية لللاعبين المصريين بكل الأساليب المشروعة وغير المشروعة… كانت أيضا متجاوزة لخطة التأمين السودانية للجماهير المصرية. لقد بقيت أعداد منها لم تدخل الملعب.. وأحاطت باستاد المبارة وفي الشوارع المتفرعة من طريق المطار لتقوم بعد انتهاء المبارة بعملية ترويع مدروسة للجماهير المصرية قوامها الشتائم والسباب والإهانة، والمطاردة والتهديد، والضرب بحرفية لا تؤدي للقتل إن كانت هناك مقاومة أو إذا أتيحت لها الفرصة.. هذا في حالة انتهاء المبارة بفوز الجزائر، أما لو فازت مصر فستكون هناك مذبحة حقيقية للجماهير المصرية.. وربما تطول اللاعبين أيضا.
لقد تم حرق الأعلام المصرية ووضعها تحت الأقدام.. ومطاردة كل من يحمل علما مصريا حتى ولو كان سودانيا، وكانت عملية الترويع كفيلة ببعثرة أعداد كبيرة من المصريين وانتشار الفوضى بسبب غياب الأوتوبيسات المخصصة لنقلهم والتي تم تكسيرها.. فتصرّف كل منهم بطريقته دون وجود مسئولين يقودونهم إلى المطار، وقد قضت أعداد منهم الليلة إما مختبئة في مطعم أو مؤسسة أو منزل أو حول السفارة المصرية أو في ساحة المطار أو داخل طائرة رابضة على الأرض لساعات.
كما قضت السلطات المصرية ممثلة في وزير الإعلام وبرنامج دائرة الضوء الليل بطوله في تلقي استغاثات المصريين وتجميعهم وإيصالهم للمطار بواسطة الأمن السواداني.
وهكذا لم تسقط ضحية واحدة من جمهوري مصر والجزائر الذي تجاوز الثلاثين ألف مشاهد وإن كانت هناك عشرات من المصابين المصريين بإصابات غير خطيرة لم تمكث منها بالمستشفيات سوى عشرين حالة، وهؤلاء لم يعانوا مع بقية المصريين من إصاباتهم قدر ما عانوا من الترويع الذي تعرضوا له.
لقد كانت العشوائية التخبط هي السمة البارزة لإدارة الأزمة في الجانب المصري منذ انتهاء مبارة القاهرة حتى العودة من أم درمان.. وزادتها الفوضى ارتباكا عقب المبارة الفاصلة.. على العكس من إدارة الجانب الجزائري الذي تصرف على أساس كل الاحتمالات الممكنة.. حيثقام بتعديل خططه عندما أعلنت السلطات السودانية عن إبقاء جماهير الفريق الفائز داخل الاستاد حتى تغادرجماهير الفريق الآخر،وأيقن أن مجموعات الجزائريين المتربصة خارج الاستاد وفي طريق المطار ربما لا تكفى لعملية ترويع المصريين فأرسلوا مددا سريعا أثناء سير المباراة .. ووصلت طائرة على متنها حوالي 450 جزائريا.. لدعم الكمائن وعمليات المطاردة.
 
مربط الفرس .. والأهداف البعيدة
الإعلام المصري.. واستئناف الشحن الجماهيري
 
ملاحظة لابد منها:
 
لم يختلف دور الاعلام الجزائري عن الإعلام المصري في صب الزيت على النار إلا في التفاصيل، وقد اقترفا معا من الجرائم ما يكفي ليلوث التاريخ الإعلامي للبلدين لسنوات طويلة قادمة، ويكفي ما ردده البعض من أن عدونا التاريخي لو أنفق نصف ميزانيته لإفساد العلاقة بين مصر والجزائرلما نجح كما نجح إعلام البلدين.
ونسجل للإعلام المصري وإتحاد كرة القدم.. السقطة الأولى الخائبة بتكذيب واقعة العدوان على سيارة البعثة الجزائرية يوم 12/11/2009 .
كما نسجل للإعلام الجزائري وسفارة الجزائر بمصر.. السقطة الثانية "البارعة " بنشر شائعة وهمية في صفوف الشعب الجزائري عن قتلى جزائريين في القاهرة ونسجل لهما معا كيف أضرما حريقا ربما تتجاوز أبعاده كل التصورات.
– بعد أن اتضح لنا كيف فشلت الإدارة السياسية والأمنية في مصر في التعامل مع الأزمة قبل المبارة الفاصلة وبعدها.. وأسفرت عن القضاء على الدعم والتشجيع الجماهيري للفريق المصري وهما منبع الروح المعنوية في الرياضة، وحولت آلاف المصريين إلى وقود – أو موضوع- لعملية ترويع مدروسة من الجانب الجزائري، وهدف لإهدار كرامة النظام المصري.. أو لإهانته.. قبل أن تكون إهانة لمواطنين حسني النية، وتسبب ذلك في مشكلات حقيقية مع السودان وربما مع الفيفا.. مهما كانت المظاهر توحي بغير ذلك.
بعد هذا…. نأتي إلى مربط الفرس.. الإعلام المصري.. الذي يعاني من أزمات بالجملة سياسية وفنية عمقتها هذه الأزمة.. حيث أنه لا يتبنى استراتيجية محددة.. بل يحركه منطق رد الفعل التلقائي.. ويديدره مسئول لا علاقة له بالإعلام.. هو أقرب لوزير للإعلان.. ينفذ التعليمات، ويتصرف مع العالم بنفس العقلية التى يتصرف بها مع الجمهور المصرى، لا يدرك خطورة الجهاز الذى يشكل الرأى العام ويوجه الشعب، ولا يعرف كيف يوظف قطاعه المقروء فى تجاوز أزمة هو صانعها.. بنفس القدر الذى لا يتحكم به فى قطاعه المرئى .. ويدفعنا إلى صدام لا نعرف مداه.
لن نعود لبداية المأساة التى صنعتها عدة برامج تليفزيونية يقدمها جهلة فى الرياضة والسياسة والإعلام.. ربما كان بعضهم لا عبين جيدين أو ضباطا أو صحفيين متوسطى الإمكانيات محدودى المواهب، ويشاركهم بعض الجرائد والصفحات الرياضية المختلفة.
 لكننا نذكر القراء بما نشرته صحيفة رياضية مصرية فى أعقاب مباراة القاهرة ( فى 15 نوفمبر) .. نشرت رسما لمدربى الفريقين على هيئة عروس جزائرية وعريس مصرى مكتوب تحته [ يا خضرة قولى الحق / إتكيفتى ولاّ لأ ) وتعليق ثان.. نصه: ( لقد أطلق المصريون من خلال معركتهم مع البربر الجزائريين صيحة الحرب على كل من تسول له نفسه المساس بمرمانا) .
إنها الحرب .. والتعالى على بشر مثلنا، والجهل بكلمة بربر التى لها فى مصر معنى دارج يختلف تماما عما تعنيه تلك القومية ( هذا فى التعليق الثانى)، فضلا عن رائحة التخلف الكريهة التى تعتبر العروس معرّة والعريس مفخرة.. علاوة على صفاقة فجة .. وسوقية هابطة .. وعبار