جماعة الإخوان .. وأردوغان : من صلاح الدين.. إلى فساد الدين والدولة
بشير صقر
الحوار المتمدن – العدد: 3488 – 2011 / 9 / 16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تمهيد:
أسهمت الثورة المصرية فى الكشف عن كثير من الدلائل والقيم والمؤشرات التى تحكم طبيعة وسلوك عدد من الهيئات السياسية التى عاصرت أو عايشت اندلاع الثورة فى 25 يناير 2011 .
ولأن تلك الهيئات جزء من نسيج المجتمع المصرى ويتشكل قوامها من أفراده؛ ولأن المجتمع اختلف عما كان منذ خمسين عاما.. خضع خلالها لكثير من عوامل التغيير والتعرية.. فازداد تعداده ونسبة شبابه لبقية سكانه وتغيرت ثقافته وكثير من قيمه وخصاله استنادا لما أصاب شروط الحياة كالعمل والتعليم والصحة من تراجعات.
ولأن المجتع ليس هو المجموع الحسابى لأفراده ؛ فإن التغيرات التى ألمت به لم تنعكس على أى من أفراده أو هيئاته السياسية بنفس القدر.
وحيث تختار الجماعات السياسية أعضاءها من أفراد المجتمع استنادا إلى أهدافها وفلسفتها؛ فإنها تعيد صياغتهم بأساليب تربيتها السياسية ليعتنقوا فلسفتها ويحققوا أهدافها ويصيروا مؤهلين للانخراط فى النشاط بكفاءة وفعالية.
لكن من ناحية أخرى تتأثر الهيئات المشار إليها بكل الخصال التى تميز أعضاءها القادمين لها من منابع اجتماعية أو عرقية أو دينية مختلفة؛ كما تتوقف قدرتها على النشاط وجنى النتائج المفترضة على كفاءتها فى تنمية تلك الخصال وتأجيجها إن كانت تتسق مع فلسفتها ؛ أوفى محاصرتها وتذويبها إن اختلفت معها.
وعلى سبيل المثال : فالجماعة السياسية التى تتخذ فلسفتها من العلوم الحديثة (الطبيعية والإنسانية ) تختلف عن جماعة سياسية أخرى لا تلقى بالا لتلك العلوم ولا تتخذ فلسفتها منها أو كانت تعاديها.. حتى لو كانت تستفيد من إنجازاتها.. وهو ما ينسحب أيضا على الأفراد ؛ فلو تشكل قوام الجماعة الأولى من أفراد نالوا قسطا مناسبا من تلك العلوم وتحلوا بخصال تتسق مع ما تعلموه فإن قدرة جماعتهم السياسية على الاستفادة من خصالهم وتنميتها وتطويرها تكون أعلى منها فى حالة ما لو كان هؤلاء الأفراد لا يحظون سوى بقسط محدود منها أو يفتقدوه.. وهكذا.
من جانب آخر فإن الثقافة العامة للمجتمع ونسيجه وحضارته وتماسكه وتاريخه وجغرافيته ودوره فى محيطه الإقليمى وديموجرافيته تلعب أدوارا مساعدة أو مناوئة فى قدرة الجماعة السياسية على الاستفادة من خصال أفرادها فى تنمية المجتمع ودفعه للأمام أو جرَه وإعادته للخلف.
خبرة الجماهير وملاحظات المفكرين على أداء الجماعات السياسية :
ولعل الملاحظات التى أبداها عدد غير قليل من الكتاب والمفكرين على مسلك الجماعات السياسية المصرية المختلفة التى كانت ترفع راية الليبرالية أو اليسارية أو الإسلام السياسى فى الثورة تؤكد ما استخلصته الكتل الجماهيرية التى شاركت وعايشت ثورة 25 يناير بمقدماتها وتابعت عن قرب مسلك هذه الجماعات من أول لحظة تم الإعلان فيها عن الشروع فى الاحتجاج فى ميدان التحرير فى عيد الشرطة. فالتجربة العملية التى خاضتها جماهير الشباب والعمال وغيرها علمتها الكثير خلال الشهور الثمانية التى انقضت منذ اندلاع الثورة ودربتها ورفعت وعيها .. وهو ما يدفعنا لتثمين جسارتها وتقديراتها لمسلك الجماعات السياسية المتعددة – التى تدعى ليس مشاركتها فى الثورة فحسب بل وأبوّتها لها- سواء كانت موجودة قبل 25 يناير أو ظهرت بعده.
رد فعل جماعة الإخوان على زيارة أردوغان وتصريحاته:
لعل أحد الأحداث الهامة التى أفصحت – بأثر رجعى- عن الدور الحقيقى لبعض جماعات الإسلام السياسى فى الثورة المصرية هى زيارة الرئيس التركى رجب الطيب أردوغان لمصرفى سبتمبر 2011 وما أظهرته أقدم هذه الفصائل ( جماعة الإخوان المسلمين ) على وجه التحديد من مواقف متعارضة – تثير الشفقة عليها – خلال ثلاثة أيام من بدء الزيارة ..
فمنذ الإعلان عن قدوم الرئيس التركى شرع إعلام الجماعة فى التهليل لمقدمه وخلق هالة من التبجيل والإجلال حول الزائر أشبه بما يحدث إزاء زيارة البابا لإحدى الدول المشمولة برعايته وبركته ؛ وتشير من طرف خفى إلى سلاطين الأتراك فى إطلالة أحفادهم على إحدى مستعمراتهم القديمة ذات الحظوة والعبق التاريخى .. باختصار سعى إعلام الجماعة للتلميح ” للذكريات البعيدة التى تعيد الزيارة بعضا منها إلى الوجدان “.
كما أبرزكذلك الموقفَ التركى الأخير المناوئ للكيان الصهيونى والمتمثل فى طرد السفير الإسرائيلى فى أنقرة وتجميد عدد من الاتفاقيات العسكرية والتجارية معه ، فضلا عن الحديث المسطح المكرور عن التجربة التركية التى يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامى دون الحديث طبعا عن الطبيعة االعلمانية للدولة التركية؛ كما ارتفعت أصوات فصائل إسلامية أخرى بأحاديث مجتزأة عن السياحة الإسلامية فى تركيا المفترض أن تكون بديلا عن السياحة التقليدية المحرمة شرعا.. إلخ
لكن ما سعى الإعلام الإخوانى لبثه والإشارة إليه والتلميح عنه قبل حضورأردوغان هو ما تجلى ساطعا فى استقبال الجماعة له فى مطار القاهرة فقد كان استقبالا حارا فائق الفرحة ؛ فأردوغان مسلم وسنى وزعيم حزب إسلامى متقلد للسلطة دون حلفاء.. وهو رئيس لأكبر دولة تزعمت الخلافة الإسلامية عدة قرون؛ وسبقت زيارتَه مواقف عملية ضد الكيان الصهيونى رفعت أسهمه بين معظم الشعوب العربية، إذن فكل الأجواء مهيأة لاستقباله والمناخ العام فى مصر المعادى لإسرائيل مناخ موات لتوقيت الزيارة ؛ وخسائر الإسلام السياسى فى مصر من مقاطعة ” جمعة تصحيح مسار الثورة ” يمكن تعويضها باستثمارزيارة رئيس دولة إقليمية على خلاف طازج مع إسرائيل اتخذ موقفا إيجابيا ضدها على عكس ما حدث فى مصر إبّان اغتيال جنودنا فى رفح.
لقد كانت هتافات المستقبلين السنيين لأردوغان هى (أردوغان .. أردوغان / ألف تحية م الإخوان ، مصر وتركيا إيد واحدة ، عاوزينها خلافة إسلامية، ، إفرحى إفرحى يا فلسطين / أردوغان دا صلاح الدين ) وهكذا حتى غادر الركب المطار.
وما أن أطلق أردوغان فى أحد لقاءاته تصريحه الشهير:بأن أحد أسباب نهوض المجتمع التركى هو تطبيقه للتجربة العلمانية؛ وهو ما يعنى فصل الدين عن الدولة وإتاحة فرص كاملة ومتساوية لمعتنقى الأديان المختلفة ولكل الشعب التركى فى المواطنة وممارسة الشعائر الدينية؛ ما أن صدر هذا التصريح – الذى يخالف كثيرا من معتقدات الإخوان- حتى انقلب الفرح مأتما بالنسبة لكل التيارات السنية الإسلامية ؛ وتحول التهليل لأردوغان إلى رفض له وهجوم عليه وإحساس مرير بأن الضيف التركى السنى قد خذلهم؛ وتطورالأمر إلى هجوم عليه واتهام له بتدخله فى الشئون الداخلية للدولة المصرية؛ وهكذا تحول أردوغان من صلاح الدين إلى فساد للدين والدنيا.
وإذا ما أردنا تشبيه موقف جماعة الإخوان من أردوغان بمسلك مشابه .. لن نجد أقرب من مسلك (المواد الكيماوية المترددة ) التى تسلك سلوك الأحماض فى تفاعلها مع المواد القلوية فى نفس الوقت الذى تسلك فيه سلوك القلوياتفى تفاعلها مع الأحماض .. ذلك السلوك الذى يحمل الشئ ونقيضه فى آن واحد ؛ وهو بلغة الطب أشبه بمرض انفصام الشخصية ( الشيزوفرانيا ) فى الأمراض النفسية أى وجود شخصيتين متجاورتين بمسلكين متعارضين فى جسم الشخص الواحد؛ وبلغة الفلسفة والسياسة ( الميكيافيللية ) أى.. الغاية تبرر الوسيلة.
وإذا ماعدنا للماضى قليلا لأدركنا أن جزءا كبيرا من قوام الجماعة من أهل الريف و فلسفتها تتمحور حول إقامة خلافة إسلامية أساسها المذهب السنى ذو البصمات الوهابية؛ والمبدأ الحاكم لبنائها التنظيمى هو( الأمر / والسمع والطاعة ).
ولذلك فالديموقراطية عندهم مُرَحّب بها من قِبل الجماعة إذا ما أتاحت لهم الفرصة للحكم ؛ وهى كفر وإلحاد إذا ما تسببت فى إزاحتهم عن السلطة بمعنى أن الديموقراطية طريق ينتهى بكراسى السلطة ثم يتم تدميره.
وهذا السلوك ليس جديدا على جماعة الإخوان فتاريخها كله يشهد بذلك:
* فمحمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء فى 1949 كان فى نظرهم عدو للإسلام واغتياله واجب شرعا ويقرّب من يقوم به من الجنة ، وبعد اغتياله ومعرفة الشعب بهوية قاتله ( عضو بجماعة الإخوان ) إذا بمرشدهم حسن البنا يعلن فى اعتراف مكتوب بخط يده – بعد أن تم تضييق الخناق عليه – بأن : ” من قتلوا النقراشى ليسوا إخوانا .. وليسوا مسلمين “.
* وهم – شكلا – مع قانون الإصلاح الزراعى فى الحقبة الناصرية ؛ وفى عهد السادات هم ضد القانون؛ وفى عهد مبارك هم مع إعادة الأرض التى صادرها قانون الإصلاح الزراعى إلى الإقطاعيين بدعوى أنه القانون ضد الإسلام وإلقاء الفلاحين فى عرض الشارع بعد أن رتبوا حياتهم لسنوات طويلة على زراعة الأرض ؛ بل وأيدوا قانون الإيجارات الزراعية الجديد ( 96 / 1992 ) الذى طرد مئات الآلاف من الفلاحين المستأجرين للأرض الزراعية و رفع إيجارها أربعة أضعاف .
* وبعد أن كانت الجماعة فى بداية تأسيسها دعوة دينية بحتة أقرب إلى الصوفية إذا بها – بعد حوارات ممتدة بين مرشدها الأول حسن البنا ومحمد رشيد رضا منظر الوهابية الأول فى مصر فى الثلاثينات من القرن الماضى ؛ تتحول إلى جماعة سياسية وتتلقى دعما ماليا هائلا من المستعمر البريطانى لتعادى الحركة الوطنية المصرية وحزب الوفد الذى رفع راية الكفاح الوطنى منذ عام 1919 ؛ وتنحاز لأعداء الشعب من الساسة أمثال الملك فاروق ومحمد محمود باشا وإسماعيل صدقى.. أسوأ رئيس وزراء شهدته مصر.
* إن الازدواجية ( الشيزوفرانيا ) السياسية مرض ملازم لجماعة الإخوان منذ نشأتها حتى اليوم .. فهى مع الموقف ونقيضه؛ ومع الديموقراطية وضدها ، ومع الدولة المدنية ومع الخلافة الإسلامية فى آن واحد .. ومع أردوغان وضده.. وهكذا.
* لم توافق على المشاركة فى انتفاضة 25 يناير ، ولما تجاوزت الانتفاضة أزمة الأيام الأولى ومرت من عنق الزجاجة.. دفعت الجماعة بعديد من أعضائها لميدان التحرير ؛ وعندما أظهر عمر سليمان لها العين الحمراء.. جلسوا معه ليساوموه من خلف ظهر الجميع وفى نفس الوقت انسحب نصف المجودين منهم من التحرير؛ وعندما تم خلع مبارك هرعوا للميدان بكثافة.
* ولذلك فليس غريبا ترحيبهم بأردوغان إن كان سيساعدهم فى إقامة الخلافة الإسلامية ويدعمهم فى القفز على مقاليد الحكم فى مصر؛ ولا كان غريبا رفضهم له بعد أن خذلهم وأعلن أن سبب نهضة تركيا هو تبنيها للعلمانية ، وهو مرحب به إن كان داعما لهم مؤيدا لسياستهم وأفكارهم ؛وملعون ومتهم بالتدخل فى شئون مصر الداخلية إن خذلهم وأعلن عن الهوية العلمانية لتركيا .
فهل يمكن الثقة فى جماعة سياسية احترفت المراوغة والتلون واتسم سلوكها الدائم بالزئبقية منذ نعومة أظفارها ؛ تقول عكس ما تفعل ويدها ملطخة بالدماء منذ أكثر من نصف قرن؛ وأثبتت الأيام وأداؤها السياسى فى مجلس الشعب طيلة خمس سنوات خواءها وهشاشتها وفقرها الفكرى وضحالتها السياسية وعداءها لفقراء الشعب ونسائه ومسيحييه واستعدادها لتقديم أية تنازلات فى سبيل الوصول إلى كراسى الحكم؟!.
الجمعة 16 سبتمبر 2011 بشير صقر