بعد مهزلة وزارة الزراعة فى 9 سبتمبر باستاد القاهرة: طريقة مختلفة للاحتفال بعيد الفلاح فى قرى البحيرة

 


بشير صقر
الحوار المتمدن – العدد: 3487 – 2011 / 9 / 15
المحور: الحركة العمالية والنقابية
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع     

 

عندما حل أول عيد للعمال بعد ثورة يناير 2011 آثرت الدولة الابتعاد عن مجرد الحديث عنه وسط إصرار العمال فى كثير من المدن المصرية على رفض قانون تجريم التظاهر السلمى الأخير؛ وعلى تطبيق الحكم القضائى الخاص بالحد الأدنى للأجور؛ونداءات بحل اتحاد العمال الحكومى؛ ومطالبات بإطلاق الحريات النقابية ؛وإعادة النظر فى سياسة الخصخصة والبحث عن مصير حصيلة بيع مصانع وشركات القطاع العام والعمل على استئناف تشغيل ماتم إغلاقها منه ؛ وإعادة المفصولين من العمال إلى مصانعهم وشركاتهم وتثبيت المؤقتين فيها؛ علاوة على تهديدات جدية باستخدام سلاح الإضراب عن العمل لانتزاع كثير من الحقوق المشروعة الأخرى.
لم تحرك الدولة ساكنا فى هذه المناسبة نظرا لأنه ليس لديها ما تقوله أو تعد به أو يستجيب لمطامح العمال وتطلعاتهم ؛ إلا أن العكس حدث فى 9 سبتمبر 2011 حيث قرر النظام الحاكم ( ممثلا فى وزارة الزراعة) دخول المعترك الجماهيرى من باب الفئة الوحيدة التى لم تشارك فى الثورة ( الفلاحين ) لأنها فى نظره أكثر ليونة من العمال..لذلك عزم على ضرب عدة عصافير بحجر واحد: الاحتفال بعيد الفلاح أى المشاركة فى النشاط السياسى الجماهيرى لأول مرةمنذ اندلاع الثورة .. والابتعاد عن ميدان التحرير وعن الريف.. ومحاولة إفساد ” جمعة تعديل المسار ” التى شاركت فيها قطاعات شعبية وقوى سياسية متنوعة.
لقد قام بالإعداد لحشد مصطنع قوامه موظفو الجمعيات الزراعية ( التعاونيات ) وأعضاء مجالس إدارتها وقدم لهم نفحة من النفحات الحكومية المعتادة فى هذه المناسبات ( 50 جنيها وكيس طعام وزجاجتى ماء ومشروب بارد )
لم يدرك النظام حتى الآن – شأنه شأن العهود والحكومات السابقة – أن الاحتفال لا يتم بإصدار الأوامر وتعبئة السيارات والشاحنات و ظهور الجرارات الزراعية بموظفى الجمعيات الزراعية وأعضاء مجالس إداراتها من الفلاحين- كما كان يحدث فى الانتخابات المتنوعة- بل يجرى بحشد طوعى أساسه الاختيار و الرضى والرغبة فى الاحتفال بالعيد ويكتمل ويتألق بالحديث عن مكتسبات جديدة أو باسترداد حقوق قديمة جارت عليها الدولة فى وقت سابق بواسطة رجالاتها والمتنفذين من حلفائها فى الريف ؛ لأن الرشاوى والعطايا والنفحات يزول أثرها فى دقائق فضلا عن أنها لا تغنى عن استرداد الحقوق الضائعة والأراضى المسلوبة.
لقد وجه بعض الفلاحين فى استاد القاهرة لوزير الزراعة عددا من من الأسئلة والمطالب تهرب منها ولم يجب عنها فثاروا عليه وهاجموه وغادروا الاستاد- بعد أن هرب الوزير محاطا برجال الشرطة العسكرية- متوجهين إلى ميدان التحرير حيث جمعة ” تعديل مسار الثورة “.
حدث هذا من بعض أعضاء مجلس إدارة الجمعيات الزراعية فى استاد القاهرة وهم فلاحون ، لكن الغالبية العظمى من الفلاحين ظلت قابعة بالقرى تنتظر كالعادة ما سيسفر عنه لقاء ” قادتهم ” فى الجمعيات بالوزير وما سيحدث فى تجمع آخر منهم ذهب لميدان التحرير.
أما فلاحو قرية الأشراك وعزبة الأشراك بمحافظة البحيرة فى مركز شبراخيت الذين عانوا لسنوات من غياب مياة الرى العذبة ومن استيلاء الفاسدين على حصصهم المقررة من سماد الزراعات الصيفية فقد قرروا الاحتفال بعيد الفلاح بطريقة مختلفة؛ فتوجهوا يوم السبت الماضى فى حشد يتجاوز الألفين إلى مقر الجمعية الزراعية بقرية الأشراك مطالبين بنصيبهم من الأسمدة المتأخرة من سماد نترات الأمونيوم فرفض مدير الجمعية متعللا بعدم ورودها من مصانع الأسمدة ؛ ولأن الفلاحين يعرفون أنه لا يقول الحقيقة فقد تطور الحديث إلى مشادة ثم إلى معركة أصروا بعدها على استمرار حصار الجمعية ولم يغادروا أماكنهم لمدة أربعة أيام متصلة حتى حصلوا على الأسمدة ( 200 كجم / فلاح ) – على عكس ما كان يحدث فى مرات سابقة – ذهبوابعدها لحقولهم ليسمَدوا زراعاتهم ثم عادوا إلى منازلهم ؛ لقد أدرك فلاحو الأشراك أخيرا أن الحقوق تنتزع طالما لم تسفر المطالبة عن نتائج .
والجدير بالذكر أن مدير الجمعية الزراعية ومساعديه بل ورؤسائه لم يبلغوا الشرطة – أو أبلغوها ولكن الشرطة لم تحضر- وهذا هو مربط الفرس.. وهو ما يعنى أن الاحتجاج الذى قام به الفلاحون كان على حق وأن حضور الشرطة – لوتم – لم يكن سيسفر عن شئ حتى ولو قبضت على بعض الفلاحين لأن التحقيقات كانت ستنتهى لصالحهم وسيتم الإفراج عنهم ولأن الاعتصام حول الجمعية هو حق أصيل لهم- طالما كان اعتصاما سلميا – تقره كل المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان التى وقعت عليها الدولة المصرية من سنوات.
هؤلاء الفلاحون لم يستجيبوا لدعوة وزارة الزراعة بالذهاب لاستاد القاهرة ولم ينخدعوا ولم يقبلوا نفحتها بل ولم يذهبوا لميدان التحرير رغم تعاطفهم مع ” جمعة تعديل مسار الثورة “..
فهل يمكن أن نفهم الدرس؟! ونكف عن قصة النضالات الاحتفالية بالأعياد والمناسبات وغيرها التى تم ترويجها فى أوساط الفلاحين سنوات طويلة لأنها لا تسمن ولا تغنى من جوع ؟ وهى سياسة ابتدعها النظام الحاكم منذ منتصف القرن الماضى وطبع بها كل معارضيه قبل مؤيديه خصوصا فى المجال الفلاحى و ثبت فشلها وأهدرت الجزء الأعظم من الجهود التى بذلها المناضلون والشهداء فى المجال الفلاحى؛ وهل يمكن أن ندعم انتفاضتنا الثورية بمدها بجموع الفلاحين الذين تعرضوا طيلة تاريخهم لأفظع أشكال الظلم والقهر والاستبعاد ؛ فالنظام الحاكم يسعى لخنقها بأية وسيلة ويتلمظ الكثيرون ممن لم يشاركوا فى صنعها على الاستيلاء عليها ؟
إن الانخراط فى صفوف الفلاحين والتبنى العملى المباشر لمطالبهم وانتزاع الحقوق ه
ما السياسة الأولى بالدعم والرعاية – من جانب الذين يدعون أنهم قادة الفلاحين- لأنها الأكثر فعالية وأثرا والأقدر على تثقيف الفلاحين وتدريبهم على الجسارة وهى تلخص منطق المقاومة المباشرة ببساطة ودون لف أو دوران بديلا عن سياسة الاحتفال بالأعياد والمناسبات وفضحا لها ؛ تلك الاحتفالات التى يختلط فيها الحابل بالنابل والمناضل بمحترف الأضواء والمنصات؛  والمقاتل بالبهلوان؛ والجمل الثورية والشعارالت المهترئة والعبارات حمالة الأوجه بالآراء السديدة واضحة المعالم قاطعة النصل، لقد أوجز فلاحو عزبة الأشراك وقريتها الحكمة القديمة ” إننا لسنا ما نقول إننا ما نفعل” وفى نفس الوقت قضوا يوم 9 سبتمبر فى فرحة وبهجة حقيقية تتجاوز فرحة كل أعيادهم خلال السنواتالماضية دون أن تعكر صفوها نفحات وزارة الزراعة واستاداتها .. فهل نقتدى بهم؟!

الثلاثاء 13 سبتمبر 2011                                           بشير صقر

                                                       لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح الزراعى- مصر