الحالة المعرفية للفلاحين
خطة بحث الحالة المعرفية للفلاحين في قريتين مصريتين
مقدمة من بشيرصقر .. فبراير 2005
تمت كتابة هذه الخطة في أوائل 2005 لمركز البحوث العربية والإفريقية ولكن إنجاز البحث تأخر إلى شهر أبريل 2007 وسوف نقوم بوضعه (أي البحث) على الموقع عقب قيام المركز بطبع الكتاب الخاص ببحث أكبر عن المسألة الفلاحية / الزراعية في مصر الذى يزمع المركز طباعته خلال الأسابيع القادمة ويقع بحثنا ضمن أوراقه، ولقد أمسكنا عن عرضه على الموقع لهذا السبب على وجه التحديد إلتزاما منا بحق المركز في نشره أولا.
وسيلاحظ القارئ أن خطة البحث تختلف في تصورها إلى حد ما عما توصل إليه البحث من نتائج.
تمهيد: يسعى البحث الذي نقدم خطته للتكامل مع بقية البحوث المقدمة من الزملاء المشاركين في المشروع الذي نحن بصدد إنجازه (المسألة الفلاحية/ الزراعية في مصر: البدائل المطروحة).كما يسعى للإٍٍٍسهام في مواجهة العولمة والحد من تأثيراتها التي لا تقتصر على تهميش فقراء ما كنا نسميه العالم الثالث وعلى رأسهم الفلاحون.. بل إلى تهميش مجتمعات بأكملها.ولأن العلم وثورة تكنولوجيا الاتصالات- في ظل عالم أحادي القطب- يدفعه ويديره أكثر حكام العالم محافظة- يجبران شعوب العالم ودوله على اتخاذ مسارات بعيدة عن الاختيارات الديمقراطية ومتجاهلة لخصوصياتها وملبية لمتطلبات رأس المال العالمي والعابر للقارات، ومن ثم الدوران في فلك الدول المحافظة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.ولذلك فليس اللحاق بتلك الدول هدفا.. ولا الدوران في فلكها امتيازا، ولا مهادنتها حكمة متاحة.إن العلم الذي يعتبر أحد أهم الأدوات التي توسع الهوة بين فقراء العالم وأغنيائه، بين شماله وجنوبه قد أصبح سلاحا ماضيا في أيدي تلك الدول المحافظة وحكامها، ومن ثم فلابد من وسيلة فعالة لمواجهة هذا السلاح ألا وهي الوعي.. بمفهومه الواسع الذي هو منذ زمن طويل أداة التقدم وسبيله، وحيث أن العلم جوهر الوعي.. فلابد من البحث عن سبل ودروب ممكنة لامتلاكهما (العلم والوعي) لتلافي مصائب العولمة ودرئها.. وليتمكن فقراء العالم من وقف مسلسل التدهور والانهيار.. ومن ثم التقدم إلى الأمام ممسكين بزمام المبادرة نحو عالم أقل إظلاما وأكثر استنارة. موضوع البحث (الدراسة) ومفاهيمها:
"هو الحالة المعرفية للفلاحين في قريتين مصريتين ومحدداتها"
يتبادر للذهن أول ما يتبادر عند سماع عبارة الحالة المعرفية للفلاحين مدى إلمامهم بالقراءة والكتابة من عدمه، أو الحدود التي وصلوا إليها في المعاهد التعليمية خلال حياتهم سواء كانت شهادات دراسية أو إنجازات أخرى من خلال فصول محو الأمية أو توقف عن الدراسة عند سنوات بعينها.لكننا نرى أن تلك التقديرات الانطباعية لا تعني ما قصدناه.. ذلك لأن التعليم لا يقتصر في نظرنا على التعليم النظامي بل يتخطاه إلى التعليم غير النظامي خصوصا فيما يتعلق بالحديث عن الفلاحين.فضلا عن أن الشائع عن التعليم في الدراسات الاجتماعية عنهم لا يتطرق لأكثر من الإلمام بالقراءة والكتابة في حده الأدنى.. أو الحصول على شهادة دراسية في حده الأقصى هذا من ناحية.ومن ناحية أخرى فإن المستوى التعليمي شئ والحالة المعرفية شئ آخر خصوصا إذا ما كانت الأخيرة تتجاوز المستوى التعليمي إلى مجالات أوسع تتعلق بالجانب الوظيفي والجانب الثقافي والسياسي للفلاحين.فالمتعلم ليس في كل الحالات نقيض الأمي، فهناك ألوف من الخريجين تقذف بهم الجامعة كل عام أميون ثقافيا وبالتالي أميون سياسيا، وكم من الحاصلين على شهاد
ات متوسطة وفوق متوسطة تمتلئ بهم طرقات القرى والمدن أميون وظيفيا.. بالرغم من أن مضمون دراستهم هو الجانب التطبيقي للعلم خصوصا في مجالي الزراعة والصناعة، لذلك فالمستوى التعليمي غير الحالة المعرفية، بل ويمكن القول أن المستوى التعليمي غير الحالة التعليمية أيضا، فالمستوى التعليمي يتعلق بالإلمام بحصيلة ما تم تعلمه في المدرسة أو الجامعة.. بينما الحالة التعليمية تتعلق بما هو أبعد من ذلك.. وهو القدرة على توظيف بعض ما تمت دراسته أو ما تم استيعابه (الجانب الوظيفي) بل وتتخطاه إلى إدراك أهمية ما تمت دراسته وأهمية القدرة على توظيفه في المسار الذي يسير فيه _-أو يعارض السير فيه- الكثيرون ممن نتحدث عن حالتهم التعليمية.ويمكن القول بأن تعبير الحالة المعرفية يتشارك مع تعبير الحالة التعليمية في جوانب عدة.. (الجانب الوظيفي، الثقافي) إلا أننا نفضل استخدام الحالة المعرفية كتعبير أوسع وأشمل خصوصا وأن تعبير الحالة التعليمية لا يمكن استخدامه مع الفلاحين وقطاعات واسعة من البسطاء الذين لم يتلقوا تعليما بالمعنى الحقيقي.وفي هذا السياق يهمنا التطرق لعدد من مفاهيم البحث كالأمية.. التي تعني – في حالة الأمي النموذجي – عدم القدرة على الاتصال بمحيطه إلا عبْر الطريقة الشفهية، فضلا عن عدم إجادته لحرفة أو مهنة ما، واعتماده في التعامل مع محيطة وفي الحصول على احتياجاته المعيشية على قوة عضلاته فقط دون أن يكون ماهرا أو مبدعا في عمل ما، يضاف إلى ذلك عدم إادراكه للحدود الدنيا للمعارف العامة وللقوانين الموضوعية أو الآلية التي تسيّر مجتمعه والتى تحكمه كفرد يجب أن يلعب دوره من أجل تغيير واقعه حسب قوانين التطور التاريخي لا ضدها.والحديث عن الجوانب الثلاثة للأمية (الأبجدية، الوظيفية والثقافية) لا يعني أنها منفصلة بهذا الشكل لدى الأمي فهى متداخلة وممتزجة بشكل أو بآخر بدرجة أو بأخرى لديه، ولكن ذلك التقسيم هو تقسيم في الذهن ليساعدنا على التعامل مع جوانب الأمية الثلاث.. ومن الطبيعي أن توجد الجوانب الثلاث فيما يسمى الأمي النموذجي.. بينما يمكن أيضا ألا تجتمع الجوانب الثلاث معا في كل الأميين ويقتصر الأمر على جانبين أو على جانب واحد منها وهكذا. وفي حالة بحثنا هذا يمكن التوصل إلى أن تعريف الحالة المعرفية هو (مزيج الحصيلة والأدوات المعرفية التي يمتلكها الإنسان وتحدد كيفية الاتصال بمحيطه وتمكنه من التعرف على مواهبه وملكاته وقدراته وتوظيفها، فضلا عن إدراك الحد الأدنى من المعارف والقوانين الموضوعية التي تسيّر مجتمعه والآلية التي تحكمه كفرد له دوره الإيجابي فيه).ويمكننا تطبيق هذا التعريف للحالة المعرفية على الفلاح المصري بشكل مبسط بتقدير (وليس قياس) العناصر التالية:
مدى الإلمام بالقراءة والكتابة وبعض العمليات الحسابية المبسطة، وكذلك مدى الإلمام بالعديد من فنون الزراعة وخباياها وعمقه، فضلا عن مدى إدراكه للمسار الذي تتوجه إليه أو فيه الزراعة المصرية والفلاحون داخل المنظومة الاجتماعية (في حده الأدنى) وإدراكه كذلك لما يتوجب عمله في هذا الشأن.إن المعارف الفنية في الزراعة لا يمكن أن تكون متواجدة وبنفس القدر بين الفلاحين في قطاعات المجتمع الزراعي كله.. حيث يتركز بعضها في مواقع معينة بينما يتركز بعضها الآخر في مواقع أخرى.ولأن تلك المعارف والخبرات لا تتساوى بين جميع الممتهنين لزراعة محاصيل بعينها بل وبينهم وبين الزارعين لمجموعات نوعية أخرى من المحاصيل .. فإن القول بوجود أعداد لا بأس بها من الفلاحين لا تمتلك خبرات المهرة والحاذقين منهم داخل المجتمع الزراعي ككل، بل وداخل كل قطاع زراعي نوعي .. لا تخالف الحقيقة.بل ويمكن القول بجسارة أكثر أن قطاعات واسعة من الفلاحين نظرا لإفتقادهم خبرة الحاذقين منهم هم شبه أميين وظيفيا أي أنهم ليسوا مبدعين وماهرين في حرفة الزراعة مثل أقرانهم ويحصلون على لقمة عيشهم – في الغالب الأعم – من جهد عضلاتهم أكثر من مهاراتهم وحذقهم في حرفة الزراعة.وعليه فالفلاحون الذين نسعى لتقدير حالتهم المعرفية هم كل من يعمل بالزراعة في الريف المصري إبتداء من العمال الزراعيين إلى فقراء وصغار الفلاحين وصولا إلى متوسطيهم وكبارهم.
تساؤلات الدراسة:
أولا: تقدير مدى الإلمام بالقراءة والكتابة والعمليات الحسابية البسيطة للفلاحين المبحوثين، وقدرتهم على الاتصال بمحيطهم عن غير الطريقة الشفهية.
ثانيا: 1- تقدير دور المعرفة الفنية في عملية الإنتاج الزراعي.
2- تقدير أو تحديد مصادر المعرفة الفنية للفلاحين ونسبة كل مصدر منها لبقية المصادر ( الخبرة المتناقلة – التعليم الزراعي – الإرشاد الزراعي – الإعلام – فصول تعليم الكبار).
ثالثا: تقدير إداركهم لأثر السياسات الزراعية على الإنتاج الزراعي والفلاحين مثل: الدورة الزراعية – دعم مستلزمات الإنتاج – التسويق الزراعى ومستوى أسعار المنتجات الزراعية المختلفة – قانون العلاقة بين المالك والمستأجر رقم 96 لسنة 1992 – التعاون الزراعي – الإرشاد الزراعي.
رابعا: تقدير مدى المعرفة ومن ثم المشاركة في:
1– روابط واتحادات الفلاحين.2- جمعيات إنتاج محاصيل زراعية بعينها.3- التنظيمات التعاونية بمستوياتها المختلفة.4- الأحزاب السياسية.
قضايا الدراسة وأفكارها: إن الحديث عن الحالة المعرفية عموما يدفعنا لمراجعة الكثير من التقديرات التى تتناول ذلك الموضوع خصوصا فى البحوث الاجتماعية، حيث أنها – فى الغالب الأعم – تتناول الجوانب الكمية والدفترية دون الجوانب الكيفية والفعلية.. وهما آفتان تعصفان بكثير من النتائج التي يتم التوصل إليها في مثل تلك البحوث.فتعبير الحالة المعرفية على إطلاقه لا يقتصر قطعا على الفلاحين بل يشمل كذلك كل فئات المجتمع وطبقاته وشرائحه.. ومنهم الطلاب والخريجون من المعاهد التعليمية، وذلك يعنى أن المسافة أو الهوة التي تفصل الحالة المعرفية عن المستوى التعليمي ترجع إلى جذر واحد قد نجده من ناحية في السياسة التعليمية (بالنسبة للطلاب وخريجي المعاهد التعليمية) أو في السياسة الزراعية أو في جملة السياسات التي تشمل المجتمع المصرى وتحكم مسيرته وتوجهاته أو في بعض منها دون الآخر ( بالنسبة للفلاحين ). وينطبق ما ذكرناه عن الحالة المعرفية على ما أسميناه بالحالة التعليمية مع الفارق في شمول الأولى للمجتمع المصري ككل مقارنة بالثانية.ولعل أو ما يمكن تناوله من قضايا في هذا الشأن هو ما يتعلق بالتعليم الزراعي، والثانية هو تعليم الكبار وذلك لتقدير دورهما في إنتاج الحالة المعرفية للعاملين في الزراعة وذلك للإجابة عن السؤال ( ماهي الشروط التي تيسر للبعض الحصول على المعرفة الفنية وتحجبها عن الأخرين؟ ونفس الشئ بالنسبة للمعرفة الثقافية والسياسية).إن التطرق للحالة المعرفية للفلاحين لابد وأن يمر بمقدماته الطبيعية عن أوضاع العملية التعليمية في مصر خصوصا في الريف ويرتبط بالحالة التعليمية/ المعرفية للطلاب والخريجين من أبناء الريف.. فضلا عن عوامل أخرى تساهم في إنتاج تلك الحالة بين سكان الريف فلاحين وطلابا وخريجين لكننا سنكتفي في بحثنا هذا وكما ذكرنا بالجانب الخاص بالتعليم والزراعي وتعليم الكبار- إلى جانب القضايا التالية:التغيرات التي حدثت في الريف المصرى – وفي المجتمع- في الربع قرن الأخير كالإنفتاح الاقتصادي – والإصلاح الإقتصادي والسياسي، وقانون الإيجارات الجديد (رقم 96 لسنة 1992) وآثاره على الملكية والحيازة وتبدلاتهما في القرية، والتعاون الزراعي وبنك القرية، وكيفية الحصول على المدخلات الزراعية (من أسمدة، وتقاوي، ومبيدات وآلات زراعية) والقدرة على سداد أثمانها من عدمه، وكيفية تصريف الإنتاج الزراعي من محاصيل (القطن، القمح، الأرز، الذرة، قصب السكر… إلخ)، وتحرير الزراعية المصرية من الدورة الزراعية، والبطالة.
باختصار يهمنا الإمساك بالمستوى الفعلي الذي تطبق به السياسات التعليمية في مجال التعليم الزراعي ومجال تعليم الكبار، وتطبق به السياسات الزراعية في مجال الزراعة ومدى تأثيرها على الحالة المعرفية للفلاحين فضلا عن الإمساك بمدي تطابق الخطاب التعليمي (في نطاق التعليم الزراعي وتعليم الكبار) والخطاب الزراعي بالسياسات الفعلية المطبقة في المجالين معا.وكمثال مبسط لتوضيح ذلك.. مجانية التعليم التي لا زالت إحدى المحددات السياسية في الدستور المصري وفي السياسة التعليمية الراهنة بل وفي السياسات التعليمية المتعاقبة ومدى القطع باستمرارها في التطبيق العملي الآن.. وليس هذا نوعا من المصادرة على النتائج. لك
نه استنتاج بدهي واستفسار منطقي لعاملين .. أولهما تناقص الإنفاق العام على التعليم، وثانيهما ارتفاع معدلات التسرب من التعليم الأساسي، وضعف استيعاب الأطفال في سن السادسة استنادا إلى دراسة البنك الدولي لعام 2000.
أهداف الدراسة:
أولا: تقدير الحالة المعرفية للفلاحين في قريتين مصريتين ومحدداتها.ثانيا: الوصول إلى تقدير أولى يشير إلى اتجاه الحلول الواقعة للنهوض بالحالة المعرفية للفلاحين ومن ثم بدورهم في الإنتاج الزراعي.
الإجراءات المنهجية:
أ- نمط البحث: يستخدم البحث الأسلوب الاستطلاعي أو الوصفي في قراءته للحالة المعرفية للفلاحين ومحدداتها.
ب- العينة: تتكون من 48 مبحوثا وتشمل العينة أربعة أقسام هى:
1– عينة قصدية من الفلاحين قوامها 30 فلاحا وفق المؤشرات التالية:
· العمال الزراعيين.· فقراء الفلاحين (حائزي أقل من فدانين).· صغار الفلاحين (حائزي أكثر من 2-5فدان).· متوسطى حائزين (من 5-20 فدان).· كبار زراع (أكثر من 20 فدان)ويتكون هذا القسم من ثلاثين فردا قوام كل فئة 6 افراد.
2- عينة قصدية من خريجي المدارس الزراعية قوامها 6 خريجين.
3- عينة قصدية من مدرسي المواد الزراعية بالمدارس الزراعية المتوسطة قوامها 6 معلمين.
4- عينة قصدية من معلمي فصول تعليم الكبار قوامها 6 معلمين.
جـ- أدوات البحث: أداتان لجمع البيانات هما:
· دليل المقابلة الفردية (دراسة حالة).
· دليل المقابلة الجماعية.وسوف يتوخى الدليلان الاسترشاد بتساؤلات الدراسة التي سبق ذكرها في الوصول إلى تقدير الحالة المعرفية للعينة محل البحث. د- مجال الدراسة: قريتين من قرى محافظة المنوفية سيتم تحديدهما لاحقا استنادا إلى توافر أقسام العينة الأخرى بها.