الفلاحون فى مصر:تاريخ الهجوم.. وإمكانيات المقاومة *
أطراف الصراع الطبقى فى الريف المصرى منذ ثورة يوليو 52 .إختلفت أطراف الصراع الطبقى فى الريف المصرى على مدى العقود الستة الماضية من عهد لآخر تبعا لاختلاف مكونات الحلف الطبقى الحاكم والسياسات المحدِّدة لتوجهاته.ففى العهد الناصرى وإبان سنواته الأولى كان الصراع دائرا بين السلطة الجديدة وكبار ملاك الأرض العقاريين المعروفين بالإقطاعيين.. حيث كان تطبيق قانون الإصلاح الزراعى رقم 178/1952 على مساحات الأرض الزائدة عما حدده القانون هو موضوع ذلك الصراع.وقد لعبت الطريقة التى طُبق بها القانون- عن طريق الأجهزة الإدارية للنظام القديم وليس بواسطة أجهزة أعدها النظام الجديد- لعبت دورا هاما فى إضعاف فعالية قانون الإصلاح الزراعى .. علاوة عى ما اعتراه من ثغرات فاقمت ذلك الإضعاف.وبمثل ما كانت الأرض موضوعا للصراع بين الطبقة القديمة المالكة للأرض وبين الحكام الجدد كان الفلاحون بمعنى ما موضوعا لذات الصراع.وقد أوضحت الثمانية عشر عاما التى بدأت منذ يوليو 1952 – عمر الحقبة الناصرية- أن كبار ملاك الأرض العقاريين ما زالوا يتمتعون بتاثير سياسى واجتماعى ملموس فى الريف برغم انتهاء سطوتهم الاقتصادية وتنحيتهم عن السلطة، وبرغم القضاء على البقية الباقية من نمط اإنتاج الإقطاعى الذى كان سندهم الرئيسى.وبرغم المكاسب التى سقطت فى أيدى قطاع من الفلاحين المعدمين والفقراء كنتيجة مباشرة لتطبيق قانون الإصلاح الزراعى الأول إلا أن استغلال الفلاحين فى الريف ظل قائما وإنْ تغير شكله حيث اقتسم الفلاحون والنظام الجديد عائد إنتاج الأرض ولم يستحوذ الفلاحون عليه بأكمله.أما الحقبة الساداتية فقد تم الارتداد فيها عن السياسات الناصرية عموما ومنها السياسات الزراعية ، وقد استُنفذت تلك الحقبة فى الإعداد والتحضير لتلك السياسات الجديدة أكثر من استنفاذها فى تنفيذ السياسات.. حيث تطلب الأمر آنذاك عملية إحلال وتجديد لقوام "البرلمان" الذى كان أحد الأدوات الهامة فى عملية الإعداد والتحضير التى شملت إلى جانبه كثيرا من سلطات الدولة وأجهزتها وهذا ما يسّر تغيير مكونات الحلف الطبقى الحاكم.. أو تغيير أنصبتها داخل هذا الحلف .. حيث أخذ نصيب الطبقة البيروقراطية فى التناقص لحساب الرأسمالية التقليدية الجديدة .. كما بدأت أسهم الرأسمالية الطفيلية فى التصاعد كذلك.بينما شهدت الحقبة الثالثة (عصر مبارك) امتدادا خلاقا للحقبة الساداتية ومعدلا متسارعا لوتيرة تنفيذ جملة السياسات الجديدة وعكست مزيدا من التعديل داخل الحلف الطبقى الحاكم لصالح الارتباط بالنظام العالمى الجديد وعلى وجه التحديد بالنيوليبراليين الغربيين، فقد تجلت خلال الحقبتين الأخيرتين تغيرات فى مكونات القطب الآخر للصراع فى الريف المصرى حيث تزايدت نسبة الفقراء الهابطين إليه من الفئات المتوسطة.. وشهد الريف وضعا جديدا لعبت فيه البطالة دور البطولة فى حشد المزيد من الفقراء ضمن مكوناته.وفى هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن القانون رقم 69/1974 الذى عُرف بقانون رفع الحراسة كان بمثابة إقرار رسمى من نظام السادات بحق ورثة كبار ملاك الأرض العقاريين فى استعادة كثير من الأراضى التى كانت قد انتزعت منهم وفُرضت عليها الحراسة بقانون الطوارئ.. كما كان بمثابة إحياء الأمل بالنسبة لبقايا الطبقات القديمة وورثتهم فى مستقبل قريب تتجلى فيه إجراءات الإرتداد عن كل ما اتخذ من مسارات فى الحقبة الناصرية.بينما مثّل القانون 96/ 1992 الذى عرف باسم قانون الإيجارات الزراعية الجديد .. مثّل ساعة الصفر التى بدأ فيها الهجوم الكبير لورثة كبار ملاك الأرض السابقين لاسترداد أراضى الحراسة الذى كان المقدمة المباشرة لهجوم تال أوسع على الأراضى التى صادرتها قوانين الإصلاح الزراعى المتعددة.كذلك شهدت فترة ما بين القانونين 69/1974 ، 96/ 1992 صدور عديد من القوانين والتشريعات و الإجراءات التى ألغت بالتدريج أو دفعة واحدة عديدا من قوانين الزراعة أو أفرغتها من مضمونها مثل قانون الدورة الزراعية وقانون التسويق والتعاون والائتمان الزراعى وترجمت سياسات هيكلة الزراعة وربطتها بمسارات جديدة تتعلق أساسا بمصالح الرأسمالية الزراعية والشركات الزراعية متعددة الجنسيات العاملة فى مجال إنتاج وتسويق مستلزمات الإنتاج الزراعى ومجال الحاصلات الزراعية، وأفضت إلى إجراءات متسارعة لربط عملية الإنتاج الزراعى بهذه الشركات.وعلى مسارات موازية كانت تجرى عملية بيع القطاع العام الص
ناعى الذى شاركت أقساط تملك الأرض -التى دفعها فلاحو الإصلاح الزراعى – فى بنائه وتحويله إلى القطاع الخاص المحلى والأجنبى بما يستتبعهما أو يسبقهما من سعى محموم لوقف أية مقاومة شعبية لتلك الإجراءات والمسارات.المقاومة:وهكذا كان إبقاء الفلاحين المعدمين والفقراء فى مقاعد المتفرجين( فيما يتعلق بتنفيذ الإصلاح الزراعى) عنصرا أساسيا فى تحديد حجم وعمق وطبيعة مقاومتهم لجملة الإجراءات التى استهدفت- فيما بعد- تجريدهم من المكاسب التى سقطت فى أيديهم بعد تطبيق قوانين الإصلاح الزراعى.كما كان إبقاؤهم مجرد منتجين للحاصلات الزراعية- دون أن يكون لهم أى دور سياسى فى تحديد مايزرعونه أو تسويقه أو تصنيعه أوفى تحديد مستقبلهم – ّ هو الذى أدى لكبح فاعليتهم السياسية الكامنة والمحتملة.ويقودنا هذا لضرورة مقاومة ذلك المنحى خصوصا وأنهم الفئة الوحيدة فى المجتمع التى لا تمتلك تنظيما نقابيا .. ويقضى بأهمية انخراطهم فى روابط ولجان واتحادات ونقابات كفاحية حقيقية تتشكل فى مجرى مقاومة النهج السابق الراهن المصرّ على إبقائهم- فى كل حقب العقود الستة الماضية- مجرد متفرجين أو مجرد منتجين دون وعى ودون فعالية سياسية.كما يبرز أيضا أهمية التضامن الطبقى بين الفلاحين والعمال والفئات المهنية والحرفية المطحونة فى المجتمع .. وكذا أهمية التضامن الدولى المهنى والسياسى بين فلاحى الجنوب وفلاحى الشمال.كما يؤكد على أهمية البدء بدرء الأوهام بشأن أشكال الكفاح الوهمى التى رسختها النخب اليسارية فى أوساط الكادحين على مدى العقود السابقة والمتمثلة فى اختزال الكفاح : فى المؤتمرات السياسية وإلقاء الخطب وتدبيج البيانات و تشكيل اللجان الورقية ورفع الشعارات الخالية من المضامين الطبقية العملية، والتمادى فى استخدام أشكال وطرق للتنظيم ثبت فشلها، والعزوف عن الميول العملية فى الكفاح وتضخم النزعات المظهرية والميول الإعلامية الاستعراضية. علاوة على درء الأوهام بشأن النضال القانونى الذى يرسخ فى أذهان البسطاء إمكانية انتزاع الحقوق الطبقية فى ساحات المحاكم بعيدا عن النضالات الحية وهذا ما يدفعنا إلى الدعوة لتأسيس لجان للتضامن مع كل الفئات الإجتماعية الفقيرة فى أوساط الفلاحين والعمال والطلاب والمهنيين والحرفيين وصغار الموظفين على أن تكون ذات مهام محددة واضحة وتميل إلى تركيم الخبرات وأساليب الكفاح وإلى دراسة قضايا المهنة والطبقة النقابية والسياسية، وتركيز النضال فى مجالاتها مع توسيع دائرته عن طريق التنسيق بين هذه اللجان.باختصار لا مناص من مغادرة الأرض القديمة للكفاح الشكلى والنهج القديم فى مخاطبة النخب أو مغازلة النظام الحاكم ، ودرء أوهام النضال القانونى والبعد عن كل أشكال النشاط المظهرى الدعائى والإعلامى لنتمكن من التخلص من الخية التى تضيق كل يوم حول أعناقنا. 28 نوفمبر 2007 بشير صقر عضو لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح لزراعىe. mail : sakrbas@ yahoo.com basher_sr @gawab.omالعنوان الإلكترونى للجنة التضامن : egyptianpeasantsolidarity@gawab.comالموقع الإلكترونى : Tadamon.katib.org * نشر المقال فى عدد أول ديسمبر 2007 ص 8 بجريدة الاشتراكى