كلمة اللجنة فى مؤتمر المجتمع المدنى والثورات العربية .. لبنان/ بيروت 11-13 مارس 2012
ينعقد هذا اللقاء تحت عنوان منظمات المجتمع المدنى فى بلاد الثورات العربية والفرص المتاحة للتأثير فى عملية التحول الديموقراطى.
وباسم لجنة التضامن الفلاحى – مصر نحيى السادة المشاركين ومنظمى المؤتمر آملين أن يبدأ أعماله من نقطة واحدة متفق عليها وهى تعريف كل من المجتمع المدنى وعملية التحول الديموقراطى فى بلاد الثورات العربية.
وفى هذا السياق يهمنا التأكيد على المحددات الآتية منطلقين من الأوضاع المصرية:
– أن الانتفاضات التى اندلعت فى بعض البلدان العربية ( تونس – مصر – ليبيا – اليمن) جرت أساسا فى المدن خصوصا الكبرى ومن ثم فهى انتفاضات مدينية ؛ بينما بقى الريف فى موقع المشاهد.
– أنها أفضت إلى ثورات سياسية ولم تبلغ حدود الثورات الإجتماعية ؛ بما يعنى أنها قامت على نفس أسس وأرضية النظام الذى ثارت عليه.
– وعلاوة على أن الشباب هو من فجرها فإن حصيلتها التى لايمكن الخلاف حولها تتمثل فى :
- · كونها كسرت جدار الخوف الذى عانى منه الشعب عقودا طويلة .
- · كما أنها رسخت فى وجدانه وعقله أن التغيير ممكن دون وسيط إذا ما أراد الشعب ذلك.
وعليه فعملية التحول الديموقراطى ممكنة فى ظل الشروط القائمة إذا ما أحسنت الشعوب استخدام تلك الحصيلة .. فضلا عن تلافى المآخذ والسلبيات والأخطاء التى اكتنفت تلك الانتفاضات والتى لا مجال للخوض فى تفاصيلها الآن ؛ ومنها ما تعانيه المنظمات الشعبية بمختلف أنواعها- بما فيها منظمات المجتمع المدنى- من تشوهات وقصورات.
ولأن المجتمع المدنى يضم مختلف التنظيمات النقابية والروابط والاتحادات والجمعيات الأهلية ماعدا الأحزاب السياسية ولأن هذه كلها ليست منبتة الصلة بالأوضاع السياسية فى المجتمع قبل الانتفاضات الأخيرة وبعدها ؛ وحيث ظل المجتمع فى السابق يعانى من الركود ومصادرة الحريات السياسية والمدنية والتضييق على الآحزاب السياسية والتشكيلات النقابية وغيرها فلا بد أن يصيبه ما أصابها من وهن وتشوهات ويبرهن على ذلك دليلان:
- · الأول هو تفجر الانتفاضات من قطاعات شبابية معظمها من خارج الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى.
- · والثانى هو إحجام الكثير مما تسمى بقوى المعارضة التقليدية عن المشاركة فى تفجيرها ؛ ويدعم هذا عمليات القفز التى جرت منها لوقف اندفاع الانتفاضات نحو تحقيق أهدافها المعلنة والحقيقية ، وحرفها عن مسارها إلى مسارب جانبية محافظة.
وفى المجتمع المصرى اتسمت معظم منظمات المجتمع المدنى وممارساتها بالسمات الآتية:
– قيام الدولة قبل ثورة 25 يناير بتشكيل الجمعيات الأهلية فى معظم محافظاتها ولذلك ظلت بعيدة تماما عن النشاط أو نشطت فى عكس الاتجاه وضد أهداف المجتمع المدنى.
– ولا يمكن الحديث الجدى عن منظمات للمجتمع المدنى إلا فى القاهرة والإسكندرية وآحاد معدودة منها فى عدد محدود من محافظات الأقاليم.
– بينما أنشأت النخب هياكل نقابية فى صفوف الفلاحين ليست أكثر من قوائم شكلية لا تمارس نشاطا حقيقيا وركزت نشاطها الرئيسى فى الأنشطة الاحتفالية التى تتحدث فقط عن التاريخ أو ورثتها من تقاليد حكم العسكر طيلة ستين عاما دون أن تحدث تأثيرا حقيقيا ولو محدودا فى وعى الفلاحين بل و كان لبعضها فعل مغاير ومضلل لوعى الفلاحين؛ فنقابات الفلاحين واتحاداتهم التى ظهرت بعد 25 يناير 2011 تكتنفها مآخذ جوهرية :
- · حيث أسست وزارة الزراعة ” نقابة فلاحية ” وضعت على رأسها عناصر من كبار الزراع ومن عملائها لم تقدم شيئا منذ الإعلان عنها سوى إقامة احتفال هزلي بعيد الفلاح ( 9 سبتمبر ) باستاد القاهرة الرياضى.
- · وأنشأ عدد من أعضاء حزب التجمع ” اليسارى ” اتحادا جديدا للفلاحين بنفس الإسم والقادة والمنطق والسياسات القديمة التى أسهمت فى انهيار اتحادهم السابق الذى اختفى منذ عام 1997 بشكل درامى بعد 14 عاما من النشاط بفعل تقديراتهم السياسية المهادنة والمهادنة للسيا سات الرسمية للدولة.
- · كما ظهر اتحاد آخر بإحدى محافظات غرب دلتا النيل باسم ” اتحاد صغار المزارعين ” لعب الدور الأساسى فيه أحد مراكز حقوق الإنسان .
- · كذلك فقد أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن شروعها فى تدبيج نقابة للفلاحين .
- · لكن البعض الآخر من هذه المنظمات اجتهد فى بناء نقابات فلاحية قاعدية ( بمحافظة المنيا ) ضمن نشاط آخر ثقافى واجتماعى يستهدف رفع وعى الفلاحين إلا أن تلك النقابات لم تفعّل بعد ولم يتخذ نشاطها الصبغة العملية.
وفى الحقيقة فإن جميع الأشكال النقابية السابقة عدا الأخيرة بُنى بطريقة واحدة هى الطريقة القديمة ( البناء من أعلى وبشكل مركزى) وليس من أسفل وبشكل محلى فى القرى والعزب والنجوع تلك الطريقة التى سادت طيلة حكم العسكر .
- · علاوة على ما ادعاه قسم آخر من منظمات المجتمع المدنى من إنشاء نقابات فلاحية لا وجود لها من الأساس لا لسبب سوى أن نشاطها الفعلى غائب عن الريف قبل وبعد 25 يناير 2011 .
- · وحتى لجنتنا ( لجنة التضامن الفلاحى- مصر ) التى كانت تسمى ( لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح الزراعى- مصر) وضمت فى بداية تأسيسها مجموعة من المناضلين والسياسيين الراديكاليين والرموز والقيادات الفلاحية – تساقط بعضها فيما بعد بفعل السن والمرض والوفاة – لم تنشط سوى فى بضع عشرات من القرى ( 35 قرية فى سبع محافظات ) بينما آلاف القرى فى عشرات المحافظات فى وادٍ آخر؛ وهذا ما يفسر لماذا اقتصرت مشاركة فلاحى مصر فى أحداث 25 يناير 2011 على مشاهدتها فى الفضائيات ، ولماذا نؤكد أنها ثورة المدن الكبرى فقط، ولماذا توقفت من حيث النتائج عند الحدود الراهنة ولم تتقدم عنها..؟
– ورغم اختلاف الوضع فى أوساط العمال وانخراط أعداد لا بأس بها فى نقابات جديدة مستقلة بعد ثورة 25 يناير فلقد ظهرت بعض المؤشرات غير المطمئنة والتى تثير الهواجس فيما هو قادم بشأن سلوك بعض قادة هذه التشكيلات النقابية الجديدة التى ترشحت فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة على قوائم حزب الإخوان المسلمين ؛ والغريب فى الأمر أن معظم هؤلاء من مجموعات ذات طابع ناصرى وهو ما يثير الريبة فى تلك الهيئات أكثر مما يثير الامتعاض، و سينعكس بالقطع على هيئات هؤلاء النقابيين واتحاداتهم ونقاباتهم المستقلة بأسوأ الآثار.
– ولأنه لا يمكننا حصر وعرض كل تجليات أنشطة منظمات المجتمع المدنى المصرية فإننا نكتفى بتوضيح أن الكثير منها خارج خدمة المجتمع المدنى- والقليل منها هو الملتزم بالأهداف التى أعلنها أمام الجمهور أو أمام ضميره – علاوة على وجود الكثير من المخاطر القائمة والمحتملة التى تشكلها بعض أنشطتها على مسار الثورة والمجتمع المدنى.
– وبهذه المناسبة نشير إلى أن الحملة التى دشنها مؤخرا المجلس العسكرى الحاكم فى مصر بدعم وتواطؤ من جماعات الإسلام السياسى والحزب الوطنى وحمّلها بمختلف الاتهامات التى انهالت على عدد من هذه المنظمات لن تتوقف عند الحدود التى بلغتها مؤخرا بل ستستمر بأشكال وآليات جديدة ؛ ولم يكن الزج بعدد من المنظمات الأجنبية ضمن هذه الحملة إلا لكسب الرأى العام وتأليبه عليها وتحريضه ضدها لتقليم أظافرها و إبطال فعالياتها.
– ولأن الانتفاضات العربية تعبر بشكل مباشر وجلى عن مدى القهر الواقع على الجماهير وعن حجم المظالم التى تتعرض لها وعن عمق الفقر والعوز والبطالة التى ألمّت بها ؛ وعن الإمكانات الكامنة في تلك الجماهير المنتفضة ، فإنها تفصح أيضا عن أن ميزان القوى الطبقية والسياسية القائم فى تلك المجتمعات هو الذى أفضى إلى حصاد محدود مقارنا بطاقاتها الكامنة ومقدماتها الهائلة.
– لذلك تمثل العودة إلى بديهيات وأسس العمل السياسى والنقابى فى المجتمعات العربية إحدى أهم العوامل التى تضع المجتمع المدنى على المحك بغرض فرز هيئاته الجادة عن غيرها ؛ وخلق تيار حقيقى فى المجتمع يعيد صياغته ويخلق الشروط المناسبة والحاضنة له ويستثمر الظروف العامة والمناسبات الملائمة للتأثير الفعال فى السياسات الراهنة بل وفى دفع الفئات الاجتماعية المختلفة للإمساك بمقدراتها.
– وعليه يكون تبادل الخبرات بين مؤسسات المجتمع المدنى فى المنطقة والإقليم والعالم ذا قيمة فعالة حقيقية ، ويساهم فى التحديد الدقيق لأهم الأحداث ولأساليب التدخل لتقليص حجم الفرص الضائعة وزيادة المستثمر منها بغرض صياغة جديدة للتضامن الشعبى والإنسانى على المستوى الإقليمى والعالمى.
بيروت / مارس 2012
Email: sakrbash@yahoo.com
Web site ; tadamon.katib.org
ahewar.org/m.asp?i=1625
ahewar.org/m.asp?i=2451
ahewar.org لجنة النضال الفلاحى – مصر