نداء إلى فلاحى الإصلاح الزراعى بالبحيرة وكل محافظات مصر

فرحة غامرة عمّت قرية العمرية مركز دمنهور وعدد من القرى المجاورة عندما استجابت المحكمة لمطالب فلاحيها بشأن الدعوى القضائية التى رفعوها  لمطابقة قرارات الإفراج عن بعض أراضى عائلة نوار الإقطاعية بمحافظة البحيرة بما تحت يدها من أراض؛ وما استتبعه من استخراج استمارات البحث الاجتماعى التى حصل كثير من الفلاحين بموجبها على أراضى الإصلاح الزراعى، هذا وقد اتخذت هيئة الإصلاح الزراعى القرار رقم 48 / 2 / 2012  فى 18 يناير 2012 لتنفيذ الحكم وقررت تشكيل لجنة تختص ببحث الموضوع على الطبيعة .

– هذا وتتمثل أهمية تلك الدعوى القضائية  فى أنها تفتح جحر الأفاعى وتكاد تمد يدها فيه ؛ بمعنى أن مطابقة قرارات الإفراج عن بعض الأراضى المذكورة بما تحت يد أفراد الأسرة الإقطاعية من مساحات سوف يظهر حقيقة الادعاءات التى يتبناها الفلاحون وينفيها الإقطاعيون بأن هناك قرارات  تم استصدارها والحصول عليها بالتلاعب والتدليس ، وأخرى تم استخدامها  فى سلب أراضي الفلاحين التى صادرتها قوانين الإصلاح الزراعى الثلاثة رغم أنها – أى القرارات – تختص فقط بالأراضى التى سبق فرض الحراسة عليها.

– والأهم من كل ذلك هو أن مطابقة المساحات المدونة فى قرارات الإفراج بالمساحات الموجودة فعلا تحت يد أفراد الأسرة الإقطاعية يتطلب أن يتم ذلك بمعاينات على الطبيعة تتطلب جهدا ووقتا ودقة وأمانة وصبرا .

– وحيث نشرت لجنة التضامن الفلاحى هذا الخبر فى 27 فبراير 2012 على موقعها الإلكترونى ومن تفاصيله شروع هيئة الإصلاح الزراعى بالقاهرة فى تشكيل لجنة لبحث الموضوع على الطبيعة لذلك طالبنا فى لجنة التضامن بأن يكون أعضاؤها ممن لم يسبق لهم العمل بمديرية الإصلاح  بالبحيرة لتوفير الحياد المطلوب فى مثل هذه الحالات.

ولأن الفلاحين يوجهون أصابع الاتهام لعدد من العاملين بمديرية الإصلاح بالبحيرة ، بعضهم توفى وبعضهم قضى نحبه إبان حبسه فى السجن بينما أغلبهم مازال يرتع طليقا فى دهاليز المديرية فسوف يستميتون فى وقف عملية المطابقة على الطبيعة ؛ وإن لم يستطيعوا فسيحاولون استمالة أعضاء اللجنة أو وضع العراقيل فى طريقها أوالتدخل فى شئونها ؛ وإن فشلوا فسيخفون المستندات الدالة التى  تم استصدارها  لصالح الأسرة الإقطاعية بطريق التلاعب والتدليس إن لم يكن قد تم إخفاء الكثير منها مؤخرا .

– ولأن بعض الفلاحين لا يميزون بين نوعين من الأراضى التى انتقلت من الإقطاعيين  إلى هيئة الإصلاح الزراعى :

1- نوع تمت مصادرته بقوانين الإصلاح الزراعى الثلاثة ( يسمى أرض الاستيلاء ) وأصبحت ملكيته للدولة  ممثلة فى هيئة الإصلاح الزراعى وكان يوزع على الفلاحين بنظام التمليك المقسط أى أن ثمنها يدفعه الفلاحون على أقساط سنوية لمدة 40 سنة.

2- ونوع آخر فُرِضت عليه الحراسة أى تحفّظت عليه الدولة لكنه ظل ملكا للأسر الإقطاعية من الناحية القانونية  وهذا النوع  قامت هيئة الإصلاح بإدارته أى بتأجيره للفلاحين وتحصيل إيجاره منهم وإعادته للأسر الإقطاعية مقابل خصم جزء محدود نظير الإدارة والتحصيل، ولذلك كان عقد الإيجار محررا بين الفلاح المستأجر وبين مدير جمعية الإصلاح الزراعية .

– وهذا هو الفرق بين النوعين فأحدهما يتم تمليكه والآخر يتم تأجيره؛ أى أن الفلاح يدفع سنويا قسط التمليك فى النوع الأول ، ويدفع إيجارا سنويا فى النوع الثانى، أو بمعنى آخر الأول تتوقف أقساطه بعد 40 سنة والثانى يتم دفع إيجاره كل عام دون توقف.

– وحيث قام السادات فى عام 1974 باستصدار قانون رفع الحراسة رقم 69 فقد وجب على الدولة آنذاك رفع يدها عن النوع الثانى من أراضى الإصلاح الزراعى ( أرض الحراسة ) ، ولأن القانون لم يسمح بنزع أرض الحراسة من الفلاحين المستأجرين لها فقد طالب الدولة بتعويض الإقطاعيين عن أراضى الحراسة تعويضا نقديا والإبقاء على الأرض المستأجرة تحت يد الفلاحين حتى لا تحدث هزة فى المجتمع نتيجة حرمانهم من مصدر رزقهم الذى اعتمدوا عليه سنين طويلة مع التزامهم بتحريرعقود إيجار مع أصحاب الأرض الفعليين بدلا من مدير الجمعية الزراعية؛ علاوة على أنه فى  جميع الأرض المستأجرة كان يستحيل طرد المستأجرين منها طالما كانوا منتظمين فى دفع إيجارها.

هذا وقد كان ( عدم تمييز بعض الفلاحين بين هذين النوعين من أراضى الإصلاح ” الاستيلاء والحراسة “) سببا فى سلب كل أراضى الحراسة علاوة على الكثير من أراضى النوع الأول ” الاستيلاء ” بقرارات الإفراج التى تخص أراضى الحراسة فقط .. لكن كيف تم ذلك..؟ إليكم القصة بالتفصيل:

– كانت أراضى الحراسة فى كثير من القرى متجاورة مع أراضى الاستيلاء فى نفس الحوض ؛ أو كانت تقع فى حوض آخر لكن بنفس الإسم ( حوض البرنس مثلا ) إلا أن حوض أرض الحراسة كان يسمى البرنس رقم 1 وحوض أرض الاستيلاء يسمى البرنس رقم 2 ؛ فإن قرارات الإفراج التى تصدر لأرض الحراسة قد لا تتضمن الرقم 1 أو 2 بل تكتفى باسم الحوض فقط ، وربما كانت الخطابات التى تتم كتابتها لتنفيذ قرار الإفراج قد أسقطت سهوا أو عمدا رقم الحوض واحتفظت باسمه فقط ، لذلك كان الإقطاعى يقوم باستخدام قرارالإفراج ويحصل به على أرض الاستيلاء أولا بالتفاهم مع موظفى مديرية الإصلاح بالمحافظة الذين يقومون بالتنفيذ؛ ثم ينتظر عدة سنوات ويدعى أن قرار الإفراج لم ينفذ ويطالب بتنفيذه ويحصل بموجبه على أرض الحراسة فى الحوض الآخر الذى له نفس الإسم ؛ وعادة ما يتم ذلك فى المرة الثانية أيضا بمساعدة هؤلاء الموظفين فى مديرية الإصلاح  الزراعى من ذوى النفوس الضعيفة.

وبذلك يحصل الإقطاعى أو ورثته بقرار إفراج واحد على ضعف المساحة  الموجودة بقرار الإفراج .. نصفها فى أرض الاستيلاء والنصف الثانى فى أرض الحراسة.. وهكذا.

– ونلفت نظر الفلاحين إلى نقطة شديدة الأهمية وهى أن تنفيذ قرارات الإفراج عن أرض الحراسة كانت تتم على الورق ولذلك لم يتنبه الفلاحون لذلك ؛ فلو كان من حق الإقطاعى استلام الأرض فورا لاكتشف الفلاحون اللعبة ؛ لكنها كانت تتم فقط فى سجلات المديرية وجمعية الإصلاح الزراعية وهنا كانت المشكلة ، والسبب هو أن القانون كان يمنع طرد المستأجر ما دام منتظما فى دفع إيجار الأرض.

– إلا أن بعض الإقطاعيين تمكنوا من طرد المستأجرين من أراضى الحراسة بمجرد صدور قرارات الإفراج فى عهد السادات حيث كان العنف والتهديد هى الوسائل التى يستخدمونها مع المستأجرين.

– لكن معظم الفلاحين رفضوا التهديد أوترك الأرض حيث كان القانون مازال يحمى المستأجرين ولذلك لم يتم طردهم إلا بعد صدور وتنفيذ قانون العلاقة بين المالك والمستأجر  رقم 96 الذى صدر عام 1992 وتم تنفيذه عام 1997 فى عهد مبارك.. وهذا يعنى أن السادات هو الذى خطط ووضع البذرة فى الأرض وأصدر قانون رفع الحراسة عام 1974 وأتم مبارك المهمة فقام بالتنفيذ والحصاد بقانون المالك والمستاجرعام 1997 .

– من جانب آخر فإن جميع قرارات الإفراج عن أراضى الحراسة كانت تختم بخاتم ينص على” لا يعتد به كسند للملكية ” أى أن قرار الإفراج عن الأرض لا يثبت ملكيتها لمن سبق وأُخِذَت منه من الإقطاعيين، وتوضيحا لذلك :

كان الإقطاعى يكتب إقرارا بما تحت يده من أرض وكانت هيئة الإصلاح الزراعى تترك له الحد الأقصى للملكية وتصادر ما زاد عن هذا الحد؛ كذلك لم تكن الهيئة تبحث فى الوضع القانونى للأرض : وهل هى مسجلة باسمه فى الشهر العقارى أم مشتراة بعقد ابتدائى  أم مستبدلة بأرض أخرى أم كانت وضع يد أم مغتصبة من آخرين ؟ ، ولذلك فعندما تقرر الإفراج عن أرض الحراسة كان من الواجب على الإقطاعى – حسبما ينص قرار الإفراج- أن يثبت ملكيته لها  لكى تدون فى سجلات الجمعية الزراعية على أنها تخصه وكان من الطبيعى أن يتم ذلك دون أن يضع يده عليها .. لكن مديريات الإصلاح الزراعى فى الأقاليم والجمعيات الزراعية لم تنفذ شيئا من هذا؛ لذلك تم تدوين أراضى الحراسة فى الجمعيات الزراعية باسم الإقطاعيين.

– ولأن معظم الإقطاعيين – إن لم يكن كلهم – كانت أغلب أراضيهم غير مسجلة بأسمائهم فى الشهر العقارى وكان الكثير منها مغتصبا فلم يتمكنوا من رفع قضايا طرد ضد المستأجرين الذين رفضوا الخروج منها لسبب بسيط هو أن المحكمة كانت ستطالبهم  بسند الملكية، ومن هنا كان السبيل الوحيد لاسترداد الأرض فى معظم الحالات هو البلطجة.

 – إذن فقد كانت قرارات الإفراج عن أراضى  الحراسة هى المفتاح السحرى الذى قدمه السادات للإقطاعيين وورثتهم لاسترداد أرض الحراسة .. بل واستخدموها فى سلب أرض الاستيلاء التى صادرها قانون الإصلاح الزراعى؛ كما استخدموها فى استرداد أرض الحراسة ولم يكن ذلك إلا بناء على قانون رفع الحراسة رقم 69 لسنة 1974 ، ولم ينس السادات قبل أن يرحل أن ينشئ لهم المحاكم التى تعطيهم الأحكام الكفيلة بطرد الفلاحين من الأرض وهى “محاكم القيم ” التى كان نصف أعضائها يعينون من خارج الجهاز  القضائى ويتم انتقاؤهم من الكارهين للفقراء والفلاحين وهى محاكم استثنائية وأسوأ من المحاكم العسكرية.

– وعليه كان التلاعب الذى قام به عدد من مديرى وموظفى مديريات الإصلاح الزراعى بالأقاليم والهيئة العامة للإصلاح الزراعى بالقاهرة هو الأداة التى استُخدِمت فى إصدار كثير من قرارات قرارات الإفراج المزورة والمضروبة  والتى استعاد بها كثير من الإقطاعيين جانبا كبيرا من أراضى الإصلاح الزراعى بنوعيها.

من هنا كان ضروريا أن تطالب لجنة التضامن الفلاحى باستبعاد كل من يعمل أو سبق له العمل بمديرية الإصلاح الزراعى فى المحافظة من عضوية اللجان التى تطابق بين قرارات الإفراج وبين مساحات الأرض الفعلية التى تحت يد الإقطاعيين داخل كل محافظة ومقارنتها باستمارات البحث الاجتماعى للفلاحين الذين انتفعوا بالأرض المصادرة وبالأرض التى فرضت عليها الحراسة لتظهر الحقيقة واضحة وتعود الأرض المهربة والمغتصبة والمفرج عنها إلى حضن زراعها من الفلاحين.  

              الجمعة  13 إبريل 2012           لجنة التضامن الفلاحى- مصر                       www.tadamon.katib.org