حديث مع الصديق كمال خليل: لا يمكن استبدال السير وراء النظام الحاكم بالإمساك في ذيل جماعة الإخوان
على إحدى مقاهى القاهرة مع الصديق العزيز المهندس كمال خليل حول التظاهرات الجماهيرية الأخيرة التى شاركت فيها جماعة الإخوان بعد تعديل الحزب الوطنى للمادة 76 من الدستور المصرى والتى كانت إحدى الأسباب المباشرة لتلك التظاهرات التى اندلعت في عدد من المدن المصرية وبالذات مدينة القاهرة حدد فيه الصديق كمال تصوره لها وللأسباب التى دفعت جماعة الإخوان للظهور فيها بهذا الحجم وكذا المحاذير التى ينبه إليها على النحو التالى:
· يثمن الصديق كمال عاليا نشاط الإخوان الجماهيرى في تلك التظاهرات، ويرجع ذلك إلى قوى الشباب الضاغطة داخل تنظيمهم مؤكدا على أن هناك تغييرا في النهج السياسى للجماعة.. خصوصا في الشعارات.· ويحذر من تقديرات اليسار المهادن المناوئ للإخوان والمرتعب من بروز نشاطهم مؤخرا.· ويحدد أن هدف الإخوان الحالى هو استغلال الظرف الراهن للحصول على مكسب سياسى.. بحزب علنى.· ويدعو حركة كفاية إلى التحالف مع جماعة الإخوان.· كما يدعو عموما للتحالف مع الإخوان ضد النظام.· ويحذر من الإنعزال عن حركة الشارع (حيث الإخوان القطب الأبرز)· ويرى أن الإبتعاد عن الإخوان في هذه الحركة من جانب القوى المعارضة للنظام الحاكم سوف يؤدى إلى العزلة.. ومن ثم إلى الموت.ولنا على حديث الصديق كمال الملاحظات السريعة الآتية:· كان نزول الإخوان إلى الشارع مؤخرا.. استجابة واستثمارا لتصريحات وزيرة خارجية الولايات المتحدةالأمريكية بعدم ممانعتها في إقامة حكم إسلامى معتدل في مصر، والإخوان شأنهم شأن النظام الحاكم يستقوون بالخارج وعلى وجه التحديد بالولايات المتحدة، وهناك سابقة لذلك.. وهى تصريحات أوبيان المرشد العام للإخوان صبيحة صدور مشروع الشرق الأوسط الكبير.. الذى كان صدى لذلك المشروع فيما يتعلق بمصر.· والإخوان شاركوا الحزب الوطنى في شحن الجماهير إلي الإستادات الرياضية بالقاهرة والأقاليم إبان الهجوم الوشيك على العراق في بدايات عام 2003، وقد كانت تلك المناسبة فرصة ذهبية لهم ليحتجوا على الحملة الأمريكية المسعورة على العراق.. والتى تحضر لعملية الغزو شأنهم في ذلك شأن الكثير من القى المعارضة لكنهم لم ينزلوا الشارع.. ولم ( يشاءوا ) أن يستقلوا بموقف مميز يضع الفوارق بينهم وبين النظام من ناحية.. وبينهم وبين العديد من القوى السياسية الأخرى_ ولو من زاوية القدرة على الاحتجاج من ناحية أخرى، لكنهم شاركوا النظام بكل أسف في تفريغ شحنة الغضب الجماهيرى من مضمونها وتعاونوا مع النظام الحاكم في مهزلة الإستادات الرياضية. · أما ما يتعلق بالشعارات التى رفعوها في المظاهرات _ الخاصة باستعراض القوة بعد الصياغة النهائية لتعديل المادة 76 من الدستور_ والتى تختلف عن شعاراتهم التقليدية (والتى هى دائما شعارات لاتحمل مضمونا سياسيا برنامجيا أو مطلبيا.. خصوصا شعار الإسلام هو الحل) .. فأمرها يرتبط بتاكتيكاتهم الزئبقية.. فلا هى شعارات يمكن تسميتها بالشعارات المرحلية التى يتم تجاوزها بمجرد تحقيقها، ولا بأنها ترتبط بتحديث أو تفصيل لشعاراتهم العامة، ولا بأنها تطور كيفى لمعركة جديدة تتطلب هذه النقلة.. إنها محاولة لكسب المؤيدين من مختلف التيارات السياسية الوسطية.. أو المهادنة للنظام لاأكثر.. وكسب تأييد جماهير مختلف التنظيمات السياسية.. وقبل ذلك كله لكسب مزيد من الشعبية.· وعن تفسير بواعث هذا النشاط الجماهيرى الجديد، والزعم بأنه بسبب ضغوط الشباب داخل الجماعة فهو لا يفسر نشاطهم بالتعاون مع الحزب الوطنى إبان حشود الإستادات الرياضية السابق الإشارة إليها.. فضغط الشباب إن صح كان قائما آنذاك بل وكان على أشده، لأن الاستنفار الجماهيرى في مصر لم يكن أقل منه في العديد من الدول الأوربية .. عندما اندلعت مظاهرات الملايين في 700 مدينة أوربية وأمريكية وآسيوية في 15/2/2003 دفعة واحدة ..· وبصرف النظر عن إحجام الجماهير عن نزول الشوراع في مصر عندما تدافعت حشود الطلاب والتلاميذ.. وغيرهم إلي الشوراع بعشرات الآلاف.. مما يدل على أن هناك بواعث أخرى بخلاف ادعاء ضغوط الشباب. ويمكن اعتبار" باعث الحصول على مكسب سياسى يتلخص في سعيهم لانتزاع حزب علنى لهم" هوالأقرب إلى الصحة، لكنه ليس باعثا مجردا.. قدر ما هو مرتبط بتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية السابق الإشارة إليها.أما عن الاستنتاجات:1– فالتحذير من تقديرات يطلقها اليسار المهادن المرتعب من بروز النشاط الجديد للإخوان، تلك التقديرات لا تقتصر على هؤلاء المهادنين.. بل إنها تلتقى مع تقديرات عديدة لمجموعات ترتبط بالنظام الحاكم بشكل أو بآخر.. سواء بدافع المصلحة.. أو بدافع الحالة العقلية السياسية والفكرية لمن في حكمهم.. كما تتشابه مع آراء مجموعات أخرى .. تؤيد تصريحات النظام وأقطابه في رفضهم لفرض أجندة أمريكية للإصلاح السياسى على المجتمع المصرى، ومن ثم تلتقى مع النظام في تأييد ذلك الرفض ناسية أنه ليس من الضرورى لإبراز عدائهم لأمريكا تأييد النظام في ذلك الرفض .وذلك التحذير الذى ينسب هذا التقدير لليسار المهادن وحده يستهدف-دون أن يدرى- إبراز الفارق بينه وبين اليسار المهادن..أكثر من إبراز صحة الدعاوى التى تسعى لدفع كفاية للتحالف مع الإخوان.. وتسعى بشكل جدى لتحالف أصحاب ومطلقى ذلك التحذير مع الإخوان.. وذلك بافتراض صحة إمكانية التحالف معهم .خلاصة القول أننا نقر أن ينسب لليسار المهادن انحيازه الضمنى للنظام في مواجهة الإخوان لكن لا يمكن الموافقة على النصح بالتحالف معهم.. أو دفع كفاية.. والآخرين لذلك ، فكلا الإنحيازين وجه عملة للآخر.2-أما النصح بعدم الإنعزال عن الحركة الوليدة المطالبة بالديمقراطية.. فهو نصح في مكانه، لكن ربط عدم الانعزال عن هذه الحركة بالتحالف مع الإخوان هو مكمن الخطر الداهم. فالإخوان مع الديمقراطية.. حتى يحكموا.. وإذا تمكنوا.. فحدث ولا حرج عن تلك الديمقراطية وتلك بديهية يدعمها التاريخ.. وتؤكدها أدبياتهم.. المنتشرة في أكثر من بلد عربى.الإخوان كانوا مع الملك ضد الشعب ومع الديكتاتور إسماعيل صدقى ضد الوفد والحريات ومع الرأسماليين ضد العمال، مع الإقطاع ضد الفلاحين، ومع المشانق والرصاص ضد المسيحيين والمعارضين. ولا يمكن تفسير ذلك النصح إلا بحالة ( إنعزالى يتحدث عن الجماهير في زمن السلم في حجرة مغلقة) وعندما يراها في الشوارع ينسى كل محاذيره عن اليمين وعن الانحياز للقوى الرجعية التى تعادى الثقافة والموسيقى والفن وحق المرأة في العمل وحق الآخرين في الاختلاف، وعن الإستقواء بالولايات المتحدة، والتحالف مع الإستعمار، وعن استقلالية الموقف.. وتكتيكات كثيرة صائبة كانت تطلقها مجموعات يسارية نشيطة في السبعينيات عن النظام الحاكم آنذاك مثل (الضرب معا.. والسير منفردين ..إلخ) وذلك إبان الحديث عن مواجهة مشتركة ضد الإستعمار.3- فهل يرىالصديق العزيز.. في التحالف مع الإخوان جبهة ضد النظام؟! وأى جبهة تلك؟ التى تضم غلاة اليساريين مع اليمين الفاشى؟ في أى تراث قرأ ذلك؟ وفى أى أدبيات ذكرت؟!4-إن الصديق العزيز لم يستخدم حتى عبارة التنسيق (الذى هو أخف وطأة رغم أنه يزرع الأوهام ويقود إلى جهنم ) بدلا من التحالف.. التنسيق الذى يمكن اعتباره مرحلة مؤقتة.. و تنتهى ، أو فترة لجس النبض.. واختبارا للنوايا مع فصيل لم يطرح برنامجا سياسيا طوال أكثر من ثمانين عاما، بل طرح شعارات شديدة العمومية محتمية بدرقة سلحفاة حجرية( إسمها الإسلام هو الحل) ، وبتاكتيكات زئبيقة، وتصريحات من بعض قادتهم وأمرائهم على نفس الشاكلة.. إحداها تنفى الواقعة.. والأخرى تؤكدها.لكنه وللأسف لم يستخدم ذلك التعبير.. فهم – أى الإخوان _ إبان دعم الإنتفاضة الفلسطينية (2000-2003) كانوا مناوئين لنشاط اللجنة الشعبية المصرية لدعم الإنتفاضة.. محرضين عليها أجهزة الأمن .. مشككين في مصداقيتها.. مستهدفين إنفرادهم بعملية الدعم…لماذا ؟؟ ..لانفهم.· لقد نزل الإخوان المسلمون إلى الشوارع مؤخرا.. في استعراض للقوة لأنهم جندوا آلاف الشباب بعضهم في حالة نشاط.. وأغلبهم في خلايا نائمة، ومن ثم فمجاراتهم تتطلب أنصارا.. وعاطفين.. وزملاء ليس من الضرورى أن يساووهم في العدد.. ومن هنا كيف يمكن لمئات أن يوازنوا في النشاط والثقل الآلاف؟ وبالتالى كيف يتسنى لهم التحالف معهم؟ هذا إذا كانت الأهداف متقاربة.. فما بالنا إذا كانت التوجهات متعاكسة، والأهداف متصادمة..؟؟· إن الإخوان يسعون لجذب الجماهير.. وتهديد النظام.. والإستقواء عليه بقوى خارجية وأموال مجهولة المصدر.. والجماهير التى يسعون إليها تتضمن جماهير التنظيمات السياسية والدينية الأخرى.. ولن يكون لشعارات التحالف التى يطلقونها أية مصداقية إلا في جر تلك الجماهير خلفهم.. والأيام القادمة ستضع هذا التنبؤ موضع الاختبار. أما عن الحلول:فلابد من التنبه لما ذكره تفسير الصديق العزيز.. لمظاهرات الإخوان الأخيرة والخاص بضغوط الشباب داخلهم.. حيث أن أعدادا ليست بقليلة من الجمهور المحيط بهم.. هم من سواد الشعب المطحون.. الباحث عن فرصة عمل.. الضائع بين الشعارات الإسلامية وبين ما تبثه بعض القنوات الفضائية. إن ذلك الجمهور.. يمكن أن ينصت لما يقوله اليساريون الحقيقيون غير المهادنين وغير المزايدين من ضرورة تحديد موقفهم فى الصراع بين الإستبداد والحريات، بين الفساد والعدل ، بين أصحاب الأعمال والعمال، بين الفلاحين والإقطاع العائد..بين الفاشيين والديمقراطيين الخ. والجمهور عموما وليس جمهور الإخوان فقط سوف تجذبه الأفكار العملية والتاكتيكات المحكمة النى تتعلق مباشرة بمصلحته.. ففى الريف هناك المعارك الدائرة بين فلاحى الإصلاح الزراعى وبين أحفاد الإقطاعيين السابقين وأبنائهم، ومثل هذه المعارك تجذب كثيرا من الفلاحين وليس فلاحى الإصلاح فقط بل تجذب أبناء الفلاحين من صغار الموظفين والمهنيين والعاطلين من الفقراء وخريجى المدارس المتوسطة والجامعات.. وهكذا يمكن السعى لعدم الإنعزال عن الجمهور.. فهناك بالقطع العديد من الأفكار والتقديرات في هذا الصدد تيسر ذلك المسار لدى الكثير من المناضلين بعيدا عن عبارات النصح السميكة والغليظة عن التحالف مع جماعة الإخوان.. التى لا جدوى منها.إن من الأجدى البحث أولا عن رص صفوف اليسار غير المهادن وغير المزايد ومن في حكمه، والبحث عن صيغة أوسع لضم الديمقراطيين للمواجهة القادمة مع كتائب الفاشيين ومجموعات المصالح التى تقود النظام الحاكم ) وساعتها لن تقبع الجماهير في مقاعد المشاهدين كعادتها ولن تنخدع فى أو تتهيب من تحذيرات صديقنا العزيز التى تستبدل السير في أعقاب النظام الحاكم بالإمساك في ذيل الإخوان المسلمين.
11/5/2005 بشير صقر