لماذا لا يقاومون طردهم من الأرض بالشدة اللازمة؟ .. الفلاحون بين جبروت النظام الحاكم وطراوة اليسار. (2) *
تناولنا فى الجزء السابق الظروف التى واكبت صدور قانون الإصلاح الزراعى والدرجة التى تبنى بها مجلس قيادة ثورة يوليو 52 فكرة القانون وتجليات ذلك، والثغرات الى تضمنها القانون وموقف أنور السادات عضو مجلس القيادة من الفلاحين والحركة الفلاحية التى اضطرمت فى قرية كمشيش فى مواجهة الإقطاع، وكيف دارت المعركة بين ضباط يوليو والأحزاب السياسية بينما جماهير الفلاحين فى مواقع المشاهدين، وأشرنا لموقف جماعة الإخوان المسلمين المناوئ للقانون والداعم للإقطاع من الناحية المعنوية فضلا عن الكيفية التى تعامل بها مختلف الإقطاعيين مع تطبيق القانون ورد فعل النظام الوليد إزاءهم.،،،،،،،،،،لقد كانت مقاومة عدد من الإقطاعيين لإجراءات تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي والتحايل عليه وخلق المشاكل السياسية وتشكيل مزيد من العقبات للسلطة الجديدة سببا في إبعاد بعضهم من الريف إلى المدن الكبرى.. واستخدام قانون الطوارئ في التحفظ على بقية الأرض التى لم يصادرها قانون الإصلاح الزراعى ..حيث قامت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتأجيرها لقطاع آخر من الفلاحين مع بقاء ملكيتها للإقطاعيين وإيصال إيجارها السنوي لهم بعد تحصيله من الفلاحين.وهذا النوع من الاراضي اشتهر باسم أراضي الحراسة الذي كان القضمة الأولى لسياسات النظام الحاكم في عصر السادات فيما بعد والذي دشن عملية الإرتداد الكبرى عن السياسيات الناصرية في مجال الزراعة بالقانون 69 لسنة74.أما بالنسبة للسياسات الزراعية فقد كانت سلطة يوليو واضحة في صياغتها و تطبيقها و تركزت في:§ الدولة هي المورد الوحيد لمستلزمات الإنتاج الزراعي كالبذور والتقاوى والأسمدة والمبيدات والآلات الزراعية بل والأعلاف.. والمحدد لأسعارها.
§ وتضع دورة زراعية غير قابلة للخرق وتحدد نوعية المحاصيل المنزرعة ومساحاتها استنادا غلى الإحتياجات المحلية والالتزامات التصديرية.
§ وتحتكر تسويق عدد من المحاصيل كالقطن وقصب السكر، وتلزم الفلاحين بتوريد كميات محددة من محاصيل الحبوب لها بالأسعار التي تفرضها وتقل كثيرا عن الأسعار العالمية.
– وتفرض عددا من الضرائب والرسوم والتمغات تختص بالأراضي والمحاصيل ومستلزمات الإنتاج الزراعي.
– كما سنت تباعا عددا من القوانين المتعلقة بالائتمان والتعاون والتسويق، علاوة على انفرادها بإنشاء التنظيمات التعاونية (الإنتاجية والإستهلاكية) ، فضلا عن كون التنظيم السياسي الوحيد سواء كان هيئة التحرير أو الإتحاد القومي أو الإتحاد الإشتراكي تنظيم حكومي وتمثل عضويته شرطا لممارسة العمل السياسي والنقابي أو أي عمل عام. لقد كانت جملة هذه السياسيات وتطبيقاتها تصب في مصلحة وخزانة الدولة ولم تترك للفلاحين أي هامش ولو ضيق للمساهمة في تحديد السياسة الزراعية أو حتى إنشاء التنظيمات التعاونية والنقابية.. ناهيك عن مصادرة حق التنظيم السياسي.. واقتصاره على التنظيم الحكومي واستمرار هذا الوضع طويلا دون تغيير أو تعديل أو حتى قراءة لنتائجه سلبا وإيجابا إلي أن وقعت هزيمة 1967.– لقد تفجرت في بعض البؤر المعارك المسلحة بين الفلاحين والإقطاع نظرا لإستمرار حيازة الإقطاعيين للأرض دون مساس وتهربهم من القانون وإصرارهم على استمرار وضعهم في القرى بطريقة ومستوى أشبه بما كان عليه قبل 52.. مما حدا بالدولة لعزلهم من مناصبهم في العمودية.. وعزلهم سياسيا.. أو إبعادهم عن الريف..– وفي الوقت الذي كانت الدولة تحتفظ لبعضهم بسجلات جنائية كانت الأجهزة البوليسية تتصدى للفلاحين وقادتهم بعنف وتعتقل بعضهم أو تعزلهم سياسيا أو تحدد إقامتهم كما حدث مع صلاح حسين الذي أمضى حياته السياسية من 52 وحتى 1966 متعرضا على الدوام لهذه الإجراءات الثلاثة، وفي نفس الوقت كانت تحاصر أية حركة فلاحية تشتم منها إمكانية تجاوزها للحدود التي وضعها النظام الحاكم للنشاط السياسي.. ولأن الحركة في كمشيش أظهرت للعيان تهرب الإقطاع من قانون الإصلاح الزراعي وألمحت لمن يكون وراء ذلك وكشفت فساد كل الهيئات الإدارية ذات الصلة بالموضوع.. علاوة على إدراكها لما يمكن أن يدبر لإسقاط النظام الحاكم في مصر وربطت ذلك بعدد من التحركات الرجعية في الداخل.. أيقن الإقطاعيون المخاطر التي سيتعرضون لها لواستمرت حركة الفلاحين في كمشيش فى التصاعد.. كما أيقنت قطاعات متنفذة في النظام الحاكم بأنها قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء.. بحديثها اليومي عن المزارع التعاونية.. وإمكانية تطبيقها في القرية.. وباقتراحاتها التي لا تخلو من جسارة بمطالبتها بالإستيلاء على ما تبقى من قصور العائلة الإقطاعية لإستخدامها كمرافق عامة ولمنع توظيفها في عمليات التدبير والتخطيط ضد حركة الفلاحين.من هنا كان لابد من التخلص من مثل هذه القيادات حيث تم إغتيال دسوقي أحمد في المنيا وصلاح حسين في كمشيش في شهرين متتالين عام 1966.– وبهزيمة عام 1967 بدأت مرحلة جديدة.. اتخذ فيها النظام منحنى الهبوط والتدهور ولأول مرة في وجود عبد الناصر نصادف أحكاما قضائية لصالح صغار الإقطاعيين لاسترداد بعض أراضيهم الموضوعة تحت الحراسة ونشاهد رجال الشرطة ومُحضر التنفيذ بصحبة الإقطاعي عام 1969 متوجهين لأراضي الحراسة بهدف استعادتها.. ونظرا للمقاومة التى أبداها الفلاحون أصدر عبد الناصر قرارا بوقف تسليمها طالما يزرعها الفلاحون.– وبوفاة عبد الناصر وبإزاحة السادات لأبرز معاونيه فى مايو 1971 وبسبب النتائج السياسية الهزيلة لحرب 1973.. واتخاذها تكئة في مسيرة الهبوط والإرتباط بالغرب وبأعداء الوطن.. صدرالقانون 69 لسنة 1974 المعروف بقانون رفع الحراسة الذي فتح الباب واسعا أما استرداد ليس فقط أراضي الحراسة بل وكثيرا من أراضي الاستيلاء التي صودرت بقانون الإصلاح الزراعي.وقد واكب صدور ذلك القانون صدور قوانين أخرى تتعلق بالإنفتاح الإقتصادي وبكثير من التحولات السياسية والإقتصادية التي وضعت الفلاحين في مرمى نيران كل من طالتهم إجراءات ثورة يوليو.. ونيران من تعاطفوا معهم..علاوة على الإهمال المتعمد لزراعة القطن ليفقد مرتبته كسلعة استراتيجية.
– بعقد اتفاقية السلام مع اسرائيل.. وصدور قانون الإيجارات الزراعية 96 لسنة 1992 ووقف العمل بعقود الإيجار غير محددة المدة اجتاح الريف طوفان لم يعرف له مثال أزاح أمامه مستأجري الأراضي الزراعية سواء كانت أراضي الحراسة أو أراضي الائتمان، وابتدعت الحيل وصدرت القرارات لاستبدال أراضي الحراسة بأراضي الإستيلاء.. ثم العودة لإسترداد أراضي الحراسة مرة أخرى بنفس القرارات.. وتفننت هيئة الإصلاح الزراعي في تغييب الفلاحين عن القضايا التي أقامها الإقطاعيون أو ورثتهم ضد الهيئة وفي حجب المستندات عن الفلاحين.. ونشط السماسرة من المحامين في تزوير الأحكام والصيغ التنفيذية لها وسط تواطؤ الجميع، وسال لعاب رجال تنفيذ الأحكام في أقلام المحضرين ومراكز الشرطة وبات تنفيذ الحكم الواحد أكثر من مرة أمرا عاديا.. وهكذا تبخرت مساحات شاسعة من الأراضي التي رفعت عنها الحراسة وأراضي الإستيلاء التي صادرها قانون الإصلاح الزراعي من بين أيدي الفلاحين
– كما ساهم قانون الإيجارات الزراعية الجديد 96/ 1992- الذى أيدته بشدة جماعة الإخوان المسلمين – في رفع الإيجارات الزراعية لمستويات فلكية تتجاوز إمكانيات المستأجرين وأمعنت الدولة في حصار صغار الفلاحين وفقرائهم بطرح الجزء الأعظم من مستلز