منتدى الأرض بتونس – كلمة لجنة التضامن الفلاحى – مصر
منتدى الأرض بتونس – كلمة لجنة التضامن الفلاحى – مصر
بشير صقر
الحوار المتمدن-العدد: 4049 – 2013 / 4 / 1 – 02:07
منتدى الأرض
المنعقد بالتزامن مع المنتدى الاجتماعى العالمى
تونس مارس 2013
تمهيد:
تفجرت الثورة المصرية فى 25 يناير 2011 بفعل الظلم الاجتماعى والفساد والاستبداد وكذلك بسبب تأثير رياح الثورة التونسية التى هبت على مصر واستردت آمال الشعب وأحيت إمكانية اسقاط النظام الحاكم والتخلص من حكم العسكريين.
– لقد بدأها الشباب والتفت حولها الملايين .. فكانت ثورة المدن الكبرى بالأساس.
– كما أعفت الثورة الجيشَ- درعَ النظام الحاكم- من الحرج ومن المهمة الثقيلة- التى كانت تؤرقه ويبحث لها عن مخرج- بالقضاء على عملية توريث الحكم التى كانت تشهد لمساتها النهائية.
– كذلك كشفت تردد الكثير من النخب والأحزاب الرسمية السياسية التى أسهمت فى دعم النظام الحاكم بالمشاركة فى تعدديته السياسية المزيفة.
– وعرت مواقف جماعات الاسلام السياسى التى رفضت المشاركة فى الثورة- منذ اللحظة الأولى لاندلاعها بل وسفْهتها ولم تنضم إليها الا بعد أن قطعت الجماهير الثورية أهم الأشواط فى إلحاق الهزيمة بجهاز القمع (الشرطة)، ثم ما لبثت أن لبت دعوة النظام الحاكم فى التفاوض وا نسحب أعضاؤها ومناصروها من الميادين المشتعلة بالغضب.
وخلال العامين الماضيين (2011 ،2012 ) حاصر المجلس العسكرى وجماعات الاسلام السياسى شباب الثورة وجماهيرها ورفضا تحقيق أهدافها وشعاراتها مستخدمين كل الأساليب (العنف المسلح والاعتقال والخطف والمحاكمات العسكرية واصدار المراسيم والقوانين المجرّمة للاحتجاج والتظاهر والاعتصام، والسحل، وكشوف العذرية ، والشائعات التى تشوههم ، وأصرّا معا (العسكر والاسلام السياسى) على الإبقاءعلى أسس النظام وسياساته وتشريعاته مع فوارق شكلية باستبدال الحزب الوطنى الحاكم بأحزاب الاسلام السياسى.
وتدهورت الأحوال المعيشية وارتفعت الأسعار وانخفض سعر العملة المصرية وتبدّد رصيد البنك المركزى من العملات الأجنبية وانتشرت الفوضى وساءت الأوضاع الأمنية بشكل غير مسبوق.
أسباب اختطاف الثورة:
– هذا وقد أسهمت حداثة عهد الشباب بالعمل السياسى ومحدودية خبراته النضالية، وأوهامه بشأن المجلس العسكرى (الجيش والشعب إيد واحدة) وجماعة الاخوان المسلمين فى خطف الثورة وإزاحة الشباب من المشهدالسياسى..
– كذلك لعب ضعف القوى الديمقراطية واليسارية وتفككها دورا حاسما فى تلك النتائج.
– كما أسهم تركز الثورة فى المدن الكبرى وانعزال محيطها ( من الفلاحين وسكان الأقاليم) عن المشاركة اليومية الفعالة فيها (بالدرجة التى تنهك قوى النظام الحاكم وجماعات الاسلام السياسى) .. أسهم ذلك التركز وتلك العزلة فى عدم الحسم المبكر لمسار الثورة.
ورغم كل ذلك:
1- فقد كسر الشعب جدار الخوف الى غير رجعة.
2- وأيقنت قطاعات واسعة منه من قدرتها على المقاومة والمبادرة فى مواجهة قوى الثورة المضادة وفضح ممارساتها وقرارتها المعادية.
3- وتحددت أمامها قوى الثورة المضادة متمثلة فى تيار الاسلام السياسى وعلى رأسه جماعة الاخوان (يسقط حكم المرشد) والمجلس العسكرى (يسقط حكم العسكر)، وقادة وأعضاء الحزب الوطنى المنهار الذى مازال يبحث عن استعادة مواقعه والحفاظ على تواجده فى جهاز الدولة وهيمنته على الكثير من قطاعات الاقتصاد المصرى.
4- علاوة على أنها فى كل يوم تكتشف مواقف الكثير من المترددين والباحثين عن دور والساعين لوقف تقدمها وإبقائها فى منتصف الطريق والمتظاهرين بدعم الثورة الذين يبدون كالفقاقيع والزبد الملازم لتيار الثورة.
الفلاحون والثورة المصرية:
– يمكن القطع بأن قطاعات واسعة من جماهير الأقاليم لم تشارك فى الثورة..
– وبأن الفلاحين كانوا يشاهدون أحداثها على شاشات الفضائيات.. وهؤلاء جميعا يشكلون المحيط المفترض أن يدعم مركز الثورة فى المدن الكبرى (السويس- القاهرة- الاسكندرية).
– وإن الفلاحين قد استفادوا من الثورة بالأساس، حيث قام بعضهم فى عدد من قرى محافظات الدقهلية، والاسكندرية، والبحيرة باسترداد الأراضى التى اغتصبت منهم قبل الثورة ..بدأ ذلك اعتبارا من 14 فبراير 2011 فى قراهم أو عواصم محافظاتهم. وكانت المظاهرة الأولى لهم فى القاهرة فى 13 مارس 2011 وضمت خمسمائة فلاح من محافظات الدقهلية والغربية والاسكندرية أمام مقر مجلس الوزارء.
– ويستثنى من ذلك حالتان على وجه الحصر بمحافظتى الدقهلية والاسكندرية حيث استعاد الفلاحون قبل رحيل الطاغية أراضيهم التى طردوا منها فى عامى1997 ، 2008.
كانت الحالة الأولى : أرضا زراعية بقرى طلخا محافظة الدقهلية واستعيدت فى 31 يناير 2011، أما الثانية : فكانت فى بدايتها أرضا زراعية تم تبويرها وتحويلها إلى أراض للبناء بمنطقة طوسون بشرق الاسكندرية استرِدت ظهر يوم 28 يناير 2011.
– ونشير فى هذا الصدد إلى أن استرداد تلك الأراضى تم دون مقاومة تذكر حيث كانت الشرطة قد لقيت هزيمة منكرة أو كانت منشغلة بقمع الثورة، ماعدا قرية العمرية بمحافظة البحيرة التى قام مغتصب الأرض مساء 14 فبراير 2011 بتجريدة مسلحة استباقية لترويع فلاحيها إلا أنهم تصدوا لها واستردوا الأرض فى أعقاب طرد المعتدين.. والجدير بالذكر أن مغتصب الأرض كان رئيس جهاز أمن الدولة بمحافظة البحيرة .. أى خصم الفلاحين المباشر.
وحالة أخرى فى قرية مجاورة (الكومبانية) فى 16/2/2011 حيث تعرض مغتصبو الأرض (من كبار الملاك ) للفلاحين وباءت محاولتهم بالفشل.
– من ناحية أخرى قام فلاحو محافظة الفيوم اعتبارا من 22 إبريل 2011 بخرق قرار الدولة ( الصادر فى عام 2008) وينص على وقف زراعة الأرز بالمحافظة وقد ظل ساريا بعد الثورة رغم حصول الفلاحين فى عام 2009 على حكم قضائى بإلغاء القرار المذكور لكنهم لم يستطيعوا تنفيذه، لقد أثار قرار وقف زراعة الأرز غضب كل الفلاحين والزراع بالمحافظة فهو محصولهم الرئيسى وبدونه تسوء أوضاعهم المعيشية وتتدهور خواص التربة التى تحتاج للصفات الكيماوية لنبات الأرز كما تحتاج لغسلها بمياه ريه ؛ وتغلق مضارب الأرز أبوابها وتلقى بعمالها فى عرض الطريق؛ وتتوقف مصانع الأعلاف التى تستخدم بقايا وفضلات المحصول فى استمرار عملها. خلاصة الأمر خرق الفلاحون قرار الدولة رغم مطاردة قوات الجيش لبعضهم واتلاف مازرعوه من مساحات.
– أما بشأن مستلزمات الزراعة (وخصوصا الأسمدة) فقد توصل فلاحو قرى شبراخيت بمحافظة البحيرة – بعد معاناة طويلة – إلى أن أنجع الطرق للحصول عليها هو حصار مقر الجميعة التعاونية الزراعية لعدة أيام متواصلة ومنع العاملين بها من الخروج .. وقد صار ذلك عرفا وتقليدا من تاريخ هذه المبادرة فى 9 سبتمبر 2011.
ونشير إلى أن الوقائع السابقة هى أمثلة لنشاط الفلاحين خلال السنين الماضيتين (2011، 2012) من عمر الثورة وإنْ تركز أغلبها فى السنة الأولى وهو ما يؤكد تقديرنا بشأن اقتصار ذلك النشاط على الاستفادة من الأوضاع الثورية فى استرداد أراضيهم أو فى تنفيذ أحكام قضائية صادرة لصالحهم أو فى مواجهة التلاعب فى حصصهم من الأسمدة وهى حقوق مشروعة وذلك يختلف بالقطع عن المشاركة المباشرة فى الأحداث اليومية للثورة سواء فى القرى أو عواصم المحافظات أو بالقاهرة.
عن حقيقة العدالة الانتقالية فى أوساط الفلاحين:
لأن المقصود بالعدالة الانتقالية هو تطبيق نموذج قانونى- على مرتكبى الجرائم فى حق الشعب فى زمن الثورة -يختلف عن الإجراءات القانونية المعتادة فى زمن السلم ( قٌبل الثورة ) وهو يعنى التعامل مع مرتكبى تلك الجرائم بمنطق وأسلوب وإجراءات وقوانين تتفق مع أهداف الثورة ومع المتغيرات التى ينشدها الثوار وجماهير المضطهدين والمقهورين.. فإن استعراض بعض ما حدث خلال سنتى الثورة والإجراءات والقوانين والمراسيم التى تم تطبيقها مع من أجرموا فى حق الشعب ومقارنتها بما تم تطبيقه على جماهير الثورة وشبابها توضح حقيقة ما يسمى بالعدالة الانتقالية فى الثورة المصرية :
أولا: الحقوق النقابية للفلاحين:
لا يزال الفلاحون المصريون هم الفئة الوحيدة فى المجتمع المحرومة من تنظيمها النقابى، حيث لم يصدر منذ الثورة وحتى الآن أية قوانين تعدل هذا الوضع الشاذ وتخول للفلاحين حق تشكيل نقاباتهم. ورغم شروع كثير من العمال فى عديد من المؤسسات الصناعية والخدمية فى تأسيس نقابات مستقلة بعيدة عن النقابات الحكومية وانضمام تلك النقابات لاتحاد مغاير لاتحاد العمال الحكومى يسمى اتحاد النقابات المستقلة- الا أن عدد النقابات الفلاحية التى تأسست أو انضمت للاتحاد المستقل عدد محدود لا يعبر عن حجم الفلاحين فى المجتمع ناهيك عن أن تلك النقابات الفلاحية يقف على رأسها إما نقابيون حكوميون أو من جماعة الاخوان المسلمين أو قياديون من حزب التجمع “اليسارى” سبق لهم المشاركة فى تأسيس اتحاد فلاحين عام 1983 انهار بشكل درامى عام 1997.. وهو ما يعنى أنها نقابات غير فاعلة وشكلية لا دور لها فى الثورة أو الحياة السياسية.
ثانيا: انخفاض الجدوى الاقتصادية للزراعة:
وبرغم توقف عملية طرد الفلاحين من أراضى الاصلاح الزراعى والأوقاف إلى حين.. إلا أن كلفة الزراعة قد ارتفعت بسبب الارتفاع الشديد فى أسعار (مستلزمات الزراعة .. كالأسمدة والبذور والمبيدات.. إلخ، وايجارات الأراضى الزراعية، والضرائب؛ وفوائد القروض والسلف الزراعية ؛ والوقود) فضلا عن تدنى أسعار الحاصلات والمنتجات الزراعية مقارنة بتكلفة الزراعة وبالتالى انخفاض عائد الفلاحين منها.. وهو ما أسهم فى زيادة معدل تجريد الفلاحين من الأرض نظرا لعزوف المستأجرين عن الاستمرار فى حرفة الزراعة وشروع أعداد متزايدة من صغار ملاك الأرض فى بيع أراضيهم والتخلص منها، هذا بخلاف المطاردة الدائمة لورثة الاقطاعيين السابقين للفلاحين المنتفعين بالأرض لاستردادها منهم وتواطؤ هيئة الاصلاح الزراعى مع هؤلاء الورثة وتقاعسها عن تحرير عقود تمليك الأرض لمن دفع كامل ثمنها من الفلاحين وحرمانهم من الحصول على المستندات التى تثبت حقوقهم فى الأرض لتقديمها للقضاء وهو ما أدى لطرد أعداد كبيرة منهم خارجها ؛ يضاف إلى ذلك قيام هيئة الأوقاف بإ لغاء عقود إيجار الأرض التى يستأجرها الفلاحون أورفع إيجارها بشكل مبالغ فيه.
ثالثا: مخالفة وزارة الزراعة لقوانين الحيازة:
رغم أن قانون الزراعة رقم 30 لسنة 1966 (مادة 90) قد نص على حق زارع الأرض فى تسجيل حيازة الأرض بالجمعية التعاونية باسمه (سواء كان مالكا أو مستأجرا للأرض أو واضعا يده عليها) وبالتالى على حقه فى الحصول على مستلزمات الزراعة منها (بذور، أسمدة..) إلا أن وزارة الزراعة قد أصدرت تعليمات ادارية تقصِر تسجيل الحيازة على ملاك الأرض فقط وهو ما فتح الباب على مصراعيه لحرمان المستأجرين من خدمات التعاونيات الزراعية وخلق سوقا سوداء للتجارة فى الأسمدة والمبيدات والبذور ورفع أثمانها وأسهم فى اختفائها وتدهور جودتها.. ورفع بالتالى تكلفة الزراعة وقلص إنتاجية الأرض وجودة المحصول ودهور صافى عائد الفلاح من انتاجها.
رابعا: ارتفاع أسعار فائدة القروض وتعثر الفلاحين فى السداد:
ونظرا لارتفاع فائدة القروض الزراعية ( من 4% فى الستينات إلى 16% فى التسعينات إلى 19% حاليا بالمصاريف الادارية) وبسبب تحويل بنوك القرى إلى بنوك تجارية .. عجز صغار وفقراء الفلاحين عن تسديد مديونياتهم ولا حقتهم البنوك بالدعاوى القضائية وزجت بمئات الألوف منهم فى السجون وللأسف فإن الدولة أبقت على أسباب التعثر قائمة ( سعر الفائدة المرتفع ) علاوة على جواز تحصيل قيمة الديون بالحجز على الأرض وليس المحصول كما كان الأمر فى الستينات، وادعت منذ شهور قليلة إسقاط ديون المتعثرين وهو ما لايمت للحقيقة بأية صلة..
خامسا: احتكار الدولة والقطاع الخاص لتسويق المحاصيل:
وعندما تحدد الدولة والقطاع الخاص أسعار المدخلات الزراعية وأسعار فوائد القروض والضرائب فإن احتكارهما لتسويق الحاصلات الزراعية يعنى تحديد أسعارها هى الأخرى.. ومن ثم التحكم فيما بحصل عليه الفلاح من عائد.. وهو ما يضعه تحت حصار خانق ليس منه مهرب؛ ولذلك فإن حرمانه من فرصة تسويق محاصيله بثمن أعلى عن طريق تصديرها يعنى الحكم عليه بالإعدام.. ولقد ساهم هذا الاحتكار وذلك الحرمان مع فتح الباب واسعا أمام الشركات الأجنبية الكبرى العاملة فى مجال إنتاج وتسويق مستلزمات الزراعة فى السوق المصرى (بذور- أسمدة- مبيدات) فى إحكام ذلك الحصار خصوصا بعد بيع العديد من شركات الأسمدة الوطنية للأجانب وحصار مراكز البحوث الزراعية المصرية التى تنتج الكثير من البذور المحسنة والتقاوى عالية الكفاءة.. لكى لا تجد الشركات الأجنبية منافسا لها فى سوق الأسمدة والبذوروالمبيدات.
سادسا: حرمان فقراء وصغار الفلاحين من الأراضى المستصلحة:
وإزاء هذا الحصار وعزوف المستأجرين عن الزراعة وتخلص العديد من الملاك الصغار من أراضيهم بالبيع.. وتنكر الدولة لوعودها لمن طردوا من أراضيهم بعد تطبيق قانون الايجارات الزراعية الجديد (96/1992) وحرمانهم من الحصول على الأرض المستصلحة.. ووضع العراقيل فى طريقهم ومنحها لكبار المستثمرين وللشركات الزراعية.. لايجد هؤلاء البؤساء طريقا يسلكونه سوى الهجرة بعيدا عن قراهم والانخراط فى جيوش التشرد والبطالة.
سابعا: التشريعات والمراسيم ومحاكم القيم لدعم ورثة الاقطاعيين وعصابات السطو المنظمة على الأراضى:
أ- فى عام 1994 أصدر وزير الزراعة قرارا إدرايا برقم 1091 يجيز التصالح بين هيئة الاصلاح الزراعى والاقطاعيين السابقين بشأن بعض الأراضى التى صادرها قانون الاصلاح ووزعت على المعدمين والفقراء من الفلاحين.. ولما كان قرار الوزير ليس أكثر من قرار إدارى ويتناقض مع قانون الاصلاح الزراعى فقد كان من الأوجب أن يصدر تعليماته بتحرير عقود تمليك الأرض لمن سددوا كامل ثمنه امن المنتفعين بدلا من أن يلتف على القانون ويجيز اعادتها للاقطاعيين السابقين وهو ما استغله الأخيرون فى طرد الفلاحين بألاعيب قانونية رخيصة كما حدث عام 1997 مع فلاحى طلخا بالدقهلية.
ب- استمرار عمل محاكم القيم وسريان قانونها.. وهى محاكم استثنائية ترتدى زيا مدنيا ويتم انتقاء ( تعيين ) نصف قضاتها من خارج الجهاز القضائى ومن أشد القضاة رجعية؛ وكان برلمان السادات قد ابتدعها لإعادة أرض الحراسة للاقطاعيين السابقين بعد أصدر قانون رفع الحراسة رقم 69 / 1974 عن تلك الأراضى.
ج- فى عام 2012 أصدر المجلس العسكرى الحاكم آنذاك مرسوما بقانون رقم 4 لسنة 2012- الذى يعدل القانون رقم 8 لسنة 1997 (الخاص بضمانات وحوافز الاستثمار)؛ ويجيز هذا المرسوم تصالح الدولة مع رجال الأعمال الذين ارتكبوا جرائم تضر بالاقتصاد القومى ومنها الاستيلاء على المال العام.. وتندرج الأراضى الزراعية والأراضى الفضاء ضمن هذا المال.
ويستهدف ذلك المرسوم عدم استعادة (مصادرة ) الأراضى التى تم اغتصابها ببيعها لمن قاموا باغتصابها من كبار المتنفذين بقيمتها السوقية وقت الاغتصاب، وهو ما يكافئ المجرم على جريمته (مثل عصابات السطو المنظمة على الأراضى وكبار المستثمرين الذين حصلوا بطرق ملتوية على مساحات شاسعة من أراضى الدولة عن طريق الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية).
ثامنا: القوات المسلحة رأسمالى يؤجر الأرض، ويصارع أهالى القرصاية رغم إنصاف القضاء لهم، ويحاكم الفلاحين عسكريا:
1- بمنطقة النوبارية يدير جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة مزرعة 6 أكتوبر ويؤجر مساحات منها للفلاحين.. وبينما يبلغ متوسط إيجار الفدان سنويا فى الأرض الزراعية المكشوفة ما بين 4- 5 آلاف جنيه يقوم الجهاز بتأجير فدان الأرض المحمية ( الصوب) باثنى عشر ألف جنيه ويتعامل بشأنها كرأسمالى هدفه الربح على عكس ما كان معمولا به فى عهود سابقة حيث كان المجندون الفلاحون يقومون بزراعتها لتغذية أفراد وضباط القوات المسلحة.
وفى المزرعة المشار إليها أنذر الجهاز فى ابريل 2012 عددا من مستأجرى الأرض بإخلائها.. واشترط لتجديد العقود رفع ايجار الصوبة (مساحتها 3 قراريط) من 1500جنيها الى 2000 جنيها فى السنة ولأن الايجار المقترح يلتهم عائد الزراعة تماما لم يكن أمام المستأجرين إلا مغادرة الأرض ودموعهم تسبقهم.
2- من ناحية أخرى يستأجر فلاحو جزيرة القرصاية – الواقعة فى مجرى النيل بمدينة الجيزة- منذ سنوات مساحات من أراضى الجزيرة من هيئة الاصلاح الزراعى وقد نازعهم بعض رجالات الحزب الوطنى الحاكم بشأنها فى وقت سابق، بعدها وفى نوفمبر 2007 شرعت بعض قوات الجيش فى الاستيلاء على أجزاء منها، فتصدى لهم مستأجرو الأرض وقاموا برفع دعوى قضائية انتهت بحكم لصالحهم فى عام 2008، وفى 18 نوفمبر2012 عاودت قوات الجيش محاولتها فتصادم معها الفلاحون وقطعوا طريقا هاما غرب الجزيرة وأسفر الصدام عن مصرع أحد الفلاحين وإصابة عدد أخر وإلقاء الشرطة العسكرية القبض على 25 فلاحا احتجزتهم رهن المحاكمة العسكرية..التى تحدد للنطق بالحكم فيها يوم 25 يناير 2013.. وحتى الآن لم يصدر الحكم.
3- وهو ما تكرر فى مارس 2011 فى عزبتى العمرية بمحافظة البحيرة ؛ وحوض 13 بالمعمورة بالاسكندرية حيث تم القبض على عدد من فلاحى القريتين وقدموا لمحاكمة عسكرية وانتهت بسجن ثمانية منهم لمدة 5 سنوات وبعد عام تمت تبرئتهم من التهم المنسوبة إليهم.
هذا ونشير فى نهاية حديثنا إلى مسارين متوازيين :
الأول: يخص مسلك الدولة بعد ثورة 25 يناير 2011 مع الكثير ممن وجهت لهم تهم قتل المتظاهرين والفساد وانتهت المحاكمة فى معظمها بالبراءة ومن أدين قررت محكمة النقض إعادة محاكمته ، علاوة على ما صدر من مراسيم بقوانين تبيح تصالح الدولة مع من استولوا على المال العام وتكافئهم على ما اقترفوه من جرائم.
والمسار الثانى: يتعلق بموقف الدولة من فقراء وصغار الفلاحين الذين تنتهك حرماتهم ويتم القبض عليهم ومحاكمتهم- وإيداعهم السجون ليكتشف الرأى العام فيما بعد براءتهم لكن بعد عام على الأقل.
وهو ما يقطع بغياب تلك العدالة.. ويؤكد على ضرورة التشبث بفرضها أو بفرض إجراءات ثورية تستعيد الحقوق وترسخ الحريات.. ولن يكون ذلك متاحا دون جهود قصدية حازمة لمحاصرة نشاط الثورة المضادة ونشر الوعى وتنظيم الفقراء.
لجنة التضامن الفلاحى – مصر .. مارس 2013
email:basheersakr2012@gmail.com
http://www.tadamon.katib.org