بقرية سمادون .. وفى وضح النهار : محاولات السطو .. على أراضى فلاحى الإصلاح الزراعى فى مصر .. مستمرة.
تمهيد:
عندما أعطى الرئيس المؤمن أنور السادات الضوء الأخضر لاستعادة أراضى الإصلاح الزراعى من الفلاحين.. تلمظت كل القطط "السمان" على الوليمة المرتقبة وسنت أسنانها.. وفى إثرها تجمعت أسراب أخرى من القطط وقفت على مسافة أبعد قليلا تنتظر نصيبها. كان القانون 69 لسنة 1974 المعروف بقانون رفع الحراسة هو باكورة هذا الضوء الذى فتح الأبواب واسعة – فيما بعد – أمام مختلف إجراءات الاستعادة . لكن أمورا أخرى منعتهم من التهام الوليمة فورا .. فقد كانت قوانين الإيجارات الزراعية آنذاك تحول دون طرد الفلاحين من الأراضى المستأجرة – ومنها أراضى الحراسة التى استأجرها فلاحو الإصلاح الزراعى من هيئة الإصلاح الزراعى- طالما كانوا يدفعون إيجارها بانتظام. وقد بدأ السادات مسار الردة فى المجال الزراعى بهذا النوع من الأراضى ( أراضى الحراسة ) التى ظلت ملكيتها للإقطاعيين وهم الذين وضعوا كثيرا من العراقيل أمام تنفيذ قانون الإصلاح الزراعى مما اضطر الحكم الناصرى الوليد لإبعاد الكثيرين منهم عن الريف مع التحفظ على الأراضى التى لم يصادرها منهم قانون الإصلاح الزراعى وطبق عليها قانون الطوارئ الذى أبقى على حقهم فى ملكيتها.. بينما أعطى هيئة الإصلاح الزراعى حق إدارة هذه الأراضى وتأجيرها للفلاحين. وبرفع الحراسة عن هذا النوع من الأراضى اصبح مستأجروها من الفلاحين وجها لوجه أمام سادتهم الإقطاعيين مرة أخرىمنذ قيام ثورة يولو 52 لكن انتظامهم فى دفع إيجارها حال دون طرد الكثيرين منهم بعد رفع السادات يد هيئة الإصلاح الزراعى عن إدارة هذه الأرض. وبصدور قانون الإيجارات الجديد 96 لسنة 1992 فى عهد الرئيس مبارك زالت كل الحواجز وانزاحت كل العراقيل التى أرجأت استرداد الإقطاعيين القدامى وورثتهم لأرضى الحراسة، ومعها غادرت فئات أخرى من الفلاحين ( عشرات الألوف) الأراضي التى كانوا يستاجرونها من أصحابها بعيدا عن هيئة الإصلاح الزراعى.. ومن لم يغادرونها.. خضعوا لمضاعفة إيجارها وسلموا بمشيئة الملاك. واستأنفت القطط السمان سن أسنانها .. وكان من بينها – بخلاف الإقطاعيين وورثتهم – كثير من المتنفذين بهيئة الإصلاح الزراعى وموظفين كبار ومتوسطين ومحامون وسماسرة علاوة على أعداد أخرى من المسئولين فى كثير من أجهزة الدولة وعلية القوم. لم تقنع تلك القطط بما طالته وتطوله أيديهم من أراضى الدولة والأراضى المستصلحة وكوردونات المدن الجديدة فمدوا أنظارهم وأيديهم لأراضى الإصلاح الزراعى بنوعيها {( الاستيلاء والحراسة) أى التى تم نزع ملكيتها بقوانين الإصلاح الزراعى أو التى تم التحفظ عليها بقانون الطوارئ} وأراضى الأوقاف.. و يكتفوا بأدوار الوسطاء فى بيع وحدات القطاع العام الصناعى. وهكذا امتدت أيديهم لأراضى قرى معجون وتطون ومنيا الحيط بإطسا بالفيوم، وتمتد اليوم فى قرية سمادون مركز أشمون بالمنوفية مكررة نفس السيناريو مع اختلافات بسيطة فى التفاصيل.
· تبدأ الخطة بالبحث فى أضابير ووثائق هيئة الإصلاح الزراعى عن بعض ورثة الإقطاعيين السابقين.. وتدور المساومة بينهم على نصيب كل منهما فى الكعكة ( الوليمة) المرتقبة التى تم اختيارها بعناية من بين أراضى منتفعى الإصلاح الزراعى. · بعد الاتفاق يتم تدبيج ( تلفيق) عقد بيع ابتدائى لبعض هذه الأراضى من أحد الورثة أو أحد أقربائهم للمشترى ( أحد القطط السمان أو بديل عنه لكى يبقى هو بعيدا عن الصورة ) ، ويستند عقد البيع هذا إلى:1- تلكؤ هيئة الإصلاح الزراعى فى تسليم الفلاحين عقود ملكية الأرض التى دفعوا ثمنا كاملا (سمادون- منوفية) .. 2- أو إلى عدم تسجيل الفلاحين لعقود شرائهم للأرض من ملاكها القدامى (معجون- الفيوم) .3- أو إلى تواطؤ الدولة وإغماض عينيها عن الأراضى التى باعتها للفلاحين فى المناطق المتاخمة للوادى ( برج العرب والعامرية – الإسكندرية). · وتتخفى تلك القطط ( الصيادة ) عادة وراء ساتر متمثل فى أحد المحامين أو ضباط الشرطة السابقين أو أحد البلطجية أو الخارجين على القانون بشرط أن تتوفر فى هذا الساتر بعض المواصفات الخاصةالتى منها: أن يكون من نفس المنطقة التى بها الأرض أو قريبا منها، ويملك القدرة على النفاذ إلى القرية أو مخالطة فلاحيها، علاوة على تمتعه بمعرفة أو خبرة قانونية وعملية تسهل له التعامل مع المحاكم والهيئات القانونية كالمساحة والشهر العقارى والسجل العينى ومصلحة الضرائب العقارية وأقسام ومراكز الشرطة أو على الأقل له صلات بها.. فضلا عن امتلاكه لمستوى من اللزوجة والصبر وانعدام الخجل قلما تجدها فى كثير ممن يحيطون به . ويتقدم المحامى الساتر بدعوى قضائية ضد وريث الإقطاعى تسمى دعوى تسليم بموجب العقد الابتدائى الملفق ليحصل عل حكم قضائى باستلام الأرض ، وبواسطة قلم المحضرين وقوات الشرطة تبدأ إجراءات طرد الفلاحين منها. بهذه الطريقة تدور العجلة فى أغلب عمليات السطو التى تتم فى وضح النهار وعلى الملأ وبالحيل القانونية وبتواطؤ كثير من أجهزة الدولة الرسمية دونما حياء أو خجل.
قصة فلاحى سمادون:
· فى هذه القرية التابعة لمركز أشمون بالمنوفية تدور نفس القصة مع اختلاف فى بعض التفاصيل:فقد تخير أحد القطط الصيادة أرض هذه القرية لكونها منطقة زاخرة بأراضى الإصلاح الزراعى من ناحية ، ولأن ورثة مالك الأرض القديم ( منصور باشا يوسف) محتفظون ببعض مستندات ملكيتها قبل أن تباع لمالك آخر ( عبد الحافظ أحمد عمرو ) من ناحية أخرى ، ولكون ورثة الأخير مشتبكين فى نزاع قضائى مع هيئة الإصلاح الزراعى لأن مورثهم هو الذى خضع لقانون الإصلاح الزراعى من ناحية ثالثة ، ولأن إمكانية الحصول على بعض الوثائق من مالكها الأول متاحة، فضلا عن إمكانية استغلال التشابك فى مستندات الأرض بين مالكها الأول والثانى وهيئة الإصلاح الزراعى من ناحية رابعة، والأهم من كل ذلك أن منتفعى الإصلاح الزراعى من الفلاحين الذين يزرعونها من نصف قرن لم يحصلوا على عقود ملكيتها رغم وفائهم بكامل ثمنها .. من ناحية خامسة. · لذلك لجأ القط الصياد لاختيار احد المحامين ( على فهمى شرف ) المقيمين فى قرية قريبة وله صلات ببعض الأهالى فى موقع الأرض لكى يمثل دور المشترى بدلا منه لسبعة وخمسين فدانا من أجود أراضى المنوفية.وعلى الفور قام المحامى الساتر بتدبيج عقد بيع ابتدائى لهذه المساحة فى 22 مارس 2002 من أحد أقارب ورثة مالك الأرض الأول كبائع ( علاء الدين الشورة)؛ كما قام برفع دعوى قضائية ضد الأخيروحصل بصفته مشتريا على حكم باستلام الأرض من محكمة شبين الكوم ( 6183 / 2006 م. ك )وتوجه لمركز شرطة أشمون لتنفيذ الحكم. · ومع احتجاج الفلاحين تفجر الموقف فى عزبة الإصلاح بسمادون واتخذ أبعادا متعددة أفشت كثيرا من التفاصيل التى أريد لها أن تظل طى الكتمان حتى يتم الحصول على الحكم.
· وفى صباح 17 مايو 2007 توجه ثلاثمائة فلاح إلى مدينة شبين الكوم للإعتصام أمام ديوان المحافظة ، واستمع السيد المحافظ لاثنين منهم لمعرفة أسباب غضبهم.. وعرف ان الأرض المذكورة قد وزعتها هيئة الإصلاح الزراعى على آبائهم وأجدادهم بعد مصادرتها بالقانون 178/52 من
مالكها عبد الحافظ أحمد عمرو وأنهم دفعوا كامل ثمنها على أربعين قسطا سنويا بينما الحكم الجارى تنفيذه لصالح المحامى صدر استنادا لعقد بيع ابتدائى من شخص آخر لا صلة له بهذه الأرض. · وعلى الفور أجرى المحافظ اتصالا بمديرية اإصلاح الزراعى بالمنوفية للتيقن مما ذكره الفلاحون وتأكد من صحته ومن أن الأرض قد وزعت تمليكا على الفلاحين فى منتصف الخمسينات وأنهم دفعوا كامل ثمنها.
· فض الفلاحون اعتصامهم وعادوا لقريتهم متصورين أن المسئولين قد تفهموا الحقيقة لكنهم فوجئوا يوم السبت 15 ديسمبر 2007 بمجموعة من سيارات الأمن المركزى تقتحم العزبة فى اتجاه المساحة المذكورة وأدركوا أن الشرطة قادمة للتنفيذ، وفى التو واللحظة تجمع أهل العزبة ( عدة آلاف ) وساروا فى مظاهرة ضخمة رفعت الفؤوس والمناجل والعصى وقطعت الطريق الواصل بين مدينة أشمون وقرية جريس وحرقت البوص النامى على جانبى الطريق وحاصرت مقر جمعية الإصلاح الزراعي بسماد ون وبلغ الغضب عنان السماء.
· وفى لحظات حضر مدير منطقة الإصلاح الزراعى بأشمون ووعد الفلاحين بمساعدتهم فى الحصول على عقود تملك الأرض وأشار إلى أن مديرية الإصلاح الزراعى بشبين الكوم قد تلقت فاكسا من رئاستها بالقاهرة فى 6 يونيو 2007 يفيد باستمرار اتخاذ إجراءات تسجيل الأرض للفلاحين. · لم يفضّ الفلاحون تجمهرهم إلا بعد أن أكد لهم رئيس مباحث أشمون بأن تنفيذ الحكم لن يتم وطالبهم بضرورة العودة لمنازلهم.. وتعهد بأنه سيرسل تحرياته لرؤسائه بحقيقة الوضع وتحرياته عن المحامى الذى يلعب دور المشترى. · عاد الفلاحون إلى منازلهم لكنهم ظلوا قلقين وعسكروا على رؤوس حقولهم ثلاثة عشر يوما متصلة تحسبا لأية مباغتات لا يتوقعونها، كما تقدموا لقاضى التنفيذ باستشكال فى تنفيذ الحكم أرجئ لجلسة 4 فبراير 2007 .
قصة الأرض:
فى العام 1925 توفى منصور باشا يوسف تاركا أرضا زراعية فى عدة محافظات منها المنوفية قدرها ألفان وستة أفدنة وعدد من المنازل الفخمة فى الأسكندرية ومساحات كبيرة من الأراضى الفضاء المعدة للبناء .. وإلى جانبها ترك ديونا تتجاوز المائة ألف جنيه لعدد من البنوك وشركات الرهن العقارى، وقد قسمت تركته بالعقد ( 1105 / 1927 محكمة الاسكندرية المختلطة ) على أبنائه وبناته السته بما فيها الديون. · وقد أدار ناظر العزبة عبد الحافظ عمرو هذه الأرض لسنوات طويلة تمكن خلالها من فك رهن أرض المنوفية وتسديد ديونها للبنوك وشركات الرهن اعتبارا من عام 1935 ( مكلفات أرقام 1741 / 2890 / 1954 ، 7996 / 1935) وبذلك حل ناظر العزبة مالكا لها بدلا من ورثة مالكها الأصلى منصور باشا يوسف. · وبنفس الطريقة تغير اسم العزبة التى تتوسط الأرض من عزبة (منصور يوسف ) إلى عزبة ( عمرو) حتى قامت ثورة يوليو 52 وصادرت حوالى 393 فدانا بقانون الإصلاح الزراعى 178/52 من مالكها عبد الحافظ عمرو ووزعتها على مائة وثلاثة وأربعين فلاحا وبذلك تغير اسم العزبة إلى عزبة ( الإصلاح الزراعى) بسمادون. · قامت مديرية الإصلاح الزراعى بالمنوفية بتحديد نوعية المحاصيل التى يزرعها الم