عن منظمة الفاو والبنك الدولى ومنتدى الأرض الخامس بتونس ديسمبر 2014
دعيت لحضور منتدى الأرض الخامس لإقليم الشرق الأوسط / شمال إفريقيا الذى عقد بتونس فى الفترة من 5- 7 ديسمبر 2014 والذى نظمته شبكة الأرض والسكن الدولية ( هابيتات ) تحت عنوان ( صلة قضايا الأرض والسكن بالفعاليات الدولية ).
ولما استفسرت عن المقصود بالفعاليات الدولية عرفت أنها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO)) والبنك الدولى.
ولأن الكثيرين فى المجال الفلاحى المصرى يعلمون جيدا دور منظمة الـ ( Fao ) والبنك الدولى فى فرض وإقرار وتنفيذ سياسة ( تحرير الزراعة المصرية ) التى تتخذ أحيانا أسماء أخرى مثل ( سياسة التثبيت وإعادة الهيكلة ) والتى تسببت فى التدهور البالغ الذى أصاب الزراعة المصرية منذ عقود ، ولأن كلاهما ( الفاو والبنك ) معروف بتبنيه لأفكار وتقديرات مناوئة لمصالح الفلاحين الفقراء والصغار وبانحيازه لسياسات الدولة وإجراءاتها فيما يتصل بمحاصرة وخنق نمط الإنتاج الفلاحى الصغير الذى يشغل 75 % من الأرض الزراعية فى مصر و 85 % من الفلاحين ، ومناصرتهما لنمط الزراعة الكثيفة والمزارع الواسعة الذى يتبناه كبار الزراع والملاك والمستثمرين .. فقد تراجعت عن المشاركة فى المنتدى لكننى قلت ولماذا أرفض طالما لن يجبرنى أحد على ” التعاون ” معهما وما دام الأمر لن يتجاوز حدود المناقشة والتعرف على كيف تفكر مثل تلك المنظمات الدولية العملاقة .. وأستمع لإجابات عما أطرحه من أسئلة وآراء وانتقادات تتعلق بسياساتهما وممارساتهما فى المجال الزراعى..؟
وبالفعل أعددت نفسى لتلك المهمة وحررت كلمة [ لجنة التضامن الفلاحى – مصر ] تتاول الملاحظات الأولية عليهما وأبرزها المشاركة فى فرض وإقرار وتنفيذ سياسة تحرير الزراعة منذ فبراير 1992 وهو العام الذى صدر فيه قانون الإيجارات الجديد ( 96 / 1992 ) الذى أغرق فلاحى مصر فى كل أنواع الفوضى والمشكلات التى لا تنتهى ( من ارتفاع جنونى لأسعار الإيجارات الزراعية ، إلى رفع الدعم عن مستلزمات الزراعة والقروض إلى زيادة للضرائب وسجن للمتعثرين من الفلاحين فى تسديد قروض بنوك التسليف والقرى ، إلى رفع لتكلفة الزراعة وخفض لأسعار حاصلاتها ، إلى هجرة للأرض الزراعية وهروب من مهنة الزراعة وتخلص بالبيع من ملكيات الأرض الصغيرة ) وهو ما أضعف قدرة الفلاحين على التنظيم ورغبتهم فيه الذى كان موضوع الكلمة فى المنتدى .
هذا وأرفقت بالكلمة الرئيسية المترجمة للإنجليزية موضوعين آخرين ( مترجمين ) وثيقى الصلة بالتنظيم الفلاحى هما ( لماذا ننحاز لفقراء وصغار الفلاحين .. ولماذا نقابة لهم ..؟ ) ، ( التنظيمات الفلاحية فى زمن الثورة بين تجاوزات التأسيس وأوهام الحصاد ).
هذا وقد حضر المنتدى ممثلون عن فلسطين والجزائر وتونس واليمن ولبنان وشعب الصحراء الغربية ومصر علاوة على ممثلى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة .. (فاو) فى الإقليم وفى روما .
وفى بداية اليوم الثانى عرضتُ كلمة ( لجنة التضامن الفلاحى – مصر) التى أشارت إلى عديد من المآخذ على سياسات الفاو والبنك الدولى وتساءلت : ألا تعرف المنظمتان شيئا عما يدور فى مصر جراء تلك السياسة .. وما هو رأيهما..؟
كذلك قدم الزميلان باهر شوقى وربيع وهبة من مصر ورقتين عن ( البنك الدولى وقضايا الحيازة والأرض) , ( الميزانية العامة وقضايا الأرض ) على الترتيب فى اليوم الأول.
كذلك حصلنا على كتيب من الفاو يتضمن وجهة نظرها فى قضايا الآرض بعنوان ( الخطوط التوجيهية الطوعية بشأن الحوكمة المسئولة لحيازة الأرض ومصايد الأسماك والغابات فى سياق الأمن الغذائى الوطنى) .
وفيما يلى نعرض كلمة لجنة التضامن الفلاحى – مصر فى المنتدى ، يتلوها فى حلقة أخرى ما دار من نقاشات بشأن منظمة الأغذية والزراعة ( FAO ) والبنك الدولى وننتهى فى حلقة ثالثة بموجز لكتيب الفاو وملاحظاتنا عليه :
نص الكلمة :
منتدى الأرض الخامس لإقليم الشرق الأوسط / شمال إفريقية..
تونس 5 – 7 نوفمبر 2014
كلمة لجنة التضامن الفلاحى – مصر
تدهور الزراعة المصرية وتجاهل تنظيم الفلاحين
والصلة بسياسات البنك الدولى .. وتوجهات منظمة الفاو
بداية نود الإشارة إلى أن تقدم الزراعة فى أى مجتمع لا يقتصر على وضع البذور فى الأرض ورعايتها حتى تنضج ويتم حصادها.لأن دور الفلاحين بل ومستقبلهم لا يتوقف عند وظيفتهم المهنية بل يتخطاها لأدوار أخرى أهمها تحولهم إلى قوة اجتماعية متماسكة غير مبعثرة تشارك فى وضع السياسة الزراعية و تستطيع التأثير فى القرار السياسى الوطنى من خلال نقابات مستقلة قوية تمثل القوة المحركة للزراعة المتطورة فضلا عن انخراطهم فى تعاونيات حقيقية غير حكومية . باختصار يجب أن يلعبوا دورهم فى المجتمع كقوة حية ذات وزن وتأثير.
ونظرا لأن الفلاحين هم الفئة الوحيدة فى المجتمع المصرى المحرومة قانونا من تشكيل نقاباتها المستقلة ، وبسبب التدخلات الحكومية المستمرة فى تأسيس وتشكيل وعمل التعاونيات الإنتاجية ظلت الأخيرة مطبوعة بطابع التبعية وانعدام الاستقلال ؛ واستمر ذلك التدخل قائما لدرجة الإصرار على تفريغ التعاونيات من الأغلبية الساحقة (75 %) من أعضائها (فقراء وصغار الفلاحين ) بإجراءات غير ديمقراطية ،ولذا صار هؤلاء فئة مغلوبة على أمرها.. عزلاء لا تملك سلاحا للدفاع عن عملها وحياتها.
لقد فرضت الدولة سياسات وسنت ونفذت العديد من القوانين والقرارات الوزارية والإجراءات المعادية لهم على رأسها ( سياسات تحرير الزراعة وإعادة هيكلتها ) كانت جزءا من سياسة الانفتاح الاقتصادى التى وجهت الاقتصاد والسياسة المصرية فى عهد السادات بدءا من عام 1974 وحتى الآن.. ومنها :
1- صدور قانون رفع الحراسة عن أراضى الإقطاعيين السابقين.
2- وطرد أعداد هائلة من الفلاحين من كل أنواع الأراضى بقانون الإيجارات الجديد 96 / 1992 الذى رفع أسعار الإيجارات الزراعية.
3- وإنشاء محاكم استثنائية ( محاكم القيم ) لطرد بقية الفلاحين من الأرض.
4- واعتبار الأغلبية الساحقة منهم ( ملاك 3 أفدنة فأقل ) غير فلاحين تمهيدا لطردهم من عضوية التعاونيات وحرمانهم من خدماتها .. وهو ما ينزع عنهم هويتهم الاجتماعية.
5- وإلغاء قوانين كانت لصالح الزراعة وصغار الفلاحين أو تعديلها لغير صالحهم مثل ( الدورة الزراعية والإصلاح الزراعى والتعاون والائتمان والإرشاد والتسويق )
6- ورفع الدعم عن كل مستلزمات الإنتاج الزراعى والوقود وأسعار فوائد القروض؛ وزيادة الضرائب.
7- وترك أسعار كل المحاصيل فريسة لقوى السوق.
وهو ما رفع تكلفة الزراعة وخفّض عائد الإنتاج فهجر المستأجرون وغيرهم الأرض وباع الكثيرون أراضيهم وهو ما يعنى تدمير نمط الإنتاج الفلاحى الصغير- الذى يشكل 85 % من مساحة الأرض ، 75% من الفلاحين- لصالح الزراعة الكثيفة والمزارع الواسعة وكبار الزراع والملاك والمستثمرين.
لقد أشرف البنك الدولى على إرساء تلك السياسة ( تحريرالزراعة وإعادة هيكلتها ) وذلك فى المؤتمر الدولى الخاص بـ ” استراتيجية الزراعة المصرية فى التسعينات ” الذى عقد فى 16 – 18 فبراير 1992 بالمركز الدولى للزراعة بالقاهرة بالمشاركة مع كل من صندوق النقد ومنظمة الفاو ومنظمة التجارة العالمية ، ووكالة التنمية الدولية الأمريكية ، والسوق الأوربية المشتركة ، والبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة ، ومؤسسة فورد ، ومجلس القمح الأمريكى ، والوكالة الكندية للتنمية الدولية ، ومشروع ” سيمارب ” الكندى ، وبرنامج المعونة الألمانى وكثير من الهيئات السياسية والزراعية المصرية وأسفر عن عدة قرارات منها :
• تخلى الدولة تماما عن دورها التنفيذى فى الإنتاج الزراعى واقتصاره على التخطيط .
• وتخليها عن توفير مستلزمات الإنتاج وتوزيعها وتسعيرها ودعمها.
• وإطلاق حرية القطاع الخاص فى تجارة مستلزمات الإنتاج .
• وإلغاء الدعم بكل أنواعه حتى عن القروض الزراعية .
• وترك تداول الحاصلات الزراعية لقوى السوق .
باختصار أصبح فقراء وصغار الفلاحين فريسة للاحتكار و التجار وقوى السوق مما أسفر عن ارتفاع مذهل فى تكلفة الزراعة لم يرافقه ارتفاع مناسب فى أسعار المحاصيل والمنتجات الزراعية مما دفع قطاعات واسعة منهم لهجرة الزراعة و أجبر كثيرا من صغار الملاك على بيع أراضيهم ؛ علاوة على تدهور الإنتاج والإنتاجية واتساع فجوة الغذاء .. خصوصا بعد طرد فلاحى الإصلاح الزراعى والأوقاف والمستأجرين من الأرض. ومن لم يغادر منهم القرية صار ضيفا على السجون بسبب تعثره فى سداد مديونيته لبنوك القرى التى تضاعفت فوائدها 4 أمثال ما كانت عليه قبل ذلك.
علاوة على انتشار فوضى الزراعة واستخدام مياة الرى فى المنتجعات وملاعب الجولف وحمامات السباحة للأغنياء مقابل رى الفلاحين لأراضيهم بمياة الصرف الصحى مما أفضى لانتشار مرض الفشل الكلوى ، علاوة على استخدام المبيدات المحرمة دوليا التى لوثت الأرض والمحاصيل بالكيماويات المسرطنة ؛ فانتشر مرض الالتهاب الكبدى والسرطان حيث لا تخلو منها قرية فى مصر.
والجدير بالذكر هو مخالفة وزارة الزراعة لقانون الزراعة فيما يختص بمنح مستلزمات الإنتاج للملاك حتى لو كانوا لا يعملون بالزراعة وحرمان من يزرعون الأرض منها.
هذا وكان تنصل الدولة من تسويق المحاصيل ضربة موجعة للفلاحين فانخفضت أسعار بعضها أو أحجم التجار عن شرائها ؛ ولأنهم لا يستطيعون تصديرها لافتقارهم لنقابة تدعمهم ولأن التعاونيات الحكومية تمتنع عن القيام بتلك المهمة ؛ ظلت المحاصيل فى المخازن عشرين شهرا ، واتضح ذلك بجلاء شديد فى محصول الذرة وكذلك القطن الذى انهارت أسعاره وزراعته و الصناعات المرتبطة به وهو ما ألقى بعشرات الألوف من العمال إلى البطالة .
من ناحية أخرى شرع وزراء الزراعة منذ تنفيذ قانون الإيجارات الجديد ( عام 1997 ) فى تفريغ التعاونيات من الفلاحين الفقراء والصغار رغم عضويتهم فيها وترحيلهم لنقابة عمال الزراعة حتى لا يحصلوا على مستلزمات الزراعة ، وحتى تقتصر التعاونيات على الفلاحين الأغنياء ولتضييق الخناق على نمط الإنتاج الفلاحى الصغير لصالح الزراعة الكثيفة والمزارع الواسعة .
وكان السادات قبلها ( عام 1976) قد ألغى الاتحاد التعاونى المركزى ووزع ممتلكاته ومقاره ؛ وألغى الهيئة العامة للتعاون الزراعى ، وحول بنك التسليف الزراعى التعاونى لبنك تجارى وضاعف أسعار فائدة القروض الزراعية أكثر من مرة ، وغيّر الحد الأقصى للملكية فى قانون الأرض الصحراوية ( المستصلحة ) من 300 فدان للأسرة إلى 3000 فدان ، ووزع الأراضى على كبار الزراع وليس على الصغار منهم .
هكذا كانت السياسة الزراعية المصرية منذ عام 1974 وحتى الآن .. ولا يخفى علينا جميعا أن وزراء الزراعة هم الأعضاء المعتمدون الممثلون لدولهم فى منظمة الفاو ، ولا نعرف على وجه الدقة هل يعملون فى بلادهم بسياسة .. ويعرضون فى اجتماعات المنظمة سياسة أخرى أم أن الفاو على علم كامل وتفصيلى بالانتهاكات التى تمارس ضد الفلاحين المصريين وبكل ما يحدث لهم من كوارث ..؟!
من جانب آخر فالبنك الدولى وصندوق النقد وكثير من الهيئات الدولية المالية والزراعية كان لها دور إشرافى فى فرض وتنفيذ سياسة تحرير الزراعة المصرية التى قضت على جانب هام منها وعلى الغالبية الساحقة من الفلاحين .
خلاصة القول عندما يُستهلَك الفلاحون فى صراع يومى مع الدولة وبنوك الإقراض وتجار القطاع الخاص وكبار الزراع ومشاكل الزراعة والمعيشة لا تتاح لهم فرصة للتفكير أبعد من أنوفهم ، وفلاحون بلا نقابات ولا تعاونيات مستقلة ويجرى حرمانهم من مستلزمات الزراعة ونزع هويتهم .. هم فلاحون على الورق وليس فى الحقول.
وحيث نقرأ كثيرا ودائما أخبار خرق كثير من حكام الدول النامية لمواثيق وعهود حقوق الإنسان فكيف يمكن أن نصدق أن كثيرا من تلك المؤسسات الأخطبوطية غافلة عما يجرى من خرق لها فى الزراعة المصرية فى المجال النقابى والتعاونى..؟
فهل يمكن أن نذكر لهذه الهيئات الدولية .. الفاو والبنك الدولى وصندوق النقد وغيرها اقتراحا إيجابيا واحدا قدموه للفلاحين فى مصر..؟ أو بمعنى أدق هل يمكن أن تكون هناك كارثة تداهم الزراعة والفلاحين المصريين لا تقف خلفها واحدة من تلك الهيئات ..؟! .. أشك كثيرا.
ديسمبر 2014 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر