عبث الزراعة الحديثة ( 5 – 6 ) :هل نعارض التقدم فى المعرفة أم نعارض احتكار المعرفة وسوء استخدامها .. ? عودة لصناعة الدواجن الحديثة، وتصنيع الأسمدة
ترجمة: د. أحمد زكى أحمد
– السيطرة الحالية للشركات العملاقة على البيوتكنولوجى هو محصلة عملية استمرت منذ ¾ قرن.
– استحوذت الصناعة على أغلب العمليات الزراعية التى يقوم بها الفلاح تاركة له العمليات ذات المخاطر، وانتزعت منه كل ما كان من شأنه أن يحقق له ربحا.
– يدعى الخطاب المناصر لأساليب الزراعة الحديثة.. قدرة هذه الأساليب على إطعام الجوعى ومواجهة الانفجار السكانى القادم.
– لا اعتراض على تحسين الطرق القديمة فى الزراعة بالمعرفة العلمية فى شتى جوانبها (النبات- التربة- التسميد- العمليات الحيوية.. الخ ).. لكن الاعتراض ينصب على الاعتماد على النظرة الأحادية لها خصوصا فى مجال الأسمدة والمبيدات والهندسة الوراثية.
– نظرية المحصول الزراعى الأوحد هو اختراع الحقبة الاستعمارية وهو أحدا أسباب تجارة العبيد وانتزاع السكان من موطنهم الأصلى كما حدث فى إفريقيا .
– وهى زراعة غير مستدامة رغم انتاجها العالى على غيرما أحدثه الفلاح التقليدى عموما من تطوير زراعته مثل ما حدث فى الصين وغيرها من الحفاظ على خصوبة وخصائص التربة ، وعلى التنوع البيولوجى للنباتات القائمة منذ زمن، باختصار يتعلم الفلاحون المعاصرون العائدون لطرق زراعتهم التقليدية فى إطار مانسميه الزراعة المستعادة.
– والزراعة الحديثة تعتبر خارج منطق نظام الحياة الطبيعى بل وتدمره بفرضها أنظمة للتغذية المرتدة بكيماويات تفسد الطبيعة البيئية والتنوع البيولوجى وتجرف التربة وتستبدل الخصوبة المفقودة بمغذيات منقولة كما أن لها تأثيرات سلبية على إنضاب ( استهلاك ) مناجم الفوسفات واستهلاك الطاقة المبالغ فيه.
– كل المدخلات فى عملية الزراعة الحديثة مستهلكة للطاقة وتتطلب بشكل عام قدرا يفوق ما تنتجه منها – على عكس أشكال الزراعة التقليدية ذات الميزان الإيجابى للطاقة.. التى (تنتج من الطاقة أكثر مما تستهلكه منها ).
– تناقص نسبة العاملين بالزراعة اعتبارا من بداية القرن العشرين إلى (60%) ثم وصل إلى (40%) فى نهاية الحرب العالمية الثانية ؛ واليوم الى 2% فى الولايات المتحدة وأوربا.
– كان نظام الزراعة القديم منتجا للغذاء والمواد الأولية للصناعة وكان يعمل للحفاظ على خصوبة التربة والتوازن البيئى .. فى نفس الوقت الذى يقوم فيه بتوزيع الغذاء طازجا.. لكن النظام الجديد للزراعة الحديثة قصر دور الفلاح على كونه سائق جرارا أو حامل رشاشة مبيدات.
– الفناء القادم للبشرية لن يتطلب قنابل وحروبا بل إن انهيار الطاقة وشبكة المواصلات التى تنقل الأسمدة المصنعة وطعام الماشية وشبكات الكمبيوتر سيفضى إلى الفناء بعيدا عن القوة العسكرية.
– منظومة إنتاج وتوزيع الغذاء فى العالم تبدأ من حقول البترول ومناجم الخامات الأولية وتعبر من خلال معامل التكرير وأفران الصلب والألومنيوم وصناعة الآلات وأنظمة البنوك وكل أنظمة النقل المعتمدة على الوقود الأحفورى ( كالبترول والفحم ) وصناعة التعبئة والتغليف وأجهزة الكمبيوتر وسلاسل السوبر ماركت ومجمعات الصناعات المتكاملة التى لم تكن موجودة قبل ذلك.
– ومزارع اليوم يختلف عن الفلاح التقليدي الذى عرفناه فى الآتى:
1- ساعات العمل المستنفذة فى كل الصناعات المذكورة أعلاه.
2- ساعات العمل اللازمة لدفع الضرائب.. والتى توظف فى رفع الدعم المدفوع للزراعة الحديثة وهذه الساعات لا تذهب للفلاح الذى يتم تركه على شفا الإفلاس بل تذهب إلى مجمع الصناعات المذكورة.. وتستنفد نسبة 40% منها فى إنتاج وتداول وتوزيع الغذاء.
– باختصار فإن هذه الصناعات المذكورة يجب أن تسمى صناعات صناعة تغيير طبيعة الغذاء بالمواد المضافة إليه كالمواد الحافظة ومكسبات الطعم والنكهة والرائحة.
– إنها إعادة لتوزيع المهام- وتركيز النفوذ.. فى الوقت الذى لا يتم الحصول على فائدة أعلى من الزراعة حيث أنها ليست أفضل نظام للإنتاج والتوزيع.. وليست أكثر إنتاجا فيما يتعلق بقوة العمل فحسب بل إنها أقل أيضا فى إنتاجية فدان الأرض:
* وعلى سبيل المثال.. تمت إزالة الغابات الاستوائية فى جنوب البرازيل تماما لزراعة محصول واحد هو فول الصويا- ليس لإطعام الأفواه الجائعة لفقراء البرازيل- بل لتصديره لتغذية الماشية فى أوربا.. مع دفع الفلاحين للهجرة إلى عشوائيات المدن.
* وفى وسط البرازيل تم تدمير إقليم حشائش السيرادو- المقابل لأقاليم حشائش السافانا الإفريقية- بشكل شبه كامل وذلك لزراعة فول الصويا فى مزارع تصل الواحدة منها لمائة ألف هكتار.
* أما نموذج المكسيك.. فإن السكان من الهنود الحمر فى أقليم شياباس متهمون بانخفاض انتاجية هكتار الأرض مقارنا بانتاجيته فى الزراعة الحديثة بمقدار الثلثين.. بينما الحقيقة أن الهندى الأحمر يحمّل محصول الذرة بكثير من البقول والخضر والأعشاب الطبية وأحيانا الفواكة بما يرتفع بانتاجه الى 250% من إنتاج المزارع الحديثة علاوة على إطعام ماشيته وداوجنه بل ودون استخدام الأسمدة والمبيدات الكيماوية وبلا قروض حكومية أو مصرفية أو دعوم من الشركات متعددة الجنسية.. لذلك فهو يصارع السوق الامريكية الشمالية (النافتا) من أجل البقاء.
* وطرد الهنود الحمر من أراضيهم بغرض تحويلها لمراعى أبقار لاتنتج إلا 50 كيلو جراما من اللحم لكل هكتار فى السنة.. يمثل كارثة من أكبر كوارث عالمنا المعاصر.
*علاوة على أن تطهير وادى تشياباس الزاخر بمختلف السكان والثقافات واللغات والحضارات يمثل كارثة أخرى عرقية.
* فضلا عن منافسة الحيوان والدواجن للإنسان فى الغذاء الذى يتم إنتاجه لإطعام البشر؛ بينما كان إطعام الدواجن يتم على مخلفات المزارع إبان الزراعة التقليدية ودون عناء.
* نحن نحتاح لطرق جديدة فى تطبيق قواعد المحاسبة التى تتعامل مع إنتاج المزارع الكثيفة حيث يتحتم أن تخصم من عوائد الانتاج الزراعى الكثيف ما يساوى جملة المصائب الناجمة من اتباع الأساليب الحديثة… مثل تدمير البيئة، وفقدان التنوع البيولوجى ومصائب المستهلكين الناجمة عن المزارع الحديثة من أمراض وموت. بمعنى أن نتساءل: هل فى مقدورنا .. أم من حقنا أن نتصرف حيال كل ذلك كما لوكنا الجيل الأخير من البشر؟!!
فى مزارع الدواجن ..كيف تتعاقد الشركات الكبرى مع الفلاحين ؟ :
ا- شراء الفلاحين للكتاكيت من الشركات.
ب- وكذا شراء مدخلات العملية الإنتاجية (بطاريات- أعلاف- أدوية)
ج- بيع الحبوب التى ينتجها الفلاحون للشركات.
د- تسليم المنتج من الدجاج للشركة بالأسعار التى تحددها.
* وبذلك يتحمل الفلاح كل المخاطر الناجمة عن الأمراض والتغيرات البيئية المباغتة .. ويقع أسير وهمه أنه أصبح منتجا ( وليس عاملا أجيرا )، ويظل يعمل فى المزرعة لساعات طويلة.
* تتلافى الشركات الكبرى تحمل مخاطر استخدام عمالة.. مثل (الأجور، الإضرابات ؛ محدودية ساعات العمل- الضرائب- التأمينات.. الخ).
* تستفيد الشركات من حصولها على كثير من مكونات العلف من الفلاحين بأسعار تحددها هى.
حسبة علف الدواجن فى إنتاج اللحوم
– فى حظائر تسمين الدجاج تستخدم عليقة (علف) مركزة وزنها2.2 كجم لإنتاج كيلو لحم.
– وإذا ما أدركنا أن 50 % من وزن الدجاج القائم ( الحى ) لا يستهلك آدميا (لاستبعاد الريش، الأحشاء والعظام والأرجل والرأس).. فان كمية العليقة اللازم لانتاج كيلو لحم صافى تتضاعف وتصير(4.4 كجم).
وحيث أن نسبة الماء فى العليقة تبلغ 12% ونسبة الماء فى لحم الدواجن تبلغ 88%
فان نسبة العلف الصافى(دون ماء) = 4.44 (100% – 12%) = 3.872 ك
أما نسبة اللحم الصافى (دون ماء) = 1كجم فى (100%- 88%) =12. كجم
وبذلك تكون نسبة العلف الصافى للحم الصافى هى :
3.872 كجم : 0.12 كجم أى 32 : 1
وهو ما يفضح أوهام أفضلية طرق الزراعة الكثيفة فى مجال الدواجن المخصصة لانتاج اللحوم
ومن هنا ظهرت العبارة البليغة : مزارع الدواجن تسمى معسكرات اعتقال الدواجن الحديثة.
غاز النيتروجين من تصنيع المفرقعات إلى تسميم الأرض الزراعية
قصة النيتروجين ودخوله فى صناعة المفرقعات:
- المادة الخام لعنصر النيتروجين كانت تصدر للألمان من مناجم الأرجنتين- وعندما قطع الحلفاء عن ألمانيا الإمدادات القادمة من الأرجنتين إبان الحرب العالمية الأولى بحث الألمان عن بديل وتوصلوا إلى استخدام العملية الكيماوية ( هابر- بوش) التى تستخلص النيتروجين من الهواء الجوى – وهنا أسهمت الحرب العالمية الأولى فى ترويج هذه الصناعة وأفضى انتهاء الحرب وقلة استخدام المفرقعات إلى توجيه تلك الصناعة نحو تصنيع الأسمدة النيتروجينية المستخدمة فى الزراعة.. ومنذ ذلك التاريخ أدمنت التربة تناول الأسمدة النيترجينية (عالية الكثافة والتركيز) التى سممتها وانتقلت بعد ذلك من النيتروجين الى الفوسفور والبوتاسيوم وغيرها، ومثلت الحرب العالمية الثانية إنطلاقا لتلك الصناعة ثم انتقلت إلى مجال المبيدات الحشرية. وسرعان ما تطور اكتشاف مادة الـ D.D.T (العجينة المعملية) إلى اكتشاف مواد أخرى شديدة السمية للنبات وجهها الأمريكيون لتجويع اليابانيين قبل ضربهم بقنبلتي هيروشيما وناجازاكى.. وطلبهم توقيع الهدنة.
- وما حدث مع اليابانيين تكرر فى الحرب بغابات فيتنام.. وتم ربط الكثير من مراكز البحوث الزراعية بالمراكز والشركات الصناعية وصدرت التشريعات لتقنين ذلك الوضع.. ودخل الفلاحون دون أن يدروا فى شباك تلك المصيدة التى لم يبد لهم منها فكاك. وقد بدا الأمر فى أول المطاف تطورا عشوائيا .. لكنه الآن وعلى يد الشركات متعددة الجنسية صار مؤامرة فعلية حجر الزاوية فيها كان البيوتكنولوجى الزراعى.
- وأصبحت المشكلة لا تكمن فقط فيما نتناوله الآن أو ستناوله مستقبلا من طعام مسمم ومشكوك فى ملاءمته لصحة الإنسان بل تحولت إلى مشكلة أكبر هى الهيمنة على الفلاحين من خلال مؤسسات دولية قوية ومسيطرة تحاصرهم كما تضيق فرص الاختيار أمام المستهلكين. فالبذور المعدلة وراثيا، والمبيدات الحشرية ومبيدات الحشائش هى حزمة تصر الشركات الكبرى على تسويقها للفلاحين الذين نزعتهم من أساليبهم التقليدية فى الزراعة لتحولهم إلى مجرد مستهلكين لمنتجاتها المفروضة. وسوف تفاقم من تخريب البيئة وفقدان التنوع البيولوجى الطبيعى وانتزاع الفلاحين من أراضيهم وتعمق التمزق الاجتماعى رغم أن شعارها زيادة انتاج الغذاء لحل مشكلة الجوع.