رسالة إلى الأصدقاء الأعزاء .. فى معسكر الثورة المصرية

 تعالوا إلى كلمة سواء بشأن الوضع المعقد والمتداخل الذى تعيشه مصر فيما بين جولتى الانتخابات الرئاسية ‘ فما أسفرت عنه الجولة الأولى للانتخابات قد وضعت جميع الأطراف فى مأزق حقيقى ؛ فحصانا الثورة المضادة ( المجلس العسكرى والإسلام السياسى) برغم عدائهما التاريخى للشعب والثورة –وبرغم مصلحتهما المشتركة فى التوافق وفى اقتسام الغنيمة – ” يقفان كل ٌفى مواجهة الآخر” ،  بينما الشعب وقوى الثورة والثوار فى موقف لا يحسدون عليه بشأن عملية التصويت المرتقبة فى الجولة الثانية للإنتخابات.

–          فالمجلس العسكرى استمات وتفنن فى إيصال ضابط جيش ورئيس وزراء من العهد البائد وشخص ليس فوق مستوى الشبهات إلى جولة الإعادة  وهو بذلك يتحدى الشعب ويخرج لسانه للثورة والثوار.

–          والإسلام السياسى ممثلا فى الإخوان المسلمين بالأساس وملحقهم من السلفيين والجماعات الإسلامية يشعر بشدة بتراجع التأييد الشعبى الذى سبق أن حصده فى الانتخابات البرلمانية، وبكراهية متزايدة له فى الشارع ، خصوصا فى المدن الكبرى ومن النخب السياسية والمستنيرين من قطاعات الشعب ومن المسيحيين .

–          وممثلو الثورة فى الانتخابات خرجوا من السباق استنادا لما أعلنته النتائج الأولية حتى مساء اليوم السبت 26 مايو 2012 ، وجمهورهم انقسم عدة أقسام : الأول: وهو القسم الأكبر .. يرى مقاطعة الانتخابات حلا لعدم التورط فى اختيار أحد مرشحى الثورة المضادة لكرسى الرئاسة ؛ والثانى: يرى التصويت لمرشح المجلس العسكرى باعتبار أن التخلص منه برغم دعم الجيش له أسهل – فيما بعد – من التخلص من ممثل الإسلام السياسى .. خصوصا وهو- أى شفيق – لا يستند إلى تواجد جماهيرى صريح فى الشارع على عكس ممثل الإسلام السياسى؛ والثالث: و هو الجزء الأقل.. يرى أن دماء الشهداء تحتم التصدى لممثل مبارك والجيش معا حتى لو أدى ذلك – وهو سيؤدى – إلى احتلال الإسلام السياسى لمنصب الرئيس.

–          والمأزق الذى يجمع حصانى الثورة المضادة يتمثل فى :

 

  • صعوبة مواجهة المجلس العسكرى لتحديات المرحلة القادمة لأنه سيواجه الشعب وجيوش الإسلام السياسى والتدهور الاقتصادى والأمن المفقود والاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين أوضاعها المعيشية .. ويراهن فى ذلك على استخدام ضابط قذفته الجماهير بالأحذية فى أكثر من مناسبة وتجتاح المؤسسة التى كان يديرها- شركة مصر للطيران – الاحتجاجات التى لا تتوقف.
  • أما الإسلام السياسى فإحساسه السابق بالزهو والانتشاء قد انقلب إلى إحساس بالخطر يتزايد بسرعة مدهشة وهو يجبن عن المبادرة باتخاذ إجراء واحد  مسكن لطمأنة الجماهير التى يزداد توجسها منه كل يوم ويسعى للحصول على منصب الرئيس تحسبا من انفراط عقده فى أية انتخابات قادمة ، ويتحايل على مرشحى الرئاسة برشاواه المعتادة بمنح مناصب ( رئيس الوزراء ونائب الرئيس ) لبعضهم ليستجمع من مؤيديهم ما يوحى للشعب أنه وبقية الجمهور فى جانب الثورة بينما المجلس العسكرى وممثله فى جانب آخر، وبرغم معرفة جماعة الإخوان بأن مؤيدى الإخوانى المتلون من السلفيين سيصوتون لها فى جولة الإعادة، وبأن ذلك المرشح الذى خالفهم سيعود لهم صاغرا طالبا الصفح..  إلا أنهم لا يطمئنون لذلك فربما يستنكف السلفيون أو يستنكف بعضهم ويقاطعون جولة الإعادة . وهو ما يدفعهم لمحاولة استمالة المرشح الناصرى الذى حصد تأييدا واسعا غير متوقع على حسابهم بالأساس.. ولأنهم يدركون جيدا أن قطاعا كبيرا من مؤيديه لا يمكن استمالتهم حتى ولو استمالوه شخصيا فقد شرعوا فى دعوة مرشح النظام السابق عمرو موسى ليعدوه بمنصب إذا ما وافق على دعمهم  نكاية فى مرشح الجيش الفريق شفيق ..
  • هذا ولا تقتصر استمالة الجماعة  لمرشحى الرئاسة -الذين خرجوا من السباق –  على اقتناص الأصوات الانتخابية فى الجولة القادمة بل إن الرعب من تولى أمور الدولة وإدارة البلاد منفردة هو أحد تلك الأسباب .. ويقف خلف اهتزاز أعصابهم واضطرابهم .. ليس لكونهم يفضلون مشاركة غيرهم لهم فى الحكم بل لأنهم لا يستطيعون القيادة ؛ ولأنهم يصرون على الاستحواذ على كل مؤسسات الدولة – كما هو مخططهم – فهم يتخبطون بشكل مستمر ..وواقع الحال أنهم فى حالة من الاضطراب والتخبط لم يعاصروها من قبل..  خصوصا وأن المجلس العسكرى يقف لهم متربصا غير آمن  لهم بعد أن أوقعهم فى مصيدة حاكها باقتدار بالإفراج عن نائب المرشد والانتظار مترقبا لرد فعلهم ، فإذا بهم ” يلحسون  ” تعهدهم الذى قطعوه على أنفسهم ” بتعففهم “عن الترشح لمنصب الرئيس.. وهو ما انتهى باستبعاد نائب المرشد من قوائم الترشيح .. وبذلك جردهم- المجلس العسكرى- من ملابسهم وتركهم دونها أمام الرأى العام . ونعتقد أن سيناريو الانتخابات الجزائرية ماثل أمامهم .. وهم يقدمون رجْلا ويؤخرون أخرى خوفا من تكراره فى مصر وهو ما سيكون أشد دموية إذا ما تجاوزوا الحدود التى وضعها لهم المجلس العسكرى خصوصا بعد أن بدأ الانفضاض عنهم يتخذ سمات إجرائية وعملية.

 وقد يتساءل البعض هل من الممكن أن يحدث ذلك السيناريو.. بينما هما فرسا  رهان الثورة المضادة وقادتها..؟ والرد على ذلك يتمثل فى: أن محاولات الشركاء فى اقتسام الغنائم لا ترتضى عادة بقسمة عادلة بل تتحقق استنادا إلى ميزان القوى وإلى وقائع التاريخ التى تؤكد أن الجيش لا يقبل بالندية .. بل يملى الشروط ويرسل التعليمات حتى لشركائه.. خصوصا إذا ماكان هؤلاء الشركاء من محدثى النعمة وأصحاب الأيادى المرتعشة .

  • أما عن معسكر الثورة  فعلى الرغم من صعوبة موقفه هو الآخر فإنه يستطيع أن يستأنف الكفاح ضد المجلس العسكرى وضد تيار الإسلام السياسى.. حيث أن جملة الأحداث التى انخرط فيها طيلة الخمسة عشر شهرا المنقضية تشحذ نصله وتصلّب عوده وتقوّى شوكته وترفع وعيه وتوسّع معسكره بالمزيد من النشطاء والمنخرطين، ولقد ظهر الكثير من الآراء والتقديرات خلال الساعات القليلة الأخيرة  تـرى أن تاريخ جماعة الإخوان على وجه الخصوص ملئ بالتحالفات التى انتهت بالغدر من ناحيتها؛ لذلك تتعالى الصيحات  من كل جانب منددة بالحوار معهم خصوصا من ممثلى معسكر الثورة فى انتخابات الرئاسة.. حتى ولو تمخض ذلك عن اتفاقات مكتوبة ، لأن ممثلى الثورة لا يستندون إلى أحزاب جماهيرية قوية موجودة فى الشارع ذات قواعد منتشرة فى صفوف الشعب وفى الريف على وجه الخصوص؛ وهو ما يفترق كثيراعن التأييد الجماهيرى الانتخابى .. وبالتالى فإمكانية التخلى عن تلك الاتفاقات والانسحاب منها من جانب تيار الإسلام السياسى وجماعة الإخوان تحديدا هى الاحتمال الأرجح.. على الأقل لأن برنامجهم يختلف فى كثير من الأسس والمنطلقات الجوهرية عن برنامج وأهداف الثورة.
  • وعليه فإن الدعوة إلى مقاطعة الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية هى الأفضل فى تقديرنا من المشاركة لأنها تعنى – أى المقاطعة –  أن الشعب وقوى الثورة رافضون للمشاركة فى اختيار أحد ممثلى الثورة المضادة الذين قتلوا الثوار واستنكفوا عن تحقيق أهداف الثورة بل وتآمروا عليها ولعبوا أسوا الأدوار فى تردى الأوضاع الاقتصادية والأمنية وجرّموا وقمعوا احتجاجات الفقراء والجوعى والمظلومين وزوروا جميع الانتخابات والاستفتاءات التى جرت منذ اندلعت الثورة ، ولا زالوا يشكلوا مثالا رديئا ونموذجا سيئا يجب التخلص منه لتستأنف الثورة  مسارها حتى الانتصار.

 

               العاشرة مساء  السبت 26 مايو 2012                                          بشير صقر