عن انتخابات الرئاسة المصرية
بعد نتائج الجولة الأولى:
غضب وإحباط يعم أرجاء مصرمن النتائج غير الرسمية
أداء رائع لجماهير الثورة.. ونداءات بالاعتصام فى الجولة الحاسمة
بعد إعادة فرز الأصوات ..تسريبات إعلامية عن تغير النتائج الأولية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة هامة : استمعت بالصدفة صباح الإثنين- بعد الانتهاء من كتابة هذا المقال – لحوار تليفزيونى للدكتور نور فرحات على جهاز الكمبيوتر منقولا من قناة روتانا مصرية أنه بناء على معلوماته من مصدر موثوق – على صلة باللجنة العليا للانتخابات الرئاسية – بأن اللجنة قد توصلت إلى وجود تزوير فى أصوات مرشح العسكر ( صاحب المركز الثانى) ، وأنه يرى – بناء على تلك المعلومات – أن احتمال دخول مرشح الثورة حمدين صباحى جولة الإعادة صار مؤكدا بنسبة 99 % ، وإذا لم يحدث ذلك .. وبصرف النظر عن الإجراء الذى ستتخذه لجنة الانتخابات فى الوقت الراهن.. فإنه سيتم إلغاء انتخابات الرئاسة الحالية لو استكملت بدون صباحى لتجرى إعادتها فى وقت لاحق أيا كان المرشح الذى يتولى منصب الرئيس فى الانتخابات الحالية.
وهذا الخبر لا يغير شيئا من تقديرى للأمور لأنى بنيته استنادا إلى النتائج الأولية للانتخابات التى عرفها العالم منذ مساء الجمعة 25 مايو 2012 ولم تتغير حتى الآن .
______________
فور ظهور النتائج الأولية غير الرسمية للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية خيمت على قطاعات واسعة من الشعب المصرى حالة من الغضب والإحباط .. خصوصا بعد حصول مرشح معسكر الثورة على المركز الثالث الذى دعمه الفقراء والمستنيرون وبفارق ضئيل من الأصوات عن ممثل العسكربينما احتل مرشح تيار الإسلام السياسى مقدمة الترتيب.
وبات من المقرر – إن لم تحدث مفاجآت فى اللحظات الأخيرة قبل إعلان النتائج الرسمية – أن تدور رحى الجولة الثانية فى السادس عشر والسابع عشر من شهر يونيو 2012 بين ممثل الإسلام السياسى وممثل العسكروالنظام الحاكم .
- وقبل أن ندخل فى الموضوع يهمنا الإشارة إلى أن التأخر فى إعلان النتائج الرسمية أكثر من يومين ونصف من الانتهاء من عملية فرز الأصوات لا ترجع فقط إلى إتاحة الفرصة للطعن فى أداء المرشحين والإجراءات التى اتبعت فى العملية الانتخابية وكذا النظر فيها والتحقق من صحتها .. بقدر ماهو للنظر فى إدخال صاحب الترتيب الثالث ( مرشح الثورة ) فى جولة الإعادة لتتوزع أصوات الناخبين بين ثلاثة مرشحين لا بين اثنين وهو ما يدعم فرصة ممثل العسكر فى الحصول على المركز الأول دون الحاجة إلى تزوير فج اعتاد النظام عليه طيلة العقود الماضية؛ ومن ثم يتلافى الصدام المبكر مع فصائل الإسلام السياسى فى حالة اقتصار الجولة على مرشحين ( للعسكر والإخوان ) .
- وكما هو متوقع سارع حزب الإخوان لممارسة عادته المرذولة فى استمالة كل من المرشح الناصرى ( الثالث فى الترتيب ) والمرشح الإخوانى المتلون ( صاحب المركز الرابع ) بعرض منصبى نائب الرئيس عليهما فى محاولة للحصول على دعمهما وعلى أصوات مؤيديهما فى الجولة الانتخابية الحاسمة.
ولما كان قبول المساومة من جانب المرشح الناصرى ( مرشح الثورة ) يمثل تبديداً لما حصده من تأييد شعبى فى الجولة الأولى وتدميراً لمصداقيته فقد رفض المساومة بشكل قاطع.
- هذا وقد انقسم المؤيدون له لثلاثة أقسام : قسم يفضل مقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات وهو فى رأينا الموقف الصائب؛ بينما يرى قسم آخر ضرورة التصدى لتيار الإسلام السياسى لإسقاط ممثله الذى تعد إزاحته فيما بعد أصعب من أزاحة ممثل العسكر؛ أما القسم الثالث فيرى أن إسقاط ممثل العسكر والنظام الحاكم أهم وذلك – على الأقل – وفاء لدماء الشهداء.
وفى الحقيقة فإننا نرى أن التصويت لأى منهما يمثل سقطة سياسية شديدة لأنه يعنى موضوعيا تأييد السياسات والإجراءات وجملة الممارسات التى اقترفها كل منهما – على الأقل – طيلة الفترة من 25 يناير 2011 وحتى الآن وهى جميعا تمثل جرائم سياسية وجنائية تقع تحت طائلة القانون ؛ كما يعنى كذلك .. المشاركة فى المسئولية عن كل ما سيتم اقترافه من جرائم فى ظل رئاسته للدولة فى الفترة المقبلة.
من هنا نرى أن إعلان المقاطعة هو القرار الصحيح : أولا .. احتجاجا على ممارساتهما منذ بداية المعركة الانتخابية ؛ وثانيا .. لمواقفهما السياسية طيلة الشهورالـ 15 المنقضية؛ وثالثا وهو الأهم .. لانحيازهما المباشر والموضوعى ضد تحقيق الأهداف التى رفعتها الثورة.
ويهمنا توضيح أنه لا يوجد شئ فى حجج مَن يريدون – مِن جمهور الثورة – المشاركة فى الجولة الانتخابية الثانية ( سعيا لإسقاط أىٍ من المرشحيْن ..وليس تأييدا للآخر ) .. لا يوجد شئ يرجح كفة البراهين التى يسوقها طرف على كفة براهين الطرف الآخر.
- الأهم من كل ذلك أن يستنكف الشعب عن المشاركة فى الجولة الثانية ويعلن للعالم ولكلا المرشحيْن والقوى التى ينتميان لها أنه رافض للمشاركة فى هذه الجولة ولا يؤيد كلا المرشحين ، وتأكيدا لذلك يجرى الاعتصام طيلة يومى الانتخاب 16 ، 17 يونيو المقبلين فى الميادين الكبرى بعواصم المحافظات على طول البلاد وعرضها.
لماذا أرجأ العسكر الانتخابات الرئاسية إلى اليوم ؟ ولماذا أصر الإسلام السياسى على التبكير بها ..؟
- لقد كانت خطة العسكر بشأن الانتخابات الرئاسية تتمثل فى إجرائها بعد أن يذوق الشعب- الذى أيّد الثورة – عذابات غياب الأمن المتعمَّد وخطف الأطفال ومداهمة المنازل وسرقة السيارات والبنوك ؛ وارتفاع الأسعار واختفاء الوقود والغاز؛ وقتل واغتيال واصطياد الشباب بالرصاص وتحت عجلات العربات المصفحة ؛ وشمول الترويع كافة السكان خصوصا الأقلية المسيحية تحقيقا لمقولة الرئيس المخلوع ” أنا أو الفوضى “، وهو ما يدفع الكثير من قطاعات الشعب لاختيار أحد رموز النظام السابق طلبا للأمن ” ولأن الثورة لم تحقق لها شيئأ “.
بينما كانت رغبة الإسلام السياسى هى الإسراع بإجرائها بأقصى سرعة ممكنة لاستثمار التأييد الشعبى له فى الريف وهو ما تجلى فى الانتخابات البرلمانية وأدى لحصد فصائل الإسلام السياسى 70 % من مقاعد البرلمان، ولو أجريت الانتخابات الرئاسية قبلها أو بعدها مباشرة لحصل على المنصب من الجولة الأولى، ولذلك كانت الانتخابات الرئاسية أحد مواطن الصراع الخفى والمعلن بين العسكر وفصائل الإسلام السياسى.. الأول يريد إرجاءها حتى يقول الشعب ” حقى برقبتى من الفوضى ” ؛ بينما يصر الثانى على الإسراع بها قبل أن تتبدد أوهام الشعب بشأن مصداقيته وخططه ونواياه، ورغم هذا البون الشاسع بين رغبة كل منهما .. فإنهما يتفقان تماما على ذبح الثورة والثوار واقتسام الغنيمة.
من هنا فإن مشاركة المؤيدين لمرشح الثورة فى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية لا تعدو أن تكون سباقا فى ترجيح كفة أحد ممثلىْ الثورة المضادة ضد الآخر.
وحيث تعمّد العسكر التلكؤ فى الإعداد لتشكيل لجنة كتابة الدستور لما بعد تحديد رئيس الجمهورية.. لكى يكون رئيسا غير محدد الصلاحيات لبعض الوقت .. يجرى فيه التعامل معه بإحدى طريقتين:
– الأولى.. هى استخدامه فى وضع ضمانات بالدستور تحافظ للمجلس العسكرى على حقوق استثنائية وتتيح له التدخل فى توجيه دفة الحكم من خلف الستار.. وتقيهم من تدخل الأجهزة الرقابية فيما يتعلق بميزانية القوات المسلحة وإدارة الجهاز الاقتصادى العسكرى.. هذا إن كان ذلك الرئيس ممثلهم المباشر.
– والثانية ..هى أن تـرويض الرئيس وابتزازه والحصول منه على كل شروطهم سيكون أسهل وهو بلا صلاحيات مما لو كان بصلاحيات محددة وواضحة.. وذلك فى حالة كون الرئيس أى شخص آخر .
من ناحية أخرى فإطالة المدة – فى تقدير العسكر – ستلعب دورا كاشفا لممارسات فصائل الإسلام السياسى لفضح مصداقيته أما الرأى العام ؛ خصوصا إذا ما أتقن العسكر تدبير عدد من الحيل تكشف أهدافه – للسيطرة على الدولة – الخافية على الجماهير .. مثل قصة الإفراج عن نائب المرشد ومسارعة الأخير للإعلان عن ترشحه للرئاسة والتى انتهت باستبعاده وتعرية مصداقيته.
ماهى أولى المهمات التى تفرض نفسها على رئيس يمثل الثورة..؟
بافتراض نجاح مرشح الثورة فى الفوز بمنصب الرئيس على حساب مرشح المجلس العسكرى ومرشح الإسلام السياسى سيكون أمامه خياران:
الأول: هو التوصل إلى صيغة تكفل انضواء المجلس العسكرى كجزء من أجهزة الدولة لسلطة الدولة والرئيس ، واتخاذ الإجراءات التى تكفل انصياع فصائل الإسلام السياسى لذات السلطة ؛ وتحرّم التمييز واستخدام الدين فى السياسة وتلزم كلا منهما ( المجلس والفصائل ) بقواعد من الطبيعى أن تختلف عما كان موجودا فى العهود السابقة.
والخيارالثانى : هو أن يكون الرئيس محصلة لتوازن محدد بين قوى ثلاث ( الشعب والمجلس العسكرى وفصائل الإسلام السياسى ) وهو ما يعنى إمكانية تعرض الرئيس والمنصب لهزات إذا ما تمردت إحدى هذه القوى ؛ كما أنه سيجعل وضع الرئيس ضعيفا إلى حد كبير بالذات إذا ما كانت صلاحياته فى الدستور ليست واسعة بالقدر الكافى أو محدودة وأيضا إذا ما كان الشعب مبعثرا وغير منظم كما هو واقع الحال.
الشعب المنظم .. أقوى..
فالشعب المنظم فى نقابات حقيقية متماسكة وأحزاب سياسية قوية ، واتحادات وروابط تضم كل الفقراء والمهمشين أو معظمهم من عمال وفلاحين وصغارموظفين وعاطلين ؛ وجمعيات تجمع المطالب والمصالح البسيطة لأعضائها لتشكل أهدافا كبرى للشعب.
هذا الشعب المنظم بتلك الكيفية يمثل سندا متينا وأساسا قويا لرئيس اختاره الشعب بنفسه عن قناعة .. ويشكل دعما حقيقيا له .. ليشرع فورا فى إعادة ترتيب البيت المصرى من الداخل .. وهى المهمة الأولى والحاسمة التى تفرض نفسها عليه.
أما إذا كان الشعب مبعثرا ومفتقدا لأحزابه ونقاباته واتحاداته وجمعياته وروابطه التى تعبر عنه تعبيرا حقيقيا ؛ وتجتاحه تيارات رجعية عديدة منظمة ومنتشرة فى كل أرجائه تبث سمومها وتعمق الفرقة والتمييز بين أفراده وجماعاته؛ وتتخلله مجموعات وعصابات من رجال العهد البائد فى كثير من مواقع الإنتاج والخدمات وقطاعات الدولة تمسك بمفاصلها وتتحكم فى توجيهها ضد مصالح الشعب .. فى هذه الحالة ستكون يد الرئيس الثورى مغلولة فى إعادة ترتيب الوضع الداخلى.. وتصبح مهمته فى إدارة المجتمع والدولة شبه متعثرة.
وبقراءة التجربة المصرية خلال الخمسة عشر شهرا المنقضية يمكن القول أن إعادة ترتيب الوضع الداخلى تتمثل فى الآتى:
1- تطهير مواقع الإنتاج والخدمات وأجهزة الدولة من كل القيادات والعناصر الفاسدة المتغلغلة فى كل ثناياها.
2- إعادة تشكيل جهاز الشرطة المدنية وأجهزة التحقيق القضائية والأجهزة الرقابية، وتصفية أجهزة الأمن وأجهزة القمع- وما أكثرهما – وإحلال أجهزة وقيادات جديدة محلها موالية للشعب والثورة.
3- انخراط الشعب فى أحزاب ونقابات واتحادات وجمعيات وروابط ذات فعالية حقيقية .. ولا تكون مجرد أشكال لتخزين الجمهور.. أو محض أوراق وسجلات تضم أسماء بلا فعالية ولا مضمون ولا تأثير.
4- دفع عجلة الإنتاج للأمام فى ظل تنظيمها الراهن فى قطاعات الإنتاج والخدمات تمهيدا لإعادة صياغتها فى أقرب فرصة بما يحقق أهداف الثورة ومصالح الشعب.
5- سد جميع الثغرات التى كانت تستغلها قوى الثورة المضادة من العهد السابق ومن فصائل الإسلام السياسى فى عرقلة عجلة الإنتاج وتبديد الأمن ونشر الترويع بغرض توفير الحاجات الأساسية والمعيشية للشعب.
6- تأسيس هيئة لاستقبال مطالب الفئات الاجتماعية والفقيرة أولا والنقابات والروابط وغيرها ودراستها وتحديد العاجل منها للاستجابة لها فى أقصر فترة زمنية.
ولأن نتائج الانتخابات الرئاسية ستكون قد عرقلت أو أرجأت – بشكل أو بآخر- مطامع العسكر وفصائل الإسلام السياسى فى السيطرة على الدولة والمجتمع وساهمت فى التقريب بينهما فإن صياغة علاقة آمنة مع القوات المسلحة تقى النظام الجديد من جملة الألاعيب المحتملة والمتوقعة التى مارسها العسكر منذ 11 فبراير 2011 وحتى الآن تغدو مهمة بالغة الأهمية لقطع الطريق على أية إجراءات أو تآمرات يحيكها العسكر و فصائل الإسلام السياسى منفردين أو مجتمعين .
- ولأن الرئيس الذى اختاره الشعب لن يكون موضوعيا على مذاق وهوى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبعض دول الخليج العربية فسيكون ذلك الوضع عرضة للقلاقل والاضطرابات من هذه الزاوية ؛ فمصر بوزنها السياسى والاستراتيجى الجديد يمكن أن تخل بميزان القوى فى المنطقة إذا ما اختار الشعب رئيسا يثق فى رغبته وقدرته على تحقيق مطالب الثورة وأمانيها الوطنية على المستوى الداخلى والإقليمى والدولى.
- وإيجازا للقول.. فإن ترتيب البيت المصرى من الداخل سيكون أولى المهمات أوالمعضلات وأخطرها أمام الرئيس الثورى التى تمثل شرطا حاسما لا يمكن الحديث دون وجوده عن السير نحو تحقيق آمال الشعب وأهداف الثورة ؛ وهذا الشرط يحتاج وقتا لا يمكن تحديده بدقة الآن وربما يستغرق الجزء الأكبر من الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الثورى الجديد ، كذلك فإن ترتيب البيت من الداخل يختلف فى حالة وجود عدو واحد – كما كان الحال فى ثورة يولية 1952 وهو كبار الإقطاعيين ورجالات الدولة وأعوانهم – عنه فى حالة وجود عدوين أحدهما العسكر والحزب الوطنى الذى لم ينشط فى حياته قدر ما نشط منذ الثورة؛ والآخر هو فصائل الإسلام السياسى المتغلغلة فى الريف.
- كما يختلف الأمر فى حالة كون الشعب منظم عنه فى حالة بقائه مبعثرا؛ لأن التنظيم فى حد ذاته سلاح فعال فى تماسكه وإحساسه بوزنه ودوره وفى استطلاع حركة القوى المعادية له وإمكانية مواجهتها وشل فاعليتها.
- ومن هنا نعتقد أن أداء الشعب المصرى فى معركة الانتخابات الرئاسية .. رغم أية مآخذ عليه.. هو إنجاز حقيقى وجرس إنذار عالى الصوت لقوى الثورة المضادة .. بل هو الشئ الأعظم منذ اندلاع ثورة ينايربجولاتها المتتابعة .. هذا من ناحية.
- ومن ناحية أخرى فإن عمليات التزوير فى أعداد الناخبين وفى عملية التصويت وفى شراء الأصوات التى اقترفها العسكر وفصائل الإسلام السياسى لصالح ممثليْهما هو مُعْطى دائم من معطيات النظام الحاكم وليس بدعة جديدة؛ ومن المهم كشفها وفضحها ؛ لكن ليس من الحصافة استمرار الحديث عنها وترك المهمات الملحة دون إنجاز ؛ فالاختفاء من المشهد الانتخابى إثر حالة الإحباط المنتشرة لا يتناسب مع الأداء الشعبى الرائع فى الجولة الأولى من الانتخابات ولا يمكن هضمه دون الاستعداد لرد قوى فى جولة الإعادة يتمثل فى مقاطعة عملية التصويت وحث الجمهور عليها والاعتصام فى الميادين طيلة يومى الاقتراع ورفع اللافتات التى تعلن للعالم استنكاف قطاعات واسعة من الشعب عن المشاركة فى اختيار رئيس من أعداء الثورة.. وليكن الشعار الذى ترفعه هو ( لن نلوث أيدينا باختيار رئيس يعادى الشعب وسنكافح ضده حتى يغادر).
أين يكمن الخلل فى معسكر الثورة؟
ولأن التبعثر لم يكن قاصرا على جموع الشعب .. بل كان يشمل كذلك معسكر الثورة من بعد إسقاط الرئيس السابق وانتهاء برفض مرشحى الثورة الأربعة الالتفاف حول مرشح واحد بناء على دعوة المئات من أصدقائهم ؛ فإن ذلك لو حدث لكان كفيلا برفع معنويات الشعب وإشعاره بضرورة التوحد سواء فى اختيار الرئيس أو فى رفض مرشحى الثورة المضادة بالدرجة التى تخلق تيارا شعبيا متماسكا واضح الاتجاه محدد الملامح قوى الأثر .. فضلا عن التزام ذلك المرشح بمهمات محددة لا يحيد عنها.
لقد كان التبعثر والانفراط هو الخلل الرئيسى فى معسكر الثورة فى الانتخابات الرئاسية عام 2012 ؛ وعموما فإن المرشح الذى صوت له الشعب وأوصله للمركز الثالث بين المرشحين الإثنى عشر- حسبما أجمعت كل الأخبار غير الرسمية المذاعة فى الصحافة وأجهزة الإعلام- لو تمكن من النجاح كان سيقضى وقته الأعظم فى مواجهة قوى الثورة المضادة أكثر من قضائه فى الإعداد والتنظيم والنشاط والدعاية .. ليس لانتخابات قادمة بل لثورة قادمة خصوصا فى ظل جماهير مبعثرة وأوضاع مضطربة وهو ما يجب التنبه والاستعداد له .
إن مسار الثورات لا يعترف بالفشل والإخفاق ويعتبرهما جزءا من معالمه المنطقية ؛ بل يعتد أساسا باستئناف الكفاح بعد علاج الأخطاء وسد الثغرات والتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف.
ولأن مواجهة أسباب الإخفاق والتقصير تتطلب منا أولا.. مغالبة النفس وأهوائها ؛ وثانيا .. تقويم أخطائنا وعيوبنا .. قبل أن نبحث عنها فى مسالك الآخرين وألاعيبهم ومؤامراتهم.
لذا لا ينبغى البكاء على ما جرى ولننظر إلى الأمام .. فالمستقبل هو الأجدر بالتفكير والتخطيط والاستعداد .. وربّ ضارة – كما يقولون- نافعة..
صباح الإثنين 28 مايو 2012 بشير صقر