جرائم بالجملة .. من دهس القانون بالأحذية .. لغصب الأرض .. لاغتيال الفلاحين ، أمثلة حية من المعمورة بالإسكندرية تردّنا لما جرى فى فلسطين المحتلة .. مع الفارق .. الحلقة الرابعة

مقدمة :

اعتمد النظام المصرى الحاكم فى عهدى السادات ومبارك وتوابعهما للهيمنة على ثروات المجتمع والتحكم فى مقدراته على تغيير المنظومة القانونية التى كانت قائمة فى العهد الناصرى ؛ من خلال البرلمان – المشكل مسبقا بانتخابات مزورة – والقرارات الجمهورية التى تمثل الأداة التنفيذية لذلك التغيير ومنها استحداث هيئتين جديدتين إحداهما تنفيذية ( هيئة الأوقاف) والأخرى قضائية ( محاكم القيم ) ؛ علاوة على دور أجهزة الدولة وفى مقدمتها الشرطة.
وفيما يختص بالأرض الزراعية لعبت الأجهزة الإدارية لعدد من الوزارات وعلى رأسها وزارة الإدارة المحلية .. والزراعة وهيئتا الإصلاح الزراعى والأوقاف الدور الرئيسى فى ذلك التغيير.
فضلا عن الاعتماد على الحيل والألاعيب القانونية ومن أبرزها ( ما حدث فى ستينات القرن الماضى فى عزبة حوض 13 بالمعمورة) ؛ بل والتزييف والتزوير فى المحررات الرسمية واختلاق بعضها.

أما ما لم يكن ممكنا تغييره من المنظومة القديمة فتم خرقه جهارا نهارا بالقرارات الوزارية والأوامر العليا الشفهية.

لكن التخلص من العقبات الشديدة التى شكلت خطرا مباشرا على ذلك التغيير فقد تكفلت به الأجهزة سواء بإخفائها ( أى العقبات ) عن العيون أو بإعدامها حتى ولو كانت متمثلة فى قادة المقاومة الفلاحية أو فى مواقفهم القانونية القوية أمام القضاء.

وقد صاحب التخلص من تلك العقبات ذات الخطر المباشر أنواع شتى من عمليات الترويع والترهيب ونشر الهلع ” و المرمطة ” لم يسبق لها مثيل ؛ نذكر منها أحداث منطقة طوسون عام 2008 وعزبة حوض 13 عام 2011 وعزبة النجارين المجاورة عام 2012.

وكانت الشائعات السوداء سلاحا ملازما ومستمرا يسبق أو يُزامن أو يعقب تلك الأحداث مثل شائعة ” أن منتفعى أراضى الإصلاح لم يتملكوا الأرض بل كانوا يستأجرونها من الأوقاف ” ؛ وسلاح آخر متمثل فى استخدام البصاصين والسماسرة والعيون المتلصصة للإيقاع بين العزب المختلفة ؛ وبين الفلاحين وبعضهم ؛ وتفرقة صفوفهم وعزلهم والحيلولة دون توحيد اساليب مقاومة السطو على أراضيهم الذى هو أحد تجليات تلك الهيمنة على الثروة والتحكم فى مقدرات الفلاحين.

والمثير فيما يجرى الآن هو طابع التخبط الذى ينتاب الهيئات والأجهزة ذات الصلة المباشرة بأرض المعمورة خصوصا منذ ثورة 25 يناير 2011 ؛ حيث لا يمكن لأى مراقب متخصص منصف أن يرى فى الخطوات التى تجرى بها التطورات فى منطقة المعمورة ومقارنتها بما كان يجرى قبل الثورة إلا أن يتيقن من حالة ( ” السربعة ” والهرولة والارتباك ) التى تحيط بتلك الجهات ؛ ويقطع بإحساسها بالخطر من اندلاع هبة شعبية تشمل كل فلاحى المنطقة مستولية مرة أخرى على الأرض المغتصبة وتعيد الوضع برمته إلى المربع صفر ؛ ناهيك عما يصاحب كل ذلك من فضائح تنكشف وأسرار تتداول بشأن المحركين لتلك الأحداث من الكبار ؛ وتعرى جميع المرتدين على أعقابهم والمترددين فى هيئة الإصلاح ، والمدبرين لكل عمليات التزييف والتزوير والسطو على الأراضى وكذا العروض المقدمة من جانب هيئة الأوقاف للبعض لاقتسام الغنيمة كمقابل للمشاركة فى الجريمة وهو ما يفصح عن تحول الغريمين – فى زمن سابق ( الأوقاف والإصلاح الزراعى ) – إلى شريكين الآن.
وكمثال لذلك نشير إلى رواية شاهد عيان فى منطقة طوسون المجاورة بشأن مشاهدته المباشرة للثلاثى المرحوم اللواء عمر سليمان والمقاول هشام طلعت مصطفى وبهاء عطا سليم أمين فلاحى الحزب الوطنى وهم يعاينون معا أرض طوسون التى تحولت إلى ركام على يد عادل لبيب محافظ الإسكندرية السابق عندما هدم منازلها على رءوس سكانها دون سابق إنذار لتتيح الفرصة للمتلمظين عليها بالقدوم لمعاينتها فى غيبة سكانها المشردين.
وكذا كل المستفيدين من جمعيات الشرطة والقضاة وغيرهم الذين قام بعضهم بالاشتراك فى عمليات التدبير وإجراءات الاغتصاب وتهديد الفلاحين وإرغام بعضهم على التنازل عن الأرض جنبا إلى جنب مع إكراههم على التوقيع على مبالغ مالية توحى بأنها جزء من صفقة ” خلو رجل “.

المهم والجدير بالاستغراب أن كثيرا من تلك الجمعيات وربما أغلبها لم يتأسس إلا قبيل تسرب أو تسريب الأخبار عن عزم الدولة على طرد الفلاحين من الأرض. والأكثر إثارة فى الأمر أن تلك الجمعيات لا تضم سوى أعداد محدودة من الأعضاء بما يعنى أن الأغلبية الساحقة من العاملين بهيئاتها مستبعدة خارج تلك الجمعيات ؛ وأنه حتى داخل هذه الطغمة هناك ” خيار وفاقوس. ”

وعموما فالأرض الزراعية المغتصبة جزء من الثروة القومية والثروة الطبيعية ، وهى ثابتة فى مكانها لا تتحرك ولا تنتقل ولا تُنْقل ؛ كما أنها تختلف – رغم السطو عليها- عن أرض البناء.. ولذا تظل مؤهلة للعودة لأصحابها وزارعيها مهما طال الزمن لأنها ليست كحافظة النقود يتبدد ما فيها بمجرد نشلها ، وليست كالسيارة المسروقة يتم تفكيكها والتصرف فى أجزائها- كقطع غيار- بمجرد وصولها إلى ” وكالة ” البلح على شاطئ النيل ، علاوة على اختلافها عن العقارات الأخرى كالمنازل يمكن بالسطو عليها تفجيرها بعدد من أنابيب الغاز وتسويتها بالأرض.
الأرض الزراعية غير كل ذلك لا تتبدد بسرقتها لأن ما يتبدد فيها آنذاك هو إرادة من يزرعها فإن عادت إرادته – بالوعى والمقاومة والكفاح – عادت الأرض ، لهذا تبقى لمن يزرعها ليحافظ بها على استمرار حياة المصريين ويقيهم شر الجوع.

وفيما يلى نتعرض للموضوعات التالية:

• المخالفات والجرائم المرتكبة فى حق الفلاحين والأرض من حراس العدالة ودولة القانون.
• موجز عن الجمعيات و الهيئات التى شاركت هيئة الأوقاف فى اغتصاب الأرض.
• اغتيال حسن شندى كبير فلاحى المعمورة .. بين غريزة المقاومة والدفاع عن النفس .. ومنطق العدوان.
• البروتوكول والمزاد صفقتا الأوقاف مع محافظة الإسكندرية وهيئة الإصلاح الزراعى.. بين اقتسام الغنيمة والمشاركة فى الجريمة.

أولا : المخالفات والجرائم المرتكبة فى حق الفلاحين والأرض.. من حراس العدالة وشركائهم فى دولة القانون.

تتجسد هذه المخالفات والجرائم فى الآتى:

-خرق [ قانون الإصلاح الزراعى وتعديلاته ، وقانونى نقل” وقف الخديوى اسماعيل سابقا ” لملكية هيئة الإصلاح الزراعى ، وقانون إعادة هذه الأراضى لرعاية وإدارة هيئة الأوقاف. ]

-خرق قانون الزراعة مادة 90 فيما يختص بتسجيل حيازة الأراضى الزراعية بالجمعية الزراعية ، والتعدى على الرقعة الزراعية وتحويلها لأراضى بناء.

-تزوير وتزييف المحررات الرسمية ، وتلفيق التهم والمحاضر للفلاحين والادعاء عليهم بما لم يرتكبوه خصوصا فيما يتعلق بمخاطبة القضاء وهيئات أخرى باعتبارهم مستأجرين للأرض لا ملاكا لها ( قضية الفلاح السيد إسماعيل عامر ، والقضية 670 / 63 ق استئناف اسكندرية دائرة 18 مدنى الصادر حكمها ضد هيئتى الأوقاف والإصلاح الزراعى فى 9/12/2009 ).

-امتناع هيئة الإصلاح الزراعى عن تحرير عقود تملك الأرض للفلاحين لمدة عشر سنوات رغم وفائهم بكامل ثمنها.

-مخالفة قضاة محكمة النقض – الأعضاء فى ( الجمعية الاجتماعية لقضاة محكمة النقض) التى اشترت 15 فدانا – لحكم القانون الذى يحظر عليهم التعامل فى أرض متنازع عليها كما فى ( الدعوى المرفوعة من حسن شندى أمام محكمة الإسكندرية م.ك فى 8 إبريل 2008 .)

-مخالفة عدد من القضاة الأعضاء فى “جمعية الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية ” لنفس القانون بشرائهم من هيئة الأوقاف أرضا متنازعا عليها.

-إهدار المال العام ببيع الأرض بأقل من عشر ثمنها السوقى.

قيام الجمعية التعاونية للبناء والإسكان لضباط أمن الدولة بالإسكندرية بشراء مساحة من أرض الفلاحين وبيعها للجمعية التعاونية للبترول من غير مالكها ( الذى هو هيئة الإصلاح الزراعى ) رغم أن كليهما لا يستطيعان تسجيل متر واحد منها فى الشهر العقارى كما حدث مع جمعية ضباط كفر الشيخ عام 2008 .

– اغتصاب الأرض المملوكة للفلاحين ومنحها ممن لا يملكونها لمن لا يستحقونها..تماما كما فعل اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا ( فى أوائل القرن الماضى) عندما وعد العصابات الصهيونية بمنحهم الأراضى الفلسطينية لإقامة وطن قومى عليها تحت سمع وبصر شعوب العالم.

-تشريد أعداد كبيرة من المنتجين الزراعيين المباشرين ودفعهم دفعا لجيوش البطالة والتسول والبلطجة وجماعات العنف المسلح ، وتعميق اهتزاز ثقة الشعب فى الدولة وإضعاف الانتماء للوطن ، وتهديد الأمن واستقرار المواطنين .

-التسبب فى اغتيال أحد قادة الفلاحين الذين يرفعون شعار مقاومة الظلم والاستبداد والفساد ، والإصرار على قتل روح المقاومة التى اندلعت فى ثورتى الشعب فى 2011 و 2013 .

-ارتكاب مصلحة الطب الشرعى – فرع الإسكندرية لمخالفة خطيرة تتمثل فى تأخير إصدار تقريرها ( رقم 1602 + 1626 / 2009 شرعى اسكندرية 584 / 1+519 / 1 فى القضية رقم 17820 / 2009 إدارى ثان المنتزة ) الخاص بتشريح جثة الشهيد حسن شندى لمدة مائة وتسعة عشر يوما حيث توفى بتأثير مادة سامة . فالأمر بالتشريح صدر فى 23 سبتمبر 2009 بينما تقرير الطب الشرعى صدر فى 19 يناير 2010 ؛ بينما القانون يوجب ألا تزيد مدة الانتهاء من الفحص ( تشريح وتحليل ) عن واحد وعشرين يوما ؛ خصوصا وأن الطعن على نتيجة التقرير – إذا حدث – يتطلب إعادة الفحص مرة أخرى و يحتاج – فى حالتنا هذه – لإعادة تحليل المواد السائلة والأنسجة الغضة بالجثة لاستبانة حقيقة المواد السامة التى أفضت للوفاة .. بالذات و الجثة تخلو من أية إصابات وعليه يكون التحليل الكيماوى هو الحاسم فى التشخيص ؛ وبتأخيرها كل هذه المدة تكون قد جفت ، وعليه تستحيل إعادة الفحص ومن ثم الطعن على نتيجة الفحص.

،،،،،،،

موجز لآخر مذكرات هيئة الدفاع عن فلاحى المعمورة المقدمة لمحكمة القضاء الإدارى
فى الدعوى رقم … / 67 ق.إ بجلسة 30 مارس 2014

الدفوع :
-مجانبة تقرير هيئة المفوضين للصواب وصحيح القانون وتكييفه للدعوى مغلوط استنادا لسبق التصرف فى الأرض محل النزاع بطريق التوزيع على الفلاحين .. الصادر فى 20 يونيو 2006 فى المذكرة المقدمة للمحكمة بجلسة 19/1/2014.علاوة على صدور عديد من الأحكام والسوابق القضائية من القضاء المدنى بعدم أحقية الأوقاف فى التعامل على أراضى يملكها الإصلاح الزراعى.

-مخالفة التكييف القانونى للثابت بالأوراق والذى يرقى لمستوى مخالفة القانون وتمسك المدعى ( الفلاحون ) بعدم قبول الرأى بانقضاء حق المدعى فى المطالبة بالتقادم الطويل الأجل.
انتهاء الوقف بالاستبدال ( أى البيع ) الذى انتقلت بموجبه الأرض من الأوقاف للإصلاح الزراعى بالقانونين 152/1957 ، 44 / 1966 ولائحتهما التنفيذية ).

-خضوع الأرض محل الطعن لأحكام القانون رقم 3 / 1986 ؛ ووفقا لمادته الثانية الخاصة بالأراضى المستبدلة بالقانون 152 / 1957..كيف يمكن أن يتم تطبيق القانون 3/1986 على الأرض التى سبق الاستيلاء الابتدائى عليها ( كأرض طوسون 1144 فدان ) ؛ ولا يتم تطبيقه على الأرض التى سبق الاستيلاء النهائى عليها ( الأرض محل الطعن).
-انعقاد الاختصاص لمحكمة القضاء الإدارى بالفصل فى الامتناع السلبى لهيئة الإصلاح الزراعى عن تطبيق القانون 3 / 1986 ( المقصود به الامتناع عن تحرير عقود التمليك للفلاحين ) ، بل ورفض القضاء المدنى لاستئناف هيئتى الإصلاح والأوقاف فى الحكم الاستئنافى الشهير رقم 5498 / 114 ق .

-القواعد الواردة بقانون الإصلاح الزراعى والتفسيرات التشريعية من النظام العام ، ولايجوز الاتفاق على مخالفتها.

الطلبات :
يلتمس المدعى ( الفلاحون ) طرح تقرير قضية المفوضين جملة وتفصيلا لمخالفته للواقع والقانون. والحكم للمدعى بطلباته استنادا لقرارات التوزيع الصادرة من هيئة الإصلاح الزراعى والسابق تسليمها للمدعى والتى يدعمها تقرير الإدارة المركزية للملكية والحيازة بتاريخ 20 يونيو 2013 .
عن المدعى
محمود حمدى محمد الكبير .. المحامى

،،،،،،،،،

كشف بأسماء الوزراء والمسئولين المشكو فى حقهم

والمنسوب لهم خرق القوانين واللوائح وأعمال التزييف والتزوير

والإكراه واستغلال النفوذ وإهدار مصالح المواطنين

وقد تـقدم به فلاحو المعمورة فى المحضر 8296 / 2011 إدارى قسم شرطة المنتزة ثان / الإسكندرية

1-الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق
2-اللواء ماجد غالب محمد رئيس هيئة الأوقاف الأسبق
3-اللواء عادل على لبيب محافظ الإسكندرية الأسبق
4-اللواء عبد المعطى عبد الخالق سيد ج القضاء الشرطى العسكرى
5-العميد حسام الدين أحمد الجزار ,, ,, ,,
6-اللواء عادل محمد موسى جمعية ضباط كفر الشيخ
7-اللواء عبد المجيد سليم ,, ,, الإسكندرية
8-اللواء طارق محمد زمزم ,, ,, ,,
9-العميد مدحت محمود توفيق ,, ,, أمن الدولة
10-العقيد نادر كمال عبد الرحيم ,, ,, ,, ,,
11 -المستشار عادل عبد الحميد عبد الله كوزير عدل وممثل صندوق خدمات
الهيئات القضائية
12- المستشار عادل عبد الحميد عبد الله رئيس مجلس القضاء الأعلى ، ص. خ. النقض
13- السيدة إنشراح السيد الكيك ممثل شركة المنتزة رويال جاردنز خ.سياحية
14- السيد / أحمد خيرى محمود نائب برلمانى
15- مبارك بن فهاد الدوسرى ممثل شركة أجياد العقارية
16-سعاد السيد عزب رئيس مكتب الشعر العقارى بالمنتزة سابقا
17- محمد سعيد عمر مدير مديرية الزراعة بالإسكندرية سابقا
18- سعيد الشربينى مدير منطقة أوقاف الإسكندرية الأسبق
19- وفيق مصطفى أبو المجاسن / لثبوت تزويره محررا .. مدير أوقاف اسكندرية سابقا
20- رئيس هيئة الإصلاح الزراعى حاليا وسابقا حال تورطه
21- مدير عام الاستيلاء والتوزيع بهيئة الإصلاح الزراعى حاليا وسابقا ,, ,,
22- الدكتور يوسف والى وزير الزراعة الأسبق.
وكل من يثبت تورطه أثناء التحقيق بمعرفة النيابة أو قاضى التحقيق.

مقدمه
أهالى عزب المعمورة ( العرب الكبرى والصغرى والهلالية )

،،،،،،،،،،

ثانيا :موجز عن الجمعيات و الهيئات التى شاركت هيئة الأوقاف فى اغتصاب الأرض.

1- الجمعية الاجتماعية لقضاة محكمة النقض مشهرة برقم 6946 فى 15 يوليو 2007:

بالرغم من أن القانون يحظر على القضاة عموما التعامل على أرض متنازع عليها إلا أن الجمعية تعاملت مع هيئة الأوقاف ولم تتحسس مواضع أقدامها ولم تطلب منها ما يثبت ملكيتها للأرض المشتراة ولا شهادة رسمية بعدم التنازع عليها.
المساحة المشتراة ( 15 فدان وثلاثة أسهم ) ، وثمن الشراء 125404103 ( مائة وخمس وعشرين مليونا وأربعمائة ألف ومائة وثلاثة جنيهات تدفع على 4 أقساط بريعها.

2- نادى خبراء الإسكندرية – وزارة العدل :

لا توجد بيانات متوفرة سوى إعلان فى الصحافة عن بيع شقق مزمع إقامتها على الأرض بمساحة 90 – 100 متر مربع وبسعر 110000 ( مائة وعشرة آلاف جنيه) لأعضاء النادى وأقاربهم حتى الدرجة الثالثة مع تقسيط الثمن للمشترى .. هذا قبل يكمل النادى دفع ثمن الأرض لهيئة الأوقاف.

3- جمعية الحسام التعاونية للبناء والإسكان للقضاء الشرطى العسكرى:

المساحة المشتراة 5 فدادين ، وسعر المتر 2700 ( ألفين وسبعمائة جنيه ) ؛ و القيمة الإجمالية للأرض 56711205 ( ستة وخمسين مليون وسبعمائة وأحد عشر ألفا ومائتين وخمسة جنيهات)
أما مقدم الثمن 11342241 ( أحد عشر مليونا وثلاثمائة اثنين وأربعين ألفا ومائتين وواحد وأربعين جنيها)
والباقى على عشرة أقساط سنوية بريع 7% سنويا.

4- الجمعية التعاونية للبناء والإسكان لضباط الشرطة وعائلاتهم بكفر الشيخ :

مشهرة برقم 64 / 1991 – المساحة المشتراة 10 أفدنة ، بسعر المتر 2550 جنيها ، والثمن الإجمالى 107121165 مائة وسبعة ملايين ومائة وواحد وعشرين ألف ومائة خمسة وستين جنيها ، مقدم الثمن فيبلغ 22595445 ( اثنين وعشرين مليونا وخمسمائة خمس وتسعين ألف وأربعمائة خمس وأربعين جنيها ) ، بقية الثمن يدفع على أقساط سنوية قيمة القسط بريعه 12201315 ( اثنتا عشر مليونا ومائتين وواحد ألف وثلاثمائة وخمس عشرة جنيها ).

5- جمعية الأمل لضباط شرطة الإسكندرية مشهرة برقم 267 / 2007 :

المساحة المشتراة 8 ( ثمانية أفدنة ) ، بسعر المتر 2350 جنيها ، والثمن الإجمالى 78975610 ( ثمانية وسبعين مليون وتسعمائة خمس وسبعين ألف وستمائة وعشرة جنيهات ) ، أما مقدم الثمن فيبلغ 15795126 ( خمسة عشر مليونا وسبعمائة خمس وتسعين الفا ومائة ست وعشرين جنيها ) ، وبقية الثمن بالريع 89954790 ( تسعة وثمانين مليونا وتسعمائة أربع وخمسين ألفا وسبعمائة وتسعين جنيها) يدفع على عشرة أقساط.

6- الجمعية التعاونية للبناء والإسكان لمباحث أمن الدولة بالإسكندرية مشهرة برقم 238 / 1997 .

المساحة المشتراة 8 أفدنة ، بسعر المتر 2500 جنيه
إجمالى الثمن 84016600 ( أربعة وثمانين مليونا وست عشرة ألفا وستمائة جنيه ) .
مقدم الثمن = 16803320 ( ستة عشر مليونا وثمانمائة وثلاثة ألفا وثلاثمائة وعشرين جنيها )
بقية الثمن بالريع ( 7 % سنويا ) =95696590 ( خمسة وتسعين مليونا وستمائة ست وتسعين ألفا وخمسمائة وتسعين جنيها ) على عشرة أقساط سنوية.

7- صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية – وزارة العدل

المساحة المشتراة 15 ( خمسة عشر فدانا)

ولا توجد معلومات إضافية عنها.

علاوة على جمعية شرطة الآثار ، والعاملين بشركة المقاولين العرب ، وجمعية طلائع المستقبل للعاملين برئاسة الجمهورية علما بأن الأخيرة تراجعت عن الشراء واستردت من هيئة الأوقاف ما دفعته من أموال.

ملاحظة :

كانت هيئة الأوقاف تخطر الإدارة الزراعية المختصة بالبيع وهذه بدورها تخطر الجمعية الزراعية للإصلاح الزراعى ومديرية الزراعة لنقل الحيازة للجمعيات المشترية ، فضلا عن إخطارها بأسماء الفلاحين الزارعين للأرض للتحضير لطردهم وتصفهم فى الإخطار بأنهم مستأجرين.

جمعية الحسام للقضاء الشرطى العسكرى اشترت أرض الفلاحين التالية أسماؤهم:

بسيمة السيد شحاتة – ثريا السيد عبد الله – قدرية السيد عبد الله – نبيلة السيد عبد الله – رمضان كامل شحاتة – خميس حسن عبد البارى.

أما جمعية ضباط كفر الشيخ فاشترت أرض الفلاحين الآتى أسماؤهم :
حامد محمود عبد اللطيف – ورثة رمضان عبد الرازق شندى – جمعة عبد القادر جاب الله – سعدة عبد السلام – ورثة فتحية إبراهيم شعبان – فايزة عبد ربه يوسف – ورثة عبيد محمد خالد – عيد عبيد محمد خالد.

وجمعية الأمل لضباط شرطة الإسكندرية حصلت على أراضى الفلاحين الآتين:
صابر مصطفى إبراهيم – صلاح مصطفى إبراهيم – أبو زيد سعد عبد العزيز – عبد العزيز سعد عبد العزيز – سلامة سعد عبد العزيز – محمد حسنين إبراهيم العبد – محمد سعد الله عبد العال.

ثالثا : اغتيال حسن شندى كبير فلاحى المعمورة .. بين غريزة المقاومة والدفاع عن النفس .. ومنطق العدوان.

كان رفض حسن شندى للخضوع لحلف الفساد ( هيئة الأوقاف ، الشرطة ، الإدارة المحلية ).. يشكّل العقبة الأساسية فى محاولات طرد الفلاحين من أراضيهم واغتصابها ، ورغم أنهم استخدموا معه كثيرا من الأساليب ( ترغيبا وترهيبا ) لزحزحته عن موقفه إلا أنها جميعا باءت بالفشل.

-لم يكن إصراره على موقفه نابعا من تماسكه ومنطقه الواضح وقوة شخصيته واتزانها وحب الفلاحين له فحسب .. بل كان راجعا أيضا للتقدم فى الدعاوى القضائية التى رفعها أمام القضاء وحصوله على مستندات تثبت حقه فى الأرض خصوصا بعد تحويل القضية إلى خبير قضائى يبحث مستنداته وادعاءات خصومه على الطبيعة.

-ولأن التهديدات التى تلقاها هو وصديقه سلامة عبد الكريم حمد ( صريحة ومقنّعة ) ذهبت كالعيار الطائش فى الهواء ؛ ولأن نجاحه فى كسب المعركة أمام القضاء سيضع مزيدا من العراقيل أمام ذلك الحلف من الخصوم ويزيد تعقيد المشكلة بالنسبة لهم ؛ فقد بات التخلص منه هو الخيار الأخير ، علاوة على أنه سيكون رادعا نموذجيا لمساعديه وكثير ممن يناصرونه من فلاحى المنطقة وسينهى مقاومتهم إلى حد بعيد.

-ولما كنا قد تعرضنا فى الحلقة الأولى لمقدمات اغتياله وأثرنا عددا من الأسئلة الهامة منها ما يتعلق بتأخير صدور تقرير الطب الشرعى متأخرا عن موعده القانونى 97( سبعة وتسعين يوما) كانت كفيلة بجفاف سوائل الجثة وأنسجتها الغضة ( الطرية ) وهو ما يستحيل معه إعادة تحليلها إذا ما تم الطعن فى تقرير الطبيب الذى قام بالتحليل ؛ فقد بات الحديث هذه المرة مقتصرا على منطق الاغتيال وأبعاده كأداة لاغتصاب حقوق الفلاحين .

-فكل من له صلة بقصة الأرض من تلك الجهات يعرف حق المعرفة أن هيئة الأوقاف لا تملكها خصوصا بعد أن كانت قد شرعت فى بيع أجزاء منها لعدد من ضباط الشرطة والقضاة الذين تنكروا فى ثياب جمعيات للبناء والإسكان ؛ حيث عاد مندوب جمعية ضباط كفر الشيخ من الشهر العقارى بالإسكندرية فى منتصف عام 2008 خائب الرجاء بسبب رفض توثيق عقد البيع الابتدائى بين جمعيته ” المشترية ” وهيئة الأوقاف التى وقعت العقد كبائع للأرض.
لكن تلك الجهات وهؤلاء الأفراد لا يهمهم من يملكها ولا من يزرعها ولا من يستحقها ولا من دفع ثمنها سنوات طويلة من العناء ولا من تمثل الأرض طوق النجاة من الجوع و التشرد ، بل ما يهمهم هو تحقيق رغباتهم بالحصول على الأرض بأى شكل وطريقة.

-إذن فالقواعد العامة التى يحتكم لها المجتمع والبشر وتوافقوا عليها كأداة للحصول على الحقوق ليست من شريعتهم ولا من نظامهم بل لا يعترفون بها ولا يجبرون أنفسهم على استخدامها أو الانصياع لها ، لأن ما يحدد القواعد التى يسيرون عليها هى القيم الثلاثة التالية: ( الرغبة ، والمصلحة ، والعدوان) وهو ما يشير لأن المجتمع المصرى عائد بقوة لحالة من البدائية تذكرنا بالمراحل الأولى فى تاريخ البشرية.

– ولو عدنا بالذاكرة لتلك المرحلة وتابعنا كيف كان يتصرف البشر للاحظنا تشابها أو تقاربا ( مع الفارق ) بين سلوكهم وسلوك الحيوانات فى الغابة. ولذا لن نندهش إذا ما قابلنا ذلك الثالوث ( الرغبة ؛ والمصلحة ، والعدوان ) ماثلا أمامنا ومتحققا فى سلوك كثير من الحيوانات.
فالرغبة عندها .. هى أحاسيس ومشاعر نابعة من غرائزها البدائية [ كالجوع ، والجنس ، والحماية (الأمن ) ]، بينما المصلحة تتمثل فى إشباع تلك الرغبات الغرائزية ، أما الوصول إليها فيتوقف على الشروط والظروف المحيطة بمجتمع الغابة .. التى تعتمد العدوان أداة سائدة ووسيلة غالبة فى معظم الأحوال والأوقات.

-نعود لنقول أن الفلاحين كبشر أسوياء يحكمهم قانون بسيط ومنطقى يتسق مع الطبيعة البشرية اسمه ” كدّوا واعرقوا واجتهدوا جنبا لجنب مع أمثالكم تحصدون محصولا يساعدكم على الحياة ”
أما هؤلاء الذين يعملون على طردهم من الأرض فما يحكمهم هو قانون ” تحكّموا وتطفلوا واعتدوا واغتصبوا تستولون على ما ترغبون فيه من جهد وعرق غيركم ولتذهب الضحايا إلى الجحيم “.
وأحد أسباب هذا الفارق بين هذين الصنفين من المخلوقات .. أن هؤلاء فلاحون لا يعيش منهم إلا من يزرع ويروى ويعزق ويسهر على محصوله ويطعم أهله .. ومما يفيض عنه يعطى جيرانه وغيرهم ممن لا تكون الزراعة مهنتهم ؛ بينما أولئك الآخرون فيستخدمون الأرض من أجل استغلالها فى البناء و التربح .. ليس إلا.

-لقد كان التخلص من العقبات القانونية التى تعترض طريق حلف الفساد فى استيلائه على أرض المعمورة متمثلا فى بدايته فى الحيل والألاعيب القانونية مثل الادعاء بأن الفلاحين مجرد مستأجرين وليسوا ملاكا ، أو بتلفيق محاضر بمخالفتهم لتعليمات وقوانين الزراعة ؛ ثم تطور إلى التزييف والتزوير واختلاق محررات تغير الأوضاع القانونية للفلاحين ( كما حدث مع السيد إسماعيل عامر) إلا أن نجاح حسن شندى فى الوصول بقضيته إلى المرحلة الحاسمة [ مطابقة الخبير القضائى للمستندات – التى منها وفاؤه بكامل ثمن الأرض بإيصالات رسمية ، والشهادات العقارية التى تثبت عدم امتلاك هيئة الأوقاف للأرض – بما هو موجود على الطبيعة ] قد فرض على حلف الفساد ضرورة إيقاف صدور الحكم ، أو التوصل لحل ودى معه قبل حجز الدعوى للحكم ، أو التخلص منه.

-ولأن صلابته فى المفاوضات مع ممثلى ذلك الحلف فى قسم شرطة المنتزة قد استبعدت ذلك الحل الودى؛ بل وكانت المرجح لخيار التخلص منه.

– فوجوده كشخصية تجمع حولها الفلاحين وتذكى المقاومة وتشكل رمزا لها قد أسهم أيضا فى ذلك ، بالذات وأن التخلص منه سيفضى إلى عدد من التداعيات التى تصيب المقاومة الفلاحية فى الصميم منها تَعرّض الفلاحين لحالة من الهلع ربما تمتد إلى عدد من مساعديه وتخلق جوا كئيبا يزيد نشاط البصاصين والطابور الخامس فى ترويج الشائعات وبث اليأس فى صفوف الأهالى كما يزيد عزلة عزب المنطقة عن بعضها ويشق صفوف الفلاحين فتنهار الروح المعنوية وتخفت المقاومة ويصبح الوضع مهيأ لاستسلام الفلاحين إذا ما استأنف حلف الفساد هجومه .. وهو ما حدث بالفعل فيما بعد ثورة يناير 2011 بعام تقريبا.

-ومن الضرورى فى هذه الحالة التفريق بين مصلحة النظام الحاكم ككل وبين مصالح ” المشترين ” من الأفراد والجمعيات ؛ فمصلحة النظام الأساسية تتطلب إخراس المقاومة ، بينما مصالح الجمعيات والأفراد تتطلب الحصول على الأرض لبناء المساكن وإقامة النوادى والمنتجعات والتربح منها أو ” تسقيعها ” وإعادة بيعها لآخرين .. وهو ما يعنى وجود قاسم مشترك بين المصلحتين ؛ لكنه يعنى أيضا أن النظام أبعد نظراً لمصالحه من الجمعيات التى تتعامل فى الموضوع بطريقة ” إهبش واجرى ” والتى هى مصالح شخصية أو فئوية .. رغم تشابه مصالحهما ( النظام والجمعيات) فى اغتصاب حقوق الفقراء وتحويلهم إلى رعايا وخدم .. بغض النظر عن مستقبل الشعب وتطور المجتمع واستقراره.

-ونشير فى هذا الصدد إلى الرؤية الأنانية التى تحكم تفكير كل المتلمظين على الفريسة من هذه الطغمة التى ترى أن الأرض كانت ملكية العائلة الملكية والخديوى وأنهم الأحق بها باعتبارهم حكاما فلماذا يرثها الفلاحون ويستبعدونهم منها .. ؟ ؛ ولماذا لا يكون اقتناص هذه الأرض بداية لاستعادة الشرطة والنظام لهيبتهما الضائعة التى ” بعزقتهما ” ثورة يناير 2011 ..؟

-كذلك فتحقيق انتصار حاسم على هذا الجزء من الفلاحين المتمردين على ” مشيئة الطغمة الحاكمة وإرادتها ” فى العزب المطلة على طريق أبى قير يمكن أن يكون مقدمة للسيطرة على فلاحى المنطقة كلها و أراضيها .. وإن بعد حين ؛ وليس احتلالُ الساحل الشمالى بمنتجعات السادة وعلية القوم عنا ببعيد ، وقد حل الدور بعده على الأراضى الزراعية الواقعة على حواف المدن وأطرافها.

-ولأن تلك الطغمة الحاكمة لا تتعامل مع المجتمع كساسة يحكمون شعبا له حقوق و تاريخ .. بل يديرون وسية تشمل أعدادا هائلة من البشر يعتبرونهم خدما و” فواعلية ” وعاطلين فإنهم لا يُحَكّمون القانون العام الذى لا يفرق بين أفراد المجتمع .. بل يلبون رغبات بعضهم البعض .. ” ويشترون خواطرهم ” بصرف النظر عما يفرضه القانون الذى ملأوا الدنيا ضجيجا بشأنه.

-ومثال ذلك ما حدث فى واقعتين متشابهتين إحداهما فى عزبة ( حوض 13) الملاصقة لنقطة الشرطة العسكرية قرب مزلقان أرض طوسون بشرق الإسكندرية ، والثانية بقرية العمرية مركز دمنهور. وفى الحالتين قام أحد المتنفذين بالسطو على أراضى الفلاحين .. فى الأولى (بالحيلة والخديعة وتواطؤ الأجهزة المعنية) وفى الثانية (بالإرهاب ونفوذ السلطة والعنف) ، وتمت الأولى على مدار أربعين عاما من نائب المنطقة بالبرلمان ، وجرت الثانية على مدار عشر سنوات من رئيس فرع أمن الدولة بمحافظة البحيرة . وفى أعقاب ثورة يناير 2011 واسترداد الفلاحين بعضا من أراضيهم التى تم السطو عليها ، تقدم والد ضابط أمن الدولة لرئيس أركان القوات البحرية – باعتباره ضابطا سابقا بها – بشكوى بقيام ( بلطجية باغتصاب أرض زوجته وابنه أيام الانفلات الأمنى ) ، فما كان من رئيس الأركان إلا أن ضمّن مفردات الشكوى فى خطاب بتاريخ 9 مارس 2011 وجّهه لرئيس المنطقة العسكرية الشمالية باعتبارها حقائق ؛ والمثير فى الأمر أن ذلك الخطاب كان أحد أوراق القضية .

وعلى الفور تحركت قوات الشرطة العسكرية للقبض على عدد من الفلاحين وتقديمهم لمحاكمة عسكرية عاجلة بتهمة (اغتصاب حيازة الغير ومقاومة السلطات) فى بحر 48 ساعة ومعاقبتهم بالسجن خمس سنوات .

المهم أن القبض على فلاحى القريتين ( العمرية ، وحوض 13 ) تم فى يوم واحد 22 مارس 2011 وجرى التحقيق وعُقدت المحاكمة فى يوم واحد وصدر الحكم فى ساعة واحدة وبنفس العقوبة رغم أنه لا صلة للقريتين ولا لفلاحيهما ببعضهما ، ولا علاقة بين عضو البرلمان أو عائلته بضابط أمن الدولة .. إلا أن المشترك بين الحالتين أن الفلاحين تمردوا على السطو على أراضى الإصلاح الزراعى التى يزرعونها من زمن طويل.. واستعادوا بعض ما اغتصب منهم على يد نائب البرلمان وضابط الأمن السياسى اللذين ينتميان للطغمة الحاكمة .

-والأهم من ذلك كله أنه بالطعن على الحكم أمام محكمة عسكرية عليا تم نقض الحكم وتبرئة المتهمين فى الحالتين من كل التهم التى تتعلق باغتصابهم للأرض .. لكن بعد عام كامل من السجن ” والمرمطة ” .

– ربما لم تكن هذه التفاصيل وتلك التقديرات التى عرضناها والاعتبارات التى لم تكن معروفة وقتها فى ذهن المرحوم حسن شندى قبل اغتياله .. لكنه على أية حال كان يشعر بحقه فى زراعة الأرض ولم يكن راغبا فى تركها أو بيعها بأى ثمن ومقتنعا بذلك.

وفى نفس الوقت فإن دوره فى الدفاع عنها والحرص عليها ومقاومة محاولات اغتصابها جدير بالإعجاب به والثناء عليه وتقدير تضحيته أيا كانت النتائج .. بل وكفيل بأن يمنحه لقب شهيد فلاحى المعمورة وكبيرها .

،،،،،،،،،،،،

رابعا : البروتوكول والمزاد العلنى صفقتا هيئة الأوقاف لمحافظة الإسكندرية وهيئة الإصلاح الزراعى ..

بين اقتسام الغنيمة والمشاركة فى الجريمة

أ- البروتوكول :

أبرمت هيئة الأوقاف مع محافظة الإسكندرية اتفاقا شيطانيا فى عام 2008 أطلقت عليه اسم البروتوكول يتعلق بجزء من أراضى الإصلاح الزراعى بمنطقة المعمورة شرق الإسكندرية – تسمى أراضى المثلث ( 388 فدانا ) التى ملكتها هيئة الإصلاح للفلاحين فى ستينات القرن الماضى بموجب القوانين 152 / 1957 ، 44/1966 ، 178 /1952 وتقاضت ثمنها منهم على 40 قسط سنوي – وذلك لتحويله إلى أراضى بناء وطرد الفلاحين منها رغم أنها لا تمتلكها ولا يحق لها التصرف فيها أو منحها لأية جهة .. وتحصل محافظة الإسكندرية بموجبه على 100 فدان فى مقابل إخلاء الأرض من الفلاحين ورصف الطرق والشوارع بالمدينة السكنية المزمع إقامتها على بقية أرض المثلث وإدخال كل المرافق إليها وحيث سبق التطرق لتفاصيل البروتوكول فى حلقة سابقة فسنكتفى هنا بالحديث عن عدد من الجوانب القانونية التى يترجمها هذا البروتوكول وما يعنيه وضعه موضع التطبيق لنتعرف على المخالفات التالية :

1- عدم الاعتراف بالقوانين التى بموجبها نقلت أرض الخديوى إسماعيل سابقا من وزارة الأوقاف إلى هيئة الإصلاح الزراعى ، ولا الاعتراف بإلغاء الوقف ، كما يعنى عدم الإقرار بعدم تقاضيها ثمنها من هيئة الإصلاح الذى حدده القانون وريعه وحفظته فى خزانتها ، ولا بالقانون 42/1973 الذى أعاد الأرض إلى هيئة الأوقاف واستثنى منها كل المساحات التى وزعها القانون على الفلاحين ومنها أرض المثلث.

2- وكذا خرق الدستور الحالى الذى يحمى الملكية الخاصة ، ويحمى الرقعة الزراعية من الاعتداء عليها ، ويكفل للمواطنين حق العمل والرزق ..

3- وكذا خرق قانونى العمل وحماية الرقعة الزراعية من العدوان.

4- وخرق قانون الأخلاق الذى يحافظ على حرمة الحياة التى لا تستقيم إلا بالعمل والرزق.

5- أنها قد قررت أن تعلن على الملأ عن خرقها أى قانون يحول دون تصرفها فى هذه الأرض المسجلة باسم هيئة الإصلاح الزراعى.

6- و تجييش كل الجهات التنفيذية ( شرطة ، إدارة محلية ، زراعة ، إصلاح زراعى ، مرافق ) للاستيلاء على الأرض بالقوة .

7- ودعوة المواطنين للاقتداء بها وتشجيعهم على خرق القانون والتنصل من الوعود والتحلل من الاتفاقات والعهود المبرمة فيما بينهم وبين أية جهات أخرى ، ونشر الفوضى.

8- وكذلك تصنيف المصريين إلى سادة ورعايا .

9- وأن الدولة فى عهدها الراهن ليست معترضة على ممارسات هيئة الأوقاف فى السنوات الأخيرة ولا تعترض على جملة المخالفات التى ترتكبها .

وإذا كانت هيئة الأوقاف قد أعلنت ذلك و مارسته فماذا تعنى مشاركة بقية الجهات الرسمية التنفيذية والخدمية الأخرى من ذلك .. ؟ ، وماذا يعنى صمت الدولة عنها .. ؟!
ألا يعنى ذلك تمهيد الأرض لحرب أهلية فى قادم الأيام .. ؟!
وإذا كان ذلك كذلك .. فلماذا نلقن أبناءنا فى دور العلم دروس الوطنية ونلوم اللورد بلفور على وعده التاريخى بإنشاء وطن قومى للعصابات الصهيونية فى فلسطين .. ؟ وندين الصهاينة لعدوانهم على الفلسطينيين .. ؟ بينما يمارس بعضنا شيئا مشابها مع مواطنين مصريين عزّل .. ؟

ب- هيئتا الأوقاف والإصلاح الزراعى تعلنان عن بيع أرض الفلاحين بالمعمورة بالمزاد العلنى

ومؤخرا أبرمت هيئة الأوقاف اتفاقا ثانيا مع الهيئة العامة للإصلاح الزراعى على بيع جزء آخر من الأراضى المسجلة باسم هيئة الإصلاح الزراعى بمنطقة المعمورة التى دفع الفلاحون ثمنها ؛ وبدلا من تحرير عقود ملكيتها لهم حسبما ينص القانون تلكأت بشكل متعمد عشر سنوات وقررت أن تقبل دعوة هيئة الأوقاف فى خرق القانون والتنصل من وعودها لهم والمشاركة فى جريمة بيع الأرض بالمزاد العلنى بجلسة عقدت فى المصرف المتحد بشارع رمسيس بالقاهرة يوم 28 مايو 2014 وبذلك سوت هيئة الإصلاح نفسها بهيئة الأوقاف التى لم تكن وظيفتها لمدة تزيد عن أربعين عاما سوى تحصيل الأموال وإنفاقها ولم تصنع معروفا يذكرها الناس به طيلة هذه السنوات .

لقد لوثت هيئة الإصلاح الزراعى تاريخها الأبيض – خلال الثمانية عشر عاما الأولى من تأسيسها – الذى كان كثير من الفلاحين يذكرونها به ، ورغم أنها حصّلت منهم ثمن الأرض نكصت على عقبيها ولم تعطهم صك ملكيتها وانحازت لخصومهم وتنكرت لهم لتتركهم بلا عمل فى العراء .. يندبون حظهم .

خلاصة القول دخلت هيئة الإصلاح الزراعى حلف الفساد من أوسع أبوابه .. غفر الله لها ولكل من ساهم فى تعذيب الفلاحين المصريين ومص عرقهم منذ حفر قناة السويس إلى تأسيس هيئة الأوقاف .. وحتى قيام حلف الفساد ببيع أراضيهم فى المزاد العلنى فى ثالث أيام الانتخابات الرئاسية الأخيرة 28 مايو 2014 ..

وتعازينا القلبية لفلاحى مصر فى وفاة قانون الإصلاح الزراعى وزمنه ولمنطقة المعمورة بالإسكندرية فى استشهاد كبيرهم المقدام الشجاع حسن شندى.

نعرف أن الأيام دول .. وعلى يقين من أن ذلك لن يستمر طويلا فدولة الظلم ساعة ودولة الحق ستتأسس ليس بالصبر والسلوان بل بالإصرار والعزم والوعى والترابط ونبذ الخوف والأنانية ؛ فمن انتفضوا فى 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013 لن يكونوا بمفردهم مستقبلا لكى تعود مصر سلة لغلال العالم ومنارة له وساحة لاسترداد الحقوق الضائعة ومحكمة للفاسدين .. كل الفاسدين.

5 يونيو 2014

كيف مهد السادات الأرض للارتداد عن السياسات الناصرية.. فى الزراعة ؟ .. وأساليب هيئة الأوقاف فى اغتصاب أرض الإصلاح الزراعى بالمعمورة .. الحلقة الثالثة

مقدمة :
لم يكن عشقه الدفين للإقطاعيين مقتصرا على محاولة التشبه بهم أو التقرب منهم أو مصاهرتهم ، ولا على تسريب أخبار مجلس قيادة ثورة يوليو 52 بشأن عزمه على إصدار قانون للإصلاح الزراعى لمساعدتهم فى التهرب منه قبل صدوره ، بل تمثل فى رد الاعتبار لهم بأسلوب لا يفجر ثورة ضده فى الريف.

مثلما لم يكن شبقه المجنون للارتباط بسادة العالم من الألمان والأمريكيين مقتصرا على صِلاته العميقة بالمخابرات الألمانية فى الحرب العالمية الثانية (وكشفته الصحافة المصرية فى أربعينات القرن الماضى) ؛ وعلاقاته بالمخابرات الأمريكية فيما بعد مع ” أدهم النقيب خال الملك السعودي فيصل و الملك الأردنى حسين وتاجر السلاح السعودى عدنان خاشوقجى ” (ونشرته الصحافة الأمريكية بعد ذلك) ؛ بل لتطبيق سياستهم فى مصر وإلحاقها بركبهم و “جنتهم “.

وهو نفس الباعث الذى دفعه فى شبابه للانضمام لحرس الملك فاروق الحديدى قبل ثورة يوليو 52 الذى تلخصت وظيفته فى اغتيال خصوم السراى من السياسيين ، فى الوقت الذى كانت الحركة الوطنية المصرية تشمل كل فئات الشعب .. و تحتاج لمن يدعمها لا من يحرف مسيرتها بعيدا عن أهدافها.

خلاصة القول كان ضباط يوليو 52 مختلفى المشارب والميول ؛ فكان من بينهم من يصر على إصدار قانون الإصلاح الزراعى وتنفيذه بحذافيره جنبا إلى جنب مع من لا يتحمسون له ومع من لا يجرؤون على الإعلان عن عدائهم لهذا المسار ؛ وعندما واتتهم الفرصة – بعد وفاة عبد الناصر – أصدروا القوانين والقرارات وحاكوا الألاعيب ودبروا الحيل التى تنسفه وتبطل مفعوله.
،،،،،،
ونتعرض فى ( القسم الأول ) من هذه الحلقة لاستكمال الإطار الذى اغتصبت فيه الدولة أراضى الإصلاح الزراعى بالمعمورة نبدؤه بالعنوان ” كيف مهد السادات الأرض للارتداد عن السياسات الناصرية ، أما فى ( القسم الثانى) فنتطرق لقراءة الأوضاع القانونية لأراضى المعمورة.

القسم الأول : كيف مهد السادات الأرض
للارتداد عن السياسات الناصرية فى الريف وتجريد الفلاحين من الأرض
وكيف سار مبارك على دربه وقطف ثمارها

اتبع السادات فى ذلك سياسة ذات عدة جوانب :

• الأول : إصدار القوانين:
لإضعاف المواقف القانونية للفلاحين أو القضاء عليها مثل قوانين رفع الحراسة عن أراضى الإقطاعيين ، وإلغاء القوانين التى تدعم فقراء الفلاحين أو تفرغها من مضمونها كالتعاون والائتمان والإرشاد والتسويق والدورة الزراعية وإنشاء المحاكم الاستثنائية والمؤسسات الحكومية التى تلعب الدور الحاسم فى تجريد الفلاحين من أراضيهم كـ ( محاكم القيم ، وهيئة الأوقاف ).

• والثانى : طريقة الإدارة :
بتكليف كبار الرجعيين والمعادين للفقراء مهمة إدارة أو الإشراف على المؤسسات وثيقة الصلة بالأرض الزراعية مثل هيئة الإصلاح الزراعى و جهاز الحراسة بوزارة المالية و هيئة الأوقاف أو إشراكهم فى عضوية محاكم القيم .

• والثالث : الحيل والألاعيب القانونية والقرارات الوزارية والتعليمات الشفهية :
– للالتفاف على المواد الحساسة فى القوانين بإصدار التعليمات الشفهية لتنفيذ عكسها لتجنب استثارة الرأى العام فى الريف كما حدث بالنسبة للمادة 90 من قانون الزراعة.
– وإصدار التعليمات السرية بمنع تحرير عقود الملكية للفلاحين منتفعى أرض الإصلاح الزراعى المصادرة بالقانون 178/1952 والمستبدلة مع الأوقاف بالقانونين 152 / 1957 ، 44 / 1966 وهو ما يعد خرقا فجا للقانون .
– والتواطؤ على رد الأراضى الموزعة على الفلاحين من هيئة الإصلاح الزراعى لهيئة الأوقاف بالمخالفة لنص القانون 42 / 1973.

• والرابع : تضييق الحصار على فقراء الفلاحين فى زراعة الأرض:
لتصير مهنة الزراعة بالنسبة لهم غير مجدية اقتصاديا بعدد من الإجراءات منها :
أ‌- رفع الدعم عن مستلزمات الزراعة تدريجيا ( بذور ، أسمدة ..إلخ ).
ب‌- رفع ضرائب الأطيان و بذلك ترتفع أسعار الإيجارات الزراعية ، قبل صدور قانون الإيجارات الزراعية فى التسعينات الذى رفع أسعار الإيجارات لحدود فلكية.
ت‌- السطو على أموال الجمعيات الزراعية وتحويلها لبنك التسليف الزراعى.
ث‌- تحويل بنك التسليف لبنك تجارى ورفع أسعار فوائد القروض الزراعية لـ 300 %.
ج‌- إصدار القوانين التى تبيح تحصيل فوائد القروض بالحجز القضائى على الأرض وليس على المحصول كما كان متبعا قبل ذلك.
ح‌- إلقاء عبء تجديد وصيانة شبكات الصرف الزراعى المغطى على كاهل الفلاح.
وبذلك ترتفع تكلفة الزراعة فى الوقت الذى يتم فيه تثبيت أسعار الحاصلات الزراعية للفلاحين وإن رُفعت ففى حدود ضيقة ، مما أفقر الفلاحين بشدة وبدد عائد جهدهم طوال العام.

خلاصة القول :

اتبع السادات سياسة التدرج فى إصدار التشريعات المعادية للفقراء وتنفيذها، وتجنب مناطقها الحساسة مع الالتفاف عليها فى ذات الوقت، وهو الدرس الذى تعلمه من انتفاضة الخبز فى 18 و 19 يناير 1977 التى أطلق عليها ” انتفاضة الحرامية ” لاندلاعها بسبب رفع أسعار عدد من سلع المعيشة الأساسية فأثار غضب الشعب الذى انتفض محتجا من جنوب البلاد إلى شمالها فى لحظة واحدة مما اضطره لإنزال الجيش للشوارع لوقف الانتفاضة والتراجع عن رفع الأسعار كما اشترط عليه الجمسى قائد الجيش لينزع فتيل الأزمة ؛ لكنه لجأ فيما بعد لإنقاص وزن الخبر وكذلك الشاى والزيت والأرز والسكر وحجم الغاز فى عبواتها وخفّض جودة السلعة مع الإبقاء على سعرها ثابتا ليحقق بذلك الإلتفاف.. ما كان يرمى إليه.

-كما استخدم ألاعيب قانونية لإبطال مفعول قانون الإصلاح الزراعى وذلك بتغيير قانون الأرض الصحراوية فى عام 1981 بحيث يسمح بحد أقصى لملكية الأرض قدره 2000 فدان للفرد و3000 للأسرة رغم أن قانون الإصلاح الزراعى حدد 200 فدان ، 300 فدان على الترتيب كحد أقصى للملكية فى جميع أنواع الأراضى المصرية . وحيث اقتصر التوسع فى الاستصلاح على الأرض الصحراوية المتاخمة للأرض القديمة فقد تحايل على شرائها كبار الملاك والزراع بعقود ابتدائية غير مسجلة لا تظهر إجمالى المساحات الحقيقية التى يملكونها .

-كذلك ” وازن ” السادات بين الإجراءات العملية التى تستهدف تجريد الفلاحين من أراضيهم ودفعهم لهجرة الزراعة وبين إجراءات أخرى شكلية تبدو فى صالحهم منها إصدار القانون 51 لسنة 1973 الذى يعفى ملاك 3 أفدنة فأقل من ضريبة الأطيان ورغم أن القانون ينطبق على الأغلبية العظمى من الرقعة الزراعية ، وحوالى 60 % من الفلاحين.. لكن عملية تنفيذه امتصت كل الفائدة المنتظرة منه. حيث أن تحصيل ضريبة الأطيان يقتصر على الأراضى المسجلة فى الشهر العقارى فقط وليس على الحيازات المدونة فى الجمعيات الزراعية .
ولأن أغلبية المساحات التى لا تتجاوز 30 فدان لم يطرأ على مكلفاتها ( أى مستنداتها فى الشهر العقارى ) أى تغيير منذ ما يقرب من قرن .. نظرا لارتفاع تكلفة إجراءات التسجيل.

ولأن عملية التوريث قسمت الأرض (الـ 30 فدان ) على أعداد هائلة من الأبناء والأحفاد وأبناء الأحفاد..أصبح الفرد منهم لا يملك أكثر من فدان مدون بسجلات الجمعية الزراعية ومن ثم انطبقت عليهم شروط الإعفاء من الضريبة ..

لكن العقدة تمثلت فى المكلفة الأصلية والمساحة المدونة بها ( وهى الـ 30 فدان) والتى يتم على أساسها تحصيل الضريبة وهو ما تلتزم به مصلحة الضرائب العقارية . وهكذا يظل هذا الجيش من الورثة يدفع ضريبة المساحة الأصلية .. ولا يستفيد من القانون 51 رغم أن الفرد منه لا يملك أكثر من فدان.

ولا نتصور أن هناك عشرة فلاحين فى أى محافظة استفادوا من القانون 51 / 1973 الذى أصدره السادات وسط ضجيج إعلامى غير مسبوق منذ صدوره وحتى الآن. ولو كان السادات جادا فى ذلك الإعفاء لقرره على مساحات الأرض المدونة بالجمعيات الزراعية – وليس على المكلفات القديمة – وألزم جباة الضرائب بذلك.

طريق النجاة المتبقى .. وكيف تم إغلاقه..؟ :

ولم يتبق أمام الفلاحين سوى طريق واحد للهروب من هذا الحصار الوحشى سوى اللجوء إلى الأرض الجديدة .. لكن السادات اتخذ عددا من الإجراءات المتتابعة ضيقت ذلك الطريق حتى أغلقته فى النهاية ؛ منها خفض ميزانيات استصلاح الأراضى ثم إغلاق شركاتها بالقانون 111 لسنة 1975 ، ومنها منح الأراضى الجديدة لكبار الزراع والمستثمرين بالقانون 143 عام 1981 ورفعْ الحد الأقصى لملكية الأراضى الصحراوية إلى (2000- 3000 فدان) التى تتحول بعملية الاستزراع إلى أراض جديدة ، كما أفسح المجال للمستثمرين العرب وسوّاهم بالمصريين فى حيازتها ؛ وبذلك وأد أى أمل لفقراء الفلاحين والعمال الزراعيين – الذين هجروا قراهم – ليس فى الأرض الجديدة فحسب .. بل فى ممارسة حرفة الزراعة.

واستمرت فترة التحضير للإعلان عن السياسة الجديدة حتى أصبحت الأرض ممهدة تماما لذلك.
ولما انقضى عقد السبعينات ذهب السادات وجاء مبارك ليكمل ما لم ينجزه سلفه ؛ وفى عهده صدر قانون الإيجارات الزراعية 96 لسنة 1992- الذى تم تنفيذه اعتبارا من نوفمبر 1997 -ليلقى بمئات الألوف من المستأجرين خارج أراضيهم أو قراهم واكتوى من تبقى منهم بنار أسعار إيجارات الأرض التى تصاعدت إلى عنان السماء ، كما أصدر وزير الزراعة قرارا ( 1138 عام 1995) ببيع ما تبقى من الأراضى المستصلحة – التى كانت فى حوزة شركات الاستصلاح – للمستثمرين ليوصد آخر الأبواب أمام فقراء الريف بالضبة والمفتاح .

وبعد أن زرع السادات كل بذور السياسة الجديدة – ليس فى مجال الزراعة فحسب – بما صاحبها من توطين للفساد .. اقتصرت مهمة مبارك على استكمال بعض النواقص التى لم يسعف العمر وجماعات الإسلام السياسى سلفه لإنجازها وعلى الأخص قانون الإيجارات الزراعية المشار إليه ليتفرغ للجانب الأهم وهو موالاة ما زرعه السادات بالرى والرعاية والخدمة حتى أينع وحان أوان جنى ثماره مع الحلقة المحيطة به من رجال الأعمال والمستثمرين و الفسدة والسماسرة .

هذا ولم يتم الإعلان عن تلك السياسة إلا بعد أن قطعت شوطا تجريبيا طويلا ؛ وبدا أن أسسها قد ترسخت لحد بعيد تحت إشراف عدد من الهيئات التى تلعب دور رأس الحربة المالى لليبرالية الدولية الجديدة والشركات الكبرى العاملة فى مجال إنتاج وتسويق مستلزمات الإنتاج الزراعى – وهو تاكتيك جديد لم يستخدم فى مصر قبل ذلك.

وهكذا انعقد بوزارة الزراعة بالقاهرة فى فبراير 1992 مؤتمر ” استراتيجية الزراعة المصرية فى التسعينات ” الذى أسفر عن الآتى :

1- قصر دور الدولة فى مجال الزراعة على أمور هامشية كالحجْر الزراعى والبيطرى والإرشاد والإحصاء وتخليها عن أى دور مركزى يتعلق بتخطيط الزراعة.
2- رفع الدعم عن جميع مستلزمات الإنتاج الزراعى والسلف الزراعية وترك أسعارها لقوى السوق.
3- اعتماد سياسة الزراعة من أجل التصدير وإطلاق حرية النشاط الزراعى بلا ضوابط.
4- ” علاج ” فجوة الغذاء بسياسة الاعتماد الذاتى لا الاكتفاء الذاتى.

القسم الثانى : قراءة موجزة للأوضاع القانونية لأراضى الإصلاح الزراعى
( وقف الخديوى اسماعيل سابقا) بالمعمورة

،،،،،،،

فى الصفحات القادمة تتعرض قراءتنا للأوضاع القانونية لأراض المعمورة فى المسارات الثلاث التالية :
• الأسانيد والحجج القانونية للفلاحين.
• الأساليب المستخدمة والمبررات التى تسوقها هيئة الأوقاف فى اغتصابها حتى باعتها لعدد من الهيئات السيادية والشركات الكبرى.
• المخالفات المرتكبة بشأن التعدى على الرقعة الزراعية وطرد الفلاحين.

أولا : أسانيد الفلاحين وحججهم القانونية فى إثبات ملكيتهم وحقوقهم فى الأرض
وقد تمثلت هذه الأسانيد والحجج فى :
1- قوانين الإصلاح الزراعى ( 178/1952 ، 127/1961، 50 /1969 ) التى صادرت من كبار ملاك الأرض ( الإقطاعيين ) ومنهم أفراد الأسرة الملكية ما زاد عن 200 فدان للفرد ، 300 للأسرة وانخفضت فى القانون الثالث إلى (100، 50 فدان )، على الترتيب ، وعلى نص المادة 4 من القانون الأول “بتوزيعها على صغار وفقراء الفلاحين المستوفين لشروط التوزيع “.

واستنادا لمبدأ إعادة توزيع الثروة القومية على المنتجين المباشرين – الذى أخذت به معظم شعوب العالم متمثلا فى تطبيق الإصلاح الزراعى – لرفع مستواهم الاقتصادى والثقافى والتعليمى والاجتماعى إلى مستوى حضارى يتسق مع طبيعة الحياة فى القرن العشرين ، وعدم تركزالأرض واكتناز أو تبديد عائدها بما يحول دون تطوير المجتمع والدولة واحتلال المكانة اللائقة بهما فى العالم.

2- القانونين 152/1957 الخاص بأراضى الوقف الخيرى ” العام “، 44/1966 الخاص بأراضى الوقف الأهلى ” الخاص ” اللذين نقلا ( استبدلا) وقف الخديوى اسماعيل من الأرض الزراعية إلى ملكية هيئة الإصلاح الزراعى مقابل دفع ثمنها الذى حدده قانون الإصلاح بسندات سنوية بريع 4 %.

3- كونهم المنتفعين بالأرض ويزرعونها منذ سنوات طويلة تمتد إلى العصور الملكية لأسرة محمد على؛ ومن ثم فهم الأوْلى من أى آخرين بالحصول عليها لاستيفائهم شروط التمليك.

4- كون الأرض المذكورة ( وقف الخديوى اسماعيل سابقا) قد سجلت بالشهر العقارى بالإسكندرية بالعقود (4664 فى 25/12/1960 & 667،668 فى 26/2/1961 ) أو مسجلة بسجلات الضرائب العقارية بالإسكندرية وتدفع عنها ضريبة الأطيان لعشرات السنين كأرض المثلث ( 388 فدان ).

5- انتهائهم من دفع كامل ثمنها حسبما قرر قانون الإصلاح وبإيصالات رسمية.

6- النص الوارد بالقانون 42 /1973 الذى أعاد نقلها من هيئة الإصلاح الزراعى إلى هيئة الأوقاف الذى ” يستثنى جملة الأراضى الزراعية التى نقلها قبل ذلك القانونان 152 / 1957 ، 44/1966 من الأوقاف للإصلاح الزراعى” .

7- فتاوى قسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وخصوصا الفتوى المؤرخة 3/2/1982 ملف رقم 90/2 /276 والتى نص منطوقها النهائى على [ لايجوز رد الأراضى التى تصرفت فيها الهيئة العامة للإصلاح الزراعى إلى هيئة الأوقاف المصرية ؛ سواء كان التصرف بتوزيعها بالتمليك أو تخصيصها لبناء مركز التدريب عليها ( مبنى تابع لهيئة الإصلاح الزراعى) ، وأن أحقية هيئة الأوقاف تنصرف إلى اقتضاء ثمن هذه الأراضى نقدا وتقدر بقيمتها وفقا لقانون الإصلاح الزراعى ، والعبرة بقيمتها وقت استلامها فى عام 1958]

8-واستنادا للقراررقم (13 متفرق) بتاريخ 28/6/1959 الذى يعتمد توزيع الأرض المذكورة توزيعا ابتدائيا على الفلاحين.

9- قرار الهيئة العامة للإصلاح الزراعى رقم 32 فى 8/5/1959 الذى يلغى عقود إيجاربعض هذه الأراضى تمهيدا لتمليكها لمستأجريها السابقين.

10- تقرير الهيئة العامة للإصلاح الزراعى فى 20/6/2013 بشأن أرض المثلث(388 فدان ) الذى يتناول الأراضى التى نقلها القانون 152 /1957 من هيئة الأوقاف لهيئة الإصلاح الزراعى ومساحتها 2299 فدانا وستة قراريط وثلاثة وعشرين سهما وتتضمن المساحة المذكورة أعلاه ؛ والقرار 19 بتاريخ 17/2/1958 والقرار 13 متفرق بتاريخ 28/6/1959 السابق الإشارة إليه فى (8).

11- محضر اجتماع اللجنة القانونية رقم 12 فى 31/10/2011 وذلك بإصدار القرار رقم 16 فى 26/12/2011 متضمنا ذلك الاعتماد ونص على : [ الموافقة على ما انتهى إليه رأى المستشار القانونى لهيئة الإصلاح ( وهو نائب رئيس مجلس الدولة فى نفس الوقت ) على أنه ليس من مقتضى تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا المساس بالتوزيعات الصادرة بالتمليك].

12- الشهادة العقارية رقم 1944 المستخرجة من الشهر العقارى بالإسكندرية فى 15/4/2012 بتسلسل ملكية المساحات [(1162 فدان ، 178 فدان ، 357 فدان) بالمسجلات 4664 فى 25/12/1960 ، 668 و667 فى 26/2/1961 )]

13- عدد من الأحكام القضائية النهائية صدرت لصالحهم ضد هيئة الأوقاف فى الدعاوى الآتية:
أ-الدعوى 1470 /1994 من محكمة الإسكندرية الابتدائية مدنى كلى دائرة 2 بتاريخ 28/7/2009.

ب-الدعوى 7938 /56 ق دائرة 2 م.ك فى 12/6/2012 والحكمان السابقان لصالح الفلاحين ضد هيئة الأوقاف التى ادعت أنهم مستأجرين وليسوا ملاكا.

ج- الحكم الاستئنافى فى الدعوى رقم 670/63 ق بتاريخ 9/12/2009 دائرة 18 م.ك الاسكندرية.. الصادر أيضا لصالح أحد الفلاحين ضد الأوقاف بشأن منزله الذى تطالبه الأوقاف بدفع إيجار عنه.

د-الحكم الاستئنافى لمحكمة الإسكندرية بتاريخ 15/1/2001 فى الدعوى2051/57 ق ضد الأوقاف برفض مطالبتها للفلاحين بإيجار أراضيهم التى ملكتها لهم هيئة الإصلاح .

ه- الحكم الاستئنافى من محكمة الإسكندرية دائرة 37 فى الدعوى3546/62 ق لصالح الفلاحين بتاريخ 7/2/2007 ضد الأوقاف لمطالبتها الفلاحين بإيجار الأرض التى تملّكوها من هيئة الإصلاح الزراعى.

و- الحكم الاستئنافى من محكمة القاهرة دائرة 45 م.ك فى الدعوى رقم 5498/114 ق بتاريخ 29/8/2000 المرفوعة من الأميرات فريال وفوزية وفادية بنات الملك السابق فاروق فى مواجهة هيئتى الإصلاح والأوقاف اللتين تنصلتا من صلتهما بالموضوع – تطالبن فيه بخمسين فدانا من تركة والدهن واسترداد قصر الطاهرة بمنطقة الزيتون ورفضت المحكمة الطلبين.

ز- حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم ( 176/21 ق دستورية ) بتاريخ 8/4/2004 ببطلان الفقرة الأولى من المادة 4 من القانون 3 لسنة 1986 فيما انطوت عليه من [ عدم استثناء المنتفعين الذين قاموا بالوفاء بثمن الأرض كاملا- قبل صدور القانون 42/1973 – من الحكم الخاص بإلغاء التوزيع ].

ح-بالإضافة إلى مذكرة نيابة استئناف شرق الإسكندرية الكلية فى المحضر رقم 1725 / 2006 إدارى المنتزة ثان حيث تقدم وزير الأوقاف للنائب العام ببلاغ ضد اثنين من المواطنين مدعيا قيامهما بتزوير عقود بيع نهائية لمساحة 67 فدانا من وقف الخديوى إسماعيل وانتهى التحقيق بالأخذ بوجهة نظر المتهمين وبرفض اتهامات الأوقاف لهم بالتزوير وحفظ شكوى الوزير . (وصدر قرار النيابة فى 28/2/2012 ).

ط- الدعوى رقم 9876/ 2006 وطرفاها أحد الفلاحين ( السيد إسماعيل عامر ) وهيئة الأوقاف فرع الإسكندرية وتتلخص فى [ ادعاء الأوقاف بقيام السيد إسماعيل باستئجار مساحة فدان وتسعة قراريط من الهيئة وامتناعه عن دفع إيجارها وقدمت عقدا بإيجار الأرض مؤرخا 6/3/2004 ، وبعض المحاضر من مشرفى الجمعية الزراعية المختصة بمخالفته لقواعد زراعتها وتطالب بطرده منها باعتبارها مالكة الأرض.]

ونظرا لفظاعة ادعاء الأوقاف وزيفه فى هذه القضية نعرض موجزا لبعض تفاصيلها :
فى الجلسات الأولى لنظر القضية .. بدا الفلاح مذهولا من هول الاتهامات التى كالها له مسئولو الأوقاف بالإسكندرية.. وذكر للمحكمة أنه لم يسبق له استئجار أرض من الأوقاف وكل ما يزرعه هو الأرض التى وزعتها عليه هيئة الإصلاح الزراعى بالتمليك وأن عقد الإيجار المقدم للمحكمة مزور أما المحاضر فصحيحة وهى تبلغ 35 محضرا لكن مخالفته لتعليمات الزراعة والجمعية ليست صحيحة وملفقة.

هذا وقد أحالت المحكمة فى 25/12/2007 ملف القضية وعقد الإيجار لإدارة أبحاث التزييف والتزوير بالإسكندرية التابعة لمصلحة الطب الشرعى لندب أحد الخبراء لفحص العقد. وتولت الأستاذة / إيمان السيد شحاتة خبيرة التزييف والتزويرعملية الفحص وأعدت تقريرها رقم 4538 ت / 2008 بتاريخ 14 /9/2008 بعد استدعاء أطراف الدعوى ومناقشتهم.
وخلصت فيه للآتى:

{ كطلب المحكمة بمنطوق حكمها فى 25/12/ 2007 بندب أحد خبراء الإدارة العامة لأبحاث التزييف والتزوير بالإسكندرية لفحص ملف الدعوى 9876 / 2006 [ ومضاهاة توقيع الطاعن على عقد الإيجارالمؤرخ 6/3/2004 موضوع الطعن.. على ماقد يوجد له من توقيعات على أوراق رسمية أو عرفية معترف بها لبيان ما إذا كان التوقيع المنسوب إليه صحيح وصادر منه من عدمه ] }

أثبت أنا إيمان السيد شحاتة- الخبير بالإدارة العامة لأبحاث التزييف والتزوير بالطب الشرعى بالإسكندرية – اطلاعى على ملف الدعوى والمستند محل الطعن ، وأجريت الفحص الفنى وأقرر الآتى:

أولا : عقد إيجار أطيان زراعية بتاريخ 6/3/2004 .
( مدون بالبند أولا وصف مفصل للعقد محل الطعن ومكان التوقيع المطلوب فحصه، وعدد أوراقه وحالتها وكذا فحص دقيق للتوقيع المطعون عليه).

ثانيا :المضاهاة الفنية وأوراقها:
تضمنت وصفا دقيقا للتوقيع المطعون عليه وعدد كلماته وحالة الحروف بكل كلمة وأشكالها وطريقة اتصال الحروف ببعضها وبداياتها ونهاياتها وحجمها ونوع الحبر المكتوبة به ولونه..إلخ ، ومقارنتها بتوقيعين للطاعن فى توكيلين رسميين للطاعن أحدهما موجود بمكتب توثيق المنتزة والآخر بمكتب توثيق برج العرب علاوة على استكتابه فى خمس ورقات أخرى فى مكان التحقيق ومضاهاة التوقيع المطعون عليه بها.

النتيجة:
مما تقدم نقرر الآتى :
أن السيد اسماعيل عامر لم يكتب التوقيع المنسوب صدوره إليه الثابت أسفل عبارة الطرف الثانى بعقد إيجار الأطيان الزراعية المؤرخ 6/3/2004 موضوع البحث.}
14 / 9 / 2008 توقيع الخبير
إيمان السيد شحاتة

،،،،،،،،،،،،،،،،

بلاغ الفلاح للنائب العام بعد ثبوت التزوير
بعدها تقدم السيد اسماعيل عامر فلاح المعمورة ببلاغ للنائب العام ضد كل من وفيق مصطفى أبو المحاسن مدير منطقة أوقاف الإسكندرية بشخصه ؛ ورئيس قسم الإيجارات بالمنطقة ؛ والمراجع ؛ والمهندس الزراعى الذى لفق له محاضر مخالفة قواعد وتعليمات الزراعة قائلا [ لقد تلاعبوا باسمى وقاموا بتزوير عقد رسمى بإيجار أطيان زراعية بتاريخ 6/3/2004 وأثبت خبير أبحاث التزييف والتزوير أنه مزور (مرفق صورته) .]

وأضاف : [ كما قاموا برشقى بسيل من المحاضر ( مرفق صورتها ) محررة ضدى بلغ عددها 35 محضرا قُضى فى بعضها بالبراءة وبعضها مازال منظورا أمام القضاء.]

واختتم البلاغ بالآتى : [ لا استطيع طيلة السنوات الفائته أن أقدمهم للتحقيق أو ضبطهم ، وقد قاربت مدة سقوط رفع الدعوى على الانتهاء.]
ثم التمس [ إصدار قرار بالتحقيق معهم.]

هذا وقد أخذ محضر البلاغ رقم 13142 / 2012 إدارى المنتزة ثان، و أرسلت النيابة تطلب تحريات المباحث ، فردت الأخيرة فى22 مارس 2013بعدم توصلها لشئ.

ثانيا :الأساليب التى استخدمتها هيئة الأوقاف فى اغتصاب الأرض

لم يكن فى مقدور هيئة الأوقاف القيام بجريمة واحدة من الجرائم التى ارتكبتها فى حق الفلاحين واراضى وقف الخديوى اسماعيل سابقا لو لم يكن المناخ السياسى فى مصر مشجعا على ذلك ، فالإدارة المختصة التى كانت ترعى هذه الأراضى فى وزارة الأوقاف قبل عام 1971( أى قبل إنشاء هيئة الأوقاف) لم تجرؤ على خرق القانون كما فعلت هيئة الأوقاف فى عصر السادات ومبارك ولذلك فالحديث عن أساليب ومبررات هيئة الأوقاف فيما اقترفته من جرائم وخرق للقانون وطرد للفلاحين من أراضيهم المملكة لهم وتلفيق القضايا وتزوير العقود والكذب والادعاء بأن الفلاحين لا يملكون الأرض بل يستأجرونها لم تكن تستطيع القيام بكل ذلك لو لم يكن المناخ السياسى مهيئا له ولو لم يكن الضوء الأخضر من قياداتها العليا يسمح بهذا ؛ وعليه لا يمكن الحديث عن مبرراتها فى اغتصاب الأرض ولا عن الأساليب المستخدمة دون التطرق للجو السائد فى مصر وللقيم التى تم ترويجها بعد وفاة عبد الناصر حتى الآن.. لذا سنتعرض لهما معا كما يلى:

1- كان المناخ السياسى العام الذى أرساه الرئيس الأسبق أنور السادات فى مصر ثم نشره ورعاه الرئيس السابق مبارك ضد الفقراء- وبالذات الفلاحين- ضروريا لإقدام الدولة بكل وزاراتها وأجهزتها ومسئوليها على التعاون فى ذلك فقد أصدر السادات القانون 69 /1974،141/1981 برفع الحراسة عن كثير من أراضى الإقطاعيين التى سبق للدولة التحفظ عليها ؛ كما اخترع بدعة قضائية غير مسبوقة بإنشاء محاكم استثنائية تسمى محاكم القيم.. يتم تعيين نصف قضاتها من خارج الجهاز القضائى ويجرى اختيارهم ( على الفرّازة ) من المعادين للفترة الناصرية ولقانون الإصلاح الزراعى وقانون فرض الحراسة على الفاسدين والمنحازين ضد الفقراء، كما كان رفع ضريبة الأطيان متخذا نفس المسار .. ليساهم فى رفع الإيجارات الزراعية قبل صدور قانون لها عام 1992 يرفعها إلى عنان السماء.

2- واعتمدت هيئة الأوقاف على انحياز كثير من أجهزة الدولة لكل ما تقوم به وعلى دعم الشرطة كما حدث فى الفترة من 2008 – 2010 فى عزب الهلالية والعرب الكبرى والصغرى وغيرها ، بل إن الشرطة كانت تستعين أحيانا بمجموعات من الجيش أو من الشرطة العسكرية وتترك لها حرية التصرف لتنفيذ رغبات مسئولى هيئة الأوقاف كما حدث فى 22 مارس 2011 فى عزبة حوض 13 بالمعمورة .. حيث تم القبض على أربعة من فلاحيها وقدموا لمحاكمة عسكرية عوقبوا بالسجن 5 سنوات فى بحر 48 ساعة من إلقاء القبض عليهم ، ولأن الفلاحين أصحاب حق تدعمه المستندات والوثائق والقوانين والعقود المسجلة بينما هيئة الأوقاف لا تعترف بها لم يكن أمام الأخيرة حل سوى استخدام العنف حتى لو وصل إلى أقصى مداه.

3- وكان استخدام الحيل والألاعيب القانونية أحد هذه الأدوات مثل مطالبة الفلاحين بإيجار الأرض ، وهو ما يعنى أن الأوقاف مالكتها والوصول بهذا الادعاء لقاعات المحاكم حتى لو رفضتها المحكمة جميعا.. فربما يفلت منها حكم يصبح تكئة ومبررا لسلوكها الوحشى فيما بعد.

4- استخدام أصول الحجج القديمة التى أوقف بها الخديوى اسماعيل الأرض لأعمال الخير؛ وتجاهُل عشرات القوانين والوثائق والمستندات التى صدرت بعد تلك الحجج وأبطلت مفعولها وأنشأت للفلاحين مواقف قانونية جديدة وقوية وألغت الوقف وأحالت الحجج القديمة إلى المتاحف.

5- استخدام التزييف والتزوير والتلاعب فى المحررات الرسمية وتلفيق الاتهامات وتدبيج المحاضر الشرطية فى غيبة الفلاحين وإرهاقهم واستنفاد أموالهم وجهدهم فى دهاليز المحاكم.

6- تواطؤ بعض المتنفذين فى هيئة الإصلاح الزراعى وامتناعهم عن تحرير عقود التمليك للفلاحين لمدة عشر سنوات كانت كفيلة بإعفاء كل أطراف الصراع من هذا العناء ، أيضا سوء قراءتهم المتعمد للقانون 42 /1973 الذى نص على استثناء الأرض الموزعة على الفلاحين من الرد لهيئة الأوقاف ومخالفتهم لذلك النص.

7- لجوء الأوقاف لبيع الأرض لعدد من الهيئات السيادية كالشرطة والقضاء بأسعار هزيلة وتقديمها تسهيلات للمشترين لم نرها من قبل كالتقسيط على 10- 15 سنة.. لوضع الفلاحين أمام الأمر الواقع والقبول بأية ترضية تنزع الأرض منهم.

8- دعم وزارة الزراعة والجمعيات الزراعية للإصلاح الزراعى للمشترين بنقل حيازة الأراضى المباعة لهم.

9- إشراك محافظة الإسكندرية فى الجريمة والغنيمة بمنحها 100 فدان لا يقل ثمنها عن مليار جنيه لطرد الفلاحين من الأرض – عن طريق الشرطة بالطبع – وتغيير طبيعة الأرض المباعة برصف الشوارع والطرق وعمليات الحفر لإدخال المرافق( مياة – صرف – كهرباء – تليفونات – غاز) ووضع العراقيل أمام استردادها والإجهاز على أمل الفلاحين نهائيا.

10-وأخيرا باستقطاب مسئولين نافذين فى هيئة الإصلاح الزراعى بمشاركتها فى بيع ما لم يتم بيعه من الأرض فى مزاد علنى يوم 28 مايو 2014 بمقر البنك المتحد بشارع رمسيس بالقاهرة .. وإضافة تعقيد جديد للوضع.
خاتمة :
كان ما نشرناه فى الحلقتين السابقتين وفى القسم الأول من هذه الحلقة ضروريا لتحديد الإطار الذى قامت فيه الدولة باغتصاب أراضى الإصلاح الزراعى بالمعمورة بعد أن تملكها الفلاحون ودفعوا ثمنها كاملا ، وكان مطلوبا أيضا لإزالة علامات التعجب والاستفهام التى ترتسم على وجوه القراء ومن يحاطوا علما ببعض تفاصيل الوحشية التى تعامل بها أجهزة الدولة هؤلاء الفلاحين ، ولكى يدرك القراء بأن فظاظة وغلظة موظفي الدولة الوثيقى الصلة بهذا الموضوع لم تصاحبهم منذ ميلادهم ولم يرثوها من آبائهم ولكنهم تعلموها فى أجهزة الدولة التى يعملون بها ؛ وتدربوا عليها وتربوا علي تقاليدها وشربوا قيمها من رؤسائهم وقادتهم فى تلك الأجهزة مدنية كانت أو غير مدنية.
ويمكن القطع بأن الأخلاق السائدة فى تلك الأجهزة هى بنت القيم السياسية المطبقة فى المجتمع وهو ما يتبناه قادتها ومسئولوها ويعلمونه لمرؤوسيهم .. حيث يتجلى وتظهر آثاره على وجوه كل من يحتك بتلك الأجهزة.
باختصار لو تغيرت السياسة ونالت رضى الأغلبية الساحقة من الشعب لتغيرت الأخلاق
وستتجلى وتظهر آثارها على وجوه من يحتك بتلك الأجهزة .. لكن بشكل معاكس تماما.

الأحد 2 يونيو 2014 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر
،،،،،،،،
فى الحلقة القادمة :
جرائم بالجملة .. من دهس القانون بالأحذية .. لغصب الأرض .. لاغتيال الفلاحين
أمثلة حية من المعمورة بالإسكندرية تذّكربما جرى فى فلسطين المحتلة مع الفارق

مقدمة عن الملف القانونى لأراضى فلاحى المعمورة بهيئتى الأوقاف والإصلاح الزراعى .. الحلقة الثانية

ملاحظة :

كان من المفترض أن نخصص هذه الحلقة ( الثانية ) من دراستنا.. لقراءة فى الملف القانونى لأراضى فلاحى المعمورة؛ إلا أننا وجدنا ضرورة للإشارة أولا عن البدايات الأولى للتطورات السياسية التى جرت داخل مجلس قيادة ثورة يوليو1952 الذى أصدر قانون الإصلاح الزراعى فى 9 سبتمبر 52 ونفذه بجهاز الدولة القديم .. وكذلك داخل المجتمع المصرى والدوائر السياسية التى كانت تحيط الرئيس الأسبق ( السادات ) لإبراز الجو السياسى والملابسات التى ساهمت فى اتخاذ رأس الدولة مسارا مغايرا لما كان يجرى فى الفترة الناصرية ( 1952 – 1970 ) ، ونظرا لطول المقال رأينا تجزئته إلى ثلاث حلقات.. نستهلها بهذه المقدمة.

مقدمة لابد منها :

تتلخص عقدة أراضى فلاحى المعمورة بشرق الإسكندرية فى الموقف الذى كان يتخذه الرئيس الأسبق أنور السادات من الفلاحين والفقراء عموما.
ولأن ما يحكم مصر منذ أكثر من ستين عاما هو مؤسسة رئاسة الجمهورية التى تدور كل أجهزة الدولة فى فلكها. فقد كان موقف الرئيس من فئات الشعب على الدوام هو المصدر الأساسى لكل الإجراءات التنفيذية والتشريعات والقوانين وبالتالى الأحكام القضائية وإلا ما تمكن السادات من السير على خطى عبد الناصر ” بالأستيكة ” ليسد كل الطرق التى كان يمكن أن يتخذها الشعب نحو حياة أساسها الحرية والعدالة والتقدم والرخاء.

صحيح أن الرئيس ليس مطلق الإرادة ولا يتصرف فى فراغ وهو محكوم بما يسمى ميزان القوى الطبقية فى المجتمع ولابد لقراراته أن تلبى ميولا محددة لمحصلة القوى الاجتماعية والسياسية فى المجتمع أو تكون تعبيرا عن مصالح محددة لفئات بعينها، واستنادا إلى أيهما يميل الرئيس.. تتحدد قدرته على الاستمرار فى الحكم ، ولذلك تلعب طريقة الحكم أو ما نسميه بالنظام السياسى دورا بالغ الأهمية فى ذلك. ولقد كان النظام الرئاسى الحاكم فى مصر منذ بداية الخمسينات يعطى صلاحيات هائلة لرأس الدولة تمكنه من فرض تقديراته وتنفيذها حتى ولو كانت لا تحظى برضى وقبول الأغلبية الشعبية أو أغلبية الموجودين فى دوائر الحكم.

من هنا كانت ميول السادات تجد طريقها للتنفيذ وتوجيه دفة الحكم استنادا إلى خليط من ارتباطاته وخبراته وثقافته وبواعثه الدفينة التى يطلقها موقعه فى الحكم من عقالها.

هذا وقد ساهم مناخ هزيمة 1967 فى إضعاف الميول الوطنية المعادية للغرب الاستعمارى وإسرائيل وكذا الميول المناصرة للفقراء فى المجتمع وداخل الدوائر السياسية الحاكمة فى مقابل بروز الميول الرجعية المهادنة للغرب الداعم للكيان الصهيونى وكذا الميول المساندة للطبقات العليا فى المجتمع خصوصا ملاك الأرض الزراعية السابقين ( الإقطاعيين ) وكبار الرأسماليين بالذات من طبقت عليهم قوانين مصادرة الممتلكات.

كما لعب الصراع بعد وفاة عبد الناصر بين السادات وبين من يسموا ” رجال عبد الناصر فى السلطة ” – ( على صبرى وشعراوى جمعة والفريق محمد فوزى وسامى شرف وضياء الدين داود ومحمد فايق وغيرهم ) وحسمه لصالح السادات – لعب دورا فى التعجيل بذلك المسار الجديد – وليس فى خلقه – بالانحياز للغرب الأمريكى والأوربى والابتعاد عن المعسكر الاشتراكى على المستوى الخارجى ؛ أما على المستوى الداخلى فقد خفتت حدة الحديث عن الفقراء والتنمية والتصنيع والثقافة وغيرها والاهتمام بها .. وعلت نبرة أخرى عن ضحايا الناصرية من الإقطاعيين والرأسماليين والإخوان المسلمين والتعاطف معهم.. ولعل بعض من عايشوا تلك الفترة يتذكر ما روّجه الإخوان المسلمون عن أن علاقتنا بالروس ” الكفرة ” هى التى أفضت لخسارة الحرب مع الصهاينة وترديد أجزاء من قطاعات المجتمع لتلك المقولة.

كذلك تجلت تلك النبرة وتأثيراتها عام 1968 فى محاكمة قتلة صلاح حسين زعيم فلاحى كمشيش والتى تحولت من قضية سياسية إلى جنائية رغم نظرها أمام محكمة أمن الدولة العليا حيث انتهت بمعاقبة القاتل وتبرئة الأسرة الإقطاعية بعد أن كانت كل التفاصيل التى كشفها الإعلام عام 1966 فى أعقاب الحادث تشير إلى تلك الصلة ( بين الاغتيال والتحريض عليه أو بين القاتل والأسرة الإقطاعية).

ما نريد توضيحه أن الرئيس فى مصر هو كل شئ وإرادته هى المتحكمة فى توجهات الدولة وفى حصول الشعب على حقوقه وحرياته الأساسية أو حرمانه منها.
هذا وقد أنشئت هيئة الأوقاف بالقانون ( رقم 80 لسنة 1971 ) – وكانت مجرد إدارة فى وزارة الأوقاف – فى نفس العام الذى تولى فيه السادات حكم مصر رغم أن الاحتياج إليها لم يكن من هموم الوطن آنذاك ؛ فالمناخ السياسى كان شيئا مختلفا تماما عما يدور فى الدهاليز .. حيث الاستعداد لاستعادة الأرض المحتلة يجرى على قدم وساق ويستحوذ على كل الاهتمام وصخب طلاب الجامعات اعوام 72 ، 73 فى هذا الموضوع يصك الأسماع فى كل أرجاء مصر.

كذلك فبعدها وقبل شهور معدودة من حرب أكتوبر أصدر السادات القانون 42 لسنة 1973 الذى ردّ ( وقف الخديوى إسماعيل سابقا ) من الأراضى الزراعية إلى هيئة الأوقاف بعد أن كان عبد الناصر قد نقله من الأوقاف إلى هيئة الإصلاح الزراعى عام 1957 ، 1966 بالقانونين 152 ، 44 فى مقابل دفع ثمنها للأوقاف بسندات سنوية.

ورغم أن قانون السادت المذكور( 42 / 1973 ) قد نص صراحة على استثناء نفس الأرض من الرد إلا أن الطريقة التى أعيدت بها للأوقاف- بواسطة هيئة الإصلاح الزراعى تثير الشكوك والريب فى الأغراض الحقيقية وراء إصدار القانون ولا يمكن تسميتها إلا بالتواطؤ الصريح مع سبق الإصرار .. ودليلنا على ذلك هو أن لهيئة الإصلاح قطاع قضائى كامل اسمه ” اللجان القضائية ” وهو مجموعة من الدوائر القضائية زاخرة بخبرات متميزة من القضاة ، علاوة على قطاع آخر قانونى بنفس المستوى من العلم والخبرة .. ومع ذلك تم رد الأرض للأوقاف دون تمييز بين ما تم توزيعه منها على الفلاحين وبين ما لم يتم.

فهل لم يتنبه قاض واحد أو قانونى واحد فى هذين القطاعين لأن رد الأراضى التى تم توزيعها على الفلاحين المنتظمين فى دفع أقساط تمليكها يخالف القانون الذين هم بصدد تطبيقه على أراض تملكها الهيئة التى يعملون بها وهى هيئة الإصلاح ..؟

هذا هو السؤال الأهم الذى لا يمكن تجاهله.. ولا يمكن وصفه من أى منصف أو أى طالب قانون مبتدئ إلا بأن ما تم بنقل الأرض دون تمييز ليس سوى ( تواطؤ مبطن بسوء النية) فى أكثر العبارات تهذبا .

هذا هو مربط الفرس فى قصة أرض ” الأوقاف سابقا ” ” و ” الإصلاح آنذاك ” بالمعمورة ، ومن هذا ” المربط ” نشأت كل المشاكل والخروقات التالية وفاحت كل الروائح الكريهة والمخالفات الفجة والاغتيالات الوحشية .. وتعقد الوضع.

ولنضرب لذلك مثلا أشد صراحة ووضوحا :

تقول المادة 90 من قانون الزراعة رقم 30 لسنة 1966 ” بأنْ تُسجل الحيازات الزراعية فى الجمعيات التعاونية الزراعية بنوعيها ( ائتمان ، وإصلاح ) باسم زارع الأرض الفعلى .. مستأجرا كان أو مالكا أو واضع يد ” ، وذلك لأن الجمعيات الزراعية تؤدى خدماتها للأرض وليس للأشخاص.. وعليه لا يستفيد من خدماتها إلا من يقوم بزراعة الأرض فعلا .. وليس من يملكها مثلا.

لكن وبكل أسف عندما صدر قانون الإيجارات الزراعية الجديد – ( رقم 96 لسنة 1992) الذى بدأ تنفيذه الفعلى فى نوفمبر 1997 – خرق كل وزراء الزراعة – منذ ذلك التاريخ ودون استثناء- هذه المادة بواسطة القرارات الوزارية والتعليمات الشفهية وصار تسجيل حيازة الأرض الزراعية فى الجمعيات التعاونية الزراعية ليس لزارع الأرض .. بل لمالكها .. بمعنى أن يتحكم المالك فى المستأجر عن طريق تحكمه فى صرف مستلزمات الزراعة من بذور وأسمدة ومبيدات وأعلاف وآلات زراعية وغيرها .

ولقد كان رفع دعوى قضائية ضد هذه التعليمات الشفهية والقرارات الوزارية التى تخرق المادة 90 من القانون 30 / 1966 وتبطل مفعولها عمليا كفيل بالحصول على حكم قضائى بوقفها من أول جلسة.. لتكون الدعوى التالية ضد وزير الزراعة مستهدفة اتهامه بالامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء.

وهذا المثال يوضح كيف تم عمليا خرق القانون من أهم مسئول عن الزراعة فى مصر وهذا ما فاقم الشكوك وأثار السؤال التالى :

طالما كانت هذه إرادة الدولة ممثلة فىى وزارة الزراعة فلماذا لم تقم من خلال مجلس الشعب بتغيير المادة 90 لتتطابق مع تعليمات الدولة وما تريده الوزارة فى تعليماتها الشفهية وقراراتها الوزارية بدلا من اللجوء للسراديب الخلفية..؟

والإجابة فى غاية البساطة: إن إثارة هذا الموضوع فى البرلمان يعنى تداوله فى الإعلام وفى الأوساط المهتمة بالفلاحين والزراعة ويعنى كشف السراديب الخلفية التى يلجأ لها المسئولون الحكوميون لخرق القانون وهو ما قد يكشف الأغراض المستورة من هذا الخرق ويمكن أن يسفر عن نتائج عكسية وهى رفض تعديل المادة 90 سواء كان ذلك بتأثير الإعلام او بضغوط المستأجرين للأراضى الزراعية. فالتواء الدولة والتفافها حول تنفيذ المادة 90 من قانون الزراعة فى عهد مبارك تم بنفس الطريقة تقريبا التى طُبق بها القانون 42 لسنة 1973 برد ” أراضى الخديوى اسماعيل سابقا ” لهيئة الأوقاف فى عهد السادات. أى أنْ يقول القانون شيئا وينفذ المسئولون الحكوميون عكسه تماما ؛ وبهذه الطريقة تواطأت هيئة الإصلاح الزراعى- فى رأيى – (بتعليمات عليا ) على رد الأراضى الزراعية المملكة للفلاحين من ” وقف الخديوى اسماعيل سابقا ” إلى هيئة الأوقاف التى أسسها السادات فور توليه عرش مصر .

– شئ آخر يؤكد ما نقوله بشأن الخطيئة الأولى للسادات فى حق الفلاحين الفقراء هو صدور قرار رفع الحراسة رقم 69 لسنة 1974 الذى ساهم فى إعادة أراضى الحراسة ( وهى جزء من أراضى الإصلاح الزراعى) بأساليب ملتوية وألاعيب قانونية للإقطاعيين الذين تحفظت الدولة علي أراضيهم وأجرتها – ولم تملّكها- لفقراء الفلاحين.

– وتأكيد آخر لما نقوله بشأن إعادة أراضى الإصلاح الزراعى للٌإقطاعيين السابقين: فقد عين السادات أحد كبار الإقطاعيين مستشارا لرئيس هيئة الإصلاح الزراعى وكان تأثيره فى اتخاذ الهيئة لقراراتها بشأن أراضى الإصلاح الزراعى أقوى من رئيس الهيئة ، وفى تلك الفترة تم العبث بكثير من المستندات التى تخص أراضى الإصلاح بنوعيها ( الحراسة والاستيلاء )، وبالتعليمات الشفهية إياها والألاعيب القانونية وإخفاء أوراق ومحاضر مصادرة الأرض وتوزيعها وكان يتم خرق كثير من القواعد واللوائح التى تثبت حقوق الفلاحين وتدحض ادعاءات خصومهم.

وقد يسأل البعض ولماذا لم يعين السادات ذلك الإقطاعى الكبير رئيسا لهيئة الإصلاح الزرعى .؟..
ونجيب : ان ذلك سوف يفجر الأوضاع فى الريف ضده وضد السادات ويكشف ما يحاولان ستره ؛ واول الاعتراضات التى كانت ستظهر وتفضح موقف رئيس الجمهورية من فلاحي الإصلاح الزراعى هو : وكيف يعين السادات إقطاعيا رئيسا لهيئة صادرت وتحفظت على أراضى الإقطاع ..بل وعلى أراضيه شخصيا ؟ أو كيف ” يعطى القط مفتاح الكرار..؟ ”

– أما عن البواعث الدفينة فى موقف السادات من فقراء الفلاحين وقانون الإصلاح الزراعى فتفسرها الواقعة التالية التى جرت تفاصيلها من ستين عاما:

فى عام 1954وبعد صدور قانون الإصلاح الزراعى الأول وقبل الشروع فى تنفيذه العملى ذهب القائمقام ( العقيد ) أنور السادات إلى قرية كمشيش بالمنوفية موفدا من مجلس قيادة ثورة يوليو 52 لاستطلاع ومعالجة الأوضاع بها إثر اندلاع معارك ضارية بين فلاحي القرية وإقطاعييها . وما أن حط الرحال بها توجه إلى قصر الإقطاعى وأرسل فى استدعاء عدد من قادة الفلاحين بها ؛ إلا أنهم أخطروا رسول السادات بأنهم لن يذهبوا إلى قصر الإقطاعى .. وما على السادات إلا اختيار أى مكان آخر للقائهم .
وعاد الرسول بالرد الذى أذهل السادات عضو مجلس قيادة ثورة يوليو الوليدة .. فأمر على الفور بنصب خيمة فى مكان فسيح بالقرية وأعاد استدعاءهم.. ولما توافد الفلاحون المطلوبون .. أبقاهم خارجها وطلب إدخالهم واحدا بعد الآخر.. ووجه سؤالا واحدا لكل منهم: ماهى مشكلتك ..؟ ومن الناحية الأخرى كانت الإجابة واحدة : أنا ما عنديش مشكلة شخصية .. المشكلة خاصة بما يفعله الإقطاع فى القرية . وما أن يتطرق الفلاح للتفاصيل حتى يأمره السادات : خلاص .. خلاص .. أخرج بره .. وانتظر.
وهكذا تكرر السؤال والإجابة والخروج من الخيمة والانتظار خارجها حتى انتهى السادات من مقابلة جميع من حضروا إليه من الفلاحين وكانوا قرابة العشرين فردا.
خلاصة الأمر أن السادات سمع ردودا لم يتوقعها ورأى فلاحين غير الذين كان يعرفهم فى قريته أيام صباه .
ولماخرج من الخيمة أشار لأحد كبار رجال الشرطة ممن رافقوه من مديرية أمن المنوفية إلى كمشيش .. وطلب منه زجهم فى إحدى شاحنات الشرطة .. وإيداعهم معتقل قنا الذى ظلوا به لعشرين شهرا دون سبب قانونى أو محاكمة.
وللقارئ أن يتخيل مقابلة بهذه الكيفية بين فلاحى قرية وبين عضو مجلس قيادة ثورة أصدرت بعد 47 يوما من اندلاعها قانونا للإصلاح الزراعى يعيد لقطاع كبير من الفلاحين كرامتهم ويفتح لهم منفذا للحياة التى حُرم منها الملايين بعد أن طحنتهم السخرة وسياط الإقطاع عشرات السنين.
وكيف أن مسلك السادات فيما بعد وسياساته التى أجهزت على الجانب الأعظم من مكتسبات الفترة الناصرية يمكن معرفة دوافعها وأبعادها من هذه الواقعة الشهيرة والتى ما زالت ماثلة حتى الآن فى وجدان تلك القرية .. كمشيش .

وهكذا كان للسادات الجانب الأوفر ليس فى القضاء على ما أنجزه عبد الناصر من إيجابيات فحسب بل وفى التأسيس لدولة الاستبداد والفساد وإهدار مستقبل وكرامة الفقراء من الفلاحين وغيرهم .. وتابعها من بعده مبارك بالرعاية والحماية حتى قطف ثمارها مع المحيطين به من رجال الأعمال والمستثمرين والفاسدين وملاك الأراضى الذين تربطهم بسلفه معزة خاصة متبادلة..

باختصار لقد أعاد الإقطاع لمصر فى ثوب جديد.

الجمعة 20 مايو 2014 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر

فى الحلقة القادمة :
كيف مهد السادات الأرض للارتداد عن السياسات الناصرية.. فى مجال الزراعة والفلاحين؟
وأساليب هيئة الأوقاف فى اغتصاب أرض الإصلاح الزراعى بالمعمورة

اللورد بلفور ما زال يعشش فى هيئة الأوقاف المصرية .. ويبيع فى مزاد علنى أراضىا لفلاحين بالمعمورة

نشر بموقع الحوار المتمدن ( ahewar.org/m.asp?i=1625) يوم 27 مايو 2014
،،،،،،،،،،،
تطورات بالغة الخطورة فى يوم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية
بشأن أراضى الإصلاح الزراعى المملكة للفلاحين
تقديم :
كان ملوك أسرة محمد على بمصر أقل قسوة عليهم من رؤساء جمهورية النصف قرن الأخير.. بل وربما أكثر إنسانية وشفقة.. رغم أنهم يتعاملون معهم كسادة ويعاملونهم كبشر يستحقون الإحسان.
لقد شاركوا الفلاحين فى غلة الأرض التى كانوا يحتكرونها، وبعض أفراد الأسرة بنوا لهم البيوت التى تسترهم وتقى مواشيهم قيظ الصيف وبرد الشتاء.
ولما تفجرت ثورة 1952 بدأت بقانون يعيد توزيع الأرض التى تحتكرها الأسرة الملكية على فقراء الفلاحين والمعدمين ؛ ويملكها لهم على أقساط سنوية ( 40 قسطا ) ؛ لكن حكام النصف قرن الأخير جاءوا ليطردوهم منها ويهدموا البيوت على رءوسهم ويلقوا بأطفالهم على الأرصفة ليواجهوا مصيرا مظلما وحياة بائسة .. ومن اعترض كان مصيره الاغتيال.
لم يجد هؤلاء المنكوبون من يساندهم فى المحن والرزايا التى تنهمر عليهم كالمطر من أجهزة الدولة والهيئات التى تدعى كفالة اليتامى وإغاثة الأرامل ورعاية الفقراء وأبناء السبيل.
أما من أطالوا اللحى وقصروا الجلابيب وتخفوا وراء عباءة الدين وتولوا الحكم باعتبارهم وكلاء الله فى الأرض فقد باعوهم كغيرهم أو ” نقّطوهم ” بدعوات من نوع ” ‘‘إن شاء الله تُفرج ” وأداروا لهم ظهورهم.
حتى من ادعوا الدفاع عن الكادحين والفقراء وأسسوا النقابات والاتحادت ” المستقلة ” لهذا الغرض وقفوا يتفرجون على عمليات التنكيل بهم ؛ ولم يصمدوا وفروا هاربين.
فلمن يلجأ هؤلاء المنكوبون..؟! فى الوقت الذى تنكّر فيه الجميع لهم حكاما وملتحين؛ وساسة ومسئولين ؛ ونخبا وحزبيين .. أو اكتفوا بالمشاهدة فى أحسن الأحوال.
-لقد خصص الخديوى إسماعيل ما يزيد عن (2000 ) ألفى فدان من الأرض الزراعية فى منطقة المعمورة بشرق الإسكندرية خصصها لأعمال الخير والبر ليزرعها فلاحو المنطقة ويدفعوا إيجارها من غلة الأرض ؛ وقام الملك فؤاد الأول ببناء بعض البيوت ليقيموا فيها مقابل أن يزرعوا الأرض له بالمشاركة.
-وهكذا حتى قامت ثورة 1952 وصدر قانون الإصلاح الزراعى 178 / 1952 وألغت الدولة إيجار الأرض التى أوقفها الخديوى – وأدارتها وزارة الأوقاف- ونقلها إلى هيئة الإصلاح الزراعى لتقوم بتوزيعها بالتمليك على الفلاحين الذين كانوا يزرعونها بالمشاركة أو بالإيجار فى السابق .. ومقابل ذلك دفعت هيئة الإصلاح ثمنها للأوقاف بسندات سنوية وريع قدره 4 % فى السنة.

-وهكذا قام الفلاحون بالاستمرار فى الزراعة ودفع أقساط تملك الأرض منذ بدايات الستينات من القرن الماضى إلى بدايات الألفية الثالثة.. وفى هذا التوقيت كان المفترض أن تقوم هيئة الإصلاح الزراعى بتسليمهم عقود ملكيتها كما ينص القانون ؛ لكنها تقاعست لسبب غير مفهوم.
-كذلك قام السادات عام 1971 بإعادة هذه الأرض المملكة للفلاحين إلى هيئة الأوقاف- التى أنشاها بمجرد توليه الحكم – أيضا لسبب غير مفهوم – لكنها ظلت مسجلة باسم هيئة الإصلاح الزراعى حتى اليوم.
-والآن وبعد أن مرت عشر سنوات على انتهاء الفلاحين من تسديد كامل ثمنها .. تقوم هيئة الأوقاف ببيعها لجمعيات إسكان أمن الدولة وشرطة الإسكندرية وشرطة كفر الشيخ والقضاء العسكرى الشرطى ، وقضاة محكمة النقض ، ووزارة العدل.
-وتتواطأ هيئة الإصلاح الزراعى على التفريط فى أرض مسجلة باسمها ودفعت ثمنها للأوقاف وترفض تسليم ملاكها عقود ملكيتها كما ينص القانون.
بل وتتفقان معا – الأوقاف والإصلاح – على بيع أجزاء أخرى منها بالمزاد العلنى يوم 28 مايو 2014 وهو يوم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية حيث يكون الشعب فى واد والمزاد فى واد آخر .. وليضرب الفلاحون رءوسهم فى الحائط .
وهكذا يتضح ما كان مبهما وتنكشف أسباب نقل السادات للأرض إلى هيئة الأوقاف وأسباب تقاعس هيئة الإصلاح الزراعى عن تسليم الفلاحين عقود ملكيتها و ينجلى كل ما اتخذته هيئة الأوقاف من إجراءات لخرق القانون وإلقائه فى سلة المهملات بجسارة لا يتصف بها إلا مجنون وفظاظة لا يملكها إلا مسنود من ظهره.
والنتيجة هى بيع الأرض بأقل من عشر ثمنها على الورق وحصول رجال الشرطة والقضاء الذين اغتصبوها بمساعدة الأوقاف وتواطؤ الإصلاح الزراعى ليعيدوا بيعها لهيئات أخرى بأضعاف ثمنها وهو ما يظهر أسباب استماتة جمعيات الشرطة والقضاة فى الحصول عليها ” لتسقيعها ” والتربح منها علاوة على تعقيد المشكلة للهروب بفارق ثمنها وترك المشترين الجدد فى صراع أبدى مع الفلاحين.

كيف بدأت القصة.. ؟ :
ولأن هناك من أراضى العائلة المالكة قبل ثورة يوليو نوعان من الأراضى :
الأولى : هى الأراضى التى تم وقفها (تخصيصها ) لأعمال الخير و البر [ الوقف العام ، والوقف الأهلى ] التى تولتها وزارة الأوقاف بالرعاية والإدارة.
والثانية : هى التى ظلت مملوكة لأفراد العائلة المالكة دون وقف,
والنوع الثانى تم تطبيق قانون الإصلاح الزراعى عليه أيضا وتوزيعه على الفلاحين المعدمين والفقراء .. ولم تظهر بشأنه مشكلات تذكر مع الفلاحين.
أما النوع الأول : الوقف.. الذى تسلمته وزارة الأوقاف لرعايته وإدارته فهو الحافل بالمشاكل والتعقيدات والنزاعات .
لقد حصل بعض فلاحى عزب المعمورة على أراضيهم من النوع الثانى ( محدود المشاكل) بينما الجزء الأعظم منهم حصل على أراضى النوع الأول ( المكتظ بالمشاكل) نظرا لأن كثيرا من الفلاحين كانوا يستأجرونها من الأوقاف قبل ثورة يوليو 1952 وتعرضت هذه الأراضى للإجراءات التالية :
1- فى عام 1957 صدر القانون 152 بنقل الأراضى الزراعية الخاصة بالوقف الخيرى ( العام ) من الأوقاف لهيئة الإصلاح الزراعى .
2- وفى عام 1966 صدر القانون 44 بنقل الأراضى الزراعية الخاصة بالوقف الأهلى ( الخاص ) من الأوقاف لهيئة الإصلاح الزراعى.
3- قرر القانون 152 أن يقوم الإصلاح الزراعى بدفع ثمن أراضى الوقف الخيرى ( العام ) للأوقاف بسندات على 40 سنة وفائدة سنوية 4 % وتسجيل الأرض باسم هيئة الإصلاح الزراعى ، وتم ذلك فعلا فى هذا النوع من الأراضى( الوقف الخيرى ) فى الشهر العقارى بالإسكندرية بالأرقام والتواريخ التالية:
• 4664 فى 25 / 12 /1960 لمساحة 1162 فدان.
• 667 فى 26 / 2 / 1961 لمساحة 178 فدان.
• 668 فى 26 / 2 / 1961 لمساحة 357 فدان.
• ماعدا 388 فدانا أخرى تسمى ( أرض المثلث ) التى اكتفت هيئة الإصلاح بتسجيلها فى مصلحة الضرائب العقارية فقط.
كما تم دفع ثمن الأرض بالسعر الذى حدده قانون اللإصلاح الزراعى 178 / 1952.
4- تقرر إلغاء عقود كل هذه الأراضى المستأجرة بالقرار 30 فى 18 ديسمبر 1963 تمهيدا لتوزيعها بالتمليك على زراعها من الفلاحين.
5- تقرر توزيع الأرض على الفلاحين بنظام التمليك على أن يدفعوا ثمنها الذى حدده قانون الإصلاح الزراعى 178 / 1952 على أقساط سنوية ( 40 قسط ) على أن يحصلوا بعد القسط الأخير على عقود ملكيتها.
6- و بوفاة عبد الناصر وتولى السادات جرى ما جرى :
أ-فى نفس السنة التى تولى فيها الحكم.. أنشأ السادات هيئة الأوقاف بالقانون رقم 80 لسنة 1971 لإدارة الأراضى والعقارات التى ترعاها الأوقاف .
أ‌- كما أصدر كذلك .. القانون رقم 42 لسنة 1973 الذى أعاد لهيئة الأوقاف أرض الإصلاح الزراعى التى نقلها عبد الناصر قبل ذلك من الأوقاف لهيئة الإصلاح بالقانونين 152 / 1957 ، 44 / 1966 ودفعت الأخيرة ثمنها.
ب – و بغرابة شديدة أعاد الإصلاح الزراعى الأرض للأوقاف رغم أنها مسجلة ومشهرة باسمه وتحت ملكيته .
ج0 ورغم أن القانون المذكور رقم 42 استثنى – بنص صريح – رد المساحات التى سبق توزيعها على الفلاحين ؛ إلا أن التواطؤ الفاضح لهيئة الإصلاح تغافل عن ذلك.. مع سبق الإصرار.
د- وفى نفس التوقيت .. أطلقت هيئة الأوقاف شائعة كاذبة ” ملخصها أن تلك الأراضى التى سبق توزيعها على الفلاحين بالتمليك هى أراض مستأجرة ، وللأسف ردد كثير من الفلاحين هذة الشائعة ولشدة رواجها تحولت إلى شبه ” حقيقة ” رغم أنها مجرد كذبة مفضوحة ليس لها من الحقيقة نصيب.
ه- باستفحال الفساد فى مصر فى عهد مبارك صدر القانون 96 سنة 1992 المعروف بقانون المالك والمستأجر الذى تم تنفيذه منذ عام 1997 وتسبب فى طرد مئات الآلاف من المستأجرين من الأرض ، وانتهزت هيئة الأوقاف الفرصة ورفعت إيجارات أراض أخرى فى عديد من المحافظات غير التى نتحدث عنها .
و- وفى عام 2007 عزمت هيئة الأوقاف- التى تعرف الحقيقة بحذافيرها – عزمت على التخلص من الأراضى التى أعادها لها القانون 42 / 1973 بطرق الخطأ ، وأعادت تجديد شائعة أن الفلاحين الزارعين لها ليسوا أكثر من مستأجرين للأرض وهو ما يعنى عزمها على طردهم منها وبيعها.
ز- ولأن جزءا من هذه الأرض الزراعية ملاصق لشريط سكة حديد أبى قير وطريق إبى قير البرى فقد عزمت على إدخاله كردون المبانى ليرتفع ثمن المتر فيه إلى 30 ألف جنيه استنادا إلى أن ثمن المتر على الجانب الآخر من السكة الحديد ( حيث بلاجات المعمورة والبنايات المحيطة به ) بلغ 60 ألف جنيه وهو ما يرفع ثمن الفدان فى الأرض الزراعية الملاصقة للطريق إلى :
30 ألف جم × 4200 متر مربع = 126000000 جم ( مائة ستة وعشرين مليون جنيه ).
ح- وهنا أقدمت هيئة الأوقاف بالاتفاق مع محافظ الإسكندرية عادل لبيب ” ضابط أمن الدولة و فتى مبارك المدلل ” على إبرام بروتوكول بينهما يختص بجزء من الأرض اسمه أرض المثلث ( 388 فدان ) تم توقيعه فى 31 يناير 2008 ويتضمن:
*منح المحافظة 100 فدان فى أرض ( المثلث )التى تملكها هيئة الإصلاح الزراعى والموزعة على الفلاحين بنظام التمليك ودفعوا كامل ثمنها وفى انتظار استلام عقود ملكيتها.
*الشروع فى إقامة (منطقة سكنية فاخرة و مولات تجارية ونوادى رياضية واجتماعية وغيرها .. إلخ) على المساحة المتبقية( 288 فدان).
على أن تلتزم المحافظة بالالتزامات الآتية :
1-طرد ملاكها الفلاحين الزارعين لها .
2- ورصف الشوارع الرئيسية والمحيطة بها.
3- ومدها بالمرافق( غاز – تليفونات – مياة – كهربا – صرف صحى,,إلخ )
ط- أما بقية وقف الخديوى إسماعيل فى المنطقة المسجلة باسم الإصلاح الزراعى ( 4664 / 1960- و 667 & 668 / 1961) فقد عزمت الأوقاف على بيعها .. لكن لأنها تخشى ثورة الفلاحين فقد هداها تفكيرها لاختيار المشترين بحيث يخافهم الفلاحون لذلك ابتعدت عن الهيئات المدنية والأفراد العاديين وشرعت فى بيعها لجمعيات إسكان عدد من الهيئات السيادية كالشرطة والقضاة مثل ( أمن الدولة ، وشرطة الإسكندرية ، وشرطة كفر الشيخ ، والقضاء العسكرى الشرطى، ومستشارى محكمة النقض ، ووزارة العدل) .. والأهم هو أن الأرض تم بيعها بأقل من عُشر ثمنها فى السوق.
ى- وحتى تضمن الأوقاف ألا تعود هيئة الإصلاح الزراعى إلى رشدها أو يصحو ضميرها فجأة وتقف إلى جانب الفلاحين أصحاب الأرض فى الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها وتضطر إلى كشف حقيقة الأرض و أنه سبق تمليكها للفلاحين واضعى اليد عليها لجأت لخطة ذكية بإشراك هيئة الإصلاح فى وليمة اللئام لكى ” يصيبها من الحب جانب ” وقررت أن يتم بيع الأرض فى مزاد علنى يوم الأربعاء 28 مايو 2014 وهو نفس اليوم الذى تعلن فيه نتيجة الانتخابات الرئاسية.
المقاومة واغتيال حسن شندى كبير فلاحى الهلالية :
1- هذا وقد تمكنت أجهزة الشرطة فى وقت سابق من إرهاب عدد من الفلاحين وأجبرتهم على التنازل عن أرضهم مقابل مبالغ تافهة مقارنة بثمنها الحقيقى فى السوق.

2- إلا أنها لم تتمكن من تنفبذ ذلك مع بعض الفلاحين منهم فلاحى الهلالية الذين تزعمهم فلاح بسيط شهم وحسن السمعة وزميله سلامة كريم حمد ( يده اليمنى ) رغم عمليات التهديد الصريح والمستتر التى واجهها من ضباط أمن الدولة وشرطة قسم ثانى المنتزة ومن عدد من رؤساء وممثلى جمعيات الإسكان السابق ذكرها.

3- وكان حصول حسن شندى من الشهر العقارى والضرائب العقارية على مستندات قاطعة الدلالة بامتلاك الإصلاح الزراعى- وليس الأوقاف – للأرض محل الصراع ، علاوة على قيام المحكمة بتحويل القضية إلى لخبير القضائى للتحقيق فيها على الطبيعة هو ما دعم موقف الفلاحين القانونى بقوة وفضح حيل وألاعيب هيئة الأوقاف ومحافظ الإسكندرية وكشف دور جمعيات إسكان الشرطة والقضاة فى اغتصابها حيث تناقلت الصحف والمواقع الإلكترونية جزءا من أبعاد قضية الأرض، وبات الأمر شديد الحرج لكل هؤلاء مما عجل بضرورة القضاء على هذه المقاومة فورا – لأنها تتسع يوما بعد يوم – والشروع فى اغتيال قائدها حسن شندى لأن فى إسكاته إسكات لبقية الفلاحين وشطب لدعاواه القضائية أو هكذا تصوروا.
4- وتحدد يوم 22 سبتمبر 2009 موعدا لاستدراجه بعيدا عن العزبة .. بعدها وجده أبناؤه جثة هامدة فى حقله الذى لا يبعد عن منزله أكثر من 70 مترا ، وعن طريق أبى قير 50 مترا صباح يوم 23 سبتمبر 2009 . وهناك الكثير من الملابسات والأسئلة أحاطت باغتياله منها:
من المستفيد الأول من قتل حسن شندى..؟
لماذا تمت إعادته إلى حقله؟ ولماذا أرسلوا لزميله سلامة كريم رسالة تهديد صريحة ..؟ ، ولم تأخر تقرير الطبيب الشرعى من 24 سبتمبر 2009 إلى 19يناير 2010 ( أكثر من مائة يوم ) فى الوقت الذى حدد القانون 21 يوما كحد أقصى للإعلان عن التقرير..؟ ..إلخ.
5- هذا وقد اتخذت المقاومة أشكالا متنوعة فقد أقام الفلاحون فى بداية مشوارهم وقفة احتجاجية أمام الجمعية الزراعية بالهلالية رفعوا فيها عددا من الشعارات منها (مش حنسلم مش حنبيع // مش حنسيب الأرض تضيع )غطتها الصحافة و شارك فيها عدد من السياسيين والمتعاطفين مع قضية الفلاحين. كما التقت بعض القنوات الفضائية ببعضهم ، وكذلك بعض منظمات المجتمع المدنى. لكنها لم تضم ممثلين عن بقية العزب وشابها نوع من ضعف الترابط بين فلاحى العزب.
6- ونظرا لبروز قضية أخرى تتعلق ببعض أراضى الكتلة السكنية التى أقيمت على بعض مساحات الأرض الفضاء نظرا لزيادة سكانها ؛ فقد لجأ الأهالى للقضاء لمنع هدمها أو تحديد تقديرات جزافية لثمنها ، كما سعوا لشراء الأرض الفضاء التى بنوا عليها منازلهم من هيئة الأوقاف التى لا تملك الأرض ، والاستفادة من القرار الجمهورى الذى صدر عام 1999 فى هذا الشأن ” وحدد سعر المتر المربع بثلاثين جنيها لمن كان يزرع الأرض ، 40 جنيها لمن لا يزرع” . الجدير بالذكر أن هيئة الأوقاف بدعم المحافظة ” حشرت ” نفسها بشكل تعسفى فى المشكلة وحرضت علي الأهالى إدارات المرافق ( كهرباء ، مياة ، تليفونات ) بمنطقة المعمورة لفرض غرامات باهظة مستمرة ودورية لدفعهم لمغادرة المنازل واستغلال ذلك فى طردهم من أراضيهم.
7- من ناحية ثالثة لجأ الفلاحون دفاعا عن الأرض للعديد من المحامين المحليين وللقضاء وتقديم مستندات شتى تثبت وفاءهم بثمن الأرض منذ سنوات وتثبت عدم ملكية الأوقاف لها وبحقهم فى الحصول على عقود الملكية.كما لجأوا فى أوقات أخرى لكثير من المسئولين فى المحافظة وهيئى الأوقاف والإصلاح الزراعى فى محاولات عبثية لإقناعهم بقانونية وصحة موقفهم فى الأرض ، وبالرغبة فى دفع هيئة الإصلاح للوقوف إلى جانبهم لكنهم فشلوا .. لأن النية كانت مبيتة لطردهم منها واستكثارها عليهم.
8- كما لجأت أجهزة الأمن لاحتجاز بعض أقارب الفلاحين فى أحياء ومناطق أخرى ( أبيس وبرج العرب بالإسكندرية) وتهديدهم بعدم الإفراج عن أقاربهم إلا بتنازلهم عن الأرض.
9- ويذكر أن محمد عبد السلام المحجوب أحد محافظى الإسكندرية فى فترة الصراع على الأرض وحمدى زقزوق وزير الأوقاف قد أصدرا عددا من التصريحات الصحفية تطمئن الفلاحين على استمرارهم فى الأرض على عكس ما كان يدور بشأنها فى الخفاء ؛ حيث كانت كل تلك المحاولات تستهدف تخدير الفلاحين ثم مباغتتهم بتنفيذ البروتوكول المبرم بين الأوقاف والمحافظة وطردهم منها .
10- كما لجأوا فى بداية ثورة يناير 2011 للمجلس الأعلى للقوات المسلحة طالبين دعمه لقضيتهم فى مواجهة الشرطة ومحافظ الإسكندرية لكن الأمور اتخذت مسارا آخر كلما مرت شهور الثورة.

11- هذا وقد أبدت لجنة التضامن الفلاحى الملاحظات التالية على مقاومة الفلاحين تمثلت فى :
• ضعف الترابط بين فلاحى عزب المعمورة المختلفة ( 22 عزبة ).
• عدم اتفاقهم على أساليب وأدوات محددة ومناسبة فى المقاومة.
• ضعف الوعى السياسى والنقابى للأهالى و إدراكهم لأبعاد قضية الأرض منذ بداياتها ، وانفراد كل عزبة بمشاكلها الخاصة ودعاواها القضائية .
• وجود مجموعات من السماسرة والبصاصين فى صفوفهم تفتت محاولات ترابطهم وتبث الفرقة بينهم وتشيع اليأس وتنقل أخبارهم لأجهزة الأمن ، وقد لاحظت لجنة التضامن الفلاحى ذلك فىبعض اللقاءات الأولى مع الفلاحين.
• ضعف قدرتهم على التمييز بين الراغبين فى دعمهم فعليا وبين المتاجرين بآلامهم ومشاكلهم.
• لجوء أعداد كبيرة منهم لممثلى الحزب الوطنى وجماعة الإخوان من المسئولين والسياسيين والبرلمانيين ولم يفيقوا من هذا الوهم إلا بالاحتكاك العملى باهظ التكلفة معهم، وبعد استهلاك وقتهم وجهدهم وأموالهم فى محاولات متكررة غير مثمرة لكسب دعمهم وتأييدهم ، فرجال الحزب الوطنى هم من أبرموا البروتوكول ، وبعض البرلمانيين لهم تاريخ أسود مع فلاحى عزبة حوض 13 المجاورة على مدى 40 سنة، والبعض الآخر لا تشغله هموم الفلاحين ولا قضاياهم لكونهم مشغولون بترتيب أوضاع جماعتهم فى أخونة الدولة والاستيلاء على المناصب الحساسة بها وفى مصالحهم الشخصية.
استرداد الأرض المغتصبة:
بعد إسقاط مبارك وأسرته والحلقة المحيطة به من المسئولين ورجال الأعمال فى 11 فبراير 2011 ، وفى الأيام القليلة التى تلت ذلك قام الفلاحون باسترداد الأرض المغتصبة والتى أجبروا على التنازل عنها لصالح جمعيات إسكان الشرطة والقضاة ، وشرعوا فى إعادة زراعتها . واستمر الوضع هكذا نظرا لحالة الانكسار التى عانت منها قوات الشرطة فى ثورة 25 يناير ولازمتها لفترة طويلة تتجاوز السنتين.
أ‌- الفلاحون والمرحلة الانتقالية الأولى:
شهدت هذة الفترة عدة أحداث هامة تعطى مؤشرات واضحة على ما ينتظر الفلاحين في الأيام التالية .. منها :
1- محاكمة عسكرية انتهت بالسجن لفلاحى عزبة حوض 13 :
فى 22 مارس 2011 باغتت قوات الشرطة العسكرية إحدى عزب المعمورة الشرقية (عزبة حوض 13) وقبضت على 4 من الأهالى ودبجت لهم محاكمة عسكرية عاجلة انتهت فى 48 ساعة بأحكام بالسجن لمدة 5 سنوات بدعوى اعتدائهم على أراض لا يحوزونها ومقاومة السلطات. وكانت لتلك الأرض – المتهمين بالاعتداء عليها- قصة أغرب من الخيال مختصرها أنهم كانوا منتفعين بها لفترة قصيرة أعقبت مباشرة عملية توزيعها من هيئة الإصلاح الزراعى شأنهم شأن بقية العزب المجاورة . إلا أنهم فوجئوا بإخطار شفهى بتغيير التوزيع بينما الحقيقة غير ذلك وأنهم مازالوا فى السجلات الرسمية حائزين لها .هذا وكان أحد أصحاب النفوذ فى المنطقة قد قام بدفع أقساط تمليك تلك الأرض لعدة عشرات من السنين كما قام خلالها بطريقته و بدعم وتواطؤ الأجهزة الرسمية.. ببيعها قطعة قطعة وهكذا حتى تخلص من معظمها وذلك تحت سمع و بصر الجمعية التعاونية الزراعية للإصلاح الزراعى ومسئولى الإصلاح الزراعى بشرق الإسكندرية وممثلى هيئة الأوقاف والمحافظة والإدارة الزراعية.
وقبل الثورة بأربع سنوات اكتشف الفلاحون ” الملعوب ” مصادفة وشرعوا فى الشكاية للأجهزة المختصة إلا أن أحدا لم ينصفهم . وفى أعقاب سقوط مبارك حاولوا الحصول عليها واستعادتها إلا إن الأمن كان لهم بالمرصاد فأحكم الخطة وإدخلهم السجن.
2-تجريدة وحشية على أهالى ومنازل عزبة النجارين :
من ناحية أخرى قامت قوات كبيرة من الشرطة المدعومة بقوات الجيش وعدد من المجنزرات والمصفحات والبولدوزرات ومعدات الهدم بالهجوم على عزبة النجارين فى السادسة من صباح يوم 5 إبريل 2012 وداهمت منازل الفلاحين وأيقظتهم من نومهم ( رجالا ونساء وأطفالا ) واقتادتهم خارجها مع أنابيب البوتاجاز وألقت بهم فى سياراتها ، ثم شرعت فى تقويض المنازل المقامة على مساحة 16 فدان وهدمها حتى سطح الأرض ، علما بأن المنازل كانت مرخصة ومقامة منذ 12 عاما .. بعدها تركتهم دون مأوى ودون إخطارهم بأسباب التجريدة.. وهكذا.

3-وقفة احتجاجية لأهالى عزبة النجارين واتفاق جزئى مع المحافظة:
فى اليوم التالى 6 إبريل 2012 احتشد الأهالى المضارون أمام ديوان المحافظة للاحتجاج على التنكيل بهم وتشريدهم بهذه الوحشية .
وفى اليوم الثالث 7 إبريل وبسبب ثورة الأهالى واحتجاجهم اضطر بعض أعضاء البرلمان من الإخوان للنزول على رغبة الأهالى وحضور اجتماع عقده المحافظ معهم وأسفر عن قرارين:
• وقف عمليات الإزالة الجارية للمنازل والتعديات على الأراضى
• وإرجاء تنفيذ كافة التصرفات القانونية فيما يتعلق بمساحة الـ100 فدان التى منحتها الأوقاف للمحافظة ضمن البروتوكول المبرم بينهما فى 31 / 1 / 2008 لحين مراجعة ملكية هذه الأراضى .
وقد اعتبر الفلاحون ذلك انتصارا لهم وهو ما دعا هيئة الأوقاف لرفع دعوى ضد القرار و بنظرها أصدر القضاء حكمه برفضها فى جلسة 9 / 2 / 2014 .

4-الأوقاف ولى ذراع المحافظة وإجراءات الالتفاف على الاتفاق:
واحتجاجا من الأوقاف على الاتفاق السابق وليا لذراع المحافظة قامت الهيئة بمطالبة المحافظ برد المبالغ التى دفعتها لها تنفيذا للبروتوكول وحيث عجز المحافظ عن ردها فقد اضطر المحافظ لإصدار قرار آخر باعتماد مشروع تقسيم لـ 16 فدانا من أراضى البروتوكول لصالح الأوقاف ونشره بالجريدة الرسمية .. وبذلك خرق الاتفاق الذى أبرمه مع الأهالى فى بحر فترة قصيرة.
5-موقف متشدد للأهالى ضد جماعة الإخوان:
ونظرا لإحساس الأهالى بتقاعس ممثلى الإخوان عن دعمهم بالمستوى الكافى احتشدت أعداد منهم من عزب ( العرب الكبرى والصغرى والهلالية والكوبانية والمنشية ورفعوا عددا من اللافتات المنددة بالجماعة منها: ( ممنوع دخول الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ريف المنتزة )، ( أعضاء مجلس الشعب والشورى باعوا قضايا الأهالى ) ,, وهو ما دعا أحد البرلمانين من أعضاء الجماعة للهرولة إلى مكان الاحتشاد وطالبهم بإزالة لافتات الاحتجاج.
6-محاولات الجماعة لاستعادة شعبيتها عن طريق مجلس الشورى:
ونظرا لإحساس الجماعة بتدهور شعبيتها اضطرت لعقد جلسة استماع لأهالى عزب المعمورة بمجلس الشورى تم التوصل فيها للتوصيات الآتية:
• رد الأرض موضوع النزاع لهيئة الإصلاح الزراعى.
• تمكين هيئة الإصلاح الزراعى من ممارسة عملها.
• إعادة الأراضى للفلاحين.
وبالطبع لم تكن هذه أكثر من توصيات لم تلتفت لها هيئة الأوقاف والمحافظة خصوصا بشأن البروتوكول ، وظل الوضع على ما هو عليه دون أى تقدم لصالح الفلاحين.
7- إلغاء البروتوكول بعد ثورة يناير ثم إعادة تفعيله فى عهد مرسى :

هذا وقد أفادت مكاتبات هيئة الأوقاف لفرعها بالإسكندرية بعد ثورة الأهالى لهدم منازل عزبة النجارين بإصدار القرار رقم 265 فى 15 إبريل 2012 بإلغاء البروتوكول المبرم بين الأوقاف والمحافظة ( فى الفترة الانتقالية الأولى ) ، ثم عادت بعد 6 شهور ( فى عهد محمد مرسى ) بإعادة تفعيله فى 17 أكتوبر 2012 بالقرار 270 وإلغاء القرار السابق بوقفه.
ماهو الغرض من استحواذ الأوقاف على أرض الإصلاح الزراعى..و الفلاحين..؟
ولماذا تصر جمعيات إسكان ضباط الشرطة والقضاة على اغتصابها من ملاكها..؟
من خلال الفترة التى عايشنا فيها مشاكل فلاحى المعمورة واطلاعنا على أحشائها وخباياها منذ عام 2008 لا يساورنا الآن أدنى شك فى اليقين التالى:
– أن هيئة الأوقاف وقبلها وزارة الأوقاف اعتادت منذ عهود الملكية على الارتزاق من الأراضى الموقوفة لأعمال الخير والبر بنوعيها العام والأهلى ؛ وهناك من بين مسئوليها وموظفيها من هم على استعداد لارتكاب أية حماقات فى سبيل ذلك وتدليلا على ما نقوله يمكن العودة إلى مذكرة النيابة العامة لشرق الإسكندرية المؤرخة 12 فبراير 2012 فى الدعوى رقم 1725 لسنة 2006 إدارى ثانى المنتزة بشأن الحجتين رقمى 67 لسنة 1915 ، 75 لسنة 1928 التى اتهمت فيها هيئة الأوقاف مقدمى الحجتين بالتزوير وانتهت النيابة بعد تحقيقات مطولة استمرت ست سنوات إلى رفض الاتهام وحفظ الشكوى التى قدمها وزير الأوقاف حمدى زقزوق الذى أبرم ( البروتوكول الفضيحة ) مع عادل لبيب محافظ الإسكندرية لاغتصاب أراض مملوكة لفلاحين بسطاء دفعوا كامل ثمنها.
-أن هيئة الأوقاف تعتبر الأوقاف( الأرض ) التى تحت رعايتها وإدارتها ملكية خاصة ليس للهيئة فحسب بل وللعاملين فيها.
-وأن قادتها والعاملين فيها يستكثرون على الفلاحين امتلاك هذه الأراضى التى انتقلت منها إلى هيئة الإصلاح الزراعى بالقانونين 152 / 1957 ، 44 / 1966 ، بل ويعتبرون أن الفلاحين قد حصلوا من هذه الأراضى على ما يزيد عما دفعوه ثمنا لامتلاكها ؛ ويرون أن قسط تمليكها السنوى الذى قرره قانون الإصلاح الزراعى هو بمثابة إيجار لها لا أكثر .. وحيث أنهم ( أى قادة الهيئة والعاملين بها) يعتبرون الأرض ملكا لهم أو للهيئة فقد قرروا طرد الفلاحين منها.
-أن إهدار المال العام هو السلوك اليومى للهيئة لدرجة استعدادها لبيع فدان الأرض الذى يتجاوز ثمنه المائة وعشرين مليونا من الجنيهات بمبلغ يقل عن عشر ثمنه ( 2500جم ) فى السوق كما حدث فى قرية تلبنت قيصر/ غربية عندما تم الإعلان عن ثمن فدان الأرض بـ 31 ألف جنيه لأن المتلمظين على الأرض كانوا من شلة الشناوى محافظ الغربية ( و أعضاء بمجلس الشعب والشورى )بينما ثمنه الفعلى اكثر من عشرة أضعاف المبلغ المعلن، وهى مستعدة لمخالفة القانون حتى لو كان ثمنه رقاب الفلاحين أو تشريد أطفالهم فى الطرقات ( والعودة لمكلفات أراضى الخديوى اسماعيل ومسجلاتها فى شرق الإسكندرية وإلى مقال حنان المصرى بجريدة الأهرام فى 10 مايو 2009 تفصح عن ذلك بجلاء شديد).
-استعداد الهيئة للتواطؤ مع أية جهة أو هيئة لتبديد المال العام والحصول على منافع شخصية من بيع ( استبدال ) هذه الأراضى مثل مقابل كتابة وتوقيع عقود وغيرها.
-أن الهيئة لا يهمها استثمار الأرض فيما خصصته لها الطبيعة وهى إنتاج الغذاء ، ولا يعنيها نهوض الاقتصاد المصرى والزراعة المصرية لأن ثقافتهم تجهل ذلك، ولا تشريد البشر الذين لولاهم لجعنا جميعا ، بل إن كل ما يثير لعابها ويحرك غرائزها هو .. كم من الفدادين تديرها ..؟ ، وكم من الأموال تدخل خزائنها .. وجيوب العاملين فيها.
-والهيئة كجزء من وزارة الأوقاف وربيبة لها وتعمل فى مجال الخير والبر وتتركز رسالتها فى الاهتمام باليتامى ومساعدة الأرامل والفقراء والمساكين وأبناء السبيل لكنها لا تعبأ بكل ذلك وتلقى به وراء ظهرها لأن ثقافتها بعيدة عن ذلك وهى تتعامل مع هؤلاء جميعا وخصوصا الفلاحين كشريك فيما يفترض أن يحصدوه من إنتاج هذه الأرض، وتعامل الفلاحين الفقراء كجابى ضرائب لا وظيفة له إلا جمع الأموال بأى شكل وطريقة والأمثلة على ذلك كثيرة :
• فترفع إيجار الأراضى التى تؤجرها للفلاحين كما هو ماثل أمامنا فى أراضى فاطمة هانم بنت الخديوى إسماعيل بمحافظة الدقهلية ( قرية منية سندوب ).
• وتساومهم – بروج التاجر- على إيجار أو ثمن أرض الكتلة السكنية كما هو حادث فى قرى مركز المنصورة والسنبلاوين ( البقلية ، والزمار، وشاوة ، وتلبانة ، وويش ، وميت الأكراد .. وغيرها) .
• بل وتحصل منهم على إيجار لأرض الكتلة السكنية التى تم دفع ثمنها مع ثمن الأرض الزراعية كما نصت على ذلك عقود تمليك أراضى الإصلاح الزراعى فى القرى الواقعة بين المحسمة / إسماعيلية والعباسة / شرقية ؛ والأمر الأدهى من كل ذلك أن أراضى المنطقة المذكورة جميعها أراضى إصلاح زراعى وليست أراضى أوقاف.
• أو اختلاق الأكاذيب لطرد الفلاحين من أراضيهم بالتعاون مع المحافظين واكتشاف النيابة لذلك وتصديها لتلك الادعاءات والتلافيق كما حدث مع فلاحى منشاة الأوقاف مركز طنطا ، وغيرها.
• أو المساعدة فى الاستيلاء على أراضى يدعون أنها بور أو لا تزرع كما حدث فى قرية تلبنت قيصر التابعة لقرية برما مركز طنطا عندما تم تصوير معسكرات للجيش وترويجها فى الصحافة باعتبارها الأراضى المقصودة بالبيع وأنها اراضى بور فى الوقت الذى كان إنتاجها من البطاطس يحتل المركز الأول على مستوى الجمهورية بل وتحصد جوائزها كل عام .

– إنه تاريخ ملطخ بالعار ، وبممارسات تنز أنانية وكرها للبشر؛ وتنكرا للوطن؛ وإهدارا لأمواله.
– وعلى الجانب الآخر فإن من تسميهم هيئة الأوقاف بـ ” المستبدلين ” أى المشترين للأرض التى تحت إدارتها مثل جمعيات إسكان الضباط والقضاة أو الشلل المحيطة بالمحافظين أومجموعات البيزنيس من أعضاء مجلس الشعب والشورى فلا تختلف كثيرا عن هيئة الأوقاف من حيث الوسائل المستخدمة والأهداف المستترة .
فمثلا قامت الجمعية التعاونية للبناء ” وليس للتجارة فى أراضى البناء ” لمباحث أمن الدولة بالإسكندرية بالحصول على ثمانية أفدنة ( 33606 متر مربع ) من أراضى فلاحى المعمورة الزراعية بعقد ملفق من هيئة الأوقاف بسعر المتر 2500 جنيه ثم باعتها للجمعية التعاونية للبترول بسعر المتر 7500 جم أى بثلاثة أضعاف ثمن شرائها.. وهو تجارة تتجاوز فى أرباحها أى استثمار فى مصر وربما فى أوربا.. فهل لا يعد ذلك إهدارا للمال العام بعيدا عن اغتصاب الأوقاف بدعم هؤلاء المستفيدين لأراض لا تمتلكها ..؟
– من جانب آخر تقوم الجمعية التعاونية للبناءبأمن الدولة – التى ألصقت فى اسمها كلمة تعاون – بالتخلص من مواجهة الفلاحين فى القضاء ومن المأزق الذى أوقعت نفسها فيه ببيع الأرض لطرف ثالث .. ولا نعرف على وجه الدقة أين هو ذلك التعاون الذى ألصقته باسمها .. وأين هو البناء الذى تقوم به بينما النشاط الحقيقى بعيد تماما عن ذلك الإسم المستعار.
إذن فالهدف المستتر من وراء إصرار تلك الجهات على شراء أرض فلاحى المعمورة هو التجارة فى الأراضى وتستلزم تلك التجارة استخدام نفوذها فى الحصول على الأراضى برخص التراب وتسقيعها والتربح منها ليس أكثر.
وبالمختصر المفيد يقوم هؤلاء الأشخاص الذين يشتغلون فى وزارة الداخلية- باسم ضباط أمن الدولة بأعمالهم المكتبية فى مجال الأمن- بالتخفى وراء تلك الجمعيات المتنكرة فى ثياب التعاون والبناء للعمل فى مجال تجارة الأراضى بما تحتاجه تلك التجارة من متطلبات أخرى نرجئ الحديث عنها الآن.
وقس على ذلك فى بقية الجمعيات والهيئات والأفراد والمشتغلين فى العلن فى وظائف لا تمت بصلة حقيقية لنشاطهم الفعلى.
فهل بعد كل ذلك يمكن أن نصدق أن هيئة الأوقاف المصرية تعمل فى مجال رعاية الأيتام والأرامل والفقراء والمساكين..؟ أم أن نشاطها الفعلى مركز فيما عرضناه فى الصفحات السابقة .. وهو السمسرة فى تجارة أراضى الأوقاف؟
وهل يمكن أن يكون القائمون على الجمعية التعاونية للبناء المشار إليها حريصين فعلا على أمن الدولة المصرية ..؟ ، وأى أمن يتحقق للدولة من التربح المخالف للقوانين والأعراف والأخلاق.. وأى دولة يبحث هؤلاء عن أمنها وعن حمايته..؟ بينما هم يصنعون المجرمين بأيديهم بتشريد المنتجين للغذاء وإلقائهم فى الشوارع لتزداد أعداد العاطلين ويتحولوا إلى رصيد دائم لجماعات العنف المسلح والإرهاب وجيوش البلطجة التى ما زلنا نعانى منها حتى الآن .. ناهيك عمن يضل طريقه منهم إلى أبناء عمومته فى إسرائيل للعيش فى كنفها ..؟!
لو عرف اسماعيل باشا خديوى مصر الأسبق بمصير ارضه التى خصصها لأعمال البر والخير لأرسل من قبره ليفك وقفها ويبعدها عن هيئة الأوقاف والمتشبثين بها من المستفيدين على حساب حياة فلاحين بائسين لا يطلبون من الدنيا إلا الستر لكنهم لا يجدونه.

26 يونيو 2014 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر

الحلقة القادمة: قراءة فى الملف القانونى لأراضى الفلاحين بالمعمورة بهيئتى الإصلاح الزراعى والأوقاف المصرية.

جمعية الأشراك الزراعية بالبحيرة تمتنع عن صرف تقاوى المحاصيل الصيفية للفلاحين .. ومديرها يشترط توقيعهم شيكات على بياض لصرف التقاوى ويساومهم على ترك أراضيهم .. لصالح ورثة أحد المتنفذين بالمنطقة

أفاد فلاحو منطقة الأشراك والعزب المجاورة لها بمحافظة البحيرة بامتناع جمعيتهم الزراعية عن صرف تقاوى القطن لهم بغرض إجبارهم على التنازل عن أراضيهم التى وزعتها عليهم هيئة الإصلاح الزراعى من عشرات السنين ودفعوا العديد من أقساط تمليكها.
وبدلا من القيام بعمله الذى يتقاضى عنه مرتبه يقوم مسعد محمد بهنسى مدير الجمعية الزراعية المذكورة التابعة لإدارة الرحمانية الزراعية باشتراط (توقيعهم شيكات على بياض) لصرف التقاوى ومساومتهم بشأن الأرض التى يدعى ورثة حسن خطاب شراءها عام 1973 من هيئة الأوقاف.
هذا وقد تجمع صباح اليوم عدد من الفلاحين وتوجهوا لوكيل وزارة الزراعة بدمنهور وعرضوا عليه الأمر فما كان منه إلا أن أمر بصرف التقاوى على الفور.
يذكر أن مدير الجمعية الزراعية لا يجرؤ على منع صرف التقاوى على مسئوليته الشخصية حيث يستقوى بمدير إدارة الرحمانية الزراعية أحمد ترابيس الذى ينحاز انحيازا كاملا لورثة حسن خطاب ويدعمهم فى كل صغيرة وكبيرة رغبة فى طرد الفلاحين من أراضيهم.
وكانت آخر العراقيل التى وضعها جهاز الرى المختص بالمنطقة هو منع حصول زمام القرى المتضررة ( الأشراك – أبو خراش- الخمسين – عزبة الأشراك ) على مياة الرى العذبة مما أدى للاستعاضة عنها بمياة الصرف الصحى التى تصيب الفلاحين بالفشل الكلوى حيث سبق أن توفى عشرون فلاحا منذ عامين متأثرين بهذا المرض ، وارتفع عددهم الآن لما يتجاوز الثلاثين فلاحا علاوة على انخفاض انتاجية الأرض وتدهور نوعية المحاصيل وحرمانهم من زراعة محصول الأرز وهو الزراعة الرئيسية لفلاحى البحيرة.
من ناحية أخرى يحمل الفلاحون استمارات البحث الاجتماعى التى تقرر بموجبها توزيع الأرض عليهم منذ ستينات القرن الماضى بل والكثير من إيصالات تسديد جزء من ثمنها لهيئة الإصلاح الزراعى، علاوة على حصولهم على شهادات عقارية من الشهر العقارى بالبحيرة تؤكد أن الأرض المشار إليها ما زالت مسجلة باسم الهيئة العامة للإصلاح الزاعى مما يقطع بكذب ادعاءات ورثة آل خطاب عن شرائهم لها من هيئة الأوقاف أو من غيرها .. ورغم ذلك قام آل خطاب مؤخرا برفع قضايا تطالب الفلاحين بريع الأرض لسنوات طويلة بموجب عقد الشراء المضروب المشار إليه ، وذلك للحصول على أحكام تمكنهم من الضغط على الفلاحين لترك الأرض وهو ما يساعدهم فيه مدير إدارة الرحمانية الزراعية أحمد ترابيس و مدير الجمعية مسعد بهنسى المنحازين لورثة خطاب.
لذلك عزم الفلاحون المتضررون على رفع دعوى تزوير ضد آل خطاب بشأن عقد شراء الأرض المزيف والذى يتم استخدامه فى رفع قضايا تطالب الفلاحين بريع الأرض لدفعهم دفعا للتنازل عنها وبذلك يتخلصون نهائيا من هذا النزاع الذى يتواطأ عليه ويسانده عدد من المسئولين بالمنطقة.

الثلاثاء 22 إبريل 2014 بشير صقر.. لجنة التضامن الفلاحى – مصر

فى مؤتمر الفلاحين الدولى السادس بإندونيسيا .. دور منظمة فيا كامبيسينا الدولية فى النضال الفلاحى بين الواقع والآمال

دور منظمة فيا كامبيسينا الدولية فى النضال الفلاحى بين الواقع والآمال
تمهيد :
دعيتُ لحضور المؤتمر الدولى السادس للفلاحين الذى عقد بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا فى الفترة من 3 – 12 يونيو 2013 ممثلا لـ ( لجنة التضامن الفلاحى – مصر… Peasant Solidarity Committee – Egypt )، وكان للفترة التى قضيتها مختلطا بالكثير من أعضاء الوفود ( من أكثر من 70 دولة ) ومن الشعب الإندونيسى مشاركا فى الحوار ؛ وللرحلة التى قمنا بها فى آخر أيام المؤتمر إلى إحدى المناطق الفلاحية بدعوة من إتحاد الفلاحين الإندونيسى أثرهما فى التوصل لعدد من التقديرات والانطباعات عن أوضاع المنظمة الدولية التى تضاعف عددها منذ عام 2007- إبان عقد أول مؤتمر دولى للفلاحين فى سيلينجى بجمهورية مالى بغرب إفريقية – وتتواجد فى أرجاء متعددة من المعمورة .
وكعادة اللجنة لا تذهب لمثل هذه المنتديات إلا بالكثير من الأفكار والمقترحات وتشارك فى معظم الأحوال بالحوار حول القضايا المشتركة بين فلاحى العالم ( شماله وجنوبه ) خصوصا ما يتعلق منها القضايا الفلاحية المصرية ؛ علاوة على كلمة مكتوبة مترجمة ( للإنجليزية والفرنسية والإسبانية ) تتضمن أهم القضايا والمشكلات التى ترى اللجنة أنها تحظى بأهمية بالغة مثل قضية التضامن الفلاحى الدولى وكيفية ترجمته لخطوات عملية ؛ وكذا الأمور التى يجب أن تقوم بها المنظمات الفلاحية الدولية لدعم فلاحى البلدان النامية والمتخلفة خصوصا وأن فلاحيها يشاركون- ضمنيا- فلاحى الشمال فى المعركة الدائرة مع الشركات العولمية – العاملة فى مجال إنتاج وتسويق مستلزمات الزراعة – باعتبارها معركة واحدة لا معركتين.
وبسبب رغبتنا فى أن تؤدى منظمة فيا كامبيسينا La Via Campesina ( L.V.C ) دورها بشكل كُفء مستجيب للتطورات الجارية فى كثير من مجتمعات العالم خصوصا المنطقة العربية التى شملتها عديد من الانتفاضات الشعبية اعتبارا من يناير 2011 رأينا أن نبدى ملاحظاتنا النقدية على بعض وقائع المؤتمر وتنظيمه وعلى المسار الذى تتخذه فيا كامبيسينا فى صلته بتوجهها الأساسى الذى تعرفنا عليه فى المؤتمرات السابقة التى شاركنا فيها فى برشلونة عام 2005 ؛ ومالى 2007 آملين أن يظل صدر قادتها متسعا لنا قدر اتساع امتداداتها وتأثيرها .
كما تهمنا الإشارة إلى الكثير من إيجابيات المؤتمر والفوائد التى تحققت والإشادة بعدد من العناصر الشابة الجديدة التى تشارك فى قيادة منظمة فيا كامبيسينا وخصوصا من نسميهم بالجنود المجهولة التى تحملت الجزء الأكبر من المهام فى صمت وبعيدا عن الأضواء.
تعريف بهوية منظمة فيا كامبيسينا ( L.V.C ) ودورها:
الترجمة العربية لاسم المنظمة الأسبانى ( La Via Campesina ) هى ” طريق الفلاح ” ، وقد تأسست فى بدايات تسعينات القرن العشرين كإطار شعبى يضم العديد من منظمات الفلاحين المحلية وجمعيات التنمية والمراكز الحقوقية العاملة فى المجال الفلاحى، والأغلبية الساحقة من عضويتها من الفلاحين الفقراء والصغار فى بلادهم .
هذا وانطلقت مبادرة تأسيسها من القارة الأوربية واتسعت عضويتها من المنظمات الفلاحية المحلية لتغطى كل قارات العالم الست؛ وهو ما يعنى أن نشأتها تالية لنشأة المنظمات المحلية أولا من واقع التاريخ وثانيا من حيث الدور الذى تلعبه كإطار ضام ومنظم للجان ومنظمات الفلاحين فى هذه المجتمعات.
وتعتبر فيا كامبيسينا ومنظمة كونفيدرالية الفلاحين الفرنسية ( إتحاد الفلاحين الفرنسيين ) أهم وأقوى المنظمات الدولية -ذات الدور العالمى – لفقراء وصغار الفلاحين ولكل منهما- حتى الآن- دوره المميز والفعال فى الدفاع عن حقوق وحريات الفلاحين ومناهضة العولمة المتوحشة.
المهام المنبثقة من طبيعة بناء فيا كامبيسينا :
وفى رأينا أنه استنادا إلى كونها إطارا ضاما للجان والمنظمات والجمعيات والمراكز الحقوقية المحلية العاملة فى المجال الفلاحى تتولد تلقائيا لـفيا كامبيسينا ( L.V.C) المهام المحددة التالية :
أولا : التعرف الدقيق والمتبادل على كل الأفكار والآراء التى يبديها المشاركون فى المؤتمر بالذات من المنظمات المحلية بتوفير الترجمة الفورية من وإلى لغات أخرى بجانب الإنجليزية والفرنسية والأسبانية ، والتنسيق بين أنشطة أعضائها من المنظمات المحلية.
ثانيا : بلورة المطالب والاحتياجات الأساسية للمنظمات المحلية التى تلعب دورا فى تحديد الأهداف العامة ومن ثم السياسات المناسبة لتطوير الأوضاع الفلاحية والزراعية على النطاق المحلى والدولى.
ثالثا : وباعتبارها – كمنظمة – معبرة بشكل عام عن الفلاحين المنضمين لعضويتها بل والمناصرين لها والمتعاطفين معها فإنها تضع الشعارات والمطالب والتوصيات والمقترحات المناسبة لما تنادى هى وينادى الفلاحون به بشأن قضايا أخرى تتصل بها كالتضامن الفلاحى الدولى والتنوع البيولوجى والتوازن البيئى والاحتباس الحرارى التى تؤثر على سكان العالم وأحيائه المتنوعة.. هذا من ناحية .
رابعا : ومن ناحية أخرى تلعب دورها فى ممارسة الضغوط على المنظمات الدولية والحكومات المحلية التى تطبق سياسات وقوانين وتتخذ إجراءات معادية لحقوق الفلاحين وحرياتهم الأساسية وتضامنهم الدولى تخالف العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.. بل ومواجهتها إن تطلبت الظروف ذلك ؛ مثل منظمة الأغذية والزراعة ( فاو F.A.o ) التابعة للأمم المتحدة والتى تتشكل بالأساس من ممثلى الحكومات المحلية فى المجال الزراعى ( وزراء الزراعة ) وتعبر بشكل عملى عن السياسات المتعسفة التى تتبعها حكوماتهم فى هذا المجال ؛ وهى أقرب فى وضعها لمؤسسة دولية مشابهة فى منطقتنا هى جامعة الدول العربية . ولأن منظمة فيا كامبيسينا – بناء على ما ذكرناه – تلعب دورا سياسيا بالأساس وليس مجرد دور تنسيقى أو تنظيمى أو مهنى فى صفوف المنظمات الفلاحية المحلية ؛ وتتعامل مع عدد من أخطر القضايا التى تؤرق الفلاحين وسكان العالم فى الشمال والجنوب لا بد أن ينعكس ذلك على المشروعات والخطط والبرامج التى تقترحها بل وعلى الأفكار والسياسات التى يعتنقها قادتها والأشخاص المؤثرون فى اتخاذ قراراتها والمسئولون عن تسيير دفة العمل بها خصوصا الذى يتماس مع المنظمات المحلية. ولا ننسى أن المؤتمر الدولى الأول للفلاحين الذى انعقد بمالى عام 2007 كان شعاره ( الهيمنة الفلاحية على الغذاء Food Sovereignty -) وهو شعار لا يقتصر فقط على التصدى للمجاعة التى تغطى مساحات شاسعة من سكان العالم .. ولا على سد الفجوة الغذائية فى عدد من المجتمعات المحلية بقدر ما يعنى أن يكون للفلاحين حيثية ودور واستقلالية فى السيطرة على غذائهم ومصادره وهو شعار سياسى صرف.
بنية فيا كامبيسينا .. وعلاقتها بالآلية والأدوات والفعالية :
إن الدور الضام ( التنظيمى ) لـ ( L.V.C ) الذى يحكم بنيتها وطبيعة عملها يُحتم أن تكون المرونة والاستجابة السريعة للأحداث المتنوعة هى أهم السمات التى تُميزها بل يجب أن تكون جزءا من طبيعة بنائها وليس مجرد صفة من صفاتها :
-بمعنى أن الاستجابة السريعة للأحداث المستجدة تتمثل فى فورية الاتصالات وقوة الصلات بينها وبين المنظمات المحلية .
-كما تعنى السيولة البالغة فى سريان المعلومات المتعلقة بالأحداث المحلية الخاصة والدولية وتطوراتها.
-وسرعة إعداد المقترحات والبدائل العملية الواجب اتخاذها بشأن تلك الأحداث .. والترجمة الدقيقة لها فى التطبيق.
-والإعلام الفورى واسع الانتشار شرط أن يكون مبسطا ومفهوما.
-ومن ثم فى ملاءمة الضغوط التى تمارسها الهيئات القارية والمركزية لفيا كامبيسينا وتوقيتها للوصول إلى نتائج بعينها بشأن تلك الأحداث.
تحول المنظمة الفتية إلى مؤسسة كبرى .. ومخاطره :
وبتعاظم خبرة فيا كامبيسينا منذ الفترة المنقضية من تأسيسها حتى الآن يصبح من الضرورى أن تكون آليتها وأدواتها ووسائل اتصالها قادرة على ضخ تلك الخبرة بأشكال متعددة وبشكل متواصل للمنظمات المحلية وكذا تحديثها.
-ومع تسليمنا بأن كل المنظمات المحلية – الأعضاء – مستقلة فى اتخاذ قراراتها وليست فروعا لمنظمة فيا كامبيسينا ؛ وبالتالى فمسئولية الأخيرة عنها ليست مسئولية مباشرة أو عضوية بقدر ما هى مسئولية أدبية فى غالب الأحوال ؛ فإن تشابك العلاقة والأهداف المشتركة بينهما توجب تواجد تأثير كل منهما لدى الآخر بشكل دائم ومستمر لا انقطاع فيه .. أى لا يجب أن تكون الصلة بينهما (بشأن تبادل الأخبار والمشورة والخبرات) مقتصرة على المؤتمرات الدورية بل على التواصل الشهرى أو اليومى إبان الأحداث الكبرى والمفاجئة.
-وللحقيقة فإن كثيرا من الهيئات (سياسية ونقابية وشعبية) – ما لم تتحلى باليقظة الدائمة- فإنها تتعرض بمرور الزمن لأخطار متعددة أولها البيروقراطية والترهل بسبب :
* انتقالها من طور الهيئة الفتية الديناميكية إلى طور المؤسسة الكبرى متعددة المهام مترامية الفروع والأطراف.
* و تزايد تقسيم العمل وتجزيئه ، ولا يمكن الرد على ذلك بأن وسائل الاتصال تطورت كثيرا عما كانت عليه ؛ لأننا لا نتحدث عن التكنولوجيا بل عن طورين من أطوار نمو المنظمة وعن آثار كل منهما على المنطق الذى يحكم المنظمة والعقلية التى تسودها وعن تشعب المهام وتعقيدها؛ وهو ما يعنى الاحتياج الدائم لدفة شديدة اليقظة.
*ونتيجة لأسباب أخرى متنوعة منها محصلة الإيجابيات والسلبيات ( أى محصلة الانتصارات التى تحرزها والخسائر التى تتكبدها ) فى المعارك التى تخوضها وآثارها المعنوية على مسارها.
* ومنها ضعف قدرتها على التمسك بثوابتها التى تأسست عليها وكافحت من أجلها سنوات أو تنازلها أمام مؤسسات دولية تعتبر خصوما لها وتتخذ خطا معاكسا لأهدافها وهكذا.
* ومع تزايد الخبرة التى تجعل حجم الرأس كبيرا فإن البيروقراطية تجعل أطراف الجسم قاصرة عن حمل الرأس المتضخم ومن ثم تكون فريسة أسهل للترهل.
*علاوة على أنَّ تَضاعُف العضوية خلال المدة من عام 2007 إلى عام 2013 يجعل الحفاظ على المرونة فى الاتصال والسيولة فى تبادل المعلومات مع المنظمات المحلية عبئا حقيقيا وعاملا قويا فى خفض وإضعاف لياقتها التى كانت تتحلى بها فى سنوات النشأة الأولى. ولا يمكن اتخاذ فترات النشاط الاستثنائية – كالإعداد للمؤتمرات الدولية أو الاجتماعات الهامة التى لا تتكرر كثيرا – مقياسا للحكم على لياقة المنظمة فالمقياس يجب أن يكون عاما وشاملا يقوم على القاعدة وليس الاستثناء.
مثالان لانخفاض الحساسية السياسية واللياقة التنظيمية:
-ومن ناحية أخرى فانخفاض اللياقة يعنى ضعف أو بطء الاستجابة والحساسية للأحداث السياسية ؛ وهو ما استشعرناه إزاء الأحداث الثورية التى غطت 6 بلدان عربية ( تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا والبحرين ) فلم نتلق اتصالا واحدا يستفسر عن الأوضاع فى مصر وتأثيرها على مشاركة شعبها وفلاحيها فيها وعلى مدى استفادتهم منها ؛ ولا نعتقد حدوث ذلك مع أى من البلدان العربية الأخرى.
– وهو نفس ما جرى فى مؤتمر جاكرتا بإندونيسيا حيث لم يبادر مسئول واحد بالاستفسار عما حدث فى مصر. وهذا ما نقصده بالحساسية السياسية وباللياقة التنظيمية لمنظمة فيا كامبيسينا بعيدا عن قيام أو عدم قيام المصريين المشاركين فى المؤتمر الأخير بالحديث عن أحداث الثورة المصرية .. فالمبادرة يجب أن تأتى من المنظمة الكبيرة التى تمثل ( راعيا لفلاحى العالم ) إن جاز التشبيه.. خصوصا وأن مصر هى الدولة الوحيدة التى جرت بها انتفاضة ثورية من دون بلاد كل المشاركين فى المؤتمر ، وللمصادفة فإن انتفاضة هائلة ثانية اندلعت بعد أسبوعين من انتهاء أعمال مؤتمر جاكرتا( فى 30 يونيو ) .
– واقعة أخرى تتعلق بموضوع الحساسية السياسية واللياقة التنظيمية للمنظمة تمثلت فى لقاءين منفصلين عُقِدا فى الأيام الأولى للمؤتمر أولهما بينى وبين أحد المسئولين الأسبان فى المنظمة وزميل آخر مغربى بشأن توثيق العلاقات داخل المنظمة بين أوربا ( أسبانيا ) وبين شمال إفريقيا ( مصر والمغرب) وكان المسئول الأسبانى هو الذى طرح الموضوع. والثانى بينى وبين أحد المشاركين من فلسطين الذى بادر قائلا أن المنظمة مهتمة بالتواجد الفعال فى مصر وفلسطين. وفى الاجتماع الثالث الذى دعا له المسئول الأسبانى وضمه مع ممثلين عن المغرب وفلسطين ومصر لمناقشة الموضوع أكد المسئول الأسبانى فى حديثه على أهمية منح المنظمة عضويتها لأحد الوفود العربية الثلاثة وطلب منا إبداء رأينا.
وفى ردى ذكرت : أن الأولوية من وجهة نظر المنظمة ربما تختلف عنها من وجهة نظرنا ؛ ودللت على ذلك قائلا أن فلسطين حالة استثنائية وذات أهمية خاصة كما هو معروف ؛ بينما مصر هى المفتاح الأهم لمجتمعات المنطقة العربية وأن نهوض النشاط الشعبى والفلاحى بها يؤثران بشدة فى تلك المجتمعات المحيطة ؛ بينما المغرب هى المدخل المناسب الوحيد والأهم لغرب إفريقية ومجتمعاته الأشد فقرا فى القارة ومن ثم الأكثر احتياجا لنهوض فلاحيها.. وعليه أرى تساوى الحالات الثلاث فى الأولوية.
الجدير بالذكر أنه بمجرد سماع المشاركين الأوربيين للرد تم فض الاجتماع بشكل مفاجئ بدعوى إرجائه ليوم آخر؛ إلا أنه للأسف لم ينعقد ؛وتصورنا أنه قد تم صرف النظر عن الموضوع ؛ لكننا فوجئنا فى اليوم الأخير للمؤتمر بالإعلان عن إعطاء العضوية للوفد الفلسطينى؛ ورغم أننا لم نكن ضد القرار بل رحبنا به إلا أن الملابسات التى أحاطت بمناقشة الموضوع واعتذار المسئول الأسبانى عنها فيما بعد تطرح أسئلة متعددة تتعلق بوجود مشكلة حقيقية تتصل بالحساسية السياسية واللياقة التنظيمية للمنظمة فضلا عن الأساليب المتبعة فى الحوار الداخلى وهو ما يؤكد ملاحظاتنا فى هذا الشأن.
رحلة اليوم الأخير لمنطقة فلاحية وظهور مثير للفاو والشرطة ووزارة الزراعة الإندونيسية:
فى اليوم قبل الأخير للمؤتمر تم الإعلان بشكل مقتضب عن القيام برحلة للوفود المشاركة إلى منطقة فلاحية للتعرف على نشاط اتحاد الفلاحين الإندونيسى ( S.P.I) العضو بفيا كامبيسينا وعلى الفلاحين والمحاصيل المزروعة، ولأن اقتضاب الإعلان عنها لم يتح الفرصة لمعرفة تفاصيلها .. كهوية المدعوين إليها وطبيعة المؤتمر المزمع عقده والوقت الذى يستغرقه والزمن الذى يحتاجه الطريق وتأثيره على عودة المشاركين لأوطانهم إلخ.. فقد فوجئنا بالآتى:
1.أن الرحلة استغرقت 13,5 ساعة ( 4,5 ساعة ذهابا من الفندق ، 6,5 ساعة عودة لمطار جاكرتا + 2,5 ساعة زمن المؤتمر ) ، علاوة على 17 ساعة تستغرقها رحلة الرجوع للوطن ( منها 12,5 ساعة طيران وانتظار + 4,5 ساعة ترانزيت ) بمجموع 30,5 ساعة . هذا لمن يسافر للشرق الأوسط أما العائدون للبرازيل مثلا فتمتد رحلتهم إلى 37,5 ساعة.
2.أن المدعوين كانوا ممثلين لمنظمة الأغذية والزراعة ( فاو )، ووزارة الزراعة الإندونيسية علاوة على اتحاد الفلاحين الإندونيسى ( S.P.I) والمشاركين من فيا كامبيسينا.
3.أن الاحتفالية (أى المؤتمر ) شملت عرضا لبعض الأغانى والأناشيد الإندونيسية لشباب وفتيات من اتحاد الفلاحين الإندونيسى ، وعددا من الكلمات ألقاها ممثلو الفاو ووزارة الزراعة واتحاد الفلاحين فضلا عن ممثل فلسطين وممثل فيا كامبيسينا. هذا ولم تجر أية مداخلات لا من الأعضاء ولا من فلاحي المنطقة الإندونيسيين؛ كذلك فإن أغلبية الحضور كانوا من الضيوف والمدعوين بينما جمهور القرية كان الأقلية.
4.ولأنى لم أجلس فى السرادق- كما هى عادتى- بل كنت أتجول بين الحاضرين أحصى أعدادهم وأتابع انطباعاتهم من تعبيرات الوجوه وردود الأفعال وأتحدث مع بعض شباب وفتيات القرية ممن يعرفون الإنجليزية فقد لاحظت أن الفلاحين لم يجلسوا إلا فى الصفوف الخلفية وجزء منهم ظل واقفا بينما كبار السن منهم فضلوا الجلوس على الأرض خارج السرادق. إلا أن ما أثار ضيقى أن الفلاحين كانوا بعيدين تماما عن الاستجابة أو الاهتمام بما يقال وكان اهتمام بعضهم منصبا على تأمل المشهد دون تفاعل معه، كذلك فقد كانت نظرات الكثيرين منهم زائغة وتشملها حالة من الاغتراب رغم أنهم فى قريتهم وهى حالة ندركها جيدا نحن مواطنو البلدان النامية.
5.من جانب آخر كان التواجد الأمنى فى القرية كثيفا ويتجاوز دور الحراسة المعتاد على طول الطريق أو لدى محطة الوصول أو عند المغادرة وربما كان ذلك التواجد سببا من أسباب عزوف الفلاحين عن الاهتمام أو التفاعل مع ما يدور فى الاحتفالية فالشرطة فى هذه المجتمعات تعنى الدولة وتعنى التذكير بدورها المعهود تجاه الفقراء . وأعتقد أنه كان ينبغى تخفيف ذلك التواجد إلى حده الأدنى و قصره على الطريق دون دخول القرية أو استبداله بشباب من اتحاد الفلاحين.
منظمتا الفاو وفيا كامبيسينا وجها لوجه .. مجرد مصادفة أم مؤشر لمسارات جديدة ..؟!
من جانب ثالث كان الحديث فى الاحتفالية عن تعاون منظمة فيا كامبيسينا ومنظمة الأغذية والزراعة ( فاو ) مفاجأة لى بكل المقاييس ؛ فالفاو تنظيم دولى حكومى يضم وزراء الزراعة فى حكومات الدول الأعضاء بها التى تلتزم بسياسات إفقار الفلاحين ؛ وهى بحكم أهدافها وتكوينها تتعاون بأشكال مختلفة مع العديد من المؤسسات المالية الدولية سيئة السمعة ( كالبنك الدولى وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية ) كما تتعامل مع الشركات العولمية العاملة فى مجال إنتاج وتسويق مستلزمات الزراعة ( بذور ، أسمدة إلخ ..) وهذه المؤسسات وتلك الشركات تمثلان رأس الرمح لليبرالية الجديدة المتوحشة ؛ بينما منظمة فيا كامبيسينا تكتل فلاحى يشكل- موضوعيا- راعيا لفلاحى العالم ويمثل – عمليا- قطبا مواجها للفاو وهى تلتزم بمقاومة السياسات التى تنتهجها هذه الدول وتلك المؤسسات المالية والشركات العولمية ضد الفلاحين.
-إننا نتفهم أن تضم احتفالات رسمية أخرى ممثلين عن وزارة الزراعة الإندونيسية مع فلاحين بسطاء – يعانون من سياساتها المجحفة – لأسباب اضطرارية .. لكن لا يمكن أن نستوعب أن يجمع احتفال شعبى كالذى حضرناه ممثلين لاتحاد الفلاحين الإندونيسى – الداعى للاحتفالية – مع ممثلى وزارة الزراعة ومنظمة الفاو خصوصا فى وجود هيئة فلاحية دولية مثل فيا كامبيسينا لها تاريخها ومبادئها وثوابتها وسياساتها المناوئة لسياسات الحكومات المحلية وسياسة الفاو ويدور الحديث فى الاحتفالية حول تعاون مشترك فى مجال الزراعة والفلاحين. ومن هنا كان مأخذنا على فيا كامبيسينا وعلى اتحاد الفلاحين الإندونيسى العضو بها، وكانت ملاحظاتنا عما انتاب منظمة الفلاحين الدولية من ضعف الحساسية السياسية واللياقة التنظيمية والتى تشكل خطرا واضحا على المنظمة لم نعهده منذ ست سنوات على الأقل قبل أن تتحول من منظمة عَفيّة ديناميكية إلى مؤسسة كبيرة مترامية الأطراف .. بالذات بعد اضطلاعها باهتمامات وأنشطة أخرى فى مجالات المرأة والشباب حيث أقامت احتفاليتين لهما بجاكرتا قبيل عقد مؤتمر الفلاحين بساعات.
-ولأن التعرف على هوية أية منظمة فى العالم تدافع عن فقراء وصغار المواطنين لا يتأتى من مجرد قراءة لوائحها وأدبياتها حتى ولو أجمع الكثيرون على صحتها ؛ بل بالتيقن المباشر من سلوكها العملى ومدى اقترابه أو ابتعاده عن أفكارها النظرية ومقولاتها السياسية ؛ الأمر الذى لمسناه – على سبيل المثال – من المواقف العملية لقادة منظمات أخرى مثل كونفيدرالية الفلاحين الفرنسية ؛ التى ظلت تطارد – لفترة ليست قصيرة – رموز وممثلى العولمة المتوحشة أينما ذهبوا ولم يكن يمر عليها عام دون أن يكون هؤلاء القادة ضيوفا على مراكز الشرطة والمحاكم والسجون؛ لذلك فإن الاحتفالية المذكورة وتركيبتها وما ألقى فيها من كلمات وأحاط بها من ملابسات يدفعنا للتوجس والقلق .
خاتمة : إن أحد الأدوار المهمة التى تضطلع بها فيا كامبيسينا هى استشراف المخاطر التى تهدد الفلاحين والتنبؤ بها ولفت النظر إليها والتحذير منها ومن مصادرها وممثليها ؛ واقتراح أساليب مواجهتها على المنظمات المحلية التى منها عدم خلط الأوراق مع مصادر الخطر؛ وأن تبادر كراعية لفقراء وصغار الفلاحين فى العالم بممارسة دورها السياسى والإعلامى المفترض.. وليس التماس مع خصومها السياسيين أو التعاون معهم فى أعمال مشتركة حتى ولو كانت احتفالية ، وهى كمنظمة ضامّة تملك معلومات شتى عن مختلف الهيئات والمؤسسات والشركات الدولية والمنظمات الفلاحية المحلية بمستوى يؤهلها لتكوين رؤية شاملة عن أوضاع الفلاحين فى كل مجتمع والمخاطر المحدقة بهم وعدم ترك العمل يسير بشكل تلقائى اعتمادا على تاريخها الكفاحى الإيجابى أو استنادا لدواعى استقلال المنظمات المحلية؛ و بقدر ما نعقد آمالا كبارا على أهم أشكال التضامن الفلاحى العالمى متمثلا فى فيا كامبيسينا بقدر ما نوجه لها من نقد ونسعى للفت نظرها لتقويمه لأننا تعلمنا على مقاعد الدراسة من عشرات السنين أن ” صديقك من صدَقك لا من صدَّقَك”.
الإثنين 4 نوفمبر 2013 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر

من الجمعية الزراعية بشبراخيت .. لمكتب خبراء وزارة العدل بدمنهور .. يا قلبى لا تحزن

حيل وألاعيب قانونية ضد فلاحى شبراخيت بحيرة
لطردهم من أراضيهم وحرمانهم من حصص الأسمدة

أفاد عدد من فلاحى قرى شبراخيت بمحافظة البحيرة بامتناع مسئولى الجمعية الزراعية بقرية الأشراك البلد بامتناعها عن صرف حصص الأسمدة المقررة للمحاصيل الشتوية وهو ما تكرر كثيرا خلال الأعوام الأخيرة ، مما اضطر الفلاحين للتجمهر حول الجمعية احتجاجا على ذلك ، وعلى ما يبدو أن الأسمدة المقررة أصبحت تظهر على الفور عندما يردد الفلاحون كلمة السر التى تعرفوا عليها من تعاملهم مع موظفى الجمعية الزراعية وهىالاحتشاد بأعداد غفيرة حول مقر الجمعية.
حدث ذلك فى بداية هذا الأسبوع ، وما أن انتهى الفلاحون من موضوع الأسمدة حتى تفجرت مشكلة أخرى مع عدد منهم يزرعون أرض الإصلاح الزراعى ؛ تمثلت فى وصول خطابات رسمية لهم من مكتب خبراء وزارة العدل بعاصمة المحافظة ( دمنهور) لاستدعائهم للحضور لمقر مكتب الخبراء
اليوم 26 نوفمبر 2013 لمناقشتهم بشأن أراضيهم ومطابقتها على المساحات التى صادرها قانون الإصلاح الزراعى فى منتصف القرن الماضى والتأكد من صحة أقوال الفلاحين بحصولهم عليها كمنتفعين من هيئة الإصلاح الزراعى بعد بحث حالتهم الاجتماعية .
يذكر أن ورثة حسن خطاب يدعون شراء الأرض من هيئة الأوقاف ويرفعون الدعاوى القضائية ضد الفلاحين بينما الحقيقة أن الأرض مسجلة فى الشهر العقارى باسم هيئة الإصلاح الزراعى حتى الآن وهو ما يعنى أن الأوقاف لا تملكها وبالتالى لا تستطيع بيعها.. ولذلك حاولوا استخدام العنف المسلح فى اغتصابها وفشلوا.
ومؤخرا لجأ الورثة المشار إليهم لبعض الحيل القانونية وذلك برفع قضايا تطالب الفلاحين بريع ( إيجار )الأرض واستخدامها فى مساومتهم للتنازل عن الأرض .
من ضمن هذه الحيل هو استدعاء الفلاحين رسميا للحضور لمكتب الخبراء فى يوم محدد وعندما يحضر الفلاحون يكون الخبير ( أحمد الغرباوى ) فى طريقه إلى القرية لمعاينة الأرض فى وجود الورثة أو محاميهم (فريد ..) والمشرف الزراعى المختص ( شعبان محمد البياضى ) وفى غيبة الفلاحين يتم الانتهاء من المعاينة الشكلية.
واليوم كان موعد فلاحى جمعية الأشراك فى مكتب خبراء البحيرة بدمنهور ؛ ولأنهم حضروا منذ الثامنة صباحا وظلوا ينتظرون الخبير المختص حتى العاشرة فوجئوا عند السؤال عنه بأنه ذهب إلى القرية ( على بعد 23 كيلو متر من مقر مكتب الخبراء) ففهموا أنهم وقعوا فى الفخ فثاروا فى وجه رئيس الخبراء وذكروا له أن هذه الألاعيب يفهمونها جيدا ولن يتركوها تمر .
ونظرا لثورتهم استدعى مكتب الخبراء شرطة النجدة التى استطلعت الأمر وتأكدت من دقة ادعاءات الفلاحين وصدقها؛ فتم استدعاء الخبير أحمد الغرباوى من القرية تليفونيا دون معاينة الأرض فى غيبة الفلاحين.
وحيث حضر الخبير على عجل تم تحديد يوم الأحد 9 ديسمبر 2013 كموعد جديد لمناقشة الخبير للفلاحين فى تفاصيل القضية.. وهكذا دافع الفلاحون عن أرضهم و فوتوا الفرصة على الورثة ومن يدعمونهم فى اغتصابها.

الثلاثاء 26 نوفمبر 2013 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر

بيـــــــان .. بشان التقرير الموازى لتقرير الدولة عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب المصرى والمقدم للجنة الأمم المتحدة المعنية بتلك الحقوق

تعلن لجنة التضامن الفلاحى- مصر عن رفضها الكامل للتقرير الموازى المعد بواسطة عدد من منظمات المجتمع المدنى المصرية والموجه للجنة الأمم المتحدة المعنية بتلك الحقوق بجنيف .. ردا على تقرير الدولة المصرية فى هذا الشأن الصادر عام 2010 وذلك للأسباب التالية:
1- إسقاط التقرير الموازى لجملة التقديرات ووجهات النظر التى تضمنها رد اللجنة على تقرير الدولة بشأن قضايا الفلاحين والزراعة ؛ والأمن الغذائى ؛ والإسكان الريفى .
2- قيام المسئولين عن صياغة التقرير الموازى بترجمته قبل عرض مسودته النهائية على المشاركين – فى إعداد الأوراق والموضوعات التى تشكل مجمل عناصر التقرير الموازى – وموافقتهم عليها.
3- تضمين التقرير عددا من الرؤى المغلوطة ( لمنظمة هيومان رايتس ووتش صـ 2 ) بشأن الأحداث التى جرت فى مصر فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 والتى تخرج عن سياق التقرير من حيث:
• المدى الزمنى الذى صدر تقرير الدولة المصرية بصدده.
• وإعطاء انطباع بموافقة – أو عدم ممانعة – التقرير الموازى على تلك الرؤى.
هذا وتناشد لجنة التضامن الفلاحى الهيئة القائمة على صياغة التقرير الموازى وترجمته وهى ( المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ) بضرورة التوقف عن إصدار التقرير بهذه الكيفية والصياغة أو تحمل مسئولية إصداره هى ومن يوافق على صياغته الراهنة خصوصا وأن وجهات نظر لجنة التضامن وتقديراتها فى القضايا الثلاث المذكورة لم تختصر أو صيغت صياغة خاطئة أو غير دقيقة بل أسقطت تماما وهو ما يشى إما بالغفلة التامة أو بالتعمد.

لجنة التضامن الفلاحى – مصر
www.tadamon.katib.org
basheersakr2012@gmail.com

استيعاب المضللين من أعضاء جماعة الإخوان .. الوهم الأشد خطرا على مسيرة إعادة البناء ؛ والدولة المدنية الديموقراطية

بديلا عن التقديم :

أسئلة يتوجّب الإجابة عنها :
• هل يمكن التسوية بين المخاطر القائمة للدولة الإخوانية وبين التوجسات المحتملة لهيمنة الجيش..؟
• فى الصراع الراهن .. لمن كان يجب أن يميل الشعب ؟ للجماعة والدولة الدينية .. أم للتخلص منهما؟
• هل كان من العقل والمنطق الثورى أن يرفض شعب أعزل الدعم فى مواجهة تنظيم دينى مسلح .. يلغى هوية مصر ويدمر الدولة .. ويؤبد الاستبداد ويفرّط فى تراب الوطن؟ وما هى النتائج المتوقعة لو بقى الجيش فى مقاعد المتفرجين ( المحايدين ) إبان الأزمة الأخيرة ؟
• أيهما أدق فى تلخيص المشهد الحالى؟
( انقسام الشعب إلى مؤيد للإخوان ومناصر للجيش..؟) أم ( رفض الإخوان لموقف الشعب الثائر عليهم بينما موقف الجيش هو الانحياز للشعب ..؟ )
• لماذا أثارت ثورة 30 يونيو 2013 حفيظة الغرب الأمريكى والأوربى بينما لقيت ثورة 25 يناير 2011 تأييده..؟
• لماذا لم تدافع الولايات المتحدة الأمريكية عن مبارك ونظامه مثلما استماتت فى الإبقاء على مرسى وجماعته فى الوقت الذى اتخذ مبارك ومرسى موقفا متقاربا من إسرائيل ومنها ومن حقوق الشعب وحرياته الأساسية ؟
• هل هناك فارق بين ( رفض البعض لدعم الجيش للشعب فى 30 يونيو) وبين ( تأييد الإخوان فى الصراع الراهن .. أو ترجيح كفتهم فيه )..؟
• وهل الترحيب بموقف الجيش من ثورة 30 يونيو يعنى تأييد الحكم العسكرى ..؟
• هل يمكن أن يتغير موقف الشعب الحالى من الجيش إذا ما حنث الأخير بوعوده التى قطعها على نفسه على الملأ بعدم رغبته فى الحكم وعزوفه عن التورط فى العملية السياسية ..؟ أم أن الأمر قد قُضى وانتهى ..؟
• إذا كانت مرحلة حكم الإخوان ( يونيو 2012 – يونيو 2013 ) قد دفعت عشرات الملايين للثورة عليه .. فكيف أصبح الموقف منذ 4 يوليو 2013 وحتى الآن ..؟ هل أكد ذلك صحة شعار المصالحة أم رفع شعار التطهير واجتثاث شأفتهم من الجذور ..؟
• ماالذى تحقق من أهداف ثورة 25 يناير ، 30 يونيو حتى الآن..؟ وهل هناك حائط صد أخير متمثل فى حالة الجوع التى يعانى منها نصف الشعب تؤهله للتصدى لأى حاكم يتولى أمر البلاد ولا يكون أمينا على أهداف الثورة..؟ أم سيقنع الشعب بما يقال له تبريرا أو تفسيراً لحالة الجوع ويربط على بطنه حجرا إذا ما بقى الحال على ما هو عليه..؟
لا يمكن لعاقل يجيب بأمانة عن تلك الأسئلة أن يتخذ موقفا يسوّى بين المخاطر الراهنة للدولة الإخوانية وبين التوجسات المحتملة لهيمنة الجيش على المجتمع والدولة فى مصر ؛ بالرغم من كل الأوجاع والمآخذ على الفترة الانتقالية الأولى ( من 12 فبراير 2011 وحتى 30 يونيو 2012 ). والموقف الذى كان يجب اتخاذه ممن يسوون بينهما يتمثل فى تمييز موقف الجيش بل وتثمينه مع اتخاذ الإجراءات العملية الكفيلة بوضع وعوده- برفض الانخراط فى السياسة – موضع التطبيق.
ولذلك فإن شعار ” المصالحة ” الذى تفتق عنه ذهن البعض قد أثار ريبا وشكوكا كثيرة وجدلا واسعا فى صفوف الشعب والنخب السياسية والثقافية وهو ما أدى بهم لضرورة تضييقه ليتجنب الهجوم الواسع عليه .. وقصره على ” من لم تتلوث أيديهم بدماء الشعب “.

أحداث العنف التالية لعزل مرسى وشعار المصالحة:
لكن أحداث العنف التى أعقبت عزل مرسى وبدأت منذ 8 يوليو 2013 أمام دار الحرس الجمهورى وفى سيناء والمنيل وبين السرايات ثم ببنى سويف والمنيا وأسيوط والغربية وما تجلى بعدها على مستوى أوسع فى رابعة العدوية وميدان نهضة مصر ورفح ورمسيس وكرداسة والجيزة والوراق والإسكندرية وحلوان دفع لتضييق الشعار أكثر فأكثر عما آل إليه بعد النقاشات الجماهيرية والنخبوية الواسعة ؛ حيث لم ترتفع الأصوات فقط بالتضييق على جماعة الإخوان بل باتخاذ إجراءات عملية لحلها ، والتأكيد والإصرار على رفض تأسيس الأحزاب السياسية على أسس دينية وهو ما يتجاوز دائرة الجماعة إلى كل فصائل الإسلام السياسى.
*ورغم أن كثيرا من المراقبين يرون أن شعار المصالحة لم يكن هدفه إشراك الإسلاميين والفلول فى العمل السياسى واتقاء شرهم أو” تطييب ” خاطرهم بمحاصصة الحكم بقدر ما كانت مراميه البعيدة تشير إلى السعى لمنع تجذر الثورة وانخراط قطاعات شعبية أوسع فيها ووقف تحقيق أهدافها حتى لا تمس مصالح علية القوم وكبار رجال الأعمال والمستثمرين وغيرهم ، وتقطع الطريق على بناء دولة مدنية ديموقراطية حقيقية .
فالإسلاميون مُرحّبٌ بهم طالما لا يقودون الدولة والمجتمع ؛ بل هم فى كثير من الأوقات مطلوبون لكبح جماح الشعب وإنهاك القوى السياسية الأخرى ووقف تجذر الثورة وحصر المعارضة فى تنظيماتهم لأنهم فى ذلك الوضع لن يستهدفوا سوى اقتسام الغنائم كما كان الحال فى عهد مبارك.
*وقد أعطى موقف الغرب الأمريكى والأوربى للأزمة الراهنة بعدا آخر بالغ الأهمية .. حيث تتكشف كل يوم وقائع جديدة عن مرامى وخطط إعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط مما دفع الشعب المصرى لمزيد من رفض المعونات الغربية والأمريكية بشكل خاص والمطالبة بتعديل تحالفات مصر لتصير أكثر توازنا مع شعوب العالم ودوله ؛ وعمّق من حالة الكراهية للولايات المتحدة وجماعة الإخوان معا فضلا عن تركيا وقطر وأثار قدرا واضحا من الغضب ضد حلفائهما فى الأزمة السورية بل وقدرا من التعاطف مع بشار الأسد خصوصا بعد الإعلان عن نية العدوان العسكرى على سوريا .

الشيطان لا يكمن دائما فى التفاصيل :

لقد دق شعار ” المصالحة ” الذى انطلق عكس سياق الأحداث التى تلت مساء 3 يوليو – ناقوس الخطر مبكرا ؛ وربما أفسد فرحة الكثيرين التى دشنتها إزاحة الجماعة من الحكم وبدلا من إحلال شعار التطهير – المتوقع – محله تم التركيز على ما يسمى بـ ” من تلوثت أيديهم بدماء الشعب ” والاستماتة فى إبراز حسن النية تجاه من تمت تسميتهم ” بالمضللين من شباب وأعضاء الجماعة ” والتأكيد على ضرورة استيعابهم فى العملية السياسية .. كما لو أن بقية الثمانين مليونا من الشعب لا أهمية لانخراطهم فى العملية السياسية وكما لو أن هناك فرمانا سريا بضرورة إشراك هؤلاء ” المضللين ” فى عملية المصالحة كشرط لاستئناف النشاط السياسى والحياة الطبيعية.
*لقد أهمل أصحاب تلك الصيحات المريبة ما حدث فى ألمانيا فى أعقاب حكم النازى لها حيث تم استئصال الغالبية الساحقة من حزب هتلر من الحياة السياسية الذى كان أوسع تأثيرا وأكثر عددا من جماعة الإخوان.
*وإعمالا للحكمة المريبة ” الشيطان يكمن فى التفاصيل ” صار التعتيم على تعبير ” المضللين من أعضاء الجماعة ” والعبور فوقه سريعا هو وسيلة التعامل مع الجماهير بشأنه دون التطرق لمن هم هؤلاء ” المضللون” وما هو دورهم فى الأحداث وكيفية تجنيدهم ؛ ولا بحدود الصلة التى تربطهم بالجماعة ,كذا نوعياتهم وفئاتهم الاجتماعية حتى يتفهم الناس لم يجب استيعابهم والمصالحة معهم ولم كل هذا الحرص الموجه لهم بينما امتلأت الميادين بالملايين ممن كانوا مستعدين لكل أشكال العطاء للوطن ودون تكلفة وبلا مقابل..؟!
*وللحقيقة فإن مثل هذا التعامل فضلا عن غرابته وريبته كان يسعى- عفوا أو قصدا- لإخفاء مخاطر هؤلاء ” المضللين ” على واقع الحال وعلى مستقبل الحياة السياسية المصرية.
*ولأننا نرى أن الشيطان- على عكس الحكمة المريبة – لا يكمن دائما فى التفاصيل ؛ بل نعرف أن كثيرا من التفاصيل توضح الرؤية وتكتشف جذور الحالة التى نحن بصددها وتتوصل إلى مآلها ؛ وتشير إلى نتائجها وآثارها ؛ فقد وجبت علينا مناقشة مقولة المضللين من شباب وأعضاء الجماعة .. فى صلتها بمقولة ” من تلوثت أيديهم بدماء الشعب ” فى السطور التالية :
تشكلت الحشود التى تجمعت فى عدد من ميادين القاهرة من عدة أقسام هى :
1- غالبية من الفقراء والمعدمين محدودى التعليم والثقافة والوعى.. جزءكبير منهم من أنصار الجماعة وبقيتهم من أعضائها.
2- مستفيدون من عضويتهم بالجماعة اقتصاديا واجتماعيا ، وهاربون من قسوة الحياة المتمثلة فى مفرمة النظام الحاكم وهو نظام رأسمالى متخلف وتابع لقوى دولية خارجية وهو الذى يحكم مصر من أربعين عاما .
3- عناصر تشكل القسم الأكثر تعلما ممن سبقت الإشارة إليهم ومعظمهم يعتنق ويتمسك بإصرار بأفكار حسن البنا وسيد قطب وابن تيمية وأبى الأعلى المودودى وغيرهم الخاصة بتكفير المجتمع وضرورة اعتزاله وتغييره والسعى لتحقيق حلم الخلافة مستخدما فى سبيل ذلك العمل الدعوى والاجتماعى والمسلح.
4- عناصر من تنظيم الكشافة والتنظيم الخاص ( السرى المسلح ) وربما قلائل من الجهاديين العرب.
5- كذلك تضم الحشود العديد من المأجورين سواء لزيادة أعداد المعتصمين معظمهم من الفقراء والمحتاجين أو من البلطجية والخارجين على القانون وأرباب السوابق الجنائية وهؤلاء يستخدمون فى عمليات القتال والحرق والترويع والاعتداء على الأفراد والمنشآت.
هذا وإذا ما استثنينا القسم الرابع والخامس من تلك الحشود والجزء الأعظم من القسم الثالث باعتبارهم يدركون ما يفعلون أو يرتزقون فإن بقيتها تتركز فى القسمين الأول والثانى وهما من أعضاء الجماعة وأنصارها ويشكلون الجزء الأغلب من الحشود أو ما اصطلح على تسميتهم بالمضللين .
ونظراً لمحدودية أو انعدام تعليم القسم الأول فإن مخاطبة عقولهم تصطدم بذلك المستوى المتدنى من التعليم والثقافة علاوة على تجنبهم لأية مناقشات أو حوارات تتعلق بوضع الجماعة وأفكارها وممارساتها بسبب خوفهم البالغ من نتائج الحوار فضلا عما يمثله مبدأ السمع والطاعة – الذى يحكم وضعهم داخل الجماعة – من حرمانهم من نعمة إعمال العقل والتفكير ، وبالتالى فلا إمكانية لتغيير قناعاتهم دون انخراطهم فى آلية اجتماعية اقتصادية ثقافية فعالة لفترة ليست قصيرة من الزمن. بينما القسم الثانى – الذى لا يختلف كثيرا عن الأول – فله مصالح مباشرة مع الجماعة خصوصا من حيث العمل والدخل الذى يربطهم بقوة بمسار ومصير الجماعة ؛ ويرتبط تغييرهم بنفس الآلية الاجتماعية الاقتصادية الثقافية التى تعيد تعديل وضعهم وإن كان ذلك بدرجة أقل منه فى القسم السابق .. هذا عن تكوين أقسام الحشود.
أما عن الدور الوظيفى لتلك الأقسام فنلخصها فيما يلى :
*القسم الرابع يمثل الجيش الإخوانى المسلح واحتياطيه ( الكشافة ) ، ويدعمه جزء من المأجورين فى القسم الخامس.
*أما القسم الثالث فيلعب دور الدعاية سواء داخل الحشود أو خارجها ، وربما تكون لبعض أفراده مهام أخرى شديدة الأهمية إدارية أو لوجستيكية أو تقنية أو فى جهاز الاتصال.
*ويبقى للقسمين الأول والثانى ” المضللين ” المهام التالية داخل الحشود والتظاهرات وخارجها وفى عمليات الاعتداء على المنشآت وبعض العمليات التى لا تتخذ الطابع العسكرى :
1- التغطية بالأجساد على المسلحين والقادة وحمايتهم وذلك بتشكيل ستار جماهيرى يعوق مهمة أجهزة الأمن فى انتقاء المسلحين واستهدافهم ، وبدونهم يمكن اصطياد المسلحين والقادة بسهولة طالما ظلوا فى مكان بعينه ، فخمسون مسلحا داخل حشد من خمسين ألفا يمكنهم من الاستمرار فى المواجهة عدة أيام وبدونهم لا يستغرق الأمر أكثر من ساعات معدودة.
2- وهؤلاء ” المضللون ” يجبرون قوات الأمن على التوزع على عدة أحياء فى المدينة أو عدة مدن فى المحافظة ومن ثم يطول أمد المواجهات.
3-كما أنهم يسهلون إمكانية انتقال الحشود المسلحة أو أجزاء منها وكذا القناصة من مكان لآخر دون احتياطات أمنية مشددة ومن ثم تغيير تاكتيك المواجهة بمرونة.
4- ويعطون الإيحاء بكبر حجم الحشود خصوصا فى حالة الحركة من مكان لآخر؛ وقد كان ذلك من أهم الوظائف الإعلامية ” للمضللين ” فى فترة ما بعد 3 يوليو 2013 .
5- كما يساهمون فى إشاعة المسئولية ( أى توسيع نطاقها ) عن أعمال القتل والتدمير والحرق والتخريب التى ترتكبها العناصر المختصة بذلك داخل الحشود مما يُضْعف أو يبدد إمكانية التوصل إلى تحديد القائمين بها .
6- وهم باستمرارهم داخل الحشود المسلحة يكتسبون الخبرة والتدريب على أعمال شتى منها إسعاف الجرحى والإغاثة ، وإخفاء الأسلحة والمعدات والمراقبة ، والتعذيب والتحقيق مع المخطوفين والمقبوض عليهم ومعاقبتهم ، ومخاطبة الإعلام والتصوير ، وجلب الذخائر والتمويه وتهريب القادة وإطلاق الشائعات .. وغيرها من متطلبات هذه الأنشطة.. إلخ .
7- وحتى بعد انتهاء المعارك يشكلون ” خميرة ” لاستئناف النشاط فيما بعد ، ويشكلون رديفا للعناصر المسلحة .. ويقومون بمهامهم فى حالة نقص الصفوف أو وقوع خسائر.. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى كيف يمكن الجزم بكونهم ما زالوا مضللين إذا ما استمروا فى الحشود شهورا أو سنين خصوصا وأن الحشد فى بدايته لا يصبح هو نفسه فى نهايته ؛ أيضا أعضاء الحشود لا يظلون هم أنفسهم نفس الأشخاص بعد خوض المعارك ؛ فالحشود ميدان للتدريب أيضا على الهجوم والدفاع والكر والفر والقنص والخطف والتحقيق والمراقبة والتعذيب وتخريب المنشآات ويتلقى أعضاؤها المبتدئون دروسا فى مختلف أنواع الأنشطة دعوية وعسكرية وإعلامية وأمنية.
وهم – أى ” المضللون ” – باجتيازهم تلك الدورات التدريبية – التلقائية والقصدية – يمكنهم تضليل الكثيرين من حسنى النية الذين مازالوا يصفونهم بالمضللين؛ علاوة على أن أغلبيتهم الساحقة لا يتخلون عما فى رءوسهم بسهولة- فهم فى نظر أنفسهم ( مبعوثو العناية الإلهية ) لإنقاذ البشرية من حالة الجاهلية التى تعيشها – وبالتالى فإن تغييرهم يتطلب عمليات طويلة شاقة من التثقيف والتنوير وبدون اقتناعهم بأنهم كانوا مضللين ودون استعدادهم للمشاركة السياسية على أسس جديدة غير قواعد الإسلام السياسى التى تعلموها داخل التنظيم أو بالقرب منه.. لا يمكن القطع بإمكانية علاجهم.

هل من تلوثت أيديهم بدماء الشعب فقط هم غير المضللين..؟ :
كيف تثبت جريمة قتل مواطن فى مولد أو احتفال شعبى ..؟ أو إحراق منشأة فى مظاهرة أو اغتيال جندى بعملية قنص ..؟ وكيف يمكن إدانة المتهم قضائيا إذا ما كانت دلائل تحديد القاتل أو من قام بالحرق محدودة ..؟ أو كانت القوانين قاصرة عن ذلك ..؟
وبمعنى آخر كيف تدين رئيسا تسبب فى قتل الآلاف واغتيال المئات إذا ما غابت قوانين المحاكمة السياسية عن تلك الجرائم..؟ وكيف تحاكمه على تجويع شعب وتحويل الملايين إلى مهنة البلطجة بفعل إفساد التعليم وندرة فرص العمل وانسداد أبواب الرزق مادام الدستور والقوانين لا تنص صراحة على ذلك ..؟ وطالما كان إثبات تلك التهم مسألة نسبية واجتهادية فكيف تميز بين مَنْ قتل ومن حرّض ومن جمع المعلومات الممهدة لذلك ..؟
إن من يتم وصفهم بالمضللين هم فى كثير من الحالات قتلة أو محرضين أو جامعى معلومات أو مشاركين فى كل ذلك أو بعضه ؛ ولآ يمكن إثبات دورهم وإدانتهم بالقضاء الطبيعى ، ولنا فيمن حصلوا على البراءة من قتل شهداء 25 يناير وعلى رأسهم قادة وزارة داخلية العادلى مثال حى.

خلاصة القول أن عقيدة أعضاء التنظيمات السياسية الدينية فى كل بلاد العالم أشبه بالعقد النفسية لا يمكن الشفاء منها فى معظم الأحيان دون عملية تحول اجتماعى اقتصادى ثقافى واسعة النطاق طويلة الأمد مرتفقة بمتابعات طبية فعالة ؛ ونتائجها ليست مضمونة أو أبدية فالكثير منها ينتكس كما حدث مع الكثيرين من أعضاء تنظيمى الجهاد والجماعة الإسلامية فى الفترة ما بين نشاطها الإجرامى من أواسط التسعينات وحتى30 يونيو 2013.
وعليه فمن نسميهم بالمضللين هم المحور الرئيسى لدعم وحماية واستمرار جملة الأنشطة الدعوية والإجرائية والعنيفة التى تمارسها تنظيماتهم ، رغم كونهم فى كثير من الحالات وقود تلك المعارك وبدونهم لا يمكن توسيع رقعة العضوية ولا استمرار تلك التنظيمات فى نشاطها الهدام لذلك فهم الأشد خطرا والقول بإمكانية استيعابهم وتغييرهم ليست سوى وهْم يصل بأصحابه فى كثير من الأحوال إلى مستوى الجرائم وهو ما يعنى أن صفة المضللين لا تنطبق إلا عليهم وليس على معظم من نعتوهم بهذه الصفة.

الجمعة 30 أغسطس 2013 بشير صقر

لو افترضنا جدلا .. قيام الجيش بانقلاب عسكرى

تقديم :
على ما يبدو أن اللغط الدائر حول توصيف ما حدث فى الفترة (30 يونيو – 3 يوليو 2013 ) على أنه ثورة أو انقلاب عسكرى قد تسرب بعض آثاره من دوائر النخب إلى دوائر اتخاذ القرار متخذا شكلا مختلفا؛ بدت مؤشراته على استحياء فى رواج عدد من الشائعات منها ما يتعلق بخلافات بين رئيس الجمهورية والدكتور البرادعى ووزير الدفاع ؛ وحالة من الصمت غير مفهومة أعقبت عملية التفويض فى مكافحة الإرهاب؛ وبرود نسبى فى الحالة الثورية بالشارع؛ وصعوبة وارتباك فى متابعة ما يحدث فى سيناء، وتردد بشأن الاتفاق على وسيلة لصرف تجمعات الاعتصامات الجماهيرية لفصائل جماعة الإخوان والإسلاميين فى القاهرة والجيزة ؛ ورحلات مكوكية مكثفة لممثلى السياسة الخارجية الأمريكية والأوربية والإفريقية لا نسمع عنها سوى الاطمئنان على صحة الرئيس المعزول؛ وهمس تعقبه تصريحات مسموعة .. وتسريبات للصحافة تتلوها انتقادات ؛ ولقاءات تليفزيونية لمسئولين لتفسير إجراءات لم تتخذ وتصريحات لم تفهم كما أريد لها عن المصالحة والمحاسبة .. وتفنيد لشائعات تتعلق بتهديد بالاستقالة لم يحدث ..
باختصار هناك توجسات شتى مما هو قادم، وتلميحات أكثر منها تصريحات عن تحفزات من فلول الوطنى أو استعدادات خفية؛ وإحساس تتسع دوائره بأننا مقدمون على نسخة جديدة لمرحلة 25 يناير الانتقالية.
من المسئول عن هذا وكيف نفسره ؟ وبم نعالجه أو نوقفه وننقى الأجواء من شوائبه ؟ هذا هو المطلوب.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
افتراض لسيناريو كان محتملا:
لو افترضنا جدلا.. أن الجيش المصرى قام فى 25 يونيو 2013 بمحاصرة ديوان الرئاسة وقبض على الرئيس وعزله من منصبه؛ واعتقل عدة مئات من قيادات جماعة الإخوان وتحفظ عليهم ؛ وأصدر بيانا يفسر دواعى هذه الإجراءات وآفاقها ويرصد مجموعة من المخاطر الداهمة على الوطن فى مقدمتها جملة من الجرائم والممارسات التى اقترفتها جماعة الإخوان منذ 30 يونيو 2012 منها قتل الجنود فى رفح واختطاف آخرين وتحويل سيناء إلى مستوطنة لجماعات الإرهاب الدولى وتأكيد على وجود وثائق وتسجيلات صوتية لاتفاقات سياسية تضر بأمن الوطن مع جهات أجنبية وأخرى اقتصادية بشأن قناة السويس.. علاوة على ما جرى من انقسام حاد فى المجتمع وسعى حثيث لتدمير بنية الدولة وانهيار لسمعتها وتقطيع لصلاتها وعلاقاتها الدولية والإقليمية بفعل فاعل ، لينتهى البيان بقرار بتعطيل الدستور فورا ووقف التظاهر بعد 24 ساعة من إصدار البيان ، وخطة عاجلة بتشكيل لجنة لوضع دستور جديد لدولة مدنية ديموقراطية تخلو من أحزاب وجمعيات تقوم على أسس دينية و طائفية و عرقية وتمنع وجود أو تأسيس ميليشيات عسكرية أو مسلحة مع إعداد قانون جديد للانتخابات البرلمانية والرئاسية والشروع فيهما فور إقرار الدستور الجديد.
*لو أن ذلك حدث قبل 30 يونيو فماذا كنا نتوقع كرد فعل من جماهير الشعب المصرى ..؟
أعتقد أننا كنا سنشاهد أعدادا هائلة من الجماهير لا تقل عما كانت فى الميادين إبان ثورة 25 يناير 2011 تُمجّد الجيش وتندد بالجماعة والرئيس المعزول وتهتف بسقوط حكم المرشد .
وبناء على هذا الافتراض كيف كانت النخب السياسية ستتعامل مع هذا الوضع الجديد.. بعد أن وجدت نفسها أمام ( إنقلاب عسكرى صريح وتعطيل للدستور وعزل للرئيس وحظر للتجول ومنع للتظاهر والاحتجاج، فضلا عن خطة محددة تتعلق بدستور جديد لدولة مدنية وتجريم لاستخدام الدين والتشكيلات المسلحة فى السياسة، ودبابات ومصفحات وجنود تجوب الشوارع؛ وطائرات تزأر فى السماء، وأغان وطنية فى أجهزة الإعلام ) ..؟
رد فعل النخب السياسية :
*لا نعتقد أن الأغلبية الساحقة من هذه النخب كانت سترفض ذلك التغيير الذى تم بالمصفحات حتى ولو تحفظت صراحة أو ضمنا على الطريقة التى جرى بها ؛ أى أنها ستؤيد نتائجه رغم أنها لم تسْعَ إليه وتتحفظ على طريقته ، بل ولا نعتقد أن هذه الأغلبية كانت ستمتنع عن رفع أكفها نحو السماء شاكرة هذه الهدية التى لم تكن تحلم بها ؛ وستدرك ساعتها أن السماء يمكن أن تمطر ذهبا وفضة ؛ وأن الحدأة قد تقذف – من الهواء – بالكتاكيت إلى الأرض، وأن الأمثلة الشعبية التى تقول بعكس ذلك لم تكن على صواب.. أولم تكن على صواب دائم.
*وإذا ما شرع الجيش فى تنفيذ وعوده التى أعلنها فى بيانه الأول فما هو موقف أفراد النخب السياسية من ليبراليين وناصريين ويساريين وغيرهم من كل ذلك..؟
*وسؤال آخر: هل كان الإخوان وحلفاؤهم يتجاسرون على الخروج من بيوتهم محتجين ؟ ولهذا التساؤل أكثر من بُعْد منها أن رد فعل الجماعة يتوقف على السياق الذى تدور فيه الأحداث ؛ فسياق السماح بالتظاهر والاحتجاج يختلف عن سياق تجريمهما ليس بقانون بل بانقلاب عسكرى ، ورد فعلها فى وجود قادتها فى الشوارع يختلف عنه فى حالة مطاردتهم ويختلف أكثر فى حالة اعتقالهم ، كذلك فرد فعلها فى حالة استمرار دعمها من الخارج يختلف عنه فى حالة التخلى عنها أو تجاهلها.
دور ميزان القوى الاجتماعية والسياسية أو المعادلة المجتمعية فى التعامل مع اللحظة الآنية:
*ولأنه فى ممارسة السياسة ينطلق الناس من المعطيات التى على الأرض أى من الأوضاع القائمة بالفعل فمن المنطقى أن يبدأوا فى العمل على صياغة الدستور والقوانين المكملة و المفسرة له وبناء الدولة المدنية الديموقراطية ، ولا يستغرقون فى تفسير ما حدث أوْ لا يكتفون بمشاهدته .
*وإذا ما توقفنا لحظات – لمعرفة سبب قيام الجيش بما قام به فى مواجهة حكم الجماعة فى الحالة الافتراضية التى نحن بصددها- ثم نستأنف السير؛ لعرفنا أنه يدرك أن موازين القوى لم تكن تسمح للشعب بمواجهة ناجحة مع جماعة مسلحة ومدعومة سياسيا ومعنويا وماليا بقوى أجنبية وبحلفاء محليين أكثر عددا وتخلفا وهمجية ؛ وأن الانتظار لوقت إضافى كان يعنى تحول الصراع إلى اقتتال أهلى لا تُعرَف نتائجُه على وجه اليقين أو حتى بشكل تقريبى.
* ومن وجهة نظر الجيش لمَ كان سينتظر.. إذا ما أفادت بل وقطَعت كل المعلومات المتوفرة لديه بهذا المسار وتلك النتائج؟ ؛ أو لماذا يترك الأمور لتتفاقم حتى تصير السيطرة أمرا صعبا..؟ بينما فى إمكانه أن يضرب ضربة استباقية تعفيه من تلك المهمة الثقيلة ومن مثل هذه التداعيات المؤكدة وليست المحتملة بينما فى الإمكان إعفاء الدولة والشعب من مصير مجهول إذا فضّل الانتظار وأفلت زمام الوضع من يديه ؟
*وهذا يقودنا مرة أخرى للتأكيد على أن ميزان القوى فى المجتمع المصرى يشير إلى عدم قدرة الشعب على تولى زمام الأمور بنفسه فى هذه اللحظة، وأن ما ينقص الشعب من أسلحة – تتمثل فى مستوى أعلى من الوعى والتنظيم – موجود لدى طرف آخر من أطراف المعادلة وهو الجيش.
* إن معادلة المجتمع المصرى أو ميزان القوى الاجتماعية والسياسية يُكَلّفُ – فى اللحظة المحددة – أطرافَ المعادلة بأداورهم بشكل تلقائى ؛ بمعنى أنه فى هذه الحالة يقوم الجيش بانقلابه لأن جملة التقديرات التى توصل إليها فى تلك اللحظة – ومن ثم وزنه فى المعادلة – يدفعه للتصرف بهذه الطريقة.
*وبمعنى آخر فإن تخليه عن تقديره الذى كان يدفعه للتدخل فى اللحظة السابقة- يوم 25 يونيو- وتفضيله الانتظار حتى يوم 30 يونيو قد غيّر وزنه فى المعادلة ومن ثم أدى إلى النتيجة التى تمخضت عنها الأحداث.
*خلاصة القول أن هناك تقديران للموقف لم يتشكلا فى لحظة واحدة وإنما فى لحظتين مختلفتين؛ الأول هو التقدير الذى افترضناه وكان يرى قيام الجيش بالضربة الاستباقية فى 25 يونيو وهو ما يمثل ترجمة لميزان القوى فى تلك اللحظة ، والثانى هو الانتظار حتى 30 يونيو حيث يحتشد الشعب ويعلن موقفه ويفرض الانتخابات المبكرة أو يصر على تخلى الرئيس عن الحكم ليأتى بعدها الجيش ليتصرف بالطريقة التى يراها مناسبة فى الحالتين (حالة الاستجابة وحالة رفض رغبة الشعب) وهو ما يعنى أيضا ترجمة لميزان القوى فى لحظة أخرى.
*وبالعودة لتساؤلنا عن رد فعل النخب إزاء الوضع الجديد الذى افترضناه نرى أن الاستجابة لصياغة دستور جديد يركز على الدولة المدنية الديموقراطية العلمانية بفصل الدين عن السياسة؛ ويجرم تأسيس الأحزاب الدينية والطائفية والعرقية والميليشيات العسكرية؛ ويلبى جملة الحقوق والحريات الأساسية للشعب استنادا للمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان؛ ويُعْلى من قيم العلم والمواطنة وعدم التمييز ويستعيد جملة الأسس التى قامت عليها الحضارة المصرية القديمة؛ ويمنع الانفراد بالرأى وبالحكم؛ ويستعيد حقوق الشهداء والمُضحّين فى سبيل الشعب والوطن والعلم والتسامح ، وإبقاء دور الجيش مقتصرا على مهمته فى الدفاع عن أمن المجتمع والوطن، ثم الشروع فى مناقشة الدستور مع الشعب لإقراره؛ وقبله فى تشكيل اللجنة التأسيسية المكلفة بصياغته.. ذلك هو الأدعى للانخراط فى العملية السياسية ( أى فى الكفاح ) وليس الاستغراق فى اللغط الدائر حول تفسير ما افترضنا حدوثه فى 25 يونيو 2013 أو ما حدث على الأرض فعلا فى الفترة ما بين 30 يونيو و 3 يولية 2013 ؛ لأن تبديد الوقت والجهد و بالتالى نشر الارتباك والإحباط لا يشكل إلا خَصْما من حساب الشعب وإضافة لحساب أعدائه على الصعيد المحلى والإقليمى والدولى.
هل ما حدث فى30 يونيو حصيلة اتفاق بين الجيش ومجموعة تمرد..؟ :
*ولأنه لا يوجد كفاح يقتصر على تفسير الأحداث أياً كان حجمها أو كانت آثارها بل ينبنى ذلك الكفاح فى جانب منه على ذلك التفسير لكنه فى جوانب أخرى يفرض علينا البدء من المعطيات التى فرضتها الأحداث وتلك هى الروح العملية التى تدفعنا – عادة- إلى الأمام لتعويض ما تبدد من وقت وجهد وما بُذِل من عرق ودماء .
*لهذا السبب سنمد الخط على استقامته بشأن ما حدث فى 30 يونيو2013 ونقول : لو اعتبرنا ما حدث قد تم باتفاق بين الجيش ومجموعة تمرد بدءا من فكرة جمع التوقيعات على العرائض وحتى عقد الاجتماع الأول بشأن خارطة المستقبل ، بل لو اعتمدنا التفسير القائل بأن ما حدث فى 30 يونيو انقلابا عسكريا كما أراد له البعض أن يكون.. لكننا فى نفس الوقت وجدنا أنفسنا بين ما لا يقل عن عشرين مليون مواطن احتشدوا فى معظم محافظات مصر رافضين لحكم الجماعة كما ذكرت وسائل الإعلام الدولية .. فما هو الموقف المطلوب منا اتخاذه ..؟
*هل هو الانطلاق من هذا المعطى الذى فرض نفسه على العالم وعلينا ؛ ثم التقدم إلى الأمام ؟ أم الاستغراق فى عملية تفسيره أو تأويله؟ وهل علينا تمهيد الطريق الوعر الذى سنسلكه أم نتركه لآخرين يمسكون العصا من المنتصف أو لا يريدون لنا وُلوجَه من الأساس..؟
*هل نخضع لدعوى المصالحة أم نرفع شعار التطهير..؟ هل نشرح للشعب فى الريف والأقاليم أهمية تجفيف منابع التمويل والتسليح لكل من أفسدوا واستبدّوا ومارسوا البلطجة والإرهاب من الإسلاميين والفلول.. أم نتابع الأحداث على مسلسلات التيليفزيون ؟ وهل نشرع فى استئناف حملات التنوير والتثقيف والتعريف بماضى الحزب الوطنى وجماعات الإرهاب أم نقصر عملنا على التشفى فيهم والتندر بجهلهم وتخلفهم وعنصريتهم ؟ هل نربط بين أفكار قادتهم القدامى عن ممارساتهم وعدائهم للأقليات الدينية والعرقية والمرأة ورفضهم للمواطنة وعدائهم للحركة الوطنية فى مصر.. وارتباطهم – سياسيا وماليا – طوال تاريخهم بالقوى الاستعمارية والحكام الفسدة وكراهيتهم للفقراء عمال وفلاحين.. أم نكتفى بالحديث عمن حاول تجميل أنفه أو تعليم الفتيات مبادئ ” التقوى ” على طريق مصر الإسكندرية الزراعى؟ ، هل نبرز دور الجماعة فى تخريب النضال الفلسطينى بعقد هدنة بين حماس وإسرائيل حماية للأخيرة بناء على طلب الولايات المتحدة و دورها فى تمزيق مصر وإشعال الفتن الطائفية بها والتفريط فى سيناء والسعى لتهجير الفلسطينيين إليهاأ م نقصر حديثنا على الحديث عن مفاخذة الصغبرات ومضاجعة الوداع ؟
وأخيرا هل نكتفى بإزاحتهم من السلطة.. أم نجتهد فى استئصال أفكارهم وسمومهم من عقول البسطاء التى لا تقل خطرا عن وجودهم فى الحكم..؟
وبدون الإجابة على ما طرحناه من استفسارات والاستجابة لتحقيقها لا يمكن استئناف إعادة البناء والتى ستكون عبثا دون تمهيد الطريق وتنظيفه ورصفه ليسهل السير عليه .
تقديرات حول نوايا الجيش :
ونتوغل أكثر فيما يتوقعه البعض: يقال أن وزير الدفاع يمهد لفرض هيمنة الجيش على الحكم ولو من وراء ستار أو يُعدّ نفسه للعب دور سياسى فيما بعد.
وإذا ما افترضنا صحة هذه النوايا تماما وطرحنا السؤال التالى : ما رأيكم فى مسئول قضى عاما فى منصب وزير وأشار للجماهير فى أحد الاحتفالات قائلا : أرجوكم أعطونى تفويضا لمواجهة الإرهاب والعنف ، وبعد أقل من 48 ساعة ردت عليه الجماهير بالإيجاب بحشود تجاوزت حشود 30 يونيو و 25 يناير .. فبم نسمى ذلك..؟
والإجابة لا تخرج عن واحدة من اثنتين:
الأولى : إما أنه ساحر..
والثانية : وإما أن الشعب ضاق ذرعا بحياته وكره حكم الإخوان لدرجة موافقته على إزاحته بأية وسيلة كانت، ولما احتشد فى الميادين بعد جمع التوقيعات تصور أن هدفه على وشك التحقق .. ولأن ذلك لم يحدث.. صار على استعداد للتعاون مع أىٍ من كان لتحقيق هدفه واستئناف بناء حياته .. ولم يجدها فى النخب ومنها جبهة الإنقاذ .. لكنه وجدها فى الجيش .
لكن ماذا سيفعل الجيش مع الشعب..؟ وماذا نحن فاعلون معهما ؟ ذلك هو الديالوج أو الحوار الذى سيجرى عمليا على الأرض فى الأيام القادمة ..
لقد أكد وزير الدفاع رفضه ونفيه لكل الاتهامات التى سيقت ضده وضد نواياه كما رفضت النخب – قبل ثورة 25 يناير وبعدها – حكم العسكر وهو ما يعنى تطابق تصريحاتهما بهذا الشأن و لا يبقى سوى أن تُصدّقَ الأعمالُ الأقوالَ ..

الأحد 4 أغسطس 2013 ب

Featuring WPMU Bloglist Widget by YD WordPress Developer