عن الجيش المصرى.. والثنائية المفتعلة ( ثورة أم انقلاب..؟ )

تنويه :
فى مقال سابق بعنوان ” حائط الصد الأخير وحديث عن النخب ” نشر على موقع الحوار المتمدن ( بتاريخ 26يوليو 2013 ، العدد 4165 ) تحدثنا عن وجود خمسة لاعبين فى الساحة السياسية المصرية هى ” الجيش ، والإسلام السياسى ، وفلول عصر مبارك ؛ والشعب ، والنخب السياسية ” يملك ثلاثة منهم ( الجيش والإسلاميون والفلول) القوة والقدرة والسلاح للصراع حول السلطة فضلا عن أنهم جزء أصيل من النظام ، بينما الرابع ( الشعب ) الأعزل ليس قادرا على انتزاع السلطة رغم أنه أهم اللاعبين بل وأقواهم إذا ما استخدم كل إمكانياته وطاقته استنادا للأحداث التى جرت منذ 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو ، 26 يوليو2013 …
أما الخامس ( النخب السياسية ) من ليبراليين ، وناصريين ، ويساريين فهو أضعف اللاعبين على الإطلاق لأنه لا يملك القدرة على لعب دور فعال ومؤثر فيما يجرى على الساحة لتباين انتماءاتهم السياسية والفكرية ومواقفهم وصلاتهم الفعلية بالفقراء ؛ وذلك على الرغم مما يملكه بعض قطاعاته من كفاءات سياسية وفكرية هائلة.
ولأن لَغَطا شديدا ثار فى الآونة الأخيرة – حول الأحداث التى جرت فى الفترة من30 يونيو وحتى 3 يوليو 2013 – بشأن تقييمها والاختلاف حول اعتبارها ثورة أو انقلابا عسكريا ؛ بعيدا عن القضية الأصلية والحالة العيانية الجديدة الماثلة أمامنا وأمام العالم كله وهى ( رفض أغلبية الشعب المصرى لحكم جماعة الإخوان وإصرارها على رحيله ) بالإضافة إلى دور القوات المسلحة المصرية ( فى المساعدة على إزاحة الطاغية الجديد) ، و حيث استغرق اللغط طويلا حول تلك الثنائية ، رأينا الإدلاء بتقديرنا فى هذه المسألة رغبة منا فى المساعدة فى إنقاذ وطننا ربما من مصير غامض؛ خصوصا وأن أكبر المعادين للديموقراطية فى العالم وأكثر الداعمين للإرهاب والممارسين له (الأمريكان والإسلام السياسى) هم من يصَدّرون للعالم مقولة الانقلاب وينددون بسفك الدماء ويتباكون على الديموقراطية ويتذرعون بشرعية الصندوق – التى كنستها حشود 30 يونيو وأبطلت مفعولها – رغم أنهم أكثر الناس معرفة بدقة وحقيقة ما حدث وذلك يحتاج منا إلى توضيح الآتى :
1-الهدف الذى سعت الحشود الجماهيرية للوصول إليه ، والإجراءات التى اتخذتها فى سبيل ذلك ، والأبعاد التى وصلت إليها الحالة الراهنة.
2- طبيعة الجيش كأحد أجهزة النظام الحاكم ودوره فى الدفاع عنه ضد أعدائه فى الخارج والداخل، وكيف تجلى ذلك فى الواقع ..؟ ، وهل تتساوى الجيوش فى تلك الطبيعة وذلك الدور أم تختلف ؟ ، وإن اختلفت فما هو السبب..؟
3- ماهية العقيدة القتالية للجيوش عموما وفى الجيش المصرى بشكل خاص ومقارنتها بمثيلتها لدى الجيوش الاستعمارية وقوات مكافحة الشغب والأمن المركزى من الناحية النظرية وفى تحققها العملى ، وتتبع كيفية ممارسة الجيش المصرى لها خلال تاريخه العسكرى الحديث.
4- التطرق لبعض التقديرات عن طبيعة الحرب ودورها وعلاقتها بالسياسة لأحد أبرز الخبراء فى مجال الاستراتيجية والتاكتيك ( كارل فون كلاوس فيتز ) من كتابه الأشهر ( فى الحرب ).
لذلك وتسهيلا للقارئ سيتخلل البندان 1، 2 سياق العرض؛ بينما نتعرض للبندين 3 ، 4 فى فقرتين مستقلتين ( ثانيا وثالثا ) فى التقديم التالى.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تقديم :
أولا : البديهيات ( المستقرة ) فى مجال السياسة
ومن هذه البديهيات أن النظام الحاكم فى المجتمعات الرأسمالية يتشكل من عدد من السلطات المتكاملة ( تنفيذية وتشريعية وقضائية ) فضلا عن دستور ومجموعة من القوانين تؤطّر ذلك النظام من ناحية وتحدد شكل الحكم وطبيعته وصلات سلطاته ببعضها من ناحية أخرى؛ وذلك كله خدمة لهدف واحد ومحدد هو حماية النظام الحاكم أى تحقيق مصلحة الفئات الاجتماعية السائدة والتى تملك أو تحوز مصادر الثروة المتنوعة وتسيطر عليها وتدافع عنها ضد أية محاولات من خارج المجتمع للعدوان عليها أو من داخله تستهدف إعادة توزيعها بشكل تراه عادلا أو أكثر عدلا مما هو قائم ومتحقق.
*وفى مجتمع يتسم بانعدام العدل أو اهتزاز موازينه فى تقسيم تلك الثروات أو فى توزيع عائدها على مختلف أفراده وشرائحه وطبقاته يدور الصراع بين من يشعرون بحرمانهم منها وبين من يحتكرونها أو يحصلون على الجانب الأعظم منها ؛ ويتخذ ذلك الصراع أشكالا شتى منها ما هو عنيف ومنها ما هو سلمى.
* هذا وتشكل السلطة التشريعية ( البرلمان ) والقوانين التى تصدرها أحد أدوات الدفاع التى يستخدمها النظام الحاكم للحفاظ على مقاليد الثروة ثابتة بين يدي ملاكها دون انتقاص وعلى طرق ونسب توزيعها أو توزيع عائدها ؛ لذا يستميت فى الحصول على الأغلبية داخل البرلمان بكل الوسائل ، بينما يكون للسلطة القضائية دور مكمل فى تعديل أى خلل يكتنف هذا الوضع وذلك بتطبيق القوانين المذكورة لتقوم بعدها السلطة التنفيذية بتنفيذ ما تصدره السلطة القضائية من قرارات وأحكام للإبقاء على الوضع ” مستتبا ” دون اضطرابات.
*وتاريخ ذلك الصراع يبدأ منذ تحولت المجتمعات البشرية إلى مجتمعات طبقية ( بسبب استيلاء البعض على إنتاج وجهد البعض الآخر ) ويظل الصراع قائما طالما بقيت أسبابه قائمة .
ويزخر التاريخ بتجليات عنيفة وسلمية لذلك الصراع بين ثورات واحتجاجات وانتفاضات وبين فترات هدوء ” وسلم ” .
ولا يقتصر ذلك الصراع على طبقات المجتمع الواحد بل يتجاوزه ليدور بين المجتمعات وبعضها حيث العدوان والغزو واحتلال الأرض والسيطرة على ثروات الغير وعلى الأسواق و الأيدى العاملة ؛ وما الحروب التى جرت على مدار التاريخ إلا انعكاسا لذلك الصراع ومنها الحربان العالميتان ( 1914 – 1919 ) , ( 1939 – 1945 ) اللتان استهدفتا إعادة اقتسام أسواق العالم.
ثانيا : العقيدة القتالية للجيوش :
هى خليط من مجموعة من القيم الإنسانية والتراثية والعسكرية تحكم أداء المقاتلين والجيوش فى الحرب وتلعب دورها فى توحيد ذلك الأداء واتساقه أو فى تلقائيته وبعثرته ، وكذلك فى قدرته على مواصلة القتال من عدمه ،ويتضح ذلك من مقارنة الجندى العقائدى بالمحارب المرتزق فكلاهما يعتنق عقيدة قتالية مغايرة استنادا للدوافع التى تُسيره.
وتتشكل العقيدة القتالية الإيجابية من مجموعة من القيم منها ( العدل ) أى عدالة القضية التى تدور الحرب بشأنها ، و( الحق ) أى أن الحرب دفاعٌ عن حق يشرع الخصمُ فى انتزاعه أو استردادٌ لحق سبق للخصم اغتصابُه ، و( الشرف ) أى استخدام الوسائل الشريفة فى القتال بمعنى المتفق والمتعارف عليها دوليا، أى استخدام أسلحة غير محرم استخدامها ووسائل بعيدة عن الخسة والتدنى الأخلاقى سواء أثناء الحرب أو بعد انتهائها خصوصا ما يتعلق بالتعامل مع ضحايا وجرحى وأسرى الخصم ، وكذا الامتناع عن الإسهام أو المساعدة أو المشاركة فى حروب عدوانية أو غير دفاعية.
ومعروف أن العقيدة القتالية يتم تربية المقاتلين عليها (مجندين و محترفين) فى معاهد الدراسة العسكرية أو الوحدات القتالية ويتفاوت مستوى اعتناقها من فرد لآخر داخل الجيش استنادا لمستوى ثقافته وتعليمه وللأهداف التى يتطلع الجندى للوصول إليها فى حياته علاوة على عوامل أخرى كالنشأة والتربية ..إلخ. كذلك فما يتم تعلّمه منها عادة ما يختلف ممارسته عند التطبيق استنادا للتوجهات السياسية التى ينفذها الجيش..وخصوصا فى عصور الاستعمار والإمبريالية والعولمة.
كذلك تتأسس تلك العقيدة فى جانب منها على قيمة ( الانضباط التام ) الذى يعتبر قدس أقداس القيم العسكرية التى تتحكم ليس فى أداء المقاتلين فحسب بل وفى وحدة الجيش وإرادته ونتائجه.
ثالثا :الحرب : طبيعتها وصلتها بالسياسة:
وحيث لم يمارس الجيش المصرى حربا فى الأزمة السياسية الراهنة لكنه أدى دورا ذا طبيعة عسكرية وطابع سياسى لذا نورد بعض أقوال ( كارل فون كلاوس فيتز ) خبير التاكتيك والاستراتيجية الألمانى لتوضيح ذلك.
فى كتابه الشهير ( فى الحرب ) يقول الخبير فى تعريفه للحرب ” أنها ممارسة للسياسة بطرق عنيفة ” ويقربها لذهن القارئ ويصفها بأنها أقرب إلى التجارة منها لأى شئ آخر؛ لكنه يعود للتمييز بينهما قائلا : أن الحرب هى نزاع بين المصالح الكبرى يسويه الدم ؛ بينما التجارة نزاع بين المصالح ( كبرى أو صغرى ) وبين الأنشطة البشرية. كما يفرق بينها وبين السياسة فى قول آخر : الحرب وسيلة بينما السياسة هدف.
ويواصل تعريفاته قائلا : أن الحرب ليست فنا ولا علما فقط إنها أكثر من ذلك .. إنها أحد أشكال الوجود الاجتماعى . ويتعرض كذلك لجانبها العملى محددا : الحرب هى عمل من أعمال العنف يستهدف إكراه الخصم على تنفيذ إرادتنا.
ويرى أن للحرب أبعادا نفسية ومعنوية تنعكس على من يمارسها وعلى من يتعرض لتأثيراتها ؛ كما أن لها أبعادا فكرية ، وينتقل منها إلى دور الشعب المادى والمعنوى فيها فيقول :” للشعب دوره كعنصر وازن فى المعادلات الحربية ” ؛ وأن ” تبلور الشعور الوطنى ككيان جماعى ومقدس يلعب دورا هاما فى الحروب ”
الدور التقليدى للجيوش :
هذا وكانت الجيوش هى الأداة القوية لحماية الأنظمة الحاكمة عموما من أعدائها فى الخارج ، وهى – فى معظم جيوش الدول الكبرى – الوسيلة الرئيسية للعدوان على المجتمعات والشعوب الأخرى الأقل قدرة على حماية ثرواتها وأراضيها وكانت هذه سمة رئيسية لمرحلة الاستعمار فى التاريخ الحديث .. حيث غزت الجيوش البريطانية مجتمعات شتى للدرجة التى كانت مستعمراتها لا تغيب عنها الشمس ، ومنذ عهد نابوليون بونابرت وجيوش فرنسا لم تهدأ غزواتها من مصر إلى فلسطين ومن الجزائر إلى تونس و المغرب إلى وسط إفريقيا إلى آسيا حيث كوريا و لبنان.
وفيما بعد الحرب العالمية الثانية سطعت شمس الولايات المتحدة الأمريكية كوارثةٍ لذلك الاستعمار القديم – من خلال قوتها العسكرية ووزنها الاقتصادي – فتعددت تدخلاتها فى أمريكا اللاتينية وآسيا ( كوريا وفيتنام وغيرها ) واتخذت أشكالا متنوعة من الاحتلال السافر إلى التدخلات الناعمة العميقة ومن الأحلاف العسكرية إلى الاتفاقات التجارية والشراكة الاقتصادية غير المتكافئة التى تحميها وتتكفل باستمرارها ( عصا العز العسكرية ) المتمثلة فى القنابل النووية وحاملات الطائرات والأساطيل والغواصات والقواعد العسكرية ومشاة البحرية وقوات الانتشار السريع، وعملة أمريكية ( الدولار ) لعبت دور المعادل العام لكل العملات النقدية على مستوى العالم.
ولم تكن هذه القوة العسكرية والنووية الهائلة سوى درع يحمى النظام الحاكم فى الداخل الأمريكى من جانب ويصون الاحتكارات الأمريكية فى كل أرجاء الدنيا ويفتح لها الأبواب المغلقة لتستولى على المواد الخام والبترول وتجند العملاء من كل الجنسيات والطبقات وتذكى الصراعات الإقليمية والانقلابات العسكرية من جانب آخر.
*لكن الجيوش فى هذا العالم ( الصناعى المتقدم ) يتقلص دورها فى الداخل منسوبا لدورها الخارجى بسبب ضخامة ما يتم نهبه من شعوب العالم النامى من فوائض تسهم فى رشوة شعوبها ، وعلى العكس من ذلك فى جيوش البلدان النامية والمتخلفة التى تتعرض شعوبها لنهب مزدوج من جانب حكامها و مستعمريها والدول الكبرى المهيمنة على ثرواتها ومصائرها ؛ لذا يتمحور دورها فى غالب الأحوال فى حماية النظام من الداخل لضمان استمرار النهب.. منسوبا لنفس الدور فى حماية النظام من عمليات العدوان الخارجى؛ علاوة على دور آخر مرتبط بالدول الكبرى التى يكون سائرا فى فلكها.
* إلا أنه وفى بعض الأحوال ونظراً لحالة التخلف والتبعية فى كثير من البلدان النامية و بسبب الصراعات العرقية والقبلية والإقليمية والاضطرابات الاجتماعية تمارس جيوشها دورا آخر متمثل فى الانقلابات العسكرية التى تحسم تلك الصراعات أو تنقل تبعيتها للخارج من طرف لآخر.
لماذا تتباين الجيوش ..؟: ولذلك ورغم الطبيعة الطبقية للجيوش.. فى كلا العالمين الصناعى المتقدم .. والنامى ؛ والدور المنوط بها فى حماية أنظمتها الحاكمة .. لا يمكن التسوية بين الجيوش فى الحالتين – ولا حتى بين شعوب كل منها- فالجيوش الاستعمارية لا تقارن بجيوش حركات التحرر الوطنى ؛ لأن من اعتاد العدوان والنهب ليس كمن تمرس فى الدفاع عن الأرض والشعب والوطن ، والجيوش التابعة ليست كالجيوش المستقلة أو ذات الاستقلال النسبى، والجيوش الخاملة تختلف عمن شاركت على الدوام فى الحروب ، والجيوش التى تَضِيق المسافات الزمنية بين معاركها الكبرى ليست كغيرها التى تفصل بين معاركها فترات زمنية واسعة ، والجيوش التى تمرست على الانقلابات العسكرية ليست كالجيوش المستقرة وهكذا .
وهذه التباينات تلعب دورها فى وسم الجيوش بسمات خاصة تميزها عن بعضها رغم احتفاظها جميعا بدورها الطبقى المعتاد وهو الدفاع عن نظام الحكم وحمايته ؛ ومن جانب آخر يمكن أن تلعب أدوارا استثنائية فى بعض الأزمات استنادا لتاريخها وسماتها الخاصة وهو ما نحاول الحديث عنه .
جيش مصر وتاريخ العقيدة القتالية:
*والجيش المصرى كأى جيش فى العالم يتشكل قوامه الأعظم من جنود وصف ضباط وربما جانب من الضباط منتمين للطبقات الفقيرة الكادحة والطبقة الوسطى، لكن قادته حتى لو كانوا -أو كان بعضهم – من هذه الطبقات الفقيرة إلا أنهم- واستنادا إلى التقاليد العسكرية والعقيدة العسكرية – ينفذون سياسة النظام الحاكم .. الذى هو نظام الطبقات المالكة أو الحائزة على أغلب ثروات المجتمع وتستغل فقراءه ، علما بأن الأصول الطبقية لقادة الجيش وثقافاتهم العامة تلعبان دورا فى تعاطفهم أو تجاهلهم للقضايا الاجتماعية والسياسية التى تعتمل فى المجتمع أو يعانى منها الشعب.
*واستعراضنا لتاريخ الجيش المصرى منذ ثمانينات القرن التاسع عشر إبان حكم الخديوى توفيق يوضح دوره فى مواجهة الاحتلال البريطانى وكذا دور قائده- الزعيم أحمد عرابى- فى رفض سياسيات نظام حكم الخديوى ؛ وتوضح المواجهة المباشرة الشهيرة بينهما ذلك بجلاء شديد : ” لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا .. ولن نُورّثَ بعد اليوم ” وهو ما انعكس على موقف الشعب المصرى من الجيش ودعمه له ومشاركته فى المواجهة المعروفة التى نشبت فى كفر الدوار ضد جيش جلالة ملكة بريطانيا الذى منى فيها بهزيمة حقيقية قبل أن تنتقل المعركة إلى صحراء التل الكبير – الأنسب للجيش البريطانى- بعيدا عن المشاركة الشعبية .
الجيش وانتفاضة 1977:
*ليس هذا وفقط فدور الجيش فى انتفاضة 18 ، 19 يناير 1977 يستخلص تلك السمة التى نتحدث عنها، فقد خرج الشعب المصرى فى معظم عواصم الأقاليم من أسوان حتى الإسكندرية فى لحظة واحدة ثائرا ضد حكم السادات بسبب رفع أسعار السلع الضرورية ، وبعد أن انهارت مقاومة أجهزة الشرطة تدخل الجيش ليفرض حظر التجول بعد أن اشترط – قبل تدخله -إلغاء قرارات رفع الأسعار التى رفضها الشعب وهو ما نزع فتيل الأزمة القائمة آنذاك بين الطبقة الحاكمة ممثلة فى السادات وبين فقراء الشعب .
*خلاصة القول أن الجيش أقوى أجهزة السلطة التنفيذية المصرية آنذاك كان له رأى مغاير؛ أولا فى حل الأزمة الناشبة بسبب رفع الأسعار؛ وثانيا فى الدفاع عن النظام الحاكم الذى تم إنقاذه بهذا التدخل.. وهو ما يدعونا للقول أن المجموعات والكتل الحاكمة المشَكّلة لأى نظام ليست شيئا مصمتا ولا متماثلا مهما كان اتساقها معه وليس من المحتم أن تتبنى نفس الأفكار ولا أن تتبع نفس الأساليب أو السياسات فى دفاعها عن النظام والتى تسميه فى أغلب الحالات دفاعا عن الشرعية والدستور والقانون ، وربما الديموقراطية .
*هذا وتتأسس تلك الأفكار والأساليب على نوع المهمات التى تتولاها الجيوش؛ والعقائد التى تتبناها خلال تاريخها الممتد والذى لا يعنى – فى نفس الوقت – أنها أفكار أبدية غير قابلة للتغير.
مائة وثلاثين عاما متصلة من العداء للاستعمار:
* والجيش المصرى الذى شارك خلال مائة وثلاثين عاما فى عدد من الصراعات التى كان الشعب طرفا فيها- بشكل مباشر أو غير مباشر – وعاش طيلة هذه المدة مناخا معاديا للاستعمار وشارك فى مقاومته ليس فقط بعد الثورة العرابية (1881) بل وقبلها فى 1798 وحتى 1802 ضد الحملة الفرنسية .
*هذا وعندما استأنف الزعيمان مصطفى كامل ومحمد فريد كفاح العرابيين؛ وأكمله بطريقته كل من سعد زغلول ومصطفى النحاس ورفاقهما اندلعت ثورة 1919 التى تمخضت عن دستور 1923 أفضل الدساتير فى تاريخ مصر الحديث وخلال هذه الفترة شهدت مصر حملات تنويرية مضيئة بدأها سلامة موسى وقاسم أمين وشاركت النساء فى الثورة وكانت رمزا للتقدم وفخرا أطال أعناق المصريين خارج الوطن؛ والتى استنشق الجيش المصرى أثناءها روائح هذه الحركة الوطنية المتأججة والمتواصلة.
* كذلك وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 ) استأنفت الحركة الوطنية نشاطها ضد المحتل البريطانى مستفيدة من تاريخها الطازج حتى وصلت لحد الكفاح المسلح فى منطقة قناة السويس إضافة إلى حرب فلسطين عام 1948 وانتهت تلك الموجة بحركة الجيش عام 1952 التى كانت من زاوية ما احتجاجا على الفساد وتقاعس القصر وكثير من الساسة فى الإعداد لحرب فلسطين، ثم شارك فى حرب تأميم قناة السويس عام 1956 ، وبعد أربع سنوات فى دعم شعب اليمن ضد التخلف عام 1962 ، ثم فى عامى 1967 و 1973 ضد الصهاينة وهو ما يعنى تشكيل عقيدة قتالية وطنية ضد الاستعمار أى ضد الغزو والعدوان وكسر الإرادة ، ولو أحصينا من أُسروا واستشهدوا وفقدوا فى تلك الحروب لأدركنا أنها غطت كامل الأرض والأسر المصرية، على العكس من كثير من الجيوش الغربية التى لم تعش مثل هذا المناخ سوى عشر سنوات هى عمر الحربين العالميتين واللتين كانتا فى جانب أساسى منهما حروبا عدوانية هدفها إعادة اقتسام أسواق العالم؛ كذلك فإن الجانب الثانى ( الإيجابى ) لهذين الحربين يتعارض مع جملة الحروب والغزوات الاستعمارية التى غطت قارات العالم قبل الحرب الأولى وبعد الثانية وما بينهما ؛ وهو ما يعنى تشكّل عقيدتها القتالية على الغزو والعدوان والاحتلال وقمع الشعوب الفقيرة ونهب ثرواتها والتعالى عليها.. والاعتداد بتلك ” الإنجازات ” والافتخار بها أكثر منه دفاعا عن الشعب والأرض ..إلخ ، ولذلك لا يمكن مقارنة العقيدة القتالية للجيش المصرى بمثيلتها لدى الجيوش الاستعمارية كالولايات المتحدة الأمريكية و انجلترا وفرنسا وأسبانيا و البرتغال وإيطاليا وغيرها.
كيف نقرأ قرارات قادة الجيش المصرى الأخيرة .. دون المصادرة عليها..؟ :
صحيح أن الجيش فى كل الأحوال ينفذ أوامر جنرالاته وقواده وسياسات النظام الذى يدافع عنه ويحقق مصالح الطبقات المالكة والقابضة على ثروات البلاد والممسكة بزمام الحكم فيه ؛ لكن سمات أخرى وخصالا مغايرة تشكلت فى الجيش المصرى مقارنا بكثير من جيوش العالم وهو ما يعنى ضرورة الحذر فى استقبال تصريحات قادة الجيش وقراراتهم وتحليلها بمنطق يختلف عما يمكن به قراءة وتحليل شبيهتها الصادرة من قادة جيش استعمارى أو غارق حتى آذانه فى الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية أو بلا تاريخ.. بمعنى أن استقبال و بالتالى قراءة تلك القرارات فى مثل تلك الأزمات التاريخية التى نعيشها يتطلب ربطها بالشروط الملموسة التى نبعت منها ولا يجب أن يستقى أسبابها – أو يرتد بشكل ميكانيكى – للقاعدة الأساسية لفهم دور الجيوش عموما وهى ( حماية النظام ) إلا كخلفية عامة وليس كسبب مباشر.
* كذلك فرغم أن أحد الأسس التى تنبنى عليها عقيدة الجيش هى الانضباط الحديدى بما يعنى التزام كل أفراده من قمته إلى قاعدته بتنفيذ سياسة وإجراءات واحدة إلا أن الأصول الطبقية والثقافة الخاصة لكثير من جنوده و بعض ضباطه تساهم فى أوقات الأزمات فى خلق ميول عامة تختلف عن الميول السائدة داخله فى أوقات السلم ؛ وانطلاقا من ذلك تفضى لاتخاذ مواقف تبدو معاكسة لما اعتادت اتخاذه.
* وعلى سبيل المثال : فى الأيام الأولى لثورة 25 يناير قص لى أحد الأصدقاء كانت له صلات بعدد من ضباط الجيش: بأن مناقشات كثيرة دارت فى العديد من وحدات الجيش المصرى – بدت فى وقتها طبيعية – حضرها عديد من صغار ومتوسطى الضباط وكانت أقرب لجس نبضهم حول سؤال محدد يقول: هل تنفّذ.. لو صدرت لك الأوامر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين ؟ وكان رد 90 % على الأقل منهم : لا.
وهذا يختلف بالقطع عن الحال فى أية جيوش أخرى كثيرة عربية وغربية وإفريقية ؛ ولا يمكن إرجاع ذلك إلا للعقيدة الوطنية القتالية لكثير من رجال الجيش المصرى.. تلك العقيدة التى ظهرت طيلة المدة من ثورة عرابى وحتى الآن حيث تأججت الحركة الوطنية منذ ذلك التاريخ وتصدى فيها الجيش لجيوش أخرى فرنسية وبريطانية وصهيونية ولم يخرج عن هذا السياق سوى فى المشاركة فى حرب عاصفة الصحراء عام 1991 ضد الجيش العراقى؛ حيث لم يزج به فيها سوى موقف مبارك الذى كان يطمع فى تخفيض الديون وكسب رضى الولايات المتحدة للاستمرار فى الحكم ؛ وبرر التدخل بكون دولة العراق معتدية على شقيقة أخرى عربية هى الكويت .
العقيدة القتالية لقوات مكافحة الشغب والأمن المركزى:
* كذلك فهناك فارق واسع بين جيش القوات المسلحة وجيش الأمن المركزى أو فرق مكافحة الشغب التى – فى تقديرنا – تختلف فى عقيدتها القتالية عن القوات المسلحة لأسباب كثيرة.. أبرزها المهام التى تقوم بها فى قمع المظاهرات وحصار الاحتجاجات التى تتفجر دائما فى مواجهة النظام الحاكم مباشرة.
* كذلك يهمنا أن نتطرق – فيما يلى – لجزئية هامة تتعلق بالصلة بين قيادة الجيش ( المجلس الأعلى للقوات المسلحة ) وبين بقية جسده المتمثلة فى كون الأغلبية الساحقة من الجنود وصف الضباط والرتب الوسطى من الضباط ينتمون للفقراء والطبقة الوسطى .
كيف يتكيف القادة مع سياسات النظام أيا كانت توجهاتها..؟ :
* ولأنه فى أى جهاز من أجهزة الدولة بل وفى السلطات غير التنفيذية كالبرلمان و القضاء تتعرض القيادات بشكل مكثف لحصار من الامتيازات الذى تحكمه قاعدة ثابتة مضمونها ( أن الولاء للنظام هو سلم الترقى والصعود لمواقع القيادة ) وهو الوسيلة الناجعة لامتيازات أكبر مثل التعيينات فى مراكز السفراء والمحافظين ونوابهم ورؤساء المدن ومجالس إدارات الشركات ورؤساء المرافق العامة وغيرها ؛ وتصير مثلُ هذه المنح محل تنافس شديد فى الحالات التى يختفى فيها الصراع مع القوى الاستعمارية وفى ظل غياب القضايا القومية والمشروعات الكبرى التى يلتف حولها الشعب ( كبناء السد العالى أو تشييد صناعة للحديد والصلب والألومنيوم) ويكف فيها المجتمع عن التطور والتقدم – كالسنوات التى سبقت ثورة 25 يناير – وهو ما توفره فترات التحولات السياسية والاجتماعية التى تنشد الارتباط بالغرب أو تشرع فى التهادن والتحالف مع الأعداء.
* ولأن لتلك العوامل دورا فى ارتباط كثير من القيادات- فى السلطات- الثلاث بالأفكار والسياسات المهادنة أو المتعاونة أو المتحالفة مع أعداء الشعب والتأثر بها والتى لا يستثنى الجيش منها.. فإن الأمر يختلف مع القيادات الوسطى وصغار العاملين نظرا لوجودهم أو اقترابهم من سواد الشعب والتفاعل المباشر مع همومه وأوجاعه. ولا يعنى ذلك عدم إفلات البعض من تلك القاعدة – لأن لكل قاعدة استثناءات- فى كلا النوعين ( أى القيادات الكبرى و الوسطى ) كما ظهر جليا فى أعقاب مشاركة مصر فى الحرب ضد العراق.
ماذا فعلت حشود 30 يونيو وماذا فعل الجيش ..؟
*ولأنه أصبح – من المعتاد الآن فى مصر- بالنسبة لأى رئيس يعتلى الحكم بإرادة الشعب أو رغما عنه أن يغادره فور ثورة الشعب ضده كما حدث منذ 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013 ، كما بدا واضحا وضوح الشمس أن موازين القوى السياسية قد تعدلت- بدرجة ما – منذ 30 يونيو وحتى الآن ومن الطبيعى أن تتغير فيما هو قادم من الأيام بناء على طبيعة الحوار الذى سيدور بين أهم أطراف المعادلة الراهنة (الشعب والجيش والنخب السياسية ) سواء كان الحوار عمليا أو تفاوضيا.
*ولذلك نرى أن التعامل مع جملة المعطيات التى أفرزتها ثورة الثلاثين من يونيو هى الأدعى للتعامل ؛ درءا للانجرار فى متاهة تشتيت الجهود والانتباه فى تفنيد الثنائية ( ثورة أم انقلاب ..؟ ) خصوصا وأن الحشود الشعبية آنذاك لم تكن تضمن بمفردها تنحى جماعة الإخوان المسلحة عن كراسى الحكم وهى المدعومة ماليا وإعلاميا وسياسيا بقوى خارجية تستميت فى استمرار حكم الجماعة وقلب الحقائق.
*ولأن أحداث ثورتى 25 يناير و 30 يونيو قطعت – بما لا يترك مجالا للشك – بأن الانتفاضات التلقائية أو ضعيفة التنظيم لم تتمكن من إزاحة الطغاة إلا بمساعدة من خارجها ثم تتعثر فيما يعقبها من خطوات مفترضة ومنشودة ولا تفضى إلى مسار متماسك يحقق أهداف الثورة ، وهو ما يشكل الحدود التى يقف عندها ميزان القوى الطبقية القائم و يفرض ضرورة انتزاع سلاحين آخرين هما التنظيم والوعى لتعديل ذلك الميزان ولكى تتجنب فى المرة القادمة مزالق الانتفاضتين السابقتين ، وفى نفس الوقت لا يعنى الاستسلام لهذا الأمر الواقع.
* ولأن ذلك المسار لا يحفره ؛ وتلك الأهداف لا يحققها إلا قوى منظمة وواعية تملك تصورا وخبرة و أدوات وقدرة على مقارعة القوى الأخرى وتستطيع إدارة الدولة بمجرد إسقاط الطغاة ؛ وهذا ما لم يتوفر حتى الآن لحشود الثورة وقادتها ، فإننا نحتاج للتذكير بالماضى القريب لندرك الأسباب ونتعرف على مواطن الضعف ونتجنبها.
* يشير هذا الماضى القريب إلى الآتى : ( لو أن عبد الناصر لم يحل الأحزاب عام 1953 ولو وفّر للشعب حياة سياسية صحية ومتجددة يشارك فيها ؛ بدلا من دفعه لتشجيع الكرة ومشاهدة المسلسلات التيليفزيونية لتبديد وقت الفراغ والتنفيس عن همومه ؛ لو أنه فعل ذلك لَقطَعَ الطريق على السادات وعلى سياساته ؛ ولمَا خرج الإخوان من السجون ولمَا عاثوا فى مصر فسادا وسمموا أفكار الشعب ، ولمَا عيّن موظفا أميا فى السياسة نائبا له ؛ ليصبح رئيسا للجمهورية بعد مقتله على يد صبيان من أخرجهم من السجون ، ولمَا انتشر الفساد واستشرى الاستبداد وانهار التعليم ومعه صحة المصريين ؛ ولمَا تحولت مصر إلى عزبة مُعدّة للتوريث نصفها جوعى وربعها بلطجية ؛ ولمَا تم تهديدنا بسلاح ” أنا أو الفوضى ” ، ولمَا ابتزّنا الأمريكان بمعوناتهم وطابورهم الخامس وولّوا علينا الإخوان ولمَا ” نخ ّ ” المجلس العسكرى السابق وهادَن .. إيثارا للسلامة ، لنجد أنفسنا فى آخر المطاف فى الوضع الحالى نشعر بالظلم الشديد وقلة الحظ الأشد وعندما نثور عليهما لا نعرف كيف نخطو الخطوة التالية لمناقشة قضايانا وحل مشاكلنا وترتيب بيتنا من الداخل بتعيين حكومة جسورة ورئيس وزراء كفء قادر على المبادرة لنكرر بعدها مقولة سعد زغلول ” مفيش فايدة ” )
*من هنا فإن من أسميناهم باللاعبين الثلاثة ( فلول مبارك ، والإسلاميين ، والجيش) ينتمون عضويا للنظام الحاكم فأولهم هو الجناح “اليمين ” المدنى للنظام والثانى هو الجناح الدينى “الفاشى” والثالث هو درع النظام وحامى حماه ضد أعدائه فى الداخل ” الحركة الشعبية ” وفى الخارج ، ونظرا لاصطدام الشعب بثلاثتهم منذ 25 يناير2011 و حتى الأحداث الأخيرة ورغم أن الجيش – استنادا إلى القرابة الطبقية – أقرب إليهما منه إلى الشعب إلا أنه اتخذ موقفا هو الأقرب للشعب وهو الأفضل للنظام ومستقبله حتى ولو أفضى ذلك لتصفية الجناح الفاشى .. ذلك هو المشهد الراهن أم أن هناك مشهدا آخر ..؟.
*وإذا كان الجيش قد أعلن بالصوت العالى وشدد على أنه لن يتولى الحكم ولا يطمح إليه كما أعلن انحيازه لأهداف الثوار واستعداده لحماية الثورة ورفضه لتدمير بنية الدولة المصرية وأكد بأنه لن يطلق رصاصه على الشعب وهو عمليا قد ساعد الثوار على إزاحة حكم الإسلاميين الذين تجاهلوا حقوق وحريات الشعب؛ واتضح أنهم كانوا يعدون العدة للمواجهة؛ ومن هنا وجب التمسك بما تعهد به الجيش وأعلنه بشأن موقفه ليكون أساسا للحوار المتوقع – بين الشعب والجيش والنخب السياسية التى شاركت عمليا فى الثورة – وأعتقد أنه سيكون حوارا شاقا وكاشفا لما تحبسه الصدور استنادا لتصور كل طرف وخلفياته السياسية وتقاليده وأدواته واستنادا لسابقتين .. الأولى قديمة : متعلقة بالمرحلة الانتقالية الأولى فى أعقاب 11 فبراير 2011 ، والثانية: حديثة مرتبطة بالإعلان الدستورى الأول للرئيس المؤقت و باختيار رئيس الوزراء الحالى وبشعار المصالحة الذى يحمل فى طياته من التهادن والمخاطر الكثير ويحتاج لشجبه ورفضه ويدفعنا لاستبداله بشعار التطهير بمعناه الواسع أى فى ارتباطه بالتمويل والتسليح والنشاط السياسى لمن يُرادُ لنا إبرام المصالحة معهم ..
لكل ذلك ولأن الوقت ضيق والمهام شاقة ومتعددة والأعداء متربصون وجب علينا أن نبحث عن أفضل الطرق لإدارة ذلك الحوار واختيار الأدوات والشكل الأنسب له مع الجيش والنخب السياسية.. وأن نكف عن الانزلاق فى اللغط الدائر حول الثنائية المفتعلة .. ثورة أم انقلاب ..؟.

الأربعاء 31 يوليو 2013 بشير صقر

طريقان لا ثالث لهما : التطهير وإعادة البناء.. أو المصالحة والعودة لنقطة الصفر..

التطهير وإعادة البناء.. أو المصالحة والعودة لنقطة الصفر
سبق أن كتبنا : أن ” جملة من الشواهد الراهنة بمصر تشير إلى أننا مقبلون على مرحلة أشبه بالتى أعقبت ثورة 25 يناير 2011 ” ؛ وعلى ما يبدو أننا لم نتجاوز الحقيقة.
فقد طلب وزير الدفاع يوم 24 يوليو فى نداء مباشر للشعب المصرى تفويضا عمليا من الميادين بمواجهة العنف والإرهاب ورد الشعب بالإيجاب بحشود جديدة فى 26 يوليو تجاوزت حشود ثورة 30 يونيو .
*ولأن جماعة الإخوان وحلفاءها أفلسوا تماما من الناحية السياسية وتعروا من الناحية الأخلاقية .. لم يبدوا إزاء حشود التفويض الحاسمة سوى استعداء القوى الخارجية والإعلام الدولى على الثورة ؛ وشرعوا صباح 27 يوليو فى تنفيذ إجراء مماثل لما حدث صباح 8 يوليو- أمام دار الحرس الجمهورى- يستهدف حدوث مذبحة جديدة فى منطقة تبعد كيلومتر ونصف تقريبا عن مكان اعتصامهم الدائم فى رابعة العدوية .
*ولأننا ندرك أن الجماعة الفاشية وحلفاءها لا يعملون منفردين- حيث لا يملكون تلك الجسارة – بل يتشاركون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وإمارة قطر فى كل ما يجرى ، ولأن ملامح المرحلة الانتقالية الراهنة بدأت فى التشكّل ؛ وتنبئ بما هو أسوأ من سابقتها إذا ما ظل الأداء العام على هذه الوتيرة ، ولأن الوضع الداخلى لا يتحمل التراجع ولا التجريب ولا النوايا الحسنة .. كان من الضرورى أن نتحلى بالحسم والعزم والنظر إلى الأمام لتمهيد طريق إعادة البناء الذى يتسم بالوعورة ويتطلب الحكمة والجسارة والتضحية.
*وبدايةً .. فإننا نتحفظ على البوصلة التى قدمها رئيس الجمهورية المؤقت متمثلة فى الإعلان الدستورى الأول الذى يحمل فى أحشائه إمساك العصا من المنتصف ويبدى من الاستعداد لمهادنة الفاشيين ( الذين رفعوا السلاح ضد الشعب ؛ ومارسوا القتل وبتر الأصابع والتمثيل بالجثث وقنص الثوار والمحتجين وحراس الحدود ؛ وإلقاء الشباب من أعلى البنايات ؛ وقتل عدد من مناصريهم ادعاءً بالاعتداء عليهم ) – كما يُظهِر من التراجع أمامهم أكثر مما يُخْفى ؛ علاوة على تعيين رئيس مُسِن للوزراء لا يتسم بالجسارة والعلم وله من الوشائج بالعهود السابقة أكثر مما يربطه بأفكار الثورة وأهدافها وثوارها.
*لقد انتظر الشعب تفعيل التفويض .. لكن الأيام تمر دون جديد سوى استقبالات لممثلة دول الاتحاد الأوروبى بدلا من وزير الخارجية الأمريكية ؛ وتصريحات عن قرب اتخاذ اجراءات قانونية لصرف اعتصامات الفاشيين من الميادين ، وشائعات عن تهديد البرادعى بالاستقالة لو تم فض الاعتصامات بالقوة ، وعن هروب عدد من قادة الجماعة خارج الاعتصام وخارج البلاد؛ علاوة على أخبار يومية متناثرة عن عمليات إرهابية فى سيناء تستهدف جنود الحراسة ونقاط التفتيش العسكرية وأكمنتها وأنابيب نقل الغاز ومطار العريش ومعسكرات الأمن المركزى وأيضا عن عمليات مضادة عن مطاردتهم والقبض على بعضهم .
ويؤطر كل هذا ويفوقه أهمية استمرار التصريحات بشأن المصالحة التى تحمل من طمأنة الجماعة الفاشية ودفعها للتشدد أكثر من طمأنة الشعب ودفعه للتفاؤل .
*هذا وقد خفت صوت قادة الجيش فى الأيام التى أعقبت التفويض وهو ما يضع كثيرا من علامات الاستفهام عن مصير التفويض وعن أسباب هذا الخفوت.
وحيث سبق للشعب أن أبدى رفضه للتهديدات الأمريكية بوقف المساعدات والإمداد بطائرات (f 16) ؛ وبادر بتقديم التبرعات من قروشه القليلة لسد الثغرة التى قد يُخَلّفها وقف تلك المساعدات .. بات على حكام المرحلة الانتقالية إفادة الشعب بما يستجد وبمصير التهديدات المشار إليها وبموقفهم من كل ذلك بما فيه هجمة الزيارات الاستثنائية لممثلة الاتحاد الأوروبى.
*ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة لو قلنا أن هناك من البديهيات ما لا ُيتّبع مع جماعة الإخوان لوقف ما تمارسه من تخريب ؛ مع أن القبض على قادتهم والبحث عمن غادر منهم الاعتصامات أو التقاطهم من داخلها ؛ أو حصارها من جميع الجهات ووقف المؤن إليها كفيل بفرط عقدها وتسريح تلك التجمعات.
وليس إزاء هذا الوضع الرمادى سوى احتمالين :
1- إما إنهاء تلك الاعتصامات بأقل الخسائر الممكنة ؛ والإسراع فى التحقيقات وبدء المحاكمات وتطهير المجتمع من كل من أجرم فى حقه وحق الثورة ، والبدء فى حملات تنوير شاملة تفضح أهداف وتاريخ وأساليب هذه الفصائل الفاشية ؛ وضبط الشارع وإخلائه من البلطجة؛ فضلا عن الاستغناء عن المساعدات الأمريكية ، وبالنسبة لسيناء: فإن تسليح الموثوق فيهم من شبابها يساعد فى تطهيرها ممن يختفون بين سكانها من تنظيمات الإرهاب أو على الأقل شل أيديهم وإضعاف أثرهم ونشاطهم لأنهم يستخدمون مع الجيش أسلوب حرب المدن وحرب الصحراء التى تسهل لهم قنص الجنود من أماكنهم الثابتة ومن نقاط التفتيش والكمائن غير المتحركة ، وهو ما يتطلب أيضا حكومة قوية واستراتيجية مغايرة. باختصار أن يكون شعار الوزارة الجديدة ( التطهير بغرض إعادة البناء ).
*لقد سبق أن اقترحنا ضرورة ( تجفيف منابع التمويل والتسليح لمن مارسوا الفساد والاستبداد ، واستئناف حملات التنوير الشاملة، والكف عن إمساك العصا من المنتصف) لكى نخطو للأمام .. وساعتها سوف يلف النسيان والكهوف ما تبقى من أعضاء هذه التنظيمات الفاشية.
2- وإما الاستمرار فى هذا الوضع الرمادى وانتظار الضغوط الخارجية ، والعمل على تفسير كل تصرف وإجراء من الحكومة ، والنقاش حول آثار وقف المساعدات والطائرات ،وتبرير كل الشائعات ، والخضوع لكل التحفظات التى تبديها كثير من القوى المتربصة بالثورة أو تطرحها النخب التى لم تمارس العمل السياسى فى مناخ الثورة. أيضا تفعيل المصالحة المزعومة مع تنظيمات فاشية بدعوى (ضرورة القبض على قادتها أولا ثم التحقيق معهم ثم محاكمتهم .. حيث لاذنب لقواعدهم المضللة ) رغم أن العام المنصرم أثبت أنهم كانوا يعدون العدة لمثل هذا اليوم ، وهؤلاء القادة لم يكونوا يستطيعون القيام بتظاهرة واحدة دون هذه ” القواعد المضللة ” التى لن تكف عما تعلمته إلا بعد إعادة تربيتها وتثقيفها ؛ ويُفَضل توفيرهما لآخرين من البسطاء لم يتلوثوا بسمومهم ، ودون التمويل المنساب عليهم كالسيل ؛ بل ودون ذلك الدعم الأجنبى السياسى والإعلامى والمالى.
خلاصة القول إما التطهير – حتى لو تم إغلاق أبواب مصر على شعبها لمدة عام – والشروع فى إعادة البناء والتنوير وإعداد الشعب لمواجهة مصيره بنفسه، فتقسيم العمل الراهن يبقيه – أى الشعب – فى وضع متعهد المليونيات .. وعارض المطالب والمنتظر لما تسفر عنه مواقف وإجراءات المترددين وممسكى العصا من المنتصف والراغبين فى المصالحة مع الفاشيين وفلول مبارك والخاضعين لمختلف الضغوط الخارجية المعادية.
إن هذا التقسيم للعمل لن يسفر عن نتائج إيجابية بل سيعيد المجتمع إلى نقطة الصفر .
مرة أخرى إما التطهير وإعادة البناء وإما الحلول الوسط والتراجع والمصالحة التى هى سبيل النجاة الوحيد المتاح أمام الفاشية بكل تلاوينها وفصائلها .
وساعتها لن يثق الشعب فى أحد أيا كان ، لن يعطى تفويضا ولن ينتظر وربما يأتى بعدها الطوفان.

الثلاثاء 30 يوليو 2013 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر

حائط الصد الأخير.. وحديث عن النخب السياسية

أثبت الشعب المصرى فى ثورتى 25 يناير 2011 ؛ 30 يونيو 2013 أنه قادر على المبادرة والإطاحة بطغاته ؛ لكنه يعانى من صعوبة الإمساك بزمام القيادة وإدارة الدولة ومن الافتقار لمخزون الخبرة والاحتياج لصلابة النخب.
تمهيد:
لأن الحياة بأوجهها المتنوعة معطى موضوعى ؛ فهى تسير فى مدارها الطبيعى دون مراعاة للطموحات الخاصة والأفكار المسبقة غير عابئة بالتصورات الذاتية أو المصالح الدفينة و الرغبات المضمرة.
ولأن الحياة هى المنبع الرئيسى لكل المبادئ والقيم والنظريات التى تُسيّرها منذ نشأتها وحتى الآن؛ فلا فرصة للاستمرار أمام أية أفكار أو تصورات تتعارض معها أو تعوق تقدمها أو تحرف مسارها ، وحتى إن تمكنت بعض تلك الأفكار- لأسباب استثنائية – من التواجد لبعض الوقت فى بعض الأماكن أو بين بعض البشر.. فلن تلبث أن تنهار أمام قوة الحياة وتناغمها .
كذلك فبعض الأفكار التى ساهمت فى تسيير الحياة حقبة من الزمن ثم توقفت عن الاتساق معها .. مصيرها الاندثار والانتقال إلى متحف الحياة لتكون أحد البراهين والدلالات على سنّة التطور الخالدة التى تحكم الحياة منذ نشوئها.
ولأن النظريات عموما والسياسية بشكل خاص هى نتاج المشاهدة والبحث والتمحيص فهى تتغير بتطور الحياة ومرور الزمن وتقدم العلوم الطبيعية ؛ ولذلك لا يمكن الرجوع للنظريات ولما هو مدون فى الكتب طالما كان كتاب الحياة مفتوحا وصفحاته بين أيدينا.
وحيث أن ثورة الشعب المصرى السلمية فى 30 ىيونيو 2013 قد استثارت من الغبار حولها قدر ما أثارت من الانبهار بها .. استنادا لدوافعها الإنسانية الشريفة من جهة وإلى مطامع المعادين لها من جهة أخرى.
وتجلى ذلك فى مصر فى صفوف النخب السياسية و بين فصائل الإسلام السياسى ، وخارج مصر فى صفوف المعسكر الأمريكى الأوروبى والتنظيم الدولى للإخوان المسلمين؛ ولذا وجبت علينا قراءة ذلك المشهد بإمعان وتدقيق لتلمّس الدوافع المؤيدة والمطامع المعاكسة لها.
كان الانبهار بالثورة متمثلا فى ثلاثة عناصر أولها : ما قام به شباب الثورة من جمع عشرات الملايين من توقيعات المواطنين ترفض حكم جماعة الإخوان المسلمين . والثانى : هو حجم الجماهير التى ثارت فى 30 يونيو بأضعاف ما ثار فى 25 يناير من ناحية ؛ وشمول الثورة معظم محافظات مصر حتى وصلت لعديد من قراها فى الريف من ناحية أخرى.والثالث: هو سلميتها التى تجاوزت فيها الثورة السابقة فى عام 2011 .
بينما كان الغبار حولها ناجما عن إفشالها لمخططات كانت تجرى على قدم وساق بين جماعة الإخوان فى مصر ومنظمة حماس فى فلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والتى بموجبها يتم تهجير الفلسطينيين من غزة وسوريا إلى سيناء ؛ وإبرام اتفاقية نهائية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ؛ ونقل مفاعل ديمونة الذرى الإسرائيلى من صحراء النقب إلى وسط سيناء ؛ وإطلاق يد الجهاديين السلفيين وتنظيم القاعدة فى إنشاء إمارة إسلامية بسيناء ، وهو ما يضمن فى التحليل الأخير استمرار تدفق النفط العربى لأوروبا والولايات المتحدة وأمن إسرائيل وهيمنتها على المنطقة فضلا عن إطلاق يد الإسلام السياسى فى الدول العربية ( تونس واليمن وليبيا وسوريا والعراق ومصر) ليرتع فيها كما يشاء.
وفى تقديرنا أن وجها آخر لآثار ثورة 30 يونيو على معسكر مثيرى الغبار قد أثمر تداعيات لا يمكن التقليل من شأنها حيث اتسعت الفجوة بين الجمهوريين والديمقراطيين ووضعت الإدارة الأمريكية الحالية فى حالة بالغة الحرج أمام البرلمان والشعب الأمريكى بل وأمام حلفائها فى أوروبا خصوصا و فضيحة التجسس عليها مازالت ساخنة ؛ ومن الطبيعى أن ينعكس ذلك على ما يجرى فى سوريا .
كذلك أفضى هذا إلى زلزال شديد داخل التنظيم الدولى للإخوان المسلمين بل داخل تنظيماته القُطرية خصوصا فى تونس ومصر؛ فقد شرع الشباب التونسى المتمرد فى جمع توقيعات لتنحية جماعة النهضة التونسية من الحكم وكان رد الفعل المباشر لذلك اغتيال أحد الزعماء اليساريين ( محمد البراهيمى ) ظهر اليوم.
وفى مصر تجرى الانقسامات فى صفوف الجماعة وتنعكس على حلفائها من السلفيين والجماعة الإسلامية ومصر القوية .. صحيح يبدو من الظاهر تقاربها الآن أكثر من ذى قبل لكن ذلك يحدث الآن فقط – فى وقت الخطر الذى تتعرض له الحركة الإسلامية – لكننا نتوقع ألا يبقى الحال على هذا المنوال فيما بعد فسوف تتصدع تلك التنظيمات من داخلها علاوة على ما ستتعرض له من انهيارات بفعل المحاكمات القادمة المتوقعة والضغوط الشعبية.
قراءة للحالة الراهنة فى مصر :
أبرزت ثورتا 25 يناير ، 30 يونيو أن اللاعبين المصريين فى الساحة السياسية المصرية خمسة لاعبين هم الجيش أو بمعنى أدق المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، وفصائل الإسلام السياسى بقيادة الإخوان ، وفلول الحزب الوطنى ، والنخب السياسية ( الليبرالية والناصرية واليسارية ) ، وجماهير الشعب المصرى وفى مقدمتها شباب الثورة .
وللتعرف على دورها ووزنها فى الثورتين بإيجاز بالغ نعرض الآتى:
1- الجيش ( المجلس الأعلى للقوات المسلحة ) :
– يدير ويملك ما بين 30% – 40% من الاقتصاد القومى فى كثير من المجالات حتى الأندية الرياضية.
– يملك القوة المسلحة الأولى فى المجتمع من واقع وظيفته الأساسية واكتسب وزنا سياسيا من خلال كون الرؤساء الثلاثة السابقين منذ عام 1952 من بين أبنائه.
-تمثل دوره فى ثورة يناير فى الأيام الأولى فى رفض فض الحشود الجماهيرية بالسلاح وإفساح الطريق لفضح ممارسات مبارك وأبنائه والحلقة الضيقة المحيطة به من مساعديه دون إجراءات حقيقية لإدانتهم قضائيا ، ثم تولى زمام الأمور على مدى ستة عشر شهرا تحالف فيها مع جماعة الإخوان وتواطأ فى تدبيج إعلان دستورى معاد للدولة المدنية، وأوقف تطور الثورة.. وطارد الثوار وقتلهم وسحلهم وسجنهم وفجّر جماجمهم بالمصفحات وشهّر بهم ، وامتنع عن السير فى طريق تحقيق أهدافها ثم فيما بعد وضع الشعب أمام خيارين أحلاهما مر فى انتخابات الرئاسة . وانتهى بالخضوع لابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية بتسليم الحكم للجماعة .
– أما فى ثورة يونيو فقد لبى مطلب الشعب الغاضب وساعد فى عزل الرئيس لكنه اقترب من مسلكه السابق وأطلق شعار المصالحة المريب ؛ فى الوقت الذى صار مواجَها بعنف الإخوان وحلفائهم وبعناصر الجهاديين وتنظيم القاعدة فى سيناء ؛ وبتصاعد عمليات قتل المدنيين واقتحام المنشآت الحكومية والعسكرية؛ ومطالبا بالتصدى لها.
2- فصائل الإسلاميين بقيادة الإخوان:
– يمتلكون ما لا يقل عن 10 % – 15 % من الاقتصاد القومى؛ ولهم مصادر تمويل دولية متعددة مفتوحة على الدوام ، وهم منظمون فى تشكيلات عقائدية بمئات الألوف وبعضهم ( الإخوان ، والجماعة الإسلامية ) له تنظيمات مسلحة ومصادر ومخازن للسلاح ، علاوة على من تم استدعاؤهم للاستيطان فى سيناء وعدد من المناطق الصحراوية من مسلحين مدربين على حرب المدن والصحراء ؛ فضلا عن وجود خلايا نائمة فى أوساط المهنيين والقضاة والمحامين والصحفيين والجيش والشرطة وأعداد كبيرة من الموظفين فى الجهاز المدنى للدولة .
كذلك تدعمهم الولايات المتحدة الأمريكية فى تولي الحكم والإصرار على استمرارهم رغم رفض الشعب لهم.
هذا وأسهم مناخ التخلف فى الريف والعشوائيات فى دعمهم وفتح الطريق لهم فى تلك المناطق نظرا لسابق نشاطهم بها وبسبب الأيديولوجية الدينية فى صفوفها.
3- فلول الحزب الوطنى :
– على الرغم من أن الحزب لم يملك مقومات حزب حقيقى ولا تحكمه أيديولوجية متماسكة وانفرط بمجرد إزاحة مبارك إلا أن انتقاءه لأعضائه من بين رجال الأعمال ودوى النفوذ والحكام المحليين وكبار الزراع والمستثمرين علاوة على أعضاء المجالس المحلية الشعبية وارتباطه بجيوش كبيرة من البلطجية وتواجد كثيف حتى الآن فى جهاز الدولة المدنى وكثير من مفاصله علاوة على القضاء والنيابة والجيش والشرطة وأمن الدولة ، ومعرفة عميقة بتضاريس المحليات والمحافظات وسيطرة على حوالى 45 % – 50 % من الاقتصاد القومى قد جعل تجاهل دوره ووزنه فى الساحة السياسية نوعا من الحماقة.
– وقد لعبت هذه الفلول دورا فعالا فى مقاومة ثورة 25 يناير وساهمت فى إشاعة الفوضى التى استمرت طيلة حكم المجلس العسكرى وما تلاها وشاركت جماعة الإخوان فى اصطياد الثوار وقنصهم والقبض عليهم وخطفهم وتعذيبهم وفى إطلاق الشائعات وعرقلة تحقيق أهداف الثورة .
– كما أسهمت فى إفشال معظم التحقيقات التى تمت مع مبارك وأسرته وأقاربه ومساعديه وهو ما أدى لحصول معظم من ٌقدّم للمحاكمة على البراءة سواء فى تهم قتل الثوار أو الفساد .
– أما فى ثورة 30 يونيو فقد شارك بعضهم – استنادا لوهم استعادة الحكم – فى الحشود وفى مواجهة ميليشيات الإسلاميين ؛ وإن كان بعضهم قد ظل بعيدا عن المشاركة لأنه لا مصلحة له فى العودة للوراء ولا عقيدة سياسية تحكمه . هذا ولا يمكن تصديق الكثير مما قيل عن انفراد ميليشيات الإسلاميين بعمليات القنص والخطف والتعذيب للثوار فى ثورة يناير لأن دور جيوش البلطجية ورجال الحزب الوطنى كان موجودا وفعالا .
4- الشعب :
• لم يشارك فى الثورة الأولى ( ثورة المدن الكبرى ) بفعالية شديدة إلا ثلاثة مدن هى القاهرة والسويس والإسكندرية و3-4 مدن إقليمية أخرى على استحياء منها المحلة والمنصورة بينما ظلت أغلبية المدن الإقليمية بعيدة عن المشاركة الحقيقية أما الريف فكان فى سبات عميق.
• أما فى ثورة 30 يونيو فقد غطت الثورة معظم عواصم المحافظات وجانبا من مراكزها الإدارية وجزءا من الريف وهو تغيير كيفى منسوبا إلى الثورة الأولى.
• هذا وقد ابتدعت الجماهير وسائل متعددة للتظاهر السلمى والشعارات السياسية وواجهت فى الثورتين عنف الشرطة ثم ميليشيات الإسلاميين إلا أن محافظتى سيناء اتخذتا وضعا مغايرا بالذات فى الشمال حيث استثمر الإسلاميون الثلاثين شهرا الماضية فى التغلغل فى أوساط السكان وجندوا بعضهم فضلا عن النشاط الذى أبدته العناصر المسلحة ضد معسكرات ومراكز الشرطة ونقاط التفتيش العسكرية هناك.
• ونذكر بأن المسافة الزمنية التى فصلت بين الثورتين كانت بمثابة عملية تدريب متصلة للجماهير رفعت وعيها ولأول مرة نسمع الشعار ” آى بنقولها بجد // مش حنسيبها لحد” ، علاوة على أن الجماهير كانت المبادئة بكل المبادرات والشعارات التى تجاوزت حركة النخب.
5- النخب :
• ونقصد بها السياسيين القدامى والجدد الذين صعدوا على سطح الحركة الثورية نتيجة الحراك الشعبى المتواصل فيما بين الثورتين وأشهرها جبهة الإنقاذ الوطنى التى تشكلت من اتجاهات متنافرة ( بعض رموز نظام مبارك، الليبراليين ، الناصريين ، اليساريين ) أثرت على قدرتها فى اتخاذ المواقف الصحيحة فى التوقيت المناسب.
• وتهمنا الإشارة إلى أن عددا من رموز وأعضاء الحزب الوطنى لم يفقد الأمل فى المشاركة فى غنائم ثورة 25 يناير وكثير منها شارك فى أحزاب سياسية جديدة وبعضها شارك فى جبهة الإنقاذ مثل عمرو موسى .
• الليبراليون: وأشهرهم محمد البرادعى الذى حظى بشعبية واسعة منذ بادر بالإعلان عن استعداده للترشح لانتخابات الرئاسة فى أواخر عهد مبارك إلا أن تلك الشعبية تأرجحت بين الهبوط والثبات بسبب طبيعته الشخصية وإحجامه عن طرح برنامج اجتماعى يجذب له جماهير البسطاء واستغراقه فى السفر للخارج أوقاتا طويلة؛ علاوة على مواقفه المحاذية على مواقف جبهة الإنقاذ المتأخرة دوما والمتلكئة عن مواقف شباب الثورة والجماهير. ومثال آخر هو حزب الوفد صاحب المواقف المذبذبة والمترددة بين نظام الإخوان وشباب الثورة ، ومثال ثالث أكثر ترددا وانتهازية هو موقف حزب الغد ( أيمن نور ) الذى كسر إجماع الليبراليين فى رفض الحوار بلا أجندة مع الرئاسة مما أدى لانعزاله، وآخرين مثل عمرو حمزاوى الذى أيد بطريقة ملتبسة شعار المصالحة بعد ثورة 30 يونيو واستفز قطاعات واسعة من الليبراليين وشباب الثورة .. وهكذا.
• أما الناصريون فلم يستفيدوا من عديد من المزايا التى توفرت مؤخرا خلال نشاطهم السياسى مثل :
• الحصيلة التصويتية فى انتخابات الرئاسة التى حصدها ممثلهم ..حمدين صباحى .
• ما حققه أحد أبرز رموزهم – عزازى على عزازى- برفضه البقاء فى منصب محافظ الشرقية واستقالته فى أعقاب إنجاح جماعة الإخوان فى الرئاسة ورفض التعاون معهم .
• وشخصية بارزة أخرى – كمال أبو عيطة – الذى انتزع مع زملائه فى قطاع الضرائب العقارية عام 2009 نقابة هامة مستقلة من فم الأسد وصارت مضرب الأمثال فى صفوف معارضى النظام ؛ ورفعت أسهمه وأسهم حزب الكرامة فى الشارع.
• فضلا عن رئيس الحزب الناصرى – سامح عاشور – الذى تولى منصب نقيب المحامين فى الانتخابات الأخيرة.
وعلى العكس من ذلك ارتكب حزب الكرامة خطأ فاحشا بمشاركة الإخوان فى تحالف انتخابى أدخل سبعة من أعضائه لمجلس الشعب على قوائم ذلك التحالف الإخوانى إلا أنهم لم يقدموا شيئا ذا بال فى جلسات المجلس التى سبقت حله ؛ فهبطت بأسهمهم بشدة فى نظررجل الشارع والثوار وكثير من النخب ، والأهم من ذلك هو اعتمادهم على الكتل التصويتية لانتخابات الرئاسة لتأسيس تنظيم جديد باسم التيار الشعبى لم يشارك فى الارتباط بالجماهير الفقيرة ولم ينشط إلا فى الاحتجاجات الشعبية .. وهو ما أهدر كثيرا مما تم حصده.
• اليساريون :
• كان لأشهر تنظيمات اليسار الحكومى ( حزب التجمع ) موقف مناوئ ورافض للمشاركة فى ثورة يناير 2011 ، ومطابق لموقف جماعة الإخوان منها وهم ما لم يسئ إليه فقط بل أساء لليسار بشكل عام .
وعموما فإن من ترشحوا للبرلمان من اليساريين لم يجدوا صدى حقيقيا فى الشارع ، ومن ترشحوا للرئاسة لم يحصدوا من الأصوات ما يشى بنشاطهم فى الأوساط الشعبية ولم يكن مهموما فى نشاطه العملى بقضايا الفقراء إلا القليل كان أبرزهم هو أصغر المرشحين سنا وأحدثهم عهدا بالنشاط السياسى ( خالد على ) ، لكن نشاطهم الأوسع كان إعلاميا.
• ولم ينشط من العناصر العمالية إلا أعداد محدودة لا تتناسب مع حجم الطبقة العاملة ولا بما هومتوقع منها فى مثل هذه الظروف.
• وكذلك المتصدرون للكفاح الفلاحى الذين لا تملك الأغلبية الساحقة منهم برنامجا فلاحيا أو تصورا متماسكا ، وصلاتهم بالريف شديدة الضعف ؛ ويقتصر الجانب الأعظم لنشاطهم على الأمور الإعلامية والاحتفالية هذا من ناحية .
• ومن ناحية أخرى فإن اتحاد النقابات المستقلة يتعرض من الداخل لخلافات تبرز على السطح بين حين وآخر تشير إلى ضعف تماسكه ومن ثم فعاليته. ، وكذلك ما يسمى بنقابة الفلاحين التى أسستها الدولة منتصف عام 2011 عن طريق وزير الزراعة ( أيمن أبوحديد )، واتحاد الفلاحين الذى أسسه بعض قادة حزب التجمع ” اليسارى “.
• أما عن الأحزاب اليسارية الجديدة فقد شارك اثنان منها فى جبهة الإنقاذ الوطنى التى أبدينا مآخذنا عليها ، ولا نعتقد أن مواقف الحزبين قريبة من مواقف الجبهة وهو ما يضعف فعاليتهما فيها ؛ خصوصا وأن نشاطهما الجماهيرى فى مستوى أدنى مما تتطلبه المرحلة الراهنة الحافلة بالأحداث والتطورات المتسارعة.
أما الحزب الثالث ( العمال والفلاحين ) فقد امتنع عن المشاركة فى جبهة الإنقاذ وركز نشاطه على الطبقة العاملة والاحتجاجات الشعبية الراهنة.
ولإبراز حالة الاهتزاز وضعف الثبات التنظيمى والتخبط السياسى لأحد النماذج الحزبية اليسارية .. نشير لما حدث فى حزب التحالف الشعبى – العضو بجبهة الإنقاذ – فى انتخابات الرئاسة ( إبريل / مايو 2012 ) حيث رشح الحزب أحد قادته وتشكلت لجنة للدعاية الانتخابية .. لكن بعد أيام معدودة من بدء عملها فوجئ الرأى العام بتوقفها وانصراف أعضاء الحزب عن مرشحهم لدعم ثلاثة مرشحين آخرين للرئاسة أحدهم يسارى والآخر ناصرى والثالث إخوانى سابق .. وانفرط عقد الحملة الانتخابية.
ورغم ما تم عرضه لا يمكن فى تقديرنا قراءة موضوع الثورة بمجرد تتبع تفاصيلها اليومية أو / و بالمدى الذى تحققت به مطالب الشعب فقط ، لكن القراءة العميقة تكون بإضافة ما سبق إلى الحدود التى انتقل الشعب إليها من وضع ما قبل مبارك إلى وضع ما بعد مرسى وكيف تمت إزاحة الطغاة وفضح وخلخلة التنظيمات التى عششت فى أرجاء المجتمع على مدى يزيد عن ثلاثة أرباع القرن ، ويضاف إليها كذلك المستوى الذى بلغه الوعى السياسى للشعب والمشاركة الفعلية فى الأحداث .. والإصرار على التعلم وتحقيق أهداف الثورة.؛ كذلك الحالة المعنوية والنفسية لملايين المصريين التى خلقتها الثورتان ؛ والتصدعات المؤكدة فى جدار الخوف ؛ والشعور بالثقة فى النفس واليقين فى النصر والقدرة على التغيير .. وإدراك ذلك من مختلف القوى السياسية والاجتماعية من إسلاميين إلى أطلال وفلول الوطنى إلى الجيش وإلى مجمل النخب.
.إن ما ذكرناه عن اللاعبين الخمسة فى الساحة السياسية المصرية يُبرِز بشكل شديد الجلاء أن الشعب هو الطرف الأهم بل والأقوى – رغم أنه الأعزل – بينما الإسلاميون وبقايا الوطنى والجيش هى التى تتنافس على الإمساك بالسلطة أو إدارتها أو الإشراف عليها من خلف ستار أو على الأقل التأثير فيها لاعتبارات مختلفة .
ورغم التباين الواضح فى دوافعها المعلنة من بعضها البعض إلا أنها أقرب لبعضها فى المصالح والتوجهات حيث أن المسافة بين كل منها والآخر أضيق كثيرا مما بينها وبين الشعب.
وضع النخب فى الساحة السياسية :
أما النخب فهى أضعف اللاعبين أو أضعف أطراف المعادلة، وقد أثبتت الأيام والأحداث هزالها فى قدرتها على قيادة الشعب والأخذ بيده وقبلها فى الارتباط به ؛ فالنخب بوضعها الراهن ليست شيئا متجانسا وتختلف مصالحها وأفكارها وتتباين سواء فيما بين أقسامها المتنوعة ( ليبراليين ، ناصريين ، يساريين ) أو بينها ككل وبين الشعب ، ومن ناحية أخرى فإن كل قسم منها على حدة لم يستطع أن يلعب الدور الذى ينشده فى تطهير المجتمع من جملة الأمراض التى يعانيها أو حتى بعضها كالفساد والاستبداد وانخفاض مستوى المعيشة والبطالة والجوع أوفى استعادة الاستقلال الوطنى واسترداد الدولة لوزنها وهيبتها الإقليمية والدولية وتأمين مستقبل الأجيال القادمة إلخ.
وعليه فالنخب لاعب غائب أو موجود شكلا لكنه عاجز عن الفعل ولذلك فاللاعبون الثلاثة الآخرون- الإسلاميون والفلول والجيش-هم من يدور التنافس والصراع بينهم لفرض تصوراتهم على المجتمع.. سواء رضى الشعب أم لم يرض.
ولأن الشعب قد أزاح رئيسين وهتف ضد الثالث خلال المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير ولأنه لم يصل بعد إلى مستوى من التنظيم يُمَكنه من فرض تصوره لقيادة المجتمع والدولة فلا مناص من الإقرار بذلك ليس قبولا به وإنما استعداد للارتقاء بمستوى تنظيمه وانتزاع أسلحته السياسية للوصول إلى تطبيق الصيغة التى يتصورها مناسبة لتسيير دفة المجتمع من دستور إلى شكل وطريقة الحكم .. وهكذا .
وهناك بالطبع فارق شاسع بين الإقرار بما يفرزه ميزان القوى فى المجتمع وبين التسليم بالأمر الواقع والعزوف عن تغييره.
ولأن تعديل ميزان القوى لا يتحقق بتعويذة ولا يهبط فجأة من السماء بل يحتاج إلى جهود دءوبة وصبر وإعمال عقل ورويّة وانتقاء للأدوات الملائمة نسوق التصور التالى:
فى أعقاب إزاحة مبارك فى فبراير 2011 طرحتُ – حماية للثورة – ضرورة دعم مركزها ( فى المدن الكبرى) بمزيد من العمل والنشاط لتحريك محيطها فى الأقاليم والريف ولأن النخب تغيب عن الريف تماما ويرتع الإسلاميون فيه بلا عوائق فى ظل مناخ موات من الجهل والخرافة والتخلف يستلزم الأمر ضرورة التطرق إلى تاريخ الإسلاميين – خصوصا المسجل فى مذكرات قادتهم – بشأن رفضهم للإصلاح الزراعى( مبدءا وقانونا ) وإعلانهم عن مخالفته للإسلام ودعمهم للقوانين والإجراءات التى تجرد الفلاحين من أراضيهم وتحيلُهم فريسة للتشرد والبطالة ؛علاوة على إبراز موقفهم من الحركة الوطنية واستخدامهم العنف والقتل مع من يخالفونهم الرأى وهو ما يمكن أن يغير موقف الفلاحين منهم وبالتالى يساهم فى تعديل ميزان القوى. ولم يكن ذلك مجرد تصور بل تم تنفيذه عمليا فى المناطق التى تنشط فيها لجنة التضامن الفلاحى التى أنتمى إليها.
لقد كانت الثلاثون شهرا الماضية كفيلة بلعب هذا الدور لو اقتنعت النخب اليسارية والناصرية بذلك وكانت قادرة على المشاركة فى تنفيذه .. لكن الأمور لم تسر فى الاتجاه المطلوب وأُهدرَت فرصة ثمينة لا تتكرر كثيرا.
التوقيعات لا تسقط نظاما .. لكنها هزمت تيارا فاشيا:
سبق لعدد من الأصدقاء – إبان قيام الشباب بجمع التوقيعات لخلع الرئيس الإخوانى- أن ذكروا اعتراضا ضمنيا على جدوى حملة التوقيعات الجارية آنذاك قائلين: أن (التوقيعات لا تُسقط نظاما )، بل تُسقط القائمين بها فى الأوهام؛ ولأن المقولة صحيحة إذا ما اعتبرنا الجملة صماء أو “ترجمناها ترجمة حرفية” و تَأكدنا أن التوقيعات لا تمتلك قوة مادية ؛ أو إذا ما افترضنا الحملة بلا مقدمات تحضيرية.. ودون آثار وتداعيات لاحقة ، لكن الأحداث اندلعت لتوضيح أشياء كثيرة منها :
– أن حملة التوقيعات رفعت حرارة الشارع وحرّكته بعد أن كان ساكنا خصوصا وأن النخب- كل النخب – لم تقدم للجماهير ما يعاونها على استعادة نشاطها ولم تتقدم الصفوف لتوضح لها أن التوقيعات بمفردها لن تسقط النظام الحاكم لكنها إن ارتفقت بنشاط فعال يمكن أن تُفْضى إلى وضع أكثر تقدما .. يؤهلنا لمحاصرة النظام وإرباك خططه وتصوراته وهو ما لم يتبادر لأذهان النخب.
– وأنها كانت بمثابة المفجر الذى استثار غضب الشعب المتراكم طيلة عامين ونصف.
– كما أسهمت فى استجماع حشد بشرى تحدثت عنه شعوب العالم بإعجاب بالغ وهز أركان كل أعدائه فى الداخل والخارج ورفع معنوياته إلى عنان السماء.
– – وأفشل مخططات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وجماعة الإخوان فى وأد القضية الفلسطينية واستباحة سيناء بغزو جراد السلفيين الجهاديين ، وباغت الجميع وهم فى أوضاع مخزية وأفقدهم صوابهم .. إلخ.
– ونسأل : ماذا لو لم يقتصر حديث أصدقائنا على التصريح بعبارة ( التوقيعات لا تسقط نظاما ) وبدلا من ذلك تقدموا الصفوف وشاركوا فى الحملة وفسروا عبارتهم ؟ ألم يكن ذلك أجدى لإحساس الشباب أن هنا من يدفعهم للأمام ويأخذ بيدهم بدلا من إحساسهم بأن هناك من يكسر مجاديفهم ؟
– ولأن الشعب لا ينصت إلا لمن يشاركه العمل كتفا بكتف ؛ ولأنه لا يثق إلا فى تجربته الخاصة حيث سبق له أن رفع شعارات فى ثورة يناير ما لبث أن رفع عكسها بعد شهور كما حدث مع مجلس طنطاوى العسكرى ثم مع جماعة الإخوان ؛ فإن التجربة تلزمنا بأن نقر أن كفاح كل النخب على مدى أربعين عاما لم يمكنا من كشف حقيقة الإسلام السياسى بقدر ما كشفتها تجربة الشباب الذى احتج وتظاهر وجمع التوقيعات؛ وتؤكد أنه فى طريقه لأن يستكمل تنظيم نفسه وانتزاع بقية أسلحته وامتلاك مصيره فى المرة القادمة لسبب بسيط هو أن أهداف ثورته التى لم تتحقق بعد .. يقف خلفها حائط صد أخير إسمه الجوع .. فهل نتريث؟!

الخميس 25 يوليو 2013 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر

لكى تعودَ مصر.. ونعودَ فراعنة مرة أخرى : جففوا منابع التمويل والسلاح لمن مارسوا الاستبداد والفساد ؛ واستأنفوا حملات التنوير ؛ وكفوا عن إمساك العصا من المنتصف

اتخذت جماعة الإخوان المسلمين موقفا معاديا من الحركة الوطنية المصرية طوال تاريخها ؛ ولأنها لا تعترف بالوطن فلا مبرر عندها للدفاع عن الشعب ، ولأنها لا تعترف بالمواطنة فلا سبب يدعوها للحفاظ على صلات ودية تربط أهلها بعضهم ببعض خصوصا إذا كانوا من طوائف أو أديان أو عروق مختلفة. لذا سجدَتْ لله شكرا لهزيمة مصر فى حرب 1967 وغمرت الفرحة أعضاء الجماعة ومناصريها فى الوقت الذى كان الحزن يخيم على كل منزل فى مصر.
*ويذكر التاريخ انحيازها للملك ولأحزاب الأقلية المعادية مثلها للحركة الوطنية ؛ وصلتها الحميمة بالاحتلال البريطانى منذ أن أغدق عليها أولى مِنَحِه المالية ( 500 جنيه ) فى عام 1928 التى أسست بها مئات المقرات والشٌّعب والمكاتب فى كثير من محافظات مصر آنذاك.
*كما سجل التاريخ صلة الإخوان بالسفارة الأمريكية قبل عام 1952 ومطالبة مرشدهم الأول حسن البنا لها بتشكيل لجنة مشتركة ( إخوانية – أمريكية ) لمكافحة الشيوعية فى مصر فى زمن كان الاحتلال البريطانى يشكل أهم القضايا التى تستحوذ على مشاعر واهتمام الشعب ؛ فقد كانت بريطانيا وأمريكا تريان فى جماعة الإخوان الوسيلة الوحيدة الفعالة لوقف مقاومة الشعب المصرى للاحتلال البريطانى والتصدى لحزب الوفد المتزعم للكفاح الوطنى ومواجهة النشاط الطلابى فى الجامعة وأوساط العمال الذى أزعج بشدة الوجود العسكرى للاحتلال ودفعه دفعا للانكماش فى منطقة قناة السويس بعد أن كان منتشرا فى أرجاء مصر وخصوصا بمدينتى القاهرة والإسكندرية.
* هذا وقد أدركت الجماعة – على يد مؤسسها حسن البنا – أهمية الارتباط بذوى النفوذ السياسى من الحكام ؛ والمادى من الأغنياء.. لتتخذ منهم ساترا للحماية والنمو والانتشار الذى تركز فى أوساط البسطاء ومحدودى التعليم والثقافة.
* كما أدركت أهمية الحصول على السلاح وتخزينه والتدريب على استخدامه فاستغلت حملات التبرع ” والاستعداد ” لحرب فلسطين وتواجُدْ مفتى فلسطين بمصر لشراء السلاح واستولت على كميات هائلة منه ، وكذا أهمية وجود مليشيات سرية مسلحة تقوم باغتيال خصومها السياسيين – فلم ينج واحد منهم من محاولة اغتيال وعلى رأسهم مصطفى النحاس وجمال عبد الناصر فيما بعد وبعدها تشرع فى الاستيلاء على الحكم . ولذلك قامت بتشكيل تلك المليشيات من بين فرق الكشافة التى كانت أحد السواتر التى تتخفى وراءها المليشيات وتضلل معظم السياسيين بشأنها.
* أيضا كانت السرية إحدى الأدوات التى أبعدت كثيرا من الأنظار عن حقيقة جيشها السرى ” التنظيم الخاص ” وعن أهداف الجماعة علاوة على سياسة الإنكار التام لكل ما قامت به من اغتيالات شملت أحمد ماهر ( 1945 ) والنقراشى (ديسمبر 1948 ) رئيسى الوزراء؛ والمستشار الخازندار( مارس 1948 ) ؛ وحكمدار بوليس القاهرة سليم زكى ( ديسمبر 1948 ) ؛ وعدد من الطلاب الوطنيين فى القاهرة وبور سعيد وميت غمر وشبين الكوم بخلاف اغتيال سيد فايز مسئول الجهاز السرى المسلح فى نوفمبر1953 بعد تنحية رئيسه السابق، وتجلى ذلك فى تكذيبها لعلاقتها بالاغتيالات وإنكار صلتها بها وإمعان البنا فى ذلك الإنكار قائلا : ” من قتلوا النقراشى ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ” رغم ضبط المتهمين متلبسين واعترافهم بانتسابهم للجماعة .
وكانت قدرة الجماعة على إخفاء أعضاء التنظيم المسلح مبتكرة ومتنوعة حيث اعترف كل من عبد العزيز كامل وحسن الباقورى القياديين بالجماعة والمفكر الإسلامى الكبير خالد محمد خالد فى مذكراتهم بأن قاتل أحمد ماهر ( محمود العيسوى ) عضو بالجماعة على عكس ما ادعاه البنا وأعضاء مكتب الإرشاد بعضويته فى حزب مصر الفتاة.
باختصار كان الارتباط بمصادر النفوذ السياسى والنفوذ المالى وبالسرية وفنون التخفى والتمويه سواء فى التصريحات السياسية أو السلوك العملى ، وبمصادر التسليح على رأس أولوياتها، وهو ما تؤكده كثير من المراجع التاريخية والوثائق المحفوظة فى المتحف البريطانى بلندن ومكتبة الكونجرس الأمريكى ؛ علاوة على سجلات وزارة الداخلية؛ وقبل ذلك تاريخها المدون فى الصحافة المصرية ومذكرات كثير من قادتها.

تكشّف حقيقة الجماعة وأهدافها بعد توليها الحكم:
ونظرا لاكتشاف الشعب المصرى لحقيقة الجماعة وحلفائها ولأهدافهم وسقوط كثير من الأوهام التى بثتها فى عقول قطاعات واسعة منه أدرك الشعب المصرى ضرورة استبعادها من المشهد السياسى ؛ وبات من الضرورى نزع بقية مصادر القوة التى تمكنها من العمل والنشاط كى لا تعرقل عملية إعادة البناء وتحقيق أهداف الثورة.. وأهم تلك المصادر هو التمويل لوقف:
1-عمليات شراء الأسلحة والعتاد العسكرى .
2-شراء المقرات والمكاتب العلنية والشقق السرية المعدة لاستضافة وإيواء المسلحين الأجانب والمصريين والهاربين والمتخفين والمطلوبين للعدالة.
3- دفع رواتب كل العاملين فى الأجهزة السرية والعلنية ؛ والمنح المصروفة للأعضاء ومنها شراء السيارات والشقق.
4- العقود والاتفاقات المبرمة لنقل الأعضاء والمناصرين بين المحافظات خلال المؤتمرات و التظاهرات والاعتصامات وإيوائهم وإعاشتهم وتعويضهم عن غيابهم عن أعمالهم.
5- الرشاوى النقدية والعينية ( بطاطين وأغذية وتيليفونات محمولة ) المستخدمة فى كل الانتخابات المحلية والقومية.
مع الوضع فى الاعتبار أن عمليات التمويل تعتمد على أكثر من مصدر منها :
أ-الدعوم المالية والعينية ذات الطابع السياسي من بعض الهيئات والدول الأجنبية كتنظيم القاعدة وقطر والسعودية والولايات المتحدة وتركيا.
2- التبرعات التى يتلقاها التنظيم الدولى للإخوان المسلمين ويوزع جانبا منها على التنظيمات القُطْرية.
3- الاشتراكات من أعضاء التنظيم.
4- الشركات والمصانع والمؤسسات التى يديرها بعض قادة وأعضاء التنظيم للجماعة والمسجلة بأسمائهم توقيا لمصادرتها .
5- البنوك والمؤسسات المالية التى تمتلكها أو تشارك فى رأسمالها عن طريق أعضائها ومجالس إدارتها مثل :
أولا : فى الولايات المتحدة الأمريكية : مؤسسة ماس ، مؤسسة الشباب المسلم.
ثانيا : فى جزر البهاماز : بنك التقوى ، بنك العقيدة الدولى ، مجموعة الصفا الدولية .
مع العلم بأن اختيار جزر البهاماز مقرا لها لم يكن عفو الخاطر حيث لا يحتاج تأسيسها لتراخيص أو ضوابط كالتى تحتاجها البنوك فى بقية دول العالم ، وكثيرٌ من مؤسسات غسيل الأموال والمافيا وتجارة المخدرات والسلاح والرقيق الأبيض والأعضاء البشرية تتخذها مقرا لها.
*هذا وقد قام بالدور الرئيسى فى تجميع الأموال كمال السنانيرى – زوج شقيقة سيد قطب- وسعيد رمضان زوج بنت حسن البنا تحت إشراف عدد من مسئولى التنظيم الدولى ومنهم مصطفى مشهور ومهدى عاكف بينما تولى يوسف ندا مهمة تحريكها وتوظيفها واستثمارها ولعب دور الواجهة الإعلامية الشيخ الشعراوى والقرضاوى وعمر عبد الرحمن وغيرهم.
وقد أسهمت تلك الأموال فى دعم إخوان الجزائر ( جبهة الإنقاذ ) ، والقرن الأفريقى ، والنهضة التونسية ، وإخوان سوريا ( الجيش الحر حاليا ) ، والجماعة فى مصر.

مصادر تمويل جماعة الإخوان فى مصر :
1- بريطانيا إبان احتلالها لمصر حيث قدمت للبنا 500 جنيه فى الشهور الأولى لتأسيس الجماعة عن طريق شركة قناة السويس.
2- القصرالملكى فى عهدى الملك فؤاد وابنه فاروق، ومن أحزاب الأقلية ( حزب الشعب ورئيسه إسماعيل صدقى ؛ وحزب الأحرار الدستوريين، وحزب السعديين برئاسة محمود فهمى النقراشى الذى اغتالته الجماعة فيما بعد.)
3- ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وقد نقل الكاتب الصحفى محسن محمد فى كتابه ( من قتل حسن البنا ؟ صـ 88 ) تقريرا رسميا بريطانيا جاء فيه أن : ” وكيل وزارة الداخلية حسن باشا رفعت صرح لوالتر سميث مستشار السفارة البريطانية بأن حسن البنا تلقى إعانات مالية من الإيطاليين والألمان والقصر الملكى”
وفى وثيقتين من المخابرات البريطانية ذكرت الأولى ( مؤرخة 22 أكتوبر 1939 – مكتب الأمن العسكرى – مصر – O.F – 23342 / 371 ) أن:
” الهر ويلهلم ستلبوجن مدير مكتب الدعاية النازية بمصر والملحق الصحفى لألمانيا وهو لا يتمتع بالصفة الدبلوماسية عثر عنده عند تفتيشه على مذكرة مؤرخة فى ١٨ أغسطس وتقول «لقد أرسلت البعثة إلى حسن البنا مرة أخرى ذات المبلغ بذات الطريقة، لكنه طلب المزيد» وعلى ورقة أخرى مكتوبة بالآلة الكاتبة الألمانية جاء فيها «أن دفعة جديدة من الأموال لجماعة الإخوان المسلمين قد أصبحت ضرورية جداً«.

بينما تحدثت الثانية عن تمويل بريطانى وهذا جزء منها ” مكتب الأمن العسكرى – مصر – O.F – 23343 / 371 ) أن:
0البعثة أرسلت إلى حسن البنا ذات المبلغ بذات الطريقة- هؤلاء الناس يمكنهم فعل أشياء كثيرة ويمهد حسن البنا أو يبرر تلقيه أموالا من دول المحور ( ألمانيا وإيطاليا ) التى كانت تستعد لقتال الحلفاء ( بريطانيا وفرنسا وغيرها .. ) قائلا فى مجلة النذير فى ذى القعدة 1357: ” أن ألمانيا وإيطاليا تفكران فى اعتناق الإسلام”.
هذا ويؤكد الصحفى البريطانى مارك كيتس فى كتابه الشهير ( العلاقات السرية : التحالف البريطانى مع الإسلام السلفى ) قائلا : ” هذه الجماعات طالما تلقت ولا تزال تمويلا أمريكيا منذ نهاية الخمسينات ، وعشرات الملايين ذهبت إلى سعيد رمضان صهر البنا صاحب العلاقات الوطيدة بالمخابرات الإنجليزية ”
كذلك فقد أكد عمدة لندن السابق ( كى لفنجستون ) فى تصريح له عام 2008 بأن” جماعة الإخوان تتلقى تمويلا من المخابرات الإنجليزية.. منها رواتب لاجئيها السياسيين فى لندن “.

العمالة هى الوجه الآخر للاستقواء بالخارج ضد الشعب:
واستقواء الجماعة بالخارج لم يبدأ فى ثورة 30 يونيو 2013 فقط؛ بل كان مطلبة لرد الدين:
ففى كتابه لعبة الشيطان ذكر مؤلفه روبرت دريفوس ما يلى :
*يقول روبرت ماير مدير العمليات الخارجية السابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية : “قررت الوكالة الانضمام إلى المخابرات البريطانية فى اللجوء لفكرة استخدام جماعة الإخوان المسلمين فى مواجهة عبد الناصر ”
ويضيف دريفوس : ” كان البيت الأبيض على علم أولا بأول بما يجرى واعتبر الإخوان حليفا صامتا وسلاحا سريا يمكن استخدامه ضد الشيوعية وتقرر أن تلعب السعودية دورا فى تمويل الإخوان للانقلاب ضد عبد الناصر.”
ويستكمل : ” تعاملت الولايات المتحدة مع عبد الناصر بعجرفة شديدة وانخرطت فى عمليات سرية ضده من أجل اغتياله وذبحه مستخدمة فى ذلك عناصر اليمين الإسلامى وبدعم مالى من السعودية .”
ويؤكد :” حرّكت الولايات المتحدة مارد الأصولية والتطرف الإسلامى ضد الزعماء الوطنيين ليس فى مصر فقط بل فى إيران وإندونيسيا وأفغانستان وغيرها حتى انقلب عليها ذلك المارد “. وهذا ماتم فعلا فيما بعد ؛ ضد عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية حيث محاولة اغتياله الأولى ؛ كما طالبت السعودية بفتح حدودها أمام الطيران الإسرائيلى ودفعت بمقاتلى الإخوان المسلمين والمرتزقة لضرب القوات المصرية فى اليمن منذ عام 1962، كذلك دعمت انقلابا فى إيران ضد رئيس الوزراء الوطنى محمد مصدق الذى أمم البترول عام 1951 ، و انقلابا عسكريا دمويا ضد الرئيس أحمد سوكارنو فى إندونيسيا راح ضحيته عشرات الآلاف من الوطنيين والشيوعيين ، وبعدها انقلب المارد الأصولى ضد الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001 بتفجير برجى التجارة العالمى.
*يقول الصحفى الأمريكى المعروف ديفيد إجناثيوس فى مقاله المعنون ” رجلنا فى القاهرة ” أن ( مساعدى مرسى يؤكدون أن متانة العلاقات بينه وبين أوباما كانت السبب فى التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين قطاع غزة وإسرائيل وأن ذلك الدور الذى لعبه مرسى قد أكد نجاح سياسة الإدارة الأمريكية فى الرهان على جماعة الإخوان وإبقاء كافة القنوات مفتوحة معها خلال السنة التى تلت ثورة 25 يناير 2011.)
ويضيف: ( ” السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ” مثال ينطبق على جماعة الإخوان وعلى ما تقوم به حيث وجدت نفسها فى موقع القيادة بعد عقود من العزلة ؛ وأن مرسى أصدر إعلانه الدستورى فى 22 نوفمبر 2012 ظنا منه أنه يتمتع بدعم أمريكى الأمر الذى أدى لاندلاع المظاهرات ).
وينهى مقاله : ( إن تحالف الولايات المتحدة مع من يريدون تطبيق الشريعة فى مواجهة من يريدون الحفاظ على مصر ليبرالية متسامحة .. هو ضرب من الجنون.)

*لكن ما الذى دفع مرسى للتحول إلى ديكتاتور ..؟ هل مكتب الإرشاد ؟ أم إمساكه بسلطة مطلقة كما قال إجناثيوس ؟ أم شئ آخر ..؟
ونسوق للإجابة على السؤال القصتين التاليتين :
القصة الأولى :
التقطت العيون الفاحصة فى الولايات المتحدة الأمريكية عالما مصريا فى مجال الدفع الصاروخى اسمه د. عبد القادر حلمى وألحقته بالعمل فى وكالة ناسا .
وقد استطاع العالم المصرى تعديل نظام الدفع الصاروخى باستخدام الوقود الصلب بمكوك الفضاء ديسكفرى حتى لا يتعرض للإنفجار كما حدث للمكوك تشالنجر عام 1982 .
وفيا بعد تصادف أن تعرف د. حلمى بمحمد مرسى الذى التحق بالعمل بنفس الوكالة وكان يسكن معه نفس الولاية.
من ناحية أخرى ونظرا لاحتياج القوات المسلحة المصرية لتطوير بعض أنظمة صواريخها فقد تم الاتفاق بين حلمى و أحد ضباط المخابرات المصرية والمشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع على تهريب بعض ألواح الكربون الأسود وبعض تصاميم الصواريخ الأمريكية التى تستخدم الدفع الغازى ونجح فى ذلك لفترة إلا أنه فوجئ بضبطه متلبسا فحوكم وعوقب بالسجن لمدة 25 سنة واختفت أسرته من أمريكا وترك أبو غزالة وزارة الدفاع.
ولأن الوكالة الأمريكية من الهيئات شديدة الأهمية والسرية ولا يدخلها سوى الموثوق بهم أمنيا ومنهم عبد القادر حلمى ومحمد مرسى ؛ فقد اتجهت كل الشكوك نحو الأخير باعتباره كان الأداة التى كشفت سر العالم المصرى.
وما يهمنا فى الموضوع ليس ما قام به عبد القادر حلمى بل ما قام به مرسى وما تشير إليه جملة هذه الوقائع والشكوك فى صلته بوطنه وبالوكالة التى عمل بها.

أما القصة الثانية فتتعلق بمفاعل ديمونة الذرى الإسرائيلى :
ففى إحدى ورش العمل العلمية المعقودة فى الإسكندرية مؤخرا أفادت الباحثة السويدية أيان أنتونى بأن مفاعل ديمونة يواجه حاليا مشكلة علمية وأمنية كبيرة تتعلق باقتراب موعد انتهاء صلاحيته وهو ما يهدد عملية تخصيب البلوتونيوم بالتوقف ويثير كثيرا من التساؤلات حول الحلول المطروحة بشأنه خصوصا وأنه بوضعه الراهن يشكل خطرا على السكان القريبين منه وتتطلب دواعى الأمن نقله من مكانه الحالى لمكان أبعد وأكثر أمانا هذا من ناحية .
ومن ناحية ثانية تتحدث بعض الدوائر السياسية فى مصر عن شائعات قوية حول اتفاق بين إسرائيل وجماعة الإخوان المسلمين يجرى الشروع فى التحضير له ويتعلق بتحويل سيناء إلى مأوى للفلسطينيين سواء المقيمين فى غزة أو القادمين من سوريا وتشرف علية منظمة حماس فى مقابل تخليهم عن العودة لفلسطين ، وكذا نقل مفاعل ديمونة الإسرائيلى من صحراء النقب إلى منطقة بوسط سيناء لتجنيب الإسرائيليين مخاطره المحتملة ، وإطلاق يد الجهاديين العرب فى بقية سيناء وما يستتبعه ذلك من هز هيبة القوات المسلحة المصرية واحتمال دخول قوات دولية أو إسرائيلية إلى سيناء فى مقابل دعم دولى سياسى ومالى لجماعة الإخوان ومحمد مرسى .
هذا وتشير الدوائر المذكورة لوجود بعض الأدلة والقرائن والوثائق فى هذا الأمر ، وهو مارفع معدلات الغضب ضد مرسى وجماعته فى تلك الدوائر إلى عنان السماء.

وماذا بعد ؟
وإزاء ما سبق عرضه من تاريخ جماعة الإخوان المسلمين المعادى للحركة الوطنية والمفرّط فى التراب الوطنى والمستهين بأمن الشعب المصرى ومستقبله؛ والداعم لقوى الاستعمار البريطانى والإدارة الأمريكية والمستفيد منهما والمتعاون مع العدو الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى؛ والباحث عن مصلحة الجماعة وبقائها فى الحكم حتى لو أدى ذلك لتمزيق مصر وضياع فلسطين بالكامل وتشريد شعبها؛ واستخدام للعنف والأساليب الدموية للتخلص من خصومها السياسيين بل ومن كل المعارضين والمحتجين على ممارساتها وسلوكها، إزاء كل هذا لا يمكن الثقة فى أية تصريحات أو وعود تصدر منها أو عنها أو أية توَجّهات أو نصائح تسعى للتصالح معها كما علّمَنا التاريخ وأكدته الثلاثون شهرا الماضية ؛ فالمصالحة فى عرف المعادين للشعوب تعنى محاصصة الحكم واقتسامه ويستتبعها- وإن بعد حين- تزحزحٌ عن الحدود ثم انقلاب عليها واسترداد لما تم فقده وضاع ولو بثورة شعبية.
*وعليه فلا مفر من التصدى لتلك النداءات المريبة – بأننا جميعا مصريون – وكشْف ذلك التظاهر المموه بحسن النية الذى يستهدف تقاسم الحكم بين الثورة والثورة المضادة التى تبحث عن موطئ قدم أو مسمار جحا للإطاحة بالثوار قليلى الخبرة وحديثى العهد بإدارة الدولة وقبل ذلك بالتآمر والالتواء ، فلا شئ نتقاسمه مع الحزب الوطنى الذى يعتبر مسئولا هو وسياسات السادات معا عما آل إليه حال الشعب على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية؛ فالثانى هو من أخرج الإخوان من السجون وأفسح لهم الطريق واسعا للنشاط والتوحش وهو من أخلى سيناء من قواتها المسلحة وترك أرضها تعانى الجراد وانعدام التعمير ، وهو من نثر بذور الفساد وأقر سياسة الانفتاح لينتشر الجوع فى عموم مصر ومد خط الاستبداد على استقامته ليخرس الشعب ويمهد الأرض لانتشار سموم جماعات الإسلام السياسى والأول ( الحزب الوطنى ) هو من رعى كل البذور- التى سبقت زراعتها- ورواها حتى أثمرت كل المرارة التى يتجرعها الشعب طيلة ثلاثين عاما عجافا فانتفض الأخير محتجا فى ثورته الأولى وصححها فى ثورته الثانية .
* لذلك لامفر من اجتثاث كل العفن الذى ورثناه من جذوره ولابد من استهداف كل السياسات القديمة وكل مقوماتها و أصحابها :
لامفر من استئصال مصادر تمويلهم أو تجميدها ووقف فعاليتها فورا ودون هوادة والبحث عن مخازن أسلحتهم السرية واستكمال ذلك بحملات تنويرية وتثقيفية تعقم كلما علق بالعقول من خزعبلات ومفاسد وأوهام وسموم لأن إمساك العصا من المنتصف واللعب على الحبال والاستهانة بخطر فصائل الإسلام السياسى أو فلول الحزب الوطنى لن يمكن الشعب من عملية إعادة البناء التى ستكون شاقة وعالية التكلفة ولن تغسل عقول البسطاء مما علق بها طيلة أربعة عقود .

22 يوليو 2013 بشير صقر

المصادر: مقالات على موقع الحوار المتمدن لكل من:
أ. حمدى السعيد سالم
أ‌.. ..السموأل راجى
د. رفعت السعيد

شواهد مزعجة تعترض مستقبل الثورة المصرية : هل يتكرر سيناريو ثورة 25 يناير ..؟ ويكتفى الجيش بإزاحة الإخوان والتخلص من الابتزاز الأمريكي ..؟!

تمهيد :
ساهمت ثورة 25 يناير 2011 فى الإطاحة الكاملة بتوريث الحكم عندما أسقطت مبارك ؛ وجاء ذلك على هوى الجيش وأعفاه من حرج بالغ إزاء تلك المهمة الثقيلة .. لكنه فيما تلا ذلك ارتكب من الجرائم ما دفع الشعب للهتاف ضده ” يسقط حكم العسكر”.
*كذلك لعبت ثورة 30 يونيو 2013 دورا حاسما فى تمهيد الأرض للإطاحة بحكم جماعة الإخوان وأعفت الجيش للمرة الثانية من مهمة أثقل من القضاء على توريث الحكم؛ وفتحت له الطريق للتخلص من الضغوط الأمريكية ومن مساعداتها المالية التى تستخدمها أداة للتهديد والابتزاز .. كلما لمحت تململا منه تجاه الجماعة وإسرائيل.
فهل يستثمر الفرصة ويطرق الحديد وهو ساخن ليضع حدودا للمماحكات الأمريكية؟ .. أم ستعود ” ريما لعادتها القديمة ويبقى الحال بينهما على ما كان عليه..؟
مجرد سؤال تعقبه أسئلة أخرى نتعرض لها فى السطور التالية:

قسمات مشتركة ؛ وشواهد صارخة ؛ وسيناريو قابل للتكرار:
*ليس من باب التشاؤم القول بأن مصر مقبلة على مرحلة انتقالية شبيهة بسابقتها التى تلت ثورة 25 يناير ؛ فكثير من الشواهد تمشى فى ذلك الاتجاه .. كما أنه ليس من المحتم اختطاف ثورة 30 يونيو .. فالأقرب للمنطق هو وقف تطورها ومنع تحقيق أهدافها أو بعضها.
*ورغم تجاوز الثورة الأخيرة لعدد من أخطاء ومعطيات ثورة 25 يناير إلا أن السمة المشتركة الأساسية بينهما هى مبادرة الشباب بحشد هائل لجموع جماهيرية واسعة وليس لشعب منظم؛ وتلك السمة تُعتبر الجذر الحقيقى للكيفية التى تفجرت بها الثورتان وللنتائج التى أسفرت عنها الثورة الأولى .. وكذلك لما نتوقع أن تفضى إليه الثورة الراهنة .
*فالنظام الحاكم فى طبعته المباركية كان نظاما هشّا رغم سمعته الإعلامية التى كانت تُظهره قويا متماسكا ؛ فقد كان يستعين بالبلطجة والشرطة ضد الشعب طالما كانت المواجهة لا تتجاوز المئات أو الآلاف المحدودة ، لكن ما أن واجه الحشود ثم الجموع حتى خارت قواه وانهارت شرطته ولم يعد للبلطجة جدوى فى صدّ الثورة.
*ولذلك يُطرح السؤال : أين يكمن سر ثورة يناير ؟ .. وما سر توقفها عند حدود معينة لا تتجاوزها..؟
ونجيب : بأن تلقائية الحشود والجموع باغتت النظام الحاكم فى 25يناير 2011 ولم تتح له الفرصة للتفكير والمواجهة وكان ذلك سر قوتها.
ولو كانت تلك الحشود منظمة لكانت إرهاصاتها قد أتاحت للنظام توقعها وربما الاستعداد لها.
خلاصة القول أن تلقائية الحشود قد أثمرت المباغتة التى شلّت قدرة النظام الحاكم على التفكير ؛ لأن التلقائية ليست لها مقدمات يمكن توقعها ؛ على غير الانتفاضات المنظمة التى يمكن الشعور بمقدماتها إن لم يكن استنتاجها.
وعلى العكس من ذلك فإن قدرة الحشود التلقائية على الاستمرار فى التقدم نحو تحقيق أهداف الثورة أضعف كثيرا من الحشود المنظمة التى تخوض كفاحها استنادا لخطة مدروسة ومعدة سلفا .. هذا من ناحية.
*ومن ناحية أخرى فوصول الجماهير إلى درجة من الغضب وعدم القدرة على مواصلة الحياة بنفس الطريقة القديمة يعنى أن مزاجا جماهيريا واحدا هو الذى لعب دور المحرك الداخلى ( الذاتى ) فى خروجها إلى الشارع محتجة فى حشود تتجاوز الملايين أو مضاعفاتها ، ولو وجدت الجماهير من بينها من يلعب دور المحرك أو القائد لها لخرجت قبل ذلك بسنوات ثائرة ضد النظام ورموزه ؛ لكن غياب ذلك القائد أو المنظم هو الذى أنتج حالة التلقائية الانتفاضية التى نسميها تجاوزا ( بلغ السيل الزبا ). حدث هذا فى ثورتى يناير ويونيو مع بعض التفاوتات ليس هنا مجال الاستفاضة بشأنها.
هذا ولعب الشباب فى الحالتين دور المفجر الذى أشعل السهل فانتشرت نيرانه معلنة عن الثورة.

المزاج الجماهيرى والعقل المحرك :
ويهمنا هنا التوقف قليلا للتمييز بين الحشود التى تتجمع انطلاقا من حالتها المزاجية الثورية فقط وبين الحشود المنظمة التى تتشكل استنادا إلى علاقة عضوية وصلات مباشرة بمفجرى الشرارة، ففى الحالتين لا بد من مفجر ( الشباب ) ؛ لكنها فى الأولى يكون المزاج الجماهيرى الذى بلغ أقصى درجاته هو المحرك الأساسى للجموع الغاضبة المحتشدة ؛ وفى الحالة الثانية لا ينفرد ذلك المزاج بخلق الحشود وتحريكها بل يشاركه فى ذلك عامل التنظيم ( أحزاب ثورية ، نقابات عمالية وفلاحية ومهنية ، روابط شعبية للفقراء والمهمشين والعاطلين، اتحادات ونوادى إلخ ) الذى يكون بمثابة العقل الذى يوجهها فى اتجاه بعينه أو يوكل لها مهاما بذاتها كالتظاهر والاعتصام والعصيان المدنى العام الذى يشل كل مظاهر الحياة والنشاط فى المجتمع ؛ أو كالاستيلاء على دواوين المحافظات ومجالس المدن والقرى والإدارة الذاتية للمصانع والشركات والمؤسسات الصناعية والخدمية المختلفة.
* ولأن الجماهير لا تتحرك فى أى ظرف دون وصول مزاجها الثورى إلى مستوى يدفعها للاحتشاد والانتفاض ؛ فإن حركتها اللاحقة واتجاهها ونتائجها تكون مشروطة بالعقل المحرك لها ؛ وبوعيها الذى اكتسبته أثناء عمليات الاحتجاج؛ وبقدرتها على القيام بالمهام التى يقودها إليها ذلك العقل. فإن كانت الحالة المزاجية الثورية فقط هى العقل المحرك للحشود فإن الأمر يختلف – من حيث المسار و النتائج – عما لو كان عنصر التنظيم يشارك الحالة المزاجية الثورية فى تحريكها نحو مهام محددة سلفا وأهداف بعينها.
وثورة 25 يناير كانت نموذجا للحالة الأولى ؛ بينما لم تكن ثورة 30 يونيو مثالا للثانية رغم استفادتها من بعض أخطاء الأولى ، وهو ما يترجم نتائج ثورة يناير بدقة ويشير إلى حصيلة ثورة يونيو الراهنة وإلى المدى الذى يمكن أن تصل إليه.. فالتنظيم كان غائبا تماما عن الأولى ولم يكن ذا نفوذ واضح فى الثانية.

شواهد على الأرض قد تفضى لثورة ثالثة:
*لقد اعتمدت ثورة 30 يونيو على مبادرة عبقرية ناجحة لجمع التوقيعات أعادت للشارع سخونته وبعضا من حركته قبل يوم 30 يونيو لكنها فيما بعد وضعت حصيلتها ( من حشود بعشرات الملايين ) تحت رحمة صندوق الانتخابات المبكرة غير مضمون النتائج ورئيس المحكمة الدستورية العليا غير محدد الهوية والتوجهات ، أى وضعت كل ما بُذِل من جهود وما تم حصده من نتائج مادية ومعنوية فى أيدى جهات ليس للجماهير عليها سلطان أو نفوذ مباشر أو غير مباشر. وهو ما يوجب علينا قراءة المشهد الراهن بعناية وتدقيق ووقف إسقاط أحلامنا عليه أو المبالغة فى نتائجه وتأثيراته ؛ وتقييمه فى حدوده الفعلية والبناء عليها ليفضى فى المرة القادمة إلى نتائج صائبة.
* لقد كانت دعوة المصالحة التى انطلقت فور عزل الرئيس الإخوانى ؛ والأسلوب الذى عومل به السلفيون والطريقة التى تصرفوا بها كرد فعل ؛ وصدورالإعلان الدستورى الأول .. كل هذه الشواهد كانت تُعزَف كتنويعات على نغمة أساسية قوامها عنصران الأول الاعتداءات المسلحة للجماعة وحلفائها على التجمعات الجماهيرية والأحياء السكنية ونقاط التفتيش والمؤسسات العسكرية وبعض دواوين المحافظات وسيارات وأقسام الشرطة ؛ والثانى الضغوط السياسية للغرب الأمريكى والأوروبى ، وهو ما أثار دهشة قطاعات من الجماهير وكثير من المراقبين ذوى الخبرة والمعرفة إزاء رد الفعل الرسمى أمام القوى والفصائل المعادية للديمقراطية والتقدم والمرأة والأقليات والتى رفضت مطلبا جماهيريا منطقيا هو الانتخابات الرئاسية المبكرة استنادا لمبررات واهية تتحدث عن شرعية صندوق الانتخابات بينما الحقائق على الأرض تنطق بفصاحة نادرة عن شرعية حية أقوى تلغى شرعية الصندوق من جذورها وبأرقام تفوقها بمراحل.
* علاوة على إعلان دستورى مخيب للآمال لا يمكن وصفه إلا بأنه معاكس لمسار الثورة ومتسق مع تجاوزات وأطماع من تم عزلهم من الحكم وحلفائهم ؛ ويشير من طرف خفى إلى إمكانية التراجع أمام فصائل الإسلام السياسى التى لا تفهم سوى أنّ من ليس معها يقف ضدها . *ومن جانب ثالث فإن من عُهِد إليه بتشكيل الوزارة لا يعدو أن يكون واحدا من الرموز الاقتصادية العامة للنظام فى عهود سابقة ؛ ناهيك عن هيمنة فلول مبارك والإخوان على كل أركان الجهاز الإدارى للدولة والتى لن تنفذ قرارا إداريا واحدا يعاكس مصالحها مهما كانت هوية الوزراء وانحيازهم للثورة ومصالح الشعب .
وتلك المؤشرات الثلاث تشى بإمكانية تكرارتجربة الثلاثين شهرا الماضية.

أمثلة سابقة متقاربة:
*ولتقريب الصورة نوضح أن واقع ثورة 30 يونيو 2013 والنتائج المتوَقعة أو المحتملة التى تشير إليها أشبه ما تكون بواقع حرب أكتوبر 1973من جانب وبنتائجها السياسية من جانب آخر أى تشير إلى عظمة ما جرى من أحداث ومعارك فى الحرب وما تم التحصل عليه من نتائج هزيلة .
و فى حالة حرب أكتوبر وهزال نتائجها السياسية – التى انتهت بإخلاء سيناء من معظم قواتها وعتادها العسكري كالطيران والمدفعية الثقيلة والدبابات وأجهزة الرادار المتقدمة وإحلال جنود الشرطة محل قوات الجيش – فيرجع السبب إلى تدخلات الإدارة الأمريكية ممثلة فى وزير خارجيتها هنرى كيسنجر وتشدد الصهاينة ورخاوة وطراوة الرئيس الأسبق السادات وخياله السياسى المحدود ورغبته فى أن يلقب بمحرر الأرض المصرية حتى لو تم تجريد سيناء مما فيها من أدوات للقوة والحماية. أما السبب فى حالة ثورة 30 يونيو فيرجع إلى عدة عوامل منها رغبة القوات المسلحة فى الاكتفاء بما تحقق من إزاحة للإخوان – على الأقل بفعل الضغوط الأمريكية وترجمة ذلك بالدعوة للمصالحة ثم الإعلان الدستورى وما تلاهما من إجراءات كالاستجابة غير المفهومة لمطالب السلفيين وتعيين رئيس وزراء من رموز النظام السابق.. وهى نتائج ليست جديرة بثورة لم تحدث فى تاريخ مصر ووقائعها ما زالت تجرى على الأرض وهو ما يعنى – موضوعيا – إيقاف الثورة.
فعندما يكون التفاوت واسعا بين الفعل ونتائجه يعود السبب إلى ما جرى أو يجرى فى المسافة التى تفصل بينهما أى إلى التدخلات التى تكون قد حدثت فى تلك المسافة.

المقدمات المتشابهة لا تفضى دائما لنفس النتائج :
*ولأنه فى معظم الأحوال لا تفضى مسارات التراجع دائما إلى نفس النتائج ، حيث لا يمكن التسوية بين ما حدث فى أعقاب الثورة الشعبية الأولى فى 25 يناير مع ما يمكن أن تسفر عنه الثورة الثانية فى 30 يونيو من نتائج استنادا إلى المؤشرات المتوفرة حتى الآن لكن المؤكد أن جماهير الشعب المصرى فى الحالتين كانت ترغب فى نتائج أكثر ثورية ومغايرة لما أسفرت عنه .. فلقد أسهم الجيش مرة فى فتح الباب واسعا أمام الإسلام السياسى ليشرع فى فرض سطوته ومرة أخرى فى مساعدة الشعب على الإطاحة به.. لكن نتائج الأخيرة يكتنفها كثير من المآخذ والمشاكل.
*ونًذكّر أن الشعب الذى لم يشارك فى حركة الجيش عام 1952 وظل فى موقف المتفرج من جملة الأحداث التى جرت آنذاك ومنها تنفيذ قانون الإصلاح الزراعى وتمصير الشركات الأجنبية وبناء القطاع العام الصناعى والسد العالى وإقرار مجانية التعليم وغيرها لم يشارك فيها بل استفاد منها ؛ ولم يطُلْ به الزمن حتى تولى السادات مقاليد الحكم و تم نسف تلك الإنجازات لا لسبب إلا لأن الشعب لم يشارك فى المسئولية عنها ولم تتم مساعدته فى كيفية حمايتها خصوصا بعد وفاة عبد الناصر.
* وبعد ثورة 25 يناير غادر الشعب الميدان فى 12 فبراير 2011 وترك مسئولية تحقيق أهدافها للجيش الذى سلم الإسلام السياسى مقاليد البرلمان والرئاسة مستجيبا للضغوط الأمريكية ومتضامنا مع تدنى الوعى السياسى لدى قطاعات واسعة من الشعب خصوصا فى الريف.
* أما فى ثورة 30 يونيو فتُنْبئ المؤشرات والمقدمات المتوفرة بمسار ونتائج لا تحقق الأهداف التى أعلنتها الثورة من ( دولة مدنية وعدالة اجتماعية حقيقية وتنمية اقتصادية واستعادة للاستقلال الوطنى وديمقراطية شعبية لا ديمقراطية النخبة ).
وعموما لن ننتظر طويلا فسوف تفصح الأسابيع والشهور القادمة عن مسار النتائج الفعلية للثورة الثانية وعن المدى الذى يمكن أن تصل إليه فى تحقيق أهدافها.

ثورة شعبية أم انقلاب عسكرى..؟!
*ولأن تقدير الأمور السياسية – شأنه شأن أمور كثيرة – يخضع لمعايير العلم ، ولأن الثورات فى بلدان العالم الثالث وكذا الانقلابات العسكرية تتخذ تلاوين كثيرة ومتنوعة ؛ ولأن حملات الغرب الأمريكى والأوربى على ثورة 30 يونيو ما زالت شعواء وتخفى أسبابَها الحقيقية ومراميها المقنّعة ؛ ولأنه ليست هناك فى المراجع السياسية ” مازورة ” تُقاس بها طبيعة الثورات الشعبية وصلتها بدعم الجيوش المحلية أو تصديها لها ، ولأن دول الغرب الأوربى والأمريكى غادرت حقبة الثورات من عدة قرون واقتصرت صلتها بها على القراءة .. فلا مجال للإلتفات لما تبثه من شائعات وحجج تدمغ خروج عشرات الملايين من الشعب إلى الشوارع – رافضة حكم جماعة الإخوان – بأنه انقلاب عسكرى بينما عدسات أقمارهم الصناعية دفعت الإعلام الدولى لوصف ما حدث فى مصر بأنه أكبر حشد بشرى فى التاريخ الحديث .
* وبرغم ذلك فقد انساقت بعض الأقلام والفضائيات فى ذلك الطريق وانصاعت لتلك الضغوط المغرضة فى الغرب واستغرقت فى مناقشة الثنائية الوهمية ( ثورة شعبية أم انقلاب عسكرى ) وتركت أصل القضية المتمثل فى الفشل الذريع لجماعة الإخوان فى الحكم على مدار عام كامل والدعم الأمريكى المستميت لها فضلا عما ارتكبته الجماعة من جرائم و خروقات متعددة ومستمرة لكل الأعراف والقوانين ومواثيق حقوق الإنسان بل وبديهياتها ؛ واعتداء على الحريات العامة والشخصية والحقوق الأساسية للشعب ؛ ومعاداة لكل النخب والتيارات والطوائف والأقليات والقوى السياسية والاجتماعية؛ وتلطيخ لسمعة مصر ومشاركة أعدائها فى قتل وخطف الجنود وحراس الحدود ؛ وإبرام اتفاقات – لم تنشر بعد لكنها أصبحت معروفة للكافة – بشأن تبديد الموارد والثروات الاقتصادية والتخلى عن أجزاء من تراب الوطن وتواطؤ ضد الشعب الفلسطينى.

عن ردود الأفعال المسعورة :
*وفى الحقيقة فإن ردود الأفعال المسعورة فى الغرب ضد الثورة سببها إفشال الثورة لمخططاتهم الرامية لمزيق مصر والمنطقة وإيقاف دعم قوى وتيارات وجماعات أجنبية ومحلية معادية للشعوب ليس فى مصر وحدها بل فى عديد من دول المنطقة.
* لقد أيقن الجيش المصرى أن إجراءاته التى تلت ثورة 25 يناير قد فتحت الباب لسيطرة الإسلام السياسى على الحكم ووضعته ووضعت الشعب فى مأزق حقيقى وهددت دوره ووزنه وسمعته ليس فى مصر وحدها وتجاوزت ذلك إلى الشروع فى تدمير بنيان الدولة المصرية ومدنيتها ورفعت الغضب الشعبى لمستوى لم يحدث قط فى أى عهد من عهود النظام الحاكم طيلة ستين عاما ، ولذلك وجد ضالته فى ثورة 30 يونيو التى أعفته من حرج القيام بانقلاب عسكرى كان سيلقى تأييد أغلبية البسطاء من الشعب .. ولذا قام بدعم رغبة الملايين المشتاقة للتخلص من حكم الإخوان بأى ثمن والرامية لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة .
لكن ماهو مصير بقية أهداف الثورة الراهنة التى رددت نفس شعارات ثورة 25 يناير وزادت عليها هدفا جديدا هو الاستقلال الوطنى ..؟
كيف ستنفَّذ ..؟ وبمن..؟ وفى أى مدى زمنى ..؟ وضمن أية شروط ..؟ وبأى ثمن ..؟
وهل ما توافر من مؤشرات مقلقة حتى الآن يعطى إجابة أولية للمسار القادم للثورة ؟! أم ستفاجئنا ” وتتحفنا ” الأيام بما ليس فى الحسبان..؟
هذا هو السؤال ..

الإثنين 15 يوليو 2013

مصالحة .. أم محاصصة جديدة برعاية الجيش المصرى

بشير صقر
الحوار المتمدن-العدد: 4151 – 2013 / 7 / 12 – 02:50
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية

” مصالحة وطنية ” أم اقتسام جديد للسلطة
بين الإسلام السياسى والفلول والشباب والنخب السياسية
بإشراف الجيش المصرى

حسمت الجماهير المصرية مساء الأحد 30 يونيو 2013 أمرها وأسقطت جماعة الإخوان المسلمين سياسياومعنويا وأكدت رفضها المبرم لها بعد عام من المعاناة.
ولأن الجماعة المذكورة فى كل ممارساتها وسياساتها قد قدمت مسوغات الإطاحة بها متمثلة فى كراهية شعبية عميقة غير مسبوقة ؛ وتفريط فى أبسط حقوق الفقراء وفى التراب الوطنى؛ وتحالف مع الأعداء التاريخيين للشعب ؛ واستقواء بالولايات المتحدة الأمريكية .. فلم يبق أمام الشعب وشبابه الثورى للشروع فى بناء دولته ومجتمعه ومستقبله سوى الإجهاز عليها تنظيميا وماديا بتفكيك أجهزتها وأوصالها ؛ وتجفيف منابع تمويلها ؛ وأسر ومطاردة فلولها وداعميها فى سيناء ومصادرة مخازن أسلحتها وعتادها واستئصال عناصرها فى القوات المسلحة والكليات العسكرية؛ ومحاكمة زعمائها وقادة حلفائها .
وبالمقارنة بثورة 25 يناير 2011 فإن الثورة الراهنة قد أفرزت عددا من المعطيات الجديدة والنتائج بالغة الأهمية نوجزها فيما يلى :

أولا:استعادة روح الثورة واسترداد شبابها لدوره :
ولأن الأرض صارت ممهدة – بعد عام أسود شديد الوطأة – لإزاحة حكم الإخوان المسلمين ؛ فقد شكلت الدعوة التى دشنها الشباب الثورى لجمع عشرات الملايين من التوقيعات المعارضة لحكم الجماعة مفجرا جديدا دفع بقطاعات أوسع من الشعب فى جميع المحافظات للتمرد والثورة.
وكان من الطبيعى للشباب أن يتلافوا الخطأ الفادح الذى ارتُكِب فى ثورة يناير 2011 والذى تمثل فى ترك الميادين منذ 12 فبراير2011 لبقايا النظام الحاكم ليستولى عليها تيار الإسلام السياسى ؛ وكان من الواجب على شباب 30 يونيو 2013 عدم الانزلاق لخطأ جديد شديد الخطراسمه ” دعوة للمصالحة الوطنية ” وأن يصروا على أن يتم الحوار بشأن خارطة المستقبل بين القوى التى شاركت وقامت بالثورة الجديدة فقط حيث لا مكان لأعدائها ولا للمتهادنين والمتقاعسين أومن أمسكوا العصا من المنتصف ولا لمن اتخذوا مواقف مزدوجة ولا للجبناء والمتحجرين؛ وأن يعملوا على تطبيق أجندتهم بل وتطويرها لخلق بدايات صحيحة لتمهيد طريق البناء وتطهيره وتنظيفه وبالتالى الشروع فيها.

ثانيا: النخب السياسية :
كما أبرزت ثورة 30 يونيوعدم قدرة النخب السياسية المبعثرة – أو المتجمعة فى تنظيمات وأحزاب- على المبادرة والالتحام بالشعب وخصوصا الشباب، وبددت وقتها فى نضالات احتفالية بائسة المردود؛ ولم تتمكن من التوحد أو التآلف أو التماسك أو تطهير صفوفها من العازفين عن العمل أو المتأرجحين بين معسكر الثورة ومعسكر أعدائها.

ثالثا : الوعى الشعبى:
وأكدت الثورة على ارتفاع الوعى النسبى لقطاعات من الجماهير فى عواصم الأقاليم والمدن الصغيرة وبين نخب الريف بل وأقسام من الحرفيين والفلاحين ، ويرجع الفضل الأكبر فى ذلك بالأساس لتدهور أحوالهم المعيشية وللإعلام المرئى والورقى أكثر منه للنخب السياسية .

رابعا: موقف الإدارة الأمريكية:
هذا وقد انفضح موقف الإدارة الأمريكية من الثورة بشكل عملى أمام الجماهير وذلك عندما كذبت ورفضت الاعتراف بما أقرت به شعوب العالم ووسائل الإعلام الدولية من رفض عشرات الملايين من المصريين لحكم جماعة الإخوان والثورة عليه. وبدلا من التمادى فى مراوغاتها ومماطلاتها قامت الإدارة الأمريكية بدعم سياسى وإعلامى للجماعة ضد الثورة .. على عكس ماحدث فى ثورة 25 يناير 2011 التى أفضت فى النهاية إلى استيلاء الجماعة على حكم مصر.

خامسا: انكشاف وتعرى موقف جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسى :
أ‌- جماعة الإخوان وحلفاؤها ( الجماعة الإسلامية وحزب الوسط ) :
لقد مارست الجماعة حكما استبداديا فى مصرودعمتها بقوة الجماعة الإسلامية وحزب الوسط إضافة إلى كتل كبيرة من السلفيين سواء فى خرق الدستور والقانون وحصار للقضاء والإعلام بل واستخدام واسع للعنف المسلح وسفك الدماء وتفريط فى التراب الوطنى وتواطؤ على قتل واختطاف الجنود المصريين فى سيناء وشباب الثورة والشيعة و تبديد للموارد الوطنية وانتهاك لحقوق الشعب الأساسية فضلا عن تدهور شديد للأمن وإهمال واستهانة باحتياجات الشعب المعيشية وتنصل من كل الوعود التى تم القطع بها للشعب.

ب‌- السلفيون :كذلك رفضت قطاعات واسعة من السلفيين المشاركة فى ثورة 30 يونيو2013 واتخذت قواعدها وبعض قادتها موقفا معاديا للثورة بانضمامهم لاعتصام جماعة الإخوان وحزب الوسط والجماعة الإسلامية فى رابعة العدوية، وإمعانا فى المراوغة واللعب على الحبال شارك بعض منهم فى تلبية دعوة الجيش فى الحوار حول خارطة المستقبل مع شباب الثورة وجبهة الإنقاذ وممثلى الأزهر والكنيسة والمرأة وأبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية والتفاوض بشأن ترشيح رئيس مجلس الوزراء القادم .. ثم الانسحاب من الحوار يوم 8 يوليو فى أعقاب أحداث دار الحرس الجمهورى. وأغلبية السلفيين هم أصحاب شعار ( غزوة الصناديق) فى مارس 2011 إبان الاستفتاء على الإعلان الدستورى الأول وكانت مقولات مثل ( الخروج على الحاكم المسلم حرام حتى ولو كان ظالما ) , و( ظلم يوم خير من فتنة تدوم ) هى أهم شعاراتهم . وقد ناصروا جماعة الإخوان التى اختطفت الثورة الأولى ولم يختلفوا معها فى قضايا جوهرية بل فى أمور ثانوية معظمها يتعلق بنصيبهم فى غنائم ثورة 25 يناير وأبرزها الحقائب الوزارية؛ وظلت قواعدهم قابعة تناصر جماعة الإخوان فى رابعة العدوية منذ 28 يونيو. فهل بعد كل ذلك يمكن اعتبارهم حلفاء للثورة ؟ وهل يفصح ذلك التاريخ عن قربهم من الشعب أم أنهم أقرب لجماعة الإخوان ذات الماضى والحاضر الدموى؟ وبالتالى فأى مصالحة يمكن إبرامها معهم ..؟

ج- رئيس حزب مصر القوية : ومن ناحية أخرى أمسك رئيس حزب مصر القوية العصا من المنتصف فى ثورة 30 يونيو فرفض الانضمام إليها بينما عارضته أعداد كبيرة من شباب حزبه وشاركت؛ فضمن بذلك أن يرضى شباب الثورة وأن يتملق الإخوان بامتناعه شخصيا عن المشاركة وهوموقف يتطابق مع موقف جماعة الإخوان قبيل ثورة 25 يناير2011 عندما أعلنت عدم مشاركتها فى الثورة بينما ذهبت لوزير الداخلية الأسبق ( العادلى ) لتستأذنه فى مشاركة بعض شبابها فيها بشكل رمزى للحفاظ على شكل الجماعة بين أحزاب المعارضة؛ لكنه- أى أبو الفتوح – عاد وانسحب من حوار خارطة المستقبل إثر أحداث دار الحرس الجمهورى . ونذكر بأنه كان أول من هرول إلى مكتب إرشاد الجماعة فى أعقاب خروجه من الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة مصطحبا أحد المرشحين فيها للحصول على اتفاق يضمن له نصيبا فى الغنائم لكنه عاد خائب الرجاء.
وللحقيقة فهو لا زال متشبثا بالوقوف على أرضية الإخوان فكريا وسياسيا لكن أوهامه عن نفسه وتطلعاته الشديدة دفعتة للخروج من الجماعة ليشكل بعدها حزبا إسلاميا مستقلا يواصل من خلاله ألعابه البهلوانية المزدوجة فى مجال السياسة.
ويبقى السؤال : هل يمكن لأمثال هؤلاء أن يؤتمنوا على مصير الشعب وبالتالى أن تتم دعوتهم لمناقشة خارطة المستقبل أو لاستخدامهم كوسطاء فى عملية المصالحة المزعومة..؟

سادسا : الدعوة لـ “مصالحة وطنية “:
قبيل الجلسة الأولى لمناقشة خارطة المستقبل برعاية القوات المسلحة انطلقت نداءات على شاشات الفضائيات بل وتكررت داخل هذا اللقاء بالدعوة لما يسمى بالمصالحة الوطنية ، ولأن تلك الدعوة ليست واضحة المعالم ولا مفهومة الهدف ؛ ولأن الساحة الوطنية تحتاج الآن لتعبيد طريق البناء الوعروتمهيده؛ ولأن أمامنا تجربة مريرة سابقة فى ثورة يناير 2011 تركت جهاز الدولة فى أيدى فلول مبارك ومنحت برلمانها لتيار الإسلام السياسى وقيادتها لجماعة الإخوان فأسفرت عن تدهور شديد فى أوضاع المجتمع لم يسبق له مثيل وتردت سمعة الوطن فلا مناص أمامنا من الاتعاظ بتلك التجربة خصوصا وأن المصالحة الحقيقية لا يصح ولا يجب أن تبرم بين المشاركين فى الثورة وبين أعدائها.
* فمعظم فصائل الإسلام السياسى داعمة لجماعة الإخوان حتى ولو اختلفت معها لبعض الوقت أو فى بعض القضايا. كذلك فمن الطبيعى أن يشجع فلول مبارك ثورة 30 يونيو 2013 ضد جماعة الإخوان وذلك التشجيع لا يشكل اعترافا ولا جوازا لمرورهم إلى معسكر الثورة .. فتاريخ الحزب الوطنى تاريخ أسود ومعروف للكافة سواء فى إفقار الشعب وقتل الثوار فى يناير 2011 أو قبل ذلك فى نهب ثروات الوطن أو مصادرة الحريات ونشر الفساد أوالتعاون والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى إبادة الشعبين الفلسطينى والعراقى أو فى عقد الصفقات مع جماعة الإخوان المسلمين أو فى استمرار وجودها.
* ولأن الثورات تندلع ضد الحكام المستبدين الذين يبددون الثروة الوطنية أو ينهبونها أو يتاجرون بسمعة الوطن وترابه لذلك تزيحهم الثورات وتنظف طريقها منهم ومن أنصارهم ومعاونيهم وأتباعهم حتى لا يعرقلوا عملية إعادة البناء ولكى يتم تعويض النهب واسترداد الكرامة الوطنية والحقوق الأساسية للشعب ؛ ومن هنا فالتصالح لا يتم بين من كانوا ينهبون الشعب ويبعون الوطن ويغيرون هوية المجتمع المصرى التى ميزته بين شعوب الدنيا ويجرونه للخلف عشرات القرون ليمحوا حضارته ويوقفوا تقدمه وبين من يطالبون بالعدل والحياة الكريمة والتقدم ويحاولون تحقيقها وقبل ذلك بإزاحة هؤلاء المعوِّقين من طريقها.. وبعد ذلك ليشرعوا فى تحقيق الحياة التى يرتضونها.
* ودعوة المصالحة يمكن أن تُدفع كعربون للتسامح وحسن النية بين فصائل فى نفس المعسكر لا بين معسكرين متعارضين ، فهى فى الحالة الأولى دعوة لتقوية معسكر الثورة بينما فى الحالة الثانية دعوة لوقف تقدمها وتقديم تنازلات لمن استبدوا وأفسدوا وتاجروا بدماء الثوار وبتراب الوطن مع أعدائه والتراخى مع أعوانهم الذين دعموهم أو ناصروهم أوانحازوا لهم.
المصالحة تتم – من الناحية المنهجية – بين مجموعات تشترك فى عدد من القواسم والقيم الواحدة والأهداف والمصالح المشتركة وليس بين كيانات تتعارض وتختلف فى القواسم والقيم والمصالح والأهداف، لاتتم بين من يبغى التقدم وبين من يريد العودة بالمجتمع إلى القرون الوسطى ؛ ولا بين من ينشد الحرية وبين من يستهدفون الاستبداد ويمارسونه ، ولا بين من يحلمون بالأمان والاستقرار وبين من يستخدمون الحرب والعنف إزاء أى معضلة تصادفهم فى الحياة وينضح تاريخهم بالمذابح والقتل، ولا بين من يهدفون إلى تعايش العروق والأجناس والديانات والمتحدثين بلغات مختلفة وبين من يرفعون شعار من ليس معى فهو ضدى أو عدوى خصوصا لو كان من ديانة مختلفة ، ولابين من ينكرون الدولة ويتبنون فكرة الخلافة وبين من يقرون بمبدأ المواطنة ؛ ولابين من يقْصون جميع الآخرين ويضيقون عليهم الخناق أويحرمونهم من الحياة وبين من يؤمنون بمبدأ التعايش لكل من يستوطن مصر، ولا بين من يكذبون وينافقون ويغدرون ويحنثون بالوعود وبين من يتسمون بصفات معاكسة ، ولا بين من يتلقوا السلاح والمال من الأعداء والأجانب والمحتلين ليستخدموه ضد شعبهم وبين من يضحون ويعتمدون على عملهم وعرقهم لتحرير وطنهم من المحتلين والمعتدين والطغاة.
* ومن زاوية أخرى يمكن لدعوة “المصالحة” أن تكون مخرجا للإسلاميين من المأزق الراهن- الذى يعيشونه – لاستئناف النشاط واستعادة التماسك ثم معاودة الهجوم على الثورة فى الوقت الذى تتصور فيه الثورة أنها قد أمنت شرهم بإبرام تلك المصالحة وساعتها ستتبين مدى خطورة الفخ الذى تم نصبه لها وصار عليها أن تواجهه وربما فى أوقات لا تناسبها.
* كما يمكن لدعوة المصالحة أن تستر أهدافا أخرى مثل إعادة المحاصصة بإعادة تقسيم السلطة بين هؤلاء الفرقاء ( الإسلاميين – فلول مبارك – شباب الثورة – النخب السياسية ) تحت إشراف الجيش؛ لكننا نقطع أن هذه الأهداف وتلك الخطة لن تلبث- حتى لو تم تنفيذها- أن تنهار وتعوق عملية البناء وتبدد الوقت وتعيدنا إلى المربع رقم واحد.
* ونؤكد أن تلك المصالحة سيتم تنفيذها بسرعة بالغة داخل معسكر الإسلاميين وبين فصائلهم وربما مع آخرين من القوى المضادة للثورة لكنها لا يجب أن تتم بين معسكر الثورة ومعسكر أعدائها.
لذلك لابد من توضيح ذلك المفهوم ( المصالحة ) والغرض منه فى هذه اللحظات وأطرافه وكيفية تنفيذه ونتائجه المحتملة والسيناريو المتوقع فى حالة فشله .
لذا نطرح السؤال التالى بصراحة ودون حرج : هل كانت تلك الدعوة تعنى من طرف بعيد إشراك فلول الحزب الوطنى فى الحكم حتى ولو بعد حين..؟ أم أنها تقتصر على السلفيين ؟
فإن كانت تعنى السلفيين فقد أجبنا وإن كانت تقصد فلول الحزب الوطنى التى مازالت تملك دعائم موجودة بقوة فى جهاز الدولة فسوف تشكل عراقيل هائلة فى طريق إعادة البناء وربما تعيد إنتاج مرحلة انتقالية ؛ قريبة الشبه بالأولى التى أعقبت ثورة 25 يناير.

موجزأخير:

• منافسون على الحكم .. لا معارضون.
* لقد ارتكبت جماعة الإخوان المسلمين من الجرائم ما أقنع الشعب المصرى بأنه قد أخطأ خطأً فادحا عندما منح الجماعة تأييده فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فسقطت عنه كل الأوهام التى عاش فيها زمنا طويلا بشأن الجماعة ؛ وبرهن بالدليل العملى القاطع أن ” بتوع ربنا ” لم يكونوا صادقين أو عادلين ولم يعملوا بما وعدوا به ودفعوه للثورة عليهم وإزاحتهم من طريقه وهو – أى الشعب – ليس نادما على ما فعل .
* كما أدرك أن السجون والمعتقلات التى دخلها أعضاء الجماعة لم تكن إلا بسبب صراعهم على السلطة واستخدامهم للسلاح للاستيلاء على الحكم فقط مع كل الأنظمة والحكام الذين تولوا حكم مصر منذ عام 1928 وليست لدفاعهم عن الشعب وحريته وحقه فى حياة كريمة ؛ وهم بذلك لم يكونوا أكثر من منافسين على كراسى الحكم ليس أكثر ولم يكونوا يوما من الأيام معارضين حقيقيين للظلم والفساد والاستبداد ولا مدافعين عن استقلال الوطن ، فالمعارض هو من يضع مصلحة الشعب والوطن فى حدقات عينيه.

• مصالحة .. أم فرصة جديدة لوأد الثورة ..؟
إن دعوة المصالحة الوطنية لا يجب أن تُوجه لمن يعادى الثورة ولا لمن يتحالف مع أعدائها أو يجبن أو يستنكف عن المشاركة فيها .. والفيصل فى ذلك هو الموقف العملى- خصوصا فى اللحظات الحرجة – وليس التصريحات والادعاءات .
ولذلك فإن الدعوة المناسبة للمرحلة الراهنة هى التطهير .. تطهير المجتمع ممن يبثون السموم فى عقول البسطاء ويؤسسون التنظيمات المسلحة لفرض وجودهم وآرائهم بالقوة والإكراه ويستعْدون أمثالهم من غير المصريين على مواطنيهم من شعب مصر ، الدعوة المناسبة الآن هى التخلص من قادة هؤلاء الأعداء وحلفائهم ومناصريهم واجتثاث أفكارهم من عقول البسطاء ووجدان المضللين من أعضاء تنظيماتهم ولذا وجب البدء فى حملات تنوير وتثقيف واسعة تشمل كل فئات الشعب خصوصا البسطاء والفلاحين وذلك لإخلاء طريق الثورة منهم لإعادة البناء دون عراقيل ؛ ولا خوف من ذلك طالما كانت النية خالصة ومنعقدة على البناء والتقدم إلى الأمام .. فساعتها ستشارك فئات كل الشعب فى عملية البناء ، وسينعزل كل المعارضين والمناوئين ويطويهم النسيان ، أما لو كانت النية مضمرة فستكشفها الأيام وعندها يكون لكل حادث حديث.
إن المصالحة المنشودة ليست هى المصالحة التى تملأ شاشات الفضائيات فالأخيرة ستفضى إلى إعادة إنتاج النظام السابق أو الأسبق ولو بطبعة منقحة وغلاف براق؛ حتى لو تم إقصاء عدد من قادة جماعة الإخوان والحزب الوطنى بمحاكمات مدنية؛ ولا يمكن أن يتم ذلك دون إعادة تربية قواعد تلك الأحزاب والفصائل من العهدين السابقين ودون التيقن العملى من اقتناعها بخطأ مسارها وتصوراتها وأفكارها السابقة؛ ودون الرغبة الأكيدة فى المشاركة الشريفة.. فالوضع الاقتصادى والأمنى والسياسى لا يحتمل التجريب ولا إبداء حسن النية فى غير موضعه ولا السذاجة خصوصا وأن الأوضاع المعيشية لن تتحسن إلا ببطء وليس كما تتصور الجماهير علاوة على أن المتربصين بمصر وشعبها قابعون حولها بقواعدهم العسكرية وجيوشهم وأموالهم .. يتحينون الفرص…….

ثورة جديدة ونداءات مريبة بالمصالحة

نجحت جماعة الأخوان المسلمين فى حصد كراهية الشعب المصرى والنخب السياسية والقوات المسلحة بمستوى لم يسبق له مثيل حتى فى العهود الملكية والجمهورية منذ تأسيس الجماعة عام 1928 ، فقد تشكلت تلك الكراهية كرد فعل مباشر وفائق السرعة لذلك الإحباط بعد أن كان قد منح الجماعة رئاسة الدولة فى يونيو 2012 وأغلبية فى البرلمان عام 2011.
كانت ثورة الثلاثين من يونيو 2013 صريحة وحاسمة فى الإصرار على إزاحة الجماعة من المسرح السياسى فى مصر؛ ولأن قطاعات واسعة من الجماهير تعرضت للإحباط بعد أن وضعت أملها فى تغيير أوضاعها المعيشية فى يد الجماعة وفوجئت بعكس ما تمنته.. وازاداد الوضع سوءا عما كان فى العهد السابق.
هذا وقد اختلفت هذه الثورة عن ثورة 25 يناير 2011 من حيث المقدمات والمسار والنتائج رغم كل السمات المشتركة بينهما ولذلك عارضتها الادارة الأمريكية رغم كل الشواهد التى تفقأ العيون وتخرس الألسنة على صراحتها ووضوحها واتساعها وشمولها لمعظم محافظات مصر فى الوقت الذى اقتصرت فيه ثورة 25 يناير على المدن الكبرى، كذلك فقد انفضحت الارتباطات الخفية والاتفاقات والوعود المبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة الإخوان لصالح الصهاينة سواء فيما يتصل باتفاقية نهائية وشيكة بين اسرائيل والفلسطنيين أواتفاقات أخرى بين حماس والجماعة وإسرائيل بشأن تهجير جديد لجزء من الشعب الفلسطينى إلى القسم الشمالى من سيناء المصرية، أو بتحويل سيناء إلى إمارة إسلامية تتحكم فيها الجماعة -عن طريق الجهادين العرب الوافدين من أفغانستان وباكستان والعراق واليمن وغزة وغيرها- وتمثل احتياطيا أمنيا يتم توظيفه والاستعانة به فى تأديب الشعب المصرى إذا ما عارض سياساتها أو تمرد عليها.

الإعداد والحشد:
هذا وتمثلت بشائر رفض الشعب المصرى للجماعة وممارساتها فى الإقبال المتصاعد على التوقيع على استمارات تمرد (المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتعديل الدستور وتشكيل حكومة محايدة قوية تضم كفاءات وطنية وإجراء الانتخابات البرلمانية بعد إعداد قانون الانتخابات) وحيث غطت حركة جمع التوقيعات مساحات واسعة فى مصر(بالقاهرة والدلتا والصعيد) وبعضها من المصريين بالخارج فقد اهتزت فرائص مكتب إرشاد الجماعة وتجلت علاماته فى الشروع فى ترحيل أسرهم وأبنائهم إلى خارج البلاد منذ منتصف يونيو 2013.
استعد الشعب المصرى لليوم المنشود ورفع حرارة المشهد خطاب رئاسى متصلب وهابط ملئ بالأخطاء السياسية والقانونية والأخلاقية المتوقعة والمعتادة.
احتجت كل فئات الشعب المصرى فى حشد بلغ عشرات الملايين سجلته عدسات الاستخبارات والإعلام الدولى ووصفته بأنه أكبر حشد بشرى فى التاريخ الحديث وأسهم فى ذلك المشهد ما لجأت إليه الجماعة من تجمع هزيل مدفوع الأجر محمول بالشاحنات من المحافظات إلى أحد ميادين القاهرة (رابعة العدوية) كان بمثابة خلفية شديدة الوضوح على ضخامة الحشود الشعبية المعارضة فى ميادين القاهرة وفى معظم المحافظات، بل ولعب دورا كاشفا لسياسات التمييز والتحريض والحض على الكراهية واستخدام العنف وسفك الدماء التى تناولتها كلمات قادة الجماعة وحلفائها.
فى اليوم الثانى قام الجيش استنادا لخطورة الوضع واعتمادا على إحدى مواد الدستور بالنزول على رغبة الشعب و أصدربيانا أمهل فيه ممثل جماعة الاخوان فى الرئاسة ثمانية وأربعين ساعة لاتخاذ قرار، وكالعادة كان الرد خطابا متصلبا آخر يؤكد على دستورية حكمه وشرعية انتخابه.. باختصار صب الزيت على النار المشتعلة وتجاهل ما يدور فى الشوراع من إصرار على رحيله كما امتلأ الخطاب بإشارات وإيماءات- بعضها صريح- على مواجهة الاحتجاجات الشعبية بالقوة.
وهكذا كانت استجابة الجيش لأولى المطالب الشعبية بعزل الرئيس ونقل السلطة مؤقتا لرئيس المحكمة الدستورية.
كان رد فعل الجماعة وحلفائها معروفا ومتوقعا حيث شرعت فى رفع السلاح ضد التجمعات الجماهيرية الصغيرة فى عديد من المحافظات والاعتداء على أكمنة الشرطة وبعض أقسامها وبعض نقاط التفتيش والحراسة العسكرية وعدد من دواوين المحافظات سقط فيها عشرات الشهداء والقتلى، وتم الاستيلاء فى ذلك السياق على ديوان محافظة شمال سيناء ورفع صور الرئيس المعزول حتى تم تحريره فيما بعد بواسطة قوات الصاعقة.
لكن الأهم من ذلك هو دعوة الجماعة للتدخل الأمريكى العسكرى لاعادة الرئيس المعزول.. وهكذا لم تلب الولايات المتحدة الدعوة وإنما لبت جماهير الشعب نداء العودة للميادين وسط غضب شديد من الاعتداءات التى مارستها الجماعة وحلفاؤها ومن رد الفعل الأمريكى المنحاز والمحبذ لإعادة الاخوان لرئاسة الدولة.

دعوات مريبة للمصالحة:
لقد تعالت فى كل وسائل الاعلام؛ وفى لقاء الشباب وممثلى النخب السياسية والسلفيين وشيخ الازهر وبابا الكنيسة بقادة الجيش دعوة للمصالحة الوطنية.. وأخرى لشباب الإخوان للعمل السياسى السلمى بشكل شديد الغرابة يتجاهل ما يجرى على الأرض ويغمض العين عن معطيات بالغة الأهمية ويتجاهل ما تشير إليه الدلائل من احتمالات شديدة الخطر.
فما حدث فى 30 يونيو 2013 قد أفشل مخططات دولية أمريكية الإعداد والصناعة وأخرى إقليمية وثالثة محلية تتصل بالقضية الفلسطينية واستقلال شبه جزيرة سيناء وتفكيك الدولة المصرية وإعلان إمارات إسلامية فى غزة وسيناء ودولة دينية فى مصر.. يعكسه اللغط الشائع فى الدوائر السياسة الدولية والتضارب فى التقدير بين المؤسسات المختلفة فى الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربى، وتفصح عنه وتفضحه جملة ممارسات وتصريحات جماعة الأخوان وحلفاؤها، وكذا تردد فصائل الإسلام السياسى فى مصر.
ومن ناحية أخرى فقد أسالت الثورة لعاب كثير من فلول الحزب الوطنى فى إمكانية إن لم يكن قنص الثورة- كما فعل الإسلاميون فى ثورة 25 يناير 2011 – فعلى الأقل الحصول على نصيب وافر فى الغنائم التى توفرها إزاحة جماعة الإخوان من على دست الحكم.. وهو ما يمثل أحد المخاطر الآنية على الثورة.
وعليه فما تحتاج له الثورة هو إزاحة جملة العراقيل من طريقها لاستئناف البناء.. بمعنى أنها تحتاج إلى التطهير الآن قبل احتياجها للأموال.
فجهاز الدولة مازال يعج بعشرات الآلاف من الفلول وبالآلاف من أعضاء الجماعة .. فقاتلو شهداء 25 يناير لازالوا طلقاء وكثير من شبابها قيد السجون وقادة جماعة الإخوان وخلفائها مختفون وكثير من الأسلحة والعتاد مخبأ فى المقابر والمزارع والأبنية فى الأقاليم وإرهاصات الفتنة الطائفية والسعى إليها ماثل أمامنا فى المنيا والاقصر والعريش وأسراب البلطجية يعرضون خدماتهم لمن يدفع أو لمن يدفع أكثر. والولايات المتحدة تماطل وتتلاعب وتراوغ، وإسرائيل تمضغ حنقها بأسنانها وتندب حظها على الإطاحة بعميلين استراتيجيين لها فى أقل من ثلاث سنوات وتراقب الوضع، والشعب المصرى يعانى من الجوع والبطالة والمرض.
لذا علينا أن نعمل عقولنا ونتعلم من التاريخ وندرك أن تكرار ترديد شعار المصالحة يشعرهم بأن لهم حقا تم سلبه منهم بل ويدفعهم لمزيد من التشدد والتصلب.
إن أموال الجماعة هى إحدى مقومات نشاطها الإجرامى طوال تاريخها؛ ولذلك فمصادرة تلك الأموال تمثل ضربة قاصمة لها تماثل مصادرة أراضى الاقطاعيين بقانون الإصلاح الزراعى فى الخمسينات، واستغلالها فى دعم الاقتصاد القومى الذى يحتاج إلى جهود مضنية ليستعيد عافيتة هو أحد الحلول المطروحة للأزمة الراهنة.
لقد قامت حركة الجيش فى يوليه 1952 بعزل رموز الرجعية فى العهد الملكى وعزل الإقطاعيين وأمثالهم لتمهيد الطريق لبناء الاقتصاد وتسليح الجيش وتشييد السد العالى… إلخ وهو مايعنى أن عملية التطهير شرط ضرورى لتنمية سياسية وإقتصادية وثقافية وإجتماعية آمنة وعاجلة.
خلاصة القول لا مصالحة دون تطهير، ولا بناء دون أياد ثابتة قادرة، وقلوب مطمئنة، وعقول حازمة واعية غير ساذجة ودون حماية لظهرها.. وقبل هذا وذاك دون دلائل ومؤشرات عملية تحيى الأمل فى استرداد الوطن واستعادة استقلاله.

الجمعة 5 يونيو 2013 بشير صقر

الجوع .. وأوهام الأمن الغذائى فى مصر

مقدمة: من المعروف أن أزمة الغذاء على النطاق العالمى لا صلة لها بنقص إنتاجه أو بقلة المعروض منه مقارنة بحجم الطلب العالمى عليه بل تتركز فى كونها أزمة توزيعه على قارات العالم ومجتمعاته وداخل كل مجتمع على فئاته وطبقاته، ” فالعالم به غذاء
يكفى 12 مليار نسمة بينما سكان الأرض لا يزيدون عن 6.4 مليار” كما قال جون زيجلر رئيس برنامج الغذاء العالمى بالأمم المتحدة عام 2005.
والحقيقة أن احتكار إنتاج الغذاء أو حيازته والمتاجرة فيه هما العنصر الأهم فيما يجتاح مناطق متعددة من العالم من جوع وضعف أو انعدام ال قدرة على حيازته أو شرائه.
ومن هنا فالحديث عن أزمة الغذاء داخل كل مجتمع على حدة والبحث داخل حدوده عن أسباب مباشرة بعيدا عن الصلة التى تربطه ببقية المجتمعات يوقع الكثير من البحاثة والسياسيين فى خطأ تشخيص أزمته ناهيك عن السقوط فى أوهام إمكانية علاجها.. لأنه يعنى الابتعاد عن الإمساك بالأسباب العميقة الكامنة خلف ما هو متحقق من ضعف أو انعدام قدرة الكثرين من سكان المعمورة فى الحصول عليه.
فهناك خمس أوست دول تحتكر انتاج الحبوب- التى هى غذاء الحيوان والانسان- على النطاق العالمى الذى يمثل حجر الزاوية فى إنتاج الغذاء أو معظمه على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن كندا والأرجنتين ونيوزيلندا واستراليا وجزئيا روسيا وأوكرانيا.. التى لم يتخلص معظمها بعد من الارتباط الاقتصادى والسياسى بالولايات المتحدة أو الانصياع لمشيئتها.
ولأن انتاج الغذاء فى تلك الدول لا يخضع- بسبب توجهاتها السياسية والاقتصادية لإشباع حاجات شعوبها وسكان المعمورة بل لمهمة السيطرة الاقتصادية والسياسية ولمنطق الربح والهيمنة الاستراتيجية وهو ما يدفع بعضها لإلقاء جزء من إنتاجها من الحبوب فى المحيط حتى لا تنخفض أسعاره وبالتالى ما يعود عليها من أرباح؛ ولأن العالم منذ بداية تسعينات القرن الماضى صار أحادى القطب فقد صارت تبعية كثير من البلاد النامية والمتخلفة لنظام الليبرالية الجديدة الدولى وللولايات المتحدة الأمريكية حجر عثرة أمام الحصول على الغذاء وسد احتياجات سكانها منه.
ويزداد الأمر سوء إذا ما استحدثت الدول المهيمنة على إنتاج الحبوب سياسة استخراج الوقود من الحبوب التى تنتجها كثير من المجتمعات الفقيرة أو تسعى لاجتثاث غاباتها وزراعة الحبوب محلها لإنتاج هذا النوع من الوقود الحيوى.

المقدمات التى صنعت وفاقمت أزمة الغذاء فى مصر:

هذا وقد لعبت السياسة العامة للدولة فى مصر التى توجه السياسة الزراعية طيلة حوالى نصف قرن دورا ليس فى تخفيف حدة الأزمة وتجاوز مختنقاتها بقدر ما فاقمتها يأتى فى مقدمة تلك السياسات ما استنه السادات تحت مسمى هيكلة الزراعة التى استهدفت:
1- التجاهل التام لوظيفة الأرض الاجتماعية المتمثلة فى دورها فى سد الاحتياجات الغذائية للشعب وبما تنتجه من احتياجات ضرورية للكساء والدواء فى ظل ضيق المساحة المزروعة والقابلة للزراعة مقارنة بمساحتها الكلية.
2- والشروع فى القضاء على نمط الانتاج الفلاحى الصغير الذى يشكل النمط السائد فى مصر ويشتغل به حوالى ¾ الفلاحين لصالح نمط آخر هذا ” الزراعة الكثيفة والمزارع الواسعة” الذى يتبناه الكبار من الزراع والملاك والمستثمرين، وتنفيذا لذلك ثم إلغاء وتعديل بعض القوانين واستحداث أخرى مهمتها حرمان المنتجين المباشرين الفقراء والصغار من الفلاحين من الأرض ومن الاستمرار فى الزراعة بغرض توفير الأيدى العاملة الرخيصة للمزارع الواسعة وتركيز الأرض فى أيدى كبار الزراع والملاك، وتنفيذا لذلك لجأت الدولة:
أ- لرفع الدعم عن مستلزمات الزراعة ( تقاوى- أسمدة – مبيدات- آلات- أعلاف- لقاحات وأمصال بيطرية) ورفع إبجارات الأراضى الزراعية، ومضاعفة الضرائب عليها، ورفع أسعار فائدة القروض الزراعية.
ب- ليس هذا وفقط بل واحتكار تجارة ما ينتجه الفلاحون- من حاصلات زراعية- بواسطة الدولة والقطاع الخاص- لمحاصرة أسعارها ليصبح عائد الفلاحين من زراعاتهم ضعيفا لا يكفى لحياة كريمة وعمل مجز، مما دفع أعدادا هائلة من الملاك الصغار لبيع أراضيهم ومن المستأجرين لاعتزال حرفة الزراعة وهجرة الريف.
3- الارتداد العملى عن قوانين الإصلاح الزراعى؛ إضافة إلى رفع الحراسة عن أراضى الإقطاعيين السابقين؛ وإطلاق يد ورثتهم فى استعادتها والتواطؤ على “عصابات السطو المنظمة على الأراضى” وحكام الأقاليم ومتنفذيها فى ذلك.. وتحويل مساحات كبيرة منها إلى أراضى بناء للمستثمرين؛ وإصدار قانون الإيجارات الزراعية (96/1992) الذى أسهم بفعالية فى طرد المستأجرين من أراضيهم ورفع أسعار إيجارها لمستويات أجبرت الكثيرين على اعتزال الزراعة، بخلاف ما أنشأته من محاكم استثنائية (القيم) لدعم أغنياء الريف وورثة إقطاعييه فى تجريد الفلاحين من أراضيهم
4- تعديل السياسة الزراعية بما يدير ظهرها لانتاج محاصيل الغذاء عن طريق سياسة تسعيرية تدفع الفلاحين للإحجام عن زراعة الحبوب وسن قوانين معادية للائتمان والتعاون الزراعى فضلا عن الإجراءات الإدارية التى تدفع فقراء وصغار الفلاحين خارج التعاونيات الزراعية وتحرمهم بالتالى من لقب فلاحين قبل أن تحرمهم من الحصول على مستلزمات الزراعة المدعومة وقروضها الميسرة وضرائبها المحدودة.
وفى المقابل إطلاق بد كبار الزراع والملاك فى إنتاج محاصيل التصدير بدلا من محاصيل الغذاء وبالتالى استيراده.
5- إطلاق يد الشركات العولمية الكبرى العاملة فى إنتاج وتجارة مستلزمات الزراعة (تقاوى- أسمدى… الخ) فى الريف مما شكل خنقا لمراكز البحوث الزراعية والبيطرية وإهمالا لها وحاصر منتجاتها من السلالات النباتية والحيوانية وأحل محلها التقاوى الأجنبية، والأسمدة الكيماوية محل الأسمدة العضوية، والمبيدات الكيماوية محل المقاومة اليدوية والحيوية للآفات مما جعل الفلاحين أسرى لتلك الشركات ولأسعارها وسياساتها، ورفع تكلفة الزراعة بشكل كبير، وتجاهل ما توصلت له البحوث المصرية من سلالات عالية الانتاج وموفرة لمياة الرى ومقاومة للأمراض.
6- إهمال عملية استصلاح الأراضى من ناحية، وقصر توزيع المتوفر منها على الأجانب وكبار الزراع والملاك والمستثمرين وعدم ترشيد مياة الرى وتجاهل البحوث الزراعية التى توصلت الى طرق زراعة تناسب البيئة وتوفر مياة الرى، فضلا عن إساءة التعامل مع دول حوض النيل حتى تعقدت مشكلتها إلى درجة الخطر كما هو ماثل الأن.

بحوث تتوخى الرصد وتتجنب جذور المشكلة

من ناحية أخرى رصدت بعض البحوث الحكومية عددا من مظاهر حالة الغذاء فى مصر أوضحت التصاعد الهائل فى ضعف وفاء السكان بمتطلباتهم الغذائية نظرا لارتفاع أسعارها مقارنة بما كان فى سنوات قريبة سابقة وضعف دخولهم.
فى إحدى هذه الدراسات التى أعدها ونشرها المرصد المصرى للغذاء ( تابع لمركز المعلومات واتخاذ القرار بمجلس الوزراء) بالتعاون مع مجلس الغذاء العالمى عن حالة الغذاء فى 10 محافظات جرت على 7458 فردا يشكلون 1680 أسرة بمتوسط 4.43 فردا للأسرة بمتوسط عمر 30 سنة لثلثى العينة، تضمنت رصدا لاتجاهات الانتاج والاستهلاك والأسعار لعدد من السلع الغذائية الرئيسية (27 سلعة) وأثرها على حالة الأمن الغذائى للأسر الأكثر احتياجا وذلك خلال 6 شهور تبدأ من أكتوبر 2012 حتى مارس 2013 وتوصلت الى النتائج التالية:
أولا: اتجاهات تغيير أسعار السلع الغذائية الرئيسية وتأثيراتها.. وتضم:
أ- تغيير أسعار سلة السلع الرئيسية (27 سلعة).
ب- معدلات التضخم.
ج- التغيير فى أسعارها تبعا للأقاليم التى غطتها الدراسة.
د- الأسعار العالمية للسلع المذكورة.
ثانيا: حدود الأمن الغذائى للأسر الأكثر احتياجا.
ثالثا: تقرير عن سياسة القمح فى مصر فى علاقتها بالأمن الغذائى.
وعن تفصيل أهم النتائج التى توصلت إليها ذكرت الدراسة:
1- ارتفاع نسبة الأسر الأكثر احتياجا التى تعرضت للأزمة خلال العام السابق واجراء مقارنة بين فترتين الأولى الربع الأخير من عام 2012 والثانية الربع الأول من عام 2013 وكانت النسبة هى 34.7% ،37% على الترتيب.
وإقرار 33.7% من العينة فى الربع الأخير 2012، 44.1% فى الربع الأول 2013 بأن السبب يتمثل فى ارتفاع أسعار الغذاء.
2- ارتفاع العبء على أفراد العينة بنسبة 1.8% فى الفترة الثانية (2013) مقارنا بالفترة الأولى (2012)، حيث زادت أسعار الخبز 9.5% من الفترة الأولى للثانية، 1.6% من شهر فبراير الى شهر مارس 2013. و الخضر بمعدل 2.3% بين الفترتين، 3.4% بين الشهرين (فبراير- مارس 2013).
3- ارتفع معدل التضخم فى الفترة الثانية عنه فى الأولى بمتوسط 8.2%، وبمعدل 0.8% فى شهر مارس عن شهر فبراير 2013.
4- التأكيد على ثبات الدخل من حيث القيمة الدفترية لحولى 93% من العينة.
5- لجوء أفراد العينة للتغلب على عدم كفاية الدخل باستخدام سلع أرخص وأقل جودة، وبالاقتراض أى الشراء بالأجل من البقالين، وتقليل كمية الطعام المشترى كما أشارت الدراسة لوجود 23.3% من العينة لا يحمل بطاقات تموينية فضلا عن عدم توفر بعض السلع لدى البقال التموينى.
كذلك أشارت إلى ضعف التنوع الغذائى حيث يمثل الخبز المكون الرئيسى للغذاء لأغلبية العينة وهو ما أفضى لتفاقم أمراض السمنة المفرطة، وتقزم الأطفال وكذا أثاره على الإنتاج وعلى عملية علاج تلك الأمراض.
6- أما عن سياسة القمح فى مصر فقد أوردت الدراسة أن حجم استيراده يتراوح بين 9-10 طن سنويا وهو ما يشكل 50%- 60% من الاحتياجات السنوية منه.
7- وأشارت لفقد الجنية المصرى منذ ديسمبر 2012 لـ 10% من قيمته، وأنه تم تخفيض التصنيف الائتمانى لمصر مرتين خلال 2012 – تدنى الاحتياطى النقدى الى 13.4 مليار دولار- لا يكفى تمويل واردات القمح إلا لمدة 3 شهور فى إشارة لتفاقم التضخم ومن ثم ارتفاع أسعار الغذاء.
8- أما عن الأسعار العالمية فقد أوردت الدراسة التى ترصد التغيرات فى ستة شهور فقط (أكتوبر 2012- مارس 2013) ملاحظة موجزها (أنه رغم انخفاض أسعار القمح واللحوم عالميا انخفاضا طفيفا منذ يونيو 2012 إلا أنها عموما تشكل مستوى عاليا لا تستطيع القوة الشرائية لأفراد العينة تحمله.
9- من جانب آخر ذكرت الدراسة أن دعم الغذاء يستهلك ما بين 1% – 2% من الناتج المحلى الاجمالى يستهلك دعم الخبز منها 61% بينما دعم بقية السلع الغذائية التموينية يستهلك 39% فى الوقت الذى يبلغ فيه دعم الوقود ما بين 5%- 7% من الناتج المحلى الاجمالى.
وأشارت الى أن إلغاء دعم الغذاء يرفع تقديرات الفقر من 25.2% إلى 34% من السكان.

ملاحظات على الدراسة

رغم أنها ترصد بشكل فوتوغرافى الحالة الغذائية وعددا من العوامل المسببة لها كالتضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنية وتقر بأثارها على الصحة والانتاج إلا أن الحلول التى أقترحتها لاتعالج الأزمة لعدة أسباب:
الأول: هو أن جانب الرصد فى الدراسة يظفر على جانب التحليل، وأنها فيما اقترحته من حلول تبقى على أسباب الأزمة دون النفاذ لجوهرها وأسبابها العميقة.
والثانى: أنها لا تقارن بين مستويات الأسعار فى حقبة زمنية سابقة (السبعينات أو الثمانينات) مثلا بل تكتفى بسنة أو شهور سابقة ، وأغفلت مقارنة كفاءة الغذاء الصحية الذى يحصل عليه أفراد العينة بالمستوى العالمى الذى تحددها الهيئات الصحية الدولية ذات المصداقية.
والثالث: أنها تفتقد لوضع استراتيجية تتضمن علاقة الغذاء بمهنة الزراعة والانتاج الزراعى وتستنبط منها الحلول الأساسية للمشكلة ولصون عملية اتخاذ القرار الوطنى المستقل بعيدا عن الضغوط السياسية المحتملة.

جذور المشكلة وآفاق الحل

ولذلك نشير الى عدد من الأسس التى نراها حتمية لمواجهة أزمة الغذاء فى مصر:
1- وقف عمليات تجريد الفلاحين من أراضيهم والقضاء على نمط انتاجهم الفلاحى الصغير.
2- تفعيل قانون الإصلاح الزراعى فى جميع الأراضى القديمة والحديثة وإعطاء الأولوية فى الحصول على الأرض المستصلحة لمن طردوا من أراضيهم وللعمال الزراعيين وتعمير المناطق الصالحة للزراعة فى سيناء والساحل الشمالى والصحراء الغربية وشرق الدلتا والتوسع الأفقى فى الزراعة بسياسة جديدة للاستصلاح.
3- دعم مستلزمات الزراعة لمستوى أقرب لما كان عليه الوضع فى ستينات وسبيعنيات القرن الماضى (تقاوى- أسمدة .. الخ)
4- خفض ضريبة الأطيان، وأسعار فوائد القروض الزراعية، وإيجارات الأرض لمستوى يتحمله الفلاح البسيط ووضع حد أدنى (5سنوات) لمدة عقد إيجارها لتشجيع الفلاحين على إنتاج محاصيل الغذاء.
5- استبدال سياسة إحلال الصادرات ( أى شراء الغذاء من الخارج من عائد التصدير) المعمول بها حاليا بسياسة الاكتفاء الذاتى من الغذاء المستندة أساسا على زراعة محاصيل الحبوب- ثم الخضر.
6- إيقاف فوضى الزراعة بإعادة تفعبل قانون الدورة الزراعية وإعادة الاعتبار للارشاد والتعاون والائتمان الزراعى، والعمل بنظام التجميع الزراعى الذى كان ساريا منتصف القرن الماضى.
7- دعم البحوث الزراعية والبيطرية والتعليم الزراعى المتوسط والجامعى وأقسام تغذية النبات والحيوان بالمعاهد والجامعات، مع إعطاء الأولوية لاستخدام السلالات المصرية المناسبة للبيئة وعالية الإنتاج والمقاومة للأمراض محل السلالات الأجنبية التى تروجها الشركات العولمية السابق ذكرها.
8- تشجيع الميكنة الزراعية الملائمة لنمط الزراعة الفلاحى الصغير ونظام التسميد العضوى ودعم الوقود المستخدم فى تشغيل آلات الزراعة والخدمة والحصاد.
9- الاهتمام بطرق الحصاد المقللة للفاقد، وبطرق تخزين المحاصيل (صوامع- ثلاجات- مكامير)، وتشديد الرقابة على المخابز ومنافذ توزيع الخبز، وتوفير الوقود المدعوم لعمليات الزراعة.
10- تثقيف الفلاحين ومدهم بطرق الزراعة والحصاد المستحدثة الموفرة للفاقد و لمياة الرى) ، والاهتمام بدول حوض النيل وحل القضايا المعلقة معها بروح الإخاء والتعاون.

خلاصة القول لا يمكن لسياسات الأمن الغذائى أن تنفصل عن سياسات إنهاض الزراعة والفلاحين الفقراء والصغار والعمال الزراعيين.. لأنهم ليسوا مجرد عنصر من عناصر العملية الانتاجية يتساوى مع بقية العناصر (رأس المال، الأرض- قوة العمل- مستلزمات الزراعة).. بل بإعتبارهم هدف العلمية الزراعى.. لأنهم مواطنون يوفرون غذاء الشعب ولا يحصلون على حقوقهم.
ومن ناحية أخرى فإن الأرض الزراعية فى مجتمع كمصر.. لها وظيفة اجتماعية (توفير الغذاء والكساء والدواء) بصرف النظر عن شكلها القانونى.. ولا يمكن أن تخضع تلك الوظيفة للأهواء التى تتعارض مع حماية الشعب من الجوع وحماية المجتمع من التناحر وحماية الدولة من الانهيار.

الجمعة 28 يونيو 2013.

تمهيدا لثورة معادية فى ريف مصر فى 30 يونيو القادم : بقايا الإقطاع تستأنف العنف المسلح ضد فلاحى البحيرة

مؤشرات خطيرة على ملامح المرحلة القادمة فى الثورة المصرية

لم يجد ورثة عائلة نوار أفضل من الحالة الراهنة التى تمر بها الثورة المصرية لاستئناف محاولاتهم لاسترداد أراضى الإصلاح الزراعى التى انتزعها القانون منهم فى القرن الماضى ووزعها على الفلاحين بعد أن فشلت محاولاتهم السابقة التى شهدت أهم أحداثها فى عام 2005 بمنطقة سراندو التابعة لمركز دمنهور بمحافظة البحيرة.
فقد أفاد العديد من أهالى قرى مركز دمنهور ( الواقعة على طريق الشوكة – البرنوجى ) بقيام عائلة نوار الإقطاعية باستئناف العنف المسلح ضد أهالى عزب العفيرة؛ والناموس ؛والمؤاجرين .. علاوة على عزبة البراربرة الكائنة خلف قرية نديبة الموطن الأصلى ومعقل العائلة الإقطاعية .

موجز الأحداث :

1- فى الأسبوع الثانى من شهر يونيو الجارى باغت عدد من المسلحين بالبنادق الآلية القرى
الثلاث الأولى وشنوا هجزما عشوائيا على فلاحيها فى الحقول كان بمثابة إنذاروعينة
للترويع الذى يمكن أن يتعرضوا له فى حالة عدم تخليهم عن أراضيهم التى حصلوا عليها بعد
مصادرة أراضى العائلة الإقطاعية.
هذا وقد أخطر الفلاحون مركز شرطة دمنهور بالأحداث ببلاغ رقم 20 جنح مركز دمنهور.
2- وفى الساعة الثانية ظهر يوم 21 يونيو الجارى تعرض الفلاحون بعزبة البرابرة أثناء عملهم بالحقول لتجريدة مسلحة أخرى قوامها 6 مسلحين حيث سقط الفلاح محمد عوض البربرى صريعا فور إصابته فضلا عن فلاح آخر فى حالة خطرة؛ ولأن فلاحى المنطقةاحتشدوا إثر سماعهم أصوات الرصاص وقاموا بمطاردة المعتدين فقد تمكنوا من إصابة اثنين أحدهم ( أبو الخير حميدة ) الذى توفى فيما بعد والآخر مازال على قيد الحياة.
كما أفادو أن الأرض محل الصراع كانت مصادرة من الإقطاعلى والد المدعو محمد إسماعيل عبد الحميد نوار.
هذا وفى الساعة الخامسة والنصف مساء حضرت قوات الشرطة ( ضابط المباحث وشاحنتى جنود من قوات الأمن المركزى ) لاستيضاح الأمر .. بعد أن كان المعتدون قد ولوا الأدبار.
3-وحتى ظهر 22 يونيو لم يكن تصريح دفن الجثث قد صدر بعد ، ولم تصلنا أية أنباء عنه حتى الآن.

يذكر أن عائلة نوار كانت قد شنت حملة مسلحة صباح يوم 4 مارس 2005 على فلاحى عزبة سراندو مركز دمنهور بالاتفاق مع شرطة دمنهور شارك فى تدبيرها ضابطا المباحث محمد عمار وفؤاد الجزار بغرض اغتصاب أراضى الفلاحين التى حصلوا عليها بقانون الإصلاح الزراعى وتغيير معالمها ، وذلك لتجنبها اللجوء للقضاء بسبب عدم امتلاكها- أى العائلة – لأية مستندات تثبت ملكيتها لتلك الأرض ( فمعظم أراضى العائلة ليست لها صفة قانونية فهى إما مغتصبة وإما بوضع اليد ) ولذا لم يكن أمامها – لاستردادها من الفلاحين – سوى استخدام العنف المسلح وتواطؤ فرع هيئة الإصلاح الزراعى بالبحيرة ودعم الشرطة المباشر ، ورغم توفر كل ذلك فقد باءت محاولتهم بفشل شديد وفضيحة أشد؛ تمثل فى هروب جيش المرتزقة من المعركة كالفئران وسقوط قائده قتيلا واحتراق الجرارات والشاحنات بل والسيارات التى حملت جيش المعتدين وعتادهم أو سقوطها فى المصارف وتقديم 27 فلاحا ومحاميا للمحاكمة بقانون الطوارئ وبراءة معظمهم واعتراض الحاكم العسكرى على الأحكام لأكثر من مرة وتدخل الاتحاد الأوربى بمطالبته النيابة العامة – ووزارة العدل بمصر- إعادة التحقيق فى مصرع الفلاحة نفيسة المراكبى التى توفيت قبل مرور أقل من 24 ساعة من الإفراج عنها تلك الوفاة التى عزاها أهالى القرية للتعذيب ؛ إلا أن الضغوط التى مارستها الشرطة على أهل نفيسة المراكبى قد أفشلت مسعى الاتحاد الأوربى وأوقفت استئناف التحقيق فى ملابسات مصرعها.
واليوم انتهزت العائلة الإقطاعية حالة التوتر التى تخيم على الأجواء فى مصر ، وقامت بالتجريدتين الأخيرتين على القرى الأربع المذكورة لاستعادة الأرض ، حيث راجت شائعة تناقلها بعض المقربين من العائلة الإقطاعية ووصلت لعدد من الفلاحين مفادها أن العائلة ستقوم بضربتها الحاسمة ضد فلاحى القرى التى استفادت من مصادرة أراضيها بقانون الإصلاح ازراعى ابتداء من 30 يونيو 2013 حيث تكون قوات الشرطة والجيش منشغلة بالأحداث التى تجرى آنذاك ؛ وهو ما يستلزم على الفلاحين الحذر منه وانخاذ الإجراءات الدفاعية للحيلولة دون تحقيق أهدافه.

الثلاثاء 25 يونيو 2013 بشير صقر

عضو لجنة التضامن الفلاحى – مصر

كلمة اللجنة بمؤتمر الفلاحين الدولى السادس بإندونيسيا .. يونيو 2013

تمهيد :
لأننا نعيش عصر عولمة الزراعة بتقليص أعداد الفلاحين الصغار وتجريدهم من أراضيهم لصالح كبار الملاك والزراع والمستثمرين ، ونعيش عصر احتكار الشركات العولمية الكبرى لإنتاج وتجارة مستلزمات الزراعة ( بذور – أسمدة – مبيدات ..إلخ ) والذى يتحكم بدوره فى عملية إنتاج وتسويق الحاصلات الزراعية ( نباتية وحيوانية ) لصالح نمط الزراعة الكثيفة والمزارع الواسعة .
ولأن أزمة الغذاء ليست ناجمة عن انخفاض إنتاجه مقارنا بحجم استهلاكه ؛ بل عن سوء توزيعه على قارات ومجتمعات العالم وداخل كل مجتمع على فئاته وطبقاته.
كان من الطبيعى أن تزداد أعداد الجوعى والعاطلين استنادا إلى تجريد المنتجين الفقراء من الفلاحين من الأرض وانخفاض قوتهم الشرائية والتدنى المستمر لنصيبهم من الغذاء.
ونظرا لأن قوى الليبرالية الجديدة تشن حروبا متنوعة فى مختلف مجالات الإنتاج والاستهلاك على جميع المنتجين والفقراء فى كل مجتمعات العالم وخصوصا على الفلاحين ، ولأن وقف تلك الحروب ومواجهة المصير الذى تفضى إليه أصبح ضرورة لامناص منها .. كان من المنطقى أن يتكاتف هؤلاء المنتجون لكسر هيمنة هذه القوى النيوليبرالية وإفشال مخططاتها خصوصا فى مجال الزراعة والغذاء.
كذلك لا يمكن الحديث عن نضالات الفلاحين ومقاومتهم فى أى مجتمع دون وجود حد أدنى لمناخ الحريات النقابية والسياسية من ناحية ؛ ودون توفر حد أدنى من التضامن الدولى والقارى الفلاحى من ناحية أخرى .

تجربة لجنة التضامن الفلاحى فى مصر:
ومن خلال تجربة لجنتنا فى مصر التى بدأت عام 2005 وعرضت موجزا لها فى عدد من المؤتمرات الدولية فى برشلونة بأوربا ومالى بإفريقيا وفنزويلا بأمريكا اللاتينية وتركيا بآسيا وتونس بالشمال الإفريقى نستطيع القطع بأن برامج هيكلة الزراعة التى خطط لها وبدأ تنفيذها الرئيس السادات منذ عام 1974 كانت بداية تطبيق سياسات العولمة الزراعية فى مصر ، وقد ترعرعت ونضجت فى عهد خلفه مبارك طيلة 30 عاما:
– حيث صدرت تشريعات عديدة تناقض قانون الإصلاح الزراعى؛ وأخرى ترفع الدعم عن مستلزمات الزراعة و تطلق حرية التجارة فيها وترفع أسعارها ، وترفع أسعار إيجارات الأرض الزراعية، وتمهد لبيع مياه الرى للفلاحين فى بلد نهر النيل ،وتضاعف الضرائب على الأرض ، وتحول البنوك الزراعية من بنوك ائتمانية إلى بنك تجارية ترفع أسعار فائدة القروض إلى 500 % من أسعارها السابقة.
– وتنتزع وتسطو على رءوس أموال التعاونيات الزراعية وتنقلها إلى تلك البنوك مما أسهم فى ارتفاع تكلفة الزراعة خصوصا وأن الدولة والقطاع الخاص قد احتكرا معا عملية تسويق الحاصلات الزراعية وخفضت أسعارها مقارنة بتكلفة الزراعة مما أفضى لإفلاس الفلاحين وتعثر الكثيرين منهم فى سداد ديونهم المصرفية .. وهو ما أدى لطرد مئات الألوف منهم خارج أراضيهم واعتزالهم الزراعة وهجرتهم إلى المدن ، كما أدى بصغار الملاك منهم لبيع أراضيهم ليعود تركز الملكية فى أيدى كبار الملاك والزراع بمستوى أقرب إلى الوضع الذى كان قائما قبل تطبيق قانون الإصلاح الزراعى منذ ستين عاما خصوصا وأن الدولة ساعدتهم فى الفوز بنصيب الأسد فى كل الأراضى المستصلحة الجديدة وحرمت منها الفقراء والصغار من الفلاحين.
– كما دعمت الدولة ورثة الإقطاعيين السابقين فى استرداد الأراضى التى صودرت بقانون الإصلاح الزراعى وكذا الأراضى التى تم التحفظ عليها بقانون الحراسة وأراضى الأوقاف ( التى خصصها أصحابها لأعمال الخير) بل وباعت مساحات هائلة منها لكبار المسئولين بعُشْر ثمنها وطردت الفلاحين منها ، وقد لعبت أجهزة الأمن وقوات الشرطة دورا بارزا فى ذلك واستمرت مطاردة المتضامنين مع الفلاحين والنشطاء من النخب السياسية بل وتم اغتيال كل من حاول المقاومة من الفلاحين.
– لقد نشطت لجنة التضامن الفلاحى المصرية فى دعم الفلاحين الفقراء والصغار فى عديد من القرى ( فى 9 محافظات من أصل 18 محافظة زراعية ) لمقاومة طردهم من الأرض ؛ ومساعدتهم فى الحصول على مستلزمات الزراعة ؛ وفى فضح سياسات وممارسات الدولة وتعاونياتها الزراعية الحكومية وبنوكها التى استولت على أموال الفلاحين التى هى رءوس أموال التعاونيات الزراعية ورفعت أسعار القروض وقدمت المتعثرين للمحاكمة فور عجزهم عن السداد وأودعتهم السجون ومن ثم جردتهم من الأرض فاعتزلوا الزراعة بسبب تدهور جدواها الاقتصادية كما سبق القول.
– كما أصرت الدولة على استمرار خنق المقاومة الفلاحية وحرمان الفلاحين قانونيا من تشكيل نقاباتهم بل واستحدثت محاكم استثنائية ( محاكم القيم ) لطرد الفلاحين من الأرض.
– وبسبب تدنى الوعى النقابى والسياسى فى الريف لم يستطع نشطاء الريف ومناضليه ومنظمات المجتمع المدنى من تقديم الدعم للفلاحين بالمستوى الذى يوقف هذا السيل من العدوان عليهم .
لذلك فإن المعركة الدائرة بين الحلف المكون من الشركات العولمية الكبرى والدولة وكبار الزراع والملاك والمستثمرين من جانب وبين فقراء وصغار الفلاحين من جانب آخر معركة غير متكافئة.
ولهذا السبب لم يشارك الفلاحون فى ثورة 25 يناير 2011 وظلوا أمام شاشات التليفزيون يشاهدونها ويدعون لها بالانتصار.
– إن التضامن الدولى بين فلاحى البلاد النامية ( فى الجنوب ) وفلاحى البلاد المتطورة ( فى الشمال ) مفتقد إلى حد بعيد.
وحتى المؤتمرات والمنتديات الفلاحية الدولية لا تسفر عن إجراءات أو توصيات عملية تساهم فى دعم فلاحى الجنوب والشمال معا فى معركتهم ضد العولمة الرأسمالية فى الزراعة التى تستهدف مصلحة الشركات العولمية المشار إليها فى تحالفها مع كبار الزراع والملاك والمستثمرين بالأساس فى تلك المجتمعات .
– لقد سبق لنا أن طالبنا أصدقاءنا فى بعض منظمات صغار الفلاحين فى الشمال ( فيا كامبيسينا ، وكونفيديرالية الفلاحين الفرنسية ) بذلك منذ مؤتمرالفلاحين الدولى الأول فى سيلينجى بدولة مالى بإفريقيا عام 2007 ، على الأقل لبدء حملات دولية إعلامية لفضح سياسات إفقار الفلاحين فى بلاد الجنوب وتعرية التشريعات التى تجردهم من الأرض وتحول بينهم وبين الاستمرار فى حرفة الزراعة بل وتلقى بهم فى السجون وتجبر صغار الملاك على بيع أراضيهم وتحولهم لعاطلين ومشردين. .. ونحن نعيد مناشدتهم الآن بإيلاء هذا الموضوع مساحة أوسع من الحوار.
– إن هذا التضامن وتلك الحملات المقترحة وغيرها من الإجراءات العملية سوف ترفع من معنويات فلاحى الجنوب وتشعل المعركة ضد الشركات العولمية المذكورة وهو ما يدعم بشدة مقاومة فلاحى الشمال لها ويقرب يوم الانتصار على ممثلى الليبرالية الجديدة فى مجال الزراعة. لأنها معركة واحدة لا معركتان.
– نحن نعرف أن العمل فى أوساط الفلاحين تكتنفه صعوبات كثيرة خصوصا فى بلاد الجنوب فى ظل ضعف الوعى النقابى والسياسى وغياب أو ضعف التنظيمات النقابية التى تحتاج لحديث خاص بها خصوصا بعد الثورة ونظرا لهروب كثير من النشطاء من العمل فى الريف والتكلفة العالية للنضال فى الريف.
– لقد عرضنا موجزا عن القضايا العامة والأساسية للوضع الفلاحى فى مصر وأبرزنا أهمية التضامن الفلاحى الدولى حتى لا نضيع وقتكم وليس لأن الشياطين تكمن فى التفاصيل كما قد يقال بل لأن الاتفاق على الأسس العامة هى المدخل لتبادل الخبرة والدعم بين منظمات الفلاحين الدولية.

5مايو 2013 لجنة التضامن الفلاحى – مصر
Basheersakr2012@gmail.com
www.tadamon.katib.org
www.ahewar.org/m.asp?i=1625
www.ahewar.org/m.asp?i=2451

Featuring WPMU Bloglist Widget by YD WordPress Developer