ثورات الشعوب لا تحقق أهدافها فى لحظة..
بل بصراع طويل صعب .. ملئ بالمعاناة والتضحيات
فى الثورة المصرية.. تصور البعض أن حسم الثوار لها لن يتجاوز عدة أسابيع؛ لذلك لم يتذكروا منها سوى المشاهد الأخيرة .. بينما توارت المقدمات والتفاصيل وتراجعت إلى الخلف.
و نعنى بالمشاهد الأخيرة ( المعارك الحاسمة التى تخللتها ).. أما المقدمات فهى كل عمليات التحضير والاستعداد والتنظيم والحشد والتوعية وقراءة تفاصيل المعارك الصغرى والتاكتيكات التى استخدمت والتاكتيكات المضادة والتنبه لنقاط الضعف لسد ثغراتها فيما بعد.. والتركيز على مواضع القوة ودعمها .
تلك هى الحصيلة الأهم فى مسار الثورة التى لم تنْقضِ منها سوى الجولة الأولى تمهيدا لجولة أو جولات أخرى أشد وأكثر ضراوة.. فهل تم ذلك .. منذ اندلعت فى 25 يناير 2011 ؟!
فالثورة ليست لحظة أو خبطة تتم ثم تنتهى .. الثورة طريق ومسار طويل .
دروس سابقة لاحقة :
ولأن الشعب المصرى ظل محروما من الحرية ومن العمل السياسى طوال ستين عاما بينما اندلعت الجولة الأولى من ثورته الأخيرة منذ خمسة عشر شهرا فقط ؛ فقد شكلت فترة الانقطاع الطويلة هوة واسعة بين الشعب صاحب التجربة السياسية منذ ثورة 1919 وحتى عام 1952 وبين ” شعب آخر ” هو الموجود الآن.. صودرت حريته وحرم من النشاط السياسى زمنا يتجاوز نصف قرن ؛ ولم يفعل قانون توريث التقاليد الكفاحية فعله بين أجياله المتعاقبة طيلة هذا الزمن.
نعم ستون عاما كفيلة باستبدال الأجيال القديمة المدربة بأجيال أخرى حديثة العهد بالنشاط السياسى وربما خالية الذهن من كثير من بديهياته.
فالشعب منذ ذلك التاريخ يشاهد ما يدور فى مصر دون أن يشارك فيه ؛ وقد سُدّت أمامه كل المنافذ ولم تُفتَح له سوى مدرجات كرة القدم .. ولم تُتَح ْ أمامه إلا شاشات التليفزيون والفضائيات ، ولماضاقت الخية حول عنقه انتفض وانفجر .. نعم انتفض – فالانتفاضة هبة عفوية فى معظم جوانبها- وهو لم يأخذ فرصة فى الإعداد والتحضير والحشد وتحديد التوقيت الذى يواجه فيه أعداءه.. وأبرز الدلائل هو أن من فجروا الانتفاضة فى 25 يناير لم يتربعوا على كراسى الحكم فقط .. بل أزيحوا إلى مؤخرة المشهد السياسى.. فقد اقتسمها النظام القديم مع منافسيه من فصائل الإسلام السياسى.. وليس مع معارضيه ، فمنافسوه يصارعونه على تلك الكراسى منذ زمن لكنهم لا ينحازون إلى مطالب الشعب ؛ بل ولم ينحازوا يوما لها ؛ فتاريخهم البعيد والقريب والراهن يجهر بذلك.. وهو تاريخ ملطخ بدم الأبرياء والفقراء والمدافعين الحقيقيين عن حقوقه.
كيف يكتسب البسطاء وعيهم..؟ :
– وعامة الشعب تختلف عن المثقفين والنخب السياسية فى طريقة اكتسابها للوعى السياسى وفى إدراك وتمييز حلفائها و أصدقائها من أعدائها ؛ فالتجربة العملية اليومية هى الأساس لدى عامة الشعب من البسطاء بينما يكتسب المثقفون والنخب وعيهم من الاطلاع والقراءة.
– وحيث دمرت الدولة التعليم وأهدرت الموارد ونشرت البطالة وقضت على الثقافة ورفعت تكلفة ذلك كله إلى مستويات باهظة ؛ فقد أسهم هذا فى حرمان الأغلبية الساحقة من الشعب من القراءة والمعرفة بخلاف ما سنته من قوانين تُجرّم تأسيس الأحزاب وتحاصر الحريات خصوصا حرية التعبير وتمنع كل أشكال الاحتجاج وتضَيّق على إنشاء النقابات والاتحادات والروابط والجمعيات ..لذا وجد الشعب نفسه معزولا عن المشاركة السياسية التى لم يسمح بها النظام الحاكم سوى لمؤيديه وأنصاره وعدد ممن اشتراهم ليلعبوا دور المعارضة المستأنسة ودور المروّج لتعدديته المزيفة .. وهكذا .
متى سقطت الأوهام وبأى ثمن ..؟ :
– من هنا كانت الانتفاضة الأولى للثورة المصرية التى اندلعت فى يناير 2011 محرومة من الخبرة السياسية الحقيقية ومن التمييز الدقيق بين الأعداء والحلفاء والأصدقاء ؛ ليس هذا وحسب بل ومحرومة من قوى سياسية منظمة مناصرة ومؤيدة لها ، واحتاجت لعام كامل لإسقاط الأوهام عن مخيلتها بشأن أحد أجنحة النظام ( المؤسسة العسكرية ) التى ظلت شهورا تهتف بوضع يدها فى يده، وشهورا أخرى للتمييز بين المعارضة على الكرسى – التى قفزت إلى صدارة المشهد السياسى – وبين المعارضة المشغولة بهموم الشعب وحقوقه وحرياته الأساسية التى أزيحت إلى الوراء.
ولذلك كان الدم هو الثمن الذى دفعته الانتفاضة الأولى حتى سقطت عنها الأوهام بشأن المجلس العسكرى الحاكم .. وكان الألم والأسف والإحباط هو الثمن الذى تم دفعه لاكتشاف الموقف الحقيقى لجماعات العنف وأحزاب إعادة مصر إلى القرون الوسطى .. التى تتقاتل مع بقايا النظام الحاكم على كراسى السلطة .. وتتقاتل مع بعضها على حصتها فى الغنائم.
– وأدركت الانتفاضة الأولى للثورة المصرية أنها إذا وقفت تشاهد مايحدث ستكون بين خيارين أحلاهما مر .. الأول : هو استمرار النظام الحاكم بعد التضحية بعدد من رءوسه.. والثانى :هو استبدال الحزب الوطنى بأحزاب أشد عنفا وبطشا وكذبا ورجعية منه.. أو بخليط منهما.
الخفافيش والعسكر” إيد واحدة “:
– ولأنه .. لا هزْلَ فى الثورات .. فكل القوى التى كانت مهيمنة على السلطة والثروة تقاتل بكل شراسة للحفاظ على مواقعها ؛ بينما القوى التى كانت تصارعها ( تنافسها ) على تلك الهيمنة أسفرت عن وجهها وأهدافها وتحالفت معها لتقتسم السلطة ؛ وليقفان معا يدا واحدة فى الإعلان الدستورى المطبوخ وفى الاستفتاء عليه وفى انتخابات البرلمان.. ضد الثورة وضد الشعب ؛ فأصدرت إحداهما قانون تجريم الاحتجاج والتظاهر وباركته الأخرى فلم تعترض عليه.. لأن الهدف هو إعادة الشعب إلى منازله .
– وهكذا حتى أشرفت معركة انتخابات الرئاسة على البدء واتضح ما يضمره كل منهما للآخر.. فالحصول على كرسى الرئاسة لبقايا النظام الحاكم ( العسكر ) سيمكنه من تحصين مواقعه التى يدير منها السلطة والاقتصاد وإعادة الوضع لحالة أقرب لماكانت عليه قبل الثورة. بينما حصول الآخر عليه سيمكنه من فرض دولة دينية أساسها التمييز بين أفراد الشعب وخنق الحريات واغتصاب الحقوق الأساسية للفقراء وتحجيم منافسه ( المجلس العسكرى ) ليس لصالح تلك الحريات والحقوق ولكن ليتمكن من كبتها ومصادرتها واغتصابها.
مجتمعات العنف المسلح والتمييز والقهر :
والقراءة المتأنية لتاريخ المجتمعات التى حكمتها أو تحكمها أحزاب دينية (كباكستان ؛ والسعودية ، وإيران، وأفغانستان ، وإسرائيل ) تكشف أنها مجتمعات لا يحكمها سوى العنف المسلح والدم والديكتاتورية والتمييز ضد الأقليات الدينية [( كالمسيحيين فى المجتمعات الأربعة الأولى ) , (والمسلمين والمسيحيين فى اسرائيل ) وضد الأقليات المذهبية ( سنة ، شيعة فى الأربعة الأولى) و( يهود غربيين ويهود شرقيين فى اسرائيل) بل وبين الأفراد حسب تأييدهم أو معارضتهم للنظام الحاكم .
– كذلك فبمراجعة تاريخ قوى الإسلام السياسى فى مصر نجده سجلا أسود ملطخ بالدم علاوة على أن سلوكها وممارساتها الأخيرة فى مجلسى البرلمان لا يدع مجالا للشك فى المخاطر المحدقة بالثورة والشعب إذا ما تمكنت تلك الخفافيش من الحصول على كرسى الرئاسة وبالتالى الاستيلاء على السلطة التنفيذية.
خلاصة القول أن تلك الأحزاب والجماعات لا تختلف كثيرا عن النظام الحاكم لكنها لا تستطيع تسويق نفسها فى صفوف الشعب بناء على القواعد المتعارف عليها فى العمل السياسى السلمى الديموقراطى؛ لذلك تضطر للتستر بعباءة الدين الذى يجذب البسطاء.. لكن سريعا ما يتم اكتشاف أغراضهم وأهدافهم الحقيقية.
هل كانت معارضة ؟ .. أم هى منافسة على كراسى الحكم..؟ :
– إذن فقد كانت هناك معارضتان لنظام المخلوع مبارك : الأولى: معارضة على كراسى الحكم ( أو بمعنى أدق منافسة عليها ) يتخللها عقد الصفقات مع النظام فى كل الانتخابات وهى التى تصدرت المشهد وسيطرت على مجلسى البرلمان بعد 25 يناير 2011 ، والثانية : معارضة أخرى تمثلها الثورة وقطاعات واسعة من البسطاء يهمها انتزاع الحقوق والحريات السياسية لشعب مطحون ومهمش ومقهور. بينما يقود النظامَ الحاكم جناحُه العسكرى المدعوم بنشاط واسع ومحموم لمجموعات كبيرة من رجال الأعمال والسلطة القديمة.
ويدور الصراع على أشده بين النظام الحاكم وشريكه (أو منافسه) الأصغر ؛ حيث يتزود كل طرف بكل ما يستطيع جمعه من العدة والعتاد للحصول على أقصى ما يمكنه انتزاعه من السلطة والثروة ويعمل على تحصينه ولأن كلا الشريكين متفق مع الآخر ضمنيا على مصادرة الحقوق والحريات الأساسية للشعب وعلى اغتصاب قوته ونهب عرقه استنادا إلى تاريخ كل منهما القريب وعلى مدار عشرات السنين، فإن قوى الثورة لا يمكنها المشاركة فى هذا النوع من الصراع لأنه صراع بلا مبادئ ؛ وقانونه الأعلى هو” الغاية تبرر الوسيلة ” لكنها فى نفس الوقت لا تستطيع أن تقنع بموقف المشاهد من كل ما يدور.. فلابد من اتخاذ موقف فعال من كل منهما.
ماهى مفردات النظام الحاكم ..؟ :
سبق لنا وبتاريخ السابع من فبراير 2011 أن كتبنا مقالا نشرناه فى 10 فبراير على موقع الحوار المتمدن نؤكد فيه أن الوضع فى مصر ربما يحتاج إلى انتفاضة أخرى أو انتفاضتين وذكرنا أن شعار إسقاط النظام يعنى أولا معرفة دقيقة- ليس فقط بمواقف النظام من الشعب وحقوقه وحرياته ؛ وأعدائه التاريخيين كإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وجملة الدول السائرة فى فلك أى منهما- بل بمفردات النظام وهى :
1- المؤسسات الحاكمة : كرئاسة الجمهورية والوزراء والبرلمان والمجالس الشعبية المحلية والمؤسسة العسكرية .
2- وأجهزة القمع : كالأمن المركزى وأمن الدولة وأجهزة الاستخبارات والتحرى المتنوعة.
3- والرموز :الرئيس وأبرز ممثلى النظام .
4- وممثلى التحالف المالك الحاكم : من رجال الأعمال الموجودين فى مواقع السلطة المؤثرة .
5- والدستور: الذى يوجه دفة المجتمع .
6- والسياسات والتشريعات والمبادئ والقوانين:التى تكبل حريات وحقوق الشعب ونشاطه الاقتصادى وتمتص عرقه.
وما حدث فى 11 فبراير 2011 هو انتقال للسلطة من رأس الحكم إلى أحد أجنحته وبالتالى فإن ممارسات هذا الجناح ( المجلس العسكرى الحاكم) اللاحقة ستكون المؤشر أو البرهان الذى يدلل على استمرار التوجهات القديمة للنظام أوينبئ بتغييرها واستبدالها بغيرها.
الموقف العملى للمجلس العسكرى من حقوق الشعب وحرياته :
وحيث أنه تم إسقاط الرئيس وبعض معاونيه وكذا الدستور والحزب الحاكم والبرلمان والمجالس المحلية الشعبية إلا أنه لم تجر أية عمليات تطهير للجهاز الحكومى والقضائى من القيادات و العناصر الموالية للنظام ولم يوضع دستور يتضمن المبادئ الموجهة للمجتمع والمستهدفة للحقوق والحريات الأساسية للشعب ولم تتم الاستجابة لأى من مطالب الثورة الحقيقية. وهو ما يعنى استمرار النظام الحاكم بسياساته وقوانينه وتشريعاته ومبادئه التى توجه المجتمع ، وحتى نتذكر معا ممارسات المجلس العسكرى الحاكم نتابع فيما يلى رصداَ لعدد من الأحداث الهامة وموقف المجلس منها:
1- أحداث التعدى على كنيسة الشهيدين بأطفيح جيزة وهدمها ببولدوزرات الدولة فى مارس 2011 حيث تم استدعاء أحد قيادات السلفيين للمصالحة بين طائفتى القرية والشروع فى إعادة بنائها.
2- اعتداء سلفى على مسيحى وقطع أذنه بعد حرق منزله وسيارته وانتهى الأمر بتنازل المسيحى عن بلاغه وعدم إجراء تحقيق فى الواقعة.. مارس 2011
3- أحداث أبو قرقاص الطائفية فى المنيا إبريل 2011 .
4- أحداث رفض المسلمين تعيين محافظ مسيحى لمحافظة قنا وانتهائها بتغيير المحافظ فى إبريل 2011 .
5- أحداث كنيسة مارمينا بامبابة بالجيزة وانتهت بحرق الكنيسة وقتلى وجرحى من الطرفين.مايو 2011 .
6- أحداث مظاهرة التحرير / العباسية السلمية وتصدى الشرطة المدنية والعسكرية والبلطجية لها قرب ميدان العباسية فى يوليو 2011 وسقوط عشرات الجرحى.
7- أحداث ماسبيرو بالقاهرة وانتهت بـ 19 ضحية بعضهم تحت عجلات السيارات المصفحة وعشرات الجرحى من المسيحيين.أكتوبر 2011 .
8- أحداث مجلس الوزراء والسفارتين الإسرائيلية والسعودية وانتهت بعدد غير معروف من القتلى ومئات الجرحى . أكتوبر 2011 .
9- أحداث شارع محمد محمود التى انتهت بعدد من القتلى وعشرات الجرحى.
10- سحل فتاة وتعريتها أمام مجلس الوزراء فى ديسمبر 2011، وتداول وسائل الإعلام الدولية لها.
11- إجراء كشف العذرية على بعض الناشطات بواسطة أطباء مجندين بالقوات المسلحة عقب القبض عليهن فى ميدان التحرير، وصدور حكم قضائى بوقف هذه الممارسات وتداول وسائل الإعلام الدولية لها.ديسمبر 2011 .
12 – طرد أسرة مسيحية بإحدى قرى النهضة بمنطقة العامرية بالإسكندرية وإجبارها على بيع ممتلكاتها فى فبراير 2012 .
13 -أحداث فتنة طائفية بقرية المطيعة مركز أسيوط انتهت بحرق منازل وجرحى مسيحيين فى فبراير 2012 .
14- القبض على عدد من فلاحى قرية ( العمرية مركز دمنهور) لحساب رئيس مباحث أمن الدولة بالبحيرة بتهمة اغتصاب أرض والدة الضابط وحرق قصرها وسرقة محتوياته وتقديمهم لمحاكمة عسكرية ومعاقبتهم بالسجن 5 سنوات رغم أنهم المجنى عليهم وليسوا الجناة حيث اغتصب الضابط أراضيهم وطاردهم خارج القرية ؛هذا وقد عادت المحكمة العليا العسكرية بعد سنة من سجنهم بتبرئتهم من تهم الاغتصاب والحرق والسرقة ، وواقعة أخرى مماثلة فى عزبة ( حوض 13 بالمعمورة) بشرق الإسكندرية والحكم على الفلاحين بالسجن 5 سنوات.
15- القبض على الآلاف ( حوالى 10 ) من النشطاء وشباب الثورة والمحتجين من العمال والموظفين فى المظاهرات وتقديمهم لمحاكمات عسكرية وسجنهم لفترات تتراوح بين سنتين وسبع سنوات واستمرارهم حتى الآن مقيدى الحرية.
16- موقف قوات العسكر من مذبحة ستاد بورسعيد فى أول فبراير 2012 والشكوك التى تحوم حول عدم مشاركتها فى وقف المذبحة رغم قربها الشديد من مكانها ( 10 دقائق ) ومعرفة قادتها بحالة الشحن والتوتر الشديدة التى سبقت المباراة.
ونعتقد أن الأمر لا يحتاج لمزيد من الشرح والتوضيح لموقف وتوجهات المجلس العسكرى.
قراءة سريعة فى تاريخ ومواقف جماعات الإسلام السياسى :
من جانب آخر فإن استعراضا سريعا لتاريخ وممارسات جماعات وأحزاب الإسلام السياسى ( كالإخوان المسلمين، والسلفيين ، والجماعات الإسلامية ) وكذا العديد من الجمعيات الأهلية والرموز الدائرة فى فلكها سيبرز لنا مواقفها الفعلية من أهداف الثورة ومن قيم المواطنة والدولة المدنية والحقوق والحريات الأساسية للشعب.
أ- جماعة الإخوان المسلمين :
هى المؤسسة الأم الحاضنة التى أفرخت كل جماعات العنف المسلح المتشحة بزى الإسلام .
تاريخها :
1- معاداة الحركة الوطنية ومحاولة شق صفها وتمثل ذلك فيما يلى:
أ-عندما كان الشعب المصرى يكافح من أجل جلاء المحتل البريطانى عن مصر وتفجرت التظاهرات الطلابية والعمالية والأزهرية والنسائية منادية بالجلاء وتعرضت للرصاص وسقط الشهداء والجرحى بالعشرات بل وفتحت القوات البريطانية علي بعضها كوبرى عباس القريب من ميدان الجيزة فسقط العشرات منهم فى النيل وغرق بعضهم . وعندما تشكلت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة التى دمجت نضال العمال والطلاب فى مسار واحد ونددت بعدد من الساسة المتواطئين مع الإنجليز ومنهم ملك مصر سارعت جماعة الإخوان المسلمين بتشكيل لجنة أخرى سمتها اللجنة الوطنية للطلاب لكنها ظلت هزيلة بينما تصاعد نشاط لجنة العمال والطلبة التى ضمت معظم التيارات والفرق السياسية الوطنية المصرية .
هذا وقد تكرر ذلك فى السبعينات عندم استدعاهم السادات لمواجهة الحركة الطلابية المنادية بتحرير الأرض التى تم احتلالها فى نكسة 1967 وقد استخدموا السلاسل والجنازير والسيوف والعنف فى مواجهة الطلاب الديموقراطيين واليساريين والناصريين واستمر ذلك حتى عقد السادات اتفاقية الصلح مع إسرائيل.
ب- رفض الإجماع الوطنى فيما يتعلق بجلاء المحتل البريطانى:
حيث كانت شعارات مثل “الله مع الملك” ترفعها الجماعة فى مواجهة شعار “الشعب مع الوفد” الذى أطلقته الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى فى وقت كان معروفا فيه موقف الملك المتخاذل بالنسبة لقضية الجلاء على عكس موقف حزب الوفد الذى لعب الدور الأبرز من بين القوى الوطنية .
ج- تأييد الحكومات الرجعية :
التى ألغت دستور 1923 الذى كان (النتاج الحقيقى لثورة الشعب فى 1919 ) وقد دعمت الجماعة أسوأ وأشرس رئيس وزراء عرفته مصر فى تاريخها الحديث ( إسماعيل صدقى ) وبلغ تملقها حدا لايوصف إذ أطلقت عنه تعبيرا مشهورا ” إن إسماعيل كان صديقا نبيا ” وذلك فى مواجهة شعار الشعب ” يحيا النحاس باشا ” زعيم حزب الوفد.
2- تغيير مسار الجماعة بعد بداية تأسيها بفترة قصيرة من جمعية صوفية إلى جماعة سياسية: بسبب صلات عقدتها مع ممثلين للمحتل البريطانى ؛ وقبول تبرع مالى ضخم منه تسلمته عن طريق شركة قناة السويس ( حيث كانت انجلترا وفرنسا تملكان أغلب أسهمها ) وقد بلغ التبرع خمسمائة جنيه مصرى وكان يساوى ثمن مائة فدان جيدة الخصوبة.
3- استخدام سياسة الاغتيالات سبيلا لتصفية خصومها السياسيين الذين سقطوا بالعشرات فى كثير من المدن المصرية والجامعة وهو ما استخدمته وسيلة لحسم خلافها مع جمال عبد الناصر فى السنوات الأولى لثورة يوليو 52 فى ميدان المنشية بمدينة الإسكندرية.
4- تهربها من الكفاح المسلح فى فلسطين فى الأربعينات من القرن الماضى واستبداله بجمع السلاح لتدريب جهازها السرى المسلح الذى كان مختصا بالعمل المسلح والاغتيالات .
5- تهربها من الكفاح المسلح ضد المحتل البريطانى فى منطقة قناة السويس عامى 1950 و 1951 إلى جوار كثير من القوى السياسية الوطنية ، ورفضها العمل السياسى السلمى واستنكافها عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية لسنوات طويلة منذ ثلاثينات القرن الماضى.
6- المناداة والترويج بأن الديموقراطية والأحزاب السياسية من المحرمات التى يجب إبعاد الشعب عنها ومقاومة مشاركته وانخراطه فيها ، علاوة على رفع شعار الخلافة الإسلامية .
7- المشاركة فى تفجير منازل اليهود المصريين بعد ثورة يوليو 52 وهو ما دعم بقوة عملية الهجرة لإسرائيل لعدد من اليهود المصريين المسالمين .
8- مناصرة الإقطاع وكبار الملاك والزراع ودعمهم فى مواجهة الفلاحين :
- · وهو ما تأكد فيما بعد من موقفهم المعارض لقانون الإصلاح الزراعى؛ حيث رفضوا – ليس فقط قانون الإصلاح الزراعى الذى صدر فى الشهور الأولى لثورة يوليو 1952 – بل ورفضوا أيضا مبدأ الإصلاح الزراعى ذاته باعتباره ضد الشريعة الإسلامية .
- · ولما أدركوا أن الثورة مصرة على المضى فيه قدما طالبوا برفع الحد الأقصى الذى حدده القانون من 200 فدان إلى 500 فدان للفرد وبالتالى رفع الحد الأقصى للأسرة من 300 فدان إلى 750 فدان .
- · كما اعترضوا على توزيع الأرض على المعدمين من الفلاحين وطالبوا بتوزيعها على الفلاحين الأثرياء .
- · علاوة على دعمهم للحزب الوطنى الحاكم فى القانون 96 / 1992 المعروف بقانون المالك والمستأجر والذى تسبب فى طرد مئات الآلاف من الفلاحين من الأرض المستأجرة.
9- مناصرة رجال الأعمال وكبار التجار فى مواجهة العمال والموافقة على سياسات نظام مبارك فى تصفية القطاع العام وطرد العمال من شركاتهم بالمعاش المبكر، وما رافق ذلك من تصفية عدد من الصناعات الوطنية.
10-إبرامهم للعديد من الصفقات الانتخابية مع نظام مبارك- وتأييدهم لسياساته فى المجال الاقتصادى والسياسى باستثناء موقفه من الحريات- والتى اعترف بها مرشدهم السابق فى عام 2005 ( مهدى عاكف ) وكانت آخر شواهدها دخول 88 عضوا من الجماعة إلى البرلمان وتصويتهم جميعا لاختيار أحمد فتحى سرور رئيسا لمجلس الشعب حيث لم يعترض على ترشيحه إلا ستة من المستقلين من غير أعضاء الجماعة.
11- استخدامهم لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة فى الكثير من ممارساتهم السياسية وقد رد مرشدهم السابق على ذلك علنا قائلا 🙁 نتحالف مع الشيطان فى سبيل مصلحة الجماعة ).
ب- السلفيون :
عندما توسع نشاط الإخوان المسلمين بعد إعطاء السادات لهم الضوء الأخضر لمواجهة الحركة الوطنية الطلابية فى سبعينات القرن الماضى ، واستشرى النشاط المسلح للجماعات الإسلامية خصوصا إبان اغتيال السادات وأحداث احتلال الإسلاميين لمديرية أمن أسيوط ومحاولة اقتحام الكلية الفنية العسكرية.. ( فى الثمانينات والتسعينات ) لجأ نظام مبارك عن طريق جهاز أمن الدولة لفتح الطريق واسعا لنشر جماعات الإسلام السلفى لتكون احتياطيا يتم استدعاؤه وقت الحاجة لمواجهة أو موازنة نشاط الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المسلحة – وهى نفس الفكرة التى استدعى السادات بها الإخوان إلى الجامعة لموازنة نشاط الحركة الطلابية المنادية بالحرب لاسترداد سيناء- حيث لم يشارك هؤلاء السلفيون فى أى عمل سياسى قبل 25 يناير 2011 وظلوا يرددون حتى اليوم – كما تعلموا فى أمن الدولة – أن الخروج على الحاكم محرم شرعا حتى ولوكان ظالما ” فظلم يوم .. خير من فتنة تدوم ” ، ولعل هذا يفسرلنا لماذا لجأ المجلس العسكرى أكثر من مرة إلى الاستعانة بأحد شيوخ السلفيين (محمد حسان) فى عمليات المصالحة بين المسلمين والمسيحيين إبان الفتن الطائفية التى تكررت فى عام الثورة .
ج- الجماعات الإسلامية المسلحة :
بدأ تأسيسها فى نهاية ستينات القرن الماضى بعناصر كانت منضوية تحت لواء جماعة الإخوان المسلمين مثل شكرى مصطفى ومحمد فرج وغيرهم بالذات فى جامعة أسيوط و تأثرت بأفكار الداعية الإخوانى سيد قطب ، والباكستانى ابن تيمية ، وقد شرعت فى عمليات العنف المسلح ليس ضد النظام الحاكم فحسب بل وضد المسيحيين وكنائسهم ومحلات المجوهرات التى يمتلكونها ،وضد الجمهور الأعزل ، ودور السينما،ومجموعات من السياح الأجانب كما جرى فى الأقصر عام 1993 ؛ إضافة إلى أحد شيوخ الأزهر الشيخ محمد الذهبى الذى اختطفوه وقتلوهعام 1977 باعتباره مخالفا لهم فى الرأى وهو نفس ما لاقاه المفكر والكاتب المعروف فرج فودة عام 1992 الذى انتشرت كتاباته الفعالة فى أوساط قطاعات واسعة من الجمهور ، كذلك تعرض الأديب نجيب محفوظ عام 1995 لمحاولة قتل فاشلة بسبب قصة كتبها منذ حوالى 60 عاما ” أولاد حارتنا ” وقد انتهت هذه الموجة من العنف ليس بسبب تمكن نظام مبارك منهم فقط بل ولأن الشعب المصرى ضج من مسلكهم وكذا الأقلية المسيحية.
هذا وقد تم القبض على كثير منهم وأودعوا السجون إلى أن راجعوا أنفسهم فى مسارهم السياسى عام 1997 بعد أكثر من عشرين عاما بمبادرة نبذ العنف، حيث تم الإفراج عن كثير منهم فى السنوات الأخيرة ، وقد فتح الإعلام أبوابه لهم فى الكثير من البرامج السياسية وصاروا ضيوفا دائمين على الفضائيات المصرية والعربية منذ اندلاع ثورة يناير 2011 .
د- العديد من الجمعيات الأهلية والخيرية :
التى تعمل فى مجالات كفالة اليتامى والأرامل والزكاة والعيادات والمستشفيات الطبية وعمليات الحج والعمرة وقد لعبت هذه الجمعيات دور الواجهة العلنية لكثير من التنظيمات الإسلامية خصوصا جماعة الإخوان المسلمين.
هذا ولا تختلف جملة هذه الفصائل السياسية فى التوجه السياسى العام لكنها تتباين فى الأساليب والوسائل والبرامج العملية .. وتتمثل أهدافها فى تطبيق الشريعة الإسلامية حسب منظورها الخاص لكن المؤكد أنهم أقرب جميعا إلى الإسلام الوهابى منهم إلى الإسلام المستنير ، وهم عموما لا يؤمنون بالمساواة المطلقة ( أى حق المواطنة الكاملة ) بين المسلمين ومعتنقى الديانات الأخرى من السكان الذين يعيشون فى مصر؛ بل ولا يقبلون الآخر ويصرون على التعامل مع الأقليات باعتبارهم يملكون الحقيقة الكاملة ويميزون بين الناس ليس على أساس الدين فقط بل وعلى أساس الجنس فالمرأة عندهم مواطن من الدرجة الثانية رغم ما قد يصرح به بعضهم فى وسائل الإعلام وهم فى العموم براجماتيون وميكيافيلليو النزعة ؛ فالغاية عندهم تبرر الوسيلة ؛ خصوصا جماعة الإخوان المسلمين .. ولعلنا نتذكر الحفاوة البالغة التى استقبلوا بها الرئيس التركى أردوغان فى سبتمبر 2011 والجهر بأعلى صوت ” خليفة المسلمين قادم ” ثم وبعد أقل من 24 ساعة أهالوا عليه التراب ولم يودعوه عندالمغدرة بسبب تصريحاته بأن الدولة العلمانية المدنية هى الأنسب للدول التى يعيش المسلمون على أرضها.
ومن ناحية أخرى فهم لا يرون فى الصراع العربى الإسرائيلى سوى صراع دينى بحت بين الإسلام واليهودية وليسوا على استعداد لتغيير هذا الفهم حتى لو عرفوا أن هناك الآلاف من اليهود الشرفاء يتخذون موقفا متشددا من إسرائيل ويرفضون وجودها منذ البداية على أرض ليست أرضها .. ويدينون مسلكها وممارساتها فى مواجهة الشعب الفلسطينى بل ويرفضون التبرع لها ويعلنون ذلك على الملأ .. ومن ثم فقصة الصهيونية السياسية التى تجمع جنبا إلى جنب ( بعض الزعامات اليهودية العنصرية مع عدد من السياسيين المسيحيين ذوى النزعة المحافظة من قادة الدول الغربية مع مجموعة أخرى من حكام الدول العربية التى تصالحت مع إسرائيل أو تنسج علاقات متعددة الجوانب معها فى الخفاء ) .. هذه القصة لا تشغلهم ولا تلقى بالا فى فهمهم السياسى ولا تهز قناعاتهم سواء فى صلتها بنشأة إسرائيل أو فى علاقتها بالاستعمار العالمى أو بالولايات المتحدة أو فى موقفها من بلاد البترول والدول القوية فى منطقة الشرق الأوسط .
وننتهى من هذا العرض السريع لتاريخ ومواقف تيار الإسلام السياسى إلى أن تلك التنظيمات لم تتعاطف مع الثورة وكانت مشاركتها فيها محدودة للغاية أو منعدمة وهى التى تصدرت المشهد السياسى بعد 25 يناير2011 بل ولا تخجل من الحديث باسم الثورة .
موقف الإسلام السياسى من الثورة ومطالبها :
1- أعلن الإخوان رفضهم المشاركة فى الثورة فى أعقاب الإعلان عن التجمع فى ميدان التحرير ظهر الخامس والعشرين من يناير 2011 وشاركهم فى ذلك حزب التجمع الحكومى؛ بينما لم تنبس بقية فصائل الإسلام السياسى ببنت شفة عن موقفها من المشاركة ، و لم يهرول الإخوان للمشاركة فيها إلا بعد أربعة أيام من اندلاعها ، وبعد أن تيقنوا من قطعها شوطا هاما فى طريق إسقاط النظام حيث كان الرصاص من ناحية والفداء من ناحية أخرى هما اللغة التى فرضت نفسها على الأحداث.
2- وقد ذكر حبيب العادلى فى المحكمة أن الإخوان – بعد أن استأذنوا الداخلية فى المشاركة الرمزية بها حتى لا يكون مظهرهم سيئا أمام بقية القوى السياسية المصرية – قد نقضوا اتفاقهم وشاركوا.
3- وعندما أخطرهم عمر سليمان بلهجة تهديد صارمة بضرورة انضمامهم لبقية القوى السياسية فى الحوار الذى أعلن عنه للتوصل إلى اتفاق بشأن الأحداث الدائرة.. انصاعوا صاغرين إلي الاجتماع وقد انعكس ذلك على أعدادهم فى ميدان التحرير التى تقلصت للنصف؛ لكنهم عادوا للميدان مرة أخرى عندما رفض شباب الثورة الاعتراف بأية اتفاقات يتم التوصل إليها مع عمر سليمان وهو ما أفشل الاجتماع.
4- وفى أعقاب عزل مبارك انحاز معظم جماعات الإسلام السياسى (على الأقل الإخوان والسلفيون ) للمجلس العسكرى وقاموا بدعمه دون شروط سواء فى تدبيج الإعلان الدستورى( الذى يضمن هيمنة العسكر على البرلمان وقراراته وتشريعاته ، أو حقه فى تعيين الوزارة وعزلها ، أو فى المادة 28 من الإعلان الدستورى- التى تشبه اللغم- وتمنح الحصانة المطلقة لقرارات اللجنة العليا للانتخابات ضد المراجعة والتقاضى والاعتراض والنقض وهو ما يعنى إطلاق يد المجلس العسكرى فى الحكم وتسيير دفة الأمور الجوهرية على هواه )، فضلا عن تأييده فى الاستفتاء عليه ودعوة الشعب للموافقة وسط حملة غوغائية غير مسبوقة تعلن عن ” غزوة الصناديق ” وتروج أن الموافقة على الإعلان مسلك إسلامى وأن معارضته توقع أصحابه فى حبائل الكفر بالله.
5- هذا وظلت فصائل الإسلام السياسى تتخذ مواقف معادية للثورة مناصرة للمجلس العسكرى؛ فغادرت ميدن التحرير وتفرغت لإعداد أعضائها للترشح للانتخابات البرلمانية ،بينما مطالب الثورة بالكامل خارج نطاق الخدمة؛ فضلا عن تأييد العسكر فى سن قانون جديد لإدانة الاحتجاجات الشعبية التى لاتطالب بحقوق خارج أهداف الثورة بل تطلب الخبز والكرامة والحرية ، ناهيك عن مواقفها فى أحداث ماسبيرو والعباسية وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء والسفارتين الإسرائيلية والسعودية، وتشوية الناشطات بكشف العذرية وسحل إحداهن عارية على الأسفلت أمام كتل المتظاهرين وشاشات الفضائيات، وكذا التواطؤ على مسرحية منظمات المجتمع المدنى التى أدارها العسكر برداءة منقطعة النظير لصرف الأنظار بعيدا عن الثورة وأهدافها التى لم تتحقق؛ وما تلاها من ممارسات هزلية انتهت بتهريب المتهمين الأجانب فى القضية إثر ” الإفراج ” عنهم ؛ وبعد أن تصور الكثيرون أن الأمور تعقدت فإذا بزيارة جون ماكين عضو الكونجرس الأمريكى فى فبراير 2012 تؤتى أكلها؛ وكان ثناء السيناتور الجمهورى على جماعة الإخوان وشكره بشأن دورها فى الإفراج عن المتهمين قد فضح – دون قصد – ما لم يرغب الإخوان فى الإفصاح عنه .. وانكشف المستور .
6- وموقفها بشأن السيطرة على لجنة إعداد الدستور التى تم حلها بحكم قضائى ، فضلا عن أدائها البرلمانى الكوميدى والذى شاهده العالم على شاشات الفضائيات ؛ وتهربها من تنفيذ الحكم القضائى الخاص بالحد الأدنى للأجور وتعاميها عن مسألة الحد الأقصى كذلك.
7- تورط فصا ئل الإسلام السياسى فى الكثير من عمليات الكذب المفضوحة عرّت مصداقيتها أمام الرأى العام سواء فى ادعاء أحد نوابهم تعرضه للسرقة والضرب على غير الحقيقة أو فى المستندات المقدمة للجنة الانتخابات الرئاسية أو فى إخفاء معلومات سبق نشرها ويعرفها القاصى والدانى أو فى الوعود التى قطعها الإخوان بشأن امتناعهم عن المشاركة بمرشح فى انتخابات الرئاسة ثم نكوصهم عنها.
8- التهرب من استصدار القوانين المحققة لمطالب الثورة ولجوئها لقضايا تافهة مثل قضية خفض سن زواج الفتاة إلى 14 سنة ؛ ونكاح المتوفية.. مما أثار حالة من الدهشة والذهول لكل من شاهد وسائل الإعلام ( المحلية والإقليمية والدولية ) التى نقلت الخبرين .
ومثل هذا السلوك ينم عن ضحالة الفكر وانعدام الثقافة وضيق الأفق ويؤكد أنها جماعات قادمة من خارج التاريخ ولا تدرك نبض الشارع ؛ ولا تعرف المسئولية أو تهتم بها .
أنا .. أو الفوضى.. لماذا ؟..
تتباين التقديرات فى أوساط فئات الشعب المصرى بشأن جدوى الثورة وما أفضت إليه من نتائج ، ويرى كثير من البسطاء أن الأوضاع الاقتصادية والأمنية تزداد سوءا وهم ينزعجون من أية دعوات جديدة للاحتجاج .. هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى ترى بعض النخب خصوصا من استنكفت عن المشاركة فى الثورة أن تقديرها فى الامتناع عن المشاركة فى الثورة كان صائبا.
ولأننا لسنا بصدد مناقشة الآراء المختلفة حول جدوى الثورة فسنقصر حديثنا على ما يراه كثير من البسطاء بشأن تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية :
لقد اعتمد مبارك فى تحبيذ استمراره فى الحكم على مقولة لم يمل يوما من تكرارها هى ( أنا.. أو الفوضى ) ؛ وكان حديثه هذا يستهدف طرفين فى آن واحد : الشعب الجائع ، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد ومثل هذا الحديث يستند إلى عدة عناصر مترابطة هى:
– وجود جيش منظم من البلطجية يمكن استخدامه فى ترويع الشعب أو أية قوى تمارس الحكم ولا تتمكن فى نفس الوقت من امتلاك مفاتيح هذا الجيش، وتيقنه من أن ذلك الجيش سينطلق كالذئاب الجائعة إذا ما ظل على صلة مباشرة بمن يستخدمونه فى المهمات القذرة من رجاله، وسيكون كالضوارى الأشد جوعا إذا ما افتقد تلك الصلة التى هى فى نهاية الأمر .. مصدر رزقه واستمراره.
– إدراكه بأن الشعب ليس منظما وفاقدا لأية قيادة حقيقية تمكنه من مواجهة جيوش الذئاب؛ فضلا عن هزال المعارضة اليسارية التى كان يمكن أن تتولى ذلك الدور لو كانت فى حالة تسمح لها بذلك.
– تصوره بأن جماعات الإسلام السياسى لن تُجْمِع على موقف واحد بشأن تبنى مطالب الشعب الأساسية فى الحرية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية حيث سيتفرغون لمصالحهم الضيقة أكثر من اهتمامهم بإدارة المجتمع خصوصا وأن قطاعا من هذه الفصائل قد تمت تربيته بواسطة ضباط أمن الدولة وهو ما يعمّق حالة الفوضى التى ستشعلها البلطجة.
– وأخيرا يقينه من عمق الصلة الوجدانية التى تربطه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة والتى وإن مالت ضد شخصه فى لحظات الأزمة – لصالح النظام ككل – فإنها ستسير فى نفس الطريق الذى عبّده النظام خلال الثلاثين سنة الأخيرة ؛ وأن مجلس العسكر قادر على ترويع الشعب بوسائل متعددة خصوصا إذا ما اقتربت الثورة – أو حاولت الاقتراب – من صلاحياته ومشروعاته الاقتصادية التى يديرها والتى يعض عليها بالنواجذ.
– وعموما فإن العراقيل التى تزرعها- فى طريق الثورة – بقايا النظام الحاكم ” المطلوقة ” فى كثير من المدن والأقاليم وكذا المجلس العسكرى لترهيب الشعب بالمخاطر المحدقة به إن لم يعد إلى المنازل هى المسئولة أساسا عن ذلك التدهور بمعنى أنها تتم بفعل فاعل وليست عرضا من أعراض الثورة.
حصاد الثورة الذى لا يختلف عليه اثنان :
ومع ذلك فإن ما تعلمه الشعب خلال الخمسة عشر شهرا منذ اندلاع الانتفاضة الأولى للثورة ليس قليلا ؛ فالنقاش السياسى ينتشر فى كل البيوت والشوارع والمركبات العامة والمؤسسات .. كذلك فالأمل فى تحقيق أهداف الثورة مازال حيا ينبض وهو مايعنى أن كثيرا من الإيجابيات قد تم حصادأدارها العسكر أها ولا يمكن تجاهلها أو إنكارها وهى :
أولا : تصدع جدار الخوف الذى عانى منه الشعب طيلة ستين عاما.
ثانيا : إدراك قطاعات واسعة من الشعب بإمكانية تغيير الأوضاع القائمة لأخرى أفضل أو أقل سوءا مما هى الآن.
ثالثا : إدراك قطاعات واسعة من الشعب بأن النظام الحاكم لم يسقط وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يحميه ؛ ومن ثم التيقن بأن العسكر ليسوا من معسكر الثورة.
رابعا : إدراك قطاعات متنامية من الشعب بوقوف أحزاب الإسلام السياسى وفى مقدمتها جماعة الإخوان ضد تحقيق أهداف الثورة.
خامسا : الوعى المتنامى – وإن لم يبلغ المستوى المطلوب حتى الآن- بحقوق الاحتجاج والتظاهر والاعتصام .. و[اهمية الفهم السياسى وكذا الوعى بمواقف القوى السياسية المختلفة من النظام الحاكم ، وبضرورة التوحّد ( أى التنظيم )، ووجود رموز قيادية ثورية فى الشوارع لقيادة الاحتجاجات ، وفى الانتخابات ( البرلمانية ، والرئاسية ،والنقابية ، والمحليات ، والاتحادات .. إلخ ) والتدريب على مقاومة قوات الأمن .]
هذا ويشكل الإدراك المتنامى بقيام المجلس العسكرى وتيار الإسلام السياسى بقيادة معسكر الثورة المضادة أهمية بالغة لم يكن الوصول إليه ممكنا فى ظل أوضاع ماقبل يناير 2011 .
وعلى هذا الأساس فإن جملة الأحداث التى انخرط فيها الشعب منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن تمثل بروفة حقيقية للجولة القادمة من الثورة التى يتوجب الإعداد لها بكل دأب ومثابرة.
خاتمة :
لأن الجولة الأولى للثورة اقتصرت على المدن الكبرى.. بينما ظل الجزء الأعظم من الشعب فى الريف والأقاليم بعيدا عن المشاركة والتأثير؛ لذا يتحتم على قوى الثورة وعناصرها الفاعلة أن تبذل جهودا مضاعفة لكى ينخرط ذلك الجزء فى الجولة القادمة.
والتوجه للأقاليم والريف يعنى فى كلمة واحدة .. العمل على تعرية فصائل الإسلام السياسى وفضحها وكشف زيفها وضحالتها .. وتلك مهمة ثقيلة إن ظل العمل السياسى يتركز فى الأنشطة الاحتفالية والأساليب الخطابية السائدة بين القوى السياسية التقليدية من ستين عاما والتى عفا عليها الزمن ؛ لكن تلك المهمة تصبح أقل صعوبة أوأسهل رغم شراستها إن تركز العمل فى إبراز عداء تلك الفصائل لحقوق الفقراء (من الفلاحين والعمال والموظفين والمهمشين والعاطلين) ولحرياتهم .. استنادا إلى وقائع التاريخ.
خلاصة القول : أعداء الثورة من العسكر والفلول وفصائل الإسلام السياسى يخسرون كل يوم أرضا جديدة ، ولابد من استثمار هذا التراجع والعزلة التى بدأت تتعاظم حولهم .. بمعنى أن يستمر الطرْق على الحديد وهو ساخن حتى لا تنتهى ا لجولة القادمة من الثورة إلى نتائج مشابهة لما انتهت به الجولة الأولى..
فالمهم هو أن نسهر على تقوية معسكر الثورة بضم القطاعات التى كانت بعيدة .. إليه ، وليس مهما ما تسفر عنه انتخابات الرئاسة ( فأحمد مثل الحاج أحمد والشيخ أحمد ) وليس مهما ما يطنطن به خفافيش الظلام ولا تهديدات العسكر والفلول .. فالشعوب مهما تكبدت من تضحيات .. باقية ؛ وأعداؤها مهما علا ضجيجهم ووعيدهم زائلون.
الإثنين 30 إبريل 2012 بشير صقر
لجنة التضامن الفلاحى – مصر