تفسيران مختلفان لتنصيب رئيس جديد على مصر

توجس محلى وقلق خارجى من سلوك العسكر إزاء انتخابات الرئاسة
وكيف استهدفوا خنق الثورة..؟!
تمهيد :
يتعامل كثيرمن المصريين مع الأحداث الجارية – التى يشاركون فيها- بشكل عفوى وفردى.. دون تفكير عميق ؛ فلا يرون منها إلا ما يريدونه فقط ؛ متغاضين عن وجود أطراف أخرى فى المعادلة السياسية الراهنة لها أهدافها وخططها وأساليبها ولا يمكن تجاهلها إذا ما أرادوا فعلا مواصلة السير بالثورة نحو النصر، من تلك الأطراف المجلس العسكرى الحاكم ( وأعوانه من رجال الأعمال وأعضاء الحزب الوطنى المنحل والمجالس الشعبية المحلية والبلطجة وأجهزة الدولة)، ومنها أيضا فصائل الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان (وأعوانها من السلفيين والجماعة الإسلامية وغيرها وآلاف من المؤسسات الخيرية والطبية والأهلية التى تشكل واجهتها الجماهيرية).
ولكون كثيرين ممن نقصدهم محدودى المعارف والخبرات السياسية خصوصا فيما يتعلق بعقلية وحيل العسكروالنظام الحاكم وبتاريخ وألاعيب فصائل الإسلام السياسى؛ ولأنهم غير منخرطين فى مؤسسات سياسية أو نقابية حقيقية ولم يعتادوا على التفكير الجماعى أو العمل المنظم ؛ ولأنهم يشكلون الجزء الأعظم من جماهير الثورة.. فهم يباغتوننا أحيانا بمبادرات أو ردود أفعال غير محسوبة ربما تسفر عن أخطاء يصعب علاجها.
وبسبب هذه الخلفية فقد تولدت حالة من التداخل والاضطراب والفوضى فى نشاطهم الثورى جعلتهم فى غالب الأحوال لا يتخذون موقفا موحدا ومدروسا فى مواجهة بقية أطراف المعادلة السياسية من ذوى الخبرة من العسكر والإسلام السياسى وهو ما كان يبدد جانبا من جهودهم ويقلل المردود الإيجابى لها فى كثير من الحالات.
المجلس العسكرى:
– وبناء على ما سبق عرضه فى مقالات سابقة فإن مجلس العسكر قد حدد هدفا أساسيا لم يحد عنه طيلة الفترة الماضية وهو خنق الثورة وحصارها وتضييق الخناق على نشطائها وعزلهم عن الجماهير وتشتيتهم ومطاردتهم واعتقالهم وتشويه سمعتهم السياسية والشخصية بينما لا يستهدفُ فصائلَ الإسلام السياسى بنفس التركيز والاهتمام إلا إذا حاولت الضغط عليه باستخدام الحشود الجماهيرية أو الاقتراب – لبعض الوقت – من معسكر الثورة.. وذلك لسببين أولهما هو المخاطر الحقيقية الداهمة للثورة ونشطائها مقارنة بفصائل الإسلام السياسى ؛ والثانى هو حداثة معرفته بالثوار مقارنة بفهمه لفصائل الإسلام السياسى.
– وهو بهذا يقوم بحماية النظام الذى هو جزء عضوى منه كما أنه يدافع من ناحية أخرى عن مصالحه كمؤسسة عسكرية متنوعة الأنشطة.
– ولذلك- ولأنه لا يستند إلى مؤسسات جماهيرية – فقد تحالف مع فصائل الإسلام السياسى لعزل الثورة وإنهاك الثوار وتيئيسهم والحط من معنوياتهم وفتح الطريق واسعا أمام الإسلام السياسى للسيطرة على البرلمان ليكون بديلا – أمام الشعب والعالم- عن ثوار الميادين.
– ولأنه يعرف فصائل الإسلام السياسى جيدا وأهمها ( جماعة الإخوان ) – ولا يخشاها كما يخشى الثورة – ويفهم أساليبها ويدرك كيف يوقفها فى الوقت المناسب عند حدها .. وكيف يُسخّرها لأهدافه ويضع حدا لمطامعها فى الحكم؛ فقد استثمر تدهور شعبيتها وعددا من أخطائها وقام بحل البرلمان ليعيدها إلى نقطة البداية ؛ بعد أن توهمت أنها اصبحت على وشك الاستيلاء على مؤسسات الدولة والحكم ، ورغم ما تشكله تلك الفصائل من وزن جماهيرى وانتشار فى الريف وقدرة على الحشد وما يعنيه ذلك من إمكانية خلق عراقيل حقيقية لمجلس العسكر بل ومخاطر أخرى إذا ما انضمت فى بعض الأحداث إلى جماهيرالثورة ؛ رغم ذلك فهى لم تشكل الهدف الرئيسى الذى يسعى مجلس العسكر لتصفيته.. بل إنها – مقارنة بقوى الثورة وبمخاطرها على النظام الحاكم – لا تمثل سوى عنصر ثانوى أدنى قيمة منها بما لايقاس.. وهو ما لا يثمنه الكثيرون حتى فى أوساط النخب السياسية.
– وإذا كان ذلك هو تثمين مجلس العسكر لطرفين فى المعادلة السياسية الراهنة ( الثورة والثوار من ناحية ، وفصائل الإسلام السياسى من ناحية أخرى) وجب علينا أن نحدد أدواته ونقاط قوته التى يستخدمها لتنفيذ خططه وتحقيق أهدافه وكذا مواطن ضعفه التى يتجنب تعريضها للمواهجة.
أول نقاط القوة هى كونه المخول بإدارة البلاد.. وبإقرار قطاعات من الجماهير بتلك الصلاحية؛ والثانية هى قوة التسليح الذى يملكه ويمكنه استخدامه فى أى وقت يحدده دون رقيب ( فهو الحاكم و المشرّع والمتحكم فى الجهاز القضائى بمعنى ما )؛ والثالثة هى امتلاكه لعدد من أجهزة المعلومات والأمن والاستخبارات عالية الكفاءة فائقة السمعة فى المنطقة .. ومن المؤكد استخدامها فى جمع كثير من المعلومات عن الثوار وتحركاتهم وكذا فصائل الإسلام السياسى؛ والرابعة هى امتلاكه لعدد من مراكز البحوث السياسية والاستراتيجية تضم خبراء وبحاثة حقيقيين يعملون فى كثير من المجالات خصوصا مجال ” الإرهاب “.. ورغم كل ذلك فدوره كجزء عضوى من نظام حاكم فاسد ومستبد وموقفه من الثورة هما ضد التاريخ وضد المنطق ويمثلان نقاط ضعفه فى المعادلة فضلا عن عدم إجادته التعامل مع الجماهير .
فصائل الإسلام السياسى :
أما فصائل الإسلام السياسى وبالذات جماعة الإخوان فهى تستهدف الحكم بالأساس وهى استنادا إلى أفكارها السياسية المتشحة بالدين وقوامها وتاريخها معادية للشعب والثورة لذا فهى على استعداد للتحالف مع الشيطان فى سبيل السلطة سواء كان ذلك الشيطان مجلس العسكر أو أىٍ من القوى السياسية المصرية أو القوى الإقليمية أو الدولية أوغيرها وهى تستخدم فى سبيل ذلك سياسة التحالفات اللامبدئية والازدواجية السياسية للوصول إلى أغراضها مما أسهم فى افتضاح أمرها واكتشاف وسائلها الرخيصة .
-وباستعراض سريع لمواقف تلك الفصائل من الثورة منذ 20 يناير 2011 يتأكد ذلك الأسلوب الذى استخدموه مع النظام الحاكم قبل بدء الانتفاضة فى 25 يناير أو أثناءها أو بعد إسقاط الطاغية فى 11 فبراير 2011 ؛ ولهذا السبب بالذات ( الازدواجية والانتهازية السياسية ) كانت أداة سهلة الاستخدام فى يد مجلس العسكر ضد الثورة والثوار سواء فيما يتصل بتمكين العسكر من إقرار عدد من المبادئ ( فى الإعلان الدستورى الأول ) التى أحكمت قبضته على الدولة وجميع مؤسساتها فى الفترة الانتقالية أو فى تجريم الاحتجاج الجماهيرى أو فى تصفية أعداد كبيرة من الثوار واعتقالهم وتشويه سمعتهم؛ ورغم تلك الخدمات ” الجليلة ” التى قدمتها فقد خرجت من رحلتى الشتاء والصيف بخفى حنين ولم تحصل على عنب الشام ولا بلح اليمن.
موجز أطراف المعادلة السياسية:
نخلص مما سبق لأن الشعب المصرى ظل مصرا على هدفه فى تغيير حياته بتغيير النظام الحاكم – الذى استمات العسكر فى الحيلولة دون إسقاطه – لكن أدواته فى ذلك لم تكن بالكفاءة المطلوبة ؛ والتى يصعب الارتقاء بها دون انخراطه فى تنظيمات سياسية ونقابية حقيقية تمكنه من التصدى لأهداف وأدوات كل من طرفى المعادلة السياسية الآخريْن ( العسكر والإسلام السياسى ) .
– بينما تركزت أهداف مجلس العسكر فى تصفية الثورة باستخدام العنف والمراوغة والحصار ونشر الترويع والتشويه مستخدما فى ذلك وضعه المهيمن على مؤسسات الدولة والبلطجة والشرطة العسكرية والمدنية وفصائل الإسلام السياسى.
– أما المتأسلمون فتَمثل هدفهم فى اغتصاب الثورة والاستيلاء على الحكم ؛ وكانت أدواتهم فى ذلك تنظيماتهم المنتشرة فى عمق الريف؛ والادعاء بأنهم جزء من معسكر الثورة ؛ والتحالف الغير مبدئى مع العسكر ضد الثوار؛ واللعب على التناقضات بينهم وبين العسكر؛ والازدواجية السياسية .
تفسيران مختلفان لسلوك العسكر فى الجولة الحاسمة للانتخابات الرئاسية:
– بوغِت مجلس العسكر برد فعل الشعب فى مواجهة نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التى تزامنت مع صدور أحكام القضاء ضد الطاغية ومساعديه وأبنائه فى الثانى من يونيو 2012 ؛ حيث اشتعلت الميادين فى كثير من المدن وعاد شعار ” يسقط حكم العسكر ” يصك مسامع المجلس الحاكم وأعوانه ؛ وهو مالم يكن يتوقعة بهذا الزخم.
– ولأن فصائل الإسلام السياسى هرعت إلى جموع المحتجين فى الميادين إثر قطيعة معهم دامت طويلا؛ وبعد تدهور بالغ وسريع فى شعبيتها ظهرت آثاره واضحة فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية؛ ومحاولة للتظاهر بأنها جزء من معسكر الثورة بينما جولة الحسم فى انتخابات الرئاسة على الأبواب؛ فقد وجدها العسكر فرصة ثمينة وسانحة لتوجيه صفعة لها بحل البرلمان وإغلاق أبوابه واستكملها بإجراء احترازى بتخويل رجاله من المخابرات الحربية والشرطة العسكرية سلطة الضبطية القضائية على المدنيين ثم أتمّها بإعلان دستورى جديد يمنحه سلطة التشريع وقمع الاحتجاجات وتشكيل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور وكل الأدوات التى ترفعه فوق الدولة رغم كونه جزءا من السلطة التنفيذية.
لكن اتخاذ تلك الإجراءات مجتمعة قبل 48 ساعة من جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة لا يمكن أن ينفرد بتفسيره مجرد توجه فصائل الإسلام السياسى للاحتجاج يوم 2 يونيو 2012 فى الميادين بل ربما يكون له أسباب أخرى سنعرضها بعد قليل .
-وحيث تحولت مصر إلى صندوق للشائعات خلال الأيام القليلة التى سبقت جولة الإعادة ، ونظرا لانقسام جماهير الثورة ونخبها بين مُقاطِع للانتخابات ومبطل لصوته ومنحاز ضد أحد المرشحين ( الجنرال أوالشيخ ) فقد اختلفت تقديرات الجماهير فى تفسير الموقف المحتمل للعسكر فى دعمهم للجنرال.
– وما أن انتهت عملية التصويت وأغلقت لجان الانتخابات أبوابها مساء 17 يونية 2012 و بدأت عمليات فرز الأصوات حتى تسربت بعض النتائج الأولية على مدى الساعات العشر الأولى أعلنت فى إثرها جماعة الإخوان فوز مرشحها بمنصب الرئيس قبل ثلاثة أيام كاملة من الموعد الرسمى المحدد لإعلانها.. بينما نفت الخبر حملة الجنرال مؤكدة عدم انتهاء عمليات الفرز.
وضع ملتبس :
وإزاء هذا الوضع الملتبس سواء فى النتائج المحتملة للانتخابات أو فى تفسير موقف العسكر من حزمة الإجراءات المتخذة قبل أيام من بدء جولة الإعادة أو فى موقفهم من كلا المرشحيْن الذى يقطع البعض بأن شيئا ما قد حدث فى كواليس مجلس العسكر أو فى العلاقة بينه وبين بعض القوى الدولية بشأن جولة الإعادة. وهو ما يدعونا لمحاولة مناقشة الاحتمالين التالييْن بشأن تنصيب أحد مرشحىْ الرئاسة فى منصب الرئيس.
أولا : تفسير احتمال نجاح / إنجاح الجنرال:
نظرا لقناعة الثوار وكثير من أفراد النخب السياسية وقطاعات واسعة من الشعب بأن الجنرال هو مرشح المجلس العسكرى ؛ وبسبب انتهاء نتيجة الجولة الأولى للانتخابات بحصوله على المركز الثانى خلف مرشح الإسلام السياسى وتجاوزهما معا جميع المرشحين بمن فيهم مرشحى الثورة الأربعة ؛ فقد أصبح راسخا فى وجدان الشعب أن المجلس العسكرى هو الذى أسهم بفعالية وبأساليب ملتوية فى الوصول إلى هذه النتيجة وبالتالى هو صاحب الخيار المرّ بين اثنين من مرشحى الثورة المضادة ( الجنرال والشيخ )، وبات من المؤكد أن يدعم مجلس العسكرُ الجنرالَ ليفوز بمنصب الرئيس ومن ثم تتوج كل ممارساته العنيفة ضد الثورة بتثبيت أحد رجال النظام الذى ظل ستة عشر شهرا مستميتا فى تثبيت أركانه ضد كل محاولات تقويضه.. هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى إسقاط مرشح فصائل الإسلام السياسى التى اهتزت شعبيتها خلال الشهور الأخيرة ؛ وهو ما يساهم فى المزيد من اهتزاز صورتها؛ ويقلص المتاعب التى تسببها للعسكر ويحاصر مخاوف الشعب وهواجسه من احتمالات هيمنتها على الدولة والمجتمع.
كان هذا هو التفسير السائد فى مصر من التقاء رغبتىْ العسكر والجنرال استنادا إلى تاريخ وطبيعة ودور كل منهما وموقفه من ثورة الشعب؛ خصوصا وأنه لم تكن هناك من المستجدات الظاهرة على الأرض ما يدفع الشعب لاستنتاج يخالف هذا التقدير.
ثانيا : تفسير احتمال نجاح الشيخ :
بناء على ما استقر فى أذهان الشعب وجملة المراقبين- لتطورات عمليتى الترشح ووقائع الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية وما انتهت إليه من نتائج – عن الصلة الوثيقة والرغبة الملحة المشتركة بين العسكر والجنرال فى تنصيبه رئيسا جديدا لمصر؛ واستنادا لما حل بشعبية فصائل الإسلام السياسى من تدهور بالغ فى الشهور الأخيرة؛ وإحساسها الداهم بالخطر بعد حل البرلمان واستعادة مناخ الطوارئ قبل أيام من جولة الإعادة والطريقة التى تمت بها ؛ فقد اتضح من خلال المتابعة المباشرة لوقائع التصويت فى الجولة الأولى أن مخاطر وصول أحد مرشحى الثورة لجولة الإعادة يشكل الهم الأكبر ليس على نظام العسكر ومرشحه فحسب بل وعلى فصائل الإسلام السياسى ومرشحها أيضا؛ هذا وقد تسربت أخبار من داخل صفوفها تؤكد أنه – قبيل نهاية اليوم الثانى للاقتراع – وبعد التأكد من تقدم الشيخ بفارق واسع من الأصوات عمن يليه .. أدلت أعداد ليست قليلة من الإسلاميين بأصواتها لصالح الجنرال لإبعاد مرشح الثورة عن احتلال المركز الثانى ولكى تجرى الجولة القادمة بين الجنرال والشيخ وحتى تبدو معركة الإعادة أمام الشعب وكأنها بين مرشح العسكر و” مرشح الثورة ” كما كانوا يتمنون ويروجون.
-وكان الاحتمال الأرجح استنادا إلى هذه المقدمات هو حصول الجنرال على المنصب.. لكنه كان احتمالا محفوفا بالمخاطر الداهمة منها:
1- رد الفعل الشعبى فى مواجهته والذى من المتوقع أن يشارك فيه الإسلام السياسى بسبب خسارة مرشحهم على الأقل.. وكرد فعل لحل البرلمان من ناحية ثانية ؛ وهو ما يعيد المعادلة إلى حالة جديدة لم يكن العسكر يرغبون فيها خصوصا أمام الرأى العام العالمى الذى يدرك جيدا أن الجنرال تمت تنحيته بمليونية صاخبة باعتباره من أعمدة النظام الحاكم.
2-صعوبة مواجهة العسكر لرد الفعل الشعبى بالوسيلة المعتادة والمعتمدة منذ 11 فبراير 2011 – والمتمثلة فى استخدام فصائل الإسلام السياسى والبلطجية – وضعف قدرتهم فى تلك الحالة فى إيجاد بديل لتلك الفصائل يعفيهم من الصدام المباشر مع الجماهير الثائرة والذى إذا ما تطور – وهو غالبا سيتطور – لايمكن وقف تداعياته أو حصار نتائجه بالذات وأنهم حرصوا على تجنب الصدام المباشر وغير المحسوب مع الجماهير منذ بدء الثورة وكان استخدام البلطجة والمدنيين المزيفين المسلحين هو البديل الأنسب فى مواجهات محدودة وليس فى صدامات كبرى مع الجموع.
3- وعليه فمن الأفضل للعسكر أن يضربوا عصفورين بحجر واحد أولهما هو إخراج الإسلاميين من المعادلة ( أو المواجهة ) بإنجاح مرشحهم ؛ وثانيهما هو تجنب رد الفعل الشعبى أو على الأقل تحجيمه.
وتبقى الصورة النهائية للمشهد كالآتى :
-العسكر اغتصبوا السلطة التشريعية ؛ وحددوا مبادئ اختيار وقوام لجنة كتابة الدستور؛ وقيدوا صلاحيات الرئيس القادم ، وأصبحوا – ليس مجرد سلطة رابعة – بل سلطة فوق المجتمع والدولة بصلاحيات الضبطية القضائية التى تساوى تفعيل قانون الطوارئ.
-إن إنجاح الشيخ سيرضى نسبيا غرور المتأسلمين .. وهو – من ناحية أخرى وفى ظل تقييد صلاحياته ورغبة العسكر – لن يستجيب لمطالب الثورة ؛ وهو ما يضع فصائل الإسلام السياسى فى حالة يخسرون فيها ما لم يخسروه من قبل ويعزلهم أكثر عن الشعب -ويضعفهم بالدرجة التى تجعلهم أكثر استعدادا للخضوع لرغبات وأوامر العسكر ؛ وأقل خطرا عليهم وأدنى تكلفة .. هذا من جهة.
– ومن جهة أخرى .. ولأن مجلس العسكر متيقن تماما من فقده لمصداقيته أمام الشعب بسبب ممارساته منذ سقوط الطاغية؛ فهو يريد التقاط أنفاسه ويهمه إدارة عجلة الدولة المتوقفة منذ شهور طويلة تتجاوز العام؛ وإنقاذ سمعته بسبب انخفاض احتياطى الدولة من العملات الأجنبية وتردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب.
-ومن جهة ثالثة لا يمكن القطع برضى الرأى العام داخل بعض أسلحة الجيش عن محاكمة بعض ضباطه بسبب تعاطفهم مع الثورة ( فى 20 نوفمبر 2011، 8 إبريل ) وهو ما لقى استجابة داعمة له فى صفوف المدنيين وصار وضعا لا يمكن الحديث عن إمكانية علاجه أو وقف تداعياته إلا بالإفراج عنهم.
وعليه فكلا الاحتمالين اللذين عرضناهما ممكن الحدوث؛ سواء قام مجلس العسكر بدعم الجنرال فى الجولة الحاسمة من انتخابات الرئاسة وتحمل تبعات تلك المغامرة ؛ أوأنه آثر السلامة وامتنع عن دعمه وترك النتائج النهائية لتلك الجولة مرهونة فقط بإرادة الناخبين من ناحية وبقدرة أنصارالمرشحيْن على مساندتهما بالطرق السائدة من ناحية أخرى؛ أو حتى بمساندة خفية لمرشح الإسلام السياسى أو تواطؤ على تجاوزاته الانتخابية من ناحية ثالثة .. بناء على جملة الاعتبارات سالفة الذكر والتى ربما تكون نتيجة ضغوط خارجية تطالب برفع يد العسكر عن التدخل فى الانتخابات .
-هذا ومن الممكن أن يكون مجلس العسكر قد غير رأيه فى الأيام الأخيرة قبيل الجولة الحاسمة للانتخابات وأدرك أن إنجاح الجنرال يمكن أن يقلب عليه المائدة .. ويحدث ما لا تُحمد عقباه إذا ما كان رد الفعل الشعبى شديدا ؛ ومن الوارد أن يكون المجلس قد توصل إلى معلومات تفيد احتمال تجاوز الصدام مع الجماهير الحدود المعروفة خصوصا وأن هناك من الأخبار ما يؤكد تسرب أسلحة غير خفيفة وذخائر من الحدود وضبط بعضها .. وهو ما يدفع المجلس العسكرى لمواجهة رد الفعل الشعبى بعنف بالغ ومباشر سعى كثيرا كما ذكرنا لتجنبه .
– وربما يكون توجيه غضب الشعب تجاه هدف آخر غير المجلس العسكرى أحد العوامل التى دفعت المجلس لتفضيل نجاح الشيخ بدلا من إنجاح الجنرال ؛ لأن وجود رئيس متأسلم مقصوص الأجنحة محدود الصلاحيات مفتقد لخبرة إدارة الدولة سيكون هدفا أسهل لسخط الشعب كرد فعل مباشر على عدم تحقيق أهداف الثورة .. ومن ثم تكون الإطاحة به أيسر كثيرا من إنجاح الجنرال المتمتع بكراهية قطاعات واسعة من الشعب ومن الثوار ومحسوب على المجلس ويكون سببا فى انتفاضة جديدة يحظى المتأسلمون بنصيب فيها .
وعموما فإن قراءتنا لتلك الأحداث هى قراءة من الخارج وليس من داخل الكواليس بما يعنى أن من المحتمل وجود بعض العوامل التى نجهلها تكون قد لعبت دورها فى اتخاذ قرارات المجلس العسكرى؛والتى لو تم الإعلان عنها لاختلفت قراءتنا لبعض تلك القرارات

الثلاثاء 19 يونيو 2012 بشيرصقر

من دروس الثورة المصرية : انتهت البروفة.. وبات الإعداد للجولة الفاصلة .. قدرا لا مفر منه


بشير صقر
الحوار المتمدن – العدد: 3761 – 2012 / 6 / 17 – 09:31
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية

تمهيد :

ونحن فى عشية تسمية رئيس الدولة القادم ..وعلى مشارف مرحلة سياسية جديدة .. يمكن القول بيقين: ” انتهت بروفة الثورة دون انتصارها.. لكن بحصاد وفير من الإنجازات والدروس والخبرات ؛ وبات الإعداد للجولة الفاصلة – أيا كان موعدها – قدرا لا مفر منه “.

فالعسكر سيدشنون جمهوريتهم  الجديدة فى بحر أيام معدودة ؛ تلك الجمهورية – التى صنعها سلوك العسكر وجماعة الإخوان المسلمين وأخطاء الثوار وحداثة عهدهم بالسياسة – ستكون أشد وحشية من سابقتها التى بدأت فى 23 يوليو 1952 وهى ثمرة منطقية لعدم اكتمال ثورة الشعب التى تفجرت فى 25 يناير 2011  .

لقد تلقى الحلف المالك – الذى ضم كل حائزى ثروات الوطن الكبار – ونظامه السياسى الحاكم ضربة موجعة من الشعب زلزلت أركانه وروعت أنصاره ومريديه وهزت ثقته بنفسه وهددت استمراره بشدة .. لكنها لم تقض عليه بل أيقظته – من حلم البقاء الأبدى – للمخاطر المحيطة به ونبهته للخطط والأدوات والوسائل الواجب استخدامها للدفاع عن وجوده .. ليكون أكثر شراسة من سابقه وأشد تعصبا.

الاستقطابات والدروس .. والمهمات القادمة :

كما أن الاستقطابات السياسية التى ظهرت فى الستة عشر شهرا الماضية حددت المعالم بين معسكر الثورة ومعسكر أعدائها ؛ وبلورت الدروس والعبر التى نطقت بمهام أصبح القيام بها فرضا من فروض الثورة والتنصل منها جريمة لا يمكن اغتفارها .

 وتجلى ذلك فى تمييز الشعب عموما بين من وقف إلى جانبه وبين من اتخذ موقفا معاديا منه ؛ كما تبلورت لديه بعض المفاهيم الأساسية التى كانت فى بداية الثورة أشبه بالضباب وأصبحت الآن واضحة جلية ؛ فأيقن الشعب أن النظام لا يقتصر على الرئيس  ومؤسسة الرئاسة ؛ بل يتجاوزهما إلى المؤسسات التنفيذية كجهاز الدولة وأجهزة الأمن والمؤسسة العسكرية والإعلام ؛ والتشريعية كمجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية الشعبية ؛ والقضائية كالمحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها؛ وكذا منظومة الدستور والقوانين .. والسياسات والقرارات والإجراءات  ؛ فضلا عن رموز الحكم والسلطة والمال المحيطين بتلك المؤسسات والداعمين لها، ولم يتبق سوى تجذر معسكر الثورة لتعاد صياغته من جديد وتحويله من مجرد أفراد مبعثرين منفرطين إلى قوى اجتماعية وسياسية تعمل على شق طريقها وتوحيد إرادتها وصفوفها وتكافح من أجل مستقبلها بهمة وعزم.

وبذلك صار ” اللعب على المكشوف ” بين المعسكرين هو الطابع الأبرز للمرحلة القادمة.

من ناحية أخرى أعادت بروفة الثورة ” جولتها الأولى ” التنبيه لحكمة ثورية معروفة هى ( على كل قطاعات الشعب أن تتيقن أنه فى الثورة  لا حياة للمتقاعسين والمتفرجين والممسكين بالعصى من المنتصف ولا للمنتظرين لحلول تهبط من السماء أو يقدمها الآخرون ؛ بل ولا لمن لا يضحون فى سبيلها ) لأنه فى زمن الأزمات الثورية الكبرى ” لا توهب الحياة إلا لمن يطلب الموت “.

وبرغم تحدد الاستقطابات بين المعسكرين وما أمسك به الشعب من مكاسب انتزعها بنفسه مثل هدم جدار الخوف والتأكد من إمكانية تغيير ما اعتبره بالأمس مستحيلا وانقشاع الضباب عن كثير من الممارسات والمفاهيم السياسية ، واكتشافه لحقيقة كثير من الفصائل السياسية التى ترفع راية الإسلام ولأهدافها ومراميها وانتهازيتها وادعاءاتها ؛ ويقينه من مخاطر اختطافها للثورة والمآل الذى تجر إليه المجتمع جرا  وإصرارها على الانفراد بوضع الدستور والهيمنة على مقاليد الحكم وما يستتبعه ذلك من كوارث حقيقية.

 علاوة على تأكده من أن مجلس العسكر لم يحم الثورة بل حمى النظام من السقوط وتسببت إدارته للفترة الانتقالية فى تهريب سيول من أموال الشعب وانتشار البلطجة وافتقاد الأمن وتدهور الأوضاع الاقتصادية خصوصا فيما يتصل بالاحتياجات المعيشية للشعب والامتناع عن الاستجابة لأهداف الثورة  بل والعمل بعزم وإصرار ودأب على تصفيتها.

  تخبط النخب :

بالرغم من جنى الشعب لكل هذه المكاسب التى ما كان له أن يجنيها لولا اندلاع الثورة ومشاركته فيها ؛ فقد اختلف الأمر بالنسبة للنخب السياسية عموما وبالذات لمن تنتمى منها لمعسكر الثورة؛ فما زال التداخل والخلط قائما بين مختلف الميول السياسية التى لا يجوز الخلط بينها؛  والركون للمنطق القديم فى النشاط السياسى هو سيد الموقف سواء من حيث الأفكار أو المواقف والممارسات السياسية أو الحسابات الشخصية وهو ما يعوق بشدة تجذر معسكر الثورة ويفتح الباب واسعا أمام مزيد من التفكك والتخبط والفوضى ؛ لأن الفارق شاسع بين أن تكون عيوننا على المبادئ والسياسات التى تميز معسكر الثورة باعتبارهؤلاء جزءا منه عن معسكر وممثلى الثورة المضادة وبين أن تكون عيوننا على تجميع الأنصار والأصوات والحسابات الشخصية .

ولم تتوقف دروس الثورة عند هذه الحدود بل تجاوزتها بتوجيه رسائل غير مباشرة إلى القوى السياسية  القديمة بأنه بات عليها أن تدرك أن الشعب لفظها وأدار ظهره لها ؛ لأنها بنْتُ نظامٍ مستبد فاسد  ثار الشعب عليه – واقتصر دورها فيه على معارضة شكلية ودعم لتعدديته المزيفة – ولذا أصبح لزاما عليها أن تغادر المسرح نهائيا .

ملاحظات على الأحزاب الجديدة والنقابات والاتحادات المستقلة :

أما عن الأحزاب السياسية التى نشأت بعد 25 يناير 2011 فمن الواجب أن تدرك أن تشرذمها وطريقة بنائها وقوامها وفعاليتها تضع علامة استفهام كبيرة أمام قدرتها على الاستمرار والإنجاز؛ وأن مقتلها الحقيقى فى استغراقها فى أوساط النخب .. وبدون اندماجها فى صفوف فقراء الشعب لن تكون – فى أفضل الأحوال-  أكثر من حلقات دعائية ضعيفة الأثر.

كما أثبتت أحداث الثورة أن معظم النقابات والاتحادات والروابط والجمعيات الأهلية المستقلة التى تأسست بفعل رياح الثورة هى مؤسسات هشة وضعيفة الفعل حيث لم تسهم بدور حقيقى عملى أو سياسى أو دعائى يثبت أحقيتها فى أسمائها، بل إن ما انتزع منها بالكفاح والعرق قبل الثورة تم تخزينه أو تدجينه بعدها ؛ ليس هذا فحسب بل وارتكب بعض قادته سقطة سياسية ثقيلة بترشحهم على قوائم جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات البرلمانية ( نوفمبر 2011 ) وهو ما صدم كثيرا من المتابعين لنشاط هذه النقابات فى مصداقية هؤلاء القادة ؛ وقد تكرر ذلك من بعض أعضاء الأحزاب السياسية فى نفس التوقيت وهو سلوك لا يمكن تفسيره إلا بكونه سلوكا ميكيافيلليا أخرق خصوصا وأن المسافة التى تفصل بين الحزب الذى دفع بسبعة من أعضائه للترشح وبين حزب الإخوان مسافة شاسعة على المستويين السياسى والتاريخى وهو خلط للأوراق غير مبرر وينم عن حالة من الهشاشة السياسية والانتهازية لا يمكن القبول بها بالمرة.

الثورة ليست مجرد انتفاض تلقائى :

ولأن الثورة – كما عاصرناها فى مصر- ليست مجرد انتفاض جماهيرى تلقائى لا تحكمه أفكار وسياسات ولا تضبطه تاكتيكات وقادة ولا يؤطره مجرد حماس؛ وجب علينا أولا أن نبحث عن مقوماتها وخططها وأدواتها لنضمن– على الأقل- مسارا واضحا لها يمكن السير فيه حتى نهايته أو التوقف عند نقط محددة فيه لنستكمل نواقصنا ونسد ثغراتنا ونضم صفوفنا ونقوى دفاعاتنا ثم نستأنف بعدها المسير ؛ بالذات وأن مركز تلك المقومات أو حجر الزاوية فيها هو تنظيم الشعب فى مؤسسات سياسية ونقابية واجتماعية  لا يمكن تشييدها دون الوعى بأهدافها ومهامها ودورها وكيفية بنائها.

زمان جديد :

من جانب آخر فقد ولى زمن الاعتماد على ( زعيم فرد وجماهير واسعة تدعمه ) مهما كانت التصريحات بدور الجماهيرالقائدة عالية الصوت.. وأصبحنا فى زمن الاعتماد على تنظيم الشعب الواعى فى أحزاب ومؤسسات سياسية ونقابية حقيقية؛ ليست شكلية ولا وهمية ولا أمية سياسيا؛ ذات برامج محددة تلبى مطالب الشعب من حقوق وحريات؛ و بمهام عاجلة تشرع فى إنجازها مع قادتها على الأرض ؛ ويا حبذا لو توازى ذلك أو أفضى إلى بروز زعيم حقيقى يسعى مع الشعب نحو آماله أكثر منه رمزا مجرداً للثورية ؛ فما صنع غاندى ونهرو ومانديلا وجيفارا وغيرهم هو المؤسسات السياسية التى شاركوا أو بادروا ببنائها ؟.. إلى جانب متانة معتقداتهم وجسارتهم وذكائهم ؛ وذلك هو الطريق الوحيد المضمون لتقدم الشعب على طريق الثورة بثقة وثبات.

ولأننا نتحدث عن ثورة سياسية طرفاها عدو مسلح وشعب أعزل فلا أوهام تحكمنا بشأن صراع مسلح بينهما .. بل إن ما يحكمنا هو عمل سلمى يشل قدرة العدو على الحكم بل وعلى القمع من خلال ما يمكن توفيره من مقومات وأدوات سياسية وحصاره ليشعر بحتمية رحيله اليوم قبل الغد.. أو بمعنى أدق بإجباره على الرحيل.

هل يمكن للثورة تغطية مساحة الوطن ..؟

وحيث تطرقنا لهذه النقطة فى مقال سابق نوجزها فى السطور التالية :

لأن المجتمع المصرى أشبه بدائرة تشغل مساحتَها كلُ قطاعات الشعب ، ولأن الثورة اندلعت فى مركز الدائرة ( المدن الكبرى ) ولأنها لم تنتشر وتتوسع لتشمل كل طوائف الشعب وقطاعاته ( فلاحين وعمال وصغار موظفين ومهنيين وعاطلين ومهمشين ) أى كل مساحة الوطن؛ بات لزاما علينا أن نقوم بذلك لهدفين :الأول هو انخراط أعداد أوسع من الجمهور فى الاحتجاجات لزيادة قوة الضغط على النظام الحاكم ؛ والثانى هو توسيع رقعة المواجهة معه  وإنهاكه وتبديد قواه .. وبعثرتها واستغلال نقاط ضعفه، ولكى يتم ذلك لابد أن تتكفل به عناصر مُلمّة بمشاكل كل فئة أو طائفة وبتصورات عملية لحلها ؛ وأن يتبنى ذلكَ الجزءُ الأعظم من أفرادها  ويكونوا مستعدين للحركة بشأنه والدفاع عنه ، وهو المهمة الجديرة بالإنجاز لأنها بمثابة عنق الزجاجة فى تأسيس المقاومة الشعبية ويُشكّل افتقادُها صعوبةً فى توسيع حدود الثورة وتعميق آثارها. كذلك فإن مسار الحركة من محيط الدائرة نحو مركزها يضيق الخناق على العدو بالتدريج ويجعل للانتصارات الصغيرة عليه آثارا مادية ومعنوية هائلة ؛ ويدرب الشعب على استخدام تاكتيكات متنوعة فى مواجهته ؛ وما يهمنا الإشارة إليه هو أن ذلك النشاط السياسى سوف يفرز تلقائيا عددا من  الوشائج والصلات تربط ما بين حركة تلك الفئات ومطالبها الصغيرة فى الأقاليم والريف وبين مطالب الشعب الكبرى فى الحقوق والحريات الأساسية.

بمعنى أن الجولة القادمة للثورة ستطرح مطالب أكثر تنوعا وعمقا يلتف حولها الشعب وستتبع تاكتيكات مختلفة عما طرحته فى الجولة الأولى فضلا عن تجنبها الأخطاء السابقة.

صلاحيات جديدة للعسكر تستعيد مناخ الطوارئ :

ورغم إنهاء العمل بقانون الطوارئ فى نهاية مايو 2012 إلا أن نظام العسكر أعاده فى 13 يونيو 2012 من الباب الخلفى بإصدار وزير العدل قرارا بتخويل المخابرات الحربية والشرطة العسكرية صلاحيات الضبطية القضائية فى التعامل مع المدنيين وهو ما يعدُّ انقلابا على وعوده التى قطعها على نفسه بشأن الحريات السياسية ومدخلا لمرحلة جديدة فى قمع الحريات واستئناف لتصفية الثورة التى ما زالت أسبابها قائمة  وهو ما يعنى ضرورة العمل الجاد  لمقاومة ذلك العبث بمقدرات الوطن.

 فهل سنثبت جدارتنا بالبقاء أحرارا فيه وباستئناف الثورة  ..؟ أم نتخلى عن دورنا الذى أعاد لنا الحياة ..؟

  السبت 16 يونيو 2012                                                           بشير صقر

السيناريو القادم فى مصر .. لا عزاء للثوار

السيناريو القادم فى مصر .. لا عزاء للثوار


بشير صقر 
الحوار المتمدن – العدد: 3759 – 2012 / 6 / 15 – 07:44 
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية 
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع

من الحماقة – فى العلاقات الاجتماعية- أن تصُدّ منفعلا فى ذروة انفعاله أو تواجه منفلتا فى لحظات غضبه، فالانتظار حتى يهدأ.. أنسب لمواجهته ؛ وتجريده من حججه؛ وإبطال مبرراته ؛ وإشعاره بخطئه ؛ وإعادته إلى حالته الأولى.

ومع الفارق فى المثال.. من الغباء فى السياسة .. أن تهاجم عدوا أو خصما أو منافسا فى لحظات صعوده أو نهوضه واستحواذه على تعاطف وتأييد الآخرين ؛ فتحيّن الفرص لحظة هبوطه أو تدهوره أو ارتباكه لتوجيه الضربات إليه.. هى الكفيلة بالنيْل منه .. وهزيمته وفرض الأمر الواقع عليه.

وهذا ما حدث خلال الستة عشر شهرا المنقضية منذ 25 يناير2011  وحتى الآن من جانب العسكر وهو يبرز مدى نجاحهم فى اتباع ذلك التاكتيك من ناحية  وتحديد المناطق التى استخدموه فيها ببراعة وحنكة أو بسذاجة وفجاجة من ناحية أخرى .

-فقد أعلنوا عن وقوفهم إلى جانب الثورة وأنهم لن يطلقوا الرصاص على الشعب المُطالب بحقوقه وحريته.

ولأن ذلك لم يكن قصدهم ولا حقيقة نواياهم  باعتبارهم جزءا عضويا من نظام حكم مستبد وفاسد ؛ فقد هداهم تفكيرهم إلى الصبر على  طوفان الثورة – التى تتضمن قدرا هائلا من العفوية والاندفاع وقلة الخبرة – لقطف أول وأهم ثمارها من وجهة نظرهم وهى القضاء على عملية التوريث والتيقن من انتهائها تماما ؛ وكذا لاستقراء أبعادها والتعرف على هوية وأهداف مفجريها واكتشاف نواياهم ؛ وكذلك لحصر جملة اللاعبين على أرضها بل والمحيطين بها والمتلمظين عليها .

-من ناحية أخرى تابع العسكرُ بدقة ودأب آراء وممارسات وأسرار مجموعة من الفصائل السياسية الطامعة فى دورسياسى أكبر ومساحة أوسع فى السلطة.. برغم كونها محدودة الخبرة والمواهب؛ متلونة الأوجه والجلد؛ ميكيافيللية السلوك؛ مستعدة لأن تُستأجَرَ وتساوَم ؛ هى فصائل الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

– ولأن خبرة العسكر فى التعامل مع الحشود الجماهيرية محدودة أو منعدمة حيث لا يستندون إلى مؤسسات جماهيرية مدنية ؛ ولأن حفاظهم على إيهام الشعب “بحرصهم على الثورة ” كان أحد تاكتيكاتهم الرئيسية ؛ ولكونهم أدركوا قدرات الثوار ومن ثم فهموا حدود الثورة ؛ ولمعرفتهم العامة المسبقة بأطماع المتلمظين عليها من المتأسلمين فقد بنوا خطتهم  للقضاء على الثورة وإزاحة شبابها إلى الخلف كما اختاروا وسيلتهم فى ذلك؛ لكن هذا لا يعنى أنهم نجحوا فى مسعاهم رغم أنهم نجحوا فى اختيار المتأسلمين للقيام بتلك المهمة واكتفوا هم بدور المخطط والمدبر.

– كان المخطط من ناحية هو الاستجابة لبعض المطالب ولو بفعل الضغط الشعبى لامتصاص الغضب الجماهيرى.. والتظاهر بالاستجابة لبعضها الآخر وتفريغه من محتواه.. والمراوغة بشأن بعض ثالث والامتناع عن الاستجابة له.

– ومن ناحية أخرى :

1- استغلال سهولة رشوة وغباء المتلمظين الذين يستندون إلى منظمات جماهيرية كبيرة قادرة على الحشد والاحتجاج واستعدادهم للقيام بدور المرتزقة .

2- وإلى جيوش البلطجة المنظمة والمستعدة لتلبية الأوامر.

3- فضلا عن الحزب الوطنى الذى يندفع فى مهاجمة الثورة من واقع مصالحه المباشرة وإمكاناته المالية .. كان هؤلاء الثلاثة هم أدوات التنفيذ ووسائله.

وبدأ التنفيذ بالقبض على بعض رموز السلطة وحل الحزب الوطنى والمحليات ومجلسى البرلمان من جانب؛ بينما استمرت المماحكة واستطالت بشأن محاكمة الطاغية على جرائمه المتنوعة شهورا طويلة حتى تم تهريب الأموال أو إخفاؤها وإحراق الوثائق وطمس الأدلة من جانب آخر؛ والامتناع عن تنفيذ الحكم القضائى بالحد الأدنى للأجور وعدم الاستجابة لسيول الاحتجاجات الاقتصادية الخاصة بالأجور والبطالة وجملة المظالم التى أُبلِغ بها النائبُ العام بالإضافة إلى تجاهل بقية أهداف الثورة من جانب ثالث.

-وفى خط مواز شرع العسكر فى إنهاك الثوار واستثمار قلة خبرتهم ومحدودية وعيهم السياسى وأخطائهم بمعارك متتالية كان العنف الوحشى هو الطابع الأبرز لها ؛ فضلا عن نشر الترويع والفوضى بجيوش البلطجة التى عاثت فسادا فى أرجاء المجتمع.

– وبالمقابل كان استدراج الشعب – باستخدام فصائل المتأسلمين- لإقرار إعلان دستورى مؤقت ومفضوح  تم تدبيجه بلجنة يقودها إسلاميون لوضع الأساس الدستورى لفترة انتقالية يتضمن فرض هيمنة العسكر على مقدرات الوطن ويتيح لهم تصفية المرشحين وإجراء كل انتخابات المرحلة الانتقالية ( برلمانية ، ورئاسية ) تحت سيطرتهم من خلال لجان عليا للانتخابات محصنة قراراتُها من المراجعة أو النقض أو التقاضى (بالمادة 28 من الإعلان الدستورى )؛ علاوة على تعيين الوزراء وإقالتهم والإشراف على عملهم ؛ والتصديق على قرارات البرلمان وقوانينه كشرط لسريانها.

وفى هذا المناخ أجريت انتخابات برلمانية تبدو نزيهة ( حيث المنافسة فيها بين قوى متأسلمة منظمة ومنتشرة فى أركان المجتمع .. وبين شعب وثوار منفرطين غير منظمين وأحزاب مدنية هشة وضعيفة)؛ تربع بعدها تيار المتأسلمين على البرلمان وأصبح أمام الشعب والعالم هو الممثل الشرعي الذى أفرزته الثورة .. ومن ثم أصبح الشارع والشعب فى واد والبرلمان والعسكر فى واد آخر.

-وهكذا تعمد العسكر إطالة الفترة الانتقالية لكى تفعل البلطجة وتجاهل الجهاز الإدارى للدولة مطالب الشعب وارتفاع الأسعار واختفاء السلع الضرورية والفوضى فعلها ، وبات من الضرورى – من وجهة نظر كثير من قطاعات الشعب – وقف هذا التدهور الشامل بأى ثمن حتى ولو على حساب أهداف الثورة..

– وقد لعبت فصائل الإسلام السياسى بتحالفها مع مجلس العسكر دورا فاعلا ومكملا لدوره فى إنهاك والإساءة للثورة وشبابها ومحاصرتهما ؛ وهو ما عايشه الشعب لحظة بلحظة وساعده فى اكتشاف حقيقة أطماع تلك الفصائل وأهدافها فى الاستيلاء على الثورة والهيمنة على الدولة ومؤسساتها .. كما دعّمه إصرارها على تلفيق دستور رجعى يكبت الحريات ويصادر الحقوق الأساسية ويتيح قهر الأقليات ويفرض له سطوة مستديمة على المجتمع.

وهنا وجد مجلس العسكر الفرصة مواتية لإجراء انتخابات رئاسية أصبح المناخ السياسى مهيأ لها تماما من وجهة نظره ، ومن خلال اللجنة العليا للانتخابات تم استبعاد كل الرموز التى أراد العسكر استبعادها بواسطة شروط الترشح .. وجرت وقائع الجولة الأولى منها ؛ لتفرز نتيجتها مرشحيْن أحدهما للعسكر والآخر للإسلام السياسى؛ فى ظل وضع مغاير كثيرا للوضع أثناء الانتخابات البرلمانية حيث انخفضت شعبية المتأسلمين بشدة مقارنا ” بشعبيتهم ” فى الانتخابات السابقة، وهكذا أصبح على الشعب المفاضلة بين عودة الأمن فى ظل هيمنة العسكر وبين بقاء الوضع فى حلة الفوضى تحت هيمنة المتأسلمين بعد كل ما أدركه عن مواقفهم المعادية للثورة؛ وما تيقن منه عن أهدافهم وأطماعهم وأساليبهم الرخيصة.

-لكن ولأن  الخطط التى ينفذها العسكر ليس من المؤكد أن تتمخض- فى كل الأحوال – عن ردود الأفعال التى يتوقعونها خصوصا إذا ما كان الرهان بشأنها على نفاذ طاقة الثوار وتوقع انهيار معنوياتهم ؛ وأيضا إذا ما كان التوقيت خاطئا كما حدث عند صدور أحكام القضاء على الطاغية وأولاده ومساعديه فى 2 يونيو 2012  متزامنا مع الغضب الذى اجتاح الشعب من نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة وأديا معا لتفجر الأوضاع فى أقوى احتجاج شعبى شهدته مصر منذ انتفاضة يناير 2011 ؛ فقد زاد الطين بلة قرار وزير العدل فى 13 يونيو 2012 بتخويل المخابرات الحربية والشرطة العسكرية سلطة الضبطية القضائية على المدنيين بعد اثنى عشر يوما من إلغاء العمل بقانون الطوارئ فى اليوم الأخير من مايو مما خلق جوا فائق القتامة وخانقا على الوضع السياسى القائم ورسم مسارا متوقعا للمرحلة المقبلة خصوصا بعد الحكم بعدم دستورية قانون العزل السياسى فى الرابع عشر من يونيو 2012 الذى عوّلت عليه الجماهير فى استبعاد ممثل العسكر من سباق الرئاسة.. والذى أصابها بالإحباط.

– من ناحية أخرى أسفر حكم المحكمة الدستورية – فى نفس اليوم – بحل مجلسى البرلمان عن ضربة موجعة جديدة لتيار الإسلام السياسى أفقدته توازنه وتجلى ذلك فى ردود أفعاله التى أعقبت إعلان الحكم وبات عليه إعادة النظر فى الاستمرار فى سباق الرئاسة الذى سيجرى بعد أقل من يومين أو الانسحاب منه.

– ولعل الهجوم الذى شنه مرشح العسكر- وسبق الأحكام الأخيرة بأيام – باتهام جماعة الإخوان بالمشاركة فى اصطياد المتظاهرين برصاص القناصة إبان ثورة يناير2011 والطريقة التى تحدث بها والثقة التى كانت تملؤه والجو المحموم الذى خلقه دعم أجهزة الدولة والحزب الوطنى له فى المعركة الانتخابية لعل هذه الأحداث كلها وما سبقها توضح كيف تنصل العسكر بخفة ورشاقة من تحالفهم مع فصائل الإسلام السياسى ؛ وكيف ألقوا بتلك الفصائل جانبا على قارعة الطريق ، وكيف بعثوا لها برسالة شديدة الوضوح و اللهجة بمعالم الطريق القادم والذى سيبدأ فور تحديد أو تسمية رئيس الجمهورية القادم فيما لو أسفرت عن إخفاق مرشح الإسلام السياسى فى السباق.

– ليس هذا وحسب بل إن نفس الرسالة  قد تم إرسالها لشباب الثورة وللشعب فيما سبق من أحداث دامية بدءا من العباسية 1 ، ماسبيرو ، وشارع محمد محمود ، ومجلس الوزراء والسفارتين ، وبورسعيد ومؤخرا العباسية 2 ، ويعيدون التأكيد اليوم عليها مرة أخرى .

وهكذا استخدم العسكر تيار الإسلام السياسى فى التصدى للثورة وخذلانها والتنكر لها وحصارها وتشويه سمعتها فى مقابل عظْمة ألقوا  له  بها هى برلمان منزوع الصلاحيات؛ وعندما أكمل مهمته أزاحوه ورفسوه بعيدا .. مذكرينه بالمثل الشعبى ” آخرة خدمة الغُزّ علقة “.

وبتعبير آخر.. لسان حال العسكر يقول : ” نحن العسكر .. أوقفنا التوريث ؛ وأبقينا على النظام الحاكم قائما ؛وكبحنا جماح الثورة وشتتنا شبابها وتصيدناهم بالقنص والسجون ؛ وحددنا مرشحى الرئاسة ؛  وسنضع الدستور الذى نراه ؛ وساعدتنا فصائل الإسلام السياسى فى هذه المهام مقابل عظْمة البرلمان ؛ ولما أتمّت مهمتها .. ألقينا بها فى عرض الطريق ومن يعترض ستكون المخابرات الحربية والشرطة العسكرية له بالمرصاد.

واعتبارا من الآن ستجرى الأمور فى مصر على هذا المنوال.. حيث لا عزاء للثوار.. ونلقاكم فى مناسبات أخرى .

وأخيرا هل سنتعلم من هذا الدرس ونستخلص العظات والعبر .. أم سنعاود الكرّة بنفس المنطق القديم..؟

الخميس 14 يونيو 2012                              بشير صقر

ما حك جلدَك مثلُ ظفرِك.. يا جماهير مصر

عن الثورة المصرية .. والاحتشاد الشعبى.. والطريق الثالث…

” ماحك جلدَك مثلُ ظفرك… فتول أنت جميع أمرك” كلمات واضحة محددة يتحتم أن تكون شعار الشعب المصرى فى استرداد حقوقه وحرياته ودحر أعدائه.. وإخراس خصومه.. وإفحام منافقيه واستكمال ثورته ؛ أى لابديل عن إمساك جماهيره بزمام المبادرة والفعل..ومنع انفلاته من قبضتها أو التعويل على استجابة العدو أو على “حكمة” الخائفين والمرتعشين أو على انتظار رد فعل النظام.. فكل دقيقة تمر دون فعل أو مبادرة من جانبه.. تنقلب استعدادا أو تحضيرا.. وشروعا فى التصفية من الجانب الآخر.

 وأيا ما كان الرئيس القادم ” ممثل العسكر أو ممثل الاسلام السياسى” فالموقف لا يتغير.. فكلاهما يعادى الثورة ويضلل الشعب.. ولا يستهدف الإفراج له عن حقوقه وحرياته.. لذا لابد من إفهامه وإشهاد شعوب العالم أن الشعب المصرى لم يلوث يديه بالتصويت له.. بل ويرفضه وسيعمل على الاطاحة به.

وأيا كان الصراع الدائر بينهما محتدما أو حتى داميا.. فلن ينحاز الشعب لأحدهما.

خطة العسكر فى تصفية الثورة:

كانت خطة العسكر لإجهاض الثورة متمثلة فى :

1-وقف الاحتجاجات الشعبية بتجريم التظاهر، وملاحقتها بالمحاكمات العسكرية، والعنف.

2-القضاء على العناصر القيادية من شباب الثورة:

أ- بالقتل والاعتقال والاختطاف والمطاردة والمحاكمات العسكرية، وبالعنف الذى تكرر من موقعه بماسبيرو وحتى العباسية 2 .. مرورا بمجزرة بورسعيد.

ب- وباستدارجهم للبرامج الاعلامية ومنتديات الحوار لإفقادهم التركيز وتبديد وقتهم واستنفار غرورهم لبث الفرقة بينهم..

ج- باستهداف عدد من تنظيماتهم ورموزهم مثل 6 إبريل، وروابط مشجعى كرة القدم (الاولتراس ) وتشويه سمعتها أمام الرأى العام.. واستخدام العنف المفرط معها.

3- بتقويض منظومة المجتمع المدنى التى تلعب دورا هاما فى جمع المعلومات وتقصى الحقائق ومراقبة الانتخابات وذلك بتقديم بعضها للمحاكمة بتهم تلقى تمويل وتدريب من جهات أجنبية.. وإطلاق الشائعات على عدد من الهيئات السياسية للإيحاء بوجود أيادى خارجية تعبث باستقرار الوطن.

4- محاولة سحب البساط من تحت أرجلها.. وذلك بإيجاد مبررات تبدو “منطقية” للرأى العام بعدم جدوى الاحتجاجات فضلا عن تعويقها لحياة ومصالح المواطنين واعتبار البرلمان الحالى بديلا عن الشعب والثوار بعد أن تم اختياره بحرية مطلقة.

5- وبالموازاة لكل ماسبق.. خلق حالة دائمة من الترويع والفوضى وافتقاد الأمن تشمل المجتمع بكل فئاته ؛ واصطناع الفتن والصدامات الطائفية والأزمات فى السلع الضرورية والوقود وعدم ضبط الأسعار كنوع من العقاب الجماعى للشعب والضغط عليه.. لجعل العودة ” لاستتباب الأمن” لوضع ما قبل 25 يناير 2011 نوعا من التمنيات صعبة التحقيق.. بهدف تمهيد الطريق لاختيار أحد رجال النظام فى الانتخابات الرئاسية أو على أقل تقدير (عدم الممانعة فى توليه الرئاسة ).

لكن الخطة باءت بالفشل بفعل عوامل ثلاثة:

1-                إصرار الشعب والثوار على التمسك بأهداف الثورة و تحقيقها وعدم التراجع بشأنها برغم قانون تجريم التظاهر والمحاكمات العسكرية وعنف العسكر الوحشى.

2-                الأخطاء التى اكتنفت تاكيتك العسكر سواء فى سوء تقدير رد الفعل الشعبى من نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة أو فى أحكام القضاء ضد رموز النظام فى 2 يونيه 2012  وتوقيتها.

3-                الصراع الدائر بين العسكر وفصائل الاسلام السياسى.. وامتعاض الأخير من منطق إصدار الأوامر الذى يستخدمه العسكر وعدم تجاوبهم مع مطامعه بالمستوى المطلوب؛ فضلا عن الاسترابة المتبادلة بينهما والتى وصلت ذروتها  باستبعاد بعض ممثلى فصائل الإسلام السياسى من الانتخابات الرئاسية وصدام العباسية 2 الأخير.

لقد بات على شباب الثورة وجماهير الشعب البحث عن انطلاقة جديدة للثورة تتلافى الأخطاء التى شابتها.. فماذا حدث؟!

الثورة.. والاحتشاد الجماهيرى.. والحصيلة :

-ولأن الثورة ليست مجرد احتشاد الجماهير بالملايين فى الميادين والشوارع .. بل هى القدرة على مواجهة النظام وإجباره على التراجع؛ وإشعاره بعدم قدرته على الاستمراربنفس المنطق القديم؛ وأنه الآن أمام شعب يعرف كيف يوقف عدوانه وجبروته وصلفه ؛ وهز ثقته بنفسه.. ومن ثم تغييره ( بإسقاط رموزه وأجهزته ومؤسساته ودستوره وقوانينه وأحزابه وسياساته) ببديل شعبى يحقق الأهداف الجديدة للشعب، فإن ما حدث فى 25 يناير 2011 وحتى الآن لا ينطبق على ذلك؛ بل ويؤكد أن بقاء الملايين المحتجة فى الميادين دون إجراء عملى حقيقى يخفض حرارتها ويهبط بمنحناها ويفسح الطريق إما لانفضاض هذا الاحتشاد من تلقاء نفسه أو بفضه بتنازلات شكلية من العسكر تساعد فى انفراطه.. ثم القضاء على ما تبقى من الحشود بالعنف.

-وبقاء الجماهير محتشدة لمجرد رفع الشعارات الثورية يعنى أنها تنتظر أن يتخلى أعداؤها عن السلطة والحكم طواعية وهو ما لن يحدث إلا إن أدركوا أن الاستمرار أصبح يشكل مخاطر حقيقية على حياتهم.

– ولذلك فمواجهة النظام يجب أن تتجاوز الاحتجاج الثابت المتمركز.. وأن تتسع لتشمل جبهات عديدة لا يمكن له تغطيتها والتواجد فيها فى وقت واحد، وذلك لن يحدث من جماهير مبعثرة منفرطة مهما كان مستوى احتجاجها.. وهو ما يعنى ضرورة انخراطها فى أحزاب ونقابات واتحادات وروابط وجمعيات تغطى مساحة الوطن؛ ويمكن استدعاؤها فى لحظات وتحريكها بسهولة.. لفتح جبهات جديدة على النظام بما يشل قدرته على رد الفعل أو يفتت ويبعثر جهوده فى أية مواجهات محتملة.

-علاوة على أن تنظيم الشعب يجب أن تكون له أمثلة عملية وبناؤون يبدأون.. لتقتدى الجماهير بها وبهم ؛ وتصبح عملية التشييد هذه عادة سلسة لا شيئا غامضا غير مفهوم أوعبئا ثقيلا تنوء به الجماهير إن تُركت دون بوصلة.

-خلاصة الأمر الجماهير مستعدة والريف متعطش والأقاليم تشكو البطالة الثورية بينما ميادين المدن الكبرى متخمة بالكثيرين ممن يستطيعون الدعم والمساعدة.

– لذلك فالتنظيم هو عصب المقاومة والثورة، ومحرك حشودها، وداعم قوة دفعها، وباعث نهوضها لحظة التراجع، وهو حاميها وراعى انجازاتها وقت الانتصار، بل ومُلمْلِم المبعثرِ من أفرادها ساعة الهزائم.. لمعاودة الصمود.

خبرة التنظيم.. ومصادرها:

ولأن أغلب شباب الثورة يفتقد خبرة التنظيم التى لا يتم تحصيلها بمجرد القراءة لأن الخبرة العملية عنصر حاسم فيها، وبسبب انعدام ثقتهم فى القوى السياسة التقليدية لأسباب منطقية- ليس هنا مجال الحديث عنها- لم يتمكنوا من تحصيل تلك الخبرة، وللأسف لم ينقبوا عنها بعيدا عن تلك القوى.. وظلوا مترفعين عن ذلك.. معتبرين أن تفجير الثورة وإسقاط الطاغية كاف للسير بها حتى الانتصار النهائى.. وهو ما تأكد لهم خطؤه  بعد مرور عام على اندلاعها.

ولأن الخبرة العملية فى بناء التنظيمات السياسية والنقابية وغيرها.. لا تقتصر على مجرد ضم الثوار والمناصرين والمؤيدين فى هيئات أو أشكال متعددة؛ وتقسيم للعمل المراد إنجازه عليهم ؛ بل تحتاج إلى معايير متنوعة سياسية و تنظيمية وجماهيرية وكفاحية لا علم لمعظمهم بها ؛ علاوة على عنصر بالغ الأهمية والخطورة وهو تشكيل قيادة جماعية متسقة ومتماسكة .. حتى لا تتعرض مستقبلا للتفكك والانفراط.

الطريق الثالث واستئناف الثورة :

بعد انتهاء الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية عمت حالة من الغضب والإحباط جموع الشعب ؛ وجاءت أحكام الثانى من يونيو التى وقعها القضاء على الطاغية ومساعديه وأبنائه مخيبة للآمال لتتفجر موجة ثورية جديدة فى كثير من المدن.

وفى ميدان التحرير بالقاهرة رُفِع شعار فى غاية الأهمية عن ” الطريق الثالث ” – المختلف عن طريق العسكر وعن طريق الإسلام السياسى- لشق مسار جديد لاستئناف الثورة التى لم يحقق العسكر وبرلمان الإسلاميين شيئا من أهدافها.

وبرغم ما ازدحمت به الميادين الثائرة بألوف مؤلفة من الجماهير وشباب الثورة ومرشحى الرئاسة وقادة الأحزاب والهيئات السياسية وتعددت الحلقات النقاشية واتسعت وتنوعت فقد خلت من توضيح كيفية شق هذا الطريق وتحديد ملامحه و مهامه المباشرة والبعيدة ؛ ومن كيفية تشكيل هيئته القيادية.. وهو ما دعا الكثيرين لتصور الشعار كلٌ بطريقته؛ كذلك لم تطرح مليونية الخامس من يونيو 2012 أية آراء لتطبيقه.

وعلى ضوء ما ذكرناه فى الصفحات السابقة يهمنا الإشارة  إلى احتياج الثورة لحل معضلة التنظيم حلا يتجاوز الموقف السابق لشباب الثورة ؛ ويتناسب مع الأزمة الراهنة ويجمع المقومات الفعلية لتمييزه عن طريق العسكر وطريق الإسلام السياسى  ليصبح اسما على مسمى.

وأول هذه المقومات: المهمات المطروحة عليه ، وثانيها: ميادين النشاط المقترحة وأدواته، وثالثها:  قيادته، ورابعها : الموقف الفورى من انتخابات الرئاسة فى جولتها الحاسمة.

وحيث سبق لنا التعرض للمهمات المنوطة بهذا الشعار فى مقال سابق ؛ ولميادين النشاط الأوجب بالتوجه إليها؛ وللموقف المفترض اتخاذه من انتخابات الرئاسة.. وهى تتلخص بكلمات محدودة فيما يلى:

المهمات: الإصرار على دولة مدنية خالية من التمييز عموما والدينى على وجه التحديد، وجمهورية ديموقراطية برلمانية يخضع لها العسكر ولا يديرونها بأى شكل من الأشكال؛ ولا يتمتع فيها الرئيس بصلاحيات مطلقة؛ ولا البرلمان بامتيازات خاصة، ودولة العدالة الاجتماعية التى يكون الشعب فيها صاحب السلطة الفعلية.

ميادين النشاط : الريف والأقاليم وعشوائيات المدن وأحيائها الفقيرة إضافة لما هو موجود.

جولة الانتخابات الرئاسية الحاسمة : تنفيذ المقاطعة أو إبطال الصوت الانتخابى.. مع الاعتصام خلال يومى الانتخابات فى الميادين؛ وهو ما يجعل لشعار الطريق الثالث معنى مطابق له على الأرض.

ومن ثم لا يتبقى من مقومات ذلك الطريق الثالث  سوى تناول قيادته وكيفية تشكيلها.

فرغم أنها ليست أهم مقومات الطريق الثالث إلا أنها أخطرها:

–         فقيادة هيئة بهذه الأهمية فى لحظة أزمة ثورية لشعب غير منظم لم يمارس العمل السياسى ولا معظم حرياته ؛ ولم ينتزع من حقوقه الكثير.. هى العنصر الرئيسى فى توجيه كل عمليات التنظيم والبناء المرتقبة.

–         ولأن ما تم تأسيسه من أحزاب ونقابات واتحادات مستقلة بعد الثورة تكتنفه مشاكل كثيرة ولم نشعر بدوره المفترض منذ الإعلان عنها.

–         ولأن معايير تشكيلها لم تتحدد بعد ويبدو أنها – استنادا إلى المعطيات القائمة- لن تتحدد فى المستقبل القريب.

وما يدعونا لهذا القول هو أنه برغم تواجد عدد من مرشحى الرئاسة فى الميدان فى مليونية 5 يونيو وفيما سبقها من أيام؛ ومشاركة حزب الدستور فى المليونية ومن الطبيعى أن يكون وكيل مؤسسيه أحد عناصر القيادة فى الطريق الثالث ؛ وحسبما فهمنا فالمرشحون الثلاثة – كما بدا لكثير من المراقبين- مطروحون للمشاركة فى هذه القيادة.

وما نتخوف منه هو أن غياب معايير القيادة سوف يشكل مبررا أو يفتح مجالا واسعا لتفسيرات متباعدة وربما متناقضة للإجراءات والمسارات والشعارات المطروحة أو المقترحة أو المطبقة وهو أول المخاطر المتوقّعَة.

وتفسير ذلك؛ أنه باعتبار تشكيل القيادة من الأربعة التالية أسماؤهم ( حسب الترتيب الأبجدى ): 1- حمدين صباحى ( ناصرى )؛ 2- خالد على ( يسارى )؛ 3- عبد المنعم أبو الفتوح ( إسلامى) ؛ 4- محمد البرادعى  ( ليبرالى) فلا ضرر من كونهم متنوعي الانتماءات السياسية طالما اتفقوا مع شباب الثورة ومع الجمهور المرابط فى الميدان على معايير محددة وصحيحة يرتضونها ؛ وعلى مهمات بعينها يتم تنفيذها وتمنح الطريق الثالث ملامحه الكفاحية ؛ وعلى مسار واضح المعالم ؛ وآليات وأدوات تتناسب مع أهداف الثورة.

ويُرَجح البعض أن الانتماءات السياسية للثلاثة الأًوَل ربما كانت السبب فى عدم اتفاقهم على مرشح واحد يمثل الثورة فى انتخابات الرئاسة  تمهيدا لالتفاف الشعب حوله؛ فضلا عن حسابات خاصة لكل منهم فى استمراره فى السباق الرئاسى.. وربما يدفعنا ذلك السلوك للتوجس من تكراره فى وقت لاحق.

ونظرا لمعرفتنا بمواقف الأول والثانى المتقاربة.. والمنحازة للمطالب الاجتماعية للفقراء نجهل موقف الرابع تماما وهو شئ مثير للقلق خصوصا وقد كان فى إمكانه طرح ذلك فى مناسبات عديدة ؛ وندرك أن موقف  الثالث هو موقف جماعة الإخوان المسلمين منهم ( أى من الفقراء )؛ وهو ليس  فى جانبهم مهما ذكر فى دعايته الانتخابية شيئا مخالفا.

كما أن انحياز الثانى والرابع للدولة المدنية واضح يليه موقف الأول ؛ والموقفان بالقطع مغايران لموقف الثالث الإسلامى الهوى والهوية برغم ما يعلنه.

وبينما يُجمع الأول والثانى والرابع على ضرورة خضوع الجيش ومجلس قيادته لسلطة الدولة والرئيس ومساءلته فيما يُكال له من اتهامات بشأن موقفه وممارساته ضد الثورة والثوار .. يرى الثالث إمكانية الاستعانة برئيس مجلس العسكر .. لو وُفّق فى الانتخابات وتولى الرئاسة.. بما يعنى موقفا مختلفا.

ومن الناحية العملية فإننا نستبين المواقف الحقيقية مما أطلق عليه ” وثيقة العهد” “والمجلس الرئاسى”.. حيث قبلها الأول والثانى والرابع بينما الثالث رفضها بعد أن كان متحمسا لها ومبادرا بشأنها.. ولم ينقلب على موقفه المؤيد إلا بعد أن رفضها حزب الاخوان المسلمين.

وبناء على ذلك.. فهذه القيادة لايجمعها الحد الأدنى من المواقف السياسية التى يفترض أن تجمع مسئولين عن شعار شديد الأهمية والخطورة لاستئناف الثورة وتحقيق أهدافها.. وهو ما سينعكس بالقطع على الجمهور الواسع الذى سينضوى تحت لافتة الطريق الثالث.

هذا فقط عن عدد محدد من التقديرات التى ستحكم توجه الطريق الثالث، أما لوتطرقنا للموقف من الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وعدد من دول الخليج فستتسع الفوارق أكثر بين الأربعة.

ولأننا ندرك أنه بالنسبة للفرد المشتغل بالعمل العام .. فلا يوجد موقف سياسى دائم أو ثابت.. طالما الواقع يتغير ويتبدل؛ ولا توجد كذلك مواقف وطنية أبدية.. لكننا ندرك كذلك أن هناك ثوابت وطنية فى مصر لا يمكن التزحزح عنها أوالاختلاف معها .. ومن هنا لا يجب أن  تتعارض قناعات قادة الطريق الثالث مع تلك الأهداف أو أن يكون بعضها متطابقا مع أفكار أحد الطريقين الآخرين .. صحيح أنه لا يمكن لذلك الطريق أن يضم أناسا كلهم متطابقى الأفكار؛ لكن وجود حد أدنى يجمعهم  يُعدّ شرطا مسبقا للعمل المشترك ..على الأقل لتجنّب الافتراق فيما بعد.

وإذا كان هذا الطرح الذى يستهدف شق طريق مغاير لطريق العسكر وطريق الإسلام السياسى قد بادر به رجل مثل حمدين صباحى.. كان لابد له من عرض مُقترَح  بملامحه المبدئية والدعوة لها من أول لحظة.. وكان عليه-  تبعا لذلك – أن يتجنب فى حركته ما يمكن أن يلتبس تفسيره.. بمعنى أنه طالما حدد طريقا مغايرا كان مطلوبا منه ألا يدخل فى حوار مع رموز الطريقين اللذين رفضهما.. ورفض التصويت لمرشحيْهما ؛ لأن كل حركة له أصبحت محسوبة عليه خصوصا ممن صوتوا له فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية.. وهم بالملايين.

-نخلص مما سبق لأن شعار الطريق الثالث رغم وضوح وتَحَدُد منطوقه بشكل لافت إلا أن المعايير التى تحكم مسيرته وتشكيل قيادته وآلياته يكتنفها الغموض؛ فهل سيضم قادة وجموعا أم سيضم تنظيمات وهيئات سياسية؟.. أم أنه سيكون شيئا أقرب إلى التنسيق الانتخابى منه لجبهة سياسية واضحة المعالم ؟.

– ولاشك أن ما طرحناه -عن تنظيم شباب الثورة وعن الاحتشاد الجماهيرى ومهماته؛ وأخَصُّها المبادرة وعدم انتظار الآخرين أيا كانوا ليتولوا تحقيق أهداف الثورة –  لا تجمعه صلة حقيقية بالطريقة التى تتم بها الاستجابة لشعار الطريق الثالث.. ورغم اتساع المسافة بينهما ( بين ما طرحناه وبين ماهو قائم ) إلا أننا يلزم أن نتحلى بطول النفس والدأب لمعاودة الحوار ونحن نقاطع الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة التى أوضحت الأخبار أن تقرير المفوضين- فى القضية المرفوعة بشأنه- لن يقف عائقا دون استكمالها.. إلا إذا كان للجموع التى تحتشد فى الميادين منذ مساء الثانى من يونيو 2012 رأى آخر؟!

السبت 9 يونيو 2012                                               بشير صقر

المخاطر المحدقة بالثورة المصرية

تمهيد:

تتصاعد الأزمة الثورية فى مصر بمعدلات متسارعة.. لتصل إلى حدود لم تبلغها منذ انتفاضة يناير 2011.

ورغم أنها تنحصر بين معسكرين (للثورة والثورة المضادة) إلا أن أطرافها ثلاثة هى مجلس قيادة الجيش والشعب وفصائل الإسلام السياسى.

هذا ويتباين إدراك أطرافها الثلاثة لها استنادا إلى تثمين كل طرف منها لحجم قوته وقدرته على الحركة من ناحية.. وإلى الكيفية التى يتصورها لإدارة الأزمة من ناحية أخرى .. سواء بوقف تصاعدها أو بتسريع وتيرتها.

-ولأن الأزمة الراهنة تتجلى على مستويين:

 الأول بين طرفين داخل معسكر الثورة المضادة (قيادة العسكر وفصائل الإسلام السياسى) حيث يتنافس كل منهما على نصيبه فى الغنائم بعد إسقاط رأس النظام الحاكم وعدد من رموزه.. فبينما يرى العسكر أحقيتهم بنصيب الأسد منها باعتبارهم جزء عضوى من النظام الحاكم .. تسعى فصائل الإسلام السياسى لمزاحمتهم فى السلطة والغنائم وعدم الاكتفاء بدور الشريك الأصغر.. ورغم كونهما معا معاديين للشعب وثورته.. فقد تحول هذا التنافس (داخل نفس المعسكر) إلى تناحر.. يبدو محكوما.. لكن القطع بذلك ليس شيئا مطلقا.. أو مؤكدا.

أما المستوى الثانى.. فبين الشعب من جهة وبين قيادة الجيش وفصائل الإسلام السياسى من جهة أخرى.. أى بين معسكر الثورة ومعسكر الثورة المضادة.

-وتختلف مواطن القوة المباشرة والعميقة لكل طرف من الأطراف استنادا إلى أدواته التى يدير بها الأزمة وإلى خبراته وإلى مدى مشروعية أهدافه ومصالحه.

-فالجيش كممثل للنظام القديم أو كوريث له – كما تفصح عن ذلك جملة ممارساته- يملك أسلحته وعتاده وتنظيمه المحكم وسيطرته على ما يتجاوز ثلث الاقتصاد القومى.. من مجمل ما يديره من وحدات اقتصادية إنتاجية وخدمية تضاف إليها ميزانية هائلة.. وهى عناصر قوته،  بينما تتركز نقاط ضعفه فى كونه ممثل النظام “القديم” الذى فقد مبرر وجوده فى الحكم علاوة على افتضاح أمره فى صفوف الشعب من خلال مواقفه وممارساته المعادية للثورة ولجماهيرها.

-أما فصائل الإسلام السياسى فتتركز مواطن قوتها فى تنظيماتها الجماهيرية.. بل والعسكرية (المختفية تحت السطح) وتغلغلها فى الريف والأقاليم وعشوائيات المدن، لكن ما يضعفها هو الرفض الشعبى المتصاعد فى المدن الكبرى وبعض قطاعات السكان فى المدن الأقليمية بسبب اكتشاف الجماهير لأهدافها ومراميها الرجعية وعدم مصداقيتها ومطامعها فى الهيمنة على المجتمع والدولة ومواقفها المعادية للثورة وأهدافها.

-أما الشعب- الطرف الثالث- فتتمثل قوته فى الإنجازات التى حققها طيلة شهور الثورة؛ من كسر لجدار الخوف وإدراك لإمكانية الحصول على حقوقه المغتصبة وحرياته المصادرة، واكتشاف دور وأهداف كل من مجلس قيادة العسكر وفصائل الاسلام السياسى.. المعاديين للثورة علاوة على تعداده المتجاوز ثمانين مليون نسمة، والأهم كون حقوقه وحرياته وسعيه نحوهما تلقى تعاطفا واسعا على النطاق العربى والدولى. بينما نقاط ضعفه فتكمن فى تبعثره وانفراطه وافتقاده لتنظيم يوحّد أفكاره ومطالبه وإرادته وكيفية إدارته للأزمة.. علاوة على تدنى وعيه خصوصا فى القطاعات الريفية.. وعدم مشاركتها فى الثورة ومن ثم عدم تثمينها لحقيقة الأطماع التى تحكم حركة العسكر وفصائل الاسلام السياسى التى تمسك بآذانها منذ عقود.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى افتقاده لقيادات محلية واعية وقيادة مركزية ذات خبرة، ومن ناحية ناحية ثالثة فالنخب السياسية التى تتحدث باسم الشعب منذ سنوات طويلة شديدة الهشاشة.. ولم تتمكن- برغم اندلاع الثورة- من بلورة تلك القيادة طيلة الخمسة عشرا شهرا المنقضية ، وقد تجلى ذلك بأوضح شكل إبان انتفاضة يناير 2011 حيث اختفى مفجروها وتبعثروا تاركين ميدانها لقوى الإسلام السياسى لتستولى على إنجازتهم العظيمة.. بل وأزاحتهم إلى الخلف.

ولما كانت الأزمة الراهنة يمكن أن تدفع بعض أطرافها لارتكاب تصرفات رعناء أو حماقات منفلتة أوانكسارات مرضية بسبب خطأ حساباتها أو ضيق أفقها أو تبدد أحلامها أو جنون قوتها أوعظمتها.. فى غضون الأسابيع القليلة القادمة إثر ظهور نتيجة الجولة الحاسمة لانتخابات الرئاسة أو بعد عدة شهور؛ يصبح لزاما علينا أن نتطرق لعدد من الملابسات  والأخطاء والأفكار التى واكبت أحداث الانتفاضة منذ يومها الأول وحتى اليوم .. لتكون خلفية لما يدور الآن أو سيحدث فى المستقبل  فى مركز الثورة ( المدن الكبرى )؛ وهو ما نراه واجبا يتطلب الصراحة فى طرحه والاستقامة فى عرضه.

 

عودة للثورة والثوار والخبرة السياسية:

 -علاوة على انعدام الخبرة السياسية والتنظيمية والحركية لهؤلاء الثوار ظل استخدام ميدان التحرير من جانب من تبقى منهم.. كأداة ثابتة ودائمة لا تتغير فى مواجهة قوات النظام الحاكم وفلوله ومرتزقته وكانت مقاومتهم أقرب لسلوك الانتحاريين العزل منه لمناضلين سياسيين يديرون ثورة قوامها شعب مبعثر متدنى الوعى محروم من ممارسة العمل السياسى طيلة 60 عاما متصلة.

-هذا ورغم استخدام عدد من المراقبين لعبارة حرب الشوارع فى توصيف  مقاومتهم الشرسة والعنيدة وإصرارهم على عدم مبارحة الميدان فإن ذلك التشبيه لم يأخذ من العبارة سوى اسمها ( الشوارع ).. فقد كانت قوات الشرطة العسكرية والمدنية وسرايا مكافحة الإرهاب هى التى تُغِير عليهم وتهاجم خيامهم فى قلب الميدان فى الوقت وبالطريقة ومن المكان(المدخل) الذى تحدده وتلحق بهم الخسائر تلو الأخرى .. دون أن يتبادر إلى ذهنهم حتمية تغيير ذلك التاكتيك الضار؛ بينما المفترض بين شعب أعزل ونظام مسلح أن يوجه الشعب ضرباته فى المكان والتوقيت وبالطريقة التى يحددها هو.

وقد انتهى ذلك الوضع بانسحابهم من الميدان- يأساً من إمكانية إحراز تقدم حقيقى على قوات تفوقهم عددا ًوعدّة – ولو كان انسحابهم مبنيا على تغيير فى الأسلوب الذى اتبعوه فى المواجهة وليس يأسا من الانتصار لاختلف الأمر كثيرا..

ترك زمام الثورة والاستغراق فى أسلوب وحيد:

-هذا ولقد كان ترك قادة انتفاضة يناير 2011 زمام الثورة- لتستولى عليه فصائل الإسلام السياسى التى استنكفت عن المشاركة حتى يوم 28 يناير- يشكل الخطأ الذى أدى لمزيد من الأخطاء وحتى وصل الوضع إلى ما هو عليه الآن.. وهو ما يُطلق عليه انخفاض الوعى السياسى والتنظيمى؛ كذلك فترك زمام الثورة لآخرين ليس تركا جغرافيا- يخص ميدان التحرير- لكنه يعنى الافتقار لمعرفة بديهية سياسية مفادها ” أن الإطاحة بزعيم اللصوص لا تعنى أن بقيتهم سيعيدون لك ما سرقوه منك طواعية .. بل يعنى ضرورة العمل على إزاحة بقية العصابة بنفس الأسلوب أو بأساليب أخرى حسب مقتضى الحال” .

فمغتصبو حقوق الشعب لن يفرطوا فيها إلا إذا أُجْبِروا على ذلك وسيستميتون فى التمسك بها حتى آخر رمق.

-ومن ناحية أخرى أصر جزء آخر من هؤلاء المقاتلين على التمسك بالبقاء فى الميدان-رغم تعرضه لغارات قوات النظام ولعمليات الاختطاف والاعتقال- وقد شكل هذا العناد نوعا آخر من تدنى الخبرة السياسية والتاكتيكية فى المقاومة، وكلاهما -تَرْك زمام الثورة لآخرين.. والتمسك بالبقاء فى الميدان- وجهان لعملة واحدة.. هى الافتقار للوعى السياسى ولتحديد المهمة الواجب إنجازها..

– ومن جانب آخر ظل الصراع بين هؤلاء الأسُود- الذين فجروا الثورة واستٌشهد كثير منهم فداء لها- وبين النظام الحاكم مستغرقا فى نمط واحد فى ميادين أخرى وكان ذلك أشبه بمحاولة إخطار شعوب العالم بأن الشعب المصرى يرفض حكامه..أكثر منها.. العمل على إجبارهم على التسليم بمطالبه.

وظل حصار الثورة فى تلك الميادين.. والمدن الكبرى التى اندلعت فيها ( القاهرة- السويس- الاسكندرية) مستمرا.. بينما قطاعات واسعة من جمهور المدن منشغل عنها.. وقطاعات أوسع من جماهير الريف والأقاليم لا تفعل أكثر من مشاهدتها على الفضائيات كما لو أنها تجرى فى دولة أخرى.

سلمية.. سلمية  بين أوهام الشباب ووحشية النظام وبراجماتية الفلاحين:

-كما أن شعار” سلمية .. سلمية ” الذى رفعه الثوار قد أوضح الفارق الشاسع بين مفاهيم وأوهام شباب يشارك لأول مرة فى انتفاضة جماهيرية دامية وبين وحشية وواقعية نظام فقد شرعيته واعتاد على الاستبداد دفاعا عن هويته ووجوده.

-وحتى لا نبدو وكأننا نطالب أسود الثورة هؤلاء بما ليس فى طاقتهم.. نذكر بأن ما دفعهم للتواجد فى ميدان التحرير ظهر يوم 25 يناير 2011 كان رغبة فى الاحتجاج على سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليس أكثر.. لكن ولأن حركتهم لاقت صدى هائلا فى صفوف الشعب.. فقد هرع المئات ثم الآلاف ثم عشرات فمئات اآلاف إليهم دعما ورغبة فى المشاركة، وهو ما فاجأهم.. ودفعهم لتغيير خططهم.. وباتوا فى قلب انتفاضة حركت قلوب الملايين.

-ومن ناحية مغايرة تماما.. وفى صباح 28 يناير2011 قام مائتان من أهالى منطقة طوسون بشرق الاسكندرية التى هدمت المحافظة منازلهم على رؤوسهم فى مايو 2008 وأزاحتهم بعيدا عن المنطقة لأكثر من سنتين.. قاموا بالتوجه إلى حيث كانوا يسكنون وطردوا ثلاثة وستين فردا ( من شركة أمن ) كانوا يحرسونها وشرعوا فى بناء منازلهم وأقاموا فيها فى بحر ثلاثة أسابيع وكان سندهم فى ذلك إصرارهم وعزيمتهم فضلا عن حصولهم على حكم قضائى رفضت الدولة تنفيذه.

-وبعد أربعة أيام (31 يناير2011) قام بعض فلاحى 6 قرى من مركز طلخا بمحافظة الدقهلية- يقودهم عدد من أبناء مقاتلين شاركوا فى حرب اليمن عام 1962- قاموا باسترداد مساحات واسعة من أراضيهم كان أحد الإقطاعيين (مالكها السابق) قد اغتصبها منهم قبل عشر سنوات، ورغم حصولهم على أحكام قضائية بحقهم فى استعادتها ورغم أن الدولة وزعتها عليهم بنظام التمليك منذ عام 1966 وظلوا يزرعونها أكثر من ثلاثين عاما متصلة.

-وإذا كان أهالى طوسون وفلاحو طلخا قد استندوا فى استعادة حقوقهم على أحكام قضائية رفضت الدولة تنفيذها فإن عددا كبيرا من فلاحى مركز دمنهور بالبحيرة قد استردوا أراضيهم – التى اغتصبت منهم بدعم الدولة وتحت إشرافها- بدءا من 14 فبراير 2011 دون أحكام قضائية.. والأهم أن أحد خصومهم المباشرين كان رئيس مباحث أمن الدولة بالمحافظة.

ثورة المدن والفلاحون:

– والأمثلة الثلاثة التى عرضناها تشير إلى قضية غاية فى الأهمية تتعلق بضرورة تغطية الثورة لجميع قطاعات المجتمع من عمال وفلاحين ومهنيين وحرفيين ومهمشين.. ولعلنا نتذكر أن جموعا غفيرة من العمال فى القاهرة ومحيطها هى التى حسمت مشاركتها فى انتفاضة يناير 2011 مهمة إسقاط الطاغية بعد أيام معدودة من هذه المشاركة.

وتشير من جانب آخر إلى أن ما ساند مواقف قوى الثورة المضادة فى الاستمرار والمماطلة والمراوغة أن الانتفاضة تركزت بالأساس فى عدد من المدن الكبرى أبرزها القاهرة والسويس والاسكندرية، وأن عدم امتدادها إلى الأقاليم والريف كان أبرز نقاط ضعفها إضافة لما ذكرناه من أسباب قبل ذلك.

-ولقد ارتفعت بعض الأصوات فى إثر إسقاط الطاغية تنادى بضرورة مدّ النشاط الثورى نحو محيط الدائرة التى احتلت انتفاضة المدن الكبرى مركزها.. لكنها ولأسباب متنوعة ضاعت وسط الضجيج.

-ولو افترضنا غياب فصائل الإسلام السياسى عن المشهد أو عدم وجودها أصلا.. فإن تأثير الانتفاضة على الريف فى هذه الحالة كان سيختلف.. لأن الدعاية التى تبثها تلك الفصائل فى الريف والأقاليم وانخفاض الوعى السياسى للفلاحين كانا عاملين معوقين بشدة فى منع الثورة من الوصول للريف الذى لا ينفرد بهذه السمة .. فهى منتشرة فى كثير من دول العالم.

-من هنا كان توسيع نطاق الانتفاضة وتعميقها شرطا حاسما لنجاحها وبلوغ أهدافها.. ولا يمكن أن يتم ذلك دون قيام العديد من الثوار وممثليهم ومن القوى الثورية السياسية الناشطة فعلا بالعمل فى مناطق واسعة من ريف الدلتا والصعيد؛ (أى الاتجاه أفقيا ).. وبث الوعى ونشر خبرات الانتفاضة فى صفوف السكان والفلاحين وغيرهم (الاتجاه رأسيا) .. وهذا هو الضمان الحقيقى لعدم خنقها وحصرها فى المركز وهو أيضا صمام الأمان فى تحقيق أهدافها، وبدونه ستنحسر الثورة.. ويصبح القضاء عليها احتمالا واردا.

أزمة الثورة وانتخابات الرئاسة:

-ولأن جانبا كبيرا مما حدث فى أعقاب الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة تابعته مجموعة من النخب من القوى السياسية المنعزلة و مرشحى الرئاسة ولأنه لم يكن مقتصرا هذه المرة على جمهور المدن الكبرى ووصلت أصداؤه إلى عدد من عواصم المحافظات إلا أنه كان مستغرقا فى حركة على السطح ولم يجر توسيع رقعته وتأثيره نحو الريف.

وعموما فمثل هذه الأحداث الهامة تعتبر فرصة ثمينة لتعديل بعض المفاهيم السياسية البديهية المتصلة مباشرة بمصالح جمهورالريف ومنها على سبيل المثال صلة الأفكار الاقتصادية لتيار الإسلام السياسى بمبدأ وقانون الاصلاح الزراعى وعما يعلنه من تعارضه مع الإسلام.. وهو ما دعاها عام 1952 للمطالبة برفع الحد الأقصى لملكية الفرد من 200 فدان إلى 500 فدان؛ ليس هذا فحسب بل وتوزيع الأرض المصادرة من الإقطاع على الفلاحين الأثرياء بدلا من المعدمين.. فضلا عن موقف آخر لهذا التيار مؤيد للحزب الوطنى فى قانون الايجارات الزراعية 96/ 1992 الذى ألقى بمئات الآلاف من المستأجرين خارج أراضيهم المستأجرة.. وهو ما أفضى إلى  تشريدهم وهجرتهم من قراهم وهكذا..

-ومثل هذا النشاط يتطلب حركة فعالة وبأعداد كافية من النشطاء ليؤتى ثماره وإلا فإن قوى الثورة المضادة (مجلس العسكر، والحزب الوطنى، وفصائل الاسلام السياسى) ستتمكن من وقفه و محاصرة الثورة والقضاء عليها بعد ذلك.

-إن اتساع معسكر الثورة بضم قطاعات من السكان فى الريف والأقاليم.. سيدفع مجلس العسكر وفصائل الإسلام السياسى وأعضاء الحزب الوطنى إلى التقارب؛ وسيمثل خطر الثورة عليهم دافعا قويا لتلاحمهم برغم كل العداء المتبادل بينهم الآن؛ فعداؤهم الراهن ناجم عن تنافسهم على الغنائم وتقسيم الكعكة وضعف العدو ( الشعب) .. فإن تقلصت تلك الغنائم أو بدا فى الأفق إمكانية اختفائها.. بفعل النهوض الثورى للفقراء والمضطهدين ومشاركتهم فى مسار الثورة.. فسيتحول هؤلاء المتنافسون إلى جيش واحد ضد الثورة.

-إن التنافس بين قوى الثورة المضادة ليس نتيجة الغيرة.. أو بسبب عنجهية وتكبٌّر إحداها على الأخرى؛ بل هو تنافس على عرق الكادحين وناتج عملهم وكدهم.. ومن هنا سينقلب ذلك التنافس بينها إلى اتحاد وتلاحم للحيلولة دون هروب هذا العرق وذلك الناتج من بين أصابعهم .

-ولذلك فتوسع جبهة الثورة وفتح جبهات جديدة على قوى الثورة المضادة بضم الريف والأقاليم إلى المدن الكبرى من شأنه أن يشتت تلك القوى ويضعفها.. ويتيح الفرصة لتحقيق انتصارات ولو صغيرة عليها.. تكبر شيئا فشيئا مما يؤدى إلى إنهاك تلك القوى وكسرها.

-ومن زاوية أخرى فإن تلك الانتصارات الصغيرة التى تتزايد ستدرّب قوى الثورة فى الريف والأقاليم والمدن الكبرى على الصدام.. وتشحذ نصلها.. وترفع معنوياتها.. وهو ما يدفع قطاعات شعبية جديدة للانخراط فى الثورة.. ومن ثم يختل ميزان القوى فى المجتمع لصالح الشعب.. وفى المقابل تتداعى فصائل الثورة المضادة حتى تخور قواها وتتوقف عن المواجهة أوتعلن للاستسلام أو تلجأ للهروب من المعركة.

المخاطر المحدقة بالثورة:

-إن الثورة لا تسير فى خط مستقيم ؛ ولا تخضع لتوقعات تتم هندستها.. ولا لمجرد معطيات ظاهرة ؛ بل كثيرا ما تباغت أفرادَ معسكرها عواملُ غير منظورة أو بعيدة الاحتمال ؛ تقلب حساباتهم رأسا على عقب؛ ولذلك عندما ألقت محكمة جنايات القاهرة فى الثانى من يونيو 2012 بقنبلة الأحكام القضائية (على الطاغية السابق ووزير داخليته وزعيم سماسرته وأبنائه وقادة أجهزة الشرطة )..أعادت وهج الثورة إلى حالة أقرب ما تكون لأيامها الأولى ،وأحالت حالة الغضب والإحباط من نتائج انتخابات الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة – التى تصدّرها مرشحُ جماعة الإخوان المسلمين ومرشحُ العسكر- إلى انفجار جماهيرى جديد .. حبس أنفاسَ مجلس العسكر وبقايا الحزب الوطنى ليضع الشعب على عتبة استئناف ثورته من جديد.. لكن من مستوى أعلى.

-باختصار قلّبت أحكامُ قتل المتظاهرين والتربح من المناصب وتصدير الغاز لإسرائيل كلَّ المواجع على فئات الشعب المطحون المغدور به؛ وأيقظت النار من تحت الرماد ، وأّلهبت جولةَ الانتخابات الرئاسية الحاسمة.. ورفعت الاستقطاب الجماهيرى السياسى إلى درجات أكثر تحددا وأشد وضوحا.

-كما خلقت حالة من النشاط والتفاعل غير عادية.. اختلط فيها الإصرار على استمرار الثورة ؛ بالحنق على العسكر؛ بالاشمئزاز من المتأسلمين وبالذات جماعة الإخوان؛ بالرغبة فى تعريتهم وتقريعهم ؛ بتوافد النخب وبعض مرشحى الرئاسة إلى ميدان التحرير؛ بنوع من الفوضى الذى لا تستبين له معالم كثيرة.

-كان الإجماع على رفض تلك الأحكام والذهول من تناقضاتها وامتلائها بالثقوب مرافقا لضرورة تحديد موقف دقيق من الجولة الحاسمة لانتخابات الرئاسة.

-ولما كان الخيار المر بين اثنين من مرشحى الثورة المضادة ليكون رئيسا للدولة على الأبواب؛ وبدا وكأنه لا مفر منه؛ فقد انقسم جمهور الثورة تلقائيا بين راغب فى المقاطعة وآخر مفضلٍ لاسقاط مرشح الإخوان وثالث محبذٍ للتخلص من مرشح العسكر.

-هذا ولم يطرح أحدٌ ضرورة العمل على وقف الانتخابات ومنع إتمامها .

– وبينما كان مرشح الثورة الذى حصل على المركز الثالث فى الجولة الأولى قد رفض الانحياز لأحد المرشحين فور ظهور النتيجة واقترح مع آخرين تأسيس ما يسمَّى بالطريق الثالث .. وفى نفس الوقت يُعوّل من بعيد على صدور حكم القضاء باعتبار قانون العزل السياسى دستوريا .. ليتم بموجبه استبعاد مرشح العسكر ليحل محله فى السباق الأخير.. إذا بالمرشح صاحب الترتيب الرابع ( المستبعد فى وقت سابق من الجماعة ) قد أعلن تأييده لمرشحها وسعى بحماس واضح للحوار معه بِشأن ضمانات تقدمها الجماعة لمرشحى الثورة وللقوى السياسية والثوار للحصول على دعمهم لمرشحها ضد مرشح العسكر باعتبار الجماعة – من وجهة نظره – إحدى فصائل الثورة.

-هذا وقد اشترط بعض من النخب ضمانات محددة وُضِعت تحت اسم وثيقة العهد جرى الحوار بشأنها فى دوائر شتى متعددة ومتنوعة وانتهى بقبول البعض لها وبرفض الجماعة.. علاوة على اقتراح ” بمجلس رئاسى مدنى” بديل عن الرئيس.. وفى نفس الوقت تسربت أخبار غير رسمية عن رفض العسكر له وعن إبلاغهم ذلك لبعض الهيئات السياسية. وخلال يومين ( 3 ، 4 يونيو ) تمخضت المناقشات فى ميدان التحرير عن الإعداد لحشد مليونى فى يوم الثلاثاء 5 يونيو أطلق عليه مليونية العدالة يتم فيه التأكيد على رفض الأحكام القضائية المشار إليها ، وتشكيل مجلس رئاسى مدنى يقود الثورة.

محاولة العودة للميدان على وقع خطى الأزمة:

وكانت جماعة الإخوان قد وجدت فى ذلك الاحتجاج الجماهيرى الواسع على نتائج الانتخابات الرئاسية – والذى أشعلته الأحكام القضائية سالفة الذكر – وجدته فرصة لتقليص عزلتها الشعبية وقطيعتها الطويلة مع جماهير الثورة.. فإذا بقطات واسعة من الميدان يرفضها ويرفع شعاراته فى وجه مرشحها الذى لم يستطع البقاء فى الميدان سوى دقائق.

ملامح الأزمة:

وبقراءة سريعة للأحداث خلال هذه الفترة على ضوء ما عرضناه من ملاحظات عن ملابسات وأخطاء وأفكار واكبت الانتفاضة ؛ وتصور لتوسيع جبهة الثورة وتعميقها فى الريف والأقاليم وفى صفوف مهمشى المدن..تبدو لنا الصورة مقلقة حافلة بالمخاطر برغم البعث الذى أعاد الثورة لنا فى ثوب جديد:

1-    فلا زالت المدن الكبرى مركز الثورة دون مدد أو دعم حقيقى من محيطها ؛ بل ودون السعى لمنطق جديد وأساليب وأدوات جديدة تعالج الأخطاء السابقة والأفكار الساذجة وتوثق الصلة بين الميادين والمواقع وتوحد اتجاه الشعارات والأدوات المستخدمة ؛ وهو ما يجدد الخوف على مصيرها فى ظل الاستقطابات الحادة التى تجلت مؤخرا.. فليس المطلوب أن تبقى نابضة فقط .. بل عليها أن تتقدم واثقة الخطى نحوأهدافها .

2-    كذلك فالحركة تقتصر على النخب التى لم تدعم أغلبيتُها الثورة إلا بالمشاهدة قبل ذلك وتمثل هذا فى نقاشاتٍ جانبُها الأكبر مع جماعة الإخوان لم تسفر عن نتائج حقيقية ؛ بل أكدت الفكرةَ المعروفة عن دورها فى استخدام مثل هذه المفاوضات لصالحها ، بينما الجمهور مستغرقٌ فى حيرته منتظر للنتائج ويرفع شعارات ربما لاتفيد مثل ” معتصمون حتى تسليم السلطة لمجلس رئاسى مدنى” ؛ فهناك جولة انتخابات قادمة على الأبواب شاركت فيها الجماهير ولم تكتمل بعد .. ومن المنطقى أن يصر العسكر ومرشحهم على إتمامها وكذا مرشح الإخوان بعد رفض جماعته  فكرة المجلس الرئاسى المدنى.

3-    ويبدو أن الحوار الذى تم إجراؤه مع مرشح الإخوان ولم يجر مثيلُه مع مرشح العسكر؛ قد أكد تخوفنا  من الانطباع الذى قد تأخذه الجماهير عن اقتراب مرشح الثورة من مرشح الجماعة. وعموما فلقد أعفانا مرشح العسكر من مغبة البرهنة على عبثية الحوار مع كليهما؛ عندما أعلن موافقته المبدئية على” وثيقة العهد ” ؛ وهو ما يدل على أن الموافقة والرفض يستويان عنده؛ بل إن موافقته الشكلية عليها ورفض جماعة الإخوان لها ستصب فى صالحه أمام الجماهير ولن تمنعه كذلك من التنصل منها فيما بعد.

4-    الركون إلى والقبول بعناصر لا يمكن القطع بمناصرتها لجموع الفقراء من العمال والفلاحين ومهمشى المدن، بل إن انتماءاتها سياسيا وفكريا وارتباطها وجدانيا بجماعة الإخوان المسلمين معروفة حتى ولو لم تكن منخرطة بها تنظيميا.

5-    خلط الأوراق بين ممثلى الثورة وممثلى الثورة المضادة من الإخوان وما ألقاه  ذلك من ظلال على فهم الجماهير فى اعتبارهما شيئا واحدا، فضلا عما أضفاه الاستغراق فى الحوار أمام الرأى العام مع مرشح الجماعة ووسيط إخوانى الهوى لدى بسطاء الناس عن تقارب ما أو صلة بين مرشح الإخوان ومرشح الثورة ليست موجودة بين الأخير ومرشح العسكر ؛ وهو ما يوحى بعدم الممانعة فى التصويت لمرشح الجماعة مما يسئ لمرشح الثورة بشدة ؛ خصوصا وأن ممارسات وتصريحات أعضاء الجماعة فى الأقاليم لا تمل من الحيث عن ترشح بعض أعضاء الحزب الذى ينتمى له مرشح الثورة فى الانتخابات البرلمانية  الأخيرة على قوائم جماعة الإخوان.. وهو ما يتم ترويجه فى الريف لا لشئ إلا لدعم مرشحهم وذلك بطمس التمايزات بينه وبين مرشح الثورة.

6-    إن كل ممثلى القوى السياسية ومرشحى الرئاسة المتواجدين فى الميادين لا ينتمون لأحزاب جماهيرية .. ومن ثم فالتعامل مع جماهير الكتل التصويتية – مع تأييدنا له – يتضمن إمكانية تبديد الجهود المبذولة معها بعيدا عن بناء قوة ملموسة على الأرض داعمة للثورة وأهدافها.

7-    غياب سيناريوهات محددة لمواجهة تطور الأوضاع السياسية فى حالة نجاح مرشح الإخوان وعدم تمكن العسكر من ترجيح كفة مرشحهم ؛ واضطرار الجيش لمواجهة هذه النتائج بطريقته ، وتحديد الاحتمالات المتنوعة لمسلك العسكر فى تلك الحالة : بمعنى هل سيلجأ العسكر لانقلاب عسكرى صريح ؟ أم سيجبر تيار الإسلام السياسى على القبول بصيغة يفرضها كالعادة ؟ أم سينتظر ثم يقرر..؟ .

إن الالتزام الذى يجب أن يتبناه معسكر الثورة فى الوضع الراهن والاستقطابات التى استجدّت تضع أمامنا عددا من المهمات السياسية والتنظيمية والجماهيرية نوجزها في الآتى:

أولا : تحديد معسكر الثورة بدقة لا تقبل اللبس؛ وحماية مركز الثورة فى المدن الكبرى أفقيا بتوسيع جبهتها فى الريف والأقاليم وفى صفوف مهمشى المدن ؛ ورأسيا باستحداث أدوات وآليات تساهم فى تعميق الوعى بحريات وحقوق واحتياجات الجماهير وبمتطلبات وأهداف الثورة.

ثانيا :عدم اقتصار الحركة التى توجه معسكر الثورة على النخب؛ وألا تقنع بأن تظل حركة على السطح ؛ وأن تتشكل من عناصر موثوق فى ولائها وانتمائها لمعسكرها فكريا وسياسيا ، وتتجنب خلط الأوراق مع معسكر الثورة المضادة حتى فى أبسط الإجراءات والتصريحات.

ثالثا :الشروع فى بناء أشكال تنظيمية قاعدية فى مواقع الإنتاج والنشاط سياسية ونقابية واجتماعية من عناصر كفؤة ومختبرة ؛ وتوثيق الصلة بينها على النطاق القومى وتوحيد اتجاه شعاراتها وأدواتها.

رابعا :بدء حوار عاجل داخل ميادين الثورة وبينها وفى مواقع الإنتاج والنشاط للوصول إلى تصور عملى فيما يتصل بالموقف من الجولة القادمة للانتخابات الرئاسية ، ونتيجتها المحتملة والموقف منه حتى لا تفاجئنا بما لا نتوقعه أو بما لم نستعد له.

الثلاثاء 5 يونيو 2012

نشرت بتاريخ 6 يونيو 2012 على موقع الحوار المتمدن – العدد 3750

الطريق الثالث .. بين التزامات البناء الحقيقية.. ومراوحات النخب المصرية

طالعتنا وسائل الإعلام والصحافة الورقية والإلكترونية بكثير من التصريحات والأخبار والمداولات لبعض السياسيين والمرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية ضمت مقترحات تتعلق بالموقف من الجولة الثانية منها.

  • أحد هذه المقترحات يحث على الدعوة للتصويت لمرشح جماعة الإخوان المسلمين باشتراطات محددة عرضها ووافق عليها مرشح الرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح فى النقاط التالية :

1-    تشكيل جمعية تأسيسية برئاسة رمز وطنى  تتخذ قراراتها بـ 2/3 الأصوات.. يتم الإعلان عنها قبل جولة  الإعادة.

2-    مجلس رئاسى من 3 أعضاء ( الرئيس ونائبين) مع تحديد  صلاحيات النائبين من الآن.

3-    حكومة ائتلافية ترأسها شخصية مستقلة ووزراء السيادة بها من التكنوقراط وغير حزبيين.

4-     استقلال رئيس الجمهورية عن انتمائه الحزبى.

  • وبعض المقترحات الآخر يرى حل الأزمة الراهنة فى التوجه بعيدا عن( دعم أحد المرشحيْن أو بمعنى أدق إزاحة أحدهما من طريق الثورة ) أُطلِق عليه الطريق الثالث سواء جرى ذلك بإبطال الأصوات التى يتم الإدلاء بها أو بمقاطعة الانتخابات والاعتصام فى الميادين يومى الاقتراع .

لذا رأينا أن نعقب علي المقترحين بالذات مقترح االطريق الثالث الذى نرى أنه طرح مهم وجدير بالحوارحوله .

وفى البداية – وحتى نختصر المسافة – نحو الموضوع الرئيسى نسوق التقديرين التاليين مقدمة لحديثنا:

1-هناك فارق نوعى بين الاستجابة الفورية لبعض السياسيين و مرشحي الرئاسة الذين خرجوا من السباق لدعوة جماعة الإخوان المسلمين بشأن تحديد موقف مشترك فى الجولة الثانية من السباق وبين الامتناع عن تلبية الدعوة والاكتفاء بمداخلات إعلامية غير مباشرة.. فالاستجابة التى أولاها البعض للدعوة تعكس هرولة لا تخلو من مغزى يفصح عن ذيلية غير محمودة ورغبة فى البقاء فى المشهد الراهن بأى شكل.

2- فالحوار مع مرشح الإخوان أو حتى مرشح نظام العسكر ( الشيخ والجنرال ) هو رغبة فى الإبقاء على الحدود متداخلة والأوراق مختلطة بين كل الفرقاء عموما بين معسكرالثورة ومعسكر الثورة المضادة أيا كان الساعى للحوار ومهما كانت الهوية السياسية التى يخلعها على نفسه.

 فكل من المرشحيْن خصوصا مرشح الإخوان سوف يوافق فى الغالب الأعم على الشروط أو التعهدات المقترحة لتأييده فى الجولة الثانية من الانتخابات ليصل إلى المنصب وسيكون مستعدا لتعيين نواب  ورئيس وزراء ووزراء بل والذهاب إلى آخر مدى ( حتى التوقيع علي الشروط )؛ وبعد أن يحصل على المنصب  سيقول لمن فاوضوه: إن لكل حادث حديث .. ولكل وقت أذان.

-ولأن كل المتفاوضين الفعليين أو وسائطهم مع أىّ من المتسابقيْن على مقعد الرئاسة لا يستندون فى تفاوضهم إلى أحزاب جماهيرية وإنما فى أحسن الفروض يعتمدون على كتل تصويتية  فهم لا يملكون أدوات ضغط حقيقية على الشيخ أوالجنرال إذا ما تلاعب أو أخل بوعوده بعد حصوله على المنصب ؛ فالفرق  بين جمهور الأحزاب الجماهيرية بمناصريها وبين الكتل التصويتية كبير .. فالأحزاب الجماهيرية يقوم أعضاؤها والحلقة الأضيق من مناصريها بالتصويت بناء على تعليمات أو قناعة الحزب وقادته .. بينما الكتل التصويتية لا يمكن التحكم فيها لأنها فى واقع الأمر مجرد أفراد ..تشدهم حالة وقتية حماسية وليس رابطة حزبية دائمة ؛ فمن سبق له التصويت من تلك الكتل فى الجولة الأولى لمرشح يفضله أو يؤيده  ولم يحالفه التوفيق.. ليس من المؤكد أن يوافقه على التصويت لمرشح آخر ( غيره هو ) فى الجولة الثانية.

– كذلك فمن يحصل على المنصب – لو أوْفَى بتعهداته لمن تعهد بتعيينهم-  لن يلتزم ببقية أو بأغلب التعهدات التى تتعلق بالسياسة العامة التى سيتبعها ؛ بل وسيفرّغ كل تعهداته الأخرى من مضمونها .. وبمرور الوقت سيعمل على وضع كل العراقيل أمام هؤلاء المعينين لإزاحتهم إن شكلوا عبئا عليه ولن يُبقى عليهم فى مناصبهم إلا إذا تلوّنوا وانصاعوا لإرادته مستندا فى ذلك إلى الضغوط الجماهيرية التى يقوم بها حزبه .. (هذا فى حالة الشيخ ) ؛ أو معتمدا على الضغوط والسلطات المخولة للمجلس العسكرى أو التى تقوم بها أجهزة الدولة المناوئة والتى لم يتم تطهيرها ( فى حالة الجنرال ) ، ولن يستطيع المعينون الصمود والمقاومة لسبب بسيط هو عدم استنادهم إلى أحزاب جماهيرية قوية ؛ ولأن الكتل التصويتية التى ساندتهم فى الجولة الأولى للانتخابات لن تحميهم فى هذه الحالة – كما قد يتوقعون- خصوصا بعد أن يكون وضعهم قد اهتز بقبول المناصب وسمعتهم قد تلوثت بفعل الشائعات وعمليات التشويه المدروسة التى يطلقها الإعلام وتتولاها أجهزة الرئيس .

– كما لا يمكن التعويل على الالتزامات الشخصية أو الأدبية للرئيس فى تنفيذ مثل هذه التعهدات والوعود السياسية لأن الضمان المؤكد الوحيد هو الضمان الجماهيرى الذى يمثل الأداة الوحيدة للضغط إن تم الإخلال بالوعود ؛ وهو الضمان المفتقد لأنه يعتمد على كتل تصويتية وليس على شعب منظم هذا من ناحية.

 – ومن ناحية أخرى وعلى المستوى الشخصى فالشيخ  يقول الشئ ونقيضه فى ساعة واحدة وهو لا ينفرد بتلك النقيصة بل هى من مؤهلات الجماعة وتكاد تبلغ فى مكانتها حد كونها إحدى شروط العضوية ، وعلى المستوى الأدبى فالشيخ وجماعته لا يخجلون من تكرار هذا التناقض ( النقيصة ) فى ممارساتهم اليومية السياسية .. فكم من فضيحة تعرضوا لها لم تحرك لهم ساكنا وأقربها ( الإعلان الدستورى وما سبق وصاحب وتلا الاستفتاء عليه؛ والمادة 28 منه التى حصنت قرارات اللجان العليا للانتخابات من أى نقض أو مراجعة؛ والإصرار على الانفراد بتدبيج هيئة تأسيسية لكتابة الدستور ثم يأتى القضاء ويلغيها ؛ وقانون تجريم التظاهر؛ وعمليات السب العلنى للعديد من شباب الثورة ).

فهل يمكن الثقة في رئيس يمثل جماعة زئبقية منغلقة ودموية طوال تاريخها ويمتلئ عقلها بأحلام الخلافة الإسلامية المتوهَّمة..؟!

-أما الجنرال فهو على المستوى الشخصى ألعوبان معدوم الثقافة ، و على المستوى الأدبى .. لا يرى جماهير الشعب المصرى حتى لو نظر ناحيتها ؛ ولا يحترمها أو يعتد بوجودها ؛ علاوة على أن ما يشكل معاييره وقيمه السياسية هو دوره أمام مجلس العسكر و رئيسه السابق الموجود بالسجن؛ ولا نستبعد أن يتوهم نفسه منقذ المجلس العسكرى من ورطته؛ ومخلّص النظام ورئيسه من الثورة ؛ ومغيث مئات الآلاف من رجال الأعمال من انتفاضة جياع تبدو فى الأفق ، فما يفلت من فمه من عبارات تشير إلى أنه ينظر لنفسه كبطل وكأكفأ من أنجبت المؤسسة العسكرية المصرية من سياسيين ؛ و يلعب بالبيضة والحجر فيشارك صباحا فى الإعداد لمعركة الجمل وفى المساء يُطْرى الثورة ويتحدث عن الثوار وأمثال هذا الجنرال عادة لا يخاطبون سوى مثلهم العليا من النخب العالمية فى واشنطون وباريس ولندن ويتقمصون شخصياتهم ويتبنون أفكارهم .. فهل يمكن لرجل على هذه الشاكلة أن يفى بتعهد واحد مما يُوهم به عديدا من أفراد النخب عبر تصريحاته الإعلامية.. أم أنه بمجرد ارتقائه المنصب سنجد أنفسنا أمام نمر جريح مراوغ متعصب وباحث عن الثأر ؟!

الطريق الثالث :

هذا ويرى عدد من السياسيين أن الطريق الثالث الذى تم الإعلان عنه مؤخرا – وكما فهمنا – يتشكل على الأقل من الكتل التصويتية التى أيدت مرشحى الثورة الأربعة مضافا إليهم مجموعة البرادعى ومؤيدى أبو الفتوح الذى حاور مرشح الإخوان وأعلن عن مقترحات دعمه المشروطة.

– ولأن ذلك الاقتراح كفكرة مجردة لا غبار عليه.

– ولأن هذا المسمى يعنى أنه طريق مغاير لطريقين آخرين كما يعنى أنه توجه مختلف عن توجه نظام العسكرالحاكم وعن توجه تيارالإسلام السياسى؛ أى أن له منابعه وله مصبّه ؛ ولا يمكن بأى حال أن يكون طريقا موازيا لأى طريق آخر.. علاوة على أن الإعلان عنه لم يتم إلا بعد تبلور الاستقطابات فى معركة الرئاسة الانتخابية.. وهو – بناء على التصريحات التى انطلقت بشأنه – طريق قيْد الإنشاء ؛ فلا يمكن أن يتأسس إلا بتحديد ملامحه العامة ومن هم الذين سيشقونه ويتخذونه طريقا للكفاح .. وهل الدعوة له فى البداية ستكون عامة أم  تتطلب شروطا محددة ؟

– ولأن شق هذا الطريق يعنى تشكيل هيئات سياسية دائمة حيث يمكن تحويل أجزاء لا بأس بها من الكتل التصويتية المتقاربة المشارب إلى أنصار حقيقيين بتنظيمها وانخراطها فى النشاط السياسى ومن ثم تساهم فى شق هذا الطريق عبر المعارك المتتالية ،  إلا أن تصور تنفيذه العملى هو المحفوف بالمخاطر ، فضمه لمجموعات متنافرة وغير متسقة من سياسيي النخب المعروفة منذ عقود ومن ثم لأنصارهم ومنهم عناصر لاتزال تعلن عن هويتها المرتبطة بنهج الإسلام السياسى الذى يتخذ طريقا اتفقنا على أنه يختلف عن الطريق الثالث ؛ فقد أوحى ذلك بأن الأمر لا يتعلق بتأسيس هيئات سياسية دائمة بقدر ماهو التقاء عرضى بينها أقرب إلى التنسيق أو التحالفات  الانتخابية.. وهذا فى الحقيقة ما نراه بعيدا عن مسمى الطريق الثالث.

ولأننا يجب أن نتعلم من أخطائنا ومما جرى قبيل المعركة الانتخابية برفض الدعوات التى اقترحت الالتفاف حول مرشح واحد للثورة فى حالتين كان المرشح حمدين صباحى طرفا فيهما ..فإن السؤال التالى يطرح نفسه علينا بإلحاح: هل تجمّعُ هؤلاء تحت ضغط الأزمة سيساهم فعلا فى شق طريق جديد مغاير لطريق النظام وطريق الإسلام السياسى؟ وهل تلاشت الآن الدوافع التى أدت لافتراقهم فى البداية ؟

لا أجد لدى إجابة شافية عن السؤال غير” أنى لست مطمئنا للمقدمات التى دفعت أصحابها للإعلان عن مبادرة الطريق الثالث”.

فالطريق الثالث الذى أفهمه استنادا للملابسات التى أدت للإعلان عنه فى هذا التوقيت يُشيّدُ على أساس تبنى الجماهير والتفافها حول أفكار واضحة ومحددة :

  • حول دولة مدنية غير دينية ؛ دولة مواطنة ؛ لا تمييز فيها بين أفرادها.. وليس حول أفكار متباينة تجمع خليطا من طريقين استنادا إلى قوام من يتجمعون حول هذا الطرح.
  • وحول دولة ديمقراطية برلمانية.. لا تدار من وراء ستار بمؤسسة العسكر ( استنادا إلى تصريح يرى إمكانية الاستعانة برئيس مجلس العسكر) ، ولا يتحول فيها البرلمان إلى هيئة تنفيذية متعددة الامتيازات الخاصة، ولا يطْبِق على أنفاسها رئيس كلى الجبروت فائق الصلاحيات بونابرتى النزعة أو ميكيافيللى الفلسفة والأهداف والأخلاق.
  • وحول دولة تسودها قيم العدالة الاجتماعية الحقيقية والكرامة الإنسانية ..تكون اليد العليا فيها للشعب المنظم (غير المبعثر والمنفرط) ؛ ولا يرتبط مصير الشعب فيها بأفراد متعددى الأهداف والأهواء والمسارات.. بقدر ما تذوب فيه هذه النخب لتصبح متسقة معه وجزءا فاعلا من حركته.

ولأن الطريق الثالث الذى تتم المناداة به يتأسس على وهم الكتل التصويتية الخام دون فرز أى الكتل التى تذهب وتجئ .. والمعرضة للتآكل بفعل عوامل شتى منها :

–         الضغوط التى تمارسها القوى الداعمة لمن سيتولى منصب الرئيس .

–         ومنها التنافر السابق على بدء المعركة الانتخابية والفردية التى طبعت موقف المرشحين الذين رفضوا التوافق على واحد منهم .. ليس هذا فحسب بل إن التآكل سيلحق جانبا آخر منها

–         نتيجة تصويت بعضها لمرشح الإخوان بحكم انتماءات ذلك الجانب الأيديولوجية أو عدائه للعسكر فقط وليس لقوى الثورة المضادة جميعا .

–         وتصويت بعضها لمرشح العسكر بحكم عدائه للإسلام السياسى .

–         واعتكاف بعض ثالث فى منازله إحباطا وسأما.

إن الكتل التصويتية يمكن أن تدفع مرشحا إلى مقدمة الصفوف  لكنها لا تضمن دعمه فيما بعد إلا فى حالة من اثنتين :

الأولى : هو بقاؤه على مبادئه وعلى مصداقيته فى تنفيذ وعوده .

والثانية: هى كونها أعضاء فى حزبه السياسى .. وفى هذه الحالة تسمى  كتلة حزبية مناصرة أكثر منها كتلة تصويتية.

كذلك فالكتل التصويتية يمكن أن تشكل مدخلا هاما لدعم دائم لمرشح أو لتيار سياسى بعينه فى حالة التقاطها وهى ساخنة والعمل على تنظيمها بعد فرزها وتوثيق صلتها بالنشاط السياسى.. أما إن تم التعامل معها باعتبارها كتلا تصويتية فحسب فسوف تبرد وتذوب ولا يمكن التعويل عليها  فى دعم من سبق وصوتت لصالحه بنفس الأعداد.

لذلك فالطريق الثالث الحقيقى لا يبنى إلا بواسطة مجموعة متفقة أو متقاربة المشارب سياسيا منتمية شكلا وموضوعا لنفس الطريق يزيد ما يجمعها على ما يفرقها ؛ علاوة على أنها لا تبنى إلا على الأرض وفى كل أرجاء مصر وليس فى المدن الكبرى للثورة أو فى العاصمة وحدها.

لأنه كما قيل قديما .. “عندما يسير جمع من الناس فى اتجاه واحد يتشكل الطريق” .

الخميس 31 مايو 2012                                                             بشير صقر

 

 

الأزمة تمسك بتلابيب أطراف العملية السياسية فى مصر

الأزمة تمسك بتلابيب أطراف العملية السياسية فى مصر

تمهيد :

لا شك أن نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية  فى مصر قد وضعت جميع أطراف العملية السياسية فى أزمة حقيقية .. نظامَ العسكر وتيارَ الإسلام السياسى والشعب؛ لكن إمساكها بتلابيبهم قد اختلف من طرف لآخر؛ فنظام العسكر قد استنفد أهدافه ومبررات وجوده فى إدارة الحكم  ويبحث عن مبررات جديدة ؛ و الإسلام السياسى انكشفت أغراضه ومراميه وأدواته ومصداقيته فى الهيمنة على المجتمع ، أما الشعب فلا زالت أقدامه – رغم ما أنجزه فى انتفاضة يناير 2011 – لا تقوى على حمل رأسه المتخمة بالآمال والإمكانات والمواهب ؛ وبالتالى عرقلت قدرته على تحويل ما فيها إلى عمل حقيقى يزرع ويرعى ويحصد ويحمى آماله أو ما تحقق فى اتفاضته.

أطراف الأزمة:

1- نظام العسكر:

– وأزمة نظام العسكر الحاكم تتمثل فى أنه مواجه بثورة أطاحت برئيسه وعرّت مجلس جنرالاته الذى تولى الحكم فى 28 يناير 2011 فرفضه الشعب ؛ وما زال صدى أحد أقوى الشعارات التى دوّت فى أرجاء البلاد ” يسقط حكم العسكر” يؤرقه بشدة ؛ بعد أن أصم أذنيه شعار أهم ” الشعب يريد إسقاط النظام ” .

وفضلا عن استقبال الجماهير لممثله فى انتخابات الرئاسة بالأحذية أينما ذهب؛ اكتشف الشعب زيف الإجراءات التى استخدمها ذلك المجلس فى الانتخابات وتواطأت عليها لجنته العليا محتمية بالمادة 28 من الإعلان الدستورى سئ الذكر. وكان تناقض أعداد الناخبين فى كشوف انتخابات 2011 مع أعدادهم فى كشوف 2012 ؛ والبلاغات المقدمة للنائب العام من ضباط شرطة باستحداث ما يقارب المليون بطاقة هوية وانتخابية  لطلاب وجنود شرطة وجيش لا يحق لهم التصويت؛ وتصريحات عدد من المراقبين المحايدين حول التشكك فى نزاهة الرصد فى عمليات التصويت والزيادة فى أعداد المقترعين فى مايو 2012 عنه فى مارس 2011 .. بمثابة غارات إعلامية متربة  نالت من سمعة المجلس وعفّرت تأكيداته المسبقة عن نزاهة الانتخابات قُبيل أسابيع من موعد حدده بنفسه لمغادرة المسرح.

– من ناحية أخرى فرصيد الكراهية الشعبية للنظام فى مرحلة ما قبل 25 يناير 2011 مازال قائما بل وتزايد بحصيلة أخرى للخمسة عشر شهرا الماضية؛ بالذات فيما يتعلق بعمليات البلطجة و القتل والبطش والاعتقال ضد الثوار والاحتجاجات الشعبية المشروعة.

وهذا كله يخلق استحالات متصاعدة فى قدرته على الحكم فى المرحلة المقبلة بطريقة تغاير الطريقة القديمة ؛ و يفاقم أزمته ؛ ويصمه بعناد البغال وربما بالخَبَل لإصراره على استرداد هيمنته بنفس المنطق والوجوه التى استخدمها قبل ذلك وأزاحها الثوار جانبا وألقوا بها على الأرض .. لكنه الغباء الذى يُملى عليه اتّباع – ليس فقط – نفس الأساليب العتيقة بل و الوجوه المحروقة.

2- تيار الإسلام السياسى :

أما تيار الإسلام السياسى فأزمته أشد وإن كانت من زاوية مغايرة لأن :

أ – مواهبه وكفاءاته تجلت بأقصى طاقتها فى زمن سابق هو زمن كونه ” معارضا للنظام ” .. وبتعبيراتنا نحن [ زمن كونه (منافسا ) للسلطة الحاكمة ] ، فهو يتطابق معها فى برنامجها السياسى والاقتصادى وأغلب برنامجها الاجتماعى لكنه يزيد عنها فى رصيد آخر بالغ الأهمية هو عداؤه الصريح للمخالفين له فى الدين والعقيدة وفى موقفه من المرأة ومن الثقافة؛ فضلا عن تاريخه الدموى الذى يتجاوز الثمانين عاما  فى اعتماد العنف والدم والتكفير وسيلة وحيدة فى الحوار مع كل من يخالفونه الرأى.

ب- ولأنه – على طول تاريخ أقدم فصائله .. جماعة الإخوان- اعتاد أن يميل فى اتجاه الكفة الراجحة ومهادنة الحاكم  ومراءاته حتى يتمكن من دق أوتاده قريبا منه.. ليحالفه؛ وعندما يتمكن .. يشرع فى منافسة ندية معه أو فى إزاحته ، لكنه وبسبب قلة خبرته السياسية وحالة النشوة التى انتابته بعد إسقاط رأس النظام واحتلاله لأغلب مقاعد البرلمان وشعوره بقوة خفية تدفعه نحو تحقيق أحلامه التاريخية.. فقد اتزانه وارتكب عددا من الأخطاء أكدت لكثيرمن المراقبين وللعسكر أنه ليس قانعا – ولن يكتفى- بدور الشريك الأصغر فى اقتسام السلطة مع العسكر وشرع فى المناورة والضغط على المجلس العسكرى فى ( لجنة كتابة الدستور؛ وتنحية وزارة الجنزورى؛ والتعجيل بإجراء الانتخابات الرئاسية والدفع بممثل له فيها عكس ما تعهد وأعلن؛  وتعليق انعقاد البرلمان وأخيرا اللجوء لميدان التحرير) .

-باختصار عندما غادر مقاعد المعارضة.. وظهر على السطح انفضح فى خمسة عشر شهرا بقدر انفضاحه فى خمسين سنة سابقة بل وسَهُلت قراءته  لكثير من قطاعات الشعب.. وتلك هى إحدى إيجابيات الثورة التى لا يتنبه لها الكثيرون.

ولذلك فإن الجهد المطلوب بذله فى المرحلة القادمة لتعريته تماما مما كان يستره فيما مضى سيتضاءل مقارنا بمثيله الذى بُذِل فى فضح النظام الحاكم.

– ورغم المآخذ التى ذكرناها فهو يتميز– مقارنا ببقية أطراف الصراع السياسى- بامتلاكه لتنظيمات جماهيرية منتشرة فى الأقاليم والريف ، ويُعتبَر التصدى له فيها .. هو مربط الفرس فى حسم الأمر معه.

– ورغم أن هناك من الأفكار الأدوات والوسائل ما يُمَكّن من مواجهته بفعالية فى الريف مثل إبراز مواقفه القديمة من رفضه القاطع – ليس فقط – لقانون الإصلاح الزراعى بل ولمبدأ الإصلاح الزراعى باعتباره ضد الإسلام .. ومواقفه الحديثة – عام 1997 – فى تأييد الحزب الوطنى الحاكم فى طرد مئات الآلاف من مستأجرى الأرض الزراعية بقانون الإيجارات الجديد وإلقائهم على قارعة الطريق فريسة للتشرد والجريمة والبلطجة وجماعات العنف المسلح .. إلا أن اندلاع  الثورة وتركزها فى المدن الكبرى قد أبقى على وضعه فى الريف والأقاليم متماسكا ؛ ولم يتأثر بضربات الثورة الموجعة التى وجهتها جماهير المدن للنظام .

وعليه فجملة المعارك التى يتم خوضها ضد تيار الإسلام السياسى تدور فى غير ميدانها الأنسب وتجرى فى المدن بينما الأجدر أن تتركز فى الريف والأقاليم.

-والإسلام السياسى ضد الجموع ..ضد الجماهير.. وليس فى منطقه فى الحياة .. طرفان متكافئان.. بل طرف واحد يتحدّث ويأمر .. بينما الآخرون .. كل الآخرين مستمعون متلقون طائعون .. ويقومون بالتنفيذ حتى داخل تنظيماتهم.

– وهو ضد الأحزاب ( أحد شعاراتهم القديمة : لاحزبية ) : لأنه لا يرى ضرورة لأن يتحول البشرمن كائنات وحيدة متباعدة ومنعزلة إلى قوى إجتماعية متماسكة لها حقوق وحريات وأهداف ومطالب .. تمارس دوراً وتتمتع بوزن وحيثية ؛ فقط يرى أن يستخدم جزءا من هذه الجماهير ( أعضاء تنظيماته) فى قمع وإسكات وإرهاب الآخرين بل وقتلهم باعتبارهم يشكلون خطرا عليه إن تطلب الأمر ذلك.

-وهو ضد الآخر ( أحد شعاراتهم: لا شرقية ولا غربية) أى ضد الاتجاه للشرق الذى كان اشتراكيا ، وضد الغرب الذى يأخذ بأسباب الحياة الحديثة لا لسبب إلا لاهتزاز ثقته بنفسه يفضل الانكفاء على الذات ويخشى التواصل مع الآخرين ويتجنبه ؛ وهو لهذا السبب مع الانغلاق ويتأكد ذلك بالدليل العملى باستعراض التاريخ الاجتماعى للدول التى ترفع راية الأسلمة كالسعودية وأفغانستان وباكستان وهى نفس الدول التى يرتادها ويفضلها ذلك التيار.

– وهو من حيث الثقافة والأفكار والإيديولوجيا أقرب إلى المجتمعات الإقطاعية ؛ فهو اقتصاديا مع الإقطاع وضد الفلاحين خصوصا فى مصر ، وثقافيا ضد المرأة وضد عملها وتوليها المناصب السياسية والقضائية ؛ وضد الفنون والآداب والإبداع ، وسياسيا مع عقد الصلات القوية بالدول الديكتاتورية والرجعية والمعادية لشعوبها خصوصا ممن على شاكلته أو التى تتبنى أيديولوجية دينية ، ويمثل المذهب الميكيافيلى ( الغاية تبرر الوسيلة ) أهم أفكاره الفلسفية والسياسية وممارساته العملية.

– لكل هذه الأسباب مجتمعة عانى تيار الإسلام السياسى وتحديدا جماعة الإخوان منذ نشأته وحتى نهاية الأربعينات من العزلة وضعف الثقة فيه من الدوائر المحيطة ذات المصداقية العالية والاستنارة ولذا كان يركز نشاطه فى أوساط البسطاء ومعدومى الثقافة ويسعى دائما لعزلهم عن الاختلاط بالجمهور السياسى فى المجتمع  ويحرم عليهم الحوار معه أو حتى النقاش داخل الجماعة التى يحكمها مبدأ السمع والطاعة والمبايعة؛ ويتخذ مواقف غاية فى التشدد ممن يشعرون من أعضائه بأنهم اختاروا الطريق الخطأ.

– من ناحية أخرى ساهمت مصادرة الحريات السياسية منذ عام 1952 فى انخراط مزيد من الجمهور فى عضويته بالذات فى عهد السادات الذى سمح له بهامش من الحركة والنشاط لمواجهة الحركة الوطنية المطالبة بتحرير الأرض؛ كما لعب الفساد فى عهد مبارك دورا إضافيا مساعدا فى ذلك؛ بل وأسهم وضعه ” المعارض ” وكذا سياسات قمع النظام للمعارضين – فى ظل مناخ يجرم العمل السياسى- فى صعوبة اكتشاف الأجيال الجديدة  لمكامن الخطر فى مساره وأفكاره وممارساته التى لا يمكن اكتشافها إلا فى جو من الحرية والعلنية..وهو ما ظهر واضحا بعد انتفاضة يناير 2011 ..حيث توالت الانشقاقات والتصدعات والخلافات من مجموعات من الشباب والعناصر القيادية.

– لكن أزمة نوعية جديدة  فاجأت ذلك التيار بعد الانتفاضة ودفعت بعض فصائله لاستخدام خطاب يبدو مختلفا ويُظهِرُهم – من حيث الشكل وليس المضمون – كبشر متحضرين يسايرون العالم ولا يتناقضون معه ، ومع ذلك كانوا يتهمون كل من يكشف حقيقتهم وتخلفهم  بأبشع التهم .

 – وهذا التيار رغم الحمّى التى انتابته فى سعيه للقبض على منصب الرئيس – حتى لا يترك ثغرة ينفذ منها أعداؤه – يخشى من إدارة الدولة والمجتمع  بمفرده ولذلك يلوح بإمكانية الائتلاف مع قوى أخرى .. ويسعى لتقديم الرشاوى لمرشحى الرئاسة متوهما أن جميع البشر من طينته .. وهذا الفهم راجع لأسباب متنوعة منها كونه فقير فى الثقافة .. مسطح وجاهل ومتعصب .

3- الشعب:

أما أزمة الشعب فهى أزمة مركبة .. تتمثل فى كونه مبعثرا منفرطا لا تضمه تنظيمات حقيقية فعالة ومؤثرة تحدد أهدافه ومطالبه وأدوات كفاحه ؛ ولا تربطه إرادة واحدة ؛ ولا تجمعه وسائل اتصال سريعة وبعيدة عن عيون المتلصصين، وعليه فالفارق شاسع فيما يحدث بين أفراده المشتتين وما يحدث فى صفوف أعدائه (النظام الحاكم.. وتيار الإسلام  السياسى ).

-فالنظام الحاكم له منظماته وأجهزته المتنوعة ( الجيش ، الشرطة ، الإعلام ، البلطجة، وغيرها ) وتصل تعليماته فى أوقات الطوارئ إلى قيادات وقواعد تلك الأجهزة والمنظمات بسرعة بالغة ، ولا يستغرق  الحوار بشأنها أكثر من دقائق ليبدأ بعدها التنفيذ .

-ونفس الشئ فيما يتعلق بالغريم الآخر ( تيار الإسلام السياسى) الذى يتشكل من عدة فصائل ( الإخوان ، والسلفيين ، والجماعة الإسلامية ، والجمعيات الأهلية وغيرها التى تمثل واجهتها العلنية ، والمؤسسات الاقتصادية الممولة ، ونوبتجية المساجد والزوايا) وكل فصيل منها يضم هيئات أخرى أدنى ، فالإخوان لهم مكتب للإرشاد وآخر للشورى وأجهزة  مستقلة لفرق الكشافة  والاتصال ، والدعوة ، والتنظيم وغيرها بخلاف أهم الأجهزة وأعمقها سرية وهو الجهاز السرى المسلح الذى كان يسمى الجهاز الخاص.

وفى لحظات الأزمة لا يستغرق اتخاذ القرار أكثر من دقائق بعده يتحول إلى تعليمات وأوامر تنتقل إلى أقصى مكان فى مصر .

-أما الشعب فهو مجرد أفراد متناثرين لا رابط بينهم وما يجمع بعضهم هو علاقات شخصية فى معظم الحالات ، ولا تمثل الأحزاب والائتلافات والنقابات والاتحادات الجديدة أكثر من مئات أوآلاف معدودة أغلبها متنافر وشكلى ولا تجمعها إرادة واحدة ( جبهة أو تحالف أو حتى هيئة تنسيق )علاوة على كونها جميعا فقيرة ليست لها أية موارد تمويلية ، فضلا عن أنها وهو الأهم تمارس نشاطات طابعها الأبرز فى أغلب الأحوال طابع إحتفالي .

-ولتأكيد ذلك التبعثر نُذكّر بمحاولة قام بها عدد من المثقفين  لحث مرشحى الثورة الأربعة  فى انتخابات الرئاسة على اختيار أحدهم ليصطف الشعب حوله .. إلا أن المحاولة تعثرت سريعا ولم تسفر حتى عن التقاء المرشحين.. وتم رفض العرض من حيث المبدأ.

وما يدفعنا للقول أن الشعب فى مأزق حقيقى  هو أن العسكر قد أجبروه على اختيار رئيس من مرشحين أحدهما ممثل للنظام السابق البائد .. والثانى ممثل للنظام القادم العائد بالمجتمع إلى القرون الوسطى.

-ولعل تجربة الشعب المصرى الذى رفع شعار ( الجيش والشعب إيد واحدة ) وما تلاه من إعطاء تيار الإسلام السياسى 70 % من مقاعد البرلمان ؛ لعل هذه التجربة تفسر لنا أن أسباب الأزمة التى يعيشها الآن هى من صنع يديه .. صحيح أنه ليس مسئولا عنها بالكامل- لأنه عاش ستين عاما متصلة محروما من الحريات السياسية ولا يتناقش إلا فى كرة القدم  ومسلسلات التليفزيون حتى بلغ عزوفه عن النشاط السياسى وعزلته وإحباطه حدّ الاستهانة بتزييف إرادته فى كل الانتخابات والاستفتاءات التى جرت على مدى هذه الفترة- لكن الأمانة توجب علينا أن نعترف بها.

الاحتمال الأبعد.. والحل الأكيد :

-وفيما يتعلق بالخيارالصعب الذى يواجهه فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ؛ لا يوجد حل ناجع فورى يمكن اقتراحه .. اللهم إلا تأجيلها لأجل غير مسمى أو محدد إذا ما بارحت جماهير الشعب منازلها إلى الشوارع فى انتفاضة جديدة وهو أمر شبه مستبعد فى ظل المعطيات الموجودة على الأرض التى منها تعليق الأمل على حكم المحكمة الدستورية بشأن البت فى القانون المسمى بقانون العزل السياسى وما يمكن أن يسفر عنه من استبعاد مرشح العسكر وحلول مرشح الثورة مكانه، وما عدا هذا فسيظل الخيار الصعب هو الأمر الواقع الذى لافكاك منه .. وهو أن تجرى جولة الإعادة بين مرشحين كلاهما مرفوض.

ولذا يجب أن يهيئ  الشعب نفسه لمعركة طويلة فى مواجهة النظام القادم سواء كان رئيسه من رموز العهد البائد أو من مشايخ العهد العائد بنا إلى القرون الوسطى.. فأحدهما كان ضالعا فى قتل الثوار والآخر كان يشارك فى إجهاض الثورة ويتواطؤ على قتل الشعب وحرمانه من الاحتجاج والتظاهر المشروع مطالبا بحقه فى الحياة.

وحجر الزاوية فى ذلك هو أن يتحول شعبنا من مجموعة من الأفراد المبعثرين المشتتين الذين لا تربطهم رابطة إلى جيوش وكتائب وسرايا منظمة تنظيما مدنيا جيدا فى كل مدينة وشارع  وكل قرية ومصنع  وكل مؤسسة ونجع وكل جامعة وحقل ، وهذا هو الحل ” شعب منظم وواع .. وبرنامج يحدد للرئيس ما نطلبه نحن وليس ما يراه هو “

هل كان مسموحا برئيس من معسكر الثورة ؟

-إن محاولة تولّى رئاسةَ البلاد مرشحٌ من معسكر الثورة لم تكن لتمر بسهولة ولا كان العسكر وتيار الإسلام السياسى سيسمحان به أصلا ، وحتى لو أن ذلك حدث فى الجولة الأولى.. لشن عليه مجلس العسكر والمتأسلمون حربا ضارية منعدمة الأخلاق مستخدمين فيها كل الأساليب والوسائل والأدوات التى لا يتصورها عقل.. فالعسكر يدافعون عن وجودهم ومصالحهم وعن مصالح كل المستحوذين على ثروات الوطن ؛ وتيار الإسلام السياسى  يظن أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من اقتناص الصيد الثمين الذى يحلم به  منذ ثمانين عاما  لذا لن يتركه يفلت من بين أصابعه .

– وبافتراض نجاح مرشح الثورة فى تولى المنصب فإن الحرب ضده وضد الشعب والثورة ستكون أشد ضراوة من كل ما شهدته شهور الثورة .. بالذات وهذا المرشح سيكون مرفوضا من اللاعبين من خلف الستار ( الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وعدد من دول الرجعية العربية فى الخليج ).

التمرين .. والمباراة :

وعليه فما جرى من أحداث الثورة خلال الخمسة شهرا المنقضية – فى رأينا – لا يعدو أن يكون بروفة للثورة القادمة ولا يزيد عن كونه مرحلة ( فرقة ) تدريب للشعب على فرز أصدقائه من أعدائه ومناصريه من منافقيه وحلفائه من خصومه ؛ ليس هذا فحسب بل والوعى أيضا بأن الجيش لم يصمت على الشعب فى انتفاضته العظيمة إلا ليتخلص من توريث الحكم ؛ ولم يصبر عليه عدة أسابيع بعدها إلا لتلطيخ سمعة المخلوع وأسرته فى الوحل حتى يتم التأكد من أن التوريث قد ولّى إلى غير رجعة ؛ وعليه فالجيش والشعب لم يكونا يدا واحدة وهو ما يجب أن يدركه الشعب ومن يروجون الأوهام عن حماية الجيش للثورة.

-من جانب آخر يجب أن يعى الشعب أن التصويت لتيار الإسلام السياسى فى انتخابات البرلمان  كان خطأ فادحا أسهم فى الكثير مما نعانيه الآن؛ وأن يعى كذلك أن  ” أحمد .. زى الحاج أحمد .. زى الشيخ أحمد .. زى الشاويش أحمد ” كلهم ضد حقوق الشعب واستقلاله وكرامته وحرياته الأساسية وضد انخراطه فى العملية السياسية كعنصر فاعل ومحدد للكثير من أبعادها.

فهيا نستعد بجدية للمباراة القادمة مع أعداء الشعب من العسكر والمتأسلمين ؛ ولْتكن البداية مقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية .. والاعتصام فى الميادين يومى 16 ، 17 يونيو 2012 احتجاجا على ما يجرى .. ليشهد العالم جميعه أننا لم نلوث أيدينا باختيار مجرم أو خائن يحكمنا باسم الثورة.

                        الثلاثاء 29 مايو 2012                       بشير صقر

عن انتخابات الرئاسة المصرية

بعد نتائج الجولة الأولى: 

غضب وإحباط يعم أرجاء مصرمن النتائج غير الرسمية

أداء رائع لجماهير الثورة.. ونداءات بالاعتصام فى الجولة الحاسمة

بعد إعادة فرز الأصوات ..تسريبات إعلامية عن تغير النتائج الأولية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملحوظة هامة : استمعت بالصدفة صباح الإثنين- بعد الانتهاء من كتابة هذا المقال – لحوار تليفزيونى للدكتور نور فرحات على جهاز الكمبيوتر منقولا من قناة روتانا مصرية أنه بناء على معلوماته من مصدر موثوق – على صلة باللجنة العليا للانتخابات الرئاسية – بأن اللجنة قد توصلت إلى وجود تزوير فى أصوات مرشح العسكر ( صاحب المركز الثانى) ، وأنه يرى – بناء على تلك المعلومات – أن احتمال دخول مرشح الثورة حمدين صباحى جولة الإعادة صار مؤكدا بنسبة 99 % ، وإذا لم يحدث ذلك .. وبصرف النظر عن الإجراء الذى ستتخذه لجنة الانتخابات فى الوقت الراهن.. فإنه سيتم إلغاء انتخابات الرئاسة الحالية لو استكملت بدون صباحى لتجرى إعادتها فى وقت لاحق أيا كان المرشح الذى يتولى منصب الرئيس فى الانتخابات الحالية.

وهذا الخبر لا يغير شيئا من تقديرى للأمور لأنى بنيته استنادا إلى النتائج الأولية للانتخابات التى عرفها العالم منذ مساء الجمعة  25 مايو 2012 ولم تتغير حتى الآن .

         ______________

فور ظهور النتائج الأولية غير الرسمية للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية خيمت على قطاعات واسعة من الشعب المصرى حالة من الغضب والإحباط .. خصوصا بعد حصول مرشح معسكر الثورة على المركز الثالث الذى دعمه الفقراء والمستنيرون وبفارق ضئيل من الأصوات عن ممثل العسكربينما احتل مرشح تيار الإسلام السياسى مقدمة الترتيب.

وبات من المقرر – إن لم تحدث مفاجآت فى اللحظات الأخيرة قبل إعلان النتائج الرسمية – أن تدور رحى الجولة الثانية فى السادس عشر والسابع عشر من شهر يونيو 2012 بين ممثل الإسلام السياسى وممثل العسكروالنظام الحاكم .

  • وقبل أن ندخل فى الموضوع يهمنا الإشارة إلى أن التأخر فى إعلان النتائج الرسمية أكثر من يومين ونصف من الانتهاء من عملية فرز الأصوات لا ترجع فقط إلى إتاحة الفرصة للطعن فى أداء المرشحين والإجراءات التى اتبعت فى العملية الانتخابية  وكذا النظر فيها والتحقق من صحتها .. بقدر ماهو للنظر فى إدخال صاحب الترتيب الثالث ( مرشح الثورة ) فى جولة الإعادة لتتوزع أصوات الناخبين بين ثلاثة مرشحين لا بين اثنين وهو ما يدعم فرصة ممثل العسكر فى الحصول على المركز الأول دون الحاجة إلى تزوير فج اعتاد النظام عليه طيلة العقود الماضية؛ ومن ثم يتلافى الصدام المبكر مع فصائل الإسلام السياسى فى حالة اقتصار الجولة على مرشحين ( للعسكر والإخوان ) .
  • وكما هو متوقع سارع حزب الإخوان لممارسة عادته المرذولة فى استمالة كل من المرشح الناصرى ( الثالث فى الترتيب ) والمرشح الإخوانى المتلون ( صاحب المركز الرابع ) بعرض منصبى نائب الرئيس عليهما فى محاولة للحصول على دعمهما وعلى أصوات مؤيديهما فى الجولة الانتخابية الحاسمة.

ولما كان قبول المساومة من جانب المرشح الناصرى ( مرشح الثورة ) يمثل تبديداً لما حصده من تأييد شعبى فى الجولة الأولى وتدميراً لمصداقيته فقد رفض المساومة بشكل قاطع.

  • هذا وقد انقسم المؤيدون له لثلاثة أقسام : قسم يفضل مقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات وهو فى رأينا الموقف الصائب؛ بينما يرى قسم آخر ضرورة التصدى لتيار الإسلام السياسى لإسقاط ممثله الذى تعد إزاحته فيما بعد أصعب من أزاحة ممثل العسكر؛ أما القسم الثالث فيرى أن إسقاط ممثل العسكر والنظام الحاكم أهم وذلك – على الأقل – وفاء لدماء الشهداء.

وفى الحقيقة فإننا نرى أن التصويت لأى منهما يمثل سقطة سياسية شديدة لأنه يعنى موضوعيا تأييد السياسات والإجراءات وجملة الممارسات التى اقترفها كل منهما – على الأقل – طيلة الفترة من 25 يناير 2011 وحتى الآن وهى جميعا تمثل جرائم سياسية وجنائية تقع تحت طائلة القانون ؛ كما يعنى كذلك .. المشاركة فى المسئولية عن كل ما سيتم اقترافه من جرائم فى ظل رئاسته للدولة فى الفترة المقبلة.

من هنا نرى أن إعلان المقاطعة هو القرار الصحيح : أولا .. احتجاجا على ممارساتهما منذ بداية المعركة الانتخابية ؛ وثانيا .. لمواقفهما السياسية  طيلة الشهورالـ 15 المنقضية؛ وثالثا وهو الأهم .. لانحيازهما المباشر والموضوعى ضد تحقيق الأهداف التى رفعتها الثورة.

ويهمنا توضيح أنه لا يوجد شئ فى حجج مَن يريدون – مِن جمهور الثورة – المشاركة فى الجولة الانتخابية الثانية ( سعيا لإسقاط أىٍ من المرشحيْن ..وليس تأييدا للآخر ) .. لا يوجد شئ  يرجح كفة البراهين التى يسوقها طرف على كفة براهين الطرف الآخر.

  • الأهم من كل ذلك أن يستنكف الشعب عن المشاركة  فى الجولة الثانية ويعلن للعالم ولكلا المرشحيْن والقوى التى ينتميان لها أنه رافض للمشاركة فى هذه الجولة ولا يؤيد كلا المرشحين ، وتأكيدا لذلك يجرى الاعتصام طيلة يومى الانتخاب 16 ، 17 يونيو المقبلين فى الميادين الكبرى بعواصم المحافظات على طول البلاد وعرضها.

لماذا أرجأ العسكر الانتخابات الرئاسية إلى اليوم ؟ ولماذا أصر الإسلام السياسى على التبكير بها ..؟

  • لقد كانت خطة العسكر  بشأن الانتخابات الرئاسية تتمثل فى إجرائها بعد أن يذوق الشعب- الذى أيّد الثورة – عذابات غياب الأمن المتعمَّد وخطف الأطفال ومداهمة المنازل وسرقة السيارات والبنوك ؛ وارتفاع الأسعار واختفاء الوقود والغاز؛ وقتل واغتيال واصطياد الشباب بالرصاص وتحت عجلات العربات المصفحة ؛ وشمول الترويع  كافة السكان خصوصا الأقلية المسيحية تحقيقا لمقولة الرئيس المخلوع ” أنا أو الفوضى “، وهو ما يدفع الكثير من قطاعات الشعب لاختيار أحد رموز النظام السابق طلبا للأمن ” ولأن الثورة لم تحقق لها  شيئأ “.

بينما كانت رغبة الإسلام السياسى هى الإسراع بإجرائها بأقصى سرعة ممكنة  لاستثمار التأييد الشعبى له فى الريف وهو ما تجلى فى الانتخابات البرلمانية وأدى لحصد فصائل الإسلام السياسى  70 % من مقاعد البرلمان، ولو أجريت الانتخابات الرئاسية قبلها أو بعدها مباشرة لحصل على المنصب من الجولة الأولى، ولذلك كانت الانتخابات الرئاسية أحد مواطن الصراع الخفى والمعلن بين العسكر وفصائل الإسلام السياسى.. الأول يريد إرجاءها حتى يقول الشعب ” حقى برقبتى من الفوضى ” ؛ بينما يصر الثانى على الإسراع بها قبل أن تتبدد أوهام الشعب بشأن مصداقيته وخططه ونواياه، ورغم هذا البون الشاسع بين رغبة كل منهما .. فإنهما يتفقان تماما على ذبح الثورة والثوار واقتسام الغنيمة.

من هنا فإن مشاركة المؤيدين لمرشح الثورة فى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية لا تعدو أن تكون سباقا فى ترجيح كفة أحد ممثلىْ الثورة المضادة ضد الآخر.

وحيث تعمّد العسكر التلكؤ فى الإعداد لتشكيل لجنة كتابة الدستور لما بعد تحديد رئيس الجمهورية.. لكى يكون رئيسا غير محدد  الصلاحيات لبعض الوقت .. يجرى فيه التعامل معه بإحدى طريقتين:

– الأولى.. هى استخدامه فى وضع ضمانات بالدستور تحافظ للمجلس العسكرى على حقوق استثنائية وتتيح له التدخل فى توجيه دفة الحكم من خلف الستار.. وتقيهم من تدخل الأجهزة الرقابية فيما يتعلق بميزانية القوات المسلحة وإدارة الجهاز الاقتصادى العسكرى.. هذا إن كان ذلك الرئيس ممثلهم المباشر.

– والثانية ..هى أن تـرويض الرئيس وابتزازه والحصول منه على كل شروطهم سيكون أسهل وهو بلا صلاحيات مما لو كان بصلاحيات  محددة وواضحة.. وذلك فى حالة كون الرئيس أى شخص آخر .

من ناحية أخرى فإطالة المدة – فى تقدير العسكر – ستلعب دورا كاشفا  لممارسات فصائل الإسلام السياسى لفضح مصداقيته أما الرأى العام ؛ خصوصا إذا ما أتقن العسكر تدبير عدد من الحيل تكشف أهدافه – للسيطرة على الدولة – الخافية على الجماهير .. مثل قصة الإفراج عن نائب المرشد ومسارعة الأخير للإعلان عن ترشحه  للرئاسة والتى انتهت باستبعاده وتعرية مصداقيته.

ماهى أولى المهمات التى تفرض نفسها على رئيس يمثل الثورة..؟

بافتراض نجاح مرشح الثورة فى الفوز بمنصب الرئيس على حساب مرشح المجلس العسكرى ومرشح الإسلام السياسى سيكون أمامه خياران:

الأول: هو التوصل إلى صيغة تكفل انضواء المجلس العسكرى كجزء من أجهزة الدولة لسلطة الدولة والرئيس ، واتخاذ الإجراءات التى تكفل انصياع  فصائل الإسلام السياسى  لذات السلطة ؛ وتحرّم التمييز واستخدام الدين فى السياسة وتلزم كلا منهما ( المجلس والفصائل ) بقواعد من الطبيعى أن تختلف عما كان موجودا فى العهود السابقة.

والخيارالثانى : هو أن يكون الرئيس محصلة لتوازن محدد بين قوى ثلاث ( الشعب والمجلس العسكرى وفصائل الإسلام السياسى ) وهو ما يعنى إمكانية تعرض الرئيس والمنصب لهزات إذا ما تمردت إحدى هذه القوى ؛ كما أنه سيجعل وضع الرئيس ضعيفا إلى حد كبير بالذات إذا ما كانت صلاحياته فى الدستور ليست واسعة بالقدر الكافى أو محدودة وأيضا إذا ما كان الشعب مبعثرا وغير منظم كما هو واقع الحال.

الشعب المنظم .. أقوى..

فالشعب المنظم فى نقابات حقيقية متماسكة وأحزاب سياسية قوية ، واتحادات وروابط تضم كل الفقراء والمهمشين أو معظمهم من عمال وفلاحين وصغارموظفين وعاطلين ؛ وجمعيات تجمع المطالب والمصالح البسيطة لأعضائها لتشكل أهدافا كبرى للشعب.

هذا الشعب المنظم بتلك الكيفية يمثل سندا متينا وأساسا قويا لرئيس اختاره الشعب بنفسه عن قناعة .. ويشكل دعما حقيقيا له .. ليشرع فورا فى إعادة ترتيب البيت المصرى من الداخل .. وهى المهمة الأولى والحاسمة التى تفرض نفسها عليه.

أما إذا كان الشعب مبعثرا ومفتقدا لأحزابه ونقاباته واتحاداته وجمعياته وروابطه التى تعبر عنه تعبيرا حقيقيا ؛ وتجتاحه تيارات رجعية عديدة منظمة ومنتشرة فى كل أرجائه تبث سمومها وتعمق الفرقة والتمييز بين أفراده وجماعاته؛ وتتخلله مجموعات وعصابات من رجال العهد البائد فى كثير من مواقع الإنتاج والخدمات وقطاعات الدولة تمسك بمفاصلها وتتحكم فى توجيهها ضد مصالح الشعب .. فى هذه الحالة ستكون يد الرئيس الثورى مغلولة فى إعادة ترتيب الوضع الداخلى.. وتصبح مهمته فى إدارة المجتمع والدولة شبه متعثرة.

وبقراءة التجربة المصرية خلال الخمسة عشر شهرا المنقضية يمكن القول أن إعادة ترتيب الوضع الداخلى تتمثل فى الآتى:

1-    تطهير مواقع الإنتاج والخدمات وأجهزة الدولة من كل القيادات والعناصر الفاسدة المتغلغلة فى كل ثناياها.

2-    إعادة تشكيل جهاز الشرطة المدنية وأجهزة التحقيق القضائية والأجهزة الرقابية، وتصفية أجهزة الأمن وأجهزة القمع- وما أكثرهما – وإحلال أجهزة وقيادات جديدة محلها موالية للشعب والثورة.

3-    انخراط الشعب فى أحزاب ونقابات واتحادات وجمعيات وروابط ذات فعالية حقيقية .. ولا تكون مجرد أشكال لتخزين الجمهور.. أو محض أوراق وسجلات تضم أسماء بلا فعالية ولا مضمون ولا تأثير.

4-    دفع عجلة الإنتاج للأمام فى ظل تنظيمها الراهن فى قطاعات الإنتاج والخدمات تمهيدا لإعادة صياغتها فى أقرب فرصة بما يحقق أهداف الثورة ومصالح الشعب.

5-    سد جميع الثغرات التى كانت تستغلها قوى الثورة المضادة من العهد السابق ومن فصائل الإسلام السياسى فى عرقلة عجلة الإنتاج وتبديد الأمن ونشر الترويع بغرض توفير الحاجات الأساسية والمعيشية للشعب.

6-    تأسيس هيئة لاستقبال مطالب الفئات الاجتماعية والفقيرة أولا والنقابات والروابط وغيرها  ودراستها  وتحديد العاجل منها للاستجابة لها فى أقصر فترة زمنية.

ولأن نتائج الانتخابات الرئاسية ستكون قد عرقلت أو أرجأت – بشكل أو بآخر- مطامع العسكر وفصائل الإسلام السياسى فى السيطرة على الدولة والمجتمع وساهمت فى التقريب بينهما فإن صياغة علاقة آمنة مع القوات المسلحة تقى النظام الجديد من جملة الألاعيب المحتملة والمتوقعة التى مارسها العسكر منذ 11 فبراير 2011 وحتى الآن تغدو مهمة بالغة الأهمية لقطع الطريق على أية إجراءات أو تآمرات يحيكها العسكر و فصائل الإسلام السياسى منفردين أو مجتمعين .

  • ولأن الرئيس الذى اختاره الشعب لن يكون موضوعيا على مذاق وهوى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبعض دول الخليج العربية فسيكون ذلك الوضع عرضة للقلاقل والاضطرابات من هذه الزاوية ؛ فمصر بوزنها السياسى والاستراتيجى الجديد يمكن أن تخل بميزان القوى فى المنطقة إذا ما اختار الشعب رئيسا يثق فى رغبته وقدرته على تحقيق مطالب الثورة وأمانيها الوطنية على المستوى الداخلى والإقليمى والدولى.
  • وإيجازا للقول.. فإن ترتيب البيت المصرى من الداخل سيكون أولى المهمات أوالمعضلات وأخطرها أمام الرئيس الثورى التى تمثل شرطا حاسما لا يمكن الحديث دون وجوده عن السير نحو تحقيق آمال الشعب وأهداف الثورة ؛ وهذا الشرط يحتاج وقتا لا يمكن تحديده بدقة الآن  وربما يستغرق الجزء الأكبر من الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الثورى الجديد ، كذلك فإن ترتيب البيت من الداخل يختلف فى حالة وجود عدو واحد – كما كان الحال فى ثورة يولية 1952 وهو كبار الإقطاعيين ورجالات الدولة وأعوانهم – عنه فى حالة وجود عدوين أحدهما العسكر والحزب الوطنى الذى لم ينشط فى حياته قدر ما نشط منذ الثورة؛ والآخر هو فصائل الإسلام السياسى المتغلغلة فى الريف.
  • كما يختلف الأمر فى حالة كون الشعب منظم عنه فى حالة بقائه مبعثرا؛ لأن التنظيم فى حد ذاته سلاح فعال فى تماسكه وإحساسه بوزنه ودوره وفى استطلاع حركة القوى المعادية له وإمكانية مواجهتها وشل فاعليتها.
  • ومن هنا نعتقد أن أداء الشعب المصرى فى معركة الانتخابات الرئاسية .. رغم أية مآخذ عليه.. هو إنجاز حقيقى وجرس إنذار عالى الصوت لقوى الثورة المضادة .. بل هو الشئ الأعظم منذ اندلاع  ثورة ينايربجولاتها المتتابعة .. هذا من ناحية.
  • ومن ناحية أخرى فإن عمليات التزوير فى أعداد الناخبين وفى عملية التصويت وفى شراء الأصوات التى اقترفها العسكر وفصائل الإسلام السياسى لصالح ممثليْهما هو مُعْطى دائم من معطيات النظام الحاكم وليس بدعة جديدة؛ ومن المهم كشفها وفضحها ؛ لكن ليس من الحصافة استمرار الحديث عنها وترك المهمات الملحة دون إنجاز ؛ فالاختفاء من المشهد الانتخابى إثر حالة الإحباط المنتشرة لا يتناسب مع الأداء الشعبى الرائع فى الجولة الأولى من الانتخابات ولا يمكن هضمه دون الاستعداد لرد قوى فى جولة الإعادة يتمثل فى مقاطعة عملية التصويت وحث الجمهور عليها  والاعتصام فى الميادين طيلة يومى الاقتراع ورفع اللافتات التى تعلن للعالم استنكاف قطاعات واسعة من الشعب عن المشاركة فى اختيار رئيس من أعداء الثورة.. وليكن الشعار الذى ترفعه هو ( لن نلوث أيدينا باختيار رئيس يعادى الشعب وسنكافح ضده حتى يغادر).

أين يكمن الخلل فى معسكر الثورة؟

 

ولأن التبعثر لم يكن قاصرا على جموع الشعب .. بل كان يشمل كذلك معسكر الثورة من بعد إسقاط الرئيس السابق وانتهاء برفض مرشحى الثورة الأربعة الالتفاف حول مرشح واحد بناء على دعوة المئات من أصدقائهم ؛ فإن ذلك لو حدث لكان كفيلا برفع معنويات الشعب وإشعاره بضرورة التوحد سواء فى اختيار الرئيس أو فى رفض مرشحى الثورة المضادة بالدرجة التى تخلق تيارا شعبيا متماسكا واضح الاتجاه محدد الملامح قوى الأثر .. فضلا عن التزام ذلك المرشح بمهمات محددة لا يحيد عنها.

لقد كان التبعثر والانفراط هو الخلل الرئيسى فى معسكر الثورة فى الانتخابات الرئاسية عام 2012 ؛ وعموما فإن المرشح الذى صوت له الشعب وأوصله للمركز الثالث بين المرشحين الإثنى عشر- حسبما أجمعت كل الأخبار غير الرسمية المذاعة فى الصحافة وأجهزة الإعلام- لو تمكن من النجاح كان سيقضى وقته الأعظم فى مواجهة قوى الثورة المضادة  أكثر من قضائه فى الإعداد والتنظيم والنشاط والدعاية .. ليس لانتخابات قادمة بل لثورة قادمة خصوصا فى ظل جماهير مبعثرة وأوضاع مضطربة وهو ما يجب التنبه والاستعداد له .

إن مسار الثورات لا يعترف بالفشل والإخفاق ويعتبرهما جزءا من معالمه المنطقية ؛ بل يعتد أساسا باستئناف الكفاح بعد علاج الأخطاء  وسد الثغرات والتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف.

ولأن مواجهة أسباب الإخفاق والتقصير تتطلب منا أولا.. مغالبة النفس وأهوائها ؛ وثانيا .. تقويم أخطائنا وعيوبنا .. قبل أن نبحث عنها فى مسالك الآخرين وألاعيبهم ومؤامراتهم.

لذا لا ينبغى البكاء على ما جرى ولننظر إلى الأمام .. فالمستقبل هو الأجدر بالتفكير والتخطيط والاستعداد .. وربّ ضارة – كما يقولون-  نافعة..

صباح الإثنين 28 مايو 2012                                      بشير صقر

رسالة إلى الأصدقاء الأعزاء .. فى معسكر الثورة المصرية

 تعالوا إلى كلمة سواء بشأن الوضع المعقد والمتداخل الذى تعيشه مصر فيما بين جولتى الانتخابات الرئاسية ‘ فما أسفرت عنه الجولة الأولى للانتخابات قد وضعت جميع الأطراف فى مأزق حقيقى ؛ فحصانا الثورة المضادة ( المجلس العسكرى والإسلام السياسى) برغم عدائهما التاريخى للشعب والثورة –وبرغم مصلحتهما المشتركة فى التوافق وفى اقتسام الغنيمة – ” يقفان كل ٌفى مواجهة الآخر” ،  بينما الشعب وقوى الثورة والثوار فى موقف لا يحسدون عليه بشأن عملية التصويت المرتقبة فى الجولة الثانية للإنتخابات.

–          فالمجلس العسكرى استمات وتفنن فى إيصال ضابط جيش ورئيس وزراء من العهد البائد وشخص ليس فوق مستوى الشبهات إلى جولة الإعادة  وهو بذلك يتحدى الشعب ويخرج لسانه للثورة والثوار.

–          والإسلام السياسى ممثلا فى الإخوان المسلمين بالأساس وملحقهم من السلفيين والجماعات الإسلامية يشعر بشدة بتراجع التأييد الشعبى الذى سبق أن حصده فى الانتخابات البرلمانية، وبكراهية متزايدة له فى الشارع ، خصوصا فى المدن الكبرى ومن النخب السياسية والمستنيرين من قطاعات الشعب ومن المسيحيين .

–          وممثلو الثورة فى الانتخابات خرجوا من السباق استنادا لما أعلنته النتائج الأولية حتى مساء اليوم السبت 26 مايو 2012 ، وجمهورهم انقسم عدة أقسام : الأول: وهو القسم الأكبر .. يرى مقاطعة الانتخابات حلا لعدم التورط فى اختيار أحد مرشحى الثورة المضادة لكرسى الرئاسة ؛ والثانى: يرى التصويت لمرشح المجلس العسكرى باعتبار أن التخلص منه برغم دعم الجيش له أسهل – فيما بعد – من التخلص من ممثل الإسلام السياسى .. خصوصا وهو- أى شفيق – لا يستند إلى تواجد جماهيرى صريح فى الشارع على عكس ممثل الإسلام السياسى؛ والثالث: و هو الجزء الأقل.. يرى أن دماء الشهداء تحتم التصدى لممثل مبارك والجيش معا حتى لو أدى ذلك – وهو سيؤدى – إلى احتلال الإسلام السياسى لمنصب الرئيس.

–          والمأزق الذى يجمع حصانى الثورة المضادة يتمثل فى :

 

  • صعوبة مواجهة المجلس العسكرى لتحديات المرحلة القادمة لأنه سيواجه الشعب وجيوش الإسلام السياسى والتدهور الاقتصادى والأمن المفقود والاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين أوضاعها المعيشية .. ويراهن فى ذلك على استخدام ضابط قذفته الجماهير بالأحذية فى أكثر من مناسبة وتجتاح المؤسسة التى كان يديرها- شركة مصر للطيران – الاحتجاجات التى لا تتوقف.
  • أما الإسلام السياسى فإحساسه السابق بالزهو والانتشاء قد انقلب إلى إحساس بالخطر يتزايد بسرعة مدهشة وهو يجبن عن المبادرة باتخاذ إجراء واحد  مسكن لطمأنة الجماهير التى يزداد توجسها منه كل يوم ويسعى للحصول على منصب الرئيس تحسبا من انفراط عقده فى أية انتخابات قادمة ، ويتحايل على مرشحى الرئاسة برشاواه المعتادة بمنح مناصب ( رئيس الوزراء ونائب الرئيس ) لبعضهم ليستجمع من مؤيديهم ما يوحى للشعب أنه وبقية الجمهور فى جانب الثورة بينما المجلس العسكرى وممثله فى جانب آخر، وبرغم معرفة جماعة الإخوان بأن مؤيدى الإخوانى المتلون من السلفيين سيصوتون لها فى جولة الإعادة، وبأن ذلك المرشح الذى خالفهم سيعود لهم صاغرا طالبا الصفح..  إلا أنهم لا يطمئنون لذلك فربما يستنكف السلفيون أو يستنكف بعضهم ويقاطعون جولة الإعادة . وهو ما يدفعهم لمحاولة استمالة المرشح الناصرى الذى حصد تأييدا واسعا غير متوقع على حسابهم بالأساس.. ولأنهم يدركون جيدا أن قطاعا كبيرا من مؤيديه لا يمكن استمالتهم حتى ولو استمالوه شخصيا فقد شرعوا فى دعوة مرشح النظام السابق عمرو موسى ليعدوه بمنصب إذا ما وافق على دعمهم  نكاية فى مرشح الجيش الفريق شفيق ..
  • هذا ولا تقتصر استمالة الجماعة  لمرشحى الرئاسة -الذين خرجوا من السباق –  على اقتناص الأصوات الانتخابية فى الجولة القادمة بل إن الرعب من تولى أمور الدولة وإدارة البلاد منفردة هو أحد تلك الأسباب .. ويقف خلف اهتزاز أعصابهم واضطرابهم .. ليس لكونهم يفضلون مشاركة غيرهم لهم فى الحكم بل لأنهم لا يستطيعون القيادة ؛ ولأنهم يصرون على الاستحواذ على كل مؤسسات الدولة – كما هو مخططهم – فهم يتخبطون بشكل مستمر ..وواقع الحال أنهم فى حالة من الاضطراب والتخبط لم يعاصروها من قبل..  خصوصا وأن المجلس العسكرى يقف لهم متربصا غير آمن  لهم بعد أن أوقعهم فى مصيدة حاكها باقتدار بالإفراج عن نائب المرشد والانتظار مترقبا لرد فعلهم ، فإذا بهم ” يلحسون  ” تعهدهم الذى قطعوه على أنفسهم ” بتعففهم “عن الترشح لمنصب الرئيس.. وهو ما انتهى باستبعاد نائب المرشد من قوائم الترشيح .. وبذلك جردهم- المجلس العسكرى- من ملابسهم وتركهم دونها أمام الرأى العام . ونعتقد أن سيناريو الانتخابات الجزائرية ماثل أمامهم .. وهم يقدمون رجْلا ويؤخرون أخرى خوفا من تكراره فى مصر وهو ما سيكون أشد دموية إذا ما تجاوزوا الحدود التى وضعها لهم المجلس العسكرى خصوصا بعد أن بدأ الانفضاض عنهم يتخذ سمات إجرائية وعملية.

 وقد يتساءل البعض هل من الممكن أن يحدث ذلك السيناريو.. بينما هما فرسا  رهان الثورة المضادة وقادتها..؟ والرد على ذلك يتمثل فى: أن محاولات الشركاء فى اقتسام الغنائم لا ترتضى عادة بقسمة عادلة بل تتحقق استنادا إلى ميزان القوى وإلى وقائع التاريخ التى تؤكد أن الجيش لا يقبل بالندية .. بل يملى الشروط ويرسل التعليمات حتى لشركائه.. خصوصا إذا ماكان هؤلاء الشركاء من محدثى النعمة وأصحاب الأيادى المرتعشة .

  • أما عن معسكر الثورة  فعلى الرغم من صعوبة موقفه هو الآخر فإنه يستطيع أن يستأنف الكفاح ضد المجلس العسكرى وضد تيار الإسلام السياسى.. حيث أن جملة الأحداث التى انخرط فيها طيلة الخمسة عشر شهرا المنقضية تشحذ نصله وتصلّب عوده وتقوّى شوكته وترفع وعيه وتوسّع معسكره بالمزيد من النشطاء والمنخرطين، ولقد ظهر الكثير من الآراء والتقديرات خلال الساعات القليلة الأخيرة  تـرى أن تاريخ جماعة الإخوان على وجه الخصوص ملئ بالتحالفات التى انتهت بالغدر من ناحيتها؛ لذلك تتعالى الصيحات  من كل جانب منددة بالحوار معهم خصوصا من ممثلى معسكر الثورة فى انتخابات الرئاسة.. حتى ولو تمخض ذلك عن اتفاقات مكتوبة ، لأن ممثلى الثورة لا يستندون إلى أحزاب جماهيرية قوية موجودة فى الشارع ذات قواعد منتشرة فى صفوف الشعب وفى الريف على وجه الخصوص؛ وهو ما يفترق كثيراعن التأييد الجماهيرى الانتخابى .. وبالتالى فإمكانية التخلى عن تلك الاتفاقات والانسحاب منها من جانب تيار الإسلام السياسى وجماعة الإخوان تحديدا هى الاحتمال الأرجح.. على الأقل لأن برنامجهم يختلف فى كثير من الأسس والمنطلقات الجوهرية عن برنامج وأهداف الثورة.
  • وعليه فإن الدعوة إلى مقاطعة الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية هى الأفضل فى تقديرنا من المشاركة لأنها تعنى – أى المقاطعة –  أن الشعب وقوى الثورة رافضون للمشاركة فى اختيار أحد ممثلى الثورة المضادة الذين قتلوا الثوار واستنكفوا عن تحقيق أهداف الثورة بل وتآمروا عليها ولعبوا أسوا الأدوار فى تردى الأوضاع الاقتصادية والأمنية وجرّموا وقمعوا احتجاجات الفقراء والجوعى والمظلومين وزوروا جميع الانتخابات والاستفتاءات التى جرت منذ اندلعت الثورة ، ولا زالوا يشكلوا مثالا رديئا ونموذجا سيئا يجب التخلص منه لتستأنف الثورة  مسارها حتى الانتصار.

 

               العاشرة مساء  السبت 26 مايو 2012                                          بشير صقر

عن جريدة الدستور الأصلى: أولى خطوات الإسلام السياسى لتصفية الحياة السياسية بعد توليه السلطة.. برلمان الإخوان والسلفيين يعد مشروعا للقضاء على المحكمة الدستورية


سياسيون: مجلس «الإخوان» تفوق على برلمان «المنحل» في تفصيل القوانين

الخميس 17 مايو 2012 – 11:59 صرحمة ضياء وإيمان البصيليمصر

 

رئيس برلمان الإخوان

برلمان «الأغلبية الدينية» تفوق على برلمان الحزب الوطني المنحل، وترزيته، في تفصيل القوانين.. هكذا اتفق العديد من السياسيين وممثلي الأحزاب، في تعليقهم، على مشروع القانون الذى تقدم به نائبان عن حزب النور السلفي، قبل يومين، لإدخال تعديلات على قانون المحكمة الدستورية، بما يجعلها منزوعة الصلاحيات وأحكامها مجرد رأي استشاري غير ملزم، في خطوة استباقية تحسبا لصدور قرار، من المحكمة نفسها، في يوليو المقبل، كما تشير التوقعات إلى حل البرلمان.. عضو المكتب السياسي لحزب المصريين الأحرار، أحمد خيري، وصف مشروع القانون -الذي ينص في أحد بنوده على أنه إذا قضت المحكمة الدستورية بحل مجلسي الشعب والشورى فإنه لا ينفذ إلا بعد انتهاء مدة عمل المجلسين- بأنه «فضيحة» ومهزلة بكل المقاييس، وقال «الإخوان المسلمون غلبوا الحزب الوطني، في تفصيل قوانين تخدم مصلحة الإخوان والسلفيين، وهو أمر غير مقبول، ولا يمكن السكوت عنه، ولا يمكن أن يسخِّروا البرلمان للتعامل مع أزماتهم مع القوى السياسية أو الحكومة، ومؤخرا القضاء».

 

«بجاحة وصفاقة سياسية».. هكذا وصف خيري لجوء برلمان الإخوان إلى تفصيل القوانين، وقال «علينا أن نتضامن كقوى سياسية بقوة مع المحكمة الدستورية العليا، حتى لا نسمح بتوغل البرلمان في مؤسسات الدولة بسبب خصومته السياسية معها.. وعن إلغاء رقابة المحكمة الدستورية العليا، على القوانين وتحصين القوانين التي يصدرها البرلمان بأغلبية 75% من الأعضاء، قال خيرى إنه أمر غير موجود في أي دولة بالعالم، فوظائف أي محكمة فيدرالية أو دستورية أن تفصل إذا كانت القوانين مطابقة للدستور أو مخالفة له، وهو ما يحدث قبل صدور القانون نفسه في عدد من الدول.

 

من جانبها، قالت القيادية في حركة كفاية والحزب الاشتراكي المصري الدكتورة كريمة الحفناوي، إن البرلمان أصبح يشرِّع من أجل فصيل وحزب الأغلبية، لافتة إلى أن تفصيل القوانين بهذا الشكل الواضح، لم يكن يحدث حتى أيام الحزب الوطني المنحل، بينما حذرت من توغل السلطة التشريعية في سلطة القضاء التي يجب أن تحافظ على استقلالها، لافتة إلى أن «الدستورية العليا» كان لها كلمتها الواضحة في إلغاء والتصدي لعدد من الكوارث، كإلغاء الحرس الجامعي وقضية الغاز وعدم خصصة التأمين الصحي وغيرها من الأمور التي حكمت «الدستورية العليا» بعدم دستوريته، قبل أن تطالب حزب الحرية والعدالة الإخواني، بأن يتقي الله ويشرع لأجل مصر والفقراء والعدالة والحرية، وقالت بسخرية «ترزية الإخوان تفوقوا على ترزية عصر مبارك».

 

وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبى الاشتراكي عبدالغفار شكر، اعتبر أن مثل هذه الأطروحات لا تخرج عن إطار أفكار هُواة لا علاقة لهم بالعمل الدستوري والقانوني، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان حاليا تريد أن تقضى على الهيئة الوحيدة ذات المرجعية الدستورية في الدولة، ومن ثم تقوم هي بتفصيل القوانين على هواها، لافتا إلى أن كل هذه محاولات من التيار الإسلامي بأغلبيته البرلمانية لـ«التكويش» على السلطة في مصر، متوقعا أن لا تخرج هذه القوانين إلى النور، لأن الشعب المصري بأكمله سيقف ضدها، خصوصا أن الإعلان الدستوري والدستور المعطل يحظران صدور أي قانون إلا بعد الرجوع إلى المحكمة الدستورية العليا.

 

بينما شدد رئيس حزب الجبهة الديمقراطية السعيد كامل، على أن الإخوان مقبلون على مرحلة تفصيل قوانين لاحتكار السلطة لأنفسهم وإنتاج نظام ديكتاتورى جديد سيكون أسوأ ألف مرة من نظام مبارك، لافتا إلى أن نظام مبارك رغم كل ما كان به من عيوب ورغم ديكتاتوريته الشديدة فإنه لم يجرؤ على الاقتراب من القضاء ولا من المحكمة الدستورية العليا، داعيا القوى السياسية للمطالبة بحل البرلمان حتى قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا، لأنه، ومنذ الآن، يعد نواة خصبة لإنتاج نظام ديكتاتوري جديد.

Featuring WPMU Bloglist Widget by YD WordPress Developer