تمهيد:
عندما اندلعت انتفاضة الشعب المصرى فى 25 يناير 2011 لم يتوقع أكثر المتفائلين أن تفضى إلى جزء محدود من النتائج التى انتهت إليها حتى الآن؛ فقد انكسر جدار الخوف الذى بناه النظام الحاكم طيلة ستين عاما إلى غير رجعة وبات مؤكدا أن أسوأ النتائج المحتملة للإنتفاضة لن تعيد ترميم هذا الجدار مرة ثانية.
لقد أدرك الشعب المصرى الآن أن ما كان يحلم به لن يحققه سواه .. وأن بيت الشعر المعروف ” ما حك جلدك مثل ظفرك .. / .. فتولّ أنت جميع أمرك ” هو الحقيقة الساطعة وأهم الدروس التى خرج بها من هذه الانتفاضة.
لقد تعددت التحليلات التى تناولت أحداثها الدرامية سواء فى أيامها الأولى أو فيما تخللها من وقائع طيلة الشهور الستة المنصرمة.. وتمثلت القواسم المشتركة لتلك التحليلات فى الحقائق التالية :
*أن النظام الحاكم لم يزُل بكامله وأن أركانه الأساسية وسياساته باقية كما هى.
* وأن الإجراءات المتخذة لتحقيق مطالب الثورة لا تنتهى إلى غاياتها المفترضة أو المتوقعة .
* وأن الوجوه التى تطل على الجماهير من كثير من النوافذ هى ذاتها الوجوه القديمة أو وجوه جديدة قديمة . *وأن المنطق والروح السائدين فى أجواء مصر هما ذات المنطق والروح القديمة.
* وأن المتلمظين على اختطاف الثورة و ثمارها أكثر ممن تم إلقاؤهم خلف قضبان السجون من رموز النظام الحاكم .
* وأن الوصول إلى غايات الثورة بات مرهونا بمدى الاستمرار فى الحفاظ على وهج الانتفاضة والحرص واليقظة من جملة المتسللين إلى دفّتها ؛ والتعلم من كل التجارب التى خاضتها الشعوب فى ثوراتها القديمة والحديثة وبعد النظر والمثابرة على التزود بالخبرات العملية اليومية.
وحيث شاعت فى أوساط الثورة تقديرات شتى خلط بعضها بين التمنيات وبين قراءة أحداث الانتفاضة قراءة دقيقة بالنسبة لموقف المجلس العسكرى منها ؛ ولأن التداعيات اللاحقة لممارسات المجلس العسكرى مع كثير من فئات الشعب ورموز النظام قد أوضحت حقيقة لا تقبل الشك وهى أنه يكيل مكيالين وأن هويته كجزء من النظام – الذى رفعت الانتفاضة شعار إسقاطه- كانت غلابة .
كان من أبرزهذه الممارسات على سبيل المثال القبض على عدة آلاف من عامة الشعب وتقديم الكثيرين منهم لمحاكمات عسكرية صورية ومعاقبتهم بأحكام قاسية لا تفرق بين الثائرين والجوعى من ناحية وبين المأجورين أدوات النظام المهزوم من ناحية أخرى؛ فضلا عن التحقيقات التى أفضت للإفراج – رهن المحاكمة – عن قتلة الثوار .. والتلكؤ والمماطلة الواضحة فى محاكمة و تقييد حركة رءوس النظام ورموزه وحلفائه وتركهم أحرارا مما يتيح لهم ترتيب أمورهم وأوضاعهم القانونية وتهريب ثرواتهم.
لقد كانت الشواهد كثيرة على دحض مقولة دفاع المجلس العسكرى عن الثورة منها ما شاهدناه بعيوننا عصر الأربعاء 2 فبراير 2011 إبان ما اشتهر بموقعة الجمل ؛حيث كان بإمكان قوات المجلس العسكرى الحيلولة دون وقوع هذه المجزرة لكنها لم تفعل.. وهو ما يدفع بقوة تلك المقولة إلى الوراء ويُحل محلها- فى الصدارة – مقولة أخرى أدق هى أن المجلس العسكرى لم يتصد ّ للانتفاضة ولم يهاجمها .. وأيضا لم يدافع عنها ؛ لأن الدفاع عنها يكون بمنع دخول المناوئين القادمين من شارع جامعة الدول العربية إلى ميدان التحرير أى الفصل بين الفريقين وهو ما يعنى الحيلولة دون مهاجمتها والنيل منها.
وهذا يقودنا مباشرة إلى ما يشاع عن تبنيه لأهداف الثورة التى لم يتخذ مبادرة واحدة لتحقيق واحد منها .. تتراوح بين حدين : أحدهما تجاهل تلك المطالب .. والآخر هو التراجع أمام الضغوط التى يمارسها الثائرون فى الشوارع والميادين. وهذا ما يفسر من جهة أخرى انفراده بتشكيل الهيئة التى صاغت المواد المعدلة من الدستور الملغى وإصراره على إجراء استفتاء حولها ثم عودته لإصدار إعلان دستورى- من 65 مادة رغم أن الاستفتاء كان يقتصر على 9 مواد – كان من الممكن إصداره دون إجراء الاستفتاء المذكور.
كما يفسر موقفه من إصدار قانون الأحزاب الجديد وتجريم التظاهر والاحتجاج وعدم الموافقة على الميزانية العامة فى يونيو 2011 وعدم الأخذ بمقترح الضرائب التصاعدية على رجال الأعمال ورفضه رفع الحد الأدنى للمعاشات.. كما كان معروضا عليه إلخ.
الموقف الفعلى للمجلس العسكرى من أهداف الثورة :
يخطئ من يتصور أن المجلس العسكرى كان مجرد متفرج على وقائع عملية توريث الحكم التى جرت خلال السنوات الأخيرة أوأن موقفه كان يقتصر على مجرد الامتعاض ؛ فالحقيقة أنه كان مناوئا ورافضا للتوريث بشدة ؛ وكان الصراع بينه كجناح عسكرى فى النظام الحاكم وبين جناج رجال الأعمال ولجنة السياسات فى الحزب الحاكم محتدما ومكتوما.. وجاءت انتفاضة الشعب فى 25 يناير 2011 لتعفى الجناح العسكرى من مهمة إخراج هذا الصراع إلى العلن.. خصوصا بعد انحياز رأس النظام لعملية التوريث؛ علاوة على أن الانتفاضة جنبته مهمة- كان يتشوق إليها لأنها البديل الأفضل من الصدام – وهى فضح هذا الجناح الذى شارك بفعالية فى نشر الفساد والاستبداد وفى إفقار الشعب.
لقد حسمت الثورة- دون أن تقصد – ذلك الصراع المكتوم بين جناحى النظام الحاكم لصالح الجناح العسكرى ومن ثم فإن صمته وعدم تصديه لها لم يتم إلا لأنها جنبته هذه المهمة الثقيلة من ناحية .. ولأن سخط الشعب وانفجاره كانت له أسبابه الحقيقية القوية التى لا يمكن تجاهلها أو الوقوف بشكل صريح ضدها من ناحية أخرى.
كما أن تدفق عشرات الملايين إلى الشوارع وانضمام بعض ضباط الجيش من الرتب المتوسطة إليها كان نذيرا بأن مواجهة المجلس العسكرى- المتصورة – للانتفاضة سيكون ثمنها فادحا خصوصا على وحدة وتماسك القوات المسلحة.
والمجلس العسكرى كجزء هام من النظام لا يوافق على إسقاطه وإنما يرى تشذيبه واستبعاد أكثر مسببات الثورة الشعبية تأثيرا وأبرز مظاهر استفزاز الشعب ، ولن نستدل على ذلك باستعراض حالات الأنظمة التى تفجرت فيها ثورات شعبية واستأثر بها العسكر ؛ بل سنتتبع عددا من الممارسات التى جرت فى مواجهة الشعب الثائر وعلى وجه التحديد فى أوساط الفلاحين لندلل على تقديرنا فى هذا الأمر.
الفلاحون والثورة والمجلس العسكرى:
بمجرد أن فجرها الشباب شارك كثير من قطاعات الشعب المصرى فى هذه الثورة كالعمال والمهنيين والعاطلين والمهمشين باستثناء الفلاحين الذين شاهدوها على شاشات الفضائيات ولم يشرع بعضهم فى المشاركة إلا منذ 14 فبراير عقب سقوط رأس النظام؛ ومعظم من شاركوا تركزت مشاركتهم فى استرداد أراض كانوا يزرعونها واغتصبت منهم بوسائل متنوعة على مدى الخمسة عشر عاما الأخيرة وخصوصا منذ تطبيق قانون الإيجارات الزراعية الجديد ( 96 / 1992 ) فى أواخر عام 1997 .
وفيما يلى نعرض ثلاثة نماذج متنوعة فى ثلاثة محافظات توضح دور الفلاحين من جانب وموقف المجلس العسكرى فضلا عن موقف الشرطة من جانب آخر:
أولا : محافظة البحيرة :
فى قرية العمرية مركز دمنهور
*احتال رئيس مباحث أمن الدولة بالبحيرة على ثلاث عائلات بالقرية منذ عام 2005 وحتى 2010 واغتصب منهم 21 فدانا بنى فى جزء منها قصرا ومخزنا لأنابيب الغاز بالمخالفة للقانون وسجلها باسم والدته فى الجمعية الزراعية استعدادا لبيعها كأراض للبناء؛ ورغم تصدى بعض الفلاحين له إلا أنه أجبر معظمهم على الخضوع وساوم البقية.
*وإبان الثورة وبعد انكسار أجهزة الشرطة وهروبها أراد جنرال أمن الدولة أن يتخذ ضد الفلاحين إجراءا استباقيا لترويعهم وإشعارهم باستمرار جبروته فأرسل لهم تجريدة مسلحة من بعض رجاله والخارجين على القانون فى 14 فبراير 2011 داهمت القرية وأطلقت النار فى كل اتجاه إلا أن تجمهر الفلاحين من القرية والقرى المجاورة ألقى الرعب فى قلوبهم ودفعهم لتوجيه الرصاص للفلاحين فأصابوا بعضهم وهنا هاجمهم الفلاحون فلم يجدوا مهربا سوى إشعال النار فى القصر والانسحاب خلف ساتر الدخان وطلقات الرصاص ووجدها الفلاحون فرصة لاستعادة الأرض التى اغتُصبت منهم .
*فى اليوم التالى أرسل الجيش أحد ضباطه للمعينة فاستقبله الفلاحون بترحاب وأطلعوه على ماحدث وودعوه وداعا حارا.
*فى 7 مارس 2011 تقدم والد جنرال أمن الدولة ( وكان هو الآخر جنرالا فى القوات البحرية) بشكوى لرئيس أركان القوات البحرية يدعى فيها قيام البلطجية باغتصاب أرض زوجته وحرق قصرها وسرقة مخزن أنابيب الغاز وحصل منه على خطاب توصية لأحد أعضاء المجلس العسكرى للاستجابة لمطالبه .
*فى 22 مارس 2011 قامت قوة من ” سرية إعداد الدولة للحرب ” التابعة للمنطقة العسكرية الشمالية بالإسكندرية باصطحاب الشاكى ومعها بعض السيارات العسكرية وعدد من مساعدى إبنه فى أمن الدولة وبعض أقاربه يعرفهم الفلاحون وداهموا قرية العمرية مطلقين الرصاص فى كل اتجاه وشرعوا فى القبض العشوائى على الفلاحين الذين أيقنوا أن هؤلاء جميعا من رجال ضابط أمن الدولة – أتوا هذه المرة متنكرين – وليسوا من قوات الجيش التى سبق أن عاينت موقع الأحداث؛ لذلك تصدوا لها بالتجمهر والهتاف.
*قدمت النيابة العسكرية خمسة فلاحين للتحقيق والمحاكمة ؛ وفى بحر 48 ساعة عاقبت أربعة منهم بالسجن 5 سنوات والخامس بالحبس سنة؛ ولم يتمكن دفاع الفلاحين من الدخول لمقر التحقيق ولا من قراءة محضر التحقيق ولا المرافعة عنهم فى المحاكمة ، بسبب الألاعيب التى جرت معهم من النيابة العسكرية.
ويجدر بالذكر أن أحد الفلاحين الأربعة كان موجودا فى ليبيا من عام 2008 حتى 21 فبراير 2011 أى أنه كان خارج مصر فى تاريخ الواقعة التى حوكم بسببها ( 14/2/2011 )؛ أما الثانى فهو خفير نظامى يتبع وزارة الداخلية وكان فى نوبة عمل فى توقيت الأحداث ولا يصح قانونا محاكمته أمام محاكم القوات المسلحة؛ والثالث كان فى نوبة عمل فى أحد الأفران بمدينة دمنهور، بينما الرابع كان مصاحبا لأحد الفلاحين المصابين برصاص المعتدين ( رجال ضابط أمن الدولة ) فى المستشفى ومركز الشرطة ، أما الخامس فهو كهل مريض بالكبد والسكر والقلب.
*الأهم من كل ذلك أن التحقيقات لا تتضمن أقوال شاهد واحد تدين الفلاحين باستثناء أقوال الشاكى الذى لم يكن حاضرا فى معركة 14 فبراير 2011 علاوة على أن المعركة كان بها عدة آلاف من الفلاحين ومضت عليها خمسة أسابيع .
*كذلك فقد تجاهلت النيابة العسكرية محضرا للشرطة يخص أحداث 14 فبراير قدمه الفلاحون لها واستبعدته عمدا من ملف التحقيقات، والمحضر يثبت أن للموضوع مقدمات كثيرة منظورة أمام القضاء المدنى- ويضم تحقيقات لتعديات سابقة ضد الفلاحين ونسائهم وترويعهم بالبلطجية وإصابة بعضهم بالرصاص- ولا يصح قانونا تدخل القضاء العسكرى فيها.
لقد تم القبض على هؤلاء الفلاحين البسطاء دون جريرة ارتكبوها بسبب توصية رئيس أركان القوات البحرية مجاملة لزميل سابق له ؛ بينما كان رموز النظام أمثال زكريا عزمى وصفوت الشريف وفتحى سرور طلقاء ولم يتم تقييد حريتهم ومحاكمتهم بعد.
ثانيا : محافظة الإسكندرية :
فى عزبة حوض 13 بمنطقة المعمورة
* فى عام 1963 تسلم سبعون فلاحا بالعزبة المذكورة مساحة 186 فدانا بنظام التمليك المقسط من الهيئة العامة للإصلاح الزراعى بعد بحث حالتهم الاجتماعية . ومنذ أوائل السبعينات بدأ أحد أعضاء مجلس الشعب عن الدائرة التى تقع ضمنها العزبة المذكورة فى تنفيذ خطة شيطانية بمشاركة بعض موظفى الجمعية الزراعية للإصلاح الزراعى بالمنطقة وعدد من ضباط شرطة قسم ثانى المنتزة أسفرت عن طرد 36 فلاحا من الأرض واحدا بعد الآخر.. رغم أنه قام بالتوقيع على استمارات بحث حالتهم الاجتماعية التى تسلموا الأرض بموجبها .
*ويفيد الفلاحون أن عضو مجلس الشعب كان يبيع الأرض المذكورة قطعة قطعة بعقود بيع عرفية لآخرين بعضهم من المنطقة.
*وفى عام 2008 وبالمصادفة اكتشفوا أن البرلمانى المذكور- بعد طردهم من الأرض- كان يدفع أقساط تملّك الأرض لهيئة الإصلاح الزراعى يأسمائهم وهو ما يعنى أنه طردهم منها وحل محلهم فى دفع الأقساط فقاموا بشكايته، وكالعادة لم تسفر شكاواهم عن نتيجة فى ظل نظام حكم يعادى الفقراء.
*بعد ثورة يناير 2011 واستنادا لما اكتشفوه – ولكون الأرض مازالت فى سجلات الإصلاح الزراعى بأسمائهم – استردوا جزءا من هذه الأرض ( حوالى 40 فدانا ) وقاموا بإخطار الجيش بما حدث فى السابق قبل استردادهم للأرض فاتخذ الجيش قرارا بمنع كل من الفلاحين أصحاب الأرض الأصليين وكذلك الذين اشتروها من عضو مجلس الشعب من النزول إليها إلى حين.
* بعدها مباشرة وفى 21 مارس 2011 دارت معركة – دبرها عضو مجلس الشعب- بين الطرفين أصيب فيها واحد من الفلاحين وسارع الطرف الآخر بإخطار الشرطة التى تولت التحقيق .
* ولحظة مغادرة الفلاحين لقسم الشرطة فوجئوا بمدرعة عسكرية وقوة من الشرطة العسكرية تقبض علي ثلاثة منهم – إضافة إلى محمود محمد مصطفى الذى كان قادما لتوه من مقرعمله فى مكان آخر – وتقتادهم للمنطقةالعسكريةالشمالية.
*تم تحويلهم للنيابة العسكرية مساء 22 مارس 2011 التى وجهت للمتهمين الأربعة تهمة غصب حيازة آخرين وفى بحر يومين كانت المحكمة العسكرية قد أصدرت حكمها بمعاقبتهم بالسجن ثلاث سنوات.
وتفيد هذه القصة بأن :
* تدبير خطة طرد الفلاحين من الأرض لا يمكن تنفيذها بهذه الدقة وإخفاؤها لمدة تتجاوز 30 عاما إلا بتكاتف عدد من الأجهزة منها هيئة الإصلاح الزراعى والجمعية الزراعية المختصة وقسم الشرطة وعدد
من المقيمين بالمنطقة المحيطين بعضو مجلس الشعب (الذى كان نائبا للدائرة لمدة 5 دورات متتالية.)
* أن الحاكم العسكرى للإسكندرية لم يهتم بمثل هذه الخطة الشيطانية وبطرد الفلاحين من أراضيهم بواسطة نائبهم فى البرلمان بالتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة بقدر ما اهتم بقصة رواها عضو مجلس الشعب – أو أحد رجاله- الذى استولى على الأرض وسعى للتخلص من المأزق الذى وقع فيه بالإيقاع بين الفلاحين أصحاب الحق فى الأرض وبين الذين باع لهم الأرض بعقود عرفية .
* بل وأقحم المواطن محمود محمد مصطفى فى الاتهام الموجه للفلاحين الثلاثة رغم أنه لم يشارك فى المعركة ولم يُحَقق معه بقسم الشرطة لا لشئ إلا لأن الخطة كانت تتطلب إقحامه بسبب ما يمتع به المذكور من سمعة طيبة بين أهالى العزبة باعتباره أحد القادة المناوئين للظلم ولما يمارسه عضو مجلس الشعب المدرب على قهر الفقراء وقمعهم.
وهو نفس ما حدث مع فلاحى قرية العمرية بحيرة من إجراء محاكمة شكلية ليس فيها دفاع أو مستندات أو شهود بل فيها خطابات توصية ومجاملات تتجاوز القانون والأعراف وحق الحياة للفقراء والمعدمين.
ثالثا: محافظة الفيوم :
فى قرى منشية ربيع وقلهانة مركز إطسا
رغم الخصوصية التى تطبع تربة الفيوم الزراعية مقارنة ببقية أرض الوادى وانخفاضها عنها؛ وتأثرها بما يترسب فيها بالتالى من أملاح ؛ واحتياجها إلى عملية غسيل مستمرة للتخلص من معظمها؛ واهتداء فلاحيها لزراعة لنبات الأرز – ونبات السمار قبل ذلك – لتحسين خواصها الكيماوية والفيزيائية حيث ساهمت زراعته – مع عملية الغسيل- فى تواصل زراعة الأرض واستمرار حياة أهلها.. رغم كل ذلك فقد اتخذ محافظ الفيوم الأسبق بالاتفاق مع وزير الزراعة آنذاك قرارا بمنع زراعة الأرز بالمحافظة اعتبارا من الموسم الزراعى2008 – 2009 بدعوى توفير مياة الرى للأراضى العطشى فى نهايات البحور .
*ورغم الحزم الشديد الذى لازم تنفيذ القرار إلا أنه لم يحقق هدفه لأنه كان هدفا وهميا بينما كانت الحقيقة هى توفير المياة لبعض كبار الزراع المعروفين والحفاظ على مصالح مستوردى الأرز من الكبار..
*لقد أسفرت النتائج عن: تدهور شديد فى الأوضاع الاقتصادية للفلاحين وكبار الزراع وأصحاب مضارب الأرز وعمالها وارتفاع ثمن الأرز بالنسبة للمستهلكين ؛ وتدهورمتسارع لخواص التربة وصفاتها أسفرا عن انخفاض كبير فى إنتاجية الأرض المزروعة بالمحصول البديل للأرز وهو الذرة – الذى تحول إلى محصول علف لعدم إنتاجه الحبوب- بل وفى إنتاجية الأرض المزروعة بالمحاصيل التى تلى الأرز فى الزراعة كالفول والبرسيم .
* لذلك توصل بعض الزراع لرفع دعوى قضائية ضد القرار وحصلوا على أحكام نهائية باتة.
* و كان عام 2003 قد شهد ميلاد طريقة حديثة فى زراعة الأرزبالفيوم ترفع إنتاجه؛ وتوفر 60 % من احتياجاته المائية أشرف عليها معهد بحوث المياة ووثقها؛ وقام فلاحو الفيوم بتطبيقها لعدة سنوات أثبتت نجاحا مذهلا وعمّموها على الفلاحين فى عدة قرى محدودة؛ وشرعوا فى التعريف بها فى مناطق أخرى بالمحافظة ؛ وطالبوا مصدرى القرار المذكور بتعميمها فى المحافظة لتوفير المياة بدلا من حظر الزراعة والإبقاء على حصتهم من مياة الرى ثابتة إلا أن نداءاتهم ذهبت أدراج الرياح .
* وعلى مدى 3 سنوات عجاف أصر رجال الإدارة على الاستمرار فى تنفيذ القرار بينما أهل الفيوم جميعا يجأرون بالشكوى.. حتى اندلعت ثورة يناير فاجتمع عدد من هؤلاء وناقشوا الأمر ووجدوا أن العلم والقضاء والتجربة والمصلحة العامة كلها تدفع فى اتجاه ممارسة حقهم فى استئناف زراعة الأرز بل وتوفير مياهه *وشرع الكثيرون فى الزراعة برغم الحظر إلا أن رجال الإدارة رأوا غير ذلك:
1- ففى صباح 15 مايو 2011 توجه عدد من رجال الجيش بمصفحة وشاحنتين من الجنود وعدد من رجال الزراعة والرى والحكم المحلى إلى قرية منشية ربيع وقبضوا على أحد الفلاحين المخالفين للقرار ( عاطف محمد فيصل ) وأحالوه للنيابة العامة وبعد التحقيق أفرجت عنه بلا ضمان أو كفالة.
2- وتكرر ذلك صباح 23 مايو بنفس الكيفية ونفس التجريدة حيث أعادوا القبض عليه وقدموه للنيابة العامة التى حققت معه وأفرجت عنه بكفالة هذه المرة.
3- وفى الخامسة من صباح 25 مايو توجهت القوة المذكورة بقيادة الحاكم العسكرى للفيوم ونائب مدير الأمن وأعداد أكبر من رجال الجيش والشرطة والمسطحات المائية وممثلى الزراعة والرى والحكم المحلى والجمعية الزراعية وقاموا بتجريف أربعة أفدنة باللوادر و الحفارات وتركوا عاطف دون القبض عليه.
4- ثم كرروا العملية عصر6 يونيو2011 فى أربعة فدادين أخرى لنفس الفلاح بقرية ملاصقة ( قلهانة ).
وهكذا أجهزوا على زراعة الأرز لفلاح اقترض مبلغ مائة ألف جنيه من الدولة لإنشاء مضرب لتبييض الأرز غير عابئين بإمكانية تسديده للقرض من عدمه .
*ومن المنطقى أن يتكرر هذا الأمر فى نفس القرية وقرى أخرى خرقت القرار الإدارى استنادا إلى حكم قضائى نهائى يلغى القرار المذكورمما يضع الفلاحين فى صدام مباشر مع قوات الجيش والشرطة التى أصبحت وظيفتها مع زراع الأرز فى الفيوم هو مخالفة القانون وتجريف الأرض وتدمير مستقبل الفلاحين الذين لجأوا للقضاء لوقف تلك الممارسات غير المسئولة والحصول على تعويض يمكنهم من الاستمرار فى الزراعة.
*لقد تعددت مداهمات الجيش للفلاحين فى مناطق أخرى لم يكن من بينها إزالة التعديات على الأرض الزراعية وأراضى الدولة وإنما تدخلا فى نزاعات منظورة أمام القضاء المدنى وترجيحا لكفة متنفذين يخالفون القانون بالبناء على الأرض الزراعية ويغتصبون أراضى الفلاحين (فى عز الظهيرة ) أو تنفيذا لقرارات إدارية أدانها القضاء وكشف الواقع عورتها وتجاوز العلم مبرراتها أو محاباة لزميل سلاح سابق أو لمتنفذ معروف وهو ما يؤكد أن المنطق القديم لازال هوالسائد وهو الموجه لتحركات المجلس العسكرى ليس فى مواجهة كثير من الفلاحين فقط بل وكثير من الفقراء.
وإزاء جملة التطورات التى تجرى فى مصر وتدشن بداية تشكل استقطابات سياسية واجتماعية بعينها فإن أعدادا متزايدة من المجتمع قد بدأت تشارك فى أحاديث السياسة دون أن تنخرط بنفس القدر فى الحياة السياسية ولا يمكن القطع بما تضمره الأيام القادمة لكن يبقى أمامنا سؤال ينبغى الإجابة عنه بصراحة هو : أين ومتى كان لحكم العسكر شعبية حقيقية؟
28 يوليو 2011 بشير صقر
عضو لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح الزراعى – مصر